الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
قال أحد الصالحين: "
اغسلوا وجوهكم بدموعكم ، وألسنتكم بذكر الله ،وذنوبكم بالتوبة وقلوبكم بالخشية".
إنها وصفة طبية ربانية تعالج الأمراض الروحية والأسقام القلبية جوهرها والرابط بين
أدويتها هو التطهر "إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴿البقرة: ٢٢٢﴾.
1.اغسلوا وجوهكم بدموعكم :
الوجه هو المعبر عن الشخصية ويطلق على الإنسان نفسه،كما قال
الله تعالى "يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴿آل عمران: ١٠٦﴾" ، "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ
﴿٨﴾ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ" ﴿٩﴾" الغاشية
ويعني بالوجوه أصحابها.
وتتلوث هذه الوجوه بالبعد عن الله تعالى ومخالفة أوامره و تعدي حدوده ولا شيء أنفع لها من أن تغتسل بدموع الندم على الذنب والشوق إلى الله تعالى والتفريط في جنبه وتفكر القبر وعرصات الحساب ومحطات المساءلة والكتاب والميزان واجتياز الصراط ،
روى الترميذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"لا يلج النار رجل بكى من خشية الله"
،وفي الحديث المتفق عليه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الذين يظلهم الله عز وجل بظله فقال
:"رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".
وقد كان لأسلافنا عهد وثيق مع البكاء ثم قست القلوب فلا تكاد تجد باكيا على مصيره
وتقصيره ،في حين يبكي على مطرب ماجن مات أو على فريق رياضي فاز في مباراة أو أخفق...فما الوجه الذي سيقابل به ربه؟ أوجه تطهر من أدرانه أم وجه آخر "ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة"؟
2.واغسلوا ألسنتكم بذكر الله :
يتلوث اللسان بالفحش والكذب والغيبة ونحوها من المخالفات
الشرعية فيفسد بدل أن يصلح فيوشك أن يورد صاحبه موارد الهلاك وإنما علاجه في ذكر الله
عز وجل ،في تسبيحه وحمده واستغفاره ، في التهليل والتكبير والحوقلة ،
قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴿٤١﴾ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴿٤٢﴾" الاحزاب
وقال "وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٤٥﴾". الانفال
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر مثل الحي والميت"رواه البخاري.
ذكر الله تعالى يغسل الألسنة من أوساخها ويطهرها ويحصنها.
3.واغسلوا ذنوبكم بالتوبة:
لا تكمن المشكلة في ارتكاب الذنوب-فذلك من خصائص الإنسان
الملازمة له- وإنما تكمن في التمادي فيها واستساغتها في حين ينبغي أن يسارع المؤمن إلى
معالجة ما اقترفه من معاص بالتوبة إلى الله تعالى واستغفاره والإنابة إليه والتضرع بين
يديه والارتماء على عتبة بابه وقرعه بإخبات وتذلل وانكسار وطلب العفو منه ،فتلك هي
العبودية في أبهى صورها حيث يظهر العبد ضعفه أمام قدرة ربه وفقره أمام غناه وصغره أمام
عظمته ،وهذا يقوده إلى فتح صفحة جديدة فيها ندم وعزم على الطاعة وتطليق المعصية
والإكثار من العمل الصالح ،قال تعالى " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ﴿هود: ١١٤﴾
مثل هذه العودة إلى الله تعالى هي التي يفرح بها الله أشد الفرح ويعود بها المؤمن إلى
رشده فيصلح حاله ويعتذر إلى الله وإلى الناس ويفرح هو الآخر بها لأنها تطهره من الذنوب
،قال تعالى "..إِلَّامَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿الفرقان: ٧٠﴾."
4.واغسلوا قلوبكم بالخشية :
لله عز وجل مقام رفيع يفرض على العباد أن يعرفوا قدره فيحسنوا الأدب والتعامل "وما قدروا الله حق قدره".
ولذلك يجب على العاصي أن ينظر إلى عظمة من عصى لا إلى صغر جرمه ،
قال تعالى "إِنَّمَاالْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَاذُكِرَاللَّـهُ وَجِلَت ْقُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿الأنفال: ٢﴾ "
،فالخوف ملازم للمؤمنين لأنهم يعرفون مقام ربهم جل وعلا ولأن عاقبة الخشية
ترغبهم في الالتزام بها. "وَلِمَن ْخَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴿الرحمن: ٤٦﴾ ".
يحرص المسلم التقي الصادق أن يغرس في قلبه شجرة الخشية ويتعاهدها بالرعاية حتى تستوي
فيرجو بذلك دخول الجنة في الآخرة والنجاة من خشية غير الله في الدنيا ،وليس مثل الخشية علاج لتعلق القلب بزخارف الحياة وشهواتها ومن قسوة القلب التي هي أساس كل شر،
قال تعالى "يَاأَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوااللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿آل عمران: ١٠٢﴾ ،
وقال "وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ ﴿آل عمران: ٢٨﴾
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ ﴿آل عمران: ٢٨﴾ ".
هذه أربعة أدوية ربانية فعالة تعالج ما يعتري المؤمن من أمراض قلبية وسلوكية فتاكة
يحسن بالمؤمن تناولها مع لزوم الحمية ليكون من السعداء في الدارين