أنا تعرضت في فترة لضغط نفسي شديد وكرب وضيق؛ فأنا الآن أصبحت -وربنا يسامحني- أشك في وجود الله سبحانه وتعالى؛ بل تأتيني وساوس تقول لي -حاش لله- أنني أنا الله، وأنا أعلم أن كل ذلك ليس صحيحا؛ فهي تظل تلح عليّ، وفي بعض الأحيان أصدقها.
هذه الوساوس نغصت علي عيشتي ولا أجد لها حلاً وأنا أصلي لا أفعل شيئا يغضب الله، وإذا نويت أن أدعو الله تأتيني الوساوس وتقول لي: أنت تدعو من؟ ليس هناك إله لأنك أنت الله.
أرجوكم وأتوسل إليكم، بالله عليكم تشوفوا لي حل؛ أنا قربت انهار أنا حاسس إن أنا باضيع لو تعرفوا حاجة تبعد عني الوساوس دي قولوا لي عليها، لو ده مرض نفسي قولوا لي نفسي أحس بأجمل لذة في الدنيا لذة الإيمان والتوكل على الله اللي أنا فقدتها. يا ريت ما تتأخروش عني.
*******morad********
صديقى العزيز.. مشكلتك إذا توقفت عند الشك في وجود الله (جل وعلا) فأنت على ما يرام؛ فهذه الحالة دائما ما تنتاب المؤمن عندما يصادف ما لا يدركه أو يفهمه مما يدور حوله من أحداث. وكل ما ينقصك أن تؤمن أن وجود الله (تبارك وتعالى) ليس مرتبطا لا بما تفهم ولا بما تعجز عن فهمه.
وإذا جاءك الوسواس الخناس الذي هو الشيطان الذي قال للإنسان اكفر، فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين؛ فلتتأكد أنك مؤمن وعلى الصراط المستقيم أيضا، وعليه ليس أمامك إلا أن تتفوق بإرادة الإنسان القوية على كيد الشيطان؛ وخاصة أن القرآن يقول: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا}.
وفي كلا الحالين أنت مؤمن؛ فالكافر أو الملحد لا يهمه إذا كان من لا يؤمن به موجودا أو غير موجود، والشيطان لا يقعد إلا لعباد الله المؤمنين ليصرفهم عن الإيمان، يقول الله (تبارك وتعالى) في كتابه العزيز على لسان الشيطان: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم}. يعني كل من آمن واستقام أنا له لأصرفه عن هذا الإيمان.
ولنعد لكونك تتشكك في وجود الله... وأسألك سؤالا: ومن منا لا تأتيه لحظة يغلب عليه العجز والضعف ويسأل صارخا أين أنت يا الله؟؟؟ ولقد حدث هذا معي ومع الآلاف؛ بل ربما الملايين عندما دخلت الآلات الحربية تقتل في شعب فلسطين المحاصر بلا ماء ولا غذاء ولا دواء... ودخلت معها الجرافات تجرف الأرض تقتل الخضار والأشجار والثمار، وتهدم البيوت لتترك الأرض خرابا لا يسكنها إلا الجثث والدمار. وكل هذا تحت سمع ونظر أصحاب نظريات الأخلاق وحقوق الإنسان... إلخ.
ويتكرر السؤال مع كل لحظة عجز يتواكل فيها الإنسان على ربه؛ فإذا لم يجده؛ لأنه لم يأخذ بالأسباب ولم يتوكل حق التوكل، شك في وجود الله. وتأتي مع العجز أمام موت الابن أو الأم أو الحفيد أو الحبيب... إلخ.
فهل ما سبق ينفي وجود الله الذي يؤكد وجوده في تنفسك للهواء الذي يحتوي الضار والنافع؛ فمن ينقيه ويأخذ اللازم للحياة ثم يطرد الهواء الضار إلى الخارج؟ وكيف تعمل باقي أجهزة جسدك التي يحتوي كل جزء منها على كمبيوتر غاية في الدقة والتعقيد يعمل دون تدخل بشري. يقول تبارك وتعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.
كذلك إذا تأملنا ما حولنا من مخلوقات الله مثل: سماء مرفوعة بلا عمد، فيها شمس وقمر وأرض سخرها لتحمل البشر والشجر والأنهار والبحار... قال تعالى: {الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار، وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار}.
هذه -يا صديقي- دلائل وجود الله في نفسك وفي آياته حولك، وشكك في وجود الله يعني خللا في يقينك أنت بوجوده لأسباب عدة: • منها ما ذكرته لك من قبل عن عجزنا عن فهم بعض ما يدور حولنا. • ومنها غياب المصطلحات الأساسية للمسميات الكبرى مثل: العدل الذي أصبحنا نفتقده، وحل محله ظلم شديد، ومنها الرحمة التي نفتقدها، وحل محلها القسوة، وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ومنها الأخلاق التي نفتقدها بعد أن حل محلها البلطجة، والفتونة، واللي تغلب به العب به، ومنها غياب الرموز الدينية، والروحية ليحل محلها لاعب كرة أو راقصة أو مرتشٍ أو مختلس أو.. إلخ. • ومنها أننا نسينا الحذر من الفتن التي نبّهنا الله (تبارك وتعالى) إليها وهي: المرأة، والولد، والمال، والسلطة، والنفوذ، والذهب، والفضة.. فغرقنا في المحظورات وأصبح همّ الناس الأول جمع المال، والحصول على امرأة حتى لو كانت سوزان تميم، وبعدها الإعدام. • ومنها أيضا الغرق داخل النفس في الشهوات والملذات حسية كانت أو جسدية. • ومنها وأخطرها اتّباع الهوى لقوله تعالى: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه}.
وهذه المفاسد صديقي وقعنا فيها بما كسبت أيدينا لقوله تبارك: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}.
ويمكنك -صديقي- أن تتخلص من هذا الشك في وجود الله بعد أن فهمت أنك لا تشك بالفعل، وأن ما يدعوك لهذا الشك ظروف وملابسات لا يد لك ولا لغيرك فيها إلا الابتعاد عن منهج الله الذي هو كتابه العزيز الذي قال عنه إنه شرعة ومنهاج؛ بمعنى أن الدين معاملة كما يقول الحديث الشريف، معاملة مع الله (تبارك وتعالى) وهي العبادات، ومعاملة مع خلق الله التي تستلزم المنهاج، وهو معاملة مع الله ومع الناس بضمير يقظ وأخلاق.
فالصلاة التي يخرج منها المصلي كما دخلها ليست بصلاة ولا بأخلاق يتعامل بها المصلي مع ربه؛ ففي الصلاة يكون المصلي في حضرة ربه بقوله الله أكبر، ثم يتقاسم معه الفاتحة، ويناديه وكأنه أمامه بقوله: {إياك نعبد وإياك نستعين}. والكاف –صديقي- هي كاف الخطاب للحاضر الواقف أمامك؛ فاليقظة تتجلى في أن أشعر بوجود الله أمامي، وأن أعلن له أنني لا أعبد إلا إياه ولا أسأل أو أستعين بغيره، والأخلاق أن أشعر بوجود الله في الصلاة ويشعر ربي (تبارك وتعالى) بوجودي؛ بمعنى لو كنت تكلم زميلك وهو منصرف عنك لا يسمعك ولا يشعر بوجودك أحسست بالإهانة وأنت بشر، فما بالك والناس تدخل الصلاة وتخرج منها يتجاهلون ربهم وبالتأكيد يتجاهلهم.
أيضا -صديقي- أنت تحتاج للتأمل الكثير الكثير؛ فإذا ما تناولت طعامك اسأل نفسك كيف يتم هضم هذا الطعام؟ وكيف يتحول إلى مادة تسير في الدم؟ وكيف تصل إلى كل جزء من أجزائه؟ وكيف تنمو هذه الأجهزة؛ كالقلب، والكبد... إلخ من خبز، ولحم، وخضار، وفاكهة.
وتأمل أيضا كيف يتخلق الطفل في بطن أمه؟ وما هي بداياته حتى يولد؟ وتأمل النبات، والحيوان، والنجوم، والبحار وما فيها... ومن المؤكد ستخرج بنفسك من هذه الدائرة الوهمية التي فرضت نفسها عليك.
أما ما يوسوس لك به الشيطان من أنك إله فعلاجها أن تجادل شيطانك كما جادل نبي الله إبراهيم (عليه السلام) أهل كنعان الذين كانوا يعبدون الكواكب؛ فلقد وافقهم على عبادة الكواكب حتى أثبت لهم أنها لا تصلح لا له ولا لهم؛ فهي مخلوقات لله الخالق الواحد سخرها للناس.
قال تعالى: {فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين، فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين}.
وهكذا -صديقي- جارى قومه وقال أمامهم هذا ربي، ثم لما غاب الكوكب قال لا أحب الآفلين -يعني كيف أعبد ربا يغيب؟؟!!- ثم قال بعد القمر لئن لم يهدني ربي -يعني له رب غير القمر- أنه سيكون إذا كان القمر ربه من القوم الضالين، وفي نهاية الأمر تبرأ منهم ومما يعبدون.
يعني تتفق أنت وشيطانك على أنك فعلا إله، واسأله هذه الأسئلة: • أين عبادي الذين يعبدونني؟ وأين الأرض التي تجري من تحتها الأنهار تحتي؟ وأين ملكي؟ قال تعالى على لسان فرعون عندما قال للمصريين أنا ربكم الأعلى: {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون}. • ثم قل له: إن الله الذي يعرفه الناس يملك فهو ملك، وهو مالك {مالك يوم الدين} ويوم الدين هذا ليس يوم القيامة فقط؛ بل هو الزمن الذي لا يستطيع إنس ولا جن أن يعود به للخلف ولا يتقدم به للأمام، ثم اسأله هل أنت مالك أم مملوك؟؟ • وأنا أعرف الإجابة وهي أنك لست إلا مملوكا • يملكك الجوع والعطش والحاجة الماسة لكليهما. • ويملكك حب الامتلاك للمال، والبنين، والنساء... إلخ • ويملكك حب الجسد، والشهوة، والغريزة... إلخ. • ويتملكك النوم، والنعاس، والغفوة... إلخ. • ولك فضلات تسير بها في بطنك وتنام، وإن لم يساعدك الله لتُخرجها من جسمك زهقت حياتك وتعفنت وأكل جسدك أقل مخلوقات الأرض وهي الدود.
• وأنك تنسى وتخطئ.
ويمكنك صديقي أن تعد أشياء لا حصر لها تؤكد بشريتك، وأن الله فقط هو الذي لا تأخذه سنة، ولا نوم، وهو مالك الملك، المحيي، المميت.
ونصيحتي لك صديقي تتلخص في الآتي: كن صاحب يقظة وأخلاق في تعاملاتك مع الله في العبادة، وفي تعاملاتك مع الناس في بيتك ومع أهلك.. حتى من تمر بهم في الشارع.
أكثِرْ من التأمل في مخلوقات الله، ومنها جسدك ونفسك وما يحيط بك.
تعلم القرآن كمنهج حياة تعمل به، ولا تأخذ معلومات من الآخرين؛ بل ابحث عن معلوماتك بنفسك فما أسهل أن تعرف دينك عن طريق تفسير القرآن للشيخ الشعراوي بالذات؛ لأنه حديث، ويوافق الحياة العصرية بمشكلاتها.
استفد صديقي من هذه المشكلة بأن تسعى لإخراج نفسك منها، وستخرج بإذن الله، واكتب تأملاتك، وما يصادفك؛ فلقد سبقك الدكتور مصطفى محمود الأديب الطبيب في هذه المشكلة التي أوصلته إلى تمام اليقين وكتب كتابا يمكنك الحصول عليه اسمه (رحلتي من الشك إلى الإيمان).(الكتاب موجود على المنتدى يمكنك تحميله فى المكتبة الشامله..حسن بلم)
عدل سابقا من قبل hassanbalam في 2011-09-09, 7:24 pm عدل 1 مرات
????
زائر
2009-12-03, 8:35 pm
الموضوع ده جميل جدا جدا وبجد استفدت منه كتييييييييييييير شكرا ليك يا حسن