® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2011-01-23, 8:39 pm | | كتاب دخل قلبي
لا يزال كتاب "عقيدة المسلم" للعلامة الشيخ "محمد الغزالي" من أمهات الكتب في التوحيد برغم حداثته، وغالباً سيظل محتفظاً بقدره وقيمته لعقود طويلة قادمة؛ وهذا لأنك تشعر بأن كاتبه خطه بقلمه وبمشاعره، وأن عقله وقلبه كانا يمثّلان وحدة ممتزجة لا تنافر فيها؛ لهذا خرج الكتاب مخاطباً كل إنسان؛ من الشخص العاميّ، إلى المثقف، وهي صفة قلّما تجدها في كتب التوحيد التي تتراوح ما بين الترفّع بلغة صعبة، أو التبسّط إلى حد الركاكة.
وكتب التوحيد تهتم بعقيدة المسلم منذ أن يشهد بأنه لا خالق لهذا الكون إلا الله، وما يليق بذاته المقدّسة، وما يتعلق بالنبوّات، وبخلق الإنسان، وبالعالم الآخر، وما فيه من حشر وحساب وجزاء؛ لذا يمكن القول بأنه يهتمّ ببدء الإنسان ومنتهاه على ظهر هذا الكوكب الضيق، ونهاية بالخلود في جنة أبداً، أو نار أبداً.
مقدمة مهمة.. مليئة بالشجن! يؤكد الشيخ محمد الغزالي في مقدمة الكتاب أن السبب الذي دعاه لهذا الصنف من البحوث الجليلة هو قلة الكتب الموجودة بالفعل، وأن هذه المسائل التي أثيرت في علم الكلام يؤخذ عليها بأنها تُقال وتُدرس وكأنها علوم نظرية بحتة تهتمّ بالأسباب، وما يتمخض عنها من نتائج، وهي لا تختلف كثيرا عن طريقة عمل الآلات الحاسبة، فهل يجوز أن يكون هذا الكلام البارد المتعقّل عن ربّ السموات والأرض، الذي بيده مآلنا ومصيرنا؟
وهذا ما جعل بعض النفوس تنفر من طريقة علماء الكلام هذه، وتلجأ إلى التصوّف، والتصوّف -كما يؤكد الشيخ- أنعش عاطفة الحب لدى العامة، لكنه مجال فيه الكثير من الشطحات والمزالق، وهو يؤخذ منه ويردّ، ولا يجوز أن يُترك هكذا؛ خشية أن يحدث ما لا تُحمد عقباه.
نقطة أخرى يثيرها الشيخ متعلّقة بولع علماء الكلام بالجدل والنقاش، واستخدام منطق أرسطو وإفحام الخصم، وربما يكون هذا الترف العقلي مقبولاً في زمن كانت فيه الحضارة الإسلامية سيدة الدنيا، لكن مع الأسف "ذهب الرجال وبقي الجدال".
يجب أن يكون هناك تركيز على توحيد أفكار ومشاعر الأمة، ومجرد نقل هذه الخلافات من القاعات العلمية إلى مجال العامة، فهو خيانة لله ورسوله ولعامة المسلمين.
والكارثة هنا أن الخلافات التي نشأت بين فرق الكلام راحت تتطوّر، حتى تحوّلت لشيء مخيف ينذر بتفكّك الأمة ودمارها؛ فهناك خلاف بين أهل السنة والمعتزلة حول حقيقة السحر، ناهيك عن الخلاف حول هل الإنسان مخيّر أم مسيّر، طليق الإرادة أم مقهورها، ثم تخرج النتيجة بأن الإنسان مُجبر على فعل ما يفعله، وأنه لا حول له ولا قوة، وبالتالي تكون العاقبة نشوء جيل ساقط الهمة، لا تفيد منه أمته بشيء، ويعيش ظلاً لا قيمة له.
ثم الخلاف الشهير في أحقية فلان أو علان بالخلافة، وهو الخلاف الذي نشأ بين علي بن أبي طالب وأصحابه، وإلى الآن ما زالت أوار الحرب مشتعلة.
ثم هل توجد أمة تجترّ ماضيها السحيق كما تفعل أمة الإسلام؟
النقطة الأخيرة في مقدمة الشيخ أن بحوث التوحيد تُدرّس بطريقة عتيقة لا تُناسب العصر الذي ازدهر فيه الأدب، وصار كتّابه يتفنّنون في استخدام أساليب اللغة، ومواطن جمالها، فهل يُعقل أن تكون كتب التوحيد موزّعة بين المتن والشرح والحاشية والتقرير، وهذا كله بلغة سقيمة وركيكة؟ الله.. الحقيقة الأولى يُعتبر القسم الأول من الكتاب هو أخطر أقسامه عامة، وعليه يعتمد كأساس، ومنه تنبثق بقية الفروع؛ فهو يتحدث عن الله تعالي، وما يليق به من إجلال وتعظيم؛ فالشيخ يقول بلهجة ملؤها الحب وصدق العاطفة: "والله تبارك وتعالى أهلُ الحمد والمجد، وأهل التقوى والمغفرة، لا نحصي عليه ثناءً، ولا نبلغ حقه توقيراً وإجلالاً".
ثم يبدأ الشيخ في رحلة يقود فيها القارئ برفق؛ ليعرفه فيها بخالقه عن طريق الحديث عما ينبغي لله من تعظيم وتقدير، وهذا لن يتحقق إلا بتحقيق التوحيد، فوجود الله من الأمور البدهية التي لا تحتاج إلى تعقيد، أو نظريات علمية، فهي مغروسة في فطرة البشر، بأنهم خُلقوا بواسطة خالق عظيم، لا حدّ لقدرته وعظمته.
وعالمنا المادي يعدّ من أوضح الأدلة على أن هذا الكون لم يُخلق اعتباطاً؛ فالأرض التي تدور بنا في الفضاء الرحب، المسافة بينها وبين الشمس مقدّرة بشكل يجعل قربها من الشمس أكثر سبباً لاحتراقنا بحرارتها، ولو بعدت ميلاً واحداً فهذا كافٍ لأن ينتشر الصقيع، ويلقى البشر مصرعهم، وهذا يدلّ على أن العالم لم يُخلق صدفة كما يقول الملحدون.
ثم يتطرق لعقيدة الألوهية عند العلماء والفلاسفة، ويؤكد أن التوحيد المغروس في طبائع البشر قد تشوبه شوائب ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا هو السبب لوجود الأنبياء والرسل؛ من أجل تبليغ الحقيقة كاملة، وحتى تقوم الحُجّة عليهم.
أما عن كون الله -سبحانه وتعالى- هو الأول، فالشيخ يقول: "وجود الله ممتد في القدم، بحيث لا يُتصور قبله وجود شيء".
وهو الآخر الذي لا يصيبه فناء: "والله سبحانه باقٍ أبداً، إنه ليس جسماً فيموت، ولا مادة فتتحلل وتذوي، إنه الدائم الذي يصير إليه كل شيء".
والله الباقي يتفضّل على المؤمنين في الجنة بالخلود إلى أبد الآبدين، بلا موت أو فناء، وهذا من فضله سبحانه وعظيم كرمه، وهذا الخلود لا نسبة بينه وبين بقاء الله، فوجوده واجب لذاته لا ينفكّ عنه" أما ما عداه فهو صفر إن لم تدركه نعمة الوجود المفاض عليه من الخالق جلّ علاه". الله تعالى خالق هذا الوجود، وما فيه من كواكب ونجوم ومجرّات، وعوالم لا نعلمها. إنها قائمة بأمره، وتسير حسب ما خطط لها القادر العظيم. إن أنفاسنا، وأحلامنا، وأجسادنا، ومبتدانا ومصيرنا كلها بيد الله، يتصرّف فيها كيفما يشاء، والعالم يحتاج لله في كل لحظة من لحظات الزمن، ولو تخلّى الخالق العظيم عن هذا العالم لحظة واحدة لأصابه التدمير والفناء. إن الله ليس كمثله شيء، ومهما خطر لك خاطر عن كنه الله، فالله بخلافه، وهذا أمر طبيعي؛ فكيف للمخلوق أن يصل بعقله وخياله إلى حقيقة الخالق؟
وما ورد في القرآن الكريم فيما يتعلق بالذات العليا، هو من باب التقريب إلى الأذهان الكليلة القاصرة، ونحن نؤمن به، ونقرّ به.
والله واحد لا شريك له في هذا الكون، وبيده الأقدار والأرزاق، وكل شيء بحكمة ومقدار. ولا واسطة بين العبد وربه؛ فلا يجعل المسلم -إن أراد أن يخلص العقيدة ويُصفّي النية- بينه وبين ربه حجاب؛ كما يفعل البعض عندما يذهبون لأضرحة الأولياء؛ اعتقاداً منهم بأن هؤلاء الموتى بيدهم الكثير ليقدّموه!
والله قدير لا حدّ لقدرته، ومريد بحيث إن كل ما يريده يكون، وعلى الرغم من أنه -سبحانه- حكيم فلا يعني هذا أن كل شيء يتمّ هكذا اعتباطاً. إن الله جعل من سنن الحياة أن كل شيء له مسببات ونتائج، وأن قيام الأمم وزوالها له معايير ومقاييس، وأن الله لا يضيع أجر المجدّ العامل، ولن يرفع أمر الكسول المتخاذل.
هل الإنسان مُخيّر أم مُسيّر هل الإنسان مُخيّر أم مُسيّر؟ سؤال قديم، وطالما أثير في كتب علم الكلام، وبحوث التوحيد. هنا يلقي الشيخ الضوء عليه، فيقول فيما معناه بأن هناك أشياء لا نؤاخذ أو نحاسب عليها، فلغاتنا، وألواننا، والبلاد التي نشأنا فيها، والزمن الذي وُجدنا فيه، وآباؤنا، والطبائع التي نرثها منهم... إلخ. فكل هذه الأشياء تخرج عن نطاق سيطرتنا، ومحاسبتنا أيضا، وهو جزء من القدَر الذي نؤمن به إيماناً كاملاً لا يجعل المسلم يتأخّر عن تأدية واجبه مهما كان.
أما ما نُسأل عنه، ونحاسَب عليه، فكل ما نحن مخيّرون بشأنه من طاعة ومعصية، وطبيعي أن الله لا يحاسب شخصاً على شيء هو مُجبَر عليه، فالله لا يظلم الناس مثقال ذرة، وإنما يكون الحساب على اختياراتنا، بكامل إرادتنا.
والعلم الإلهي هنا هو علم إحاطة وشمول، وليس علم إجبار على الشيء، ويضرب الشيخ مثالاً بالمرآة المجلوّة التي ننظر فيها، فنرى أنفسنا فيها دون زيادة أو نقصان، وهذا إن دلّ فإنما يدل على أن "صفحات العلم الإلهي ومرائيه لا تتصل بالأعمال اتصال تصريف وتحريك، ولكنه اتصال انكشاف ووضوح، فهي تتبع العمل ولا يتبعها العمل".
وهكذا فلا حُجّة لقاعد كسول عن العمل، وما أسقط الأمة إلا تصوراتها المشوّهة في العقيدة. ومسألة القضاء والقدر، والخطيئة، وعلاقة العمل بالإيمان أسهب الشيخ في توضيح خطورتها، فليرجع إلى الكتاب من أراد مزيداً من التوضيح.
الأنبياء واليوم الآخر أتى الأنبياء كلهم برسالة واحدة هي توحيد الله، وعبادته، والتذكير باليوم الآخر؛ حيث يُحاسب الإنسان على ما قدّم وما أخّر. والأنبياء هم أشرف الخلق، وصفوتهم، اجتباهم الله ليكونوا للبشرية الحائرة مرشدين يقودونهم في رحلتهم إلى الله.
ويتحدّث الشيخ عن الأنبياء حديثاً طويلاً، ثم ينتقل إلى العالم الآخر، مبدوءاً بالبرزخ، مؤكداً أن القبر هو بداية العالم الأخروي، وأن فيه إحساساً فائقاً بحياة أعلى وأقوى، تليق بتلك المرحلة الجديدة من حياة الإنسان.
وإن اليوم الآخر هو اليوم الذي يتم فيه الحساب الشامل، الذي لا يترك شيئاً، ويتعرّض لمسألة الشفاعة، فيؤكد أنها ليست كما فهمت العامة من أن رحمة الله ستغمر الجميع، بل هي أشبه ما تكون بدرجات الرأفة التي يضعها المدرّسون للطلبة الذين اجتهدوا، لكنهم لم يصلوا لدرجة النجاح، أما الراسبون فلا مجال لنجاتهم، وكل شيء -في النهاية- مقرون بإرادة الله ومشيئته.
بحسب المسلم أن يعمل بإخلاص، وأن يضع الله في خاطره، حتى يلقاه. _________________ حسن بلم | |
| |