حبّة القمح أكثر امتلاءً من أوقيانوسات الفراغ في مساحات الكون. لا لأنّها جميلة بل لأنّها على موعدٍ مع يد...
لولا النظر لما كان النور ولولا الرغبة لما كانت الجاذبيّة. ومَن يعرف إن لم يكن العكس كذلك صحيحاً؟ أليس النور ما استدعى النظر والجاذبيّة ما ولّد الرغبة؟ أين السلب وأين الإيجاب؟ تبادُلُ أدوار. الناس نيام، يقول حديث نبوي، الحياة حلم، يقول كالديرون، وماذا لو كان الموت هو أيضاً نوماً؟ هو أيضاً حلماً؟ أم أنّنا نعزّي أنفسنا مَحْضَ عزاء، كلمات كلمات كلمات؟
هذا الشكل الطيّب الخِداعِ الذي هو الجسد يظلّ يتقلّب بين البشاعة والمعجزة، تارةً يُرعب بسرعة زواله وطوراً يخلب اللبّ بظلالٍ وأجنحة تعطي مَن يراها أو يحلّق بها طعم اللذّة القصوى، ملغيةً نكهة الرماد ومنسيةً كل شيء إلّا رحمة النسيان.
ولا نعرف إن كنّا سراباً في فراغ أو انعكاساً لما يفوقنا ويُمْسكنا في الفسحة المخيفة بين رقصة الكواكب.
الفراغ الفراغ. ولكن كيف صار الفراغ؟ أليس هو أيضاً، ككلّ شيء، جواباً على ما فينا؟ وما الذي فينا حَسَّسنا بالفراغ؟ كيف للحياة الدائرة في العروق أن تشعر بالفراغ؟ ما هذا الذي فينا يجوع إلى أكثر ممّا فينا، وعند العجز عن بلوغه يشعر بأنه فَقَدَ التوازن وأَخذ يسقط؟
ما الذي يَسْقط؟
أهو ضغط الدم، على هذا النحو البسيط التافه، ولا أكثر؟
أهو العَصَب المتحسّس؟
أهو واحدٌ من أمراض الوهم؟
... ولكن لماذا، حين يأخذنا إشراقٌ، كالإيمان أو الحبّ، يتوارى الفراغ؟
ولماذا، لماذا يبدو الفراغ أحياناً كأنّه ـ بل هو، بل هو ـ افتقادٌ لحضورٍ ما، مقعدٌ شاغرٌ لأحدٍ ما في القلب؟
كأنّ الفراغ الرهيب البهيم السحيق الذي ينتظم الكواكب ما هو سوى نوم الرغبة. نومها عنّا.
والتي كلّما نامت غابت الشمس.