كسرت الطفلة حصّالتها وعدّت النقود عدّة مرّات، تسلّلت من الباب الخلفي وذهبت للصيدلية الموجودة على ناصية الشارع السادس من منزلها، وقالت للصيدلي: أخي مريض وأمّي قالت أنّه يحتاج لمعجزة ليشفى، فأريد أن أشتري له معجزة، قال لها الصيدلي أنّه لا يبيع معجزات، بينما سألها أخ الصيدلاني الذي كان يقف بجانبه عن المال الذي تملك، فقالت له أنّه دولار واحد وأحد عشر سنتاً، فردّ عليها بأنّه المبلغ المطلوب لشراء معجزةٍ لأخيها، أخذ النقود منها وأمسك بيدها طالباً منها أن تذهب معه إلى منزلهم، فعاين أخاها وقال لوالديه بأنّه سيأخذه إلى المستشفى ويعمل له العملية التي يحتاجها لإزالة أورام المخّ، فأخبروه بأنّهم لا يملكون المال الكافي لذلك ويحتاجون لمعجزة لتوفير المال، فقال لهم بأنّه قبض دولاراً وأحد عشر سنتاً ثمناً لتلك المعجزة وأنّها لن تكلفهم أكثر من ذلك، هذا الرجل لم يكن سوى الدكتور كارلتون آرمسترونغ، من أشهر المتخصّصين في جراحة المخ والأعصاب في شيكاغو.
إنّ الحياة مليئة بالفرص التي تدعونا جهاراً لكي نأخذ خطوات نمارس من خلالها إنسانيتنا ونساهم في ايجاد وضعٍ أفضل للناس، ولكن الفرص الخفيّة لا تعدّ ولا تحصى وهي أضعاف أضعاف الفرص الظاهرة، والتي من خلالها نستطيع أن نمارس الجانب الإنساني من حياتنا بشكل مختلف، فحين تكون الفرص واضحة، كأن يطلب منّا شخص شيئاً أو أنّ مفهوما خاطئًا دارجٌ بين الناس ونستطيع من خلال موقعنا أن نساهم في تصحيحه، أو كأن نعرف بوجود وضع سيء لشخص أو عائلة أو مجموعة نستطيع أن نقوم بتغيير إيجابي فيه، فنحن نؤدي نداء الواجب، ومع أهمية هذا الموضوع، إلا أنّ تجاهلنا له يُشعرنا بتأنيب الضمير وأنّنا قصّرنا في جانب كان يجب علينا أن نقوم بعملٍ ما حياله.
ولكن الفرص الخفيّة لها وضعٌ مختلف تماماً، فهي لا تُنادينا، بل نحن نبحث عنها ونتلمّسها ونستشعرها، وهذه عملية ترقّق القلب وتعلّمه الدقّة والرحمة وتدرّبه على التعرف على ما يجري حوله وترفع الوعي الإنساني درجات أعلى، فحين يتعرّف الإنسان على فرصة من خلال كلمة أو حركة أو أيّ مجال آخر، ويعرف أنّه يستطيع أن يساهم في حلّ مشكلة أو رفع أذى أو رسم ابتسامة، دون منٍّ أو أذى أو إشعار تفضّل، فغالباً ما يكون وجوده ومساعدته غير متوقعة لأصحاب المشكلة، وقد ينظرون إليه بمثابة باب للفرج فتحه الرحمن لهم من خلال هذا الشخص، فشُكرهم للخالق وحمدهم له سيكون له طعم آخر وروح مختلفة قد تغيّر نظرتهم للحياة وللناس وللأمل بالله وبالخلق، فلو لم تكن لذلك الطبيب هذه الروح السامية لانتهى حوار البنت مع الصيدلي بتفهيمها بأنّ المعاجز لا تباع في الصيدليات وعليها أن ترجع لمنزلها.
فلنتحسّس الفرص التي نستطيع بها أن نمارس دوراً راقياً في الحياة، ولا ندري كم مرّة قد يكون وجودنا وعملنا بمثابة معجزة لشخص ما، ولكنّه بالتأكيد سيكون محفّزاً لشكر وثناء الله والأمل به، وهل يوجد أسعد من إنسان ساهم في أن يحمد شخصٌ الله من عميق قلبه شاكراً؟