غرفٌ كثيرة في بيت كبير، بيت جدى القديم
نشأت على عادة التنقل بين الغرفة والأخرى منبهراً مغموراً بالروائح الحميمة التي تتميز بها كل غرفة.
هذا هو مكان الطفولة الأول.
كل حجرةٍ مكانٌ.
للغرف في البيت التقليدي الكبير طقوس غامضة أحياناً،
كأننا لم نكن قادرين، آنذاك، على إدراك سر الخصوصية التي تتميز بها كل غرفة في ذلك البيت.
غرفة جدتى هي أهم وأكبر الغرف في البيت بلا جدال.
مجرد الجلوس تحت سقفها يضفي أهمية خاصة على الحضور.
وأذكر أن والدي لا يحلو له الجلوس إلا في تلك الغرفة. وفي الشتاء خصوصاً تكون السهرات حول المجمرة بعد العشاء لحظات لا تضاهى.
في غرفة جدتى ثمة صندوق قديم من خشب مزين بصفائح النحاس
يحتوي عادة أغلى الممتلكات وأهمها وأكثرها حميمية وسرية.
وربما لهذه الأسباب مجتمعة (يبيت) دائما أقرب إلى جدتى في غرفتها الأثيرة.
في صندوق الجدة،
عادة ما كنت أشعر بأن ثمة حديقة سرية تحتفظ جدتي بغموضها هناك.
لم أعرف من قبل حديقة يمكن أن تنبت في صندوق.
أيامها كانت الفاكهة فاكهة حقاً على اسمها.
وفي العائلة الفقيرة يشكل حضور الفاكهة في الدار حدثاً استثنائياً لا يمكن تفادي الشعور إزاءه بالغبطة الشفيفة.
أحيانا تبتسم جدتى ابتسامة ذات معنى.
وتنهض وهي تومئ لي كي أتبعها. وتذهب بي إلى غرفتها وتفتح الصندوق،
الذي انتظرت حتى وفاتها لكي أستطيع النظر إلى داخله،
لفرط ارتفاعه عن الأرض،
تنحني جدتى في جوف الصندوق برهة وترفع رأسها حاملة بضع حبات من التفاح ،
وتدفعها في حضني لكي أعود راكضاً مغمورا بالسعادة
أتذكر..........وتطفو الابتسامة على وجهى ويتحرك لسانى بالدعاء لجدتى
كم تغيرنا كثيرا بعدك ياجدتى وكم تغير الزمن!!!!!!!