هناك قصة رمزية مفادها بأنّ دودتا قزّ قبيحتين تلاقتا على ورقة توت، وتبادلتا أطراف الحديث حيث كانت إحداهما غاضبة تندب حظها لأنها خُلقت دودة قزٍّ لا يميّزها شيء سوى عدم تميّزها، وهي معرضة لتكون طعماً للطيور في أيّ وقت، وتفسّر ذلك بأنّ خالقها لا يحبّها وأنه يعاقبها على ذنب اقترفته وقتاً ما دون وعي منها، بينما الأخرى كانت مستبشرة ترى أنّ خالقها أراد لها دوراً في الحياة لا يمكنها أداؤه إلا وهي كذلك، وكانتا على هذه الحال حتى بدأت كلّ منهما بلفّ نفسها بخيوط حريرية، اعتبرتها الأولى قمة بؤسها إذ عليها أن تصنع كفنها بيديها وتلف به نفسها، في حين اعتبرته الثانية شدَّة لتبرز أفضل ما فيها وما تحتاجه هو الصبر والأمل. وبعد مدّة، تحولت كل منهما إلى فراشة ملونة جميلة بجناحين تطير بهما بحرية وطلاقة.
نتصوّر أحياناً أنّ مصاعب الحياة ومشكلاتها تفوق سعة تحمّلنا، وأننا لا نستحقّ ما يحدث لنا ويجدر بنا أن نعيش حياة أفضل براحة أكبر، وقد نشعر بعدم الرضا عن ذلك فنبوح به أو نسرّه متأثرين بالظروف والأوضاع التي نعيشها، فمن الممكن أن نكون في ظروف تجعل من حصولنا على قوتنا اليومي تحدياً صعباً، أو أننا محاطون بمن لديهم صعوبة في مشاهدة من يتفوّق عليهم سواء في العمل أو الحياة الاجتماعية، فلا هم يعملون ليصلوا إليهم ويتخطوهم، ولا هم بقادرين على تحمّل تفوّقهم، فيشحذون إبداعاتهم ومهاراتهم للإيذاء والتي لو استثمروها في رقيّهم لوصلوا إلى ما يرضيهم وربما أكثر. ومن الممكن أن تأخذ مشكلاتنا منحى آخر كأن نكون نحن أو من نحبّ من المصابين بعاهة مستديمة، مرض عضال أو مزمن، وقد نُحرم من إحدى متع الحياة كنعمة الأطفال وبركة الوالدين واهتمام قريب يبدي دعماً لنا في شدّتنا، أو نعيش في بيئة قاسية تتراوح ما بين إرهاب الدولة وإرهاب المجتمع.
لا يستطيع الإنسان أن يعرف حقيقة نفسه وقدراته ولا يكشف مكامن ضعفه وقدرته على تمسّكه بمبادئه وقيمه ما لم يضع نفسه أو تضعه ظروفه في موضع اختبار، وكلما كان هذا الاختبار أقسى وأشدّ، كلما اضطر أن يتعامل مع مكامن نفسه ويتعرّف عليها بصورة أدقّ وأعمق، وحينها فقط، يستطيع أن يغيّر من نفسه ويطورها بل ويقوّيها وينمّيها، فلا أحد يستطيع تغيير ما لا يعرف.
إننا نعيش الظروف الصعبة والقاسية ونمرّ بها في كل الأحوال وليس لدينا مفرّ منها، ولكن النظرة التي ينظر بها الإنسان لتلك الظروف هي التي تصنع الفرق بين من يمضي أيامه في البؤس والشفقة على نفسه ويتعايش مع واقعه مستسلماً دون أن يغيّر منه شيئاً، وبين ذاك الذي يراها فرصة لمعرفة ذاته وإصلاحها وكذلك إصلاح الوضع حتى لا يتعثّر غيره في الطريق، فيتعامل مع المشكلات بروح متفائلة، يعمل بكل طاقاته ويشحذ كل ابداعاته ويستثمر مهاراته وقدراته لكي يحوِّل الوضع القائم إلى فرص للتطوّر على الصعيد الفردي والمجتمعي.
أفليس لهذا خُلقنا، لنرتقي سلَّم الكمال ونعطي للوجود أفضل ما لدينا؟