هناك قصة رمزية تقول: في يوم من أيام الربيع، كانت بذرتان جالستين بالقرب من بعضهما البعض في أرض خصبة، قالت الأولى: أريد أن أنمو، أريد أن تتغلغل جذوري عميقاً في قلب التراب وأغصاني تتفرع فوق رأسي على الأرض، أريد أن أنثر أزهاري الملونة وأٌبشر بقدوم الربيع، أريد أن تستشعر أوراقي حرارة الشمس وتسكن قطرات الندى على أزهاري، وهكذا نمت البذرة.
قالت الثانية: أنا خائفة، فأنا لا أدري ما الذي سيواجهني في ذلك الظلام الدامس إذا ما غرست جذوري في قلب التراب الأسود، قد أتأذى إذا ما رفعت رأسي واخترقت الأرض الصلبة ونظرت إلى الأعلى من خلال أغصاني. ماذا سأفعل إذا قصد ثعبان أكلي؟ والمصيبة تكمن حين تتفتح أزهاري، فهناك احتمال أن ينزعني طفل صغير من جذوري، لا... من الأفضل أن أنتظر حتى تسنح لي فرصة أفضل من هذه، وهكذا انتظرت البذرة. وعندما كانت الدجاجة تجول الحقل بحثاً عن طعام، رأت تلك البذرة وابتعلتها بلمح البصر.
إن سيرة المصلحين والناجحين وأولئك الذين صنعوا من أنفسهم أفراداً لائقين، تبين لنا أنهم كانوا يختارون طريقهم أولاً ومن ثم يمضون فيه، ويكون المضي في الطريق الصحيح والسعي لبلوغ الهدف الأسمى بالنسبة لهم هو ما يركزون عليه، وكل ما تعتريهم من مشكلات وظروف يعتبرونها فرصاً لتقوية نفوسهم ومهاراتهم وصقل إنسانيتهم وكسب خبرات جديدة في الحياة يستطيعون الاستفادة منها وإفادة الآخرين أيضاً.
فالمظلة العامة التي يضعها الإنسان على تفكيره وقراراته هي المؤثر الأول والأهم في ما تؤول إليه حياته، فمن يختار طريقه أولاً، يمضي بثقة واشتياق وأمل، وحتى لو حزن أو بكى أو ضحك، فهذه أمور وقتية يتفاعل معها وتٌبقِي مشاعره حية ومن ثم يمضي في طريقه، فالحجر الموجود في الطريق هو لتقوية عضلاته حين إزاحته وليس لكي يميل ويغير طريقه ليتفاداه، وأما من يكون الخوف مظلته العامة، فهو بائس، يعيش ما يحذر قبل أن يقع، لا يرى غير المشكلات والصعوبات الحقيقية منها والوهمية، وقد يفتح على نفسه أبواباً من سوء الظن والمسكنة والخنوع والذل والتهاون، فعندما يكون هدف الإنسان في الحياة هو الفرار من المشكلات والظروف الصعبة، فإنه يدفع ثمناً غالياً، قد يصل هذا الثمن إلى أنه يعيش فاقداً للقدرة على الحياة. فاسأل نفسك: ألا تريد أن تنطلق وترى الشمس تسطع على قلبك؟