سبحانه ما
أوسع رحمته وأعظم مغفرته: هيأ تعالى لعباده مواسم للخير عظيمة، تغفر فيها
ذنوبهم، وتكفر فيها سيئاتهم، وتُرفع فيها درجاتهم، وتُحط بها خطاياهم، منها
ما هو يومي، ومنها ما أسبوعي، ومنها ما شهري، ومنها ما هو سنوي، فاليومي: الصلوات الخمس،
قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ
وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئَاتِ}.. (هود: 114).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من امرئ مسلم
تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها
من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله)، ويقول صلى الله عليه
وآله وسلم: (خمس صلوات افترضهن الله عز وجل، من أحسن
وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن، وسجودهن، وخشوعهن كان له على الله عهد
أن يغفر له).
بل الأعجب من ذلك، والأعظم مما هنالك أن الإنسان قد تغفر ذنوبه،
وتمحى عيوبه، قبل أن يدلف إلى الصلاة، وقبل أن يمثل بين يدي مولاه، وذلك
بالوضوء، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من توضأ فأحسن
الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره).
ويقول صلى الله عليه وآله
وسلم: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أ، محمدًا عبده ورسوله، رضيتُ بالله ربًا،
وبحمد رسولا، وبالإسلام دينًا، غفر له ما تقدم من ذنبه).
ويقول صلى الله عليه وآله
وسلم: (من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد
الله ثلاثًا وثلاثين، وكبر الله ثلاثًا وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله
إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت
خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر).
ومن المواسم ما هو أسبوعي:
وذلك مثل صوم يومى الاثنين والخميس اللذين ترفع فيهما الأعمال إلى الله
تعالى، ومثل يوم الجمعة الذي فيه ساعة لا
يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه، يقول صلى الله
عليه وآله وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى
الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام).
وأما
المواسم الشهرية:
فمثل صيام أيام الليالى البيض قال صلى الله عليه وآله وسلم: (صوم ثلاثة أيام من كل شهر، صوم الدهر كله).
وأما
المواسم السنوية:
فكثيرة، منها ما هو يوم في السنة مثل صوم يوم عرفة،
قال صلى الله عليه وآله وسلم حينما سئل عن يوم عرفة: (يكفر السنة الماضية
والباقية )، ومثل صوم يوم عاشوراء الذي سئل عنه
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يكفر السنة الماضية).
ومن المواسم السنوية ما يستمر
شهرًا كاملا تتنزل فيه الرحمات وتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب
النيران، وتصفد مردة الشياطين {من صام رمضان
إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه}، وجعل فيه عشر ليالٍ هي
أعظم ما فيه، وأعظمها ليلة واحدة هي ليلة القدر فمن أدركها غفر له، وجعلها
خيرًا من ألف شهر.
ثم جعل تعالى المواسم السنوية ما يستمر قرابة الأسبوع وهو حج البيت الحرام فمن حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه، وجعل في شهر ذى الحجة عشرة أيام هى أهم مافيه وأفضل أيام السنة
وهي العشر الأول
من ذي الحجة، وجعل أفضلها يوم عرفة، فمن صامه غفر له السنة الماضية
والباقية، ومن شهده مع الحجيج فقد أشهد الله ملائكته أنه قد غفر لهم.
وهكذا لا يزال المؤمن يتنقل من
خير إلى خير، ومن موسم إلى موسم ومن فضل إلى فضل، يتعرض لنفحات الله،
ويستنزل رحماته، والأعجب من ذلك كله أنه تعالى قد هيأ أمورًا أخرى عظيمة،
وطرقًا كثيرة متنوعة في منتهى اليسر، وفي غاية السهولة، ليس فيها تعب، ولا
يعتريها نصب، وليس فيها غياب عن الأهل، ولا مفارقة للأوطان، ولا صرف
للأموال، بل هي في متناول اليد، وأقرب من شراك النعل.
ومن ذلك: ذكر الله تعالى وتسبيحه وتمجيده وتكبيره وتهليله، واستمع إلى هذا
الحديث لترى لطف المولى، ونعمة الرب، ورحمة الرحمن: (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة غفرت ذنوبه
ولو كانت مثل زبد البحر).
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: (من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فر من الزحف).
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: سيد
الاستغفار أن يقول العبد: (اللهم أنت ربي لا إله
إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر
ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي؛ فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت) من قالها من النهار موقنًا به فمات من يومه قبل أن يمسي
فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح، فهو
من أهل الجنة.
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: من قال (لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)
في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة
سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل
مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه.
وأبواب البر الأخرى أكثر من أن تحصى، ومن أخذ بشيء
منها إيمانًا به وتصديقًا بموعده، محي عنه الوزر، ونال أعظم الأجر، ومن
ذلك:
قوله
صلى الله عليه وآله وسلم: (أربعون خصلة أعلاها
منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلةٍ منها رجاء ثوابها وتصديق موعدها إلا
أدخله الله بها الجنة).
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: (لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر
الطريق كانت تؤذي المسلمين).
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: من أكل طعامًا ثم
قال: (الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام، ورزقنيه
من غير حول مني ولا قوة)، غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن ليس ثوبًا
فقال: (الحمد لله الذي كساني هذا، ورزقنيه من غير
حول مني ولا قوة) غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
إن هناك أناسًا يملؤون أجوافهم
بالطعام والشراب، ثم يمضون لشأنهم ما يدرون أن لله عليهم حقًا، إنهم كأي
دابة دسّت فمها في مِزْْوَدِها حتى شبعت وحسب، وهذا السلوك الدنيء لا يليق
بمؤمن.
ويقول
صلى الله عليه وآله وسلم: (من كظم غيظًا وهو
يستطيع أن ينفذه أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله).
ويقول صلى الله عليه وآله
وسلم: (من أنظر معسرًا أو وضع له، أظله الله يوم
القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله).
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: (قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني
غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء
ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض
خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة).
وفي الحديث: (إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه، ثم يسأله فيما
بينه وبينه، ألم تفعل كذا في يوم كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه وأيقن أنه قد
هلك، قال له: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم).