إذا كان الكذب ينجي فالصدق أنجى
الصدق مرآة النفس النزيهة، فالصادق يكشف عن نزاهة نفسه، فليس فيه أي التواء أو اعوجاج بل هو مستقيم استقامة البان عطر الزهرة الفواحة، نيّرٌ كالمصباح المتلألئ. وليس بين الصدق والكذب إلا أن الصدق ملكة بعد الجهد، والكذب استرسال عفوي لا يحتاج إلى أكثر من ترك النفس وهواها. والصدق أشرف الصفات المرضية، ورئيس الفضائل النفسية، وما ورد في مدحه وعظيم فائدته من الآيات والأخبار مما لا يمكن إحصاؤه.
والصدق سجية كريمة تدل على سلامة الفطرة للمتصف بها، وثـقته بنفسه وبعده عن التكلف والتصنع، وقد اعتبر الإسلام الصدق أساس كل الخير وأن الإسلام يؤكد على الصدق أكبر تأكيد ويحث الناس على ملازمته ولو كان مظنة لإضرار يسير. وقد رصد حشداً كبيراً من المدح والثناء الجميل على الصادقين، حيث يقول سبحانه وتعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه..)، ويقول عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، ويقول جل وعلا: (لكن البر من آمن بالله واليوم الآخر... أولئك الذين صدقوا...)، وقال الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله الأطهار: (ما يزال الرجل يصدق ويتحرى عن الصدق حتى يكتبه الله من الصادقين). ومن علامات الصدق كتمان المصائب والطاعات جميعاً وكراهية اطلاع الخلق عليها. وقد روى: ان الله تعالى أوحى إلى موسى (عليه السلام): أني إذا أحببت عبداً ابتليته ببلايا لا تقوى لها الجبال لأنظر كيف صدقه، فإن وجدته صابراً اتخذته ولياً وحبيباً، وإن وجدته جزوعاً يشكوني إلى خلقي خذلته ولم أبال. وعن الرسول صلى الله عليه وعلى آله الطيبن: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وأن البر يهدي إلى الجنة)، وقد سمع صلى الله عليه وعلى آله الطيبن أحد الآباء يقول لإبنه سأعطيك كذا وكذا، فقال له الرسول هل تنوي أن تعطيه؟ قال الرجل لا، قال له الرسول صلى الله عليه وآله: إما أن تعطيه وإما أن أتصدقه، فإن الله نهى عن الكذب، وهو القائل (ص) (الصدق أنجى). ومن فوائد الصدق راحة الظمير وطمأنينة النفس، ولا ريب أن في الصدق نجاة من المكروه فقد حكى أن هارباً لجأ إلى أحد الصالحين وقال له أخفيني عن طالبي، فقال له نم هنا وألقى عليه حزمة من الخوص، فلما جاء طالبوه وسألوا عنه قال لهم ها هو ذا تحت الخوص فظنوا أنه يسخر منهم فتركوه ونجا ببركة صدق هذا العبد الصادق.
والصدق فضيلة قلما تتوفر في إنسان إلا ورفعته إلى أوج السعادة النفسية وذروة الكمال الذاتي ومنتهى مراقي الإنسانية، وأن الناس جبلوا على الإقتداء والتأسي، فإذا رأو شخصاً تقياً ورعاً صادقاً انتهجوا مناهجه واقتفوا أثره.
وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لسانه)، يعني أن العاقل يعلم الصدق والكذب أولاً ويتفكر فيما يقول ثم يقول ما هو الحق وما هو الصدق، والأحمق يتكلم ويقول من غير تأمل وتفكر فيتكلم بالكذب والباطل كثيراً. وعن أبي عبد الله (عليه السلام): يا فضيل إن الصادق أول من يصدقه الله عز وجل، يعلم أنه صادق، وتصدقه نفسه تعلم أنه صادق.
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنما سمي إسماعيل (عليه السلام) "صادق الوعد" لأنه وعد رجل في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة فسماه الله عز وجل صادق الوعد. وعنه عليه السلام: قال لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده فإن ذلك شيء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك، ولكن انظرو إلى صدق حديثه وأداء أمانته. وفي الختام فعلى الإنسان أن يهتم لتحصيل هذا الفضيلة ثم إنماء ملكة الصدق حتى تأتي بأحسن الثمار وجمل الأثر، والله الموفق وهو المستعان وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبن الطاهرين وصحبه المنتجبين