المعصية هي رفض التطابق مع إرادة الله.. إرادة الحق والخير. والمعصية حدث وموقف ، يولد وينمو في داخل الذات الإنسانية، ثم يتجسد ويظهر نتيجة للاختبار والفعل الذي يمارسه الإنسان.. ولا يمكن لهذا الفعل والحدث أن يقع في عالم الإنسان، دون أن يترك بصماته وآثاره على لوحة النفس الإنسانية.. فكل فعل يصدر من الإنسان ـ خيراً كان أو شراً ـ يترك أثره ونتيجته، واضحة على تكوين الإنسان النفسي، وتشكيله الذاتي، وسلوكه الاعتيادي ،فالذنوب والمعاصي إذا ما تراكمت وتجمعت، صنعت حاجباً ضبابياً، ومحيطاً ظلامياً، يحول بين النفس وبين رؤية النور، وتلمس طريق الاستقامة.. فهناك علاقة طبيعية، بين تراكم المعاصي، وبين التطبع والاعتياد على الانحراف، وتشكيل شخصية إنسانية معقدة ومريضة.. فإن الإدمان على الجريمة والمعصية، يمتص كل ردود الفعل المعاكسة، الّتي يبديها الضمير والإحساس الإنساني اليقظ، ويسخر حركة النفس كلها، باتجاه الفعل الشاذ والمنحرف، نتيجة للتكرار والاعتياد.
وقد تحدث القرآن الكريم، عن هذه الوضعية الإنسانية المنحرفة، ولخَّص تحليلها وأسسها النفسية، وأبعادها السلوكية، قال تعالى:
(في قُلوبِهِمْ مَرَضٌ فزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ولهمْ عذابٌ أليمٌ بما كانوا يَكذِبُون).( البقرة/10)
(كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُون).(المطففين/14)
(... فلمَّا زَاغُوا أزَاغَ اللهُ قُلوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهدي القومَ الفَاسِقين).(الصف/5)
(ثُمَّ قَسَتْ قُلوبُكُمْ مِنْ بعدِ ذلك فهيَ كالحجارةِ أو أشَدُّ قَسْوَةً).(البقرة/74)
(فَبَِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُم وكُفْرِهِم بآياتِ اللهِ وقَتْلِهِمُ الأنبياءَ بغيرِ حق وَقَولِهِمْ قلوبُنا غُلفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عليها بِكُفْرِهِمْ فلا يُؤمِنُون إلاّ قليلا).(النساء/155)
فهذا التحليل القرآني، يمنح الإنسان رؤية علمية، ويبصِّره بأثر المعصية على النفس الإنسانية ويُحذرُه من المردودات السلبية، الّتي تنعكس على النفس، وتحول الشخص السوي إلى شخص مدمن على الجريمة، معتاد على المعصية، لا يفرق بين قتل النفس المحرمة وصيد الطائر المباح، ولا يميز بين أن يعيش على السرقة والغش وبين أن يكسب من عرق جبينه وعصارة جهده.. ولا يعنيه أن يبيع كرامته، أو يسقط حرمة نفسه لقاء ثمن بخس لا يزيد على ملء بطنه.. إن مثل هذا الشخص سيوغل في المعصية، ويتمادى في الجريمة، حتى يتحول الى مجرم معتاد، يحب الجريمة، ويتلذذ باقترافها، ولا تستريح نفسه إلاّ بممارستها.
لذلك تحدث القرآن عن أخطار الآثار الانحرافية، الناتجة عن ممارسة المعاصي، والاستمرار عليها، فكشف عن أكثرها خطورة وتأثيراً، وهي:
الزيغ ـ المرض ـ ـ القسوة ـ الطبع على القلب.
فالإنسان إذا ما اعتاد على ارتكاب الجرائم والآثام، أثّر ذلك على قلبه، وتراكمت عليه، وحالت بينه وبين الرؤية السليمة، فلا يبصر الاستقامة، ولا يستسيغ حياة الفضيلة لذلك وصف القرآن الكريم هذه النفوس المجرمة بأنها نفوس مريضة، وعليها حجاب أو مطبوع عليها، أي متشكلة بموجب السلوك الإجرامي، وطبيعة الانحراف الذي اختارته تلك القلوب طريقاً لها في التعامل والتصرفات.
وقد جاء حديث الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) في أثر المعصية على الشخصية الإنسانية كاشفاً ومفسراً لمضمون هذه العبارات القرآنية وموضحاً لها.
ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة، إن القلب ليواقع الخطيئة، فما تزال به حتّى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله
لذلك أمر الإنسان المسلم أن لا يستهين بذنب، ولا يستصغر معصية، وأن يحاسب نفسه ويستغفر، كلما أذنب أو عصى، لتتسع المسافات والأبعاد النفسية بينه وبين المعصية، وليبقى يقظ الضمير، حي الإحساس، سليم النفس، مستقيم السلوك.