كيف تعرف حب الله لك وأنت عاصٍ
و قد يسأل سائل كيف أعرف حب الله لي وأنا أعصيه ؟فأنا أريد دليل عملي يحدث لي في حياتي حتى أحس بهذا الحب . قبل أن نتحدث في هذه النقطة نريد أن نسألك بعض الأسئلة ،ونترك لك بعض الوقت تجيب عليها بينك وبين نفسك.
كم مرة أذنبت؟
ما هو حجم هذه الذنوب ؟
هل رآك أحد وأنت تذنب ؟
هل أنت الآن على معصيتك أم أن الله منَّ عليك بالتوبة ؟
و الآن هل أجبت عن هذه الأسئلة في نفسك ؟
نقول لك إن من دلائل حب الله لك ،وفضله عليك، إنك قد أذنبت كثيرا ،و أغرقت نفسك في ظلمة المعصية، حتى ظننت انك لن تعود إلى نور الإيمان، لان ذنبك عظيم، وانك هالك لا محالة ،وقد ضاقت عليك الدنيا بما رحبت ، فإذا كانت هذه هي حالتك، فتأمل فضل الله عليك.
إذا كنت أنت قد عصيت الله، واستبحت حرماته ،فهو لم يقبض روحك، و لم يمنع رزقه عنك، ومازال يرزقك ،ثم نريد أن نسألك
ما هي عقوبة ذنوبك ؟ هل عاقبك الله بها في الحال ؟ ماذا لو عاقبك الله بها في الحال ؟
فإذا كنت قد ارتكبت جريمة الزنا مثلا ،هل عاقبك الله بعقوبة الزنا ،وهي إما الجلد، وإما الرجم، وماذا لو كانت عقوبتك الرجم ؟ أكنت على قيد الحياة الآن ؟ ولو كنت قد سرقت هل عاقبك الله بقطع يدك؟ ولكن الله وهو الحليم أمهلك ،وأعطى لك مزيدا من الفرص، لتعود إليه ،وترجوه أن يغفر لك هذه الذنوب، ثم بعد ذلك منَّ الله عليك بالستر فسترك عن أعين الناس ،حتى لا تكونَ بينهم مذموما مُحْتَقرا، كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (رواه مسلم) وكما سترك الله في الدنيا أمر المؤمنين بسترك أيضا كما جاء في الحديث عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً مِنْ قَبْرِهَا (رواه احمد )ومعنى مَوْءُودَةً : البنت كانت تدفن حية في الجاهلية
أما إذا عاقبك الله بعقوبة جريمتك في الدنيا، فإن ذلك رحمة بك، وبدلا لك من عذاب الآخرة ،فلا يجمع الله بين عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة، كما في الحديث: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَذْنَبَ فِي الدُّنْيَا ذَنْبًا فَعُوقِبَ بِهِ فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عُقُوبَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَمَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فِي الدُّنْيَا فَسَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ (رواه احمد) ومعني يُثَنِّيَ : يجمع
وتخيل وأنك غارق في ذنوبك يبسط الله لك يديه لتتوب ،ويناديك يا عبدي: هل لك رب سواي يغفر لك ذنوبك، هل لك رب سواي يسترك ،و كما في قوله تعالى( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ )وكما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ(رواه البخاري) وكما في الحديث أيضا عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا (رواه مسلم) تأمل حب الله لك جعل باب التوبة مفتوحا لك حتى قيام الساعة ، و أما إذا كانت ذنوبك تنوء بحملها أولى العصبة ،وظننت أنك هالك لا محالة ،خاطبك قائلا لك في الحديث القدسي عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً (رواه الترمذي) ومعنى قراب : أي ما يقارب ملء الأرض
تأمل حب الله لك، وعفوه عنك في هذا الحديث، إنه يغفر لك كل ذنوبك ،حتى لو بلغت السحاب في السماء ،ولو كانت ملء الأرض، وليس ذلك فقط بل يدخلك جنته إذا بادرت بالتوبة ،وندمت على ما فعلت ، بشرط وحيد ألا تشرك به شيئا ،وكما سترك في الدنيا يسترك في الآخرة ،و في الحديث سئل ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِين َ رواه البخاري ومسلم وكنفه : ستره وعفوه و النجوى : محادثة الله عبده
و الآن نتساءل أليس كل ذلك حبا لك؟ أذنبت فسترك وأمهلك، وإذا رجعت وتبت قبلك وكرَّمَك، حتى أسبغ عليك نعمه وفي جنته أدخلك، فارجع إلى الله ،فلا ملاذ لك غيره ،ولا مأوى لك سواه، كما في قوله تعالى (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَاتذكرون)