طليق الرحمن
روي عن الحسن البصري رضي الله عنه قال: كنت بواسط (بلد بالعراق) فرأيت رجلاً كأنه نبش من قبر فقلت: ما دهاك يا هذا؟
فقال: (اكتم علي أمري. حبسني الحجاج منذ ثلاث سنين فكنت في أضيق حال، وأسوأ عيش، وأقبح مكان، وأنا مع ذلك كله صابر لا أتكلم. فلما كان بالأمس، أخرجت جماعة كانوا معي فضربت رقابهم، وتحدث بعض أعوان السجن أن غدا تضرب عنقي فأخذني حزن شديد وبكاء مفرط وأجرى الله تعالى على لساني فقلت: (إلهي اشتد الضر وفقد الصبر، وأنت المستعان)! ثم ذهب من الليل أكثره فأخذتني غشية، وأنا بين اليقظان والنائم إذ أتاني آت، فقال لي: قم فصل ركعتين، وقل:
(يا من لا يشغله شيء عن شيء..
يا من أحاط علمه بما ذرأ وبرأ..
أنت عالم بخفيات الأمور..
ومحصي وساوس الصدور..
وأنت بالمنزل الأعلى..
وعلمك محيط بالمنزل الأدنى..
تعاليت علوا كبيراً..
يا مغيث أغثني..
وفك أسري..
وأكشف ضري..
فقد نفذ صبري).
فقمت وتوضأت في الحال، وصليت ركعتين وتلوت ما سمعت منه ولم تختلف علي منه كلمة واحدة، فما تم القول حتى سقط القيد من رجلي، ونظرت إلي أبواب السجن فرأيتها قد فتحت، فقمت فخرجت ولم يعارضني أحد، فأنا والله طليق الرحمن، وأعقبني الله بصبري فرجا، وجعل لي من ذلك الضيق مخرجاً.