هل تعرفُ رائحة َ البؤساء ِ ؟
رائحة َ الفقر ِ على شفتيْ إنسانْ
و وصمتــُـه ُ في حدقة ِ العين ِ الحزينة ِ
و الأيدي الهزيلة ِ
و طعم َ العوْز ِ الغارق ِ في الحرمانْ
..
هل تعرفُ رائحة َ الخوف ِ ؟
بلون ِ اللـيـل ِ
و الصوت َ القادم َ من جوف ِ الأزمانْ
و القدم َ العـُـريانة َ في حـُـضن ِ القدم ِ
و الكفّ َ المتــّـسخ َ المُحتاج َ
و الثوبَ الرث َّ المهترئ َ
و الفم َّ الجائع َ باستمرار ٍ
يصرخ ُ ألما ً باستهجانْ
..
هل تعرفُ رائحة َ الموتِ ؟
رائحة َ الأكفانْ
و العيشَ الدائم َ في مقبرة ٍ
و الهم َّ القاطن َ منذ ُ دهور ٍ فوقَ الكاهل ِ
في الأذهانْ
يزحفُ في بطء ٍ
و بإصرار ٍ يتغلغلُ في الشريانْ
يتآكلُ ذاكَ الجلدُ
و تسقط ُ من فرط ِ التحديق ِ العينانْ
يرتعدُ الجسدُ بأيام ِ شتاء ٍ ممتعض ٍ
يحترقُ قليلا ً بمرارة ِ صيفٍ جانْ
..
هل تعرفُ رائحة َ الصمتِ ؟
حينَ يملُّ من الكلام ِ
و حينَ لا تــُجدي الكلماتُ
و حينَ تــُـهانْ
طأطأة َ الرأس ِ
جرجرة َ الأمل ِ
و الزيفَ الراقدَ في الوجدانْ
و الامتناع َعن الطعام ِ
ليس ترفــُّـعا ً و إنـّما فنيَ الطعامُ من المكانْ
إضرابَ الصدر ِ عن أخذ ِ الأنفاس ِ
عن إطلاق ِ الزفراتِ الحارّاتِ
تسليمَ النفس ِ إلى الهذيانْ
و الموت َ سكوتا ً
و برودا ً
منح َ الأعضاء ِ و بالمجـّانْ
..
هل تعرفُ رائحة َ الدمِّ ؟
و الألم ِ
و الرصاصَ المندفعَ المتهوّرَ
بصدور ِ الغـِـلمانْ
يخترقُ العظمَ الهشَّ
تهوي الأبدانْ
تشتمّ ُ اللحم َ الطازجَ في الطرقاتِ
دخانَ التبغ ِ
و البارود ِ
و بعضَ الأذرع ِ و السيقانْ
و رضيعٌ مقتولٌ عمدا ً
و امرأة ٌ
و شيخ ٌ تحتَ الجدرانْ
بعضُ الأحيان ِ ستشعرُ بدوار ٍ
أحيانٌ أخرى تشعرُ بالغثيانْ
..
هل تعرفُ رائحة َ الشيطانْ ؟
رائحة َ التفاح ِ المتخمّرِ و الأعناب ِ
بينَ كفــّي أنثى
تدعو للشراب ِ
و العطرَ السوّاحَ في الأنوف ِ
و الصدور ِ
و الألباب ِ
رائحة َ الإدمانْ
و بلوغ َ السُـكـْــر ِ
و يُراقُ على الأجساد ِ الراقصة ِ الخمرُ
تتخبط ُ في كل ِ مكانْ
و اللونَ الأحمرَ
على الشـفـتـيـْن ِ
و في الثياب ِ
و على الأبواب ِ
و السقوط َ لألف ِ عام ٍ في القيعانْ
و الإفاقة َ في الفراش ِ
مع غانية ٍ
لا تعرفُ حتى من تكونُ
لا تذكرُ في بعض ِ الأحيانْ
..
هل تعرفُ رائحة َ السَجْـن ِ ؟
و العفن ِ
و غلاظة َ السّجـّـانْ
و الحرصَ الدائم َ من حدِّ السّكين ِ
ملاحقة َ الشـُـذ ّاذ ِ
و تفادي عِـراك ٍ همجي ٍ في أحد ِ الأركانْ
و الوقتُ يمرُّ كما الوقتِ المشئوم ِ
يوم ٌ كشهور ٍ
و الشهرُ تماما ً كالأعوام ِ
رائحة َ تـراب ٍ خوّانْ
ينبعثُ غـُـبارُ الهيمنة ِ في الأروقةِ
يرتفعُ سحابُ الدخــّـانْ
و حريقٌ بينَ الماضيَ و الحاضر ِ
و الموتَ الغامضَ على يد ِ عِـفـْـريتِ الجانْ
و الدفنَ الباكرَ في التلِّ العاشرِ
قبرٌ مجهولُ العنوانْ
..
هل تعرفُ رائحة َ الشيخوخة ِ
و النسيانْ ؟
و الحرصَ على حبّاتِ دواء ٍ
جلساتِ علاج ٍ
و الموتَ وحيدا ً
و السفرَ بعيدا ً في ما كانْ
ذاكرة ً تتفـلـّـتُ من كفيْـكَ
تستهزأ ُ بكَ
تستهلكُ منكَ الماضيَ
و تملُّ الحاضرَ
و المستقبلُ لا تبصرُ فيهِ الألوانْ
..
هل تعرفُ شيئا ً ؟!
فأنتَ لا تملكُ عينيْنَ
و لكنْ تملكُ ألفَ لسانْ
تتكلمُ دوما ً
و تجادلُ في الأخبار ِ
و في الأسفار ِ
تتبجحُ بالعلم ِ الكامل ِ و الإيمانْ
و قليلا ً ما تذكرُ أنـّـكَ بائسٌ
خائفٌ
ميت ٌ في قبور ِ الصمت ِ
في سجن ِ الشيطان ِ و في الشيخوخةِ
فردٌ ضلَّ عن القطعانْ
تملكُ أنفا ً لا تبصرُ كلَّ الأشياء ِ
تملكُ عينينَ و لا تعقلُ
لا تعرفُ رائحة َ النفس ِ البشريّة ِ
حينَ تقاومُ و تقاتلُ
و تحاولُ أنْ تبقى إنسانْ
تستجمعُ كلَّ قواها
و تناضلُ كي تبقى كذلك قدرَ الإمكانْ