ذاكرة الوعل (ديوان)
فريد أبو سعدة
إلى امرأةٍ تقودني كضريرٍ فأرى ما لا يُرى وأسمعُ ما لا تسمعون
فريد أبو سعدة
(1) أَهُوُجٍ*
* من أسماء الله في اللغة السوريانية بمعنى الواحد الأحد
1.
أوَّلُ الدنيا الأحد
2.
راحت تصلّي حتى ظهر لها رجلٌ من الذهب
الإبريز، انحنى وقال أنا خادم الأحد واسمي
"المُذَهَّبُ"
قالت: هل جاء رقيائيل
أشار لها فرأت من النافذة قبَّةً من سندس أخضر
وعليها لواء أخضر، وباب القبَّة مفتوح وعنده
خمسة أعوانٍ قائمون، لابسون ثيابًا خضرًا
ورأت الملاك يروح ويجيء أمام القبّة بينما
ينصبون له كرسيًّا من نور
3.
قالت: تباركت الشمسُ، والسّاكنُ بفلكها،
الآخذُ بناصيةِ خدّام يومها؛ الأحدُ،
الألفُ، الذهبُ، الحارُّ اليابسُ.
تباركت أيّها السّعُد المحضُ، مُحَرِّكُ
الغريزةِ ومسخَّنُ الباردِ، معدّلُ الأمزجةِ
ومنعش الرطوبات.
ثم خرجت فانحنى الخدّام ومن تحت إمرتهم من
خلقٍ عظيم يملأ السهل والجبال
هشَّ لها رقيائيل وأجلسها معه على الكرسيّ
:مريني تجديني من القادرين
قالت: جمعتُ أشلاءه من الجهات وروحه فيّ
بماذا أبدأ
قال: عناصره يصرها الماءُ الحارُّ، دموعُكِ
ستة أيام
4.
ظَهَرتْ لي في الحلم امرأةٌ، تدور حولي عارية،
وشعرها محلول، ثم تقف على رأسي وتصرخ:
سأشعلُ النار في الجنّة، وأسكبُ الماء على النار،
ثم تبكي حتى يطفو سريري على الماء
ظلّت ستّة أيام تفعل وأصحو مبتلا
فقلتُ لها: من أنتِ
قالتْ: أنا هي
قلتْ: لا أذكر
قالت: سأمدك بذاكرة الموتى
وأقيمك في ذاكرة الوعل
5.
دارتْ حول الجسد، ثم وقفتْ مباعدةً ما بين
ساقيها على رأسه، تتجّولُ عيناها على الأفاريز
الغائرةِ بالرسوم والكلام
صفَّقَتْ
فهبطت من الرسوم بنتان
صفَّقَتْ
فهرول عجوزٌ
صفّقَتْ
فطارت الصقوُر من هيئتها، تحوّم في سقف
الغارِ، وتصطفُّ حول الجسد
6.
دخلتْ العاشقةُ فهلَّلتْ لها ثلاثُ بومات، ومضى
خلفها عجوزٌ يحمل صندوقاً، عن يمينه وشماله
بنتان بكران، في يد كلًّ شمعة
تقدم الجميع وانحنت العاشقةُ على الجسدِ
المجموع كأرض مشقّقةٍ، ثم استدارتْ إلى
العجوز، فتحت الصندوق فتطاير في المكان سربٌ
من الفراشات، تتلامع في الضوءِ الشحيحِ وتغيّر
ألوانها من آنٍ لآن.
7.
رأيتُ الموتى عند قبورهم، يقفون في أكفانهم،
يستحلفون العابرين أن يدعوا لهم، وامرأةٌ تمرُّ
بأكفانها صائحةً:
أدخلنى بيت الخمرِ وعلمه فوقى محبّة، وعزّتك
وجلالك لئن أدخلتني النار لآخذنّ أشلاءه بيدي
وأدور بها على أهلِ النارِ أقولُ لهم وحّدتُهُ
فعذّبني
8.
أشارتْ فتقدّمت البنتان، وضعت الحمراء
شمعتها عند الرأس، ووضعت البيضاء شمعتها
عند القدمين
أشارتْ فتقدمت البيضاءُ من الصندوق، رفعتْ
منه سعفةً، وسقطت على ركبتها تقبّله وتصلّي
9.
أعلمُ أنك إلهٌ رءوفٌ ورحيمٌ، بطيءُ الغضبِ،
ونادم على الشّرِ أهوجٍ
10.
أشارتْ العاشقةُ فسجدوا، ونهضتْ إلى الجسدِ
فقبّلتْ أشلاءه ثم دارت في المكان
أشارتْ إلى الشمالِ فخرجت الثعابينُ المختبئة
وإلى الجنوبِ فخرجت الخنافسُ
وإلى الشرقِ فانطلقتْ الخفافيشُ
وإلى الغربِ فخرجت الأرواحُ الشريرةُ تئزُّ
وتولولُ
11.
أطلقتْ البخور بطرقعة إصبعين، ثم رفعت
عينيها إلى الرسوم فعادت البنات والعجوزُ
والصقورُ إلى أماكنهم في الرسوم. حملت شمعة
ودارت حول الجسد تقول:
اخرج يا من حلَلَتَ مع الظلام
يا من أنفه في قفاه ووجهه في ظهره
اخرج يا من لن يجد ما دخل من أجله
هل جئت لتنزعه مني؟!
لا لن أبيح لك ذلك
هيأت له ما يكفيه شرّك؛
من نبات (إفت) الذي تتألمُ به
ومن (البصل) الذي تتأذى منه
ومن (الشهد) الذي هو حلوٌ مذاقه
للأحياءِ
مرٌّ مذاقه للموتى
ومن حراشيف سمك (أبدو)
ومن فك (مررت)
ومن سلسلة السمكة
آمين
12.
حَبكتْ حول ردفيها القميص وهي تعبر
الشارع، كانت خائفة من احتكاك العتمة بها.
13.
انحنتْ بين ساقيه، أخيرا بدا الجسد كاملا
وممزّقًا في آن، ماضيًا في جلاله، متوحدًا
بالصمت، في انتظار معجزة
14.
سوف تخفيه عن أعين الطالبين، وسوف تضلَّلُ
كلّ الطيور فتحسبه وردةً، أو تراهُ المياهُ كمرجٍ
من الياسمين، ستخفيه ثم تواصل بين التعاويذِ
رحلتها
سوف تمضي كخطًّ من الدمع حذو المياه
لتعثر على ما يكمِّله واحدًا أحدًا
15.
لستّة أيام تبكي وتصلّي، انتفض الهدهد وتخبّط
في سقف الغار: المعجزة المعجزة
16.
الدموع ترتق أعضاءه، ثم ترفو النسيج، رأت
جسدًا أحدًا يتمدّدُ فوق الرخامِ فلا هو حيٌّ
ولا ميَّتٌ
17.
يا من تملكين اسم الربّ الخفيّ وبه ملكتِ
الأسرار
يا من باسمه تحرَّكين الرياح
وتملئين النهر الكبير كلما فرغ
أنت يا سيدة الجهات
يا من تطلعين من الماءِ كأعمدةٍ من دخانٍ
معطّرةٍ بالمرَّ واللبان
يا من تأمرين التماسيح فتلفظ صيدها عند
الُمصلّي
أطفالا ضاحكين
احبسي دموعك قليلا
لئلا تطفو القرى على الماءِ كوردِ النيل
18.
مياهٌ كثيرةٌ لا تستطيع أن تطفئ المحبّة، والسّيول
لا تغمرها
19.
أنتِ
يا من تنامين على المياهِ وترفعين بأطرافك
الأربعة عرش الربّ
يا من تخرج من فمك ريحُ الشمالِ ومن
إبطيك تطلعُ النجوم
يا من تدخلين ذاكرة الربّ وتخرجين
يا من تقرئين ما يُخطُّ في اللوح وتقلَّبين أوراق
البشر الفانين
كفكفي دموعك؛ السماواتُ مبتّلةٌ والأرضُ
زلقةٌ، والجبالُ ترتعد تحت الماءِ كثلّةِ محمومين
أهُوجٍ أهُوجْ
20.
قالت: تباركت الشمسُ والسّاكنُ بفلكها
فابتسم الملاكُ لها وأشار فوجدت نفسها فوق
العشبِ وموكبه يمرقُ الهواء
وكان مساءٌ
وكان صباحٌ
يوما واحدًا، الأحدْ.
(2) يُوُهٍ*
* من أسماء الله في اللغة السوريانية بمعنى الأول والآخر
1.
هَبطتْ من الرسوم بومةٌ، تلفّتت حولها ثم
تقدّمت من العاشقة فاردةً جناحيها تقول: الآن
وتوالى سقوط البوم حتى أصبح الجسد
موشومًا بها كالثآليل
2.
بكت العاشقة وصالبت ذراعيها على صدرها
تصلّي
: تبارك القمرُ والسّاكنُ بفلكه، الآخذُ بناصية
خُدّام يومهِ؛ الاثنين، الياءُ، الفضّةُ، الحارُّ
الرّطبُ
3.
ارتجّ الغاُر وخرج من الحائطِ رجلٌ من
الفضّة، دار حول الجسد الأحد
فطارتْ البومُ إلى أماكنها في الرسوم تنشدُ:
عندما يسطع النور
سترافق روحي
وتتقمّص الوعل الإلهي
فأخرجُ من الأرض
وأفتحُ الجحيم
4.
انحنى الرجل من الفضّةِ وقال: آمين
ثم تقدم من العاشقةِ وقال: أنا خادم الاثنين
واسمي الأبيضُ
وأخذ قبضةً من الهواء فصارت نايًا، راح ينفحُ
فيه فتقلقلت الأشياء من أماكنها وراحت تخفُّ
حتى طفتْ الأباريقُ والأواني في الهواء، طفا
الماء على هيئته وانكشف سقفُ الغارِ فانطلق
الهدهدُ صائحًا انظري
رأت نفسها تطلُّ من علٍ على قبّةٍ من نورٍ، على
رأس القبّةِ لواء أصفر وحولها عشرةُ أعوانٍ،
وكلما نظرتْ إلى جهةٍ انحنى لها الخدّام ومَنْ
تحت إمرتهم من خلقٍ عدد القطر لا يعلم
عدتهم إلا هو
5.
قالت البومُ، وهي تتململ على كتفها: تقدّمي
فتقدمتْ، وجدتْ تحت القبّة إيوانًا وفوق
الإيوانِ كرسيّا من نور
6.
أفسح لها جبرائيل مكانًا على جناحه وقال:
مري ما شئت
قالت: جسدٌ أحدٌ ولا حياة، أشرْ عليّ
قال: قبّليه، يتنفّس من فمك
7.
ليقّبلني بقبلات فمه، لأن حبَّه أطيبُ من الخمر
8.
شهق فهبّت ريحُ الشمال واهتزّت المياهُ وتمايلت
الأشجاُر وانخطف القمحُ كشعر سُرِّح باتجاهٍ،
وراحت التلال تتنفّس ككير حدّادٍ، فطارت
الأحجارُ من مكان إلى مكان، خفيفةً تستوقف
بعضها بعضًا ويتحادثان في الهواء
9.
اختلج الجسدُ، وانفجرت عطسةٌ فانتزعت أوتادٌ
من مكامنها وطارت خيمةٌ في الجوّ فولولت
امرأةٌ تحت رجلٍ وقد فوجئتْ بالسماءِ تُحَِّقُ
في عورتها.
10.
وارني عن اسمي وإلا رأيته ولم ترني
11.
الدولُ تتساقطُ كأصابع مجذومٍ، والجثثُ تتابعُ الذين
يحفرون القبور بعيونٍ كفّوهات البنادق
12.
اختلط نهجانُ الجسد بتأوهات العاشقةِ، ورأتْ
البومةُ هذا فقالت: صلَِّ.. لأنه سيولدُ لكِ منه
ثم حطّت على رأسه، نقرته ثلاث نقراتٍ
وقالت:
ولكن، لن يكون في مقدور من تلدينه أن يلدَ
غيره
قالت العاشقةُ: وهل ألدُ للموت؟!
قالتْ البومةُ: بل يظلّ خالدًا لا يموت، نظمه
بددٌ وبددهُ نظمٌ، ومتّصله
مفصولٌ ومفصوله متصلٌ،
وغُفله موسومٌ وموسومه غفلٌ،
ويقظته رقادٌ ورقاده يقظةٌ،
حياته موتٌ وموته حياةْ
13.
شاردًا، كان يتفقّدُ عمره من أعلى مثل منطقٍة
منكوبة
14.
طرقعتْ بإصبعين فاختفت جالسةً في نومِ الربّ،
تسمعُ وترى
15.
كنتُ نائمًا وصحوتُ على حجرٍ في الحائط
يصرخُ: هي.. هي. قم يا حيرانُ. بحثتُ لم يكن
أحدٌ، اقتربتُ من الحجر، الذي تولّعَ بها
فتوهمها، كان يشهقُ ويشرقُ، بالدمع، ربَّتُّ
عليه مواسيًا فتحول إلى حمامةٍ وطار
تهّيأتُ للخروج وراءه فوجدتكِ عند باب
ذاكرتي تبتسمين.
16.
عند النهر الكبير، حيث تمضي الشوارعُ كثرثرٍة
حُرَّةٍ، التقينا. وعلى حافّةِ الماءِ رأينا الزوارق
المقلوبة، تعلو وتهبط كظهور رجالٍ يضاجعون،
فضحكنا، وتعّريتِ تتجولين على الماءِ وأنا
أصيحُ: انتظريني.. الماء أحاط بخاصرتي.
17.
قلتُ للأسماكِ التي تثبُ وتغمز ضاحكةً: سوسنةٌ
بين الشوكِ حبيبتي بين البنات
18.
نزل الماء ليغتسل فرأى، وهو في الماءِ، مثل
ما يرى النائم كأنه في المدينةِ المنوّرةِ وقد تزوج
وأقام مع امرأةٍ ست سنين
ثم رُدّ إلى نفسه، وهو في الماء، فخرج وأخبر
أهله بما رأى
فبعد أشهرٍ جاءت تلك المرأة تسألُ عن داره فلما
رآها عرفها وعرف أولاده منها، وسألوها: متى
تزوجك فقالت: منذ ست سنين.
19.
قم يا سيّد القمحِ والكروم
أيها النائم
والنيل يجري بين ساقيه
قم أيها العاشق بحق ياهٍ يوهْ
20.
من سمع الغناء على حقيقته مات، وأنا أسمعك
فأشعرُ أنني أستيقظ مرتين في لحظةٍ واحدة
21.
كان من اليسير عليها أن تقرأ تعويذةً فتدبّ
الحياةُ في الصورة والنقش، صنعت تمثالا
لغزالٍ ثم قرأتْ عليه فقفز في الفراغِ ولم يُر
بعدُ.
22.
يقولون إن الوعلَ يمشي إذا شاء، ويطير إذا
شاء، وإن ما يحمله على رأسه ليس إلا هيكلا
عظميا لجناحين هائلين، كان يحلّق بهما في
الجنّة.
23.
كان يصيح من الحر في بطنه، ومن
البرد في ظهره، بين يديه الثلج وخلفه
النار
24.
وضع الملاك يمناه على كتفها، ووضعت يسراها
حول خصره، وراحا يتمشّيان
: ما أخباره الآن
قال: أصبح واهنًا، ينام أثناء الكلام
نظرت في عينيه طويلا
فقال: لا!!
ثم ودّعها، وأشار فاختفت القبّةُ
ووجدت نفسها على الماءِ وموكبه يعرجُ في
السماوات
وكان مساءٌ
وكان صباحٌ
يوما ثانيا، الاثنين
(3) هلَهلَت*
* من أسماء الله في اللغة السوريانية بمعنى الباسط
1.
خَرجَتْ تطلبهُ فوقعت في التيه
مكثتْ أيامًا حتى أشرفتْ على الموت، وإذا
بملاكين يسيران متخاصرين فقالت: أين تريدان
قالا: لا ندري
: فمن أين أقبلتما
قالا: لا ندري
: فهل تدريان أين الأين
ابتسما وقالا: نعم.. مُلكهُ تحت عينيه.
2.
قالتْ: أريده
فقلّب عينيه في الجهاتِ، ثم قال: خذي
للطريق
فمدْت يدها إلى الهواء فإذا هي مملوءةً ذهبًا
وقالتْ: أردتُ الطريق لا النفقة
3.
سَمِعَتْ قائلا من البئر يقول: البشرى. البشرى
وظهرت لها كفُُّ من الحائط بها كوزٌ به ماءٌ
فشربت، فرأت رجلا من الياقوت يخرج من
فوديه قرنان، تتلوى ضفائره على كتفيه وتنتهي
برءوس حيّاتٍ
انحنى وقال: أنا الأحمرُ، خادم الثلاثاءِ،
أرسلني الملاكُ ليستأذن
قالت: وأين ملاكك
فتقدم أمامها حتى رأت في البعد قبّةً من نورٍ
وعلى باب القبّةِ لواءان أحمران وثلاثة أعوان
يقفون على الباب
4.
قالت: وما بشراك
قال: رأيت أشلاء مبعثرةً، لعلها لعاشق، وأناس على
خيول تكرُّ عليه تريد أن تتخطف أعضاءه فأرسل
الله فوقه سحابةً من الزنابير فتركوه
ثم رأيت أبواب السماء مفتوحةً، وعصبة من
الملائكة تنزل ومعهم ثيابًا خضرًا ودابة، لعلها
غزال، فوقفوا على سقف قبرٍ، لعله غار،
وأخرجوا منه شخصًا ألبسوه الثياب وأركبوه الدّابة
وصعدوا به سماءً سماءً حتى جاوزوا السماوات
كلها وأنا أنظُر
5.
وَجَدَتْ سمسمائيل أمام القّبةِ عابسًا يروح
ويجيء
قالت: حنانيك يا مريخ
يا لابس الحديد والياقوت، يا مفرط
الحرارة واليبوسة، محرَّك الحروب
والفتن، الهاء، صانع المخاصمات،
سريع التأثير، النافذ في الوقتِ
ثم اقتربت
فانحنى لها الخُدّام وَمنْ تحت إمرتهم من خلق
عظيم في كامل شكّتهم
6.
أفسح لها الملاك مكانًا بين أسلحته وفِتَنِهِ
وقال:
مُري أفعل
قالت: هوذا أحدٌ، يتنفّس، فانفخْ فيه
لينهض ويقوم.
فنزع ياقوتةً من صداره ألقاها في حجرها وقال:
دلّكي أطرافه فيقوم.
7.
الرقصُ آيةُ الجسد
الحركة التي تخدش الفراغ أبنيةٌ ومجازات
8.
كان ينضح بالعراق، عريانًا إلا من الضوء، تثبُ
الأسماكُ من الماءِ تسمعُ وترى
والعاشقةُ ساجدة بين ساقيه، حلمتاها المنتصبتان
تدغدغان شعر صدره
: قم يا سيّد القمحِ والكروم
9.
شعرُها دخان ظلمة تفرِّقهُ الرياح
10.
حرّك قبضتيه ففرّتْ الجبالُ مذعورةً
استوى جالسًا فانحنى الفضاءُ على كتفيه
ومشى فخضخض الأرض، اختلطت القرى
ببعضها في الشرق كالخراف الموسومة
وفي الغرب سقطت قارّةٌ في الماءِ، تحَّول سكانها،
ونحن جالسون، إلى عجولِ ماءٍ، وطيورها إلى
أسماكٍ ملوّنة.
11.
هكذا ينهض من موته، هكذا سوف يفرك عينيه،
ويتمطّى كوعلٍ يقوم من النومِ
فتمرحُ الماشية، وتقفزُ الحملان على حوافرها،
وتزدهر الأشجار وتغادر الطيور أوكارها
هكذا يهلّل كلُ حيٍّ عندما تشرق أنت.
12.
خلَقَنا الربّ وعلا جميلا وغزالةً فاتنة
عشنا في الجنّة فرحانين، نمارسُ الحماقات ونتأوّل
خطّ الربّ
فأزاحنا بيديه، وطاردتنا الملائكةُ حتى هوينا من
ثقبٍ في السماء
ثم حمي علينا غضب الربّ فمسخنا رجلا وامرأة
ورمانا في جهتين.
13.
أتعقّبُ كل امرأة وشباكي الكلماتُ
فإن آنستُ امرأةً فيها شيء منكِ أضأتُ
14.
عندما كنت وعلا رشقتُ وردةً بين فخذي
غزالتي، وعندما صرت رجلا رحت أبحث بين
النساء عن امرأة، دون كل النساء، لها وردةٌ حيّةٌ
15.
أغويتُ وعرّيتُ، لكل امرأةٍ سردابٌ بين غواياتٍ،
أخرجُ مهزومًا: ليست هي
16.
عمّرتُ بأجسادٍ عددا، لا أعرفُ أيّ امرأةٍ ليست منكٍ
فأيّ امرأةٍ ليست لي
17.
قالت سهيلة: زوجي يستاء من دخول "سالم"
علىّ
قال: فأرضعيه
قالت: كيف وهو رجل كبير؟!
قال: ألست أعلم!
ثم جاءت بعد ذلك فقالت: والله يا نبّي الله ما أرى
في وجه زوجي بعدُ
شيئًا أكرهه.
18.
سأظلّ أفتش في الأجساد، وفي الأحجارِ، وفي
الأشجارِ وأصرخُ: أيُّ أنوثة شيءٍ ليست منكِ
وأيّ ذكورة شيءٍ ليست لي
19.
الزمان ذكرٌ
والمكان الذي لا يؤنّثُ لا يُعوَّلُ عليه
20.
ظلت السماء، لثلاثة أيام، حمراء في
لون العقيق، وكانت تخرج من الغار
وتقول: رائحة نتنة تأتي من
الأعالي.
21.
رأت الوعلَ نائمًا على بابِ الغارِ، وعصافير
ملوّنة تصدحُ على قرونه المشتبكة
22.
كنتُ وَعْلا وشجرتي على رأسي
تثمرُ كل ما أشتهي
وأنامُ في ظلّها الظليل
23.
"سيقوم.. سيقوم"
24.
ظلّ صوتُ الملاكِ يقصف كالرعد حتى اختفى
فوجدت قعقعة
وجيشًا يطير في الهواء
وكان مساءٌ
وكان صباحٌ
يومًا ثالثًا، الثلاثاء
(4) دَوسَم*
* من أسماء الله في اللغة السوريانية بمعنى الرحيم
1.
ضاع في البرّية حتى غَلَبه الجوعُ والضعفُ
فقعد على حجرٍ ودعا
فإذا بجاريةٍ سوداء على رأسه تقول:
أرسلني سيّدي إليك بهديّةٍ؛
فإذا هي طعامٌ وفاكهةٌ وماء
فتركهم ومضى جزعًا من نفسه!!
2.
في أيّ السماوات يركضُ، وفي أيّ اتجاهٍ تسوقهُ
الريحُ، من يطعمه إذا جاع، ومن يؤنسه في
وحشته السماوية الطويلة.
3.
كان في النهر يستحمُ، وكانتْ في الغار تتلو
الصلوات عندما خرج لها من الرسومِ رجلٌ من
الزئبقِ انحنى أمامها
وقال: أنا خادم الأربعاءِ واسمي "برقان"
قالتْ: أين ملاكك ميكائيل
أشار فوجدت على الماء قبّةً من نور وعلى يمين
القبّةِ لواء أبيض وأربعة أَعوان يقفون
قالتْ: فكيف نجوز إليه
فرش رداءه على الماء وأخذ بيديها حتى جلست
فعبر بها الماء حتى القبّة
4.
قالت: تبارك عطاردُ، والسّاكنُ بفلكه،
الآخذُ بناصيةِ خدّامِ يومه
الأربعاءُ، الدالُ، القابلُ كل طبع سعدٌ
مع السعود ونحسٌ مع النحوسِ مازجُ الذكورةِ
بالأنوثةِ
ونهضت فأجلسها ميكائيل على الكرسيَّ معه
وقال: مُري.. تجديني من القادرين
قالتْ: هوذا حيٌّ ولا يذكرني
قال: اصنعي له خاتمًا من الذهبِ والزئبق
5.
اجعلني كخاتمٍ على قلبك
كخاتمٍ على ساعدكَ
لأن المحبّةَ قويّةٌ كالموت
6.
الطبيعة سوف تغيّر عاداتها.
سوف تعلنُ شمسٌ على الناسِ أن النواميس قد
هرمت وترتَّب هذا الصباح بشكلٍ جديد
7.
كيف أخرّبك وأنت خرابٌ. كلّكِ
قلتُ بتخريبِ هذا الخراب
وقلتُ ستركضُ أحصنةٌ في الهواء الخفيف،
وتأتي ملائكةٌ فتزيح البيوت قليلا لترقص كُلُّ
الوحوشِ التي خرجتْ من توحّشها
سوف تملأ كل الشوارع بالعاشقين، وتجلسُ في
الشرفات وعولٌ وغزلان، سوف تمّر قوافلُ من
سمك بارتفاع ثلاثين همًا وتعلنُ أن القوانين
لغوٌ وأن التواريخ وهمٌ وأن الحقيقة في رغوات
الجسد
8.
كان يعرف أن النواميس سُلَّمهُ للسماءِ فماذا إذا
طيّرتهُ المواجيدُ
9.
يعرفُ أن الطبيعةَ مأسورةٌ وهي حين تنام تفكّكُ
أشكالها وتطير، وتلهو كطفل؛ فتبني العوالم ثم
تعود فتهدمها هكذا.. هكذا
سوف تجعل أجنحةً للنساء وللعاشقين خصيصةَ
أن ينفذوا من خلال الجدارِ
تجّربُ ما لم يكن وهي تضحكُ
هل ستظلّ بلا وجهة كالبراءةِ
10.
مَنْ تكون
الجبالُ تفرُّ أمامك مثل الكباشِ
ويهربُ قدّامكَ البحرُ
من أنتَ
قلتُ: سليل ملوكٍ، رأيتُكِ في الماءِ طار
صوابي وطاشتْ سهامي
فأخفيتُ ثوبَكِ حتى تجيئين عاريةً،
وخرجتِ!!
فكم أنتِ مرهبة كجيوشٍ بألويةٍ
11.
رأى النوافذ مضاءةً، وفي كل نافذةٍ مرأةٌ تمشّط
شعرها
12.
ماذا يقول المنُادي؟!
ولماذا تُفتح الشبابيكُ ويهلَّلُ من فيها؟!
قال: أجاز "مفتي الثقلين" تزوّج الحنفيّ من
الشافعيّة تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب
13.
رأى ببّغاء على الفرع يعلنُ أن البلاد التي
كشطتها السيولُ مؤهلةٌ لقدوم المحبين
14.
رأيتك تزاحمين الرهبان على السّلمِ في أيقونة
العروج
15.
وسّع نفسه كالهاويةِ وصرخَ فصرختْ الأحجارُ
وراءه:
هل على الأنهار حُمّى يا رب؟!
16.
وضعوا الرهائن في أكفانٍ وصبّوا عليها الجبس،
وراح الآمرُ يتجول بين التوابيت، يتأمل وجوه
المومياوات الحّيةِ قبل إلقائها في الصحراء.
17.
كان نبّي الله يمشي ومعه تابعه إذ أقبلتْ ريحٌ سوداء،
فلما نظر التابع إليها ظنّ أنها الساعة
فالتزم النبيّ وقال: تقوم وأنا معه
فاستُلَّ النبيّ من تحت قميصه وراح التابعُ
يصرخُ والقميص في يده: إيلي.. إيلي لماذا
شبقتني؟!!
18.
أغربُ الغرباءِ من صار غريبًا عن قلبه
19.
والله لولا أني أخافُ الشهرة لدخلت في النار
وخرجت مائة مّرة فلا أحترق
20.
لكلّ طائرٍ صائدٌ ولكل قلبٍ هوى
21.
ليس للناقص أن يحيط بي
22.
إنني أنفتحُ كوردةٍ ليليةٍ، فإذا طرتَ فقع عليّ
23.
شيخٌ على التختِ سكران ينشدُ:
أنا من أهوى
24.
رأى عاشقًا كان يحملُهُ أسدٌ للصلاةِ،
رأى عاشقًا يتسلّل ثم تدلّ عليه الفراشاتُ
ينقش في سُرّةِ امرأةٍ:
كلَّى لكِ لكِ
كلّكِ لي.. لي
25.
قلتُ، الأعجوبة!!
أربعةُ محاريب في المسجد الجامع، يصلَّي فيها أئمةٌ
أربعةٌ متعاقبين، كل أُناسٍ ينتظرون إمامهم بينما
الإمام الآخر قائمٌ يصلّي
26.
الرغبات ذكرياتٌ، وفي صباحٍ جميلٍ كهذا
تستيقظُ رغباتك كلها وتحيط بك كقطيع من
الذئاب
27.
أمام النافذة محلات للوشم، رسّامون ينقشون
الجلود عابسين، ورسّام يغير الإبر ويعلق نماذج
جديدة فيتجمّع حوله العشّاقون صائحين:
انقشنا بفقهِ اللذّة
28.
يعرف أنه منذ الآن سيمضي باتجاه ماضٍ
آخر من مواضيه
29.
كل امرأةٍ تأخذ شكلها من الصحراء التي تقابلها
30.
رأتْ الوعلَ يركضُ في التيه وقرونه المشتبكهُ
تشتعلُ بزهورٍ حمراء، ندهت عليه فوقف
حتى امتطته، وطار بها وهي تقطف من زهورهِ
وتضحك
31.
كانا يدخّنان بغليونين من الكهرمان
قال الأبيض للأسود: هل ما تراه دائمًا يقع خلفك
قال الأسود للأبيض: وماذا أفعل.. إذا كان
كل شيءٍ يخفي شيئًا آخر
32.
كنت أهبطُ لك، فإن لم أجدك صعدتُ على
شكل عصفورةٍ، وأظلّ محلّقةً لأرى أين تهبطَ
يا كلَّ كلَِّى
33.
جاء على هيئة ريحٍ لا يوقفها شيءٌ تنزعُ
الغسيل من يديها، وفي خضم خفقان الأغطيةِ
المدهشِ، رآها الجميع وهي ترتفع مع الملاءةِ
في الجو، وتقطع طبقات الهواء مشيرةً بالوداع
34.
رأى كيف لفّ على عضوهِ حيّةً وتقدم يغمدهُ
وهي تضحكُ، ندّاهةٌ سوف تقلع ندهتُها رجلا؛
شبّكت مرأةٌ قدمين على خصرهِ، ويدين على
ظهره، فهو يمضي وقدّامه عضوه يتخبّط مثل
ضريرٍ
35.
رأى طائرين على نهد عاشقة يسفدان، رأى
كيف تخرج من سُرّةِ امرأةٍ جنّتان، رأى امرأةً
وهي تدعك نهدين مندلعين بماءٍ الذكورة
فامتلأت غرفةٌ بأزيز الفراش، رأى النملَ يحملُ
خاتمَ عاشقة وهي غائبةٌ، تحتها موجةٌ وعلى
صدرها يتناسل ورد من الشهقاتَ
36.
هبط الملاكُ يراجعُ نبّيًا، كعادته، سارا متأبطين
إلى الصحراء، وجلسا معًا على صخرة في ضوء
القمر.. النبّي يقرأُ والملاكُ يسمعُ حتى وقف فجأة
وقال:
ما نزلتُ عليك بهذا!!
وطار في السماوات يقصفُ كالرعد
: ما جئتك بهِ
والنبُّي واقفٌ يرتعد.
37.
كان يتناول طعامه شاردًا، مرّت عليه ستون عامًا
وهو يحلم بصورته عندما سيصبح فتىً في
العشرين، وعندما انتبه شاب شعره فجأةً،
وسقطت من يده الشوكة
38.
رأى أثرا غائرا في الأرض لعضو هائل،
يقال إن العاقر إذا تمرغت في ترابه انفك
عقمها وولدت
رأى النساء في تمام القمر يهبطن بحبال
مدلاة، فيتمرغن عرايا ويدلكن أعضاءهن
بالتراب، حتى يسمع من لا مكان لهاث
ذكر، فيتقافزن من الغبطة، ويتهلل
الأهالي على الحافة، يهنئ بعضهم بعضا
بعلامة القبول.
39.
اهدئي قليلا
لا تتجولي هكذا بقلبي
فالأوراق تصفُّر بين يديّ وتشتعلُ فجأة
40.
شعوبٌ بأكملها، بين السرطان والجدي،
وُضعتْ في محّمياتٍ طبيعيةٍ، رأيت بنفسي
حملات صيدٍ، وبرامج تبشّر الذين ستنقلهم،
في سفن فضائية، قاعها عدسة مكبّرة، إنهم
سيرون أزمانًا مجمّدةً وبشرًا سائلين.
41.
أنا إلهُ الجنسِ وآخرُ الذكور
42.
قلبي غريبٌ عن كل تابعيه
43.
قي المقهى، وكنا نلعب الدومينو، سأل قبلاي
خان:
في اليوم الذي أعرفُ فيه كل الرموزِ، هل
سيكون بمقدوري امتلاك العالم
ابتسم ماركو وقال:
لا بل ستتحول أنت نفسك إلى
رمزٍ من الرموز
44.
كان أغسطس يعمل بهّمةٍ في قدحِ الأسفلت،
ثم يشبّك ذراعيه على صدره ويشاهد ما يحدث
طابورُ المغضوب عليهم والضالين يتقدّمُ ببطءٍ،
كانوا يجاهدون في التخلص من الأسفلت
فيغوصون فيه كلما حاولوا
وعندما يطمئنّ الآمرُ، الذي له وجه ابن آوي،
إلى تخبطهم يطلقُ صافرته فتنطلقُ أسرابُ
النحلِ المتوحش، تتلوها أسرابُ الجراد فلا
يبقى على سطح الأسفلتِ سوى عظامٍ
مكشوفةٍ ورقعٍ من اللحم
بينما تتصاعد ضحكاته خفيفةً مثل فقاعات في
الماء.
45.
لا تنظروا إليّ كثيرًا فالوعول تتآكلُ من كثرةِ
النظر إليها.
46.
كان يقضي وقته في تعقب الندّاهات، يمّد
أصابعَهُ المعروقة كخمسِ تمراتٍ ويقول: عرائسُ
النيل تمضي في جداول تحت الأرض فإذا
وجدتْ آبارًا تعلّقتْ بالدلاء. وأنه شخصيًا شاهد
قواديس ساقيةٍ وقد تعلّق بها ثلاثٌ منهن.
47.
في الطابق الأخير توقّف المصعدُ، دفعتُ
الباب لكنه لم يفتح، نظرَتْ إليّ متسائلةً، ومرّتْ
بالخاطرِ كوابيسُ الآخرين، رحنا ننادي ونخبط
على الباب. فجأةً صعد بنا مّرةً أخرى!! وغمرنا
الضوء من زجاج المصعد.
لا بد أننا نمرقُ في السماء. تقدمتُ بحذر فرأيت
الكباري تتلوى مثل ثعابينٍ خرافية، والنهرُ يلمعُ
مثل برصٍ هائلٍ
أمسكتْ بي خائفةً وهي تطل برأسها من فوق كتفي
: معقول؟!.. ألا يرانا أحد؟!.. هل
نسقط من هذا الارتفاع؟!
اصطدم بنا طائرٌ وهوى، ثم تجمعت الطيورُ
تنقُر الزجاج بشراسةٍ وهي تحدّق فينا،
لا بد أننا في سحابةٍ فكل شيءٍ أبيض كحليب
الماء
48.
كانا يتدارسان "جزاء الصيد"
قال الوليُّ للفقيه: في الوَعْلِ بقرة
قال الفقيه: وما الوَعْل؟!
قال: انتظر ستراه.
فشق حائطَ المحرابِ وَعْلٌ وتقدم حتى وضع
قائمتيه على صدر الفقيه وقال: عرفتني
قال الفقيه: نعم
فرجع ودخل الحائط
قال الفقيه للوليّ: فقل لنا ما هي فقد تشابه البقر
علينا
49.
يحدث أن رجلا يتخذُ له مكانًا في حياتين أو
أكثر في وقتٍ واحد، فيصبح هو هو طاغيةً
وخادمًا ونبيًّا
50.
يستطيع أن يغفرَ كلّ شيءٍ
فقط
لو يدلّهُ أحدٌ
عما كان يفعل بحياته من قبل!
لو يعرف فقط
آخر جملة قالها ولم
قبل أن تظهَر في حياته فجأةً
كاشطةً الماضي
بنظرهْ!
51.
قال: ما لهؤلاء القوم
قال: أسد على الطريق قد أخافهم
فنزل عن دابّته، ثم مشى إليه حتى أخذ بأذنه
ونحّاه عن الطريق
52.
في واحة من واحات الصحراء أخرجوا رجلا
غريبًا من بئرٍ، وبعد ثلاثة أيامٍ، طعم فيها ونام،
قالوا له من أنت؟! ومن أين جئت؟!
قال: أنا تاجرٌ، وكنتُ مسافرًا في النيل
فغرقت السفينة وأخذني الماءُ حتى
أخرجتموني
53.
فبينا السلطان في بيتِ الخلاءِ إذ خرج له الشعب من
الحائط في صورة أسدٍ عظيم فارتعد السلطان ووقع
مغشّيًا عليه، فلما أفاق ولم يجد الأسد، هرول إلى
سريرِ ملكهِ ملوّثًا بخرائهِ يصيحُ
أنا الدولة
54.
سحبته المرأةُ إلى الخلاءِ، وهناك تاه في الجمال
الذي لم تره عين
طاوع نفسه وخلع أسمال الدراويش وهمَّ بها،
فانشقّت الأرضُ وابتلعتها وهو ينظر
ظلت الشمس قائمة على رأس المشهد
صيفًا وشتاءً كاملين، وهو في مقام
الرعشة، حتى ارتجّت الأرض واهتزّ الملكوتُ،
ثم انفرطتْ أعضاؤه وتناثرت في الخلاءِ فغُفِرَ
له
55.
رأت أربعة ببّغاءات ينشدن بألسنةٍ مختلفةٍ
كلَّي لكِ لكِ
كلُّكِ ليَ ليَ
56.
هوذا يحمل ماضيه كلّه، حيواته كلها، كما يحملُ
الحلزونُ بيته
57.
"سيكون له ذاكرة الوعل"
ابتسم الملاك واختفى، فرأت نفسَها على باب
الغار وموكبه في الهواء، يشير مودّعًا وهو
على كرسيّهِ يخطفُ الأبصار
وكان مساءٌ
وكان صباحٌ
يومًا رابعًا، الأربعاء
.