لأنكثن بوعدي إذاً فالشفاه التي تردد الكمال الصاخب تردد الموت. والموفدون إلى هذا الليل ليبنوا أدراجه اللولبيَّة يبعثرون الرخام الذي حملوه. أمَّا المشهد المقام على أنقاض حاله فهو على حاله. والحلة على حالها. والموت وحده الأكثر وحدة بين الأسرى. لكن ما الذي يفعله الموت هنا؟ ما الذي يفعله الموت السكران ذو الدوار الأشد وهو يرمي بثيابه إلى الأرواح؟ ما الذي يفعله الموت المسطر بأقلامه على الفكاهة النائمة، كورقة مديدة بين شعر نائم وأنين يقظان؟ ما الذي يفعله الموت شريكي في هذه البرهة التي تتأصل بجذور كجذور التين، وبراعم من شعاع ينثر المغيب على أثداء شقيقاته؟ ما الذي يفعله الموت القادم بي إلى هذره؟ ما الذي يفعله الموت الذي أضجر الشهود بهرجه. وخرج مع الخارجين من الباب ذاته يفضي إلى الحياة؟ ما الذي يفعله بالموت أسيري. وأنا الحائر في تدبير زنازين مضيئة تليق بأسراي وبي؟ أتتمهل الحقيقة في اقترابها من القيد الذي أشد به رسغي إلى رسغ الريح؟ أما المشهد فليبق على فراغه. لأنني سأستعجل في إبرام العقد ذاك. الذي يقدم الهواء غريقاً إلى زبدي. وسأعلم نفسي مشافهاتها الكبيرة بلسان مقطوع. فالأمر كله برهة في يقين منكب على الرتوق كإسكافية. سأبوح بي للأرق الذي يبوح بقدره للمياه. ستبوح بي.. ستبوح المياه بي للسكون الجالس حافياً أمام مريديه. وسأقسم الهبات التي رفعها الحريق إليّ بين اليقين والفكاهة. سأتقاسم والبرد الضاحك الشتاء أنا اللهبيَّ. تصبحون على خير. تصبحون على ألقٍ. تصبحون على عدم مدرج في قائمة الطعام. يالروحي المغلوبة على أمومتها!! هذا ما أقوله وأنا أغادركم من الباب الخلفي المفضي إلى الحياة. لكن أسراي يبقون هنا في انتظار أن أحرر الأزل من الحُمّى. وأسراي ملك مشاغلهم. يدبرون لي عذوبة المضي بالخسارة إلى ألقها. مباهين بسفن ليست لهم يبسطون على الأرض أشرعة من خيال الماء. متموجة كأنما تلد الظلال نسلاً من الحبال المشدودة. إلى كوثل الفجيعة. هكذا إلي ألقها، هكذا الخسارة إلى ألقها. بأسرى يتقاذفون الفجر كالوسائد. ويتأملون الفردوس المذعورة متشبثاً بستارة المسرح.
نص شعري لسليم بركات لا تسألوني الضبطَ مُتْقَناً كالرَّبطِ مُتْقَناً بعد الآنَ. الأعالي مُخَبَّلَةٌ مزَّقْت صُدْرَتها، والأسافلُ مُخبَّلةٌ كالأنحاءِ الخَبَلِ لا تُرتجى بعد الآن. ركبتايَ خارتا، والسماءُ خارتِ. الْسماءُ يُصلحِها الغزاةُ. الْسماءُ العطْلُ. الْسماءُ الوَزْرَةُ بالدمِ عليها من شَلْشَلهِ. اْلسماءُ شدوُ الجنونِ البلبلِ، ورقصُ البلبل فوق ذيل التِّنينِ. اْلسماءُ الركلُ من مُعْتَقَدٍ إلى مُعْتَقَدٍ. لا دليلَ على السماءِ بعدُ. لا دليلَ على سُلمٍ إليها، أو نزولٍ منها بسُلَّمٍ إلى الإنسانِ، أيها البلد. فَتْقٌ في الروحِ، ورتْقٌ. ويلَ الرَّجمِ بعظامِ الأسلافِ الماءِ، والأسلافِ الطينِ. ويلَ الرَّجمِ بالمراقدِ جُوْفاً خُدِعَتْ، لم تَشْغَلها جثثٌ. ويلَ البلدِ أيها البلدُ الأكياسُ يجمعُ المخذولُ فيها ثيابَه، وعنادَه، وحناجرَ أولادهِ المُنتَزَعَةَ. مزادُ الشرعِ عليكَ. مزادُ اليقينِ فيكَ. مزادُ المزاراتِ السطوِ، والمدافنِ السطوِ، أيها البلدُ: مَسْحٌ في الأملاك: بقايا قَصْرٍ، وغزاااااااةٌ حَرَسٌ. لا توضيحَ أكثرَ من اِيرادِ الرملِ أمثلةً في الأحكامِ. اْلمآخذُ هَيِّنةٌ مُذْ حِصَصاً نتسلَّم الهولَ؛ حصصاً نتسلمُها الأعمارَ بالمغارفِ الحديدِ. مآخذُ لا تُذْكَرُ على عنادِ الخرابِ في التدقيقِ. المآخذُ هيِّنةٌ لا تُذْكَرُ على اقتسامكَ رماداً. سَمِّهِ القتلَ بأسماءِ أيامك بعد الآن، أيها البلد. عَدَمٌ في التلخيصِ. دولٌ ملخَّصاتٌ، والعبورُ ملخَّصاً من حصونِ الآلهةِ إلى المسالخِ. أصباغٌ لدِهانِ الجبلِ، ودِهانٌ للبحر مُذْ تقشَّرت أساطيرُهُ. بلاءٌ أثاثٌ في كلِّ ردهةٍ، والأقدارُ ضحلةٌ لا تبلغُ أرساغَ الأقدامِ. لا خلافَ. تعبٌ لا خلافَ عليهِ. لا خلافَ على الحقائب أخفَّ وزناً أو أثقلَ بعد القتلِ. إلهٌ لا خلافَ عليهِ، بل على معقولهِ، أيها البلدُ. اْلبضائعُ مكفولةٌ بضمانِ الشكِّ الشكَّ، واليقينِ اليقينَ، والإلهِ المعاركَ. ضمانٌ أن لا نفاذَ للماءِ من شقوقِ الأرواحِ مُذْ طُلِيَتْ قِيْراً. شكراً للقيرِ، أيها البلد. هاكَ، إذاً، دِلاءَ الأرواحِ مرفوعةً بأشطانِ الحرائقِ من آبار الحرائق. هاكَ الموتَ يُصْرَف بأسعار البارحةِ. فداكَ الشحوبُ الأبُ: خُذِ الحريةَ من زُقاءِ الديكِ على أطلالِ الهيكلِ، أيها البلدُ الوثَنُ الوثنيُّ. خداعٌ مشرفٌ من النافذةِ على أصيص النبتةِ الدمويةِ، أيها البلدُ الهَدْمُ الشاطرُ، والسخريةُ الضربُ بحذاءِ الأبدِ على الطاولةِ. اْلأناشيدُ فاسدةً تُحفَظُ في ملحِ العهدِ وخَلِّهِ. سهوٌ في الميثاقِ خائباً من حِبْرِهِ، أنتَ، أيها البلد. لادِيْنَ للغدِ. لادَيْنَ للغد على أحدٍ في تراجمِ العائدين من الهولِ بألسنةٍ طميٍ. مآثرُ مجذِّفةٌ في الرمادِ بمجاذيفَ من أصواتِ المرتعديْنَ. اْلبضائعُ مكفولةٌ، أيها البلدُ. تُراحُ الأرضُ عاماً لتُزْرَعَ عاماً، لكنْ لا يُراحُ فيكَ الزرعُ بالأرواحِ البذارِ. أوقِفْني عن مطابَقاتِ الدمِ في الأغاني. أوقِفْ شَكَاتَكَ أنْ ما من آلهةٍ تغضبُ بعد الآن، يا اغترافَ الظلالِ بالأقداحِ شُرْباً. تولَّيْتَ الحصادَ في أبَّانهِ صَمَماً من الحقائقِ، وخَرَساً من مذاهبها. اْلسماءُ لا تُحتَمَلُ بعد الآن. ادْحضِ السماءَ. ادحضِ الأخوَّةَ التي لا تُحتملُ بعد الآن. الأعمدةُ تلهو بالأعمدةِ، وحيادُ الخميرةِ لا يُنجي الأرغفةَ من مساءلات المعاركِ. دَفْعٌ. هاكَ. يُصْرَف الموتُ بأسعار البارحةِ، فلا أُسْألَنَّ الضبطَ مُتْقَناً كالربطِ مُتقناً، بعد الآن. اْلموتُ ضيِّقٌ بعد الآن. لا عافيةَ تعيدني إلى ماكنتُه. لا إخلاصُ الجبلِ، لا الجبليُّ، لا جدِّيَ الجبلُ، لا جدَّتي الغابةُ، لا إخوتي الطُّرقُ ضيِّقةً، لا شقيقاتي الصخورُ الصقيلةُ في مجاري الأنهارِ، لا فجرَ يعيدني إلى ماكنتُهُ. لا خُسرانَ، أو نصرَ، لا طريقَ تعيدني إلى ماكنتُه. لا الآباءُ الجيِّدونَ، لا العشاقُ الجيِّدونَ، لا القتَلَةُ الجيدونَ، لا الموتى الجيِّدونَ، أولاءِ الذين لا يتوقف الموتُ عن التبشير بهم أنبياءَ في ممالك الموتى، يعيدونني إلى ماكنتُه. لا السماويُّ وحِرْصُ بناته على دفوفهنَّ، لا ربابنةُ المهجورِ، لا ملاَّحو الكثبانِ الكبرى، يعيدونني إلى ماكنتُه. لا الحياةُ النومُ تحت شجرة الموتِ، لا الألوفُ الأعوامُ استغرقتِ الإنسانَ كي يعرف أنَّ البرتقاليَّ لونٌ وليس برتقالةً، وأنَّ الشكوكَ ذئبيَّةٌ مع الزوال الحائر في قَسَمهِ بالزوالِ، ومع الكُفْر نبيلاً في إيمان الكُفرِ بالشجرة تلك، التي أنا ظلُّها، ستعيدني إلى ماكنتُهُ. لا الموتُ معترِفاً للموتِ بأرَقِهِ كَبَشَرِ الباطنِ مولوديْنَ سِفاحاً من أساطير المنتظَريْنِ، يعيدني إلى ماكنتُه. لا الموتُ بسيطاً في الأزمنة الكبرى، أو مختلِطاً تعقيداً في الأزمنةِ الصغرى، يعيدني إلى ماكنتُه. لا المعذِّبون يقينَ الجبلِ أنَّه الأعلى، القساةُ الطيبون كالمَرَقِ الطَِّيِّبِ، يعيدونني إلى ماكنتُه. حين الأمَّهاتُ جميعُهنَّ أُمهاتُ الغَرَ قِ في الأديانِ الغَرَ قِ، لا أمهاتٍ يُعدْنَني إلى ماكنتُه. لا أحدَ يعيدني إلى ماكنتُه. هَرْجٌ، ومَرْجٌ: عُدَّ، أيها البلدُ، ما يُذْهِلُ ويَشْدَهُ؛ مالا يُسْتَجْمَعُ إلاَّ في انهيارٍ. عُدَّ. مفرِّغٌ أنا جيوبَ الصِّفْر من كُسَارةِ الأرقام. الأعداءُ قساةٌ كالأساطير أيها البلدُ. لا أريد أرضاً بعد الآن. لا أريد سماءً فوقي بعد الآن. أوقفْ قلبي على قدميه. أوقفِ الطُّرُقَ المغمى عليها على أقدامها. أوقفِ النزوحَ من الوقتِ إلى ما لا يعرفه الوقتُ. أوقفْ خصومةَ التراب للترابِ، وشِجارَ الحدائقِ، وسقوطَ الدقائقِ مهشَّمةً بمطارقها، أيها البلد. في أحذيةٍ، أو بأقدامٍ حافيةٍ، ينجزُ الذبحُ عبورَه من السهلِ إلى الجبل. لا. لا توقفْ قلبي على قدميهِ، أيها البلدُ.لا تمنحْهُ فرصةَ النظرةِ الأخيرةِ إلى مالن يعودَ. مرجَّحٌ أنني لن أتبيَّنَ الثقلَ بعد الآن، ولا الخفَّةَ بعد الآنَ. اْلأيدي هواءٌ، والقلوبُ هواءٌ. خَلْقٌ نزوحٌ بالكفرِ إلى عدْلِ الكفرِ.لا بحرَ هنا. لا بحرَ هناك. لا سهلَ هنا. لا سهلَ هناك. لا جبلَ هنا لا جبلَ هناك: بلادٌ تُطْبِقُ الكتابَ على سطورهِ الطويلةِ، والقتلى لن ينهضوا إلى مهمَّة بعد الآنَ. إنَّهُ حصادُ المتاهاتِ، وتأثيثُ الرياحِ للإقامةِ. أقمارٌ رخيصةٌ في الأسواقِ. قتلى وبضائعهُم معروضةً على مساطب الشفق. آدابُ القتلى، وشرائعُ القتلى في تنظيم الموتِ كالدُّوَلِ الموتِ. اْلقبورُ المقايَضاتُ، وذهولُ الباذنجانةِ من بياضِ الأسنانِ في فم الخائفِ، أيها البلد. عزلةُ الكونِ أخيراً، أيها البلد. إسطبلاتٌ كثيرةٌ للجيادِ الحجارةِ. قُفْرانٌ كُثرٌ للنحل الحجريِّ. إيمانٌ بالحجر المعذَّبِ، أيها البلدُ. لن أُسلِّم السماءَ إلى أحدٍ إنْ سُئِلْتُ مُذْ سلَّمتُها البارحةَ، بيدَيْ يقيني، إلى الشحاذينَ. موتٌ خيريٌّ. موتى خيريونَ. خجلُ الماءِ من نفْسه هذا، أيها البلدُ. بكاءُ البحرِ، وندْبُ الغيومِ. كوفِئْتَ: الغضبُ مكافآتُ الآلهةِ على أعمالِ الموتِ. واُرِحْتَ مُذْ لا إصلاحَ في كسور السماءِ وأقفالِها. هَيْتَ لكَ. لا قلبَ في يديكَ؛ لا قُبَلَ في جيوبكَ. استَرِحْ عندما لا قلبَ في يديكَ؛ لا قُبَلَ في جيوبكَ. عندما لا بابَ؛ لا نافذةَ؛ لا بيتَ؛ لا حدائقَ، ولا أمكنةَ؛ عندما لا يعرفُك العارُ السَّيدُ، والفجرُ السيِّدُ؛ عندما لا تعرفكَ الكراهيةُ كما ينبغي، ولا تعرفها كما ينبغي؛ عندما الشرُّ مديحٌ لا غيرُ، والإغراءُ جراحٌ؛ عندما الأجسادُ تُطوى كالأعلامِ تُطوى بعد المهرجانِ، والهذيانُ وحده يستطلعُ الطريقَ السالكَ أميناً؛ عندما النهارُ النَّذْلُ ضرورةٌ لقبول النُّصحِ من الضياءِ النذلِ، والتجاريبُ كلُّها فلكيةٌ، والطبيعةُ سداسيَّةُ الشكِّ كالعفَّةِ في دِيْنِ الغضبِ؛ عندما لا غالبَ إلاَّ العويلُ، والأمكنةُ الأراذِلُ، والجهاتُ الرذيلةُ؛ عندما النهايةُ تجري مجرى الليلِ، والغبارُ يجري مجرى المعْجِبِ بالهباءِ العُجابِ؛ عندما أنْ مفطورون على الساعاتِ مُفرَّغَةً، وعلى الأيامِ مفرَّغَةً، وعلى السنينِ مفرَّغةً؛ مفطورونَ على الأوزانِ مفرَّغةً، وعلى المبتدّأِ الفارغِ كالمنتهى الفارغ؛ عندما أنْ مفطورون على الحرائقِ، وصناعاتِ الهمِّ المتَّزِنِ، والغمِّ الوازنِ؛ عندما البابُ جريحٌ، والأبهاءُ جريحةٌ، والطُّرقُ صوتٌ لا يكمل أقاصيصَهُ؛ عندما الرحمةُ نزقةٌ بطباعٍ كالحراشفِ، والمنشدونَ رَتَلاً على شَفراتِ الدِّيْنِ منشِداً في الملهاةِ، والأخلاقُ للهربِ بأقدامها؛ لبلوغِ الحفافِ بأقدامها؛ للقفزِ بأقدامها من كُفْرٍ إبنٍ إلى كُفرٍ أبٍ؛ عندما وحشُ اللازورديِّ في الرسومِ الدولِ، ونفورُ الجهاتِ من الجهاتِ، والمدنِ من المدنِ، والشواطئِ من الشواطئ؛ عندما تحاكي المياهُ الطيورَ، وما يجري مجرى ذلكَ؛ ما يجري مجرى الليلِ، ومجرى الصاعقةِ الشعثاءِ، ومجرى المديح منتحراً بممدوحِيْهِ؛ عندما المساخرُ الأضاحيكُ في الشرقِ الحُمَّى، وخُرافةُ القُبَلِ، وخُرافةُ الإنسانِ حالماً، وخرافةُ العسلِ ـ هَيْتَ لكَ أيها البلدُ: لا شيء يناسبُ شيئاً؛ لا مصافحَةَ تناسبُ مصافحةً، بعد الآن. عاديٌّ أن ينهار البحرُ جاثياً بعد الآنَ. اْلمجازرُ تُحْمَدُ. يُحْمَدُ البقاءُ الشفرةُ. يُحمَدُ الخرابُ التصديقُ؛ الْجوعُ التصديقُ؛ اْلكلماتُ التصديقُ أطبقتْ عليها يدُ المنتحرِ. الْخرابُ الأمراسُ مفتولةً، والخرابُ الهَللُ. رعاعُ الإيمانِ المحتجب في الوثنِ المحتجبِ، أيها البلدُ. ما التصديقُ؟ ممتَحَنٌ بالهولِ الصادقِ والكفرِ الصادقِ. ما التصديقُ النفوسُ؟ أينَها؟ اْلنفوسُ التي بلا نوافذَ، أو أبوابٍ. اْلنُّفوسُ العشبُ مجتزًّا بمقصاتِ المدحِ، والنفوسُ الثقوبُ في كشتبانِ الخلائقِ. جَدَلٌ هذا. جَدَلُ الرمادِ العَلاَمةِ، وخَطابةُ الجراحِ الرَّعاعِ، أيها البلدُ. اْلعَجبُ الأفعوانُ. العُجابُ الكلبةُ في نباحها المعاني ملتزمةً هذيانَ الحكمة الهمجيةِ، أيها البلدُ. اْلغريبُ شريكٌ فيكَ، والغزاةُ أشراكٌ. مُذْ أُنجزتَ بلداً بالنقصانِ الخالقِ لم تَثْبِتْ بلداً للحظوظِ إلاَّ نهباً، أيها البلدُ. خُذِلتَ مُذْ كنتَ، وخُذلتَ مُذْ لن تكون ماكنتَهُ بعد الآن. خُذلتَ مُذْ لا تعرف ما ستكونُهُ بعد الآنَ. يا لكَ إرثاً من نِعَمِ المُشْكلِ. يا لكَ أكيداً كأخيكَ الشكِّ، أيها البلد. بطشٌ عسلٌ. نساءٌ منمَّشاتٌ كالأقدارِ. أرِني، أيها البلدُ، البطشَ العسلَ، والنساءَ منمَّشاتٍ كالأقدارِ. أمْ هذا ردْعُ العبثِ عن كسله لنتعافى في العبثِ؟ اْلمذابحُ رشيقةٌ، سكاكرُ. الْمذابحُ السكاكرُ في أيدي الأولادِ. الجلاجلُ في كواحل الموتى، والدفوفُ في أيدي المُحتَضَريْنَ. خُذْها زلَّةٌ من لساني، أيها البلدُ. اْلقتلُ مرتعداً من صوتِ أمِّه الضاحكةِ. خُذْها زلاَّتٍ من ألسنة المدنِ وأشباهها؛ الأممِ وأشباهها. سأحاكيك بنحيب الصخرةِ التي تلمسُ النهرَ؛ بالخوفِ عريقاً؛ بالخوفِ خالقاً، وارِثاً، وريثاً؛ بالخوووووفِ مائلاً كقلبٍ. مُرجَّحٌ سقوطُ القلوب في سقوطِ المدنِ. مرجَّحٌ أنْ لا يُستَرْجَعَ خِيارٌ؛ ألاَّ يُسْتَأْنَسَ بأصلٍ أصلاً. عروضُ المدنِ مُسْتَنْفَدةٌ، أيها البلدُ. زلَّةٌ على لساني. زلَّةٌ من لسانِ الماءِ. أمْ أسمعُ الصوابَ في انهيارِ الأمكنةِ على أسمائها؟ بلغَ الزبدُ ما بَلَغَه في رئتيَّ. خذْها الزلاَّتِ من ألسنة الحربِ مُكْتَنَفةً بكِلَلِ الشِّعر ذي الأوزانِ العويلِ. خذْها الحربَ الناعسةَ طولاً. خُذْ يدَ الشجاع المنكوبِ بظُلمِ سلاحهِ، أيها البلد. خُذِ الشِّيعَ الهَمَجَ، وانتصاراتِ المحنةِ زلاَّتٍ على ألسنةِ السبيِ فصيحاً. خذْها مني: انحلالَ السماءِ. لا آلهةَ إلاَّ آلهةَ الصرخة. لا سوى الغريبِ الجسارةِ في النَّحْر؛ لا سوى الغريبِ وكيلاً في نقل المدنِ حطاماً إلى الآلهةِ الحطامِ. المآذنُ الدخيلةُ. القلوبُ الدخيلةُ. المستَعْمَراتُ المراقدُ جُوْفاً، والفتاوى المستَعْمَراتُ. السماءُ الدخيلةُ، أيها البلدُ. تلاسُنُ الدول فوق رؤوس القتلى المنتصبينَ، أيها البلدُ. اْلذهبُ المنحورُ. اْلغيومُ المنحورةُ، أيها البلدُ. محاكاةُ الطُّرقِ للمذابحِ. محاكاةُ القتلى للقتلى، والموتى للموتِ، والبساتينِ المهجورةِ للبساتين المهجورة. محاكاةُ الدويِّ المذهلِ للشُّكْر انِ يرفعه العدمُ مضطرباً في التوضيحِ، أيها البلد. الجيوبُ ممزَّقةٌ. ممزَّقٌ كلُّ أصلٍ أيضاً، فهلاَّ رَفَقْتَ بالمِيْتاتِ معدَّلةً بعدُ؟ خذْها الأمثالَ معدَّلةً تجري على ألسنة التماثيلِ، واسمعْ إكراهَ النار ألاَّ تتركَ رماداً، وإكراهَ الدخانِ على النومِ في حلم النارِ، أيها البلد. اْلمخلوقاتُ الرمالُ، والمخلوقاتُ القناديلُ الدمُ، والفنونُ الماءُ، والفنونُ المائيةُ. اْلأيامُ خبيثةُ المَطَالعِ، أيها البلدُ. رِفْقاً بالمِيْتاتِ. رِفقاً بيديِّ الموتِ الوديعتينِ. اْلأضاحي مقيَّدةٌ في ترجمةِ الغريبِ للسِّيْرَةِ الظلالِ ـ سِيْرتِك، أيها البلد. جرائمُ الأمهاتِ أنْ يلدنَ بعد الآنَ، والآباءِ أن يستولدوا. هي ذي تقوى المدية فوق النَّحرِ، وتقوى المذبحةِ، وهدْيُ الحريقِ. رِفقاً، أيها البلدُ، بأحذية القتلى على الأرصفةِ. الْأرواحُ دارسةٌ أطلالاً كالأجسادِ الأعمدةِ، والأجسادِ السقوفِ، والأجسادِ الجدرانِ. الملاهي تُلْمَسُ في فردوسِ الأنقاضِ. الغزااااةُ هنا، أيها البلدُ. اْلفاكهونَ الغزااااةُ في بستانكَ ـ بستانِ الأحشاءِ. ما غَرَّكَ أن تَصْرِفَ أو تُصْرَفَ؟ قَعِيْدٌ أنتَ مُذْ أُنشئْتَ سُكنىً موصدَ النافذةِ، وبابُكَ ضيِّقٌ. إعراضٌ فافتتانٌ. لَبْثٌ في العَناءِ عن قصدٍ إلى المدحِ صُراخاً، أيها البلدُ. بذلتَ وَسْعكَ، مثلي، كي تُفْهَمَ غريقاً في ما لا يُفْهَمُ: اْلنجاةُ لا ليَ؛ اْلنجاةُ لا لَكَ. اْلعبثُ صادقٌ في وعدهِ. المُشْكلُ صادقٌ في وعدهِ. الخوفُ صادقٌ في وعدهِ. الخرابُ صادق في وعدهِ. الهتكُ والقتلُ صادقان في وعدهما. اْلنهبُ صادقٌ في وعدهِ. الخسفُ صادقٌ في وعدهِ. العجرفةُ صادقةٌ في وعدها. اْلذبحُ صادقٌ في وعدهِ. اْلحُرقةُ قبل الذبحِ، وبعد الذبحِ، صادقةٌ في وعدها. اْلخيبةُ صادقةٌ في وعدها. اْلحقدُ صادقٌ في وعدهِ. الخسارةُ والفَقْدُ صادقانِ في وعدهما. الدَّنَسُ صادقٌ في وعدهِ. الخُدعةُ صادقةٌ في وعدها. الكفرُ صادقٌ في وعدهِ. الرمادُ صادقٌ في وعدهِ. الغزاااااةُ صادقون كالكِذْبِ صادقاً في وعدهِ، أيها البلد. خذوها مجالسَ الوقوف على طَلَلِ الكونِ. خذوا التشبيبَ بالباسطين أيديهم بَيْعةً للجحيم. خذوا الأشياءَ صُفْراً كأعلامِ النَّسْلِ الحَمأَة. خذوا المراقد مقدَّسةً كالأصفانِ، مدنَّسةً كشكوى العاهرةِ من نفاقِ فرْجها. وَيْكَ، أيها البلدُ: المُهَلُ الشَّابَّةُ، والمُهَلَ الرميمُ. الكذابون في المُهَلِ مقضومةً بأسنانِ أمهاتهمُ. اْلأعالي مُخبَّلةٌ مزَّقتْ صُدْرتَها – لا تُرتجى بعد الآنَ. اْلأسافلُ مُخبَّلةٌ كالأنحاءِ الخَبَلِ. نَدْبٌ رائقٌ من حِذْقِ الطَّربِ الرائق. عتبُ النشأةِ عليك أَنْ كنتَ بلداً لم تكنْهُ، أيها البلدُ القيدُ؛ البلدُ القُفلُ؛ البلدُ البابُ مصطفِقاً على قَدَمِ السالكِ. أجناسُ الوحشِ هيَّجَها فَرْطُكَ في التقديرِ. أُخِذْتَ لا مُسْتَعَادٌ. أمْ تُستعادُ اختلاساً من غفران اللاجئِ منك إلى كُفْرِه؟ اْلبدُ القيدُ. البلدُ القُفلُ. البلدُ التوبةُ عما كانَهُ مرَّةً، وعمَّا لن يكونَهُ بعد الآنَ. الحمدُ الشاكي، والذَّمُّ الشاكي، الغَبْرَتانِ على رفٍّ. والتاريخُ الهَبَلُ؛ الأنسابُ الهَبَلُ؛ الأعراقُ الهَبَلُ؛ القيامةُ الهبلُ، أيها البلدُ. اْلأقدارُ أسفَّتْ حتى لَتَعَضَّنَّها الجراءُ. اْلقَتَلةُ الشَّرَّى في أسواق الكون مقتفيْنَ نساءَهم يتبضَّعنَ العِظامَ الذهبَ، والقلوبَ الذهبَ، والأحشاءَ الذهبَ من حوانيت الأنساب الذهبيةِ. اْلقتلةُ البراءُ من حقِّ الوقت على الحظوظِ. الْقتلةُ النجاةُ عبوراً من سطور الأمثال إلى الحدائق المحترقةِ؛ المترجمون الدمَ عن الدمِ ماءً، واللحمَ عن اللحمِ مِزَقاً من قواعد الأرقامِ. اْلقتلةُ المتَّزنون مشياً على الخيطِ الحريرِ للقتلِ. الوارثون مدنَ الآباءِ سُرقتْ بالشعوب فيها، والكلماتِ فيها، والذبائحِ فيها ملوَّنةً كأعلامِ القاهرِ وثيابِ عاهراته، أيها البلد. همْ أولاءِ القتلةُ الطرقُ لا جوازَ لمرورٍ إلاَّ فيها؛ اْلبحَّاثةُ في الأصولِ الأولى للألمِ، وطبائعِ النَّزْفِ، ومناجمِ الخوفِ؛ الْعدَّاؤون بالأسلابِ من نَسْلٍ إلى نسلٍ. الْجوَّالون بالدفوف على القتلى يذكِّرونهم بسَدادِ الدَّيْنِ؛ الْبُلغاءُ في التوثيق لمناهجِ الرفق بالقبورِ. القتلةُ القانونُ، وأنينُ القانونِ، وأعاصيرُهُ النُّورُ الهولُ. اْلقتلةُ بأسماءٍ أو من دونها؛ برِقَّةٍ أو من دونها. اْلقتلةُ السباتُ في اللؤلؤةِ معلَّقةً إلى نَحْرِ الأغنية الخالدةِ. القتلةُ الضغائنُ من نهش التاريخ للتاريخِ. اْلقتلةُ السَّمْعُ مُسْتَرَقاً على همسِ الهواءِ في الرئاتِ؛ آكلو الأعمارِ صباحاً إفطاراً. الْقتلةُ الفرحُ بنجاةِ أسمائهم في انهيار الدولِ، أيها البلد.
جزء من قصيدة “الغزلية الكبرى”
بقلوبٍ
أو
مِنْ
دونها يختلِسْنَ من اللهِ حظوظَ الهوى.
عاشقاتٌ هُنَّ،
بقلوبٍ
أو
مِنْ
دونها.
لا تشروحَ الشروحُ جُنَّت أنْ إلاَّ سْتوفى من أو بقلوبٍ، الهوى حظوظ من المُخْتَلَس هذا، الشأن في
الأرجحيْنِ؛ أرجحِ على يُعتَمَد سَبْكٌ ممكنٌ؛ ذا كل ممكنٌ.دونها. بالمعاني للنزوح الطُّرقِ الأديانِ في تعديلٌ
إلى شفيرِ لزومها. هُنَّ يتدبَّرنَ هذا تدبيرَ السُّحُبِ مجازفاتِها. وأنا؟ مالي؟ بقَلبٍ،
أو
من
دونه أختلِسُ من الله حظَّ العاشق بلا
تدبيرٍ يُعتَمَدُ إتقاناً، كي أرتجلَ الصعودَ مثلهن في قُبلةٍ إلى متاجِرِ الأبد وأسواقهِ.
بقلبٍ،
أو
مِنْ
دونهِ الآثارُ كلُّها تُحْتَوَشُ ـ الآثارُ القلوبُ طريحةً في مَعَاصِرها، والآثارُ الزَّفراتُ من أحمالِ المواعيد.
راهنتُ كما راهَنَّ. لا يخفى ذلكَ مُذِ المعجزاتُ هِيَ هِيَ كالمُراوَداتِ الصخبِ بقلوبٍ في الرهانِ على مِلْحهنَّ. لكنْ ما الرهانُ إن كُنَّ جَمَعنَ الجيادَ كلَّها في أَرَقِ العاشقاتِ؟ بقلبٍ،
أو
مِنْ
دونه تُسْتدانُ زفرةُ العاشقِ. بقلبٍ،
أو
من
دونه، أحبهنَّ يتفهَّمن أعذارَ الحدائقِ،
ما أثناهنَّ، من قَبْلُ، نقدُ النباتِ مجازفةَ الزُّرقةِ بأحكامِ الأخضرِ،
وأعذارَ نوافيرها.
ولا توضيحَ توسَّلْنَه من انقسامِ الجبل على إرث السهلِ،
ومن مقاضاةِ السُّحبِ للرعدِ على نقْضهِ هدنةَ البرقِ،
ولا تلمَّسْنَ باعثاً على شَكاةِ النهر من حجارة المجرى تدقيقَها في أدبِ الماء.
يتفهَّمن إفراطَ المنخفضات في حيائها،
ورعونةَ المُحتجِب في حجابهِ،
ورصانةَ وصفِ المعقولِ بريئاً يتولاَّه العَدَمُ عن لسانِ التَّابلِ الأول في مأكولِ الإنسان.
أُحبهنَّ أَبْطَلْنَ نازعَ القَسَمِ بالحقائقِ،
لأنهنَّ تفهَّمنَ القُدسيَّ في الأعْذارِ،
والقدسيَّ في بُطلانِ الأعذار.
أُحبهنَّ تركنَ كلَّ شيءٍ على حالهِ في الوجود الصغير.
لم يبدِّلنَ إناءً،
أو خزْنةً،
لم يبدِّلن موضع التُّحفِ في أبهاءِ الوجود الصغير.
أريكةً، أو سريراً.
أبْقَيْنَ على عيوبِ الذهبِ،
وفوضى الملح منتثراً فوق موائد العرَّافين.
وتفاديْنَ أن يوقفنَ شِجارَ المغيبِ على أبوابهنَّ. أحبهنَّ:
والأكياسَ مثقوبةً على ظهور الأرواح.
تركْنَ الأحذيةَ مثقوبةً،
والكمالَ مثقوباً،
كلُّ شيءٍ على حاله،
مُذْ ألْزَمْنَ الشكَّ قناعَ الحَذَر في دخولهنَّ الوجودَ الصغيرَ من ممرِّ الطهاةِ إلى المطابخ.
لا يباليْنَ:
تركنَ جواربَهنَّ مثقوبةً،
وأقدارَهنَّ مثقوبةً،
وطباعَهنَّ مثقوبةً،
وأمانيَّهُنَّ مثقوبةً،
وعزائمَهن مثقوبةً،
ودِلاءَ حظوظهنَّ مثقوبةً.
لا يأبهْنَ:
كلُّ
شيءٍ
على
حالهِ
في
مديحي إلاَّ هُنَّ:
لقد بدَّلْنَ الوجودَ بفائضٍ من ثناءِ الذهول.
مقتطفات من ثلاث روايات لسليم بركات
معسكرات الأبد
حين انفصلا، لمرة واحدة، دارا حول البركة، كل من جهة، ليغرقا بمنقاريهما- المفتوحين من التعب- بعض الماء يبردان به حوصلتيهما الساخنتين. ولما أكملا الدورة والتقيا، ضرب ذيلاهما الأرض ليندفع جسماهما أعلى، متواجهين مخلبا إلى مخلب، وصدرا إلى صدر، ومنقارا إلى منقار، وعينين إلى عينين، وأعماقا إلى أعماق بما فيها من شرود كأن غيرهما يتخاصمان، لا هما. وإذ تصادما بعظمي القص في صدريهما، صدر عنهما أنين خافت، عميق، احتبسته عظامهما القاسية، ولحمهما الذي لا شحم في عضله وأليافه. ثم تبادلا انقضاضاتهما العالية، في تناوب متفق عليه. حتى أن أحدهما، إذا لم يتمكن من تسديد ضربته، بسبب انزلاقه على الطين مثلا، يتيح له الآخر أن يعيد الكرة ليتعادلا بشهامة طائرين لا يطيران، بل أنهما لم يسألا نفسيهما من قبل، قط، لم لا يطيران.
ولماذا الطيران على أية حال؟ أهو تمرين للأجنحة؟ لقد اختبرا أجنحتهما من قبل، وهماواثقان أن لهما مقدرة على النفاذ بريشهما، وعظامهما، فلطالما تعرضا لغضب غير مبرر من الكلبين “ توسي” و” هرشة” ، يباغتانهما مهاجمين فيطير الديكان. نعم ، يطيران من الذعر الذي يرفع الأجنحة بحكمته إلى مدارج الريح فيعلوا جسماهما أمتارا عن الأرض، ويندفعان بقآقآت مديدة كالصراخ ممتزج بجلال الهواء الذي يجعلهما خفيفين ككائناته الخفيفة. ولطالما هاجمتهما الإوزات الثلاث، أيضا، فكن مصدر اختبار.
السيرتان
ما الذي تراه؟ قل لي أيها الطفل ما الذي تراه؟ هضبتان في الأفق، وعقد من القرى وتراب يترنح بين صيف طائش وبين شتاء أحمق. وموعدك أيها الطفل موعد نبات أو طير. تغمض عينيك على ضحى تتساقط من سلاله الأقنعة، وتقبض بكفيك علىى لجام غامض، كأنما تتهيأ أنت للكهولة، أو تتهيأ لك الكهولة، لتختزلا، معا، ذلك السحر الذي ينبض مرة واحدة فتنتحر الحياة شوقا إلى نبضة ثانية.
هيهات أيها الطفل أن ترى غير ما رأيت. وما الذي رأيت، قل لي، غير عربات تئن، وينابيع هاربة من ضربات الغبار؟ كفاك انتحالا للأشكال لتطمئن إليك الأشكال. كفاك دفعا بي إلى ندامى احتضنوا الجذور وناموا. لكن بالله، لا تخفف من وطء الغمام علي ووطء الثلج، حيث المحك بينهما تنحر العصافير والوقت، ناثرا من نشيجك على الأرض طفولة للأرض، ناثرا شباك دمك السكران لتلتقط الملحمة .
أنقاض الأزل الثاني
وضع الشاب راحته على أذنه اليسرى كي يستدل بالصدى المرتد إلى حجاب يده على طبقة الصوت. ينبغي أن يكون بين المغني وصوته عازل خفيف يحيله إلى سامع للنبرات حال اطلاقها. الصوت يجرف المغني إذا عكرالرنين الحر على سمعه نقاوة الإصغاء إلى نفسه. هكذا علمه الأعمى، وهكذا اندلقت الخمائر الأولى من حنجرته في حوض الهواء الحي :
“ أنا غالية الثمن، يا شاغل نفسه بي” قالت.
“ إن كان ثمنك الحب فلدي منه كثلج القمم في هكار، وأهراءات القمح في سهول ملاتية” قال
“ بل أنا أغلى من ذلك “ قالت
“ يالتعاستي . إن لم يكن حبي كافيا فما الأغلى من ذلك، يا فتاة؟ “ قال.
“ أظل أغلى، يا شاغل نفسه بي “ قالت.
محمود درويش كلمة الغلاف الأخير
منذ غزا سليم بركات المشهد الشعري العربي في أوائل السبعينات، بشّرنا بشعر جديد مختلف. لم يشبه أحداً، وسرعان ما صار هذا الفتى الكردي الخجول أباً شعرياً لأكثر من شاعر عربي فتنتهم صُوَره الغريبة، ولغته الطازجة، وإيقاعه الشلاّل. ليست اللغة وسيلة للتعبير. إنها الوسيلة والغاية. يسوسها كما يسوس قطيعاً من ذئاب مروّضة، إلى مجهول في متناول الموهبة، وتسوسه إلى البحث الفاتن عن معنى مستتر وراء اللامعنى، أو عن عبث اللامعنى في المعنى. لكنّ الشعر يتدفق دائماً هناك: في ما يفعل باللغة وفي اللغة، وفي الجماع بين الحسّي والذهني، وفي إفلات خياله الجامح من المألوف والمتوقع إلى المفاجىء المدهش!.
صبحي حديدي
سليم بركات: فتنة المعجم وإسار الدلالة (مقطعان من المقدمة)
I
القامشلي مدينة صغيرة تقع في أقصى الشمال الشرقي من سورية، تأسّست في عشرينيات هذا القرن لكي تكون محطة زراعية تخدم مواسم زراعة وحصاد القمح والشعير وبعض القطن، وسرعان ما أصبحت أبرز مدن وبلدات منطقة «الجزيرة»، التي سُمّيت هكذا بسبب وقوع سهولها المنبسطة الخصبة بين نهرَي الفرات ودجلة. والموقع الجغرافي لهذه المنطقة يفسّر تنوّعها الإنساني والثقافي واللغوي والإثني: من الشمال تحدّها جبال طوروس، ومن الشرق العراق وكردستان الشمال، ومن الجنوب بادية الشام وتدمر. وبالمعنى السوسيولوجي والاقتصادي كان ارتباط حياة البشر بدورة المواسم الزراعية قد جعل منطقة «الجزيرة»، وبالتالي مدينة القامشلي بوجه خاصّ، تنفرد عن بقية المناطق السورية في أنّ معظم سكانها من الوافدين الذين قَدِموا من مناطق الداخل السوري (دمشق وحلب) بحثاً عن العمل الموسمي ثم استقرّوا، أو من المهاجرين الذين توافدوا من تركيا والعراق وأرمينيا هرباً من الإضطهاد العرقي أو السياسي.
ذلك جعل القامشلي موطناً لأقوام من الأكراد واليزيديين والأرمن والسريان والآشوريين والبدو الرحّل والعشائر المستوطنة الإقطاعية، الأمر الذي استدعى تعدّدية أخرى على صعيد اللغات والأديان والمذاهب والتراثات والأساطير. وهذا الموقع الفريد لمنطقة «الجزيرة» يذكّر، على نحو مدهش، بالأبيات التالية من الشاعر اليوناني كوستيس بالاماس:
ذلك المثمّن القائم على هندسة مربّعة، والذي قطنه محاربون قدماء كان يتحكّم بالسهول، مثل ذروة مجلّلة بمشيب ثلجي معمّر من بابل إلى سورية، ومن جبال طوروس إلى لبنان، من قلاع طرسوس إلى خلافات بغداد. (1)
في القامشلي ولد سليم بركات سنة 1951، وفيها ترعرع ودرس وحصل على الشهادة الثانوية وانتسب إلى جامعة دمشق ـ قسم اللغة العربية وآدابها في العام 1970، ثم استقرّ نهائياً في العاصمة السورية بعد انتقال أفراد أسرته إليها. وفي عام 1971، وهنا أعتمد على الذاكرة الشخصية وحدها، نشر بركات أولى قصائده في مجلة «الطليعة»، الأسبوعية السورية التي كانت تضمّ قسماً ثقافياً دسماً وحداثياً، استقطب الأسماء الشابّة بصفة خاصّة. آنذاك، كان المشهد الشعري السوري يضمّ أمثال علي الجندي وممدوح عدوان وعلي كنعان ومحمود السيّد ومحمد عمران في صفوف الشعراء الأكبر سنّاً وتجربة ونتاجاً، «المكرّسين» لهذا السبب الجمالي أو ذاك السياسي؛ وكان يضمّ أمثال نزيه أبو عفش وعادل محمود وبندر عبد الحميد وابراهيم الجرادي ومحمد مصطفى درويش ومحمد منذر المصري في صفوف الشعراء الأصغر سنّاً وتجربة، والأقلّ اندماجاً في المؤسسة.
في خلفية هذا المشهد الأجيالي، إذا صحّ القول، كانت أشكال كتابة الشعر تخضع لضغوطات جمالية (صامتة، بمعنى ما) من المعلّم الكبير محمد الماغوط، الذي أصدر مجموعته الشعرية الثالثة «الفرح ليس مهنتي» ثم انزوى في عمل وظيفي محض هو رئاسة تحرير مجلة مغمورة اسمها «الشرطة»؛ وتخضع، كذلك، لضغوطات أخرى غير صامتة مارستها قصائد شعراء قصيدة النثر السورية، من أمثال سليمان عوّاد، سنية صالح، حامد بدرخان، واسماعيل عامود. كان شكل التفعيلة هو السيّد بصفة إجمالية، ولكنّ التعايش مع أشكال الكتابة الشعرية الأخرى (وقصيدة النثر بصفة خاصّة) كان سيّد اللعبة في الآن ذاته، بدليل الترحيب الواضح بنشر نصوص الشعراء الشباب في منابر رسمية مثل مجلة «الطليعة» وملحق «الثورة» الأدبي، وشهرية «الموقف الأدبي» الصادرة عن اتحاد الكتّاب. آنذاك، أيضاً، اخترق بركات هذا السطح الراكد، الرتيب، المتوافق على تعايش سلمي بين الأجيال والأشكال والموضوعات.
وإذا لم تخنّي الذاكرة، هنا أيضاً، كانت قصيدة «نقابة الأنساب» هي الكتلة الثقيلة التي سقطت بغتة على السطح الراكد وأحدثت ارتجاجاً عنيفاً كان من المحتّم أن يصغي إليه الجميع:
«هذا وجهي العصريُ» أنا آتٍ فليرقُبْ كلّ مليكٍ شحّاذ في أرض الردّة من أين تجيء الطعناتْ. عبر تخوم الغربة في أجفان صبايا الله وعبر الساقيةِ أختصرُ الزمن الخائف في عين النسوةِ، أزجي الزمن القرشيّ إليها لا الدمع ونزف الفقراء ينيخ الرّحلَ، طوافي خلف قوافل زغب.. فليرقُب كلّ مليكٍ شحّاذ في أرض الردّة من أين تجيء الطعناتْ. «هذا وجهي العصري» بلا نعلٍ أرحلُ نحو بلاد الفرس وأمصار الروم وأرفع وجهي للظلمات أسائلها وأسائل رجليّ الداميتين عن الأرض العمياء وهمس خفافيش سمائي وبكلّ مثولي بين يد الغربة أصرخُ: تصهل أفراس الحرب على أبواب الكعبة يا أهل الشام ووحدي أبسط للملتجئين إلى ظلّ الأحجار السوداء ردائي أتقطّع حين ينوس الموت على وجه الحُجّاج، وبين الصدر المُشرَع للطعنة والرمح الظامي أتخثّرُ، أزحمُ ملكوتَ الرهبة صَدْعاً يفصل عرباتِ الزمن اللاهث قُدّامي وورائي أتصاعدُ في أنفاس الكعبة جمراً تتنفسه الصحراء فتحبو حاملةً هزج قبائلها نحو قوافي الحرب؛ أزنّرُ نَسَبَ الراجل بالفارس، والهارب بالثابت في الحومة حتى يرخي النخلُ النادب جنحَ الدمع عليّ.. أبايع في حمحمة الأرماح لوائي أضرب شرقاً، غرباً، ضرب اليائس.. يسقط وجهي الأوّلْ أضرب.. يسقط وجهي الثاني أتراجع بالحُجّاج إلى عرفاتَ غباراً يتكسر تحت حوافر ريح الوهن القاصمْ ثمّ نموت لنحلمْ ثم نقوم لنحلمْ ثم نفصّد أوردةً كي نلمح في الدمّ مجيء الأشجار مع اليوم التالي عاقدةً فرحَ الأنهار على الهامات عمائمْ. (2)
كان الجديد واضحاً وطاغياً وآسراً، وكان صارخاً أيضاً: في هذه الفصحى الحارّة النزقة المُصَفّاة، التي لا ترجّع أصداء البيان العربي التقليدي ولا المجاز البلاغي المعتاد؛ وفي البُنية الإيقاعية المتسارعة وفق تخطيطات تفعيلية متقطّعة ومتّصلة في آن؛ وفي المرجعية التاريخية والتراثية الشفيفة بقدر امتزاجها الكثيف؛ وفي التصاعد الدرامي لضمير المتكلّم المفرد، الأشبه بـ «أنا» جمعية لا تكشف عن تعدديتها إلا في الخاتمة المفاجئة؛ وفي التقسيم البارع للسطور الشعرية، والتغييب الذكيّ للقافية، والهندسة السلسة للعلاقات التركيبية بين الجملة الإسمية والجملة الفعلية.
كان بركات في العشرين من عمره حين كتب هذه القصيدة، وكان الحضور الإنساني لهذا الفتى الكردي القادم من أقصى الشمال الشرقي (بجسده النحيل، وقسمات وجهه الطفولي، والدهشة الذاهلة التي لا تفارق محيّاه، والبراءة الطافحة التي لم تكن تطمس بريق الذكاء والتوقّد)، قد بدأ يمارس فتنة غير مألوفة في الأوساط الأدبية السورية مطلع السبعينيات، سرعان ما انقلبت إلى افتتان بالقصائد اللاحقة التي سينشرها بركات في الدوريات السورية: «مبعوث الفراشات»، «قنصل الأطفال»، «المطالبة بجسد فراشة غريبة»... ولن يطول الزمن حتى تضيق العاصمة السورية بقلق هذا الـ «رامبو» الكردي المتمرّد الفاتن، فيغادر إلى بيروت باحثاً عن الحرّية الشخصية أوّلاً، والهامش الأوسع الذي سيتيح له نشر قصائده ذات الموضوع الكردي الصريح: «دينوكا بريفا، تعالي إلى طعنة هادئة»، «الكواكب المهرولة صوب الجبل»، «أنا الخليفة لا حاشية لي»، وهي القصائد التي ستشكّل العماد الأهمّ في مجموعته الشعرية الأولى ذات العنوان الطويل وغير المألوف: «كلّ داخل سيهتف لأجلي وكلّ خارج أيضاً» (1973).
وكما أحدثت قصيدة «نقابة الأنساب» صدمة بهيجة في دمشق، كذلك أحدث نشر قصيدة «دينوكا بريفا...» صدمة مماثلة، أكثر تعقيداً ودلالة في الواقع، حين نُشرت للمرّة الأولى في مجلة «مواقف» سنة 1972. كانت القصيدة تطرح اسم سليم بركات بقوّة، وتخترق موانع الكتابة الشعرية العربية في قلب بيروت، عاصمة الحداثات العربية، وتكرّس الشاعر ناطقاً بليغاً (بفصحى جبّارة غير مألوفة!) باسم الموضوع الكردي، في التاريخ والجغرافيا والحكاية والأسطورة. آنذاك، لم يخفَ على أحد، وفي طليعتهم أدونيس رئيس تحرير «مواقف» الذي سارع إلى احتضان القصيدة مثل مجموعة بركات الأولى، أنّ هذا الصوت ليس جديداً فحسب، بل هو مباغـت وانشقاقي واختراقي.
وكانـت القصيدة قد أحكمت شـدّ الروابط بين الحكاية والفانتازيا؛ بين الوقائع المادّية ومحفوراتها السرّية في باطن الوعي؛ بين التجسيدات البدئية لما يجرى على سطح المحاكاة الطبيعية، والتصوير البصري التشكيلي الآسر؛ بين المكان بوصفه أكثر من مجرّد كيان جغرافي معرّف أو قابل للتعريف، وبين المكان ذاته بوصفه موقع التنقيب عن الإستعارة المفتوحة، عن الهاوية التي تتقلّب فيها حكايات البشر (من الكرد والبداة والآشوريين والشركس...)، وحكايات الحيوان (الذئاب والنعاج والكلاب السلوقية وبنات آوى...)، وحكايات الطير (الكركي، الزرزور، الحجل...)، وحكايات النبات (السرخس، الخزامى، العنّاب...)، هذه التي تأتلف مراراً لتشكّل حكاية واحدة حاشدة لأسطورة تنفجر بعنف، في اللغة وخارجها، وفي الصورة وأعلى منها، وفي الإيقاع المنتظم والإيقاع المتفتّت.
وهذه القصيدة تسجّل، أيضاً، أوّل أمثلة استخدام سليم بركات للنثر في قصيدة تواصل الإعتماد على التفعيلة، وإنْ كانت تلجأ أيضاً إلى «تذويب» السطر الشعري المستقلّ عن طريق إدخاله في مقاطع تدويرية طويلة. ولعلّ بين أفضل ما أنتجته الكتابة الشعرية العربية المعاصرة التي تعتمد النثر، ذلك الإستهلال الأخّاذ الذي يفتتح القصيدة:
عندما تنحدر قطعان الذئاب من الشمال وهي تجرّ مؤخراتها فوق الثلج وتعوي فتشتعل الحظائر المقفلة، وحناجر الكلاب، أسمع حشرجة دينوكا. في حقول البطيخ الأحمر، المحيطة بالقرية، كانت السماء تتناثر كاشفة عن فراغ مسقوف بخيوط العناكب وقبعات الدرك، حيث تخرج دينوكا عارية تسوق قطيعاً من بنات آوى إلى جهة أخرى خالية من الشظايا.
***
يعلّمنا تاريخ الإنجازات الإبداعية الفردية درساً كبيراً مفاده أنّ أعمال الأدب الإستثنائية قامت بواحد من إنجازَين: إمّا أنها أسّست أسلوبية جديدة، أو تسبّبت في مُحاق أسلوبية قديمة، الأمر الذي يعني أنها ــ في النتيجتَيْن ــ حالات خاصّة للغاية. وأدب سليم بركات نموذج رفيع على تلك الحالات الخاصة: شعره ضخّ حياة جديدة في المشهد الشعري العربي المعاصر، وروايته (14 عملاً، حتى هذا التاريخ) أحيت عالماً سردياً يكون فيه العجائبي مادّة كبرى جبّارة لالتماس وإعادة إنشاء العالم الفعلي. الأهمّ من ذلك، وهذه ليست مفارقة البتة، أنّ بركات الكردي كتب بلغة عربية فصحى ــ حيّة، دافقة، بليغة، إعجازية، فاتنة، طليقة، بالغة الثراء والجسارة والجزالة ــ ولعب دوراً كبيراً كبيراً في تحديث قوامها التركيبي واستخداماتها البلاغية ووظائفها الخطابية، الأمر الذي يغني عن القول إنه بات بؤرة استقطاب ومعيار قياس ونموذج تأثير.
.. الأمر الذي يغني، أيضاً، عن الجزم بأنّ سليم بركات ـ الآن إذ تصدر هذه الأعمال الشعرية وتضمّ 11 مجموعة شعرية ـ وراء تأسيس أسلوبية جديدة في الشعر كما في الرواية، وأنّ من الطبيعي أن ننتظر منه المزيد.
ebraheem يعجبه هذا الموضوع
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
رسالة sms :
عدد المساهمات : 11575
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر :
2022-11-25, 9:20 pm
بالشباك ذاتها، بالثعالب التي تقود الريح
سليم بركات *
ابتدع أيها اليأس في مهبك يأسي وليكن قران يعجل الخواتيم، والعرس نفس وليكن سهر الغبار من عليين يرمي علي الحلي حتى أبدد بعضي في امتداح الغبار؛ أو أستدق كالسهم حتى تمهد الريح بي غدرها وهي ترمي منازل الماء شتى ومن ختام من غد أو رنين من مجاهل تعلو كهندباء ومن لهاث كأرض يجرد القلب سيفه الرماد: هاكم شهودي ما بين إبرام شكل ونقض يدججون البعيد بي أو ببعضي لكأني فزعت من عبث يرسل الخراب في جرسه البهي بجرس وكأن قران يعجل الخواتيم، والعرس نفسي وأنا.. إيه يا المرتجي من ظلام نديم، ومن دوي نديم مشكل يغمس المكان فيه رغيفه، ولومضي نموره؛ فاصعدي من يقين الهباء، أو من كثيفه المهدوم اصعدي يا طرائد اليأس حتى جحيمي فالغد المقامر سكران، والوقت مولى يتعثر من خجل بثياب الندامى، وينحني فيولى ولهذا أضيق مثلما يضيق الغبار بالريح أو أتقصى الجسوم في هرجها بالجسوم عاكفا على من ورق السرو، والتين، والبتولا مطبقا ظلي اللبون على البرق: يا صاح، يا برق خفف رفيقك فالغيم يقظان في سرير العناقيد والأمس يركض في درعه النبات سيان أن يسرق النبيذ من يديه الكؤوس أو ينقض الهواء مواثيقه الأخيرة يا برق، يا مغزلا دار بين يدين لا ترفعان إلا العويل رفق رغيفك رفق هوى نسائك يرفعن طرفا ملولا إلى الهباء إذ يحلو لي وتهتك، فالسماوات شبهة، والنفوس في زرد من هزيم إصعدي يا طرائد اليأس حتى جحيمي وأنت؛ أي حديد يموج تحت يديك؛ أي " جمشت" يطحن النهار في ظلك المجرح؟ أي ابتهال يفجر العناب؟ أي سديم يرميك كالندي بمرايا يسرق الفجر منها إوزه؟ أنت؛ مالك تدنو بحبر من الصدى والرجوم؟ كنت ذا المغيب، حلوا وقد تتقرى الظنون لهوك مرخي على وقار الظنون كنت ذا، أو ذاكا تغسل المعاني قواريرها عن هوى فيك حتى يخوض فيها هواكا بدروع من الشقائق مرحي متهتها في دلال متهتهة بعد لم يش جذر بما رفعت صوب الغصون من مكائد الريح إذ هي ترخي على انتحار الغصون ستارها المرمري لا، أنت مالك؟ روع مجلس الليل، روع مداك واكسرعلى الندى سيف قلبك بل مر مترفا برماد يقنص الفجر فيه المرايا وأمعن مع المجاهل دكا في المجاهل حتى يغلب الرعب من رعبه الحياة أو استردك سفكا حين يرفع البطش مثلي محاريثه إليك لا، أنت مالك؟ هذا خلاف عليك حلو، وهذا وجع يغرف الحدائق هذا هبوب، وهذي مكيدة من متاه كنعمى وإني فتون نسج الموت غزلاني الصغيرة فيه، وروى عبث كل ناري فالأرض ليس تبين سكر يطعم المجاهل قلبي وسكر يطويني على فخاخ من الزبيب وفتك يصوغه التكوين آن أرمي بما يجعل الأفق سياف نعمي وآن أرمي بما جن مسنون من بهاء يشقق القلب يا قلب أوقف إوزك يخطبن صدري، وردني كالرنين يموج في كل بهو تعال، يا عشب؛ هيا تعال وأوثق نمورك؛ أوثق رماة يخضورك الجياع؛ أوثق كأمسي غدي المجفل فالوقت نفسي قران يعجل الخواتيم أوعضل من جماد أمير يحزم الأرض أمس من الجماد الأمير يحزم الهواء أوقف إوزك ياقلب يخبطن صدري ويعثر على المديح ذروري ثم، أنت، يا شريك، هذا خلاف عليك حلو وهذا مداك نهب لكل طيش وإني فتون ذهب الهدر بي فالمكان نهب كمين أهكذا، أيها المعافى كطين، تدور بالأرض حولي؟ أهكذا تتناهى فكاهة الروح؟ قل للمياه مرحى، ولم ما قد تاها من شموس المياه إذ تتدلى عليك في رغد مستطار وقل كل هذا عيون تتقرى الذي كنت من قبل (هل كنت ما يتراءى مشعشعا كنداء من المياه؟) حطم جمشتك يا قلب حطم يواقيت قلبك يا قلب حطم مساءك حطم تماثيل هذا البهاء الذي نسي المكان ثدييه قربه حطم فخاخك في سحر صرختي الأبدية حطم قرون زهوك، وارفع منار الرماد حتى يدل قلبي قلبي قد آن أن أستريح، وحسبي ذهب وجواد من الندى يبكياني قد دق من كل آن وصيفه عظم عظمي ودك من كل صوب غدي حضوري علي ألهذا يا عمر تكسو الأغاني بدروع يرتد عنها إلي ظلام عمرك يا عمر والوحشتان: النهار والروح؟ فليتقاصر مداي، وليك فتك فنم في هباء مزين بالطواويس نقشهن الهباء فوق ملاءاته وتحين هبوبك في قصب يابس، فالرماد، هذا الأمير يحصي خنانيصه في خيامك يحصي مقصاته ويدور بالأباريق يسقي البديد من كل شيء ويمحو ما تحوك القلوع في الريح يا قلب ضيق يفتح اللآلئ في صدفات الحنين أم هو بوح يسر قبر لقبر؛ أنور يرفع القناع بيني وبينك؟ يا للرماد، حشد أمير فكه البيان يغوي، فيرتد قلبي علي بشظايا من النهار إذ فجرته الظلال شظت عناقيدها؛ بشظايا من الحياة رق هواها فبان منها هوايا ألهذا يا عمر تكسو الأغاني بدروع يرتد عنها إلي سهم كل ظلام؟ عييت، يا قلب، ثم عييت، يا قلب، ثم عييت سرقتني الزنابق فاشتاق جسمي إلي، فعدت مرحا تتهادى المرايا خلف خطوي لكنني سهوت عن جسور الزنابق فاختصمت ضفتاي حتى رأيت نفسي ترخى بهذر على فراغ كنفسي ورأيت المكان يسدل أمسي على المكان كأني فرغت من عبث يشرك الهباء في شراكه وقت. ألهذا يا قلب تطوي جسوري كمثل هذا اللهاث يطوي اللهاث؟ أم هو بأسي يشف عن رحمة الورد؟. يا قلب مت واختصمت في رحاب ظلامي أرض؛ ومت وتهيأت ثانية للهبوب فمت وتهيأت ثالثة للهبوب فمت وتهيأت للحياة فشقت ثيابها عن صليل، فمت #الأعمال_الكاملة_سليم_بركات لتحميل الأعمال الكاملة لسليم بركات اضغط هنـــــــــــــــــــــــا