لن يكون أحد فى البيت العتمة وحدها نهار شتوىّ فحسب , يترائى من خلال انفراج الستائر غير المحكمة وفجأة يعترى ستارة الباب ارتعاش غير متوقّع كما لو أنّ أحدا يقيس السكون بالخطوات ثمّ تدخلين أنتِ....كالمستقبل تظهرين فى الباب فى رداء أبيض بسيط رداء ما مصنوع تماما من قماش يحاك من ندف الثلج
قصائد مترجمة للشاعر الروسي بوريس باسترناك
كتبت الشاعرة الروسية الرائعة مارينا تسفيتاييفا : " .. تأثير باسترناك يعادل تأثير النوم . نحن لا نفهمه . نحن نسقط فيه . نقع تحت تأثيره . نغرق فيه... نحن نفهم باسترناك كما تفهمنا الحيوانات .. "
I
هاملت
( من دكتور زيفاكو )
همَدَ الدويُّ . خرجتُ إلى المنصة . مستنداً إلى قائمة الباب ، رحت التقط بعيداً في الصدى ، ما سوف يحدث في عصري .
عتمةُ الليلِّ مصوَّبةٌ عليَّ بقوةِ ألفِ مكبّرٍ في المحور . إذا كان بإمكانك ، Avva Otche ، فاعفني من هذه الكأس .
أنا أحبُّ قصدْكَ الجموح ، وموافق أن العب الدور . لكن دراما أخرى تجري الآن ، لذلك اطردني هذه المرة .
غير أن ترتيب الفصول مُقررٌ ، و نهايةُ الدربِ حتمية . أنا وحيدٌ ، كلُّ شيءٍ يغرقُ في الرياء . أن تعيشَ الحياة – ليس كما أن تعبرَ الدرب .
II
طفلة
غفت غيمة ذهبية على صدر جلمود عملاق [1].
من الروضة ، من الأراجيح ، فجأة يدخل راكضاً غصن في مرآة ! ضخمٌ ، حميميٌّ ، مع قطرة زمرّد على طرف إصبع ممدود . الجنينة مفترشة ، غابت خلف فوضاها ، خلف هرج ومرج يصفع الوجه . غالية ، هائلة ، كما الجنينة ، و أما الطبع – كالأختِ ! مرآة ثانية ! لكن ها هو الغصن يُحمَل في كأس ويوضع إلى حرف المرآة . مَن الذي ، - يخمِّن – يغطي لي عينيَّ بكبوة الإنسان المسجون ؟ ***
III
ارتجال
سربَ المفاتيح* أنا بيدي أطعمتْ على وقْعِ صفْقِ الأجنحة ، طبطبةِ الماءْ و صياحِ عقابْ . مددتُ يداي ، وقفتُ على رؤوس قدميَّ ، التفّتِ الأكمامُ ، و لامسَ الليلُ مرفقي .
وكان ظلام . و كانت هي البحيرةْ و الأمواج . – و طيور من فصيلة احبك ، كانت مستعدة ،على الأرجح لتميتك ، قبل أن تموت ، تلك المناقيرُ السود المتينة الصاخبة .
وكانت هي البحيرةُ . وكان ظلام . وكانت تتوهج نساءٌ ممتلئة وقد دُهنت بقطران منتصف الليل . وكانت موجة قد قضمت قعر المركب . وطيور تتشاحن على مرفقي .
والليل يلعب بالماء في خليج السد . وبدا ، ما لم تُزقّ الأفراخ كفاية ، فالإناث ستُميتُ على الأرجح ، من أن تموت ، تلك الترانيم في الحلق المشوه الصاخب . 1915 _______ · هنا مفاتيح الأكورديون
IV
إلى آنّا آخماتوفا
يبدو لي ، أنني سأنتقي كلمات ، تشبه تكوينك ِ الأول . لا فرق عندي - إن أخطأت ، فأنا لن أتخلص من عادتي أن اخطأ .
إني اسمع أصوات السطوح المبلولة ، والضربات المنتقاة للنقش على الخشب . ومدينة ما ، معروفة من الأحرف الأولى ، تنمو و تتردد في كل مقطع .
الربيع من حولنا ، لكن الخروج من المدينة ممنوع . لا زالت الزبونة البخيلة قاسية. العينان تدمعان من التطرّيز على ضوء القنديل ، ينهض الفجر ، و لا يستقيم الظهر . تتنفس رحابات لادوج[2] الملساء تسرع إلى الماء ، مستسلمة لوهن قوتها . لا فائدة من تلك المشاوير . فالقنوات تفوح برائحة فاسدة من المجارير . فيها يغطس ، كما الجوز الفارغ ، الهواء الساخن وهو يهزّ أجفان الأغصان ، و النجوم ، و المصابيح ، والعصور ، وخياطة البياضات وهي تنظر في البعيد من فوق الجسر .
قد تكون للنظرة حدة مختلفة . قد يختلف وضوح الصورة . لكن الذي يحلّ أقسى القلاع – رحابٌ ليليٌّ تحت نظر ليلةٍ بيضاء .
هكذا أتخيل نظرتك و خيالك . هو بالنسبة لي مهيبٌ ليس بسبب عمود الملح ذاك ، الذي به أنتِ منذ خمس سنوات قتلتِ الخوفَ من الهرب إلى القافية .
لكن ، انطلاقاً ، من كتبكِ الأولى ، حيث نَمَتْ حبات النثر الثاقب ، هو في كل شيء ، كما الشرارة الدليل ، يُجبر على محاربة ما كان من أحداث . 1929 ***** V
فالس مع دمعة
كم أحبها في الأيام الأولى للتو من الغابة أو من الزوبعة و الأغصان لم تتغلب على قلة الحيلة ! خيوط كسولة ، بدون تململ تسيل على الجسد ببطء ، تتدلى بخيوط فضية . جذمورٌ تحت غطاء أصمّ .
اطلوها بماء الذهب ، أسعِدوها ، - و لن يرفَّ لها جفن ، لكنْ ، المتواضعةَ الخجولةَ في رقائق مفضضة من الميناء الزرقاء و الليلكية ، ستتذكرونها حتى نهاية القرن . كم أحبها في الأيام الأولى ، كلها في خيوط العنكبوت أو في الظل !
فقط بالقياس مع النجوم و الرايات ، لم يضعوا النبيذ في الكارميلا . الشميعات ليست بالشميعات ، بل هي مسامير للماكياج ، وليست نيران . هي ممثلة تبعث القلق مع الأكثر قرباً في يوم البينيفيس** . كم أحبها في الأيام الأولى وسط حشد من الأهل أمام الكواليس !
لشجر التفاح – التفاح ، و لشجرة الميلاد – الأكواز . لكن ليس لهذه . هذه في حالة سكون . هذه ليست من مثل هكذا حلل .
هذه – مختارة منتقاة . مساؤها يمتد إلى الأبد . هي لا تخيفها الأمثال مثقال ذرة . لها تُحضَّرُ نهاية غير مسبوقة :
في ذهب التفاح ، كما النبي إلى السماء ، تجمحُ كضيفة نارية إلى السقف . كم أحبها في الأيام الأولى ، عندما تكون فقط أحاديث عن شجرة رأس السنة . 1941
اقتباسات من الشاعر والروائي الروسي الحر الجميل بوريس باسترناك صاحب رواية دكتور زيفاجو
* *لا أحب الأشخاص الذين لم يجرّبوا طعم السقوط والفشل، إن فضيلتهم جوفاء وبلا حياة ولا قيمة لها بالمرة.. إن الحياة لم تبدِ جمالها لهؤلاء*
ولا بد أن تتأثر صحتك إذا كنت،يوما بعد يوم، تضطر إلى أن تقول عكس ماتشعر به، وإلى أن تنتحني احتراما أمام ماتكره، وترحب بما لا يجلب لك غير التعاسة
*ولد الإنسان ليعيش لا ليستعد للعيش*
*لا شيء عبثيا ولا منطقيا في هذه الحياة، أكثر من الحياة ذاتها*.
في كلِّ حقبة لابدَّ من وجودِ أحمق يقول الحقيقة كما يراها
الأغنية محاولة مجنونة لإيقاف الزمن بالكلمات
الأغنية محاولة مجنونة لإيقاف الزمن بالكلمات
“إن في نفسي شيئًا محطمًا .. بل في كل حياتي شيء مكسور .. لقد اكشفت الحياة في سن مبكرة أكثر مما ينبغي .. كان مقدرًا علي أن أكتشفها، وكان مقدرًا علي أن أراها من أسوأ نواحيها ..”
“لا أعتقد أن في استطاعتي أن أحبك كثيرًا إذا لم يكن هناك شيئًا تشكو منه أو تندم عليه. أن لا أحب الناس التي لم تسقط أو تتعثر أبدًا. فضيلتهم بلا حياة ولا قيمة. الحياة لم تكشف جما “ما هو التاريخ ؟ إنه قرون من الاستكشاف المنظم لسر الموت ، للتغلب على الموت . *الشعر لا يمكن تعريفه. لأن تعريفه هو هذا بالضبط: ما إن تسمّيه، حتى يصبح شيئا آخرَ*. كل النساء هن أمهات رجال عظام ، ولا لوم عليهن إذا ما خيبت الحياة أملهن فيما بعد *يجب أن يكون ديواني المقبل جديدا كمطر الصيف، حيث كلُّ صفحةٍ فيه عليها أن تنذر القارئ بقُشَعْريرة... هكذا يجب ان يكون ديوانٌ. وإلا فمن الأفضل أن لا يكون*.
كنت احلم بالخريف في غسق الزجاج الاصدقاء وأنت في جمع صاخب وكصقر رزق من السماء فريسة، هبط اليك قلبي في راحتك. لكن الوقت كان يمضي، ويشيخ، ويذوي وبأطر حريري فضي، كان الفجر يغمر الزجاج من الحديقة بدموع سبتمبر قانية الدماء لكن الوقت كان يمضي، ويشيخ، ويذوي ومثل جليد، كانت تتداعي وتتهاوي مقاعد الحرير وفجأة، انت الواعدة تعثرت، واصابكِ الصمم وذهب الحلم كصدي الرنين واستيقظت، كأن الفجر، مثل الخريف معتما والريح وهي تنأي، حملت كومة البتولا الهاربة في السماء كمطر راكض خلف عربة قش
***
"امواج" (1931)
هنا سيكون كل شيء: المعاش وذلك الذي مازلت أحيا به طموحاتي، وركائزي، ومشاهدات اليقظة. امامي امواج البحر هي كثيرة لا يمكن حصرها حشدها. يضج بالكآبة. واضطراب الموج، كما الرقاق، ينضجها الشاطيء كله، كقطيع يهرول ذهابا وايابا حشده، تطارده قبة السماء وتطلقه جماعة الي المرعي ليجثو علي جوفه وراء تل، وحوله ملتفا في قبضة، في كل شتات لوعتي تهرع الي افعالي، قنن مختبرة. معناها لم يكتمل بعد، لكنها جميعا تكتسي بالتغيير، مثل زبد البحر بزبدة الموج.
في منزل باسترناك
جودت هوشيار قبل عدة أسابيع ، زرت منزل ( الآن متحف ) الشاعر بوريس باسترناك في ( بريديلكينا ) ، بلدة الكتّاب في العهد السوفيتي ، الواقعة في ضاحية موسكو الشمالية.
هنا عاش الشاعر بين عامي 1939-1960 . وهنا تلقى نبأ فوزه بجائزة نوبل في الأدب لعام 1958 . وهنا توفي في 30 أيار 1960.
منزل خشبي من طابقين مثل كل منازل البلدة . غرفة نوم ، ومكتب الشاعر ومكتبته الشخصية الثمينة في الطابق الثاني . أثاث البيت متواضع ، ولكن البيانو الأسود العائد لوالدته ، روزاليا باسترناك ، واللوحات الفنية الرائعة ، والصورالمعلقة على جدران غرفة المكتب والصالة – وهي من إبداع والده الفنان الشهير ليونيد باسترناك - تدل على أن الشاعر نَشَأَ وَشَبَّ في أجواء فنية راقية، حيث كان يتردد على منزل العائلة العديد من كبار الفنانين والأدباء وبضمنهم الكساندر سكريابين وليف تولستوي.
جلستُ في المكتب الذي كتب فيه الشاعر قصائده الرائعة ، ورواية " دكتور زيفاغو " وغرقت في الحزن والأسى . يا إلهي ، كم تعذّب الشاعر ، وكيف سممت السلطة حياته بعد فوزه بجائزة نوبل ؟. وكم نشر في الدول الغربية من أساطير وأكاذيب حول ما سمي بقضية باسترناك ؟ ، وكيف تم تسييس القضية خلال الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والإشتراكي ؟ . وكم كتب في العالم العربي من مقالات وتعليقات عن باسترناك وروايته إستناداً الى مصادر غربية متحيزة ؟.
أعتقد أنه قد آن الأوان لألقاء الضوء على قضية باسترناك - بعيداً عن الأوهام ، والإثارة الاعلامية - استناداً الى الوثائق الرسمية الروسية ، ووثائق الأكاديمية السويدية – مانحة الجائزة - التي كُشف النقاب عنها في السنوات الأخيرة .
طريق باسترناك الشائك الى جائزة نوبل
يخطئ من يظن أن منح جائزة نوبل في الادب لعام 1958 الى بوريس باسترناك ، كان فقط بفضل رواية " دكتور زيفاغو " التي أثارت فور نشرها في ايطاليا عام 1957 ومن ثم ترجمتها في الأشهر اللاحقة الى أكثر من عشرين لغة ، ضجة أدبية وسياسية في روسيا والعالم ، لم يسبق لها مثيل .
باسترناك واحد من أعظم شعراء القرن العشرين ، واحتل مكانة راسخة في الأدب العالمي قبل كتابة هذه الرواية بسنوات طويلة . وكما يظهر من وثائق لجنة نوبل ، التي نشرت عام 2008 بعد مرور خمسين عاماً على منح الجائزة ، أن باسترناك كان، مرشحاً بارزاَ لنيل هذه الجائزة المرموقة في عام 1946 أي قبل أحد عشر عاماً من نشر رواية "دكتور زيفا غو". وقد قام بترشيحه سيسيل موريس باور ، وهو عالم انجليزي ضليع في اللغات السلافية، وباحث بارز في الشعر الروسي . ولكن الجائزة ذهبت في تلك السنة الى الكاتب الألماني هيرمان هيسه . ولم يختف إسم باسترناك من لائحة المرشحين للجائزة خلال أعوام ( 1947، 1948 ، 1949 ).
ثمة تقليد درجت عليه اكاديمية العلوم السويدية ( مانحة الجائزة ) وهو أن يوم 31 كانون الثاني من كل عام ، هو آخر موعد لقبول الترشيحات . وفي هذا اليوم يحق لكل عضو في الأكاديمية تقديم مرشحه لنيل الجائزة . وكان عضو الأكاديمية الناقد الأدبي ( مارتن لام ) قد رشح باسترناك للجائزة عام 1948 ، وكرر ترشيحه عام 1950 .
توقفت محاولات ترشيح باسترناك للجائزة عندما أصبح من الواضح الخطر الذي قد يهدده في بلاده ، بعد أن تعرض الى نقد لاذع بسبب حفاظه على حريته الابداعية بعيداً عن شعار حزبية الأدب . وظهر اسمه مجدداً ضمن قوائم المرشحين بعد وفاة ستالين . ففي عام 1954 ، تردد اسم باسترناك كمرشح لنيل الجائزة ، ولكن لجنة نوبل قررت منحها الى أرنست همنغواي .
رواية " دكتور زيفاغو "
بعد انتصار الجيش الاحمر في الحرب الألمانية السوفيتية ( 1941- 1945 ) ، التي يطلق عليها الروس إسم " الحرب الوطنية العظمى " كانت الآمال تراود الشعب السوفيتي بفتح آفاق جديدة للتطور وحرية التعبير . وفي هذا المناخ الذي كان يوحي بالتفاؤل ، شرع باسترناك في خريف عام 1946 بكتابة الفصول الأولى من رواية " دكتور زيفا غو " والتي لم تكتمل الا في عام 1955 .وكان باسترناك نفسه يعتبر هذه الرواية ذروة إبداعه النثري .
ترسم الرواية لوحة عريضة لحياة المثقفين الروس على خلفية الفترة الممتدة من أوائل القرن العشرين وحتى الحرب الوطنية العظمى . وتتسم الرواية بشعرية رفيعة ، وتتناول مصير المثقفين في الثورة ، وتتضمن قصائد باسترناك الرائعة المنسوبة الى البطل الرئيس للرواية ، يوري زيفاغو ، وهو شخص مبدع يفسر الواقع المحيط به فلسفياً .
كان لتقرير خروتشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي عام 1956 ، الذي أدان فيه الستالينية تأثير كبيرفي الرأي العام السوفيتي. وظهرت أمام باسترناك فرص جديدة ، وكان قد انتهى قبل ذلك بفترة وجيزة من كتابة رواية "دكتور زيفاغو"، فقدّم بعض النسخ منها لأدباء من أصدقائه ، وعرضها على مجلتين أدبيتين مرموقتين هما " نوفي مير - العالم الجديد و" زناميا - الراية ". وكان هناك أمل حقيقي في نشرها . -
أثار تقرير خروتشوف اهتمام العالم بما يحدث في موسكو ، وأدى الى تعزيز الإتصال الثقافي بين الاتحاد السوفيتي والعالم الخارجي . وفي هذا الإطار زارت وفود أدبية من بولندا وتشيكوسلوفاكيا بلدة الكتّاب في " بيريدلكينا " والتقت باسترناك . وقد تمكن رئيس اتحاد الكتّاب البولنديين ، زيموفيت فيديتسكي من الحصول على نسخة من رواية "دكتور زيفا غو" لنشر ترجمتها البولندية في مجلة " اوبينين " الأدبية التي كان الإتحاد يتهيأ لإصدارها قريباً . وبحث باسترناك أيضاً إمكانية نشر الترجمة الجيكية للرواية.
في أيار 1956، قدم باسترناك نسخة من " دكتور زيفاغو" للصحافي الإيطالي سيرجيو أنجيلو ، الذي وصل بناء على طلب دار نشر فيلترينيللي الى بلدة بيرديلكينا مع زميله في إذاعة موسكو ف. فلاديميرسكي. وقالا لباسترناك : " إذا كانت الرواية ستنشر في موسكو ، فلماذا لا نسرع في اتخاذ قرار بشأن نشرها في دول أخرى؟ "
وأكد باسترناك أكثر من مرة ، أن يعض نسخ الرواية ، كانت تنتقل علانية بين أصدقائه الأدباء ، وإن كانت ثمة شكوك حول ردود فعل المجلات السوفيتية ، التي تماطلت على نحو مثير للريبة في نشر الرواية ، وأفصح باسترناك عن هذا الأمر صراحةً لانجيلو ، ملمحاً الى المخاطر التي سيواجهها إذا رفضت المجلات السوفيتية نشر روايته . وقال لأنجليو مودعاً :" سأدعوك إلى عملية إعدامي ."
في أيلول 1956 ، أرسل باسترناك الرواية إلى إنجلترا ، وفي شباط 1957 ، إلى فرنسا. واثار ذلك ، قلق قسم الثقافة في اللجنة المركزية للحزب الحاكم ، والذي حاول بشتى الطرق عرقلة نشر الرواية في البلدين ، واصفاً رواية باسترناك بأنها "معادية للسوفيت". وصدر توجيه حزبي الى مجلة "نوفي مير" برفض نشرها. بذريعة عدم ادراك المؤلف لدور ثورة أكتوبر ومشاركة المثقفين فيها .
باسترناك يتصدر لوائح الترشيح لجائزة نوبل من جديد
في 31 كانون الثاني عام 1957 ، تكررالأمر نفسه ، حيث، اقترح عضو آخر في الأكاديمية السويدية ، وهو الشاعر السويدي هاري مارتينسون ، ترشيح باسترناك للجائزة . وكان هذا الشاعر قد التقى باسترناك عام 1934 في موسكو في المؤتمر التأسيسي لاتحاد الكتّاب السوفيت.
وذكر لويس مارتينيز مترجم دكتور زيفاغو الى الفرنسية ، إنه عندما كان يعيش مع ألبير كامو في قرية صغيرة ، يقوم باطلاعه على فصول الرواية المترجمة أولاً بأول . وفي 8 شباط عندما اكتملت ترجمة الرواية ناقش مع كامو امكانية ترشيح باسترناك لجائزة نوبل . وقام بريس لويس من دار نشر غاليمار بتشجيع كامو على ترشيح باسترناك للجائزة ، وإن ذلك سيكون أفضل حماية يقدمها الغرب الى الشاعر المضطهد .
وقد وصف ألبير كامو – في الخطاب الذي ألقاه في حفل استلام جائزة نوبل في الادب لعام 1957 – باسترناك بالشاعر العظيم ، وإنه مثال الشجاعة والشرف ، وإن الفن في بعض البلدان مسألة خطرة وعمل بطولي .
في عام 1958 ، تم ترشيح باسترناك للجائزة من قبل خمسة أساتذة أكاديميين في آن واحد: إرنست سيمونز (جامعة كولومبيا) ، هاري ليفين ، ريناتو بوجيولي ، رومان جاكوبسون (جامعة هارفارد) وديمتري أوبولينسكي (جامعة أكسفورد) . وأخيراً وقعت اختيار لجنة نوبل على بوريس باسترناك ، وكان ضمن المرشحين الأقوياء في هذا العام ( عزرا باوند ، البرتو مورافيا ) إضافة الى مرشح الدولة السوفيتية ميخائيل شولوحوف .
في 23 تشرين الأول 1958، أعلن أندريس أوستيرلينغ ، السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية ، منح جائزة نوبل في الأدب لذلك العام الى بوريس باسترناك " لإنجازاته الكبيرة في الشعر الغنائي الحديث ، ومواصلته لتقاليد الرواية الملحمية الروسية العظيمة " .
وفي اليوم نفسه بعث باسترناك برقية جوابية الى أندريس أوستيرلينغ يقول فيها : " ممتن للغاية ، متأثر ، فخور ، مندهش ، مرتبك " .
توجه عدد كبير من مراسلي الصحف ووكالات الأنباء العالمية الى بلدة الكاتب " بريديلكينا " لمقابلة باسترناك . وجاء الكاتب كورني جوكوفسكي جار باسترناك وصديقه وقدّم له التهاني الحارة لهذه المناسبة . وشرب الجميع نخب الكاتب ، متمنين له المزيد من النجاح . ولكن لم يمض سوى أقل من نصف ساعة حتى ساد الوجوم وجه الكاتب الفائز بأرفع جائزة أدبية . فقد جاء أحد جيرانه ، وكان من الكتّاب السوفيت المشهورين في ذلك الحين ( والمنسي تماما حالياً ) وهو كونستانتين فيدين ، وقال لباسترناك بلهجة صارمة - دون ان يهنئه بفوزه بالجائزة – وكأنه قد ضبطه بالجرم المشهود :" من أجل تجنب العواقب الوخيمة ، يجب عليك رفض الجائزة طوعاً، وإن ( بوليكاربوف ) مسؤول القسم الثقافي في اللجنة المركزية للحزب موجود الآن في منزلي ينتظر جوابك" . ولكن باسترناك رفض الحديث مع فيدين ، ولم يذهب معه لمقابلة بوليكاربوف .
تظاهرة إجبارية !
وفي مساء اليوم نفسه أسرع بعض الطلاب الدارسين في معهد الأدب العالمي في موسكو – من عشاق شعر باسترناك – الى إبلاغه بأن إدارة المعهد تعد تظاهرة معادية له تخرج غداً وترفع شعارات تطالب بطرده من الاتحاد السوفيتي ، ورسوم كاريكاتيرية تسخر منه . وقد ابلغتهم إدارة المعهد ، إن من يتخلف عن الحضور سيجري فصله من المعهد على الفور. ،وعلى جميع الطلبة التوقيع على رسالة موجهة الى الصحيفة الأدبية " ليتراتورنايا غازيتا" - وهي أهم صحيفة أدبية مركزية في البلاد - تتضمن إستنكار الطلاب للعمل ( المشين ) الذي قام به باسترناك . معظم الطلبة اختبأوا في دورات المياه ، ولم يذهب الى التظاهرة الا حوالي مائة طالب اي أقل من ربع العدد الاجمالي لطلبة المعهد .وكان الشعار الرئيس للتظاهرة : " نطالب بطرد يهوذا باسترناك من البلاد ".
وفي يوم السبت ، 25 تشرين الأول صدرت " الصحيفة الأدبية " ، وتصدرها مقال افتتاحي طويل ، ورسالة من أعضاء هيئة التحرير وعشرات الرسائل الغاضبة ، التي زعمت الصحيفة أنها تلقتها من أنحاء الإتحاد السوفيتي . وهي كلها تندد بباسترناك ،وتصفه بأشنع النعوت ( خائن الوطن ، عميل الغرب ، عدو الشعب الروسي ، إنسان تافه ، كاتب شرير ) وما الى ذلك من أوصاف وشتائم تزخر بها اللغة الروسية أكثر من أي لغة أخرى في العالم .
وفي اليوم التالي أعادت كل الصحف السوفيتية نشر ما جاء في " الصحيفة الأدبية " من مواد معادية لباسترناك . ومن حسن الحظ أن باسترناك لم يكن يقرأ الصحف في تلك الأيام ، ولم يطلع على ما نشرته من مقالات تحريضية بحقه .
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
رسالة sms :
عدد المساهمات : 11575
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر :
2021-02-10, 10:10 am
قصائد مترجمة بوريس باسترناك
"حلم" (1913)
كنت احلم بالخريف في غسق الزجاج الاصدقاء وأنت في جمع صاخب وكصقر رزق من السماء فريسة، هبط اليك قلبي في راحتك. لكن الوقت كان يمضي، ويشيخ، ويذوي وبأطر حريري فضي، كان الفجر يغمر الزجاج من الحديقة بدموع سبتمبر قانية الدماء لكن الوقت كان يمضي، ويشيخ، ويذوي ومثل جليد، كانت تتداعي وتتهاوي مقاعد الحرير وفجأة، انت الواعدة تعثرت، واصابكِ الصمم وذهب الحلم كصدي الرنين واستيقظت، كأن الفجر، مثل الخريف معتما والريح وهي تنأي، حملت كومة البتولا الهاربة في السماء كمطر راكض خلف عربة قش
***
"امواج" (1931)
هنا سيكون كل شيء: المعاش وذلك الذي مازلت أحيا به طموحاتي، وركائزي، ومشاهدات اليقظة. امامي امواج البحر هي كثيرة لا يمكن حصرها حشدها. يضج بالكآبة. واضطراب الموج، كما الرقاق، ينضجها الشاطيء كله، كقطيع يهرول ذهابا وايابا حشده، تطارده قبة السماء وتطلقه جماعة الي المرعي ليجثو علي جوفه وراء تل، وحوله ملتفا في قبضة، في كل شتات لوعتي تهرع الي افعالي، قنن مختبرة. معناها لم يكتمل بعد، لكنها جميعا تكتسي بالتغيير، مثل زبد البحر بزبدة الموج.
في منزل باسترناك
جودت هوشيار قبل عدة أسابيع ، زرت منزل ( الآن متحف ) الشاعر بوريس باسترناك في ( بريديلكينا ) ، بلدة الكتّاب في العهد السوفيتي ، الواقعة في ضاحية موسكو الشمالية.
هنا عاش الشاعر بين عامي 1939-1960 . وهنا تلقى نبأ فوزه بجائزة نوبل في الأدب لعام 1958 . وهنا توفي في 30 أيار 1960.
منزل خشبي من طابقين مثل كل منازل البلدة . غرفة نوم ، ومكتب الشاعر ومكتبته الشخصية الثمينة في الطابق الثاني . أثاث البيت متواضع ، ولكن البيانو الأسود العائد لوالدته ، روزاليا باسترناك ، واللوحات الفنية الرائعة ، والصورالمعلقة على جدران غرفة المكتب والصالة – وهي من إبداع والده الفنان الشهير ليونيد باسترناك - تدل على أن الشاعر نَشَأَ وَشَبَّ في أجواء فنية راقية، حيث كان يتردد على منزل العائلة العديد من كبار الفنانين والأدباء وبضمنهم الكساندر سكريابين وليف تولستوي.
جلستُ في المكتب الذي كتب فيه الشاعر قصائده الرائعة ، ورواية " دكتور زيفاغو " وغرقت في الحزن والأسى . يا إلهي ، كم تعذّب الشاعر ، وكيف سممت السلطة حياته بعد فوزه بجائزة نوبل ؟. وكم نشر في الدول الغربية من أساطير وأكاذيب حول ما سمي بقضية باسترناك ؟ ، وكيف تم تسييس القضية خلال الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والإشتراكي ؟ . وكم كتب في العالم العربي من مقالات وتعليقات عن باسترناك وروايته إستناداً الى مصادر غربية متحيزة ؟.
أعتقد أنه قد آن الأوان لألقاء الضوء على قضية باسترناك - بعيداً عن الأوهام ، والإثارة الاعلامية - استناداً الى الوثائق الرسمية الروسية ، ووثائق الأكاديمية السويدية – مانحة الجائزة - التي كُشف النقاب عنها في السنوات الأخيرة .
طريق باسترناك الشائك الى جائزة نوبل
يخطئ من يظن أن منح جائزة نوبل في الادب لعام 1958 الى بوريس باسترناك ، كان فقط بفضل رواية " دكتور زيفاغو " التي أثارت فور نشرها في ايطاليا عام 1957 ومن ثم ترجمتها في الأشهر اللاحقة الى أكثر من عشرين لغة ، ضجة أدبية وسياسية في روسيا والعالم ، لم يسبق لها مثيل .
باسترناك واحد من أعظم شعراء القرن العشرين ، واحتل مكانة راسخة في الأدب العالمي قبل كتابة هذه الرواية بسنوات طويلة . وكما يظهر من وثائق لجنة نوبل ، التي نشرت عام 2008 بعد مرور خمسين عاماً على منح الجائزة ، أن باسترناك كان، مرشحاً بارزاَ لنيل هذه الجائزة المرموقة في عام 1946 أي قبل أحد عشر عاماً من نشر رواية "دكتور زيفا غو". وقد قام بترشيحه سيسيل موريس باور ، وهو عالم انجليزي ضليع في اللغات السلافية، وباحث بارز في الشعر الروسي . ولكن الجائزة ذهبت في تلك السنة الى الكاتب الألماني هيرمان هيسه . ولم يختف إسم باسترناك من لائحة المرشحين للجائزة خلال أعوام ( 1947، 1948 ، 1949 ).
ثمة تقليد درجت عليه اكاديمية العلوم السويدية ( مانحة الجائزة ) وهو أن يوم 31 كانون الثاني من كل عام ، هو آخر موعد لقبول الترشيحات . وفي هذا اليوم يحق لكل عضو في الأكاديمية تقديم مرشحه لنيل الجائزة . وكان عضو الأكاديمية الناقد الأدبي ( مارتن لام ) قد رشح باسترناك للجائزة عام 1948 ، وكرر ترشيحه عام 1950 .
توقفت محاولات ترشيح باسترناك للجائزة عندما أصبح من الواضح الخطر الذي قد يهدده في بلاده ، بعد أن تعرض الى نقد لاذع بسبب حفاظه على حريته الابداعية بعيداً عن شعار حزبية الأدب . وظهر اسمه مجدداً ضمن قوائم المرشحين بعد وفاة ستالين . ففي عام 1954 ، تردد اسم باسترناك كمرشح لنيل الجائزة ، ولكن لجنة نوبل قررت منحها الى أرنست همنغواي .
رواية " دكتور زيفاغو "
بعد انتصار الجيش الاحمر في الحرب الألمانية السوفيتية ( 1941- 1945 ) ، التي يطلق عليها الروس إسم " الحرب الوطنية العظمى " كانت الآمال تراود الشعب السوفيتي بفتح آفاق جديدة للتطور وحرية التعبير . وفي هذا المناخ الذي كان يوحي بالتفاؤل ، شرع باسترناك في خريف عام 1946 بكتابة الفصول الأولى من رواية " دكتور زيفا غو " والتي لم تكتمل الا في عام 1955 .وكان باسترناك نفسه يعتبر هذه الرواية ذروة إبداعه النثري .
ترسم الرواية لوحة عريضة لحياة المثقفين الروس على خلفية الفترة الممتدة من أوائل القرن العشرين وحتى الحرب الوطنية العظمى . وتتسم الرواية بشعرية رفيعة ، وتتناول مصير المثقفين في الثورة ، وتتضمن قصائد باسترناك الرائعة المنسوبة الى البطل الرئيس للرواية ، يوري زيفاغو ، وهو شخص مبدع يفسر الواقع المحيط به فلسفياً .
كان لتقرير خروتشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي عام 1956 ، الذي أدان فيه الستالينية تأثير كبيرفي الرأي العام السوفيتي. وظهرت أمام باسترناك فرص جديدة ، وكان قد انتهى قبل ذلك بفترة وجيزة من كتابة رواية "دكتور زيفاغو"، فقدّم بعض النسخ منها لأدباء من أصدقائه ، وعرضها على مجلتين أدبيتين مرموقتين هما " نوفي مير - العالم الجديد و" زناميا - الراية ". وكان هناك أمل حقيقي في نشرها . -
أثار تقرير خروتشوف اهتمام العالم بما يحدث في موسكو ، وأدى الى تعزيز الإتصال الثقافي بين الاتحاد السوفيتي والعالم الخارجي . وفي هذا الإطار زارت وفود أدبية من بولندا وتشيكوسلوفاكيا بلدة الكتّاب في " بيريدلكينا " والتقت باسترناك . وقد تمكن رئيس اتحاد الكتّاب البولنديين ، زيموفيت فيديتسكي من الحصول على نسخة من رواية "دكتور زيفا غو" لنشر ترجمتها البولندية في مجلة " اوبينين " الأدبية التي كان الإتحاد يتهيأ لإصدارها قريباً . وبحث باسترناك أيضاً إمكانية نشر الترجمة الجيكية للرواية.
في أيار 1956، قدم باسترناك نسخة من " دكتور زيفاغو" للصحافي الإيطالي سيرجيو أنجيلو ، الذي وصل بناء على طلب دار نشر فيلترينيللي الى بلدة بيرديلكينا مع زميله في إذاعة موسكو ف. فلاديميرسكي. وقالا لباسترناك : " إذا كانت الرواية ستنشر في موسكو ، فلماذا لا نسرع في اتخاذ قرار بشأن نشرها في دول أخرى؟ "
وأكد باسترناك أكثر من مرة ، أن يعض نسخ الرواية ، كانت تنتقل علانية بين أصدقائه الأدباء ، وإن كانت ثمة شكوك حول ردود فعل المجلات السوفيتية ، التي تماطلت على نحو مثير للريبة في نشر الرواية ، وأفصح باسترناك عن هذا الأمر صراحةً لانجيلو ، ملمحاً الى المخاطر التي سيواجهها إذا رفضت المجلات السوفيتية نشر روايته . وقال لأنجليو مودعاً :" سأدعوك إلى عملية إعدامي ."
في أيلول 1956 ، أرسل باسترناك الرواية إلى إنجلترا ، وفي شباط 1957 ، إلى فرنسا. واثار ذلك ، قلق قسم الثقافة في اللجنة المركزية للحزب الحاكم ، والذي حاول بشتى الطرق عرقلة نشر الرواية في البلدين ، واصفاً رواية باسترناك بأنها "معادية للسوفيت". وصدر توجيه حزبي الى مجلة "نوفي مير" برفض نشرها. بذريعة عدم ادراك المؤلف لدور ثورة أكتوبر ومشاركة المثقفين فيها .
باسترناك يتصدر لوائح الترشيح لجائزة نوبل من جديد
في 31 كانون الثاني عام 1957 ، تكررالأمر نفسه ، حيث، اقترح عضو آخر في الأكاديمية السويدية ، وهو الشاعر السويدي هاري مارتينسون ، ترشيح باسترناك للجائزة . وكان هذا الشاعر قد التقى باسترناك عام 1934 في موسكو في المؤتمر التأسيسي لاتحاد الكتّاب السوفيت.
وذكر لويس مارتينيز مترجم دكتور زيفاغو الى الفرنسية ، إنه عندما كان يعيش مع ألبير كامو في قرية صغيرة ، يقوم باطلاعه على فصول الرواية المترجمة أولاً بأول . وفي 8 شباط عندما اكتملت ترجمة الرواية ناقش مع كامو امكانية ترشيح باسترناك لجائزة نوبل . وقام بريس لويس من دار نشر غاليمار بتشجيع كامو على ترشيح باسترناك للجائزة ، وإن ذلك سيكون أفضل حماية يقدمها الغرب الى الشاعر المضطهد .
وقد وصف ألبير كامو – في الخطاب الذي ألقاه في حفل استلام جائزة نوبل في الادب لعام 1957 – باسترناك بالشاعر العظيم ، وإنه مثال الشجاعة والشرف ، وإن الفن في بعض البلدان مسألة خطرة وعمل بطولي .
في عام 1958 ، تم ترشيح باسترناك للجائزة من قبل خمسة أساتذة أكاديميين في آن واحد: إرنست سيمونز (جامعة كولومبيا) ، هاري ليفين ، ريناتو بوجيولي ، رومان جاكوبسون (جامعة هارفارد) وديمتري أوبولينسكي (جامعة أكسفورد) . وأخيراً وقعت اختيار لجنة نوبل على بوريس باسترناك ، وكان ضمن المرشحين الأقوياء في هذا العام ( عزرا باوند ، البرتو مورافيا ) إضافة الى مرشح الدولة السوفيتية ميخائيل شولوحوف .
في 23 تشرين الأول 1958، أعلن أندريس أوستيرلينغ ، السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية ، منح جائزة نوبل في الأدب لذلك العام الى بوريس باسترناك " لإنجازاته الكبيرة في الشعر الغنائي الحديث ، ومواصلته لتقاليد الرواية الملحمية الروسية العظيمة " .
وفي اليوم نفسه بعث باسترناك برقية جوابية الى أندريس أوستيرلينغ يقول فيها : " ممتن للغاية ، متأثر ، فخور ، مندهش ، مرتبك " .
توجه عدد كبير من مراسلي الصحف ووكالات الأنباء العالمية الى بلدة الكاتب " بريديلكينا " لمقابلة باسترناك . وجاء الكاتب كورني جوكوفسكي جار باسترناك وصديقه وقدّم له التهاني الحارة لهذه المناسبة . وشرب الجميع نخب الكاتب ، متمنين له المزيد من النجاح . ولكن لم يمض سوى أقل من نصف ساعة حتى ساد الوجوم وجه الكاتب الفائز بأرفع جائزة أدبية . فقد جاء أحد جيرانه ، وكان من الكتّاب السوفيت المشهورين في ذلك الحين ( والمنسي تماما حالياً ) وهو كونستانتين فيدين ، وقال لباسترناك بلهجة صارمة - دون ان يهنئه بفوزه بالجائزة – وكأنه قد ضبطه بالجرم المشهود :" من أجل تجنب العواقب الوخيمة ، يجب عليك رفض الجائزة طوعاً، وإن ( بوليكاربوف ) مسؤول القسم الثقافي في اللجنة المركزية للحزب موجود الآن في منزلي ينتظر جوابك" . ولكن باسترناك رفض الحديث مع فيدين ، ولم يذهب معه لمقابلة بوليكاربوف .
تظاهرة إجبارية !
وفي مساء اليوم نفسه أسرع بعض الطلاب الدارسين في معهد الأدب العالمي في موسكو – من عشاق شعر باسترناك – الى إبلاغه بأن إدارة المعهد تعد تظاهرة معادية له تخرج غداً وترفع شعارات تطالب بطرده من الاتحاد السوفيتي ، ورسوم كاريكاتيرية تسخر منه . وقد ابلغتهم إدارة المعهد ، إن من يتخلف عن الحضور سيجري فصله من المعهد على الفور. ،وعلى جميع الطلبة التوقيع على رسالة موجهة الى الصحيفة الأدبية " ليتراتورنايا غازيتا" - وهي أهم صحيفة أدبية مركزية في البلاد - تتضمن إستنكار الطلاب للعمل ( المشين ) الذي قام به باسترناك . معظم الطلبة اختبأوا في دورات المياه ، ولم يذهب الى التظاهرة الا حوالي مائة طالب اي أقل من ربع العدد الاجمالي لطلبة المعهد .وكان الشعار الرئيس للتظاهرة : " نطالب بطرد يهوذا باسترناك من البلاد ".
وفي يوم السبت ، 25 تشرين الأول صدرت " الصحيفة الأدبية " ، وتصدرها مقال افتتاحي طويل ، ورسالة من أعضاء هيئة التحرير وعشرات الرسائل الغاضبة ، التي زعمت الصحيفة أنها تلقتها من أنحاء الإتحاد السوفيتي . وهي كلها تندد بباسترناك ،وتصفه بأشنع النعوت ( خائن الوطن ، عميل الغرب ، عدو الشعب الروسي ، إنسان تافه ، كاتب شرير ) وما الى ذلك من أوصاف وشتائم تزخر بها اللغة الروسية أكثر من أي لغة أخرى في العالم .
وفي اليوم التالي أعادت كل الصحف السوفيتية نشر ما جاء في " الصحيفة الأدبية " من مواد معادية لباسترناك . ومن حسن الحظ أن باسترناك لم يكن يقرأ الصحف في تلك الأيام ، ولم يطلع على ما نشرته من مقالات تحريضية بحقه .
hassanbalam يعجبه هذا الموضوع
تدخلين كالمستقبل شعر وقصائد بوريس باسترناك , ديوان بوريس باسترناك pdf