شرح صيغة صلاة الإمام علىّ على النّبىّ
اَللَّهُمَّ دَاحِيَ اَلْمَدْحُوَّاتِ وَ دَاعِمَ اَلْمَسْمُوكَاتِ وَ جَابِلَ اَلْقُلُوبِ عَلَى فِطَرَاتِهَا شَقِيِّهَا وَ سَعِيدِهَا اِجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَ نَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَ رَسُولِكَ اَلْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ وَ اَلْفَاتِحِ لِمَا اِنْغَلَقَ وَ اَلْمُعْلِنِ اَلْحَقَّ بِالْحَقِّ وَ اَلدَّافِعِ جَيْشَاتِ اَلْأَبَاطِيلِ وَ اَلدَّامِغِ صَوْلاَتِ اَلْأَضَالِيلِ كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ وَ لاَ وَاهٍ فِي عَزْمٍ وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ اَلْقَابِسِ وَ أَضَاءَ اَلطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ وَ هُدِيَتْ بِهِ اَلْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ اَلْفِتَنِ وَ اَلآْثَامِ وَ أَقَامَ بِمُوضِحَاتِ اَلْأَعْلاَمِ وَ نَيِّرَاتِ اَلْأَحْكَامِ فَهُوَ أَمِينُكَ اَلْمَأْمُونُ وَ خَازِنُ عِلْمِكَ اَلْمَخْزُونِ وَ شَهِيدُكَ يَوْمَ اَلدِّينِ وَ بَعِيثُكَ بِالْحَقِّ وَ رَسُولُكَ إِلَى اَلْخَلْقِ اَللَّهُمَّ اِفْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِي ظِلِّكَ وَ اِجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ اَلْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ اَللَّهُمَّ وَ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ اَلْبَانِينَ بِنَاءَهُ وَ أَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ وَ أَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ وَ اِجْزِهِ مِنِ اِبْتِعَاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ اَلشَّهَادَةِ مَرْضِيَّ اَلْمَقَالَةِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وَ خُطْبَةٍ فَصْلٍ اَللَّهُمَّ اِجْمَعْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ فِي بَرْدِ اَلْعَيْشِ وَ قَرَارِ اَلنِّعْمَةِ وَ مُنَى اَلشَّهَوَاتِ وَ أَهْوَاءِ اَللَّذَّاتِ وَ رَخَاءِ اَلدَّعَةِ وَ مُنْتَهَى اَلطُّمَأْنِينَةِ وَ تُحَفِ اَلْكَرَامَةِ
دحوت الرغيف دحوا بسطته و المدحوات هنا الأرضون . فإن قلت قد ثبت أن الأرض كرية فكيف تكون بسيطة و البسيط هو المسطح و الكري لا يكون مسطحا . قلت الأرض بجملتها شكل كرة و ذلك لا يمنع أن تكون كل قطعة منها مبسوطة تصلح لأن تكون مستقرا و مجالا للبشر و غيرهم من الحيوان فإن المراد بانبساطها هاهنا ليس هو السطح الحقيقي الذي لا يوجد في الكرة بل كون كل قطعة منها صالحة لأن يتصرف عليها الحيوان لا يعني به غير ذلك . و داحي المدحوات ينتصب لأنه منادى مضاف تقديره يا باسط الأرضين المبسوطات قوله و داعم المسموكات أي حافظ السموات المرفوعات دعمت الشيء إذا حفظته من الهوى بدعامه و المسموك المرفوع قال
إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتا دعائمه أعز و أطول
و يجوز أن يكون عنى بكونها مسموكة كونها ثخينة و سمك الجسم هو البعد الذي يعبر عنه المتكلمون بالعمق و هو قسيم الطول و العرض و لا شيء أعظم ثخنا من الأفلاك . فإن قلت كيف قال إنه تعالى دعم السموات و هي بغير عمد . قلت إذا كان حافظا لها من الهوى بقدرته و قوته فقد صدق عليه كونه داعما لها لأن قوته الحافظة تجري مجرى الدعامة . قوله و جابل القلوب أي خالقها و الجبل الخلق و جبلة الإنسان خلقته و فطراتها بكسر الفاء و فتح الطاء جمع فطرة و يجوز كسر الطاء كما قالوا في سدرة سدرات و سدرات و الفطرة الحالة التي يفطر الله عليها الإنسان أي يخلقه عليها خاليا من الآراء
و الديانات و العقائد و الأهوية و هي ما يقتضيه محض العقل و إنما يختار الإنسان بسوء نظره ما يفضي به إلى الشقوة و هذا معنى
قول النبي ص كل مولود يولد على الفطرة فإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه قوله شقيها و سعيدها بدل من القلوب و تقدير الكلام و جابل الشقي من القلوب و السعيد على ما فطرت عليه . و النوامي الزوائد و الخاتم لما سبق أي لما سبق من الملل و الفاتح لما انغلق من أمر الجاهلية و المعلن الحق بالحق أي المظهر للحق الذي هو خلاف الباطل بالحق أي بالحرب و الخصومة يقال حاق فلان فلانا فحقه أي خاصمه فخصمه و يقال ما فيه حق أي خصومة . قوله و الدافع جيشات الأباطيل جمع جيشة من جاشت القدر إذا ارتفع غليانها . و الأباطيل جمع باطل على غير قياس و المراد أنه قامع ما نجم من الباطل . و الدامغ المهلك من دمغه أي شجه حتى بلغ الدماغ و مع ذلك يكون الهلاك . و الصولات جمع صولة و هي السطوة و الأضاليل جمع ضلال على غير قياس . قوله كما حمل أي لأجل أنه يحمل و العرب تستعمل هذه الكاف بمعنى التعليل قال الشاعر
فقلت له أبا الملحاء خذها
كما أوسعتنا بغيا و عدوا
أي هذه الضربة لبغيك علينا و تعديك . و قوله كما حمل يعني حمل أعباء الرسالة فاضطلع أي نهض بها قويا فرس ضليع أي قوي و هي الضلاعة أي القوة . مستوفزا أي غبر بطيء بل يحث نفسه و يجهدها في رضا الله سبحانه و الوفز العجلة و المستوفز المستعجل .
[ 141 ]
غير ناكل عن قدم أي غير جبان و لا متأخر عن إقدام و المقدام المتقدم يقال مضى قدما أي تقدم و سار و لم يعرج . قوله و لا واه في عزم وهى أي ضعف و الواهي الضعيف . واعيا لوحيك أي فاهما وعيت الحديث أي فهمته و عقلته . ماضيا على نفاذ أمرك في الكلام حذف تقديره ماضيا مصرا على نفاذ أمرك كقوله تعالى فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ و لم يقل مرسلا لأن الكلام يدل بعضه على بعض . و قوله حتى أورى قبس القابس يقال ورى الزند يري أي خرج ناره و أوريته أنا و القبس شعله من النار و المراد بالقبس هاهنا نور الحق و القابس الذي يطلب النار يقال قبست منه نارا و أقبسني نارا أي أعطانيها . و قال الراوندي أقبست الرجل علما و قبسته نارا أعطيته فإن كنت طلبتها له قلت أقبسته نارا . و قال الكسائي أقبسته نارا و علما سواء قال و يجوز قبسته بغير همزة فيهما . قوله و أضاء الطريق للخابط أي جعل الطريق للخابط مضيئة و الخابط الذي يسير ليلا على غير جادة واضحة . و هذه الألفاظ كلها استعارات و مجازات . و خوضات الفتن جمع خوضة و هي المرة الواحدة من خضت الماء و الوحل أخوضهما و تقدير الكلام و هديت به القلوب إلى الأعلام الموضحة بعد أن خاضت في الفتن أطوارا و الأعلام جمع علم و هو ما يستدل به على الطريق كالمنارة و نحوها . و الموضحة التي توضح للناس الأمور و تكشفها و النيرات ذوات النور . قوله فهو أمينك المأمون أي أمينك على وحيك و المأمون من ألقاب رسول الله ص قال كعب بن زهير
سقاك أبو بكر بكأس روية
و انهلك المأمون منها و علكا
و خازن علمك المخزون بالجر صفة علمك و العلم الإلهي المخزون هو ما اطلع الله تعالى عليه و رسوله من الأمور الخفية التي لا تتعلق بالأحكام الشرعية كالملاحم و أحكام الآخرة و غير ذلك لأن الأمور الشرعية لا يجوز أن تكون مخزونة عن المكلفين . و قوله و شهيدك يوم الدين أي شاهدك قال سبحانه فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً . و البعيث المبعوث فعيل بمعنى مفعول كقتيل و جريح و صريع و مفسحا مصدر أي وسع له مفسحا . و قوله في ظلك يمكن أن يكون مجازا كقولهم فلان يشملني بظله أي بإحسانه و بره و يمكن أن يكون حقيقة و يعني به الظل الممدود الذي ذكره الله تعالى فقال وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ وَ ماءٍ مَسْكُوبٍ . و قوله و أعل على بناء البانين بناءه أي اجعل منزلته في دار الثواب أعلى المنازل . و أتمم له نوره من قوله تعالى رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا و قد روي أنه تطفأ سائر الأنوار إلا نور محمد ص ثم يعطى المخلصون من أصحابه أنوارا يسيرة يبصرون بها مواطئ الأقدام فيدعون إلى الله تعالى بزيادة تلك الأنوار و إتمامها ثم إن الله تعالى يتم نور محمد ص فيستطيل حتى يملأ الآفاق فذلك هو إتمام نوره ص . قوله من ابتعاثك له أي في الآخرة . مقبول الشهادة أي مصدقا فيما يشهد به على أمته و على غيرها من الأمم .
[ 143 ]
و قوله ذا منطق عدل أي عادل و هو مصدر أقيم مقام اسم الفاعل كقولك رجل فطر و صوم أي مفطر و صائم . و قوله و خطبة فصل أي يخطب خطبة فاصلة يوم القيامة كقوله تعالى إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ أي فاصل يفصل بين الحق و الباطل و هذا هو المقام المحمود الذي ذكره الله تعالى في الكتاب فقال عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً و هو الذي يشار إليه في الدعوات في قولهم اللهم آت محمدا الوسيلة و الفضيلة و الدرجة الرفيعة و ابعثه المقام المحمود . قوله في برد العيش تقول العرب عيش بارد و معيشة باردة أي لا حرب فيها و لا نزاع لأن البرد و السكون متلازمان كتلازم الحر و الحركة . و قرار النعمة أي مستقرها يقال هذا قرار السيل أي مستقره و من أمثالهم لكل سائلة قرار . و منى الشهوات ما تتعلق به الشهوات من الأماني و أهواء اللذات ما تهواه النفوس و تستلذه و الرخاء المصدر من قولك رجل رخى البال فهو بين الرخاء أي واسع الحال . و الدعة السكون و الطمأنينة و أصلها الواو . و منتهى الطمأنينة غايتها التي ليس بعدها غاية . و التحف جمع تحفة و هي ما يكرم به الإنسان من البر و اللطف و يجوز فتح الحاء