|
|
| مسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقى كاملة قراءة مباشرة |
| | hassanbalam ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 3/11/2020, 9:24 am | | @hassanbalam #أحمد_شوقى #مجنون_ليلى
مجنون ليلىتمهيدزمن الرواية: صدر الدولة الأموية. مكان الرواية: بادية نجد. أشخاص الرواية: قيس: مجنون ليلى. ليلى المهدي: أبو ليلى. ورد: زوج ليلى. ابن عوف: أمير الصدقات في الحجاز وعامل من عمال بني أمية. زياد: راوية قيس وصديقه. منازل: غريم قيس في حب ليلى. بشر: رجل من بني عامر. ابن ذريح: شاعر من شعراء الحجاز. نصيب: كاتب ابن عوف. سعد: رجل من بني عامر. الغريض: مغن مشهور. ابن سعيد: شاعر. أمية: رفيق ابن سعيد. الأموي: شيطان قيس. عضرفوت، هبيد، عسر، عاصف: شياطين. بلهاء: جارية قيس. عفراء: جارية ليلى. سلمى، هند، عبلة: فتيات من بني عامر. رجال، قوافل، حداة، صبية، فتيات
الفصل الأول(ساحة أمام خيام المهدي في حي بني عامر - مجلس من مجالس السمر في هذه الساحة - فتية وفتيات من الحي يسمرون في أوائل الليل، وفي أيدي الفتيات صوف ومغازل يلهون بها وهم يتحدثون — تخرج ليلى من خيام أبيها عند ارتفاع الستار ويدها في يد ابن ذريح)
ليلى : دعي الغزْلَ سلمى وحَيِّي معي منارَ الحِجَازِ فَتَى يَثْرِبِ١ (تصافحه سلمى)
ويا هِنْدُ هذا أديبُ الحِجازِ هلمِّي بمَقْدَمِهِ رَحِّبِي (تصافحه هند ويحتفي به السامرون)
سعد : أمن يثربٍ أنت آتٍ؟ ابن ذريح : أجل من البلدِ القُدُس الطيِّب ليلى : أيابنَ ذَريحٍ لقينا الغمام هند : وطَافتْ بنا نَفَحَاتُ النبي عبلة (هامسة إلى سعد) : مَن ابْنُ ذَريحٍ؟ سعد : فتًى ذِكرُه على مَشرِق الشمس والمغرب رَضيعُ الحُسَيْنِ عليه السلامُ وترْبُ الحُسَيْنِ من المكتبِ عبلة (إلى بشر ومشير إلى ابن ذريح) : أتسمَعُ بشرُ رضيعُ الْحُسَيْنِ فديْتُ الرضيعيْن والمُرضعهْ وأنت إذا ما ذكرنا الحسينَ تصاممتَ! بشر (هامسًا ومتلفتًا كأنما يخشى أن يسمعه أحد) : لا جاهلًا موضِعَهْ ولكن أخاف امرأً أن يرى عليَّ التشيُّع أو يَسمَعَهْ أحِبُّ الحسينَ ولكنَّمَا لساني عليه وقلبي معهْ! حَبَسْتُ لسانيَ عن مدحه حِذارَ أميَّةَ أن تقطعه إذا الفتنةُ اضطرمتْ في البلاد ورُمْتَ النجاةَ فكُن إمَّعهْ! ليلى : إبنَ ذريحٍ نحن في عُزْلَةٍ فهل على مُسْتفهِمٍ منك باسْ؟ دارُ النبيِّ كيف خلَّفْتَها؟ كيف تركتَ الأمرَ فيها يُساسْ ابن ذريح : تركتُها يا ليلَ مَضبوطةً يحكُمُها والٍ شديدُ المراسْ إن حديثَ الناس في يثربٍ همسٌ وخطوَ الناس فيها احتراس ليلى : إبنَ ذريح لا تَجُرْ واقتصِدْ أحلامُ مَرْوانَ جبالٌ رَواسْ يؤسِّسُون المُلْكَ في بيتهم والْعُنْفُ والشدةُ عند الأساس (تتضاحك الفتيات وتقول إحداهن لأخرى)
فتاة : ليلى على دينِ قيسٍ فحيثُ مال تميلُ! وكلُّ ما سرَّ قيسًا فعند ليلى جميلُ ابن ذريح : ما الذي أضحك مني الظَّبياتِ العامريَّهْ ألأَني أنا شِيعِيٌّ وليلى أمويَّهْ؟ إختلافُ الرأي لا يُفْسدُ للود قضيَّهْ ليلى : أعِرْني سماعَك يابنَ ذريحٍ ولا تسمَعِ الطفلةَ الهاذيَهْ أتَيْتَ لنا اليومَ من يثربٍ فكيف ترى عالَمَ الباديَهْ أكنتَ من الدور أو في القصور ترى هذه القُبَّةَ الصافيَهْ؟ كـأن النجومَ على صدرها قلائدُ ماسٍ على غانيَهْ هند : كفى يابنةَ الخال! هذا الحريرُ كثيرٌ على الرِّمَّة الباليَهْ تأمَّلْ تر البيدَ يابن ذريح كمقبرةٍ وَحْشَةٍ خاويَهْ سئمنا من البيدَ يابن ذريح ومن هذه العيشة الجافيَهْ ومن مُوقدِ النار في مَوْضِعٍ ومن حالب الشاة في ناحيَهْ وراغيةٍ من وراء الخيام تُجيبُ من الكَلأ الثاغيَة٢ وأنتم بيثربَ أو بالعراق أو الشام في الغُرَف العاليَهْ مُغنِّيكمو مَعْبَدٌ والغريضُ وقيْنتُنا الضَّبُعُ العاويَهْ وقد تأكلون فُنُونَ الطُّهَاةِ ونأكل ما طَهتِ الماشيَهْ ليلى : قد اعَتسَفتْ هندُ يابنَ ذريحٍ وكانت على مَهدها قاسيَهْ فما البيد إلا دِيارُ الكِرَامِ ومَنزلةُ الذِّمَمِ الوافيَهْ لها قُبْلَةُ الشمس عند البُزوغ وللحَضَرِ القُبْلَةُ الثانيَهْ ونحن الرياحينُ مِلْءَ الفضاء وهنَّ الرياحينُ في الآنيَهْ ويقتُلُنا العِشقُ والحاضراتُ يَقُمْنَ من العشق في عافيهْ ولم نصطَدِم بهُمُـوم الحياةِ ولم نَدرِ — لولا الهوى — ماهيَهْ وآنًا نخِفُّ لصَيْدِ الظباء وآنًا إلى الأسد الضاريَهْ هند (ساخرة) : وفي كل ناحيةٍ شاعرٌ يغنِّي بليلاهُ أو راويَهْ (تحاول ليلى أن تمد رجلها فتتألم وتستغيث)
ليلى : قيسُ، إليَّ قيس هند : ما دهاك ليلى ما الخبرْ ليلى : أُحس رجلي خدِرت حتى كأنها الحَجَرْ هند : قد صحتِ قيسُ مرتين ليلى : أو ثلاثًا ما الضرر هند (متهكمة) : إسم الحبيبِ عندنا نذكره عند الخدر ليلى : هند كفي دعابة إن هو الَّا اسمٌ حضر (لنفسها)
يا قيس ناجى باسمك القلبُ اللسان فعثَر عبلة (ضجرة) : أما سوى هذا الحديثِ شاغلُ؟ كيف ظللْتَ اليومَ يا منازلُ؟ منازل (ضاحكًا) : منازلُ اليوم كأمس هازلُ يشرَبُ أو يَطْعَمُ أو يُغازلُ! هند : بخٍ! كذا فلتكنِ الحياةُ مُت يا بعير وانفُقي يا شاةُ انغَمست في الترف الرعاةُ! ليلى : وكيف ظللت اليوم سعدُ؟ أهازلٌ كتِربك أم في صالحٍ ورشادِ! سعد : بل الجدُّ يا ليلى سبيلي وديْدني حياتي بِوادٍ والمُجونُ بواد صحبتُ زيادًا طول يومي تلقفًا لأشعار قيسٍ من لسان زياد وإن زيادًا — منذ كان — لرائحٌ علينا بشعر العامريِّ وغاد ولولا زيادٌ ما تمثَّل حاضرٌ بأشعار قيسٍ أو ترنم باد (يبدو على ليلى شيء من الزهو فتتهامس الفتيات)
سلمى : انظري هند تريْ ليلى اكتست زهوًا وكبرَا وتعالت كابنةِ النعمان أو كابنة كسرى! هند : لمَ لا سلمى، ألم يرفع لها المجنونُ ذكرَا؟ عبلة : لِمْ إذن يا هند من قيسٍ ومما قال تَبْرَا؟ هند : عَبَثُ النِّسوةِ! إنا نحن بالنسوة أدرى! سلمى : سلوا الآن بشرًا فيم أنفق يومَه؟ أصوات : سلوه هند : سلي يا ليلَ عن يومه بِشرَا ليلى : وهَل يومهُ إلا شئونٌ كأمسِه من الصيد؟ هند : إن الصيدَ لذتُه الكبرى بشر : نعم هو ملهايَ الذي لا أمَله ولا النفسُ تُعطَى عن تناوله صبرا ولو كان عيشي في قصور أميَّةٍ لعَلَّمْتُ فنَّ الصيد فتيانهَا الزهرا وما أنا صيَّادُ الأرانب مثلَهم ولكن على حيَّاتِهِ ألِجُ القَفْرَا ليلى : إذن هاتِ واصدُقْ بشرُ في القول مرَّةً ولا تخترعْ أو تَبْنِ من حَجَرٍ قصرا! بشر : دعي عنكِ هذا السُّخْرَ يا ليلَ واسمعي ليلى : تحدَّثْ فلا واللهِ لم أُضْمِر السُّخرا بشر : بكَرتُ كدأبي اليومَ أبغي قنيصةً ومَن يتصيَّدْ يحسب الغُنْمَ والخُسرا (رأيت غزالًا يرتعي وَسْط روضة فقلت أرى ليلى تَراءتْ لنا ظُهرًا)٣ هند (مشيرة إلى ليلى) : وأيَّ الليالي بشرُ آنست؟ هذه بشر : إذا شئتِ — أو هاتيكِ — أو حُرَّةً أخرى فقلتُ له يا ظبيُ لا تخشَ حادثًا (فإنك لي جارٌ ولا ترهبِ الدَّهْرَا) (فما راعني إلا وذئبٌ قد انتحى فأعلق في أحشائه الناب والظُّفرا) (ففوَّقتُ سهمي في كَتومٍ غمستُها فخالط سهمي مهجةَ الذئبِ والنحرا) ليلى (ضاحكة) : أخي بشرُ لا شُلتْ يمينُك من يدٍ ولا فَضَّ فاك الصبحُ والليلُ ما كرَّا سمعنا بإِقدام اللصوص وفتكهم فلم نر أدهى منك فتكًا ولا أجرا! ووالله لم تغضب لظبي ولم تثبْ بذئب ولم تُعمِلْ خيالًا ولا فكرا أخذتَ فلم تترك لقيسٍ بضاعةً سرقتَ لعمري الظبيَ والذئبَ والشعرا! (ضحك من الجميع)
حديثُ الظبيِ والذئبِ وقيسٍ لستُ أنساه زيادٌ عنه نبَّاني ولا ينبيك إلَّاه رأى قيسٌ على رابـية ظبيًا فناداه فألقى الظبيُ أذْنَيْهِ ومسَّ الأرضَ قرناه (ثم تقول في لوعة وصوت مخفوض وكأنما تحدث نفسها)
برُوحي قيسُ! هل راحت ظباءُ القاع تهواه؟ وهل يَرثي له الريمُ ولا أرثي لبلواه؟ (تسترسل في حديثها الأول)
على فيه من العُشْبِ بقايا صبغت فاه رأى في جيده قيسٌ وفي عينيه ليلاه فبينا هو في الشوقِ وفي نشوة ذكراه حبا الذئبُ من الوادي إلى الظبي فأرداه تغدى بحَشا الظَّبي غَداءً ما تهنَّاه رماه قيس في المقتـل بالسهم فأصماه بشر (مندفعًا بحماسة!) : أجل يا ليلَ! ما قلتِ سوى شيءٍ شهِدناه وإن لم تذكري القبرَ ولا كيف خططناه حفرنا القبرَ للظبيِ وقمنا فدفناه وصلَّينا على الميْتِ وبالدمع سقيناه فقولوا ولتقل ليلى معي يرحمُه الله! أصوات (بين الضحك والسخرية) : أجل بشرُ! أجل بشرُ! أجل يرحمه الله! ابن ذريح : بشرُ كفى هزلًا وتخليطًا كفى ويابنةَ العم مضى الليلُ سُدى أرسلني قيسُ فلو أخبرتني متى متى بأمر قيسٍ يُعتنى؟ بتنا نخافُ أن يجِلَّ خطبُه وتبلغَ البلوى بقيسٍ المَدى وقيسُ يا ليلى وإن لم تجهلي زين الشباب وابنُ سيد الحمى لم ندرِ في حيِّك أو في حيِّه فتى حكاه نسبًا ولا غنى ولا جمالًا، وهنا (يا ليلَ) ما تريْنَ أنتِ لا الذي نحن نرى بشر (ساخرًا) : بخٍ بَخٍ! إبنُ ذريح خاطبٌ ابن ذريح : أسكت فلست للمروءات أخَا! ليلى (غاضبة) : فيم هذا الكلامُ يا بنَ ذريحٍ؟ ابن ذريح : إتقي اللهَ واقصِدي في التجني ليلى : ما تجنَّيت ابن ذريح : بل ظلمت، دعيني أُحسن الذَّودَ عن صديقي وخِدني ليلى : أنا أَوْلى به وأحنى عليه لو يُداوَى برحمتي والتحنِّي يعلمُ الله وحده ما لقيس من هوًى في جوانحي مستكِنِّ إنني في الهوى وقيسًا سواءٌ دَنُّ قيس من الصبابة دَنِّي أنا بين اثنتين كلتاهما النا ر فلا تَلْحَى ولكن أعِنِّي بين حرصي على قَداسة عرضي واحتفاظي بمن أُحبُّ وضَنِّي صنتُ منذ الحداثة الحبَّ جهدي وهو مستهترُ الهوى لم يَصُنِّي قد تغنى بليلة الغَيْلِ، ماذا كان بالغيل بين قيس وبيني؟ كل ما بيننا سلامٌ وردٌّ بين عين من الرفاق وأُذن وتبسَّمتُ في الطريق إليه ومضى شأنه وسرتُ لشأني (تهيب بالسامرين وقد بلغ بها الغضب أقصاه)
أَوْغل الليلُ فلنقمْ ابن ذريح (متوسلًا) : بل رويدًا واسمعي (ليلَ) ليلى : خلِّ عَنِّيَ دعني! (تدخل خباءها بينما ينفض السامرون فلا يتثاقل منهم في القيام إلا منازل — الهرج والأسف يسودان الجميع)
بشر : انفضَّ سامرُ ليلى وكان حَفْلًا كريمَا سعد : قد فَضَّه ابن ذريح ففض عِقدا نظيمَا أثار ليلى فهاجت كما تنفِّر رِيمَا ترى أتُبْغِضُ قيسًا ابن ذريح : لا تقلبوا الحبَّ بغضَا ليلى العشيةَ غضبى ويُصبح الصبحُ ترضى سعد : أنعم (مُنَازِ) مساءً منازل : نعمت سعدُ مساء هند : بشرُ مُسِّيتَ بخيرٍ بشر : أنعمي هندُ مساءَ هند : نحن يحوينا طريقٌ فامض بلّغني الخباءَ سعد (ضاحكًا) : احذري يا هند منه! هند : أنا لا أخشى اعتداء قد عرفتم وعرفنا كيف يصطاد الظباء! (تسمع ضحكاتهم من أقصى الطريق بينما يظهر قيس وزياد من جانب المسرح الآخر)
قيس : سجا الليل حتى هاج لي الشعرَ والهوى وما البيدُ إلا الليلُ والشعرُ والحبُّ ملَأْت سماءَ البيدِ عشقًا وأرضَها وحُمِّلْتُ وحدي ذلك العشقَ يا ربُّ ألَمَّ على أبيات ليلى بيَ الهوى وما غيرَ أشواقي دليلٌ ولا ركبُ وباتت خيامي خُطوة من خيامها فلم يَشفني منها جوار ولا قرب إذا طاف قلبي حولها جُنَّ شوقُه كذلك يُطغِي الغُلةَ المنهلُ العذب يحن إذا شطَّت ويصبو إذا دنت فيا ويح قلبي كم يحن وكم يصبو وارسلني أهلي وقالوا امض فالتمس لنا قبسًا من أهل ليلى وما شبُّوا عفا الله عن ليلى لقد نؤتُ بالذي تحمَّلَ من ليلى ومن نارها القلب منازل (وقد سمع همهمة الصوت ورأى شبحيهما في الظلام) : أرى شبحًا مقبلًا في الظلام وأسمع همهمة في الدجى هو ابن الملوَّحِ دلَّ الهُزالُ عليه ونمَّ اضطراب الخُطا عدوِّي المبين وما بيننا ولا بين صاغِيتيْنَا٤ جفا روى شعرَه البدو والحاضرون وشعريَ ليس له من روى وهام بليلى وهامت به لقد كنت أولى بهذا الهوى تشرَّد مستعظَمًا في البلاد وجُنَّ فما ازداد إلَّا نُهى وإني لأُبدي إليه الوداد وأخفي له في الضلوع القِلى وأحسُدُه حسدًا ما علمت أقيسُ الشقيُّ به أم أنا (يتقدم منهما خطوات)
من الراكبُ الليل؟ قيسٌ أخي؟ قيس : منازل؟ ما أعجبَ الملتقى! منازل : أقيسًا أرى في ظلال البيوت؟ وعهدي بقيس حليفَ الفلا قيس : منازل، من أين؟ منازل : من عندِها من السمر الممتِع المشتَهى قيس (حنقًا) : أمن عند ليلى تجرُّ الذيول حديث لَعمرُ أبي مفترى منازل : بل الصدقُ ما قلتُ يابن الملوَّ ح قيس : إخسأ متى قلت صدقًا متى؟ وما كنت تصنع؟ منازل (ساخرًا) : ما يصنعون لهوت لعمريَ فيمن لها وسامر ليلى كثير الزِّحام فلست تعدُّ شباب الحِمى وليلى تُفيضُ على من تشاء رضاها وتحرمُه من تشا زياد (مغضبًا) : منازل، قيسُ، سبيلكَ قيس! وكِلْ ليَ تأديبَ هذا الفتى منازل (وقد أخذ بتلابيبه) : تؤدبُني زيادُ وأنت ظل لمجنون وراوية لهاذي وتزعمُ أنني نِدٌّ لقيس رضِيت من المصائب غيرَ هذي! زياد : من قال ذا؟ أنت لقيس نِدُّ لم يبق فيكِ يا حياةُ جِدُّ إمض بنا ناحيةً يا وغد! (يجره إلى حيث تسمع أصواتهما من بعيد ثم تختفي فيقبل قيس على خباء ليلى وينادي)
قيس : ليلى! المهدي (خارجًا من الخباء) : من الهاتف الداعي؟ أقيس أرى؟ ماذا وقوفُك والفتيان قد ساروا قيس (خجلًا) : ما كنتُ يا عمُّ فيهم المهدي (دهشًا) : أين كنت إذن؟! قيس : في الدار حتى خَلتْ من نارنا الدار ما كان من حطب جَزْلٍ بساحتها أوْدى الرياحُ به والضيفُ والجار المهدي (مناديًا) : ليلى — انتظر قيس — ليلى ليلى (من أقصى الخباء) : ما وراء أبي؟ المهدي : هذا ابن عمِّك ما في بيتهم نار (تظهر ليلى على باب الخباء)
ليلى : قيس ابن عمي عندنا يا مرحبًا يا مرحبَا قيس : مُتِّعتِ ليلى بالحيا ة وبَلَغْتِ الأَرَبَا ليلى (تنادي جاريتها بينما يختفي أبوها في الخباء) : عفراء عفراء (ملبية نداء مولاتها) : مولاتي ليلى : تعالَيْ نقضِ حقًّا وَجَبَا خذي وعاءً واملئيه لابنِ عمِّي حَطَبَا (تخرج عفراء وتتبعها ليلى)
قيس : بالروح ليلى قضت لي حاجةً عرضت ما ضرها لو قضت للقلب حاجاتِ مضت لأبياتها ترتاد لي قبسًا والنار يا رُوحَ قيسٍ ملءُ أبياتي كم جئتُ ليلى بأسباب ملفَّقَةٍ ما كان أكثر أسبابي وعلاتي (تدخل ليلى)
ليلى : قيس قيس : ليلى بجانبي كلُّ شيء إذن حضَرْ ليلى : جمعتنا فأحسنت ساعةٌ تَفْضُلُ العُمُرْ قيس : أتجدِّين؟ ليلى : ما فؤا دي حديدٌ ولا حجرْ لك قلبٌ فسله يا قيس ينْبِئْكَ بالخبرْ قدْ تحملتُ في الهوى فوق ما يحتمل البشرْ قيس : لستُ ليلاي داريًا كيف أشكو وأَنفجِرْ؟ أشرح الشوقَ كله أم من الشوق أختصِرْ؟ ليلى : نبِّني قيسُ ما الذي لك في البيد من وطرْ؟ لك فيها قصائدٌ جاوزَتْها إلى الحضرْ كلُّ ظبي لقيته صُغت في جيده الدررْ أتُرى قد سلوْتنا وعشقتَ المَها الأُخرْ؟ قيس : غرت ليلى من المهَا والمها منك لم تَغَرْ حبَّب البيدَ أنها بكِ مصبوغَةُ الصُّوَرْ لست كالغِيدِ لا ولا قمرُ البيد كالقمرْ ليلى (وقد رأت النار تكاد تصل إلى كم قيس) : ويحَ عينيَّ ما أرى! قيس قيس : ليلى ليلى (مشفقة) : خذِ الحذرْ! قيس (غير آبه إلا لما كان فيه من نجوى) : رُبَّ فجر سألتُه هل تنفستِ في السحَرْ ورياح حسِبتُها جرَّرَت ذيلَك العطِرْ وغزالٍ جُفونهُ سرقت عينكِ الحَوَرْ ليلى : إطرح النارَ يا فتى أنت غادٍ على خطرْ لهبُ النار قيسُ في كمِّك الأيمن انتشرْ قيس (مستمرًّا بعد أن رمى النار من يديه) : وذئابٍ أرقَّ يا ليلُ من أهلِك الغُيُرْ أنِستْ بي ومرَّغت في يدي الناب والظفُرْ ليلى : ويح قيسٍ تحرقت راحتاه وما شَعَرْ قيس : أنت أججتِ في الحَشا لاعجَ الشوقِ فاستَعَرْ ثم تخشَيْنَ جمرةً تأكلُ الجلد والشَّعَرْ (يترنح قيس في موقفه وتظهر عليه بوادر الإغماء)
ليلى : فِدَاك أبي قيس ماذا دَهاك؟ تكلم، أبِن قيس، ماذا تَجِدْ قيس : أحسُّ بعينيَّ قد غامتا وساقيَّ لا تحمِلان الجسَدْ (يخر صريعًا إلى الأرض فتتلقاه على صدرها صارخة)
ليلى : يا لأبي للجارْ قيس صريعُ النارْ ملقًى بصَحن الدارْ! (يخرج أبوها من الخباء على صوت استغاثتها)
أبي ها أنت ذا جئت أغِثنا أبتي أدركْ لقد حُرِّق بالنارِ فما يصحو إذا حُرِّك المهدي : يرانا الناسُ يا ليلى ليلى : أبي انْفِ الناسَ من فكرك هنا لا تقعُ العيْنُ على غيري ولا غيرك ولا يَطْلُعُ إنسانٌ على سري ولا سِرك ولا أجدر من قيس بإشفاقك أو برك أبي صدريَ لا يقوى فأسندْه إلى صدرك المهدي (وهو يتلقى عنها جسد قيس ويحاول إنعاشه) : رعاك اللهُ يا ليلى وكافاك على صبرك أخافُ الناسَ في أمري وأخشى القلبَ في أمرك وكم داريتُ يا ليلى وكم مهَّدْتُ من عذرك ولست الوالدَ القاسي ولا الطامعَ في مهرك (يناجي قيسًا في غيبوبته)
أبا المهديِّ عوفيتَ ويا بورك في عمرك أراني شعرُكَ الويلَ وما أروي سوى شعرك كما لَذَّ على الكُرهِ كلامُ الله للمشرك! (يتحرك قيس ويبدو عليه كـأنما يفيق فيناديه)
قيس قيس (يحاول الوقوف فتسنده ليلى) : لبَّيك عمِّ المهدي : حسبُكَ فاذهبْ لا تطأْ لي بعد العشيَّةِ دارَا ليلى : أبتي لا تَجُر على قيسَ المهدي : لِمْ لا إن قيسًا على القرابة جارَا ليلى : أبتي ما تراه كالفَنن الذا وي نُحولًا وكالمَغيب اصفرارَا؟ وتأملْ رداءَه ويديْه تجد النارَ أو ترَ الآثارَا أبتي دَعْهُ يَسترحْ المهدي : بل دعينا لا تزيدي يا ليلَ سُخطي انفجارَا قيس : حسبُ يا ليلَ، حسبُ ذلًّا لعمِّي وكفى حِلفةً له واعتذارَا عمُّ ماذا جنيت؟ ليلى : ماذا جنى قيس؟ المهدي : نسيتِ الرُّوَاةَ والأخبارَا قيس : إنهم يأفكِون يا عمِّ المهدي : والغيلُ أليلًا غشِيتَه أم نهارَا؟ ما الذي كان ليلةَ الغَيْل حتى قلتَ فيها النَّسيبَ والأشعارَا؟ قيس : لم تكنْ وحدَها ولا كنتُ وحدي إنما نحن فِتيةٌ وَعَذارَى جمعتْنا خمائلُ الغيل بالليل كما يجمعُ الحمى السُّمَّارَا ليسَ غيرَ السلامِ ثم افترَقنا ذهبتْ يمنةً وسِرتُ يسارَا المهدي : إِمض يا قيس إمض لا تكسُ ليلى كلَّ حينٍ فضيحةً وشنارَا فكأني بقصة النار تُروى وكأني بذلك الشعر سارَا وكأني ارتديتُ في الحي ذلًّا وتجللتُ في القبائل عارَا إمض قيسُ امضِ قيس : عمُّ رفقًا بليلى وبقيسٍ ولا تكن جبارَا الحذَارَ الحِذَارَ من غضب الله ومن سُخطه الحذار الحذارَا المهدي : إِمض قيس امض جئت تطلب نارًا أم ترى جئتَ تُشعلُ البيتَ نارَا؟ (يخرج قيس)
١ يثرب: المدينة المنورة. ٢ الراغية: الناقة، والثاغية: الشاة. ٣ الأبيات التي بين الأقواس من شعر المجنون. ٤ صاغية الرجل: قومه.
| |
| | | | hassanbalam ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 3/11/2020, 9:25 am | | الفصل الثاني(طريق من طرق القوافل بين نجد ويثرب، على مقربة من حي بني عامر حيث تبدو مضارب هذا الحي على مدى البصر وعلى سفح جبل التوباد — قيس وزياد جلوس إلى جذع نخلة، يستشرفان شبحًا يسير نحوهما)
قيس : زيادُ ما تلك؟ مَن الجُوَيْرِيَهْ؟ أتلك (بلهاءُ)؟ زياد : أجل قيس هيَهْ (تظهر بلهاء وعلى رأسها قصعة)
قيس : بلهاءُ كيف الحيُّ؟ كيف أُمِّيَهْ؟ بلهاء (وهي تضع القصعة) : تسأل عنكَ كما سألتَ (تبدو على قيس كراهة للطعام وعزوف عنه)
زياد : بالله قيسُ إلا أكلت (يشتد ميل قيس عن الطعام)
بلهاء (هامسة لزياد) : زيادُ ما ذاق قيسٌ ولا همَّا زياد : طبخُ يدِ الأمِّ يا قيسُ ذُقْ مِمَّا الأمُّ يا قيسُ لا تطبُخُ السُّمَّا (ينزع عن القصعة غطاءها)
تعال تأمَّلْ قيسُ، تلك ذبيحةٌ قيس : عسى اليومَ نحرٌ زياد : أين نحنُ من الأَضْحى؟ قيس : أرى صُنْعَ أمي يا زيادُ، فَدَيتُها بروحي وإن حمَّلتُها الهمَّ والبَرْحا ستخبرنا البلهاء زياد : بلهاءُ بيِّني ولا تكتمي عنَّا الحديثَ ولا الشرحا بلهاء : لقد مرَّ عرَّافُ اليمامةِ بالحمى فما راعنا إلا زيارتُهُ صُبحا طوى الحيَّ حتى جاء عن قيسَ سائلًا وأظهرَ ما شاءَ المَوَدَّةَ والنُّصحا ولاحت له شاةٌ جَثومٌ بموضعٍ تخَيَّلَها ظلًّا من الليل أو جُنحا فقال اذبحوا هاتيك فالخير عندَها فقام إليها يافعٌ يُحسِنُ الذَّبْحا فقال انزعوا من جُثة الشاة قلبَها فلم نَألُ قلب الشاة نزْعًا ولا طرْحا فلما شويناها رَقَى بعزائمٍ عليها وألقى في جوانبِها المِلْحا وقال اطلبوا قيسًا فهذا دواؤه كأني به لما تناولَه صَحَّا زياد : تعلَّلْ قيسُ بالشاة عساها تذهبُ الحُبَّا فما العَرَّافُ بالمجهو ل لا علمًا ولا طبَّا ولم تَعْلَمْ عليه البيد تدجيلًا ولا كِذْبَا طبيبٌ جرَّبَ اليابسَ في الصحراءِ والرَّطْبا فذقْ قيس ولا تَرتَبْ بما قال وما نَبَّا وتلك الأمُّ يا قيس أطِعْها تطِع الرَّبَّا قيس : زياد اسمعْ وكن عوني وخلِّ اللومَ والعَتبا إذا لم يكن بُدٌّ فإني آكُلُ القلبا زياد : قيسُ يبغي القلبَ يا بلهاءُ أين القلب أينا؟ بلهاء : هو عندي ويسيرٌ ما اشتهى قيسٌ علينا هو في الشاة زياد : هلمَّي أخرجي القلبَ إلينا بلهاء : القلبُ! أين القلبُ؟ أين يا ترى وضَعْتُهْ؟ يا ويحَ لي! نسيتُ أني بيدي نزعتُه! قيس : وشاةٍ بلا قلبٍ يداوونني بها وكيف يُداوي القلبَ من لا له قلب! (تسير بلهاء إلى الحي ويظهر صغار من ناحية الحي يلهون في طائفتين، وإذ تقع أبصارهم على قيس وزياد تتغنَّى كل طائفة بغناء)
الطائفة الأولى : قيسُ عُصفورَ البوادي وَهَزارَ الرَّبَوَاتْ طِرتَ من وادٍ لِوادي وغمرتَ الفلواتْ إيهِ يا شاعرَ نجدٍ ونجيَّ الظَّبَيَاتْ أضمرِ الحبَّ وأبدِ لِأَعَفِّ الفَتَياتْ الطائفة الثانية : قيسُ كشَّفتَ العذارى وانتهكتَ الحُرُماتْ ودَمَغْتَ الحيَّ عارًا في السنينَ الغابراتْ قد ذكرتَ الغَيْلَ دعوى واصطنعتَ الخلوَاتْ صَلِيَتْ ليلى ببلوى منك دون الفَتَياتْ! (يلتقط قيس بضع حصوات من الأرض ويهم أن يحصب بها الصغار، ثم يتردد فينثر الحصا من يديه بينما يظهر من جانب الطريق الآخر ابن عوف وكاتبه نصيب)
قيس (مناجيًا نفسه) : قيسُ لا! سامحْ صغارًا لا يُحِسُّون الخطيئَهْ إنهم فيما أتوْه بَبَّغاواتٌ بريئَهْ لُقِّنُوها كلماتٍ نزهاتٍ أو بذيئَهْ زياد (وهو يصرف الصغار) : إِذهبوا عودوا إلى آبائكم واذكروا قيسًا بخير يا خُبُثْ إِذهبوا أوْحُوا إلى أترابكم وليُبَلِّغْ حَدَثًا منكم حَدَثْ سيْطَرَ الحبُّ على دنياكمو كلُّ شيء ما خلا الحبَّ عَبَثْ (يجري الصغار أمام زياد مضطربين ثم يختفون عن الأنظار، بينما يستلقي قيس على الأرض في شبه إغماء)
ابن عوف (إلى نصيب وزياد يطارد الصغار) : انظرْ نُصَيْبُ ضجةٌ وصبيةٌ ورجلٌ يرمي الصغار بالحصا نصيب : أرى أميري نشَأً تعلقوا بابن سبيلٍ مُتْعَبٍ واهي القُوى ابن عوف : بل امضِ سَلْ نصيب (معترضًا زياد) : مَنِ الفتى؟ زياد (لنفسه وقد رأى ابن عوف) : ماذا أرى؟ هذا أميرُ الصَّدَقات ههُنا (ثم يرد على نصيب)
قيسُ إمامُ العاشقين ابن عوف : أيُّهم فهم كثير، كل قيس بهوى زياد : أجلْ ولكنَّ الذي تُبْصِرهُ أرفعُهم ذكرًا وأعلاهم سنى ابن عوف : لعله قيسُ الذي نعرِفُه لقد رَويْت شعرَه فيمن رَوى فأين ظلُّه زياد؟ زياد : أنا ذا أنا الذي يتبعُه حيثُ مشى ابن عوف : أنت الذي تهدي لكلِّ قريةٍ مُجاجةَ النحل ونفحةَ الرُّبا ما بالُه يَطَا الترابَ حافيًا ويقطعُ البيدَ مُمَزَّقَ الرِّدا خُذ يا نُصَيْبُ بُردتي فغطِّه لا يلحقنَّه من العُرِي أذى زياد : إِحفظ عليك البُرْدَ يا أميرُ لا فقرَ إليه بابن سيد الحمى إن لقيس من ثياب الوشْيِ ما يفنى به العمر وما يُعيي البلى ابن عوف (مناجيًا نفسه) : يا ويحَ قلبي ما خلا من قسوةٍ ما بالُه رَقَّ لقيسٍ ورثى (يقبل على قيس)
قيسُ بُنيَّ زياد : هو في إغماءة من وَجْده وما أظنُّه صحا (يسمع صوت حاد من ناحية نجد، ويتعالى الصوت قليلًا قليلًا حتى يظهر الحادين ومن ورائه قافلة تسير إلى المدينة ثم يذوب الصوت قليلًا قليلًا حتى ينقطع)
أنشودة الحادي : يا نجدُ خُذْ بالزمامْ ورحِّبِ سرْ في رِكاب الغمامْ ليثربِ هذا الحُسَيْنُ الإمامْ ابنُ النبي النورُ في البيد زادْ حتى غَمَرْ أُحْدُ الحيا في الوهادْ أُحْدُ القمر أُحْدُ جمَالَ البَواد زينَ الحضرْ ابنَ النبي ابن عوف : سمعتمو؟ يا لكِ من رنة حادٍ مُطرِبِ زياد : يا ليت شعري ما الركا ب مَنْ لواءُ الموْكِب نصيب : قد بيَّن الحادي فقل أصمُّ أنت أم غبي؟ هذا منارُ العرب هذا الحُسينُ ابنُ النبي هذا الزكيُّ ابنُ الزَّكِيِّ الطيِّبُ ابنُ الطيب عارَضَنا الحسينُ في طريقه ليثرب هذا سنا جبينه مِلء الوهاد والرُّبي قد جلَّ حاديه جلا لَ القارئِ المطَرِّب ابن عوف (هامسًا إلى نصيب) : نصيبُ صه لا تَسلكنْ بنا مسالكَ التُّهَمْ ولا تَظاهرْ بالهوى لوارث البيت العَلَمْ إحذرْ جواسيس ابن هندٍ وعيونَ ابن الحَكَمْ نحن رجالُ دُولةٍ قوَّامٍة على الأمم ليس بعينها عمًى ولا بأُذْنِها صَمَمْ تسمع في ظل القصور همسَ رُعيان الغنم (إلى زياد مشيرًا إلى قيس)
زياد انظرْ فما انفكَّ صريعَ الوجد والذكرى كما مَرَّ بنا الركب الحسينِيُّ به مَرَّا فلم يشغَلْ له بالًا ولم يوقظْ له فكرا زياد : رويدًا سيدي مهلًا ولا تستغرِب الأمرا لقد سقناه بالأمس فحجَّ الكعبَةَ الغرَّا فلما لمس الركنَ ومسَّتْ يدُه السِّترا وقلنا الآنَ من ليلى ومن فتنتها يبرا سمِعناه ينادي الله من ساحته الكبرى ابن عوف : وماذا قال؟ زياد : ما تابَ من العِشق ولا استبرا ولكن قال يا ربُّ ملكتَ الخيرَ والشرَّا فهاتِ الضُّرَّ إن كان هوى ليلى هو الضرا وإن كان هو السحرَ فلا تُبطلْ لها سحرا ويا ربِّ هَبِ السلوى لغيري وهب الصبرا وهب لي مَوْتَةَ المُضنَى بها لا مِيتَةً أُخرَى (يقبل على قيس ويميل عليه بحنان)
حنانيْك قيسُ إلامَ الذهول؟ أفِقْ ساعةً من غواشي الخَبَلْ صليلُ البغال ورَجْع الحُداءِ وضجَّةُ رَكْبٍ وراء الجبَلْ وحادٍ يسوق رِكابَ الحسَيْنِ يهزُّ الجبالَ إذا ما ارتجلْ فلم يبقَ ماشٍ ولا راكبٌ على نجدَ إلا دعا وابتهَلْ فقمْ قيسُ واضرعْ مع الضارعين وأنزِلْ بجَدِّ الحسيْنِ الأملْ (يسمع صوت حادٍ آخر قادمًا إلى نجد من ناحية يثرب، على رأس قافلة أخرى وتمر هذه القافلة كما مرت الأولى)
أنشودة الحادي : هلا هلا هيَّا، إطوي الفلا طيَّا، وقرِّبي الحيَّا، للنازح الصَّبِّ جلاجلٌ في البيدْ، شجيَّة الترديدْ، كرنَّة الغِرِّيدْ، في الفنَنِ الرَّطْبِ أناح أم غنَّى، أم للحمى حنَّا، جُلَيْجِلٌ رنَّا، في شُعَب القلبِ هلا هلا سيري، وامضي بتيسير، طيري بنا طيري، للماء والعُشبِ طيري اسبقي الليلا، وأدركي الغَيْلا، العهدَ من ليلى، ومَنزِلِ الحبِّ بالله يا حادي، فتِّشْ بتوْبادِ، فالقلبُ في الوادي، والعقلُ في الشِّعبِ يا قمرًا يبدو، مَطلعُه نجدُ، قد صنع الوجدُ، ما شاء بالركب (يفيق قيس ثم يتلتف مصغيًا إلى الحداء)
قيس : ليلى! منادٍ دعا ليلى فخفَّ له نَشْوانُ في جنبات الصدر عِربيدُ ليلى! انظروا البيدَ هل مادت بآهِلِهَا وهل ترنَّمَ في المزمار داودُ ليلى! نداءٌ بليلى رنَّ في أذني سحرٌ لعمري له في السمع ترديدُ ليلى! تَرَدَّدَ في سمْعي وفي خلدي كما تَرَدَّدُ في الأيك الأغاريدُ هل المنادون أهلوها وإخوتُها أم المنادون عشاقٌ معاميدُ إن يَشرَكونيَ في ليلى فلا رَجَعتْ جبالُ نجدٍ لهم صوتًا ولا البيدُ أغيرَ ليلاي نادوْا أم بها هتفوا فداء ليلى اليالي الخُرَّدُ الغيدُ إذا سمعت اسمَ ليلى ثُبت من خَبَلي وثابَ ما صَرَعتْ مني العناقيدُ كسا النداءَ اسمُها حسنًا وحبَّبَه حتى كأن اسمَها البشرى أو العيد ليلى! لَعَلِّيَ مجنونٌ يُخَيَّلُ لي؟ لا الحيُّ نادوْا على ليلى ولا نُودوا ابن عوف : لا تكتئبْ وتعالَ يا قيسُ استرحْ مما تكابد في الهوى وتلاقي قيس : هل أنت آسٍ يا أميرُ جراحتي أم أنت من سحر الصبابة راقِ؟ ابن عوف : بل من رُواتكَ قيسُ من زمنٍ مضى لم أخلُ قيسُ عليك من إشفاق قيس : قل للخليفة يابنَ عوفٍ في غدٍ مَنْذَا أباح له دمَ العشاق؟ هدَرتْ حكومتُه دمي فتحرَّشتْ بدمٍ على سيف الجفُون مُراق ابن عوف : أرَضِيتني عند الخليفةِ شافعًا؟ يا قيس قيس (في أنفة) : لا والواحد ِالخلاقِ بل عند ليلى فامض فاشفعْ لي لدى ليلى وناشِدْ قلبَها أشواقي جِئْها فذكِّرْهَا العهودَ وحِفظَها واذكرْ لها عهدي وصِفْ ميثاقي لَيلى إذا هي أقبلتْ حَقَنَتْ دمي كرمًا وفكَّتْ يا أميرُ وَثاقي ابن عوف : الآنَ قيسُ اذهبْ فبدِّلْ حلَّةً وَتَرَدَّ غيرَ ثيابِكَ الأخلاق فالصبحَ تدخلُ حيَّ ليلى قيسُ في ركْبي وبين بطانَتي ورفاقي قيس (إلى زياد) : أسمعتَ ما قال الأميرُ؟ زيادُ، طِرْ نحو الحمى بجَنَاحي المشتاق إِذهبْ وسلْ أمي أعزَّ ملابسي من كل شاميٍّ وكلِّ عراقي واذكرْ لها فضلَ الأمير، ولم تزَلْ نِعَم الأمير قلائدَ الأعناق (يسير زياد نحو الحي بينما يتمسح قيس بابن عوف كالطفل)
شكرًا لصُنعِكَ يا أميرُ ودُمتَ مَقصودَ الرحابْ عجِّلْ أمير ابن عوف (ضاحكًا) : بل انتظرْ أنسيتَ يا قيسُ الثيابْ؟ قيس : مَنْ مُبلغٌ أمي الحزينةَ أن عقلي اليومَ ثابْ؟ ومَن البشيرُ إليكِ يا ليلى بقيسٍ في الركابْ؟ اليومَ أهلًا بالحيَاة ومرحبًا بكَ يا شبابْ!
| |
| | | | hassanbalam ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 3/11/2020, 9:26 am | |
الفصل الثالث(قطعة من الصحراء تبدو في يسارها طائفة من مضارب بني عامر ممتدة إلى ما وراء اليسار على سفح جبل التوباد — خباء مضروب إلى يمين هذه الطائفة من المضارب كأنه نهاية خيام الحي — على اليمين أشجار بانٍ يقف في ظلها ابن عوف وحاشيته وقيس وزياد)
ابن عوف : تراءى الحيُّ للركْبِ وأشرَفْنا على الشِّعْبِ أفِقْ قيسُ أما في رؤ ية الخيْمات ما يُصبي؟ ألا تهتفُ بالشكوى إلى ليلى وبالعتْب قيس : ديارَ الحي من ليلى سلامٌ من شَجٍ صَبِّ على الحي على الدار على ليلى على الحب عدا الركبُ على طيبٍ كريح المندَل الرَّطب فيا ليلى عسى اليوم أبلُّ الشوقَ بالقرب عسى الخِطْبةُ لا تنزلُ في ناديكِ كَالخَطب عساهم لا يقولون فتى مشترَكُ اللب ولا يذهبُ إحساني ولا يبقى سوى ذنبي يقولون بها غنَّي لقد غنَّيتُ من كربي سلي تُربَك كم مَرَّغت خدَّيَّ على التُّرب وكم جُدتُ عَلى الرمل ولم أبخَلْ على العشب بدمعٍ مثل دمعِ الثُّكلِ مغروفٍ من القلب (يتطلع ابن عوف إلى ناحية الحي)
ابن عوف : قيسُ انتبهْ قيس قيس : مَن المنادي؟ ابن عوف : الحيُّ في السلاح سَدَّ الوادي وأنت قيسُ بعد حينٍ غاد على خصوم لُدُدٍ شِداد فَالْقَ الرجال صاحيَ الفؤاد لا تَلْقهم مُضَيَّعَ الرشاد قيس (متطلعًا كذلك) : أتُبصِرُ يابنَ عوفٍ حيَّ ليلى تَدجَّج في السلاح ولا تراها؟ فما لي لا أُحَقِّقُ غيرَ ليلى وإن كثُر السوادُ لدى حماها لقد ألقَى هوى ليلى حجابًا على عيني فلستُ أرى سواها وبغَّضتِ النصيحَ إليَّ ليلى وسدَّ مسامعي عنه هواها (يسمع من بعيد ومن ناحية الحي لجب وقعقعة سلاح ويقترب الصوت ويتعالى شيئًا فشيئًا)
أرى حيَّ ليلى في السلاح ولا أرى سلاحًا كهجر العامريَّة ماضيَا دمي اليومَ مهدورٌ لليلى وأهلِها فِداء لليلى مُهدَرَاتٌ دمائيَا ليَ اللهُ! ماذا منك يا ليل طَاف بي وما ذلك الساقي وماذا سقانيا؟ دعوني وما عِندي لليلى أقولُه لليلى وأستنشي الذي عندها لِيَا أهيمُ فأستعدي نهاري على الجوى وأقبعُ ليلى أستجيرُ القوافيا (فما أُشرِفُ الأيْفَاعَ إلا صبابةً ولا أُنشدُ الأشعارَ إلا تداويا) إذا الناسُ شَطرَ البيت ولَّوْا وجوههم تملستُ ركنيْ بيتها في صلاتيا (أصلِّي فما أدري إذا ما ذكرتُها أثِنْتَيْنِ صلَّيتُ الضُّحى أم ثمانيا) توارتْ وراء الجَمْع ليلى فخانها فمٌ كابتسام الصبح يأبَى التواريا وطِيبٌ به خُصَّتْ حوى الطيبَ كلَّه فهبْه الأقاحي أو فهبْه الفواغيا فأحسسْتُ من فرْعي لساقيَّ هَزَّةً كأن عيانًا منكِ لاقى عيانيا دعونا وما يبقى إذا ما فنيتُمو فوالله ما شيءٌ خلا الحبَّ باقيَا مشى الحبُّ في ليلى وفيَّ من الصِّبا ودبَّ الهوى في شاءِ ليلى وشائيا وإني وليلى للأواخر في غدٍ لشُغْلٌ كما كنا شغلنا الأواليا (يبدو على وجهه الاصفرار والجهد ثم يترنح فيتلقاه زياد — تسمع أصوات الحي من قريب)
ابن عوف : زيادُ أَدركْه أَدرِكْ إني أرى الداءَ عادَهْ لقد تضاءَل قيسٌ واصفرَّ مثلَ الجرادهْ! وليس قيسٌ بمُلقٍ إلا إليك قِيادَهْ الآن أسعى لقيسٍ سعيًا أخافُ فسادَهْ فمِلْ بنا وبقيسٍ حتى يُصيبَ رشادَهْ (يحملون قيسًا ويختفون به وراء شجر البان، وتظهر طلائع الحي من اليسار وعلى رأسها المهدي ومنازل، وكلهم شاكي السلاح)
المهدي : يا قومُ إن البغْيَ شرٌّ مركَبُهْ والخيرُ في جانب من يُجَنِّبُهْ هذا ابنُ عوفٍ قد أطلَّ موكِبُهْ وإن قيسًا في الرِّكاب يصحَبُهْ جاء يرومُ صِهْرَكم ويَخْطُبُهْ وقد علِمْتُمْ كيف ساء مذهبُهْ وكيف طال بابنتي تَشَبُّبُهْ صوت : كِلْهُ إلى سيوفنا تؤدِّبُهْ لقد وجدناه وكنا نَرقُبُهْ المهدي : لا، دمُ قيسٍ دمُنا لا نَقرَبُهْ يكفيه مِنَّا أننا نُخَيِّبُهْ ونَصرِفُ الأميرَ عمَّا يطلبُهْ صوت آخر : شيخَ الحمى لا تضعُفِ ولا تردَّدْ وقف ذُدْ عن عقيلة الحمى وامنع حياضَ الشرَفِ لا تُصْغِ للشافع في قيس ولا المستعطِفِ ليس ابنُ عوْفٍ في الذي سعى له بالمنصِف أبِالأمير بعد ما أجار قيسًا تحتفي؟ لَا تخشَ بأسَه ومن رجاله لا تخف نحن كعثمانَ وليلى بيننا كالمُصحَف (يظهر ابن عوف وحاشيته من وراء الشجر ومعهم زياد)
ابن عوف : عِمْ أبا ليلى صباحَا المهدي : عِمْ صباحًا يابنَ عَوْف ابن عوف : قل لهم يُلقُوا السلاحا ليس ذا مَوْطِنَ خوف صوت من الحى : يابنَ عوفٍ يا أميرْ ليس ذا شأنَ الوُلاةِ كيف تَحمي وتُجيرْ مُستبيحَ الْحُرُماتِ؟ ابن عوف : عامِرُ يا أجاوِدَ البِطاحِ وأسمَحَ الناس بُطونَ راحِ ما لي وللسيوف والرماحِ؟ ضيفٌ أنا وما من السّماح رَدك وجهَ الضيف بالسلاح ما جئتُكم يا قومُ للكفاح بل جئتُ للتوفيق والإِصلاحِ (تحدث ضجة في جانب الحي وتصايح وتهامس ثم يلقي كثير منهم السلاح ويغمد السيوف)
صوت من الحي : يا أبا ليلى بليلى جُدْ لقيسٍ بالحياةِ إنه شاعرُ نجدٍ ونَجِيُّ الظَبيَاتِ صوت آخر : قيسٌ أخٌ وابنُ عمِّ وليس أهلًا لذَمِّ نجمٌ أضاء بنجد سما على كل نجم هبوه جُنَّ بليلى ليس الغرامُ بجُرم منازل (حيث يستقبل الجمعين خطيبًا) : إن قيسًا معشرَ الحي أخٌ وابنُ عمٍّ أفمنه تبرءونْ؟ أصوات : لا ورَبِّ البيت منازل : أصغوا لي إذنْ ثم ظنوا كيف شئتم بي الظنونْ إن قيسًا شاعرُ البيد الذي لا يُجارَى أفأنتم مُنْكِرونْ؟ أصوات : لا وربِّ البيت منازل : أصغوا لي إذنْ ثم ظنوا كيف شئتم بي الظنونْ إن قيسًا سيِّدٌ من عامرٍ وابنُ سادات، أفيه تمترون؟ أصوات : لا وربِّ البيت منازل : أصغوا لي إذنْ ثم ظنوا كيف شئتم بي الظنونْ إن قيسًا قد بنى المجدَ لكم ولنجدٍ أبقيسٍ تكفرون؟ أصوات : لا وربِّ البيت منازل : أصغوا لي إذنْ ثم ظنوا كيف شئتم بي الظنونْ إن قيسًا كاملٌ في عقله أوآنستم على قيسَ الجنون؟ أصوات : لا وربِّ البيت منازل : أصغوا لي إذنْ ثم ظنوا كيف شئتم بي الظنونْ أنا لم أعدِلْ بقيسٍ شاعرًا لا ولا أنتم بقيسٍ تعدلون أصوات : لا وربِّ البيت منازل : أصغوا لي إذنْ ثم ظنوا كيف شئتم بي الظنون أنا في وُدي وإعجابي به لا يدانيني الرواةُ المعجَبون شعرُه يبقى ويفنى غيرُه ليس كلُّ الشعر تَرويه القرون شعرُ قيس عبقريٌّ خالدٌ ليته لم يتخلَّلْه المجُون ولو ان المتجني شاعرٌ غيرُ قيسٍ أوشك الخطب يهون رُبَّ شعرٍ قال في ليلى، به هتف البدْوُ وضجَّ الحاضرون إنني أخشى عليكم عارَه رُبَّ عارٍ ليس تمحوه السِّنونْ ضجرتْ ليلى وضجَّت أمُّها وأبوها وتأذَّى الأقربون وغَدا كلُّ فتى من عامِرٍ حين يلقى الناسَ، مَحْنِيَّ الجبين أصوات كثيرة : هو ما قلت منازل : إذن ما بالُكم لم تثوروا، ما لكم لا تغضبون؟ هو ذا قيسٌ مع الوالي أتى يطأُ الحيَّ وأنتم تنظرون وأبو ليلى امرُؤٌ أدرِي له رِقَّةَ القلب وأخْشى أن يلين بعدَ حينٍ يعبَثُ القومُ بكم ومن الحيِّ بليلى يخرجون آن يا قومُ لكم أن تعلموا أن قيسًا هتك الخدرَ المصون قيسُ لم يترك لليلى حُرمَةً ما الذي أنتم بقيسٍ فاعلون صوت : ماجِنٌ لا بدَّ من تأديبه صوت آخر : إن بالسَّوْط يُرَبَّى الماجنون صوت : نأخذُ الحيَّ عليه آخر : ولنقفْ دون ليلى وحماها كالحصون منازل : حلَّل السلطان بالأمس لكم دمَ قيسٍ ما الذي تنتظرون؟ صوت : حلَّل السلطان بالأمس لنا دمَه أصوات أخرى : إنا بقيسٍ فاتكون (ضجيج واندفاع)
صوت : مُنازِ يابنَ العم ما هذا الخبرْ؟ رفعتَ قيسًا فجعلتَه القمرْ والآن أغريتَ بقتله الزُّمَرْ كفعل جزار اليهود بالبقر برَّأها من العيوب وعَقَرْ! (يصعد بشر منبرًا للخطابة فيجتمع حوله جماعة من الناس)
قائل : إرجعوا يا قومُ هذا منبرٌ وخطيب يسأل أحدهم : ليت شعري من يكونْ؟ آخر : أوأعمى أنت هذا بشرُ آخر : هل يحسن الخُطبة بشرٌ ويُبين (يحاول منازل أن ينسل من الجماهير)
بشر : قف منازِ اسمعْ سمعتَ الرعد من جانبيْ صاعقةٍ فيها المَنون وسمعتَ الذئب في جَوْز الفَلا وسمعتَ الليثَ في جَوف العرين أخطيبٌ أنت أم خطبٌ وإن لم تَهُن والْخطبُ أحيانًا يَهُون منازل (صائحًا) : بشر … بشر : قف! منازل : ما لك يا بشرُ ولي؟ إن حربَ الأهل والصحب جُنون بشر : لِمْ إذن حاربتَ قيسًا لم تصُن حرمةَ ابنِ العم أو حقَّ الخَدينْ؟ منازل : قلتُ بشرُ الحقَّ بشر : خلِّ الحق ما أنت واللهِ على الحق أمِين إنِّما أنت لقيسٍ حاسدٌ منطوي الصدر على الحقد المَهين كلما حدَّثتَ عنه عامرًا قرأتْ في وجهك الداءَ الدفين ترسِلُ الزفرةَ تتلو أختَها وتَفُشُّ الصدرَ من حين لحين يا منازِ يابن عمِّي أصغ لي أنت دونٌ أنت دون أنت دون! منازل : دعوني بشر (من المنبر) : دعوني فلا بدَّ لي رجل : أناتك بشر : لا بد أن أقتلهْ منازل : دعوني بشر : دعوني رجل : دعوه اتركوه آخر : ومن كتَّفَ النذلَ أو كبَّله منازل : دعوني رجل : دعوه آخر : كلا البطلَيْنِ يقولُ الوعيدَ ولن يفعلَهْ بشر : دعوني رجل : تقدَّمْ منازل : دعوني رجل : انطلِقْ بشر : دعونيَ رجل : جِئْهُ منازل : دعوني رجل : امْشِ لَهْ آخر : تنحَّوْا وخلُّوا سبيليْهما ولا تخشوُا الوقعةَ المقبلهْ بشر : منازلُ في عقله كاملٌ منازل : وعقلك يا بشرُ ما أكملهْ بشر : أننزو على الحي نَزْوَ الديوك ونقفِزُ كالأكبُش المرسلهْ وتَفلَقُ رأسي كرُمانة وأفلَقُ رأسَكَ كالحنظلهْ فماذا يردُّ عليك العويلُ وما ذا انتفاعيَ بالولولهْ؟ زياد : منازلُ كنت كثير الكلام ووالله ما قلتَ إلا الكذبْ صوت : أتزعمُه كاذبًا يا زيادُ وقد ذاد عن حُرمات العربْ؟ زياد : رويدَك لا تنخدِع يا فتى ولا تأخذ الأمرَ دونَ السببْ فلم يبغِ إلا خداعَ الجموع وجلْبَ الظنون وخلْقَ الرِّيَبْ وأثَّر فيكم وفي آخرين وأفرغ فيكم سُمومَ الرُّقُبْ صوت : منازلُ دافعَ عن سُنَّةٍ مُعَظَّمَةٍ من قديم الحِقَب زياد : تأمل منازلُ سُخْطَ الجموع وجهلَك ماذا عليهم جلَبْ! أجل قد غضبتَ ولكنما لنفسك ليس لليلى الغضب تحضُّ على قَتل قيسَ الرجالَ لتحظى بليلى إذا ما ذهب أصوات : يُريدُ ليحظى بليلى زياد : نعم! صوت : تكلم صوت آخر : أَبِنْ ثالث : إن هذا عجب! زياد : سلوه ألمْ يَكُ يَغشَى النَّدِيَّ ويطلبُ ليلى أشدَّ الطلب؟ صوت (يخاطب المهدي) : إذن كان يخطبُ ليلى المهدي : نعم صوت : إذن قد تجنَّى صوت آخر : إذن قد كذَب! زياد : منازلُ قل لهمو كم ضرعت لليلى وكم أعرضتْ لم تُجِبْ صوت : منازلُ اخدعْ وغُشَّ غيري آخر : قد جاز إلَّا عليَّ كِذْبُكْ! ثالث : ما أنتَ إلا جوٍ شقيٌّ تحبُّ ليلى ولا تُحِبُّكْ! (تحدث ضجة حول منازل ويقف ثلاثة رجال في ركن قصي من أركان المسرح يتحدثون)
الأول : قد اختلف الحيُّ في أمر قيسٍ وليلى فكلٌّ له مذهبُ وأنت إلى أيِّ رأي تميلُ وأي الفريقين تستصْوِبُ الثاني : إذا صدقت نظرتي في الأمور ولي نظرةٌ قلَّما تكذِبُ منازلُ غادٍ على خيبةٍ وقيسُ على فضله أخْيَبُ وقد يُخفقان ويلقى النجاحَ غريبٌ له فيكمو مأرب الأول : غريبٌ؟ الثاني : أجل من نواحي ثَقِيفٍ الأول : ومَن ذاك؟ الثاني : وَرْدُ الأول : وما يطلُبُ؟ الثالث : رأيناه في الحي يمشي الحياءَ وقيل أتى عامرًا يخطُبُ الأول : وليلى ابنةُ الشيخ ما رأيُها أما من حسابٍ لها يُحسب؟ الثاني : أراها وإن لم تَخطَّ الشبابَ عجوزًا على الرأي لا تُغلَب تصونُ القديمَ وترعى الرميمَ وتُعطي التقاليدَ ما توجب وبالجاهلية إعجابُها إذا قل بالسلف المعجَبُ ومن سُنَّة البيد نفضُ الأكفِّ من العاشقين إذا شبَّبوا فلا تعجبوا إن جرى حادثٌ يُحدث عنه ويُستغرب وإن رضِيَتْ وردَ بعلًا لها وقيسُ الأحبُّ لها الأقرب فيا طالما التمست مهربًا وأرضُ ثقيفٍ هي المهرب منازل : بني عامرٍ لا تُضِيعوا الحُلومَ فإِن الأناة بكم أجملُ هبوا ليَ آذانكم إنني أجدُّ وصاحبُكم يَهزِلُ خطبتُ وأخطبُ ليلى غدًا وما ليَ يا قومُ لا أفعلُ وقد تُعرِضُ اليومَ ليلى فلا أضيقُ، عسى في غدٍ تُقْبِلُ فما قيسُ أجدرُ مني بها ولا هو خيرٌ ولا أفضل زياد : إليك منازلُ! لا تتَّزِنْ بقيسٍ قد اختلف المنزلُ! ولا يستوي الشاعرُ العبقري ومن هو مِن باقلٍ أبقل منازل : وما أنت؟ بيِّنْ لنا يا زياد زياد (ممسكًا بذراع منازل) : ستعلم منِّي ما تجهل هلُمَّ مُنازِ، هلمَّ الصراعْ! وودِّعْ ضلوعَكَ وانْعَ الذراعْ منازل : خلِّ زيادُ خلِّ عن ذراعي زياد : سألتَ ما أنت؟ فأصغِ، راعِ إني أنا ممزِّقُ الأضلاع! (ثم يجره من ذراعه ويمضي به إلى خارج المسرح)
صوت : ماذا يكون يا ترى؟ آخر : هيَّوْا نرى هيَّوْا نرى آخر (وهم يتدافعون) : زيادُ غيرُ هازلِ آخر : نوحوا على منازلِ آخر : حمامةٌ وبازي آخر : هلكتَ يا منازِ! آخر (من بعيد) : أُهرب من البرازِ (يخلو المسرح الآن إلا من المهدي وابن عوف ونصيب ثم تسمع صرخة من وراء الشجر)
مهدي : ما بقيسٍ يابنَ عوف؟ ابن عوف : إنه مغمًى عليهْ مهدي : قيسُ لا بأسَ عليك كبِّروا في أذُنيْهِ صوت (من وراء الشجر) : الله أكبر الله أكبر ابن عوف (لنفسه) : سُدًى كبِّروا ما أُذْنُ قيسٍ مفيقةٌ وإن سكبوا فيها أذانَ بِلال ولكن على ليلى يُفيقُ وشبهها إذا ما بدتْ ليلى بشكلِ غزال ويصحو على ليلى إذا رُدِّدَ اسمُها وراءَ بُيوتٍ أو وراءَ رِحال المهدي : دَمُ الوُدِّ والقُربَى وإن كان ظالمًا عزيزٌ علينا أن نراه يسيل وإني لإنسانٌ وإني لوالدٌ ولي مذهَبٌ في الوالدين جميل فرفقًا بقيس يا أميرُ ونَحِّه بعيدًا لعل الشرَّ عنه يزولُ ابن عوف : أناةً أبا ليلى وحِلمًا ولا يَكنْ عليك لطغيان الظنون سبيل رددتم ركابي واتهمتم زيارتي وأجلبَ فِتيانٌ وضجَّ كهول تأملْ تجدْ جَمْعًا مَغِيظًا وكثرةً تصولُ وما تدري علامَ تصول! رءوسٌ تنَزَّى الشرُّ فيها وراءَها نفوسُ ذئابٍ ما لهن عقول تطلَّبُ أن يُلقى إليها بجُثَّةٍ على غير جوع أو يُساقَ قتيل نواظرُ ما يأتي به اليومُ من دَمٍ وإن لم يُساورْها صدًى وغليل نزلتُ فلم أُكرَمْ فهل أنت مُتبعي وقومُك نارَ الطَّرد حين أميل؟ أبَيْتُم عليَّ القولَ قبل استماعه فلم تُنصفوا والمنصِفون قليل فهل لي أبا ليلى بناديكَ وقفةٌ فإن الذي قد جئتُ فيه جليل وما أنا مَرْءُ السوء أو رجُلُ الأذى ولكنْ سفيرٌ خيِّرٌ ورسول ولم أتخذْ جاهَ الأمور ذريعةً ألا إنما جاهُ الأمور يزول المهدي : بقيتم بخير يا وُلاةَ أميةٍ ولا زال يقوى ركنُكم ويطول (مشيرًا إلى باب الخباء)
هنا مجلسُ نأوي إليه لعلني أقولُ صوابًا أو عساك تقول وثَمَّ ترى ليلى وتسمعُ قولَها وليلى لها رأيٌ يُساقُ جميل فسلْها عسى أن نهتدي ما جوابُها إباء وردٌّ أو رضى وقبول (يهم ابن عوف بخلع نعليه)
المهدي : أتخلَعُ نعليك لا يابنَ عوف نَشَدتُك بالله لا تفعل أتمشي إلى منزلي حافيًا فديتُك، من أنا؟ ما منزلي؟ ابن عوف : خلعتُهما وانتعلْتُ الترابَ إلى خَيْمة السيِّدِ المفضِلِ نصيب (متدخلًا) : دعْه يا مهديُّ يفعل إنما يَرمِي لمعنى كالحسيْنِ بنِ عليٍّ هو بالعشاقِ يُعنَى الحسينُ انتعل التربَ إلى والد لُبنَى فرآه حافيًا في ساحة الدار فجُنَّا قال لا أملِك يابن المصطفى بنتًا ولا ابنا أنت في الدار أميرٌ فبما شئتَ فمُرنا (لنفسه)
يا دهر دُرْ بما تشا ويا حوادثُ اهزِلي! ويا وظيفةُ اعزُبي ويا جرايةُ ارحلي يبغي ابنُ عوفٍ أن يكو نَ كالحسيْنِ بنِ علي! (يدخلان وينادي المهدي)
هو الضيفُ يا ليلَ هاتي الرُّطبْ وهاتي الشِّواءَ وهاتي الحَلبْ وهاتي من الشهد ما يُشتَهى ومن سَمنَة الحيِّ ما يُطَّلَبْ فما هو ضيفٌ ككلّ الضيو ف ولكن أميرٌ كريمُ الحسَبْ ليلى (من وراء حجاب) : أبي ألفَ لبَّيْك! ابن عوف : لا بل قفي فما بي ظَماءٌ ولا بي سَغَبْ وأعلَمُ أن القِرى دِينُكم وأن أباكِ جوادُ العربْ ولكن طعاميَ المهدي : ماذا؟ اقتَرِحْ ابن عوف : طعامُ الرسول بلوغُ الأرَبْ المهدي : إذن قفي ليلى اقرُبي (تظهر ليلى من وراء الستر)
تقدَّمي ورحِّبي حلَّ ابنُ عوفٍ دارَنا ليلى : أكرمْ به وأحببِ! قد زارنا الغيثُ فأهلًا بالغمام الصَّيِّب ابن عوف : أهلًا بليلى بالجمالِ بالحِجى بالأدبِ عشتِ وقيسًا فلقد نوَّهتما بالعرب ليلى (بين الخجل والغضب) : أتَقْرِنُ قيسًا بنا يا أميرُ؟ ابن عوف : ولِمْ لا وقد جئتُ من أجْلِهِ ومَنْ أنا حتى أضُمَّ القلوبَ وأعطفَ شكلًا على شكلِهِ لقد جمعَ الحبُّ رُوحيْكما وما زالَ يجمعُ في حبلِه ليلى (في استحياء) : أجلُ يا أميرُ عرَفتُ الهوى ابن عوف : فهلَّا عطَفْتِ على أهله؟ (يلتفت إلى المهدي)
أبا العامريَّةِ قلب الفتاةِ يقول وينطِقُ عن نُبْله فأصغِ له وترفَّقْ به ولا يسْعَ ظُلمُك في قتله المهدي : أأظلم ليلى؟ معاذَ الحنان! متى جار شيخٌ على طفله؟ هو الْحُكْمُ يا ليلَ ما تحكمين خُذي في الخطاب وفي فصله ليلى : أقيسًا تريد؟ ابن عوف : نعم ليلى : إنَّه مُنَى القلب أو مُنْتهَى شُغله ولكن أترضى حجابي يذالُ وتمشي الظنونُ على سِدْله ويمشي أبي فيَغضُّ الجبينَ وينظرُ في الأرض من ذلِّه يداري لأجلي فضولَ الشيوخ ويقتلُنِي الغمُّ من أجله يمينًا لقيتُ الأمرَّيْنِ من حماقة قيسٍ ومن جهله فُضحتُ به في شِعابِ الحجازِ وفي حَزْنِ نجدٍ وفي سهله فخذْ قيس يا سيدي في حماك (في حياء وإباء)
وأَلْق الأمانَ على رَحْلِهِ ولا يَفْتكِرْ ساعةً بالزواجِ ولو كان مَرْوانُ من رُسْلِهِ ابن عوف : إذن لن تقبلي قيسًا ولن تَرضَيْ به بعلَا إذن أخفق مسعايَ وخاب القصدُ يا ليلى ليلى : على أنك مشكورٌ ولا أنسى لك الفضلا وأوصيكَ بقيسَ الخيرَ لا زلتَ له أهلا لقد يُعوِزُه حامٍ فكنْه أيها الموْلى (تلتفت إلى أبيها وكأنما تحاول أن تحبس في عينها دموعًا)
أبي كان وردٌ ههنا منذ ساعةٍ ففيم أتى؟ ما يبتغي؟ المهدي : جاء يخطُبُ ابن عوف : ومن وَردُ يا ليلى وهل تعرفينه؟ ليلى : فتى من ثَقيفٍ خالصُ القلبِ طيِّبُ أتى خاطبًا بعد افتضاحي بغيره وعاري، أهذا يابن عوفِ يُخَيَّبُ؟ أبي: أين وردُ الآن؟ المهدي : عند قرابةٍ من الحيِّ ضمُّوهُ إليه ورحَّبوا فإن شئتِ أرسلنا إليه ليلى : ابعَثْ ادْعُهُ وجِئْنَا بقاضي نَجدٍ اليوم يكتب ابن عوف : تجاوزتِ ليلى غايةَ السُّخْط فاذكري عواقبَ رأي قد رأيتِ سخيفِ ليلى (متهكمة) : أكنتُ ابنَ عوفٍ غيرَ أنثى ضعيفةٍ تناهتْ لرأي في الأمور ضعيف ابن عوف : أرى وقفتي يا ليلَ كانت شريفةً ولكنْ جزائي كان غيرَ شريفِ ليلى : أنظِّفُ ثوبي يا أميرُ فطالما ظهرتُ به في الحيِّ غيرَ نظيف ابن عوف : لئن كنتِ يا ليلى بوردٍ قريرةً فإني على قيسٍ لجِدُّ أسيف (ثم يخاطب أباها)
أَلان بحفظ الله يا سيد الحمى لقد طال لُبثي عندكم ووقوفي ووُفِّقْتِ يا ليلى ليلى : لقد كنتَ سيدي حليفًا لقيسٍ، هل تكونُ حليفي! ابن عوف : سألتِ مُحالًا إنما جئتُ خاطبًا لورد القوافي لا لورد ثَقيف! (يخرج من باب الخباء ويشيعه المهدي إلى ما وراء شجر البان)
ليلى : ربَّاهُ ماذا قلتُ! ماذا كان مِن شأن الأمير الأرْيَحِيِّ وشاني؟ في موقفٍ كان ابنُ عوفٍ مُحسنًا فيه وكنت قليلةَ الإحسان فزعمتُ قيسًا نالني بمساءَةٍ ورمى حجابي أو أذال صِياني والنفسُ تعلَمُ أن قيسًا قد بنى مجدي وقيسٌ للمكارم بان لولا قصائده التي نوَّهن بي في البيد ما عَلِمَ الزمان مكاني نجدٌ غدًا يطوَى ويفنَى أهله وقصيد قيسٍ فيَّ ليس بفان ما لي غضِبْتُ فضاع أمري من يدي والأمرُ يخرجُ من يد الغضبان قالوا انظري ما تحكمين فليتني أبصرتُ رشدي أو ملكتُ عِناني ما زلت أهذي بالوساوس ساعةً حتى قتلت اثنين بالهذيان وكأنني مأمورةٌ وكأنما قد كان شيطانٌ يقودُ لساني قدَّرتُ أشياءً وقدِّر غيرها حظٌّ يخُطُّ مصايرَ الإنسان
| |
| | | | hassanbalam ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 3/11/2020, 9:26 am | | الفصل الرابعالمنظر الأول (حول ديار بني ثقيف، في قرية من قرى الجن، حيث اجتمعت طائفة منهم للحفاوة بقيس وهو يهيم على وجهه ضالًّا في الفلوات، وبينهم شاب منهم في شكل إنسي جميل الثياب يتردى الحرير من فرعه إلى قدمه، وعلى رأسه عقالان من الحرير المحلى بالذهب، هو الأموي شيطان قيس — الجميع ينشدون ويرقصون)
نشيد الجن : هذا الأصيلُ كالذَّهبْ يسيلُ بالمرأَى العجبْ على الوهادِ والكُثُبْ الرقصُ يبعثُ الطربْ هلمَّ يا جنَّ العربْ هلمَّ رَقصةَ اللَّهَبْ إذا مشَى على الحطبْ نحنو بنو جهَنَّمَا نغلِي كما تغلي دَمَا نثور في الأرضِ كما ثارَ أبونا في السما نحن بنو الجبارِ العلَمِ المنارِ إبليسَ بِكرَ النار يا عزَّ من لهُ انتمى نحن الرُّعُودُ القاصفهْ نحن الرياحُ العاصِفهْ والظلماتُ الزاحِفَهْ عرمرَمًا عرمرَمَا لنا وما لنا صُوَرْ نرى ونسمَعُ البشر ولا يَرَوْنَ من حضَرَ منا ومن تكلما نقول حينَ نصطدمْ بسادةٍ أو بِخَدم صمم صمم صمم صمم عمًى عمًى عمًى عمَى هبيد : فيمَ اجتمعْنا هَهنا؟ يا عضْرَفُوتُ ما الخبر؟ عضرفوت : لا أدرِ … تلك ضجةٌ حضرتُها فيمن حضَرْ فسل أخاك عَسَرًا هبيد : ماذا هناك يا عسَرْ؟ عسر : نحن مسوقونَ إلى ما ليسَ ندرِي كالبقرْ الأموي : بني الجنِّ في أرضِكم عابِرٌ من الإنسِ يرسُفُ في ضُرِّهِ فغالوا بهِ واعلموا أنه فتًى نبَّه الشِّعْرُ من قدرِه هبيد : وأينَ تُرَى هو؟ آخر : ماذا يكون الأموي : وماذا يُهمُّك من أمره ألم تعلموا أن لي صاحبًا من الإنس أحكُمُ في شعرِه هبيد : أجل أنت تُوحِي له ما يقولُ وتقذفُ ما شئت في فكرِه الأموي : إذن فاعلموا أنه عاشق تملَّأَتِ البيدُ من ذكره عاصف : وأعلم أن الهوى واحد حوى المستهامين في أسْره وأن التي سحرت قلبَه مدلَّهةُ القلب من سحره الأموي : وإني لأكْفُلُ ليلى له وأصرِفُها عن هوى غيرِه سَهِرْتُ على طُهر ليلى الزمانَ ولم أغمِضِ العينَ عن طُهْرِهِ صرَفتُ عن الحب حتى الزواَج وما قدَّسَ اللهُ من سِره ولو أنَّ عيني تَشقُّ القبور سهِرْت على الحبِّ في قبره! عضرفوت : ومن يكون الأموي : قيس عضرفوت : من قيس؟ عاصف : وهل يخفَى القمرْ! الشاعرُ الذي سحر والساحر الذي شَعَر حَنْجَرَةٌ لنا وترْ منها وللإنس وتر هبيد : وما لنا يا عضرفوتُ ولِفتيان البشرْ؟ وما لقِينا منهمو ومن أبيهم غير شر! عضرفوت : بني الجنِّ اسمعوا أبِكم زكامٌ جني : ولِمْ؟ عضرفوت : نَتَنَتْ لعَمركُمو الجواءُ آخر : وما في الجو؟ عضرفوت : ريحٌ آدميٌّ ففيه نَتانةٌ وله ذَكاءُ إذا البشريُّ مرَّ عليَّ يومًا فقَد مرَّت عليَّ الخُنْفَساءُ جني : أجل بعداوة البَشَرِ ابتُلِينا وطال بها التبرُّمُ والعَناء مضى بالكبر إبليسٌ أبونا وكلُّ تراثِ آدمَ كبرياء يَعيب رجالُهم فيقال عبنا وتَدْفِنُ عارَهَا فينا النساء وإن عَجزَ المطبب قال داءٌ من الجنِّي ليس له دواء وإن قَفَزَتْ صغارهمو فزلَّت فمنا معشرَ الجنِّ البلاء وخِفنا من أذاهم فاحتجبنا فما عصم الحجاب ولا الخَفاء وكم متعوذٍ بالله منا تعوذ الأرضُ منه والسماء! عضرفوت : وقد نشكو من الناس التجني وننسى ما جناه الأنبياء جني : أرُسْلُ الله أيضًا من عِدانا؟ عضرفوت : أجل هم في عداوتنا سَواءُ بنى فخمًا سليمانٌ وضخمًا ولولا الجنُّ ما نهضَ البناء بنينا تدمرَ الكبرى بأيدٍ فهلْ تدرونَ ما كان الجزاء؟ جني : وما كان الجزاء؟ آخرون : أَبِنْ عضرفوت : عذابٌ وسجن ما لمدَّته انقضاءُ! فتَحْتَ المَاءِ جني : تحتَ الماءِ عضرفوت : عانٍ عليهِ طلاسم وعليه ماءُ! وفي جوف القماقم لو علِمْتُم آخرون : وماذا في القماقم؟ عضرفوت : أبرياءُ! جني : ومن ذا زجَّهُم فيها عضرفوت : أميرٌ علينا لا يُرَدُّ له قضاء نبيٌّ فهو عدلٌ حيثُ يَقضِي ومَلْكٌ فهو يفعلُ ما يشاء! عاصف : قيس يا قومُ منكمو ليس قيسٌ من البشر جني : قيس منَّا وإنما في بني عامرٍ ظهر آخر : إنني قد رأيتُه يتفلَّى على الشجر ثالث : وسمعناهُ قد عوى عَوَّةَ الجِنِّ واستتر رابع : أنا أيضًا رأيته ركِبَ الظبيَ في السفر عاصف (متطلعًا) : تعالَوْا فانظروا (يتطلع الجميع إلى حيث ينظر)
جني : ماذا؟ آخر : عجيبٌ عضرفوت : نرى شبحًا يُدحرِجُه الفضاءُ أقيسٌ ذا؟ عاصف : نعم هو فاستعدُّوا فقد وجب التحفزُ واللقاء هبيد (لجني آخر) : تأمَّلْ قيسًا المُضنَى تجدْه من الذَّوَبان أصبح كالخيَالِ الآخر : لقد ضلَّ الطريقَ أما تراهُ يُصفِّق باليَمين وبالشِّمال؟ وقد قَلَبَ الثيابَ عليه نَهْجًا على عاداتِهم عند الضلال (يظهر قيس فيلتفون حوله وينشدون)
سلامٌ مَلِك الحبِّ وسلطانَ المُحبينا وأهلًا وعلى الرحبِ لقد شُرِّفَ وادينا أتى الجنُّ من الوادي يُحيُّونَك بالورد حدا ركبَهم الحادي إلى ناديك من بُعْدِ (يتلفت قيس ذات اليمين وذات الشمال)
رَب إلى أين انتهت بيَ السُّرى وأيَّ وادٍ أنزلتَني يا تُرى عسايَ في الشامِ لعلِّي جُزْتُهُ أو أنا بالطائِفِ أو أين أنا؟ وهذه المُسُوخُ حولي جِنَّةٌ أم عمَلُ الوهم وتهويلُ الكَرى لا، أنا صاحٍ (يتحسس جسمه)
هذه رِجلِي وذِي يدي وتلك مُقلتي يَقظَى تَرَى ولِمَ لا أُومِنُ بالجن وأَنْ تكون للجنَّة كالناسِ قُرى؟ لا أدَّعي معرفةً بعالَمٍ ظاهرُهُ أكثرُ منه ما اختفى (يمسح جبينه ويعيد النظر والتطلع)
تلك منَ الجنِّ لعَمري شِرْذِمَهْ وهذه خيلهمو المُسَوَّمَهْ نعامة كالفرَس المُطهَّمَهْ وأرنبُ مُسْرَجَةٌ ومُلْجَمَه وقُنْفُذٌ وظَبيةٌ وشَيْهَمَهْ يا عجبًا كلَّ العجبْ! الجنُّ مني عن كَثَبْ سودٌ دقاقٌ في العيونِ كالدُّخَانِ في الحطبْ يخرجُ من أفواهها ومن عيونِهَا اللهبْ من كل مَن جال بقَر نيْه وصال بالذَّنَبْ الجان : نَبِيَّ الحبِّ لا تَخش أذًى أو شِرَّةً منَّا عَطفْتَ الطيرَ والوحشَا فلِمْ لا تَعطِفُ الجِنَّا؟ وسَلْ حسَّان والأعشى وشيطانَيْهِمَا عَنَّا الأموي : تركتُ ورائي الشامَ لم أنتفعْ به ولا هو من شوقي القديم شفاني وعدتُ إلى نجدٍ أقاسي صبابتي ووجدي كأني ما بَرِحْتُ مكاني تركتُكِ ليلى فانفجرتِ لياليا مؤلفةَ الأشكالِ جِدَّ حِسان فلم يَخْلُ سيْري منك يومًا ولا السُّرى ولم يخلُ من تمثالِكِ القمران على كل أرض من هواكِ سوارحٌ ملأنَ سبيلي أو مَلَكن عناني (وأجهشتُ للتوْباد حين رأيتُه وكبر للرحمنِ حين رآني) (وأذريْتُ دمعَ العينِ لما عَرَفْتُهُ ونادى بأعلى صوتِه فدعاني) (يدنو منه قيس ويتأمله)
قيس (لنفسه) : يا ويحَ عيني ما ترى؟ وويحَ أُذْني ما تَعي! وأين عقلي؟ غاب عني اليومَ أو عقلي معي؟ الشعر لي مُذ قلتُه من شفتي لم يُسمَع من ذا الذي أوْحَى به لذا الغلام المُدَّعي؟ (يقترب من الشاب ويأخذ في انتقاده)
عقالان يَمانيَّانِ مِنْ وَشْيٍ وعِقْيَانِ يُضِيئَانِ كلَمْحِ الشمس في جلدةِ ثعبان وأين الشَّفَقُ الأحمَرُ من مطرَفِكَ القاني؟ وقد تقرُب في الروْ عَةِ من أملاك غسَّان وقد تبلُغُ في الشعر إلى رقةِ حسَّان فما شأنك يا هذا؟ الأموي : وما يَعنيكَ من شاني قيس : أرى سارِق أشعارٍ جريئًا ما له ثانِ فقد يُسطَى على بيتٍ وقد يُسرَق بيتانِ ولا يَنْتَحِل الإنسان أبياتًا لإِنسان وما أنشَدْتَ من شعرٍ فمن صنعي وإحساني ولم أهتفْ به بعدُ ولم تَسْمَعْه أُذنان فمَن أَنت ومِن أين أتتْ أُذْنبْك ألحاني؟ الأموي : أنا الملقي عليك الشعرَ مِن آنٍ إلى آن أنا الهاجس والشيطان قيس : لا، لا، لستَ شيْطاني (ثم يناجي نفسه)
أجل سمِعتُ باسم شيطاني ولكن لم أرَه أبي وأمي حدَّثا ني في الليالي خبرَه (يعود إلى خطاب الأموي مترددًا)
ألستَ أنت الأمويّ؟ الأموي : لا تخَفْ أن تذكرَه قيس : ما أنت إلا صورةٌ في عصبي مصوَّرَهْ وعبثٌ لو كان عقلي حاضرًا لأنكره قيس (وهو ينكت الأرض بعود) : ويحي أقيسٌ واحد أم نحن قيسان هنا؟ وأيُّنا الشاعر هذا الأمويُّ أم أنا؟ أم الذي بي وبه من عَبَثِ السحر بنا؟ أم أنا مجنون عَليَّ حبُّ ليلى قد جنى الأموي : قيس قيس : لبيكَ قيس الأموي : ما أنا قيس قيس : من إذَن؟ الأموي : قلتُ إنِّنِي شيطانُهْ قيس : قيس من آدمٍ فما أنت منه الأموي : أنا من قيس عامر وجدانُهْ قيس : أنت وجدانيَ؟ استعذتُ بربي منك الأموي : لا تستعذ به جل شانُهْ! هكذا شاء: كلُّ شاعرِ قومٍ عبقريِّ اللسان نحن لسانه قيس (مشيحًا بوجهه ومطرقًا) : يا عجَبا أصبحَ بالجنِّ لسانِي يعمُرُ! وصرتُ ينْهَى مارِدٌ على فَمِي ويأمرُ ما للسانِي لا يطولُ؟ ما له لا يقصرُ؟ يا ليت شعري كيف لا يخرُجُ منه الشرَرُ؟ الأموي (واضعًا يده على كتف قيس) : علامَ قيس فيم أنت مُطرِقٌ مفكِّرُ؟ في خبري قيس : أجل وما صدقْتَ فيما تُخبرُ ليس لساني ماردًا إن لساني بشَرُ الأموي : قل وحدَك الشعرَ إذنْ! قيس : تظنُّني لا أقْدِرُ؟ الأموي : جرِّبْ إذَنْ قلْ أرِنا يا قيسُ كيف تَشْعُر! قيس : وما تُحبُّ الأموي : قريةُ الجنِّ وهذا المنظَرُ أليس فيما أنت راءٍ قيسُ ما يؤثِّر؟ قيس : إسمع إذن يا أمويُّ! الأموي : إنني أنتظر قيس : وجوهٌ تَصوّرُ، وفضاءٌ يزهرُ، ورمال في مطارح البصر تزخَرُ، وقريةٌ تموجُ بالجنِّ كأنها عَبْقَرْ! الأموي (ضاحكًا) : قه قه! تعالَوْا واضحكوا! (تضحك جماعة من الجن)
قيس (في غضب) : قه قه … أمِنِّي تسخَرُ؟ الأموي : ما هكذا يا شاعرَ البيدِ البيوتُ تُكْسرُ جني آخر : إنك لا تَنْظُمُ يا قيس ولكنْ تنثُرُ! الأموي : ما لك قيسُ مفحَمًا هذا لعمري الحَصَرُ! لا يُفحَم الشاعرُ لكن يُفحم الشُّوَيْعِرُ ما لك كالعُودِ الذي أدبرَ عنه الوتَرُ؟ ما للقوافي الآنساتِ منكَ قيسُ تنفُرُ؟ كيف ترى لسانَكَ الـ آن قيس : عليه حجرُ! أنتَ على مشاعري وشعريَ المسيْطِرُ! إن غبت غاب خاطري وإن حضرتَ يحضُرُ الأموي : الآن لا تُنكرُنِي قيسُ وكنت تُنكِر! عجِبْتَ كيف تختفي الجنُّ وكيف تظهرُ يا قيسُ هذا عالمٌ طِينتُه التَّجَبُّرُ تطغَى على رائدها صحْراؤه وتغمُرُ وغاية المُمْعِنِ في نظامِهِ التحيُّرُ مهما علِمت عنه فالذي جهِلْتَ أكثَرُ! قيس : يا أخَا الجنِّ لئن كنتَ أخًا لي وخليلا أنا في أعماءِ أرض لا أرى فيها السبيلا الأموي : أين تبغِي قيس؟ قيس : ليلى كن إلى ليلى الدَّلِيلَا الأموي : مِلْ يمينًا يا أبا المهديِّ ثم امشِ قليلًا تَجد المنزلَ والما ءَ الذي يَشفي العليلا (ينطلق قيس آخذًا يمينه مهرولًا)
المنظر الثاني (في حي بني ثقيف بالطائف حيث ترى دار ورد على بعد قليل — ورد مضطجع على الرمل، وبجانبه رفيق من رفاقه — يقترب قيس من الخباء مناجيًا نفسه)
قيس : إن قلبي لمخبري أن هاتيكَ دارُها أنا بالطائف الذي قرَّ فيه قرارها في ثقيف تنقلي وثقيف ديارها ما لساقي جَرَرْتُهَا فتعايى انجرارُها ولقلبي يقول لي قد تدانى مزارُها كيف لا أهتدي لليلى وفي القلب نارها ليت ليلايَ نُبِّئَتْ أنني اليومَ جارها (يتبين وردًا وصاحبه)
عجبٌ! هُديتُ الدارَ بعد ضلالة ما كان شيطاني عليَّ كذوبَا هذي منازلُها وذلك بعلُها بعثَتْ إليَّ ديارُ ليلى الطِّيبا هذا غريمي وردُ أشقر كاسمه أتُراه أُلبس جلدَه مقلوبا! ما بالُه افترش الأديم كأنه بغلٌ يُعَفِّر في التراب جنوبا! رفيق ورد : ورد أرى من المدَى القريبِ شخصًا يدبُّ نحونا كالذيب على خُطاه خَشيةُ المُريبِ ورد : لِمْ لا تقولُ خيرة الغريب لعلَّه ابنُ سبيلٍ يمرُّ بالحي مَرَّا إني أراه سقيمًا يجرُّ ساقَيْه جرَّا (ينهض من رقدته قلقًا)
الرفيق : عرفتَ مَن ورد : قيسٌ به الغرامُ أضرَّا الرفيق : قيس؟ ورد : أجل الرفيق : كيف أفضَى إليك؟ كيف تجرَّا ورد : دعني وقيسًا وشأني لعل في الأمر سرَّا (ينصرف الرجل ويتلاقى ورد وقيس)
قيس : أهذا ورد بني ثَقِيفٍ؟ ورد : نعم الوردُ ينبتُ في رُباهَا قيس : وَلِمْ سُمِّيتَ وردًا لم تُلَقَّبْ بقُلَّامِ العشيرة أو غَضاها! ورد (في سكون وحلم) : وما ضرَّ الورودَ وما عليها؟ إذا المزكومُ لم يَطْعَمْ شذاها قيس : (بربَّك هل ضممْتَ إليك ليلى قُبَيْلَ الصبح أو قَبَّلْتَ فاها؟) (وهل رفَّتْ عليك قرونُ ليلى رفيفَ الأُقْحَوَانَةِ في نداها؟) ورد (بعد فترة وسكون) : نعم ولا يا قيس قيس : بل لا بدَّ من لا أو نعمْ ورد : هبْهَا نعمْ يا قيسُ هل مع الحلال من تُهَمْ؟ المرْءُ لا يُسأل: هل قبَّل أهله؟ وكم؟ أجل لقد قبَّلْتُها من رأسها إلى القدم قيس (غاضبًا) : تلك لعمري قُبلةُ الحُمَّى بلاءٌ وسقمْ! أو قُبلةُ الذئبِ إذا الذئـ ـبُ على الشاة جَثَمْ (يتراجع قليلًا وكأنما يحدث نفسه)
قلبي يقول ليَ: لا! يا صِدْقَهُ فيما زعم! ورد : إذن تعالَ قيسُ واسمعْ في أناةٍ وكرمْ لا تجعلنَّ الغضبَ الجَائرَ بيننا الحَكَمْ إسمع حديثي إنه ما خطَّ مثلَه القلم وسرُّه لا الأهلُ يد رون به ولا الخدَم أنا الذي ظُلِمْتُ قيس لا أنا الذي ظَلَمْ ألِيَّةُ وما عليَّ لك يا قيس قسَمْ كم مرَّتِ الليلةُ بي والليلتان لم أنَمْ منذُ حوت داريَ ليلى ما خلوْتُ من ندَم كانت إطافتي بها كالوثنيِّ بالصَّنَم وربما جئتُ فِرا شَها فخانتني القدم كأنها لي مَحْرَمٌ وليس بيننا رَحِم شعرُك يا قيسُ جنى عليَّ هذا واجترَم هيَّبَها فامتنعتْ كأنها صيدُ الْحَرَمْ وهَبتُها للحبِّ والشعرِ وقيسٍ والألم قيس : وَلْكن تعالَ سَرِيَّ ثقيفٍ أبِنْ ليَ ما لم تُبَيِّنْ تعالَ تقولُ لَقِيتَ بشعري الشقاءَ وجَرَّ عليك بياني الوبالَا لقد قلتَ قولًا فأوْجزتَه فبالله إلا شرحت المقالَا ورد : إذن أَصغِ قيس قيس : قل الصدقَ وردُ ورد : وهل كان لي الصدقُ إلا خلالَا فلولاك ما اخترتُ إلا ثَقِيفًا ولم أُلق للعامريَّات بالَا ذهبتُ بشعرك منذ الشبابِ أغنِّي القِصار وأروي الطِّوالَا أرى بين ألفاظِه ظِلَّ ليلى وألمحُ بين القوافي الخيالَا فلما رُدِدْتُ وقيل القصائد والعشقُ بين المحبَّيْن حالا خرجتُ إلى حيِّها خاطبًا ولم أدَّخِرْ دون مسعايَ مالا بنيْتُ بها فتَهَيَّبْتُهَا وأيُّ امرئٍ هاب قبلي الحلالا فشِعرُك يا قيسُ أصل البلاء لقيتُ به وبليلى الضلالا كساها جمالًا فعُلِّقْتُهَا فلما التقينا كساها جلالا إذا جئْتُها لأنالَ الحقوق نهتْنِي قَدَاستُها أن أَنالا أمْسِكْ أبا المهدي! (يستحيل كلامه إلى همس، إذ تبدو ليلى على باب الخباء)
أُنْظُرْ هذه ليلى علينا طلعتْ من الخبا (ثم ينادي بصوت متهدج)
ليلى تعالَيْ أسرعي، قيسٌ أتى ليلى هَناكِ، من تحبِّين هنا قيس : أمازحٌ يا وردُ قل أنت أم تَسخَرُ مني أم تُرَى تَهزَا بنا؟ ورد : بل قلتُ جِدًّا لم أقلْ مُهازلًا قيس (هامًّا بالذهاب إليها) : إذن فدعْها لا تُجَشِّمْها الخُطا ورد (وليلى تقترب) : إِسمعْ أبا المهديِّ همسَ خطوها كأنه وَطْءُ الغزال في الحصا دعوتُ فاهتمَّتْ ولو لم أدْعُها لوَجَدتْ ريحَك من أقصى مدى قيسُ تثبَّتْ واستَعِدَّ، هي ذي أتتْ، فلا يذهبْ بلُبِّك اللقا الآن امضي لسبيلي قيس : بل أقِمْ إلبثْ أعِنِّي، إنني خُرتُ قُوَى ورد : قيسُ أرى الموْقف لا يجمعُنا أنت حبيبُ القلب والزوجُ أنا يا لكما مني ويا لي منكما! نحن الثلاثةُ ارتطمنا بالقضا (ينصرف وتقبل ليلى على قيس)
قيس : ليلاي، ليلى القلب ليلى : قيس ما لي دارتْ بي الأرضُ وساء حالي؟ قيس : فداك ليلى مهجتي ومالي من السَّقام ومن الهزالِ تعاليْ اشكي لي النوى تعالِي ألقِي ذراعيْك على خيالِ (تصافحه بشوق)
ليلى : أحقٌّ حبيبَ القلب أنت بجانبي أحلمٌ سرى أم نحن منتبهان؟ أبعد تراب المهد من أرض عامِرٍ بأرض ثقيفٍ نحن مغتربان؟ قيس : حنانيْك ليلى، مل لخلٍّ وخِلِّه من الأرض إلا حيث يجتمعان فكلُّ بلاد قرَّبتْ منك منزلي وكلُّ مكانٍ أنت فيه مكاني ليلى : فما لي أرى خدَّيْك بالدمع بُلِّلا أمِنْ فرَحٍ عيناكَ تبتدران قيس : فداؤكِ ليلى الروحُ من شرِّ حادثٍ رماكِ بهذا السُّقْم والذَّوبان ليلى : تراني إذن مهزولةً قيس؟ حبَّذا هُزالي ومَن كان الهُزالُ كساني قيس : هو الفكرُ ليلى، فيمن الفكر؟ ليلى : في الذي تجنَّى قيس : كفاني ما لقيتُ كفاني ليلى : أأدركتَ أن السهمَ يا قيسُ واحدٌ وأنَّا كليْنا للهوى هدفان؟ كلانا قيسُ مذبوحٌ قتيلُ الأبِ والأمِّ طعينان بسكِّينٍ من العادة والوهم لقد زوِّجتُ ممَّن لم يكن ذوْقي ولا طَعْمي ومن يكبُرُ عن سنِّي ومن يصغُرُ عن علمي غريبٌ لا من الحيِّ ولا من وَلد العمِّ ولا ثروتُه تَربِي على مال أبي الجَمِّ فتنحن اليومَ في بيت على ضِدَّيْن مُنْضَمِّ هو السجنُ وقد لا ينطوي السجنُ على ظلم هو القبرُ حوى ميَتَيْن جاريْن على الرُّغم شتيتيْن وإن لم يَبعُدِ العَظْمُ من العَظم فإن القربَ بالرُّوحِ وليس القربُ بالجسم قيس : تعاليْ نعِشْ يا ليلَ في ظل قَفْرَةٍ من البيد لم تُنقَل بها قدمان تعاليْ إلى وادٍ خَلِيٍّ وجَدْوَلٍ ورنَّةِ عُصفورٍ وأيْكَةِ بان تعالي إلى ذكرى الصِّبا وجنونه وأحلام عيشٍ منْ دَدٍ وأمان فكم قُبلة يا ليلَ في مَيْعة الصِّبا وقبلَ الهوى ليست بذات معان أخذْنا وأعطيْنا إذا البَهْمُ ترتعي وإذن نحن خلف البَهْم مستتران ولم نكُ ندري يومَ ذلك ما الهوى ولا ما يعودُ القلبَ من خفقان مُنَى النفس ليلى قَرِّبِي فاك من فمي كما لفَّ مِنقاريْهما غَرِدان نَذُقْ قُبلةً لا يعرِف البؤسَ بعدها ولا السُّقْمَ رُوحانا ولا الجسدان فكلُّ نعيم في الحياة وغبطة على شفتينا حين يلتقيان ويخفُقُ صدرانا خفوقًا كأنما مع القلب قلبٌ في الجوانح ثان (تنفر ليلى)
ليلى : وكيف؟ قيس : ولِمْ لا ليلى : لستَ يا قيسُ فاعلًا ولا لي بما تدعو إليه يدان قيس : أتعصِينني يا ليلَ؟ ليلى : لم أَعْصِ آمري ولكنَّ صوتًا في الضمير نهاني ووردُ يا قيس؟ وردٌ ما حَفَلْتَ به لقد ذَهَلتَ فلم تجعلْ له شانَا قيس (غاضبًا) : تعنين زوجَك يا ليلى ليلى (منكسة رأسها) : نعم قيس : ومتى أحببْتِ وردًا؟ تُرَى أحببتِه الآنَا! ليلى : فيمَ انفجارُكَ؟ قيس : من كيدٍ فُجِئْتُ به ليلى : إني أراك أبا المهدي غيْرانَا وردٌ هو الزوجُ، فاعلمْ قيسُ أن له حقًّا عليَّ أؤدِّيه وسلطانَا قيس : إذن تحاببتما ليلى : بل أنت تظلمني فما أحبَّ سواك القلبُ إنسانَا ولستُ بارحةً من داره أبدًا حتى يُسرِّحَني فضلًا وإحساناَ نحن الحرائرَ إن مال الزمانُ بنا لم نشكُ إلا إلى الرحمن بلوانَا قيس : بل تذهبين معي! ليلى : لا لا أخون له عهدًا، فما حاد عن عهدي ولا خانا فتًى كنبْع الصفا لم يختلفْ خلُقًا ولا تلوَّنَ كالفتيان ألوانا قيس (متهكمًا) : أراكِ في حبِّ وردٍ جِدَّ صادقةٍ وكان حبُّكِ لي زورًا وبهتانًا ليلى : قيس! قيس (صارخًا) : اتركيني بلادُ الله واسعةٌ! غدًا أبدِّلُ أحبابًا وأوطانا (يحاول أن يتركها فتمسك به ليلى)
ليلى : العقلَ يا قيس! قيس : لا خَلِّي الرداءَ دعي (ثم يفلت منها ويندفع إلى سبيله تاركًا إياها باكية في هيئة استعطاف)
ليلى : وارحمتاه لقيسٍ عاد ما كانا! واهًا لقيسٍ وآهِ ما صنعا؟ أكثرَ قيسٌ بلواي والوجعا (تدخل عفراء)
عفراء عندي عفراء : لبَّيْك سيدتي الصبرَ واستدفعي به الجزعا ليلى : لقد سمعتِ الحديث كيف إذن صبري على ما جرى وما وقعا؟ قلتُ لقيس مقالَ مشفقةٍ لم يُلقِ بالًا له ولا سمِعا وقيسُ ذو جِنَّة وإن زعموا جنونَه مدَّعًى ومصطنعًا تحير الناسُ في جنون فتًى لا عقلَ إلا بشعره ولِعا واللهِ لو جاء في محاسنةٍ يسألُ وردَ الطلاقَ ما منعا فوردُ يا عفرَ لا كِفَاء له مروءةً في الرجال أو ورعا آه من من السُّقم عفراء : ألفَ عافيةٍ ليلى : آه من الحادثات عفراء : ألفَ لَعَا ليلى : أنا عُذريَّة الهوى أحملُ العبْء وإن ناءَ بالصبابة جهدي المحبَّات ما بكيْن كدمعي في الليالي ولا أرِقن كسُهدي ويح قيسٍ وويحَ لي أي ثارٍ للمقادير عند قيسٍ وعندي أتعب الحيَّ داءُ قيسٍ ودائي وتعايى الدواءُ كُهَّانَ نَجد لا الحواميمُ تَصرِفُ الجنَّ عنا حين تُتلَى ولا رُقَى السحر تُجدي أبقيسٍ وبي هوى عبقريٌّ يَسلُبُ العقلَ من ذويه ويُردي عِلَّةُ البيد من قديمٍ وداءٌ ضاعَ فيه الرُّقى وحار المُفَدِّي ما سلاحاه حين يقتلُ إلا من عفافٍ ومن وفاءٍ بعهد لم تُعَذَّبْ بالحب عذراءُ قبلي كعذابي ولن تُعَذَّبَ بعدي عفراء : هي عذراء؟ ربيَ اشهدْ! ليلى : أجلْ عذراءُ حتى يضمَّني ركنُ لحدي عفراء : والذي أنتِ تحتَه ليلى : تحت بعلٍ غير ذي جَفوةٍ ولا مستبدِّ راعني اللومُ من جميع النواحي فتواريْتُ في مُروءةِ «ورد» (يقبل ورد وقد سمع آخر ما تقول)
ربِّ ماذا سمعت؟ ليلى شكورٌ لك نفسي الفِداءُ يا بنتَ «مهدي» ليلى : ورد ورد : ليلى ليلى : رُحماكَ وردُ وعفوًا كنتُ أخفي الجوى فأصبحتُ أبدي ورد : ما بليلى؟ ماذا أثاركِ ليلى؟ هدِّئي روْعَكِ المُفزَّعَ هَدِّي ليلى : الداءُ يا وردُ فيَّ مجتهد ملتهِمٌ هيكلي وما شبِعا أصبحتُ لا أشتهي الطعامَ ولا يَحمَدُ جنبي إليَّ مضطجَعا قلبي من اليأس حين حلَّ به أُحسُّ يا وردُ أنه انصدعا لم يحملِ اليأسَ ساعةً ولقد كان بما حَمَّلوه مضطلِعا المتمني بالعيش منتفِعٌ ولن ترى يائسًا به انتفعا القدرُ اليومَ والقضاءُ على حربكَ قيس وحربيَ اجتمعا
| |
| | | | hassanbalam ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 3/11/2020, 9:27 am | | الفصل الخامس(مقابر على سفح جبل التوباد في طريق عام على مقربة من حي بني عامر يبدو من بينها قبر جديد ما زال أشخاص من الحي يهيلون عليه التراب ويضعون الأحجار، ومن حوله كثير من رجال الحي وفتيانه وصغاره يرى بينهم المهدي وورد وكلهم باك أو حزين — يبدأ المشيعون في الانصراف، وهم يعزون المهدي ويصافحونه واحدًا بعد واحد ويمرون على ورد مرورًا)
معز : إنا لله أبا ليلى آخر : صبرٌ أبا ليلى جميل (في أثناء انصرافهم يمر رجل في الطريق فيسأل صبيًّا من صبيان الحي في ناحية)
المار : قبرُ مَنْ يا صبي؟ الصبي : قبرُها يا أبي المار : إمرأةٌ؟ الصبي : نعم المار : ومَن تكونُ؟ (الصبي مشيرًا إلى المهدي)
بنتُ ذا الرجلْ لَيلى ابنةُ المهدِي ألستَ من نجدِ؟ صبي آخر : أجلْ قد دُفنتْ ليلى وما جفّ لها لَحْدُ وذا الشيخ أبو ليلى وذا صاحبُها وردُ هنا الوالدُ والزوجُ المار : وقيسٌ! الصبي : لم يجئْ بعدُ (يقترب الرجل من المهدي فيعزيه)
المار : مَهديُّ أجملْ جزعًا معز : يا أبا ليلى جَمالَكْ آخر : عَزاءً أبا ليلى آخر : عَزاءً أبا ليلى آخر : صبرٌ أبا ليلى جميل صديق من أصدقاء ورد (هامسًا إليه) : لقد أحسنتَ يا وردُ وما للناس إحسان يُعزُّون أبا ليلى وما عزَّاك إنسان بل انظُرْ تَرَهم أقسى عليك اليوم ما كانوا على الأوجُه بغضاءٌ وفي الأعْين عُدوان ورد : مهلًا أخي وانظُرْ إلى الناس بعين مُنصفِ هم يأخذون ما بدا ويتركون ما خفِي ظنُّ الجماعات فيَّ سوءٌ ورأيُهم فيَّ ما أصابا يَرَوْن أنى عدُوُّ قيسٍ أخذتُ ليلى منه اغتصابا وزدتُ نفسيْهما شقاءً وزدتُ قلبيْهِمَا عذابا ليسألِ الناس قبر ليلى فإن في قبرها الجوابا (يلتفت إلى المهدي بعد أن يعزيه آخر معز)
تجمَّلْ أبا ليلى المهدي (مصافحًا إياه) : تجمَّلت طاقتي ولستُ بخوَّارٍ قليل التجلُّدِ حَمَلْتُ فُضولَ الناس يا وردُ حِقْبَةً إذا قمتُ من باغٍ عَثَرتُ بِمُعْتَدِ يَعيثون في عرضي فمن كل مِعوَلٍ ومن كل مِقراضٍ ومن كل مبرِد وهذا يحيِّيني ويقطعُ فَرْوَتي وهذا يُفَدِّيني ويهدمُ سؤدَدي ويا وردُ لو لم تُرْخ سترًا على ابنتي لظلَّتْ بعِرض في البوادي مُبدَّد حَفِظتَ ابنتي حفظ الشقيق ومُرِّضَتْ ببيتك تمريض الصغير المُمهَّد وصيَّرت ليلى في حماكَ وخدرها كعذراءِ ديْرٍ أو كدُمْيَة معبَد لقد صنتَها يا وردُ فاذهبْ فما أنا بناسٍ لك المعروف أو جاحد اليد وليلى فتاةٌ حُرةٌ بنتُ حرَّةٍ أحبَّتْ غلامًا سيِّدًا وابنَ سيِّد وأعلمُ أني كنتُ حربَ هواهُما وكنتُ مع الواشي وعَوْنَ المفنِّد (يلتفت إلى القبر باكيًا)
بظل الله يا ليلى ورد : وفي بحبوحة الخُلْدِ وهذا نَجْدُ يا ليلى فنامي في ثرى نجدِ (يدخل دائرة المسرح من جانب الطريق الآخر الغريض المغني والشاعر ابن سعيد وأمية وسعد)
الغريض : دنا الحيُّ يابن سَعيدٍ وثمَّ ابن سعيد : وما ثَمَّ؟ الغريض : أُنظر يُجبْك النظرْ ابن سعيد : قبورٌ؟ الغريض : أجل عارضتْنا القبور وعما قليل نُجيزُ الحُفَرْ ابن سعيد : وهل نحن إلا على حُفْرَةٍ هي الأرضُ أو هي قبر البشر محجَّبةٌ بغرور الحياة يراها إذا غرغر المحتضَر غريضُ: بصُرت بقبرٍ جديد الغريض : وماذا سوى الموت في ذا العَفَرْ؟ ابن سعيد : أخٌ كان يملأُ أمسِ الهواء ويحيا الحياةَ ويجرِي العُمُر نزيلٌ لعمري غريبُ الغِطَاءِ غريبُ الوِطاءِ غريبُ الحُجَرْ لدى منزلٍ كبيوتِ الكِرَاء مرارًا خلا ومرارًا عَمَرْ يُزارُ كثيرًا فدون الكثير فغِبًّا فيُنسى كأن لم يُزَرْ وليس بنافعه الواصلون وليس بضائره من هجَر فيا مَيْتَ أمسِ عدتْكَ الرياحُ وحيَّاكَ في الفَتراتِ المطر وَأمسِ كعادٍ وإن كان منك مُطيفَ الخيال قريبَ الصُّوَر لقد نفض الليلُ منك اليدينِ وأدرك فيك النهارُ الوَطَر وأمسيتَ تحت لواء التراب قهرتَ القضاء ودِنت القدر تلفَّتْ وراءكَ أين الغرورُ وأين السرورُ وأين الأشَر وأين معَالِمُ عُرْسِ الحياة وأين سنا ليله المزدَهِر وأين شبابٌ كحُلْمِ العروسِ ضَحوكُ العشِيَّاتِ طَلْقُ البُكَرِ وأين العداواتُ من سافرٍ مُبينٍ ومن كاشحٍ مُستتر وأين المودَّاتُ من صُحبةٍ كنحلٍ يَحُمْنَ وأنت الزَّهَر قليلون عند امتناعِ القِطافِ كثيرون عند رجاء الثمر وكم مَن سقيتَ بشَهْدِ الوداد فلم يَجْزِ إلا بصابِ الإِبر فذُقْ سِنَةً لا ككلِّ السِّنَاتِ ونَمْ ليلةً ما لها من سَحَر وقُل للصدِيقِ طوَيْنَا الحديثَ وقل للعدوِّ دَفنَّا الخبر وهيِّئ مكانَيْهِمَا في الترابِ فإِن ركابَهما مُنتظَر سعد : أميةُ ماذا ترى في الغريض؟ أمية : وماذا أرى في أميرِ الطربْ؟ سعد : لقد علم الناسُ أن الغريض مُغنِّي الحِجازِ وشادي العربْ ولكن … أمية : وماذا وراء «ولكن»؟ فمن شأنها أن تُثيرَ الرِّيَبْ سعد : أُمَيَّ اخفِض الصوتَ لا يسمعَنَّ فيغضبَ فهو قريبُ الغضب وأُذْنُ المغني تُحسُّ النسيمَ وتسمَعُ في الكأسِ رقصَ الحَبَب أميَّةُ إني أخافُ الغَريضَ وإن التَطَيُّرَ بي قد ذهب أمية : وأين تَرى الشؤمَ حَولَ الغريض وكيف؟ سعد : رُويدَكَ تَدرِ السبب أليس الغريض «سعد»ُ يَهيجُ البكاءَ فلو رام دمعَ العروسِ انسكب ترعرع في بيئةِ النائحاتِ وعلَّمْنَهُ النَّدبَ حتى نَدَبْ ينوح بيثربَ آلَ الرسولِ ويُذْكِي مآتمَ أهلِ الْحَسَبْ أمية : وأين يدُ الشؤمِ مما ذكرتَ وأيَّ بلاءٍ علينا جَلَبْ وما هو إلا مُغَنِّي الحياةِ بناحيتيها الأسى والطرب سعد : ولكننا قاصدو عامرٍ لنقضيَ حقًّا لِقيْسٍ وجب ونسألَ عن عاشقٍ في الديارِ طويل البلاءِ ثقيل الوَصَبْ ومن زار بالنائحات المريضَ وأهلَ المريضِ أضاع الأدب (يتهيأ الغريض للغناء)
هو ذا هاج شجوُه هو ذا يُرسلُ النَّغَمْ هاتفٌ من نُواحِه رنَّ في القاعِ والأكَمْ هو في كلِّ خاطر وفؤادٍ صَدَى الألم أنشودة الغريض : واديَ الموت سلامُ وسقَى القاعَ الغمامُ السماءُ القُدْسُ مِحرابُك والأرضُ الحرامُ أنتَ في الصَّمْتِ مُبينٌ ومن الصَّمتِ كلامُ لم يَمتْ أهلُك لكن غَشِيَ الليلُ فناموا غُيَّبٌ لم نَدر ما صاروا ولا أين أقاموا (يخرجون إلى ناحية الحي من حيث يسمع آخر الأنشودة ثم يدخل من الجانب الآخر على أثر اختفائهم، قيس وزياد)
قيس : جبلَ التَّوْبَاد حيَّاك الحيا وسقى اللهُ صبانا ورعى فيكَ ناغينا الهوى في مهده ورضَعْناه فكنتَ المُرضِعا وحَدَوْنا الشمس في مَغرِبها وبكَرْنا فسبقنا المَطلَعَا وعلى سفحك عشنا زمنًا ورعينا غنمَ الأهل معا هذه الرَّبوةُ كانت مَلعبًا لشبابينا وكانت مَرْتعا كم بنيْنا من حصاها أربُعًا وانثنينا فمحونا الأربُعا وخططنا في نقا الرمل فلم تحفظ الريح ولا الرمل وعى لم تَزَلْ ليلى بعيني طفلةً لم تزِد عن أمسِ إلا إصبَعا ما لأحجاركَ صُمًّا كلما هاج بي الشوقُ أبتْ أن تسمعا كلما جئتُكَ راجعتُ الصِّبا فأبتْ أيامُه أن ترجِعا قد يهونُ العُمرُ إلا ساعة وتهونُ الأرضُ إلا مَوْضعا (يظهر بشر قادمًا إلى المقبرة من ناحية الحي)
بشر : عزاءً قيسُ! قيس : مَنْ؟ بشرُ؟ بشر : أجلْ قيس : فيمنْ تُعزِّيني؟ أنا الميِّتُ يا بشرُ وإن أخِّرَ تَكفيني (يضطرب بشر وقد أدرك جهل قيس وحرج الموقف ثم يميل هامسًا إلى زياد)
يجهَلُ قيسٌ موتَها ولم أخَلْ أن يجهلَهْ ويْحَ له وويْحَ لي! ماذا عسى أقولُ لهْ إن الحبيبَ نعيُه إلى المحب مُعضلهْ إني أخاف إن أنا خبَّرْتُه أن أقتُلَهْ قيس : بشرُ بشر : لَبَّيْكَ قيسُ قيس : من أين يا بشرُ؟ بشر : من الحيِّ قيس : ما حوادثُ عامرْ؟ كيف أمي يا بشر؟ بشر : برَّحها الشوق قيس : وأهلي … بشر : حنينهم متكاثر قيس : ولِداتي من فتيةٍ وعذارى؟ بشر : كلُّهم شيِّقٌ لعهدك ذاكر قيس : كيف بيْتٌ لنا بمدرَجةِ الريح ونادٍ على النجوم وسامِر؟ والنخيلاتُ كيف خلَّفتَها بشر؟ بشر : كما هن باسقاتٌ نواضر قيس : ومِهاري التي تركتُ صِغارًا؟ بشر : كبِرت قيسُ فهي جُردٌ ضوامر قيس : عزَّت البيدُ، تُنبتُ السابق الفذَّ وتأتي بفارس وبشاعر! (يضطرب بشر)
ويح بشرٍ ماذا به؟ بشر : قيس قيس : بشرٌ! أنت في نفسكَ الخفيَّةِ ثائر تُشبِهُ الحزن والبكى نَبراتٌ لك كانت كضاحكات المزاهر بشر (إلى نفسه ثم إلى قيس) : ربِّ ماذا أُجيب؟ لا شيءَ يا قيس … قيس : بل الحزنُ في مُحيَّاك ظاهر ولقد راعني لك اليوم جِدٌّ من خليعِ العِذار بالأمسِ سادِر (تغرورق عينا بشر بالدموع)
ما جرى؟ ما الذي أثارك يابنَ العم؟ ما هذه الدموعُ البوادر؟ بشر : قيس لا شيءَ قيس : بل كتمتَ جليلًا هذه وَجْمَةُ النَعِيِّ المحاذر! بشر : قيس … قيس : لا، لا تَجِمْ ولا تُخْفِ شيئًا أنا يا بشرُ بالفجيعةِ شاعر خُلْجتْ قبل نلتقي عينيَ اليسرى ورِيعَ الفؤادُ روْعةَ طائر بشر : أعفِني! أعفِني! بربك ما أنت على ما أقولُه لك قادر! قيس : أماتت؟ بشر : أجل قضتْ أمسِ … قيس (وهو يغمى عليه) : وا ليلاه! بشر : لله ما أشدَّ المقادر! (يمضي بشر في سبيله)
زياد (مقتربًا في قيس) : هو مغمًى عليه ربِّ أَيصحو؟ هل لهذا العذاب يا ربُّ آخر؟ (يصحو قيس)
زياد : تباركتَ يا ربِّ قيسٌ أفاق صحتْ عينُه وصحا المسمعُ! رجَعتَ لنا قيس قيس : هيهاتَ هيهات! من كان في النَّزْع لا يرجِعُ لقد بقِيتْ خفْقةٌ في السراج سيلفِظُها ثم لا يسْطع زيادُ غدًا يلتقي الموجَعون وموعِدنا ذلك البلقع! (يشير إلى المقابر)
عرَفتُ القبورَ بعَرْف الرياح ودلَّ على نفسه الموْضعُ كثكلى تَلمَّسُ قبرَ ابنها إلى القبر من نفسها تُدْفع هداها خيالُ ابنها فاهتدت وليلى الخيالُ الذي أَتبَع لنا اللهُ يا قلب! ليلاك لا تجيبُ وليلاي لا تسمع! فُجِعنا بليلى ولم نك نحسَبُ يا قلبُ أنَّا بها نُفجع (يقترب إلى القبر باكيًا فيكب وجهه على حجر من أحجاره)
أعينيَّ هذا مكانُ البكاء وهذا مسيلُك يا أدمُعُ! هنا جسمُ ليلى هنا رسمُها هنا رَمقي في الثرى المودَع هنا فمُ ليلى الزَّكيُّ الضحو كُ يكادُ وراء البلى يلمَعُ هنا سِحرُ جَفنٍ عَفاه الترابُ وكان الرُّقَى فيه لا تنفع هنا من شبابي كتابٌ طواه وليس بناشره البَلْقَع هنا الحادثاتُ، هنا الأمل الـ حلوُ يا ليلَ، والألمُ المُمتع طريدَ المقادير هل مَن يُجيرُ ك منها سوى الموتِ أو يمنع؟ تَذلُّ الحياةُ لسلطانها وللموت سلطانُها يخضَعُ طَريدَ الحياةِ ألا تستقِرُّ ألا تستريحُ، ألا تهجَع؟ بَلى قد بلغتَ إلى مَفزَعٍ وهذا الترابُ هو المَفزَع (يظهر الأموي شيطانه من بعيد ويناديه)
الأموي : قيسُ قيس : مَن الهاتِفُ من نادَى الشريدَ المُطَّرَحْ الأموي : أنا الذي أوْحى إليكَ حُبَّ ليلى واقترَحْ قيس : إِذهبْ وإن لم أدْرِ رُوحٌ أنت أم أنت شبَحْ إِذهبْ فلستَ صالحًا وأيُّ شيطانٍ صَلُحْ كنتَ قرينَ السوء لي وكنتَ شرَّ من نَصَحْ لولاك ما بُحتُ بما خدَّش ليلى وجَرَح كأنه في عِرضها زيتٌ على الثوب سَرَح الأموي : أفِقْ قيسُ قيس : سِرْ خَلِّنِي يا خيال ومَنْ بالخيال لمن لم يَنَمْ الأموي : حَنَانَيْكَ قيسُ أقِلَّ العتابَ ولا تَسكبنَّ دموعَ الندمْ تفرَّدْتَ بالألم العبقريِّ وأنبغُ ما في الحياة الألم مُريبُك يا قيسُ فوق التراب وأنت مع النَّجمِ فوق التُّهَمْ أخذتَ سبيلَك نحو الخلود وليس الخلودُ سبيلَ الأُمَمْ قُم اهتِف بليلى وشَبِّبْ بها وخَلِّ التقاليدَ وانسَ الحُرَم وطِرْ في الهواء طليقَ الجَناح وسِرْ في الأديم طليقَ القدم فلو أنصفَ الناسُ خَلَّوْكُمَا كتَرْكِ الوفود حَمَامَ الحَرَمْ قم ابسُطْ جناحَك فوقَ القِفار وطِرْ في الوهاد، وقَعْ في الأكم وأترِعْ من الوتر العبقريِّ سَمَاءَ القصور وأرضَ الخِيَم وألِّفْ على الحب شتَّى القلوب وأرسِلْ بسرِّ الجمال النغم تَغَنَّ بليلى وبُحْ بالغرام وبُثَّ الصبابةَ واشكُ السَّقم فلا خيرَ في الحب حتى يَذيعَ ولا خيرَ في الزهر حتى ينِمْ قيس : أقوم؟ … هات قدَما أقول؟ … أعطني فما أما تراني هيكلًا محطَّمًا مُهَدَّمَا! (يختفي الشيطان ويستمر قيس)
يا رَبَّ قيس هل نعيتُ وهل جرتْ كأسٌ تدورُ على النفوس مَشاعُ أوْ لا فما بالي أنوءُ بهيكل للموت فيه وللحياة صِراع؟ اليومَ آذننا القضاءُ بحكمه ما لي ولا لك يا حياةُ دفاع راجعت في الموت الحياةَ وعادني في النزْع يا ليلى إليك نِزاع كيفَ الوَداعُ من الحياة ولم يُتَحْ ليَ منك يا ليلى الغداةَ وَداع هيهات لم تعدِمْ شذاكِ قرارة حولي ولم يَعدِمْ سناكِ يَفاع وعلى سماء البيد منكِ بشاشةٌ وعلى رمال البيد منكِ شُعاع وكأن كل ضبابةٍ دون الضحى قسَماتُ وجهك دونهنَّ قناع (يمر به ظبي سارح فيتأمله قليلًا ويناجيه)
يا ظبي بَكِّ من افتداكَ بمالِه إذ أنت عانٍ تُشترَى وتُباع وأباح طفلك ماءَه وطعامَه إذ هنَّ عَطْشَى بالفَلاة جياع يا قاعُ كن نعشي وكن كفَني وكن قبري وقُمْ في مأتمي يا قاع واجمَعْ لتشييعي الظِّبَاءَ، ومَنْ رأى ميْتًا بأسراب الظباء يُشاع أتُرى أموتُ كما حييت مُشرَّدًا لا الأهلُ من حولي ولا الأتباعُ وأبيتُ وحدي لا الوحوشُ أوانسٌ حولي هناك ولا الظباءُ رِتاع؟ (تتخاذل سيقان قيس فيتلقاه زياد ويظهر ابن ذريح على مقربة من القبر خاشعًا باكيًا)
زياد : قيسُ لا بأسَ عليكْ أنا ذا بين يديْكْ قيس : نفسُ اطمئني الآن لستُ وحدي قد حضَر الذي يَخُطُّ لحدي ويُرشِدُ الحيَّ إليَّ بَعدي زيادُ أنتَ المُشْفِق المُفَدَّي لم أنفرِدْ إلا رُئيتَ عندي (يتبين شبح ابن ذريح)
زيادُ ما ذاك منذا يبكي وراءَ الضريحِ إني أغارُ على القبر من غريبِ الجُروحِ زياد : لا تخشَ يا قيسُ منه فإنه ابنُ ذَريحِ ابن ذريح : يا ليلَ قبرُك رَبوةُ الخُلْدِ نفَحَ النعيمُ بها ثرى نجدِ في كل ناحيةٍ أرى مَلَكًا يتنفسون تنفُّسَ الورد لبِسُوا الجُمَانَ الرَّطْبَ أجنحةً وتناثروا كتناثُر العِقد وتقابلوا فعلى تحيَّتهم مِسْكُ السلام وعَنبرُ الرد وكأن نجواهم وسُبحَتَهم صَوْبُ الغمامة أو صَدَى الرعد نفحاتُ طِيبٍ ههنا وهنا ما للرياض بهن من عهد يا قيسُ صبرًا ههنا مَلَكٌ ذِبْحُ الصبابة مُشهَدُ الوجد أُصحُ انتبِهْ واطرَحْ بعينك في بَهَج السماءِ وحُسْنِ ما تبدي قيس : أين السماءُ وأين مُحتَضَرٌ طلَعتْ عليه الأرضُ باللَّحْد السهدُ عذَّبني وذي سِنةٌ أجِدُ الشفاءَ بها من السُّهد ولقد أقولُ لمن يُبَشِّرُنِي بالخُلْد ما أنا داخلٌ وحدي لو أن ليلى في النعيم معي أو في الجحيم تساويا عندي ليلى النعيمُ وقد ظفِرت بها فاليوم نرقُدُ في ثرى نجد إني أحبُّ وإن شقِيتُ به وطني وأوثِرهُ على الخُلد (يسمع صوتًا ضئيلًا كأنما هو خارج من القبر)
الصوت : قيس قيس : مَن الصوتُ ويحي أبي سِحرُ الصوت : قيس قيس : زياد اسمعْ وأصغِ يا بِشرُ الصوت : قيس قيس : سمعتُ اسمي يلفِظُه القبرُ الصوت : قيس قيس : تناديني من قبرها باسمي لبِّيْكِ يا ليلى بالروح والجسم (يدخل في دور الاحتضار الأخير)
هل أسا الموتُ جِراحيْنا وهل قرَّب الدارَ وهل لمَّ الشتاتْ؟ أصوات : قيس، ليلى قيس : رَنَّةٌ في أُذُني ردَّدتْ قيسَ وليلى الفلَواتْ نحن في الدنيا وإن لم ترَنا لم تمُتْ ليلى ولا المجنونُ ماتْ
| |
| | | | | مسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقى كاملة قراءة مباشرة | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
|
|