® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2020-09-30, 5:41 pm | | [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
فصل من كتاب
أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك
[باب الاشتغال]: هذا باب الاشتغال1: [ضابطه والأصل فيه]: إذا اشتغل فعل متأخر بنصبه لمحل ضمير اسم متقدم عن نصبه للفظ ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 الاشتغال: هو أن يتقدم اسم واحد ويتأخر عنه عامل مشتغل عن العمل في ذلك الاسم بالعمل في ضميره مباشرة، أو في سببه، بحيث لو فرغ من ذلك المعمول وسلط على الاسم المتقدم؛ لعمل فيه النصب لفظا أو محلا. والمراد بسبب الاسم المتقدم: كل شيء له صلة وعلاقة به؛ من قرابة أو صداقة أو عمل. وأركان الاشتغال ثلاثة هي: أ- مشغول عنه: وهو الاسم المتقدم. ب- مشغول: وهو الفعل المتأخر. ج- ومشغول به: وهو الضمير الذي تعدى إليه الفعل بنفسه أو بالوساطة؛ ولكل واحد من هذه الأركان الثلاثة شروط هي: أولا: شروط المشغول عنه -الاسم المتقدم- خمسة هي: 1- أن يكون غير متعدد لفظا ومعنى؛ نحو: زيدا ضربته؛ أو متعددا في اللفظ من دون المعنى؛ نحو: زيدا وعمرا ضربتهما؛ لأن العطف جعل الاسمين كالاسم الواحد حكما؛ فإن التعدد في اللفظ والمعنى؛ نحو: زيد درهما أعطيته؛ لم يصح. 2- أن يكون متقدما؛ فإن تأخر؛ لم يكن من باب الاشتغال، نحو: ضربته زيدا؛ بل إن نصب "زيدا" فعلى أنه بدل من الضمير؛ وإن رفع؛ فهو مبتدأ وخبره الجملة التي قبله، كما نقول: زيد ضربته. 3- قبوله الإضمار؛ فلا يصح الاشتغال عن الحال والتمييز، ولا عن المجرور بحرف يختص بالظاهر كـ "حتى". 4- كونه مفتقرا لما بعده؛ فلا يجوز في نحو: جاء زيد فأكرمه؛ لأن الاسم، اكتفى بالعامل المتقدم عليه. 5- كونه صالحا للابتداء به؛ بأن لا يكون نكرة محضة، فقوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّة =
ج / 2 ص -140- الاسم1: كـ: "زيدًا ضربته" أو لمحله كـ: "هذا ضربته" فالأصل أن ذلك الاسم يجوز فيه وجهان: أحدهما راجح؛ لسلامته من التقدير، وهو الرفع بالابتداء، فما بعده في موضع رفع على الخبرية، وجملة الكلام حينئذ اسمية2، والثاني مرجوح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ = ابْتَدَعُوهَا} ليس من باب الاشتغال؛ بل "رهبانية" معطوف على ما قبله بالواو، وجملة "ابتدعوها": صفة. ثانيا: شرط المشغول: الفعل المتأخر: 1- أن يكون متصلا بالمشغول عنه. 2- كونه صالحا للعمل فيما قبله، بأن يكون فعلا متصرفا، أو اسم فاعل مستكمل لشروط عمله أو اسم مفعول مستكمل لشروط عمله؛ فإن كان حرفا أو اسم فعل أو صفة مشبهة أو فعلا جامدا لم يصح. ثالثا: شرط المشغول به ألا يكون غربيا أو أجنبيا عن المشغول عنه؛ فيصح أن يكون ضمير المشغول عنه؛ نحو: زيدا ضربته، أو مررت به؛ اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير المشغول عنه؛ نحو: زيدا ضربت أخاه؛ أو مررت بغلامه؛ هذا الأخير، يسمى السببي. انظر شرح التصريح: 1/ 296؛ المتن والحاشية. 1 اعترض على هذا الضابط الذي ذكره المؤلف بأنه غير حاصر؛ لأنه لم يشمل صور الاشتغال كلها؛ لأن المؤلف خص المشغول بكونه فعلا في قوله: "إذا اشتغل فعل متأخر" والمشغول قد يكون فعلا، وقد يكون وصفا؛ نحو: زيدا أنا ضاربه الآن. وكذلك خص المشغول به بكونه ضمير الاسم المتقدم مع أنه قد يكون اسما ظاهرا مضافا إلى ضمير الاسم المتقدم، نحو: زيدا ضربت غلامه. وأجيب عن ذلك الاعتراض بأن المؤلف أراد أن يبين ما هو الأصل في كل واحد منهما، وترك بيان الفروع؛ لأنها معروفة من القواعد العامة؛ لأن الفعل هو الأصل في العمل؛ والأوصاف تعمل بالحمل عليه؛ والأصل في المشغول به أن يكون ضمير الاسم المتقدم، والاسم الظاهر المضاف إلى ضمير -ما يسمى السببي- ملحق به؛ أو أن المؤلف أراد أن يبين أظهر المسائل التي يدركها كل واحد، وتجاوز الصور الخفية تيسيرا على المبتدئين، ثم خصها بالبيان فيما بعد؛ لِيقع علمها للقارئ بعد أن يكون تمرس بأحكام بابها بعض التمرس؛ أو أن المؤتلف جرى على مذهب من يجيز التعريف بالأخص، ولا اعتراض حينئذ؛ لأنه لا يرى مانعا من أن يكون الحد أو الضابط الذي ذكره أخص من المحدد أو المراد ضبطه. أوضح المسالك "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد": 2/ 159-160. 2 لأنها مصدرة بالاسم الذي جعل مبتدأ.
ج / 2 ص -141- لاحتياجه إلى التقدير، وهو النصب، فإنه بفعل موافق للفعل المذكور1 محذوف وجوبا، فما بعده لا محل له؛ لأنه مفسر، وجملة الكلام حينئذ فعلية2. ثم قد يعرض لهذا الاسم ما يوجب نصبه، وما يرجحه، وما يسوي بين الرفع والنصب، ولم نذكر من الأقسام ما يجب رفعه كما ذكر الناظم3 لأن حد الاشتغال لا يصدق عليه4، وسيتضح ذلك. [وجوب النصب]: فيجب النصب إذا وقع الاسم بعد ما يختص بالفعل كأدوات التحضيض5، نحو: "هلا زيدا أكرمته" وأدوات الاستفهام غير الهمزة، نحو: "هل زيدا رأيته"6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 إما لفظا ومعنى؛ نحو مثل المصنف المذكور، والتقدير: ضربت زيدا ضربته؛ أو معنى فقط؛ نحو: محمد مررت به؛ فالتقدير: جاوزت محمدا مررت به؛ أو غير موافق لفظا ومعنى؛ ولكنه لازم المذكور؛ نحو: محمدا ضربت أخاه؛ لأن ضرب الأخ يستلزم عرفا إهانة محمد. فائدة: ما ذكره المؤلف من انتصاب الاسم المتقدم بفعل مماثل للفعل المتأخر هو مذهب الجمهور؛ وفي المسألة أقوال أخرى؛ منها: ما ذهب إليه الكسائي؛ من أن الاسم المتقدم منصوب بالفعل المتأخر، والضمير ملغى، لا عمل للفعل فيه؛ ومنها ما ذهب إليه الفراء؛ من أن الفعل المتأخر نصب الاسم المتقدم والضمير معا؛ وكلا الرأيين ضعيف. انظر شرح التصريح: 1/ 297. 2 لكونها مصدرة بالفعل المحذوف المفسر بالمذكور بعده. 3 أي ما قاله:
"وإن تلا السابق ما بالابتدا يختص فالرفع التزمه أبدا"
4 لكونه معتبرا فيه -كما ذكر المؤلف في التعريف- أي "أن يكون العامل بحيث لو فرغ للفعل في الاسم المتقدم لنصبه؛ وما يجب رفعه ليس كذلك؛ نحو: "فإذا زيد يضربه عمرو"؛ فلو حذفنا الضمير، لم ينتصب الاسم المتقدم بالفعل المتأخر، ولا بفعل آخر يفسره المذكور؛ ولهذا؛ فلا يصدق عليه حد الاشتغال. 5 المقصود بالتحضيض: الحث وطلب الشيء بقوة وشدة -تظهر في نبرات الصوت- ومثله العرض، وهو طلب الشيء برفق وملاينة؛ نحو: ألا محمدا سامحته ونحو ذلك. 6 تكون أدوات الاستفهام مختصة بالفعل إذا وجد بعدها فعل في جملتها، فإن لم يوجد، فلا تختص، نحو: أين المفر؟، ومتى القدوم؟ وأما الهمزة فتدخل على الاسم، وإن كان الفعل في حيزها؛ لأنها أم الباب؛ فتوسع فيها، ونصب الاسم الواقع بعد "هل" إذا وقع بعدها فعل -مذهب سيبويه؛ أما الكسائي، فيجيز أن يليها الاسم والفعل؛ وعلى ذلك، يجوز الرفع والنصب، غير أن النصب أرجح. انظر شرح التصريح: 1/ 297.
ج / 2 ص -142- و: "متى عمرا لقيته" وأدوات الشرط، نحو: "حيثما زيدا لقيته فأكرمه" إلا أن هذين النوعين لا يقع الاشتغال بعدهما إلا في الشعر، وأما في الكلام فلا يليهما إلا صريح الفعل، إلا إن كانت أداة الشرط "إذا" مطلقا، أو: "إن والفعل ماضٍ فيقع في الكلام، نحو: "إذا زيدا لقيته، أو تلقاه، فأكرمه" و: "إن زيدا لقيته فأكرمه" ويمتنع في الكلام: "إن زيدا تلقه فأكرمه" ويجوز في الشعر، وتسوية الناظم بين "إن" و: "حيثما" مردودة. [ترجيح النصب وحالاته]: ويترجح النصب في ست مسائل: إحداها: أن يكون الفعل طلبا1، وهو الأمر والدعاء ولو بصيغة الخبر، نحو: "زيدا اضربه" و: "اللهم عبدك ارحمه" و: "زيدا غفر الله له". وإنما وجب الرفع في نحو: زيد أحسن به" لأن الضمير في محل رفع2، وإنما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 النصب في الأولين بفعل محذوف من لفظ المذكور، وفي الثالث "صيغة الخبر" من معناه -أي: ارحم زيدا غفر الله له، وقد قيل في علية ترجيح النصب، إذا كان الفعل طلبا: إن الأصل في الطلب أن يكون بالفعل، فرجح النصب؛ لِيكون الكلام على تقدير فعل، فيجيء على الأصل في الطلب؛ وكذلك فلو رفع الاسم؛ لأعرب مبتدأ، ويكون خبره الجملة الطلبية، ومجيء الخبر جملة طلبية قليل؛ لِكون جملة الخبر تحتمل الصدق والكذب غالبا، والطلبية ليست كذلك. انظر شرح التصريح: 1/ 298. 2 أي: في محل رفع على الفاعلية؛ لِكون الباء زائدة، على أنه لو كان محل هذا الضمير النصب؛ لم يكن من باب الاشتغال أيضا؛ لأن فعل التعجب جامد ولا يعمل فيما قبله، فلا يفسر عاملا؛ وقد اشترط في المشغول أن يكون صالحا للعمل فيما قبله. المصدر السابق: 1/ 298-299.
ج / 2 ص -143- اتفق السبعة عليه في نحو: {الزانية والزاني فاجلدوا}1؛ لأن تقديره عند سيبويه: مما يتلى عليكم حكم الزاني والزانية، ثم استؤنف الحكم، وذلك لأن الفاء لا تدخل عنده في الخبر في نحو هذا، ولذا قال في قوله2: [الطويل]
233- وقائلةٍ خولانُ فانكِحْ فَتَاتَهُم3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 "24" سورة النور، الآية: 2. موطن الشاهد: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا}. وجه الاستشهاد: منعت الفاء حمل الفعل على الاشتغال؛ لأن التقدير -عند سيبويه- مما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني؛ فحذف المضاف "حكم" وأقيم المضاف إليه مقامه؛ وهو الزانية والزاني، وحذف الخبر "الجار والمجرور" ثم بعد تمام الجملة استأنف الحكم بـ "فاجلدوا"؛ ولا يلزم الإخبار بالجملة الطلبية؛ ولذا جاءت مستأنفة. انظر شرح التصريح: 1/ 299. 2 لم ينسب البيت إلى قائل معين. 3 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت، وعجزه قوله:
وأكْرُومَةُ الحيَّين خِلْوٌ كَمَا هِيَا
وهو من شواهد: التصريح: 1/ 299، والأشموني: "394/ 1/ 189"، والهمع: 1/ 110، والدرر: 1/ 79، والكتاب لسيبويه: 1/ 70، وشرح المفصل: 1/ 100، 8/ 95، والخزانة: 1/ 218، 3/ 395، 4/ 421، 552، والعيني: 2/ 529، ومغني اللبيب: "297/ 219" "869/ 628"، وشرح السيوطي: 159، 295، وهو من الخمسين التي لا يعرف لها قائل. المفردات الغريبة: خولان: اسم قبيلة من مذحج باليمن. فتاتهم؛ الفتاة: الشابة من النساء. أكرومة: كريمة من الكرم، كأضحوكة من الضحك، وأعجوبة من العجب. الحيين: تثنية حي، وهي البطن من بطون العرب، والمراد هنا: حي أبيها، وحي أمها. خلو: خالية من الأزواج. المعنى: رب قائلة لي: هذه قبيلة خولان المعروفة بعراقة النسب والكرم والصفات الحميدة، فتزوج منها، ولا تخشَ رفضا؛ ففيها الفتاة الكريمة الأبوين؛ التي لم تتزوج بعد. الإعراب: وقائلة: الواو رب. قائلة: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا، على أنه مبتدأ. خولان: خبر لمبتدأ محذوف؛ والتقدير: هذه خولان. فانكح: الفاء استئنافية، انكح، فعل أمر، والفاعل: أنت. فتاتهم: مفعول به، ومضاف إليه. وأكرومة: الواو =
ج / 2 ص -144- إن التقدير: هذه خولان، وقال المبرد1: الفاء لمعنى الشرط2، ولا يعمل الجواب في الشرط، فكذلك ما أشبههما، وما لا يعمل لا يفسر عاملا؛ فالرفع عندهما واجب، وقال ابن السيد3 وابن بابشاذ4: يختار الرفع في العموم كالآية، والنصب في الخصوص، كـ: "زيدا اضربه".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ = حالية، أكرومة: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. الحيين: مضاف إليه. خلو: خبر مرفوع؛ وجملة "أكرومة الحيين خلو": في محل نصب على الحال. "كما": متعلقان بمحذوف خبر ثانٍ؛ وجاءت الكاف -هنا- بمعنى "على". هي: مبتدأ محذوف الخبر؛ والتقدير: الذي هي عليه؛ و"الجملة": صلة لـ "ما" الموصولة، لا محل لها؛ ويجوز أن تكون "ما" زائدة؛ و"هي": ضمير مجرور المحل بالكاف؛ والجار والمجرور خبر ثانٍ لـ "أكرومة"؛ أي كـ "حالها المعروف"؛ والأول: أفضل. موطن الشاهد: "خولان". وجه الاستشهاد: جعل سيبويه "خولان" خبرا لمبتدأ محذوف؛ ولم يجعلها مبتدأ، وجملة "فانكح فتاتهم، خبرا؛ بل جعل الجملة الطلبية مستأنفة؛ لكون الفاء عنده لا تدخل على خبر المبتدأ الخاص كأسماء الأعلام؛ ولكون دخولها على خبر المبتدأ؛ لشبه المبتدأ بالشرط في العموم، والخبر بالجواب؛ فإذا زال الشبه، لم تتحقق علة الجواز. انظر شرح التصريح: 1/ 299. 1 مرت ترجمته. 2 لأن المبتدأ وهو "الزانية"، فيه أل الموصولة، والموصول فيه معنى الشرط وهو التعليق أو العموم؛ إذ التقدير: من زنت ومن زنى -فاجلدوا...؛ لهذا تدخل الفاء في خبره كما تدخل في جواب الشرط. التصريح: 1/ 299. 3 هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي، ولد سنة 444 هـ، وكان عالما باللغات والآداب متبحرا فيها، وكانت له يد في العلوم القديمة. له تصانيف كثيرة منها: شرح أدب الكاتب، وشرح الموطأ، وسقط الزند، وديوان المتنبي، والحلل في شرح أبيات الجمل، والمسائل المنثورة في النحو، وكتب أخرى. مات سنة 521 هـ. البلغة: 114، إنباه الرواة: 2/ 141، بغية الوعاة: 2/ 55، طبقات القراء: 1/ 499. 4 هو أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ النحوي، المصري، قدم بغداد، وأخذ عن علمائها تصدر للإقراء بجامع عمرو بن العاص في مصر، ثم تزهد وانقطع في المسجد، فجمع كتابا في المسائل النحوية سماها العلماء: "تعليقة الغرفة" وله مصنفات أخرى منها: مقدمة في النحو سماها: المحتسب، وثلاثة شروح على الجمل للزجاجي... وغيرها، مات سنة: 469 هـ. البلغة: 100، بغية الوعاة: 1/ 17، إنباه الرواة: 2/ 95، ابن خلكان، 1/ 235، الأعلام: 3/ 318.
ج / 2 ص -145- الثانية: أن يكون الفعل مقرونا باللام أو بلا الطلبيتين، نحو: "عمرا ليضربه بكر" و: "خالدا لا تهنه" ومنه: "زيدا لا يعذبه الله" لأنه نفي بمعنى الطلب1. ويجمع المسألتين قول الناظم: "قبل فعل ذي طلب" فإن ذلك صادق على الفعل الذي هو طلب، وعلى الفعل المقرون بأداة الطلب. الثالثة: أن يكون الاسم بعد شيء الغالب أن يليه فعل، ولذلك أمثلة: منها همزة الاستفهام، نحو: {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ}2، فإن فصلت الهمزة فالمختار الرفع، نحو: "أأنت زيد تضربه"3 إلا في نحو: "أكل يوم زيدا تضربه" لأن الفصل بالظرف كلا فصل، وقال ابن الطراوة: إن كان الاستفهام عن الاسم فالرفع، نحو: "أزيد ضربته أم عمرو"4، وحكم بشذوذ النصب في قوله5: [الوافر]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 فزيدا منصوب بفعل محذوف تقديره: يرحم الله زيدا؛ لأن عدم التعذيب رحمة، فهو خبر معناه الطلب. 2 "54" سورة القمر، الآية: 24. موطن الشاهد: {أَبَشَرًا... نَتَّبِعُهُ}. وجه الاستشهاد: مجيء الاسم المشغول عنه بعد أداة الاستفهام الهمزة؛ وحكم نصب الاسم في هذه الحالة: الجواز مع الترجيح؛ لغلبة دخول الهمزة على الأفعال. 3 لأن الاستفهام حينئذ داخل على الاسم -لا على الفعل. وهذا إذا لم يجعل الضمير فاعلا لفعل محذوف، وقد برز وانفصل بعد حذفه- وإلا وجب النصب بالفعل المحذوف؛ لأن الاستفهام حينئذ يكون عن الفعل، وإلى هذا ذهب الأخفش. 4 لأن الاستفهام عن تعيين المفعول، أما الفعل -وهو الضرب- فمحقق. فلا تعلق الهمزة به، ومقتضى تعبيره: أن الرفع واجب، بدليل قوله: وحكم بشذوذ... إلخ. قال الصبان: والحق عدم الوجوب. التصريح: 1/ 300، وحاشية الصبان على شرح الأشموني. 5 القائل: هو جرير بن عطية الخطفي، وقد مرت ترجمته.
ج / 2 ص -146- 234- أثعلبة الفوارس أم رياحا عدلت بهم طهية والخشابا
وقال الأخفش: أخوات الهمزة كالهمزة: نحو: "أيهم زيدا ضربه"، "ومن أمة الله ضربها"، ومنها النفي بما أو لا أو إن، نحو: "ما زيدا رأيته" وقيل: ظاهر مذهب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 تخريج الشاهد: البيت من قصيدة طويلة لجرير، يمدح فيها قبيلتي ثعلبة ورياح، ويذم قبيلتي: طهية والخشاب، ومطلعها:
أقلي اللوم عاذل والعتابا وقولي: إن أصبت لقد أصابا
الشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 300، والأشموني: "395/ 1/ 190"، والكتاب لسيبويه: 1/ 52، 489، وأمالي ابن الشجري: 1/ 331، 2/ 317، والعيني: 2/ 533، وديوان جرير: 66. المفردات الغريبة: ثعلبة ورياح: قبيلتان من بني يربوع بن حنظلة. الفوارس: جمع فارس، وهو أحد ألفاظ جمع فيها "فاعل" وصفا لمذكر عاقل -على "فواعل" ومنها هوالك- جمع هالك، ونواكس جمع ناكس، وحواجّ جمع حاجّ. عدلت: سويت وجعلتهم يعدلونهم في سمو المنزلة. طهية: حي من بني تميم. الخشاب حي من بني مالك بن حنظلة. المعنى: أتسوي بين قبيلتي ثعلبة الفوارس أو رياح؛ هاتين القبيلتين المعروفتين بالفضل والنبل، وبين طهية والخشاب؛ القبيلتين الوضيعتين اللتين لا وزن لهما؟!!. الإعراب: أثعلبة: الهمزة حرف استفهام، ثعلبة. مفعول به لفعل محذوف من معنى الفعل المذكور؛ والتقدير: أحقرت ثعلبة؛ أو أهنت ثعلبة. الفوارس: صفة لـ "ثعلبة" باعتبار المعنى. أم: حرف عطف. رياحا: معطوف على ثعلبة منصوب مثله. عدلت: فعل ماضٍ وفاعل "بهم": متعلق بـ "عدل". طهية: مفعول به لـ "عدل". منصوب. والخشابا: الواو عاطفة، الخشابا: معطوف على طهية منصوب. موطن الشاهد: "أثعلبة الفوارس". وجه الاستشهاد: نصب "ثعلبة" الواقع بعد همزة الاستفهام، مع أن المستفهم عنه الاسم؛ وهذا النصب بفعل مقدر، يدل عليه المذكور؛ والتقدير: أأهنت أو ظلمت مثلا؛ وهو شاذٌّ -على رأي ابن الطراوة؛ الذي يوجب الرفع إن كان الاستفهام عن الاسم؛ وهو راجح- عند سيبويه وأنصاره -لأنه لا فرق عندهم في ترجيح النصب بين أن يكون الاستفهام عن الاسم أو عن الفعل. انظر شرح التصريح: 1/ 301.
ج / 2 ص -147- سيبويه اختيار الرفع، وقال ابن الباذش1 وابن خروف2: يستويان3، ومنها: "حيث" نحو: "حيث زيدا تلقاه أكرمه" كذا قال الناظم4، وفيه نظر5. الرابعة: أن يقع الاسم بعد عاطف غير مفصول بأما، مسبوق بفعل غير مبني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 هو: أبو جعفر؛ أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي، المعروف بابن الباذش النحوي. كان إماما في النحو مقرئا نقادا عرفا بالآداب والإعراب، أخذ النحو عن أبيه الإمام أبي الحسن بن الباذش، له: كتاب الإقناع في القراءات، قيل لم يؤلف مثله، توفي سنة 540 هـ. البلغة: 26، بغية الوعاة: 1/ 333، تاريخ بغداد: 4/ 258، معجم المؤلفين: 1/ 308 إنباه الرواة: 2/ 84 وفيه "أحمد بن عبيد بن ناصح بن بلنجر". 2 هو: أبو الحسن: علي بن محمد بن علي بن محمد نظام الدين الحضرمي الإشبيلي، إمام في العربية، أخذ عن محمد بن طاهر الأنصاري المعروف بالخدب، وعن ابن ملكون له تصانيف كثيرة منها: كتاب شرح الجمل للزجاجي، وشرح كتاب سيبويه اسمه: تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب، وكتاب الفرائض وغيرها. مات سنة: 606 هـ سنة البلغة: 164، بغية الوعاة: 2/ 203، ابن خلكان: 1/ 433، الأعلام: 5/ 151. 3 أي يستوي الرفع والنصب مع هذه الأحرف؛ لِدخولها على الأسماء والأفعال، بخلاف غيرها من أحرف النفي. 4 أي في شرح الكافية، ونص قوله: ومن مرجحات النصب تقدم "حيث" مجردة من "ما" نحو: حيث زيدا تلقاه فأكرمه؛ لأنها تشبه أدوات الشرط، فلا يليها في الغالب إلا فعل. فإن اقترنت بـ "ما" صارت أداة شرط واختصت بالفعل، وقد وافقه ابن هشام في المغني على ذلك. مغني اللبيب: 177. 5 يقول في التصريح: إن هذا النظر الذي أبداه الموضح على رأي الناظم في ترجيح نصب الاسم إذا وقع بعد "حيث" عجيب؛ لأنه وافق الناظم على ذلك في المغني؛ حيث قال: وإضافة "حيث" إلى الفعلية أكثر، ومن ثم ترجح النصب في نحو: جلست حيث زيدا أراه. ولعل وجه النظر في قوله: "أكرمه" في المثال الذي ذكره، فإنما ربما يوهم أنه جواب "حيث" مع أن "حيث" المجردة من "ما" -لا جواب لها عند البصريين. ومن جعل لها جوابا من الكوفيين- يوجب النصب بعدها فلا يكون راجحا. التصريح: 1/ 301.
ج / 2 ص -148- على اسم، كـ: "قام زيد وعمرا أكرمته" ونحو: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ}1 بعد: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} بخلاف نحو: "ضربت زيدا، وأما عمرو فأهنته" فالمختار الرفع؛ لأن: "أما" تقطع ما بعدها عما قبلها، وقرئ: "وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ"2 بالنصب على حد: "زيدا ضربته"، وحتى ولكن وبل كالعاطف، نحو: "ضربت القوم حتى زيدا ضربته". الخامسة: أن يتوهم في الرفع أن الفعل صفة، نحو: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاه}3، وإنما لم يتوهم ذلك مع النصب؛ لأن الصفة لا تعمل في الموصوف، وما لا يعمل لا يفسر عاملا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 "16" سورة النحل، الآية: 5. موطن الشاهد: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا}. وجه الاستشهاد: مجيء "والأنعام" معطوفة على قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَة}؛ فترجح نصب المعطوف فيهما؛ لأن المتكلم به عاطف جملة فعلية على جملة فعلية؛ ولو رفع لعطف جملة اسمية على فعلية؛ وتشاكل الجملتين المتعاطفتين أحسن من تخالفهما. شرح التصريح: 1/ 301. 2 "41" سورة فصلت، الآية: 17. موطن الشاهد: "أما ثمودَ فهديناهم". وجه الاستشهاد: نصب "ثمود" بفعل محذوف يفسره "هدينا"؛ والتقدير: وأما "ثمود" فهدينا هديناهم؛ ولا يقدر الفعل قبل ثمود؛ لِئلا يفصل بين "أما" والفاء بجملة تامة، وذلك ممنوع، ولا يقال هنا إن بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها، فلا يفسر عاملا؛ لأن الفاء ليست في محلها الأصلي فلا يمنع من العمل. 3 "54" سورة القمر، الآية: 49. موطن الشاهد: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاه}. وجه الاستشهاد: نصب "كل" على وجه الترجيح؛ لأنه لو رفع؛ لاحتمل أن تكون جملة "خلقناه" خبرا عنه؛ ويحتمل أن تكون صفة لـ "شيء"؛ والخبر: قوله "بقدر"؛ وهذا يوهم وجود شيء لا بقدر؛ لكونه غير مخلوق لله تعالى؛ كأفعال العباد الاختيارية وأفعال الشر؛ وهذا رأي المعتزلة؛ ولا يرتضيه أهل السنة، أما النصب فنص في عموم خلق الأشياء، خيرها وشرها بقدر، وهو المقصود عند أهل السنة؛ كما هو الحال عند إعراب "خلقناه" خبرا عن كل.
ج / 2 ص -149- ومن ثم وجب الرفع إن كان الفعل صفة، نحو: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}1، أو صلة، نحو: "زيد الذي ضربه" أو مضافا إليه، نحو: "زيد يوم تراه تفرح"، أو وقع الاسم بعد ما يختص بالابتداء، كإذا الفجائية على الأصح2، نحو: "خرجت فإذا زيد يضربه عمرو"، أو قبل ما لا يرد ما قبله معمولا لما بعده، نحو: "زيد ما أحسنه!" أو: "إن رأيته فأكرمه" أو: "هل رأيته" أو: "هلا رأيته".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ = شرح التصريح: 1/ 302. فائدة: ترجح النصب في المسألة الرابعة؛ لأن الجملة السابقة فعلية، بدليل أنهم ضبطوها بألا يكون الفعل مبنيا على اسم؛ وعلى هذا يكون النصب بتقدير فعل، فتكون الجملة الثانية فعلية أيضا؛ وتكون الواو قد عطفت جملة فعلية على جملة فعلية كما أوضحنا في وجه الاستشهاد على آية: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا}؛ أما إذا رفعنا؛ فتكون الواو قد عطفت جملة اسمية على جملة فعلية؛ فلا يحصل التشاكل بين المعطوف والمعطوف عليه؛ ومعلوم أن التشاكل بين المتعاطفين أولى، ولهذا، كان حكم النصب في هذه الحالة أرجح؛ وأما لو فصل بين حرف العطف والاسم المشغول عنه بـ "أما" فيجب الرفع؛ لأن من شأن "أما" أن تقطع ما بعدها عما قبلها؛ فيكون ما بعدها كأنه أول الكلام. 1 "54" سورة القمر، الآية: 52. موطن الشاهد: {كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ}. وجه الاستشهاد: وجب رفع "كل"؛ لتأتي الوصفية التي يستقيم بها المعنى؛ لأن النصب يقتضي أنهم فعلوا في الزبر، صحائف الأعمال -كل شيء؛ مع أنهم لم يفعلوا فيها شيئا، بل الكرام الكاتبون أوقعوا فيها الكتابة، وليس هذا المقصود، بل المعنى: أن كل شيء مفعول لهم ثابت في صحائف أعمالهم؛ صغيرا كان أو كبيرا إنما وجب الرفع لتأتي الوصفية التي يستقيم بها المعنى؛ لأن النصب يقتضي أنهم فعلوا في الزبر -أي صحف الأعمال- كل شيء، مع أنهم لم يفعلوا فيها شيئا، بل الكرام الكاتبون أوقعوا فيها الكتابة. وليس هذا هو المقصود، بل المعنى: أن كل شيء مفعول لهم ثابت في صحائف أعمالهم؛ صغيرا كان أو كبيرا. التصريح: 1/ 302. 2 هذه إشارة إلى خلاف النحاة في هذه المسألة، وقد حكي الخلاف في مغني اللبيب، وحاصله: أن للنحاة ثلاثة أقوال: الأول: أنه لا يقع بعد إذا الفجائية إلا الأسماء مطلقا. الثاني: أنها تدخل على الأسماء وعلى الأفعال مطلقا. الثالث: تدخل على الأسماء وعلى الأفعال المقترنة بقد، فإن لم يقترن الفعل لم تدخل عليه. التصريح: 1/ 302-303، ومغني اللبيب: 120 وبعدها.
ج / 2 ص -150- "تنبيهان" الأول: ليس من أقسام مسائل الباب ما يجب فيه الرفع، كما في مسألة إذا الفجائية؛ لِعدم صدق ضابط الباب عليها، وكلام الناظم يوهم ذلك. الثاني: لم يعتبر سيبويه إيهام الصفة مرجحا للنصب، بل جعل النصب في الآية مثله في: "زيدا ضربته" قال: وهو عربي كثير. السادسة: أن يكون الاسم جوابا لاستفهام منصوب، كـ: "زيدا ضربته" جوابا لمن قال: "أيهم ضربت" أو: "من ضربت"1. ويستويان في مثل الصورة الرابعة، إذا بني الفعل على اسم غير "ما" التعجبية، وتضمنت الجملة الثانية ضميره، أو كانت معطوفة بالفاء؛ لِحصول المشاكلة رفعت أو نصبت، وذلك نحو: "زيد قام وعمرو أكرمته لأجله"، أو: "فعمرا أكرمته"2 بخلاف: "ما أحسن زيدا وعمرو أكرمته عنده" فلا أثر للعطف، فإن لم يكن في الثانية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 فيترجح نصب "زيدا" لأنه جواب المستفهم به منصوب لفظا في المثال الأول، ومحلا في الثاني. وإنما ترجح النصب؛ ليطابق الجواب السؤال. ومثل المنصوب: المضاف إلى منصوب باعتبار ما كان، نحو: كتاب محمد استعرته جوابا لمن قال: كتاب من استعرت؟ هذا ولم يشر الناظم إلى المسألتين: الخامسة والسادسة من مواضع ترجيح النصب وقد ذكر الأشموني من مواضع ترجيح النصب: أن يقع اسم الاشتغال بعد شبيه بالعاطف على الجملة الفعلية؛ نحو: أكرمت القوم حتى محمدا أكرمته، وما سافر علي لكن محمدا عاتبته. فـ "حتى" و"لكن" حرفا ابتداء أشبها العاطفين، ولم يعتبرا عاطفين هنا؛ لدخولهما على الجمل، والعاطف منهما إنما يدخل على المفرد. التصريح: 1/ 303، والأشموني: 1/ 191. 2 فيجوز في "عمرو" الرفع والنصب على السواء؛ وذلك لأن "زيد قام" جملة ذات وجهين، وهي جملة كبرى؛ لأنها تتضمن جملة صغرى هي: "قام" المبنية على المبتدأ؛ فإن نظر إلى صدرها فهي اسمية، فيرفع "عمر" ليعطف جملة اسمية على مثلها، وكلاهما لا محل له من الإعراب. وإن نظر إلى عجزها نصب؛ ليعطف جملة اسمية على مثلها، وكلاهما لا محل له من الإعراب. وإن نظر إلى عجزها نصب؛ ليعطف جملة فعلية على مثلها، ومحلها الرفع على الخبرية. والرابط بين الجملتين: إما الضمير في "لأجله" أو الفاء؛ لأنها للسببية فتقوم مقام المضير. التصريح: 1/ 304.
ج / 2 ص -151- ضمير للأول، ولم يعطف بالفاء، فالأخفش والسيرافي يمنعان النصب1، وهو المختار، والفارسي وجماعة يجيزونه2، وقال هشام: الواو كالفاء. [أحكام تتعلق بالاشتغال]: وهذه أمور متممات لما تقدم: أحدها: أن المشتغل عن الاسم السابق كما يكون فعلا، كذلك يكون اسما، لكن بشروط ثلاثة: أحدها: أن يكون وصفا3، الثاني: أن يكون عاملا، الثالث: أن يكون صالحا للعمل فيما قبله، وذلك نحو: "زيد أنا ضاربه الآن أو غدا" بخلاف نحو: "زيد عليكه" و: "زيد ضربا إياه" لأنهما غير صفة، نعم يجوز النصب عند من جوز تقديم معمول اسم الفعل، وهو الكسائي، ومعمول المصدر الذي لا ينحل بحرف مصدري، وهو المبرد والسيرافي، وبخلاف نحو: "زيد أنا ضاربه أمس" لأنه غير عامل على الأصح، و: "زيد أنا الضاربه" و: "وجه الأب زيد حسنه"؛ لأن الصلة والصفة المشبهة لا يعملان فيما قبلهما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أي: بناء على أن العطف على الصغرى؛ لأن المعطوف على الخبر خبر، ولا بد فيه من رابط، وهو مفقود -هنا- فإن عطف على الكبرى ترجح الرفع؛ وإلى هذا، أشار الناظم:
وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا به عن اسم، فاعطفن مخيرا
والمقصود: إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدمته جملة فعلية، هي خبر عن المبتدأ؛ فأنت بالخيار؛ بين العطف على ما قبله، عطف جملة فعلية على مثلها، أو عطف جملة اسمية على اسمية؛ مراعاة للصدر أو العجز: ضياء السالك: 2/ 76، وشرح التصريح: 1/ 303. 2 أي: يجيزون النصب مع العطف على الجملة الصغرى، ويكون ذلك مستثنى مما يحتاج إلى رابط؛ واستدلوا بإجماع القراء على نصب: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} وهي معطوفة على: {يَسْجُدَان} من قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}، وليس فيها ضمير يعود إلى النجم والشجر؛ ويبرر الاستثناء أنهم يغتفرون في الثواني ما لا يغتفرون في الأوائل. ابن عقيل: 1/ 411، وانظر شرح التصريح: 1/ 303-304، وحاشية الصبان: 2/ 80-81. 3 انظر الشروط في أول البحث.
ج / 2 ص -152- الثاني: لا بد في صحة الاشتغال من عُلْقَة بين العامل والاسم السابق، وكما تحصل العلقة بضميره المتصل بالعامل، كـ: "زيدا ضربته"، كذلك تحصل بضميره المنفصل من العامل بحرف الجر، نحو: "زيدا مررت به" أو باسم مضاف، نحو: "زيدا ضربت أخاه" أو باسم أجنبي أتبع بتابع مشتمل على ضمير الاسم بشرط أن يكون التابع نعتا له، نحو: "زيدا ضربت رجلا يحبه" أو عطفا بالواو، نحو: "زيدا ضربت عمرا وأخاه" أو عطف بيان، كـ: "زيدا ضربت عمرا أخاه" فإن قدرت الأخ بدلا بطلت المسألة رفعت أو نصبت، إلا إذا قلنا عامل البدل والمبدل منه واحد صح الوجهان. الثالث: يجب كون المقدر في نحو: "زيدا ضربته"1 من معنى العامل. المذكور ولفظه، وفي بقية الصور2 من معناه دون لفظه، فيقدر: جاوزت زيدا مررت به3، وأهنت زيدا ضربت أخاه4. الرابع: إذا رفع فعلٌ ضميرَ اسم سابق، نحو: "زيد قام" أو: "غضب عليه"5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أي: مما يكون فيه العامل متعديا بنفسه، وناصبا لضمير الاسم السابق بنفسه. 2 المقصود ببقية الصور ما يلي: أ- أن يكون العامل متعديا ناصبا لاسم ظاهر مضاف إلى ضمير عائد إلى الاسم السابق؛ نحو مثال المؤلف: زيدا ضربت أخاه؛ أو عمرا عرفت أباه أو نحو ذلك. ب- أن يكون العالم لازما ناصبا للمشغول به بحرف الجر؛ والمجرور: ضمير الاسم السابق؛ نحو: زيدا مررت به، والجائزة فرحت بها. ج- أن يكون العامل لازما ناصبا للمشغول به بحرف الجر؛ والمجرور: اسم ظاهر مضاف إلى ضميره؛ نحو: زيدا مررت ببستانه، والكريم وقفت ببابه؛ وهنا نقدر فعلا يتفق مع المعنى، نحو: لابست زيدا مررت ببستانه، ولا يقدر جاوزت؛ لأننا لم نجاوز زيدا، ولم نمرر به، وإنما حدث ذلك لبستانه. ابن عقيل: 1/ 413، وانظر شرح التصريح: 1/ 307، حاشية الصبان: 2/ 82-83. 3 لأن "مررت" لا تصل إلى الاسم بنفسها؛ لكون الفعل لازما، كما أسلفنا. 4 لكون الضرب لم يقع على زيد، وإنما حصلت له إهانة من جراء ضرب الأخ. 5 أتى المؤلف بمثالين؛ ليدل على أنه لا فرق بين أن يكون الضمير المرفوع على الفاعلية، كالمثال الأول "زيد قام"، أو على النيابة عن الفاعل كالمثال الثاني "غضب عليه"؛ فالهاء -هنا في محل رفع نائب فاعل لـ "غضب".
ج / 2 ص -153- أو ملابسا لضميره، نحو: "زيد قام أبوه" فقد يكون ذلك الاسم واجب الرفع بالابتداء، كـ: "خرجت فإذا زيد قام" و: "ليتما عمرو قعد" إذا قدرت "ما" كافة1. أو بالفاعلية2، نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}3 و: "هلا زيد قام".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 أي: يكون الاسم المرفوع واقعا بعد أداة تختص بالدخول على الأسماء، نحو: إذا الفجائية ومن الأدوات التي تختص بالأسماء "ليت" المكفوفة بـ "ما" الكافة؛ أما إذا كانت "ما" المتصلة زائدة غير كافة، فإن ليت تكون عاملة على أصلها؛ فيتعين نصب الاسم الذي يليها على أنه اسم "ليت"؛ وإن قدرت "ما" مصدرية، تؤول مع ما بعدها بمصدر؛ فإنه يجب رفع الاسم التالي لها على الفاعلية لفعل محذوف، ويكون المصدر المؤول من الفعل المقدر وفاعله منصوبا على أنه اسم "ليت"؛ وخلاصة القول: للاسم بعد "ليتما" ثلاث حالات هي: أ- وجوب الرفع على أنه مبتدأ، وذلك إذا قدرت "ما" كافة. ب- جواز النصب على أنه اسم "ليت"، وذلك إذا قدرت "ما" زائدة غير كافة؛ وجواز الرفع لجواز الإعمال والإلغاء على المشهور. ج- وجوب الرفع على الفاعلية بفعل محذوف، وذلك إذا قدرت "ما" مصدرية. انظر شرح التصريح: 1/ 307-308، وحاشية الصبان. 2 وذلك، إذا وقع الاسم المرفوع بعد أداة، لا يجوز أن يليها إلا الفعل كأدوات الشرط، كما في الآية الواردة في النص، وأدوات التحضيض؛ ومعلوم أن هذا جار على مذهب البصريين؛ أما الكوفيون، فإنهم يجيزون دخول أدوات الشرط، وأدوات التحضيض على الأسماء؛ وعلى مذهبهم يجوز أن يكون الاسم مرفوعًا بعدها على الابتداء، غير أن النصب أرجح. انظر ابن عقيل: 1/ 409، وشرح التصريح: 1/ 308. 3 "9" سورة التوبة، الآية: 6. موطن الشاهد: {إِنْ أَحَدٌ}. وجه الاستشهاد: مجيء "أحد" فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ لأن "إن" أداة شرط؛ وأدوات الشرط والتحضيض تختص بالأفعال -على رأي جمهور البصريين- فارتفاع "أحد" على الفاعلية -خلافا للكوفيين، كما أسلفنا.
ج / 2 ص -154- وقد يكون راجح الابتدائية على الفاعلية1، نحو: "زيد قام" عند المبرد ومتابعيه، وغيرهم يوجب ابتدائيته؛ لِعدم تقدم طالب الفعل. وقد يكون راجح الفاعلية على الابتدائية2، نحو: "زيد ليقم"3، ونحو "قام زيد وعمرو قعد"، ونحو: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}4 و: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ}5. وقد يستويان نحو: "زيد قام وعمرو قعد عنده".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 وذلك متى تقدم اسم مرفوع، ولم تسبقه أداة تختص بالأفعال، أو أداة تختص بالأسماء؛ ويتأخر عنه فعل قاصر؛ وللعلماء في هذه الحالة مذاهب: أ- ترجيح الرفع على الابتداء؛ لأن ذلك لا يحتاج إلى تقدير؛ وهو مذهب الفراء ومن تابعه. ب- ترجيح رفعه على أنه فاعل بفعل محذوف؛ وهو مذهب ابن العريف. ج- وجوب رفعه على الابتداء، وهو مذهب البصريين. د- جواز رفعه على أنه فاعل الفعل المتأخر عنه؛ وهو مذهب الكوفيين. انظر شرح التصريح: 1/ 308. 2 أي: من نفي أو استفهام. 3 وذلك أن يأتي الاسم مرفوعا، ويليه فعل طلبي؛ نحو: عمرو ليذهب؛ أو أن يكون الاسم المرفوع مسبوقا بأداة يغلب دخولها على الأفعال؛ نحو: أأعداؤنا يهددوننا؟ أو أن يسبق الاسم المرفوع بجملة فعلية، ويليه فعل؛ فيترجح الرفع على الفاعلية أيضا؛ ليكون تناسب بين المتعاطفين "جملة فعلية على جملة فعلية"؛ نحو: خسر خالد وزهير ربح. 4 "64" سورة التغابن، الآية: 6. موطن الشاهد: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}. وجه الاستشهاد: إعراب "بشر" فاعلا لفعل محذوف؛ تفسيره المذكور بعده؛ لأنه سبق بهمزة الاستفهام التي يغلب دخولها على الأفعال؛ وحكم إعرابه فاعلا لفعل محذوف الجواز مع الترجيح لما ذكرنا. 5 "56" سورة الواقعة، الآية: 59. موطن الشاهد: {أََأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ}. وجه الاستشهاد: إعراب "أنتم" فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده؛ لأنه سبق بهمزة الاستفهام -كما في الآية السابقة- وحكم إعرابه فاعلا لفعل محذوف الجواز مع الترجيح. =
ج / 2 ص -155- ...........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ = فائدة: قال في الهمع: يشترط في الاسم المشغول عنه: أن يكون قابلا للإضمار؛ فلا يصح الاشتغال عن الحال، أو تمييز، أو مصدر مؤكد، أو مجرور بما لا يجر المضمر؛ كحتى والكاف، وأن يكون مفتقرا لما بعده. فليس من الاشتغال، نحو: في الدار محمد فأكرمه. وأن يكون واحدا لا متعددا وأن يكون مختصا، لا نكرة محضة؛ ليصح رفعه بالابتداء؛ فليس من الاشتغال قوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} بل رهبانية معطوف على ما قبله بتقدير مضاف؛ أي: ابتدعوها صفة. حاشية يس على التصريح: 1/ 308. | |
| |