آخر المساهمات
2024-11-06, 9:59 pm
2024-10-12, 12:21 am
2024-10-12, 12:19 am
2024-10-12, 12:14 am
2024-10-12, 12:14 am
2024-10-12, 12:13 am
2024-09-21, 5:25 pm
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

حوار مع الشاعر أحمد مطر

hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11575
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : حوار مع الشاعر أحمد مطر 15781612
حوار مع الشاعر أحمد مطر Icon_minitime 2019-11-20, 6:29 pm
@hassanbalam
#أحمد_مطر

حوار مع الشاعر أحمد مطر P_1419qhy6v1

لقاء مع أحمد مطر !

* نود أن نعرف نبذة عن أحمد مطر، وعن حالته الاجتماعية، ومعتقده الديني، وما سر غيابه عن المشهد الثقافي والإعلامي ؟
- يقال إن أقصر قصة كتبها إنسان هي التالية: " رجل ولد وعاش ومات ". وأنا أعتقد أن سيرتي -شأن أي مواطن آخر في أوطاننا الجميلة- يمكن أن تروى على النسق نفسه، بشيء من التطويل، لتكون كالتالي: " رجل ولد ولم يعش ومع ذلك سيموت " . وهي في سياقها هذا تشبه سيرة طيّب الذكر(جبر)، التي أظنكم تعرفونها، وفحواها أنه أثناء زيارته لبلد أجنبي عرج على المقبرة، فرأى على شواهد القبور ما أذهله..إذ خُطّ على واحدة منها: (هنا يرقد فلان الفلاني-ولد عام 1917 ومات عام 1985-عمره 3 أعوام) ! ومثل ذلك على بقية الشواهد. فلما سأل عن سر هذا التناقض، أفاده مرافقه بأنهم يحسبون عمر الإنسان بعدد الأعوام التي عاشها سعيداً . عندئذ قال للمرافق: وصيتي إذا مُتّ أن تكتبوا على شاهدتي هنا يرقد جبر..من بطن أمه للقبر) !
فإذا تركت المزاح، وهو أشبه بالجد، فسيمكنني القول قياساً إلى الأعوام التي أمضيتها مفعماً بروح الحرية ومغموراً بصوتها، بأنني من أطول الناس عمراً ومن أكثرهم شعوراً بالسعادة . أمّا ما بقي من فجوات صغيرة، فيمكنني أن أملأها بالتالي: ولدت في البصرة، وهربت منها إلى الكويت في فترة مبكرة من حياتي، ثم ما لبثت الكويت أن (هـرَّبتني) إلى بريطانيا التي لا أزال راتعاً "في نعيمها" كما يطيب لبعض سكّان "الجحيم" أن يصفني ! أمّا عن حالتي الاجتماعية فأنا ربّ أسرة، ولي من الأبناء أربعة: بنت وثلاثة أولاد .
وبرغم دهشتي من السؤال عن معتقدي الديني، خاصة ممن يفترض أنّه قرأ شعري واستوعبه، سأقول إنّ معتقدي هو الإسلام، ليس لضرورة تأكيد ذلك، ولكن خشية أن يكون شعري، على رغم وضوحه، قد أخفق في الوصول إلى بعض الناس، فداخلهم الاعتقاد بأنني بوذي !
أمّا غيابي عن المشهد الثقافي والإعلامي، فلا يحتمل غير تفسير واحد هو أنني لا أؤمن بهذا المشهد .


* دواوين أحمد مطر محجوبة في الوطن العربي، كيف يمكن الحصول عليها؟ ما دار النشر التي تطبعها؟ وهل ينوي شاعرنا جمعها في "مجموعة كاملة" ؟
- ليس لدواويني ناشر سواي، ولكنّ لها، مع الأسف، عشرات المزوّرين . وللحصول عليها بطبعاتها الأصلية، وبصورة "شرعية" أنصح بشرائها من مكتبتَي (الساقي) و (الأهرام) في لندن . أمّا مسألة طبعها في مجموعة كاملة فهذا في نيتي، لكن ليس الآن، لأنّ هناك أجزاء أخرى من اللافتات مُعَـدّة للنشر، ولم يؤخر صدورها إلاّ انتظاري لصدفة طيبة تُصيب المزوّرين، على غفلة، بحُمّـى "الشرف"، فلعلّ ذلك يشغلهم عنّي بعض الوقت، فيمكنني أن ألتقط أنفاسي، وأمضي إلى المطبعة مطمئناً إلى أنّ أيديهم لم "تنشل" من جيبي ثمن الطباعة .

* هل يكتب أحمد مطر القصة أو الرواية؟ هل له فيهما نتاج مطبوع، وتحت أي عنوان؟
-كنت في بداياتي قد جرّبت كتابة القصة القصيرة، ولا أزال أكتب ما يشبهها، بين الحين والآخر. لكن لم يعد في حوزتي شيء مما كتبته في البدايات، كما لم أفكّر في جمع ما كتبته بعد ذلك في مطبوع مستقل.
أمّا الرواية فهي فنّ أحسب أنني قد خلقت لأكون واحداً من أخلص قرائه، أمّا الخوض فيه كتابةً، فهذا ما أشكّ في أنني أهل له .
لا أدري..ربما سأجرّبه يوماً، إذا وجدت في نفسي الدافع والاستعداد .

* هل لأحمد مطر موقع رسمي في الانترنت؟ وهل ينوي إنشاء موقع إذا لم يكن له موقع حالياً، ليكون همزة وصل بينه وبين قرائه ؟
- ليس لي، حالياً، موقع رسمي على الإنترنت، وقد أفكّر في هذا الأمر مستقبلاً. لكنني، الآن، موزّع ما بين كثرة المشاغل وقلّة الصحّة، وحسبي أن أجد من الوقت والطاقة ما يفي بأكثر المسؤوليات إلحاحاً .

· حيدر السليمان-الكويت:
هناك كرسي شاغر لتنصيب أشعر شعراء العرب الذين ما زالوا على قيد الحياة، مَن ترشّح له ؟
ما فائدة الشعر في زمن الدم الفلسطيني النازف يومياً ؟
- لا.. يا حيدر، ما كان ينبغي أن تعلن عن شغور هذا الكرسي، بل كان يجب، في اللحظة التي رأيته فيها، أن تقفز نحوه بسرعة، وتلتصق به مستخدماً نوعية "الصمغ السوبر" نفسها التي يستخدمها حكّامنا الرائعون .
بهذا كنت ستحل مشكلة لا تستطيع الجنّ حلّها .
أتعرف قصّة "دائرة الطباشير القوقازية" ؟ هي حكاية نزاع بين امرأتين على بنوّة طفل، حكم القاضي بوضعه وسط دائرة، وطلب أن تشدّه كلّ منهما من جانب، على أن يكون من نصيب التي تستطيع جذبه إلى ناحيتها أكثر من الأخرى .
ونهاية القصة معروفة، إذ حكم القاضي ببنوّة الطفل للمرأة التي رفضت أن تشدّه خشية أن تتقطّع أوصاله .
أنت، الآن، تضعني في موضع ذلك القاضي، وهو أمر لا أحسد عليه . ومع ذلك فأنت معذور، إذ لعلّك لا تعلم أنّ لدى العرب،الآن، أكثر من مليون ( أشعر شاعر )!
" تكفى يا الحبيب"، اكسر الشّر، واقعد على الكرسي، واحفر اسمك عليه.. ولك مني وعد بأن أرسل إليك كلّ ما تحتاجه من الصمغ الأصلي .
أمّا بالنسبة لسؤالك عن فائدة الشعر في زمن الدم الفلسطيني النازف، فأود القول بأن الشعر ليس بديلاً عن الفعل، بل هو قرين له، هو فن من مهماته التحريض والكشف والشهادة على الواقع والنظر إلى الأبعد. وهو بذلك يسبق الفعل، ويواكبه، ويضيء له الطريق، ويحرسه من غوائل التضليل .
قديماً قال نصر بن سيّار إنّ "الحرب أوّلها كلام" ، والواقع أنّ الكلام محيط بالحرب من أوّلها إلى آخرها: توعيةً وتحريضاً وتمجيداً.. وهذا ما مثّله نصر بن سيار نفسه .
لا غنى للفعل عن الكلام الصادق المؤثر، لأنّ غيابه يعني امتلاء الفراغ بالكلام النقيض، ونحن نعلم أنّ هذا النقيض موجود وفاعل حتى بوجود الصدق، فما بالك إذا خلا له الجوّ تماماً ؟
ما مِن "مقاومة" على وجه الأرض استغنت بالمقاتل عن الشاعر. كل مقاومة حيّة تدرك أن لا غنى للدم عن الضمير.
وتاريخ أمتنا، بالذات، أكبر شاهد على أهميّة دور الشاعر في الحرب، بل إن المقاتل نفسه طالما شحذَ سيفه ولسانه معاً، وهو يخوض غمرات الوغى: " وكرَّ مرتجزاً " أو " طعنه راجزاً " أو " هوى صريعاً وهو يرتجز " .
وإذا كان أبو تمّام قد قال إنّ " بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشكّ والرّيب " فهو قد جعل رأي الشاعر أوّلاً، إذ أكّد –ضمناً - أنّ سود الصحائف هي الدليل المبصر لبيض الصفائح العمياء..أليس في بيته هذا قد عيّن الأداة المطلوبة في الموقف، وحرّض على استخدامها ؟
وما قاله أبو تمّام، موارباً، قاله أبو الطيّب، دون مواربة: (الرأي قبل شجاعة الشجعان.. هو أوّل وهي المحلّ الثاني) .
الشعر مهم، خاصّة بالنسبة لنا نحن العرب، ولولا ذلك لما حفيت أقدام المخابرات المركزية الأميركية في سعيها من أجل تدميره بأيدي المغول الجدد الذين يدّعون النطق بلغتنا، ثمّ يفضحون هذا الادّعاء ، منذ الخطوة الأولى، بشعورهم بالعار من أسمائنا، و بإخراجهم الألفاظ من سياقاتها، وهدمهم المعاني والقواعد ، وسطوهم على المصطلحات وتوجيهها في غير ما وضعت له، وجعلهم فنون الكلام مجرد سقوف معلّقة في الهواء !
ولايكتفون بذلك، بل يحكمون حتى على تلك السقوف بألاّ تتفاعل مع واقعها أو قضاياها، وأن تترك السياسة للسياسيين والوطن للغزاة، وأن تهتم فقط باستعراض ألبستها الداخلية !
وهم في الوقت الذي يطلبون منك أن تترك الحاكم والحكم والمعتقدات جانباً، يسارعون، قبل زوال صدى كلامهم، إلى شتم حاكم الأرض والسماء !
وفي جوّ مكيدة مريعة كهذه، فإنّ مجرّد قول الشعر على أصوله، يصبح فعل مقاومة بحد ذاته، فما بالك إذا اتّصل بالدم اتّصال اللغة بالهويّة ؟


· عبد الله الحارث- السعودية :
الشاعر الثائر أحمد مطر.. تدهشني كثيراً لافتاتك التي تنطلق على الخصوم كالشهب المحرقة.. سؤالي هو: لماذا لا يكتب الشاعر لافتات تعرّي الضعف العربي من خلال المواطن والخلل الذي يعيشه، بعيداً عن الحاكم الذي نال النصيب الأكبر من اللافتات ؟ بمعنى آخر: أتمنى أن نقرأ لافتات جديدة تعالج سلبيات المواطن العربي حضارياً وفكرياً، والأهم انسلاخه من تراثه المجيد الذي كان العربي بدونه لا يحلم أن يغادر أصنامه وأزلامه !
- أنا معك في أن هذه الحكومات لم تنزل من السماء بالمظلات، إنما هي نتيجة وضع شعبي مختل .
وإذا كنت قد ركّزت الجهد في تعرية أنظمة لا تملك أية شرعية، فهذا لا يعني أنني تجاهلت الأساس الذي بنت عليه هذه الأنظمة صروح تسلطها وجورها. إذ طالما نبّهتُ إلى أنّ فرعون لن يقول ( أنا ربّكم الأعلى ) إلاّ إذا رأى حوله عبيداً يطيعونه حين يُضلّهم .
وأصارحك بأن حالنا كشعب يجرّعني المرارة تكراراً، بأشدّ وأقسى مما تجرّعني إيّاها تلك الأنظمة الجائرة.. ذلك لأنني بالنسبة للثانية أواجه عدواً صريحاً واضحاً، لا ثقة لي به على الإطلاق، أمّا بالنسبة للأوّل فإنني أبني جبالاً من الآمال، ولذلك فإنّ الألم يكسرني عندما يتبدّى لي في بعض الأوقات، أنّ هذه الجبال قائمة على الماء .
المشكلة يا أخي عبد الله، هي أننا لسنا شعباً واحداً في مواجهة العالم، بل مجموعة كبيرة من الشعوب، بل قد تجد في البيت الواحد أربعة شعوب متناحرة لمجرد اختلافها في الأفكار !
انظر إلى الوباء المسمّى (أميركا).. إنّه خليط عجيب من الألوان والأجناس والأوطان والأديان والأفكار، لكنّه في قضاياه الكبرى متماسك ومربوط بحزام المواطنة .
انظر إلى هذا الكيان المسخ المسمّى (إسرائيل) ..إنه برج بابل مزدحم بأغرب تشكيلة من موزاييك الثقافات والجنسيات والمذاهب، لكنه - كما ترى - جسد واحد في مواجهة العالم، وفم واحد مفتوح على اتّساعه لابتلاع كلّ ما عداه .
ثم انظر إلينا نحن الذين نملك كل شروط الكتلة، لترى أن امتيازنا الوحيد هو أننا شعب بإمكان أي مواطن فيه أن يكفّر جميع المواطنين، ويحجز الجنة التي عرضها السماوات والأرض..له وحده ، بل بلغ الإعجاز لدينا أنّ الواحد منّا يستطيع أن يُكوّن من نفسه " فرقة ناجية " ، ثمّ لا يلبث نصفه الأيمن أن يعلن انشقاقه على نصفه الأيسر !
ولا ريب أن الأنظمة لا تدّخر جهداً في تبديد أموالنا على اصطناع كلّ ما من شأنه إدامة وتطوير هذا "الحُمق" باعتباره الدرع الواقي والضامن لاستبدادها.. ولِمَ لا تفعل ذلك ؟ إنّها قطعان ذئاب، والذئب مفطور على الافتراس. المشكلة إنّما تكمن في النعجة، تلك التي لا تدعوه إلى نفسها فقط، بل تغريه أيضاً بأنها "مُتـبّلة" !
وعلى هذا فإنني، منذ البداية، كنت أُلقي نظرة على الحاكم ونظرة علينا، ولو اطّلعت على جميع قصائدي لوجدت ما تطلبه متحققاً بالفعل.. وإليك مثلاً هذه اللافتات: طبيعة صامتة، يقظة، رقّاص الساعة، الذنب، سواسية، إضراب، المنتحرون، آمنت بالأقوى، السيدة والكلب، خيبة، أوصاف ناقصة، الناس للناس، قانون الأسماك، وردة على مزبلة، تمرّد، شروط الاستيقاظ، بحث في معنى الأيدي، السفينة، نحن بالخدمة، دود الخل، الواحد في الكل، مصائر، الحائط يحتج، شيطان الأثير، أولويات، الحافز، بيت الدّاء.. وغيرها كثير .

· فؤاد- المغرب :
الأستاذ أحمد مطر، من المعروف أنّ النفس البشرية تتأرجح بين حالات التفاؤل واليأس، والحب والكره، والفرح والحزن، والرضى والسخط، إلى آخر هذه الحالات. فلماذا لا يكتب الشاعر نفسه في هذه الحالات ؟ بمعنى آخر لماذا تحصر نفسك في غرض شعري معين ؟
هذا سؤالي، ويريد أستاذي إرسال سؤال لك، وهذا هو سؤاله :
إلى أي مدى بلغ بك الإحباط بعد حكايتك مع قصيدة ( أعد عيني ) مع جريدة القبس ؟ وهل هناك كلام لم يقله أحمد مطر لنا بخصوص هذا الموضوع عندما كتب قصيدة ( الراحلة ) ؟
- نعم.. " المعروف " عن النفس البشرية هذا التأرجح. لكن هل ترك " المنكر " لها، في أوطاننا، حرية التأرجح ؟ بل هل ترك لها أرجوحة من أيّ نوع ؟ بل هل ترك لها أدنى اعتراف ببشريتها على الأقل ؟
ومع ذلك، وبرغم كون نفوسنا ذاتها هي الأراجيح التي تلهو بها مناقل الجمر، من المهد إلى الدولة، فإنّ شعري لم يخلُ من هذه الحالات التي ذكرتها، وإذا بدت مساحة الحزن والغضب أوسع، فلأنها مبسوطة على مقاس خيمة الكدر والأوجاع..وما أوسع هذه الخيمة يا فؤاد !
ليس اليأس ما يحركني، بل الشعور بالمأساة، وهو ما يجعلني أوزع صوتي على الجهات الأربعين، محذّراً ومستنجداً ومستنهضاً الهمّة للانعتاق .
وأن تشعر بالمأساة فذلك دليل على أنّك واعٍ، وأن تتحرك لمواجهتها فذلك دليل على أنّك حي .. فأي فأل أطيب من هذا؟
أم أنّ عليّ أن أطلّ على حريق روما، مستمطراً قيثارتي ألحان الفرحة، حتى يقال أنني " متفائل " ؟!
لقد فعل " نيرون " هذا من قبل، لكنّ التاريخ لم يمنحه سوى قميص مستشفى المجانين !
وبخصوص سؤال أستاذك الفاضل، أود القول بأن امتناع صحيفة عن نشر قصيدتي لا يشكّل إحباطاً بالنسبة لي، لأنني أستطيع نشرها في أي وقت وفي أي مكان، وبالطريقة التي تعجبني. وهذا ما فعلته .
سمّها خيبةً، إذن. ولو علمت عدد الخيبات في حياتي، فلن تعجب إذا وجدت هذه مستقرة، لضآلتها وانعدام مداها، في قعر الصندوق .
الإحباط القاتل حقاً هو أن أفقد إيماني بالناس تماماً، وذلك أمر لم يحدث، فأنا على يقين من أن هذه الأمّة ستنهض ذات يوم، وأنها لابد أن تفرد كفّها لتحتوي وجه هذا الخزي والهوان بصفعة يطير لها صواب الدنيا .
وإذا كانت القبس قد فتحت لي قوس الخيبة، فإنني سأغتنم الفرصة لأكتب بعده اعترافي بسابق فضلها في حمل لافتاتي .. ثمّ أغلق القوس .
أنا، الآن، أكتب في جريدة ( الراية ).. وكفاني منها أنها قد نحرت الرقيب، على أعتاب لافتتي، إكراماً للحريّة .
شكراً لهـا .

· عبد الله- قطر :
( وعليهم وعلى نفسي قذفت القنبلة ).. كانت هذه المقولة تلخص الحل في رأي أحمد مطر، هل مازال أحمد مطر ينظر إلى الحل بهذه النظرة، رغم فتح قنوات الحوار في العالم ؟
- هذا الحل لم يعد وارداً عندي.. بل قل إنني صرت أراه ( حلاً عذرياً ) !
قنبلة ؟ كلاّ .
الآن بالذات، حيث كشّرت قباحة حكّامنا عن جذور أضراسها، أصبح الحل يحتاج إلى حمولة سبع سماوات من القنابل..ولا أظنها ستكفي لغسل العار .
عن أيّ قنوات للحوار تتحدث يا عزيزي عبد الله ؟
لو سألت التاريخ عن آخر قناة للحوار عندنا، ولو استطاع المسكين أن يغافل أمراضه المزمنة، لأفادك، من خلال سعلة طويلة، بأنها أغلقت بالرصاص، بعد انتهاء الخلافة الراشدة بساعة !
لعلّك تقصد ( القنوات الفضائية )؟ إذن سمّها ( قنوات الخوار ) ، واعلم أنها أحد الأسباب التي تدفعنا دفعاً إلى نفخ قنبلة الحل، حتى تصبح بحجم الكرة الأرضية .
أمّا إذا كنت تقصد الحوار بيننا وبين العالم الغربي، فهو مقطوع تماماً، ليس لأننا لا نعرف كيف نتكلم، ولكن لأن ذلك العالم لا يعرف كيف يسمع. إنّ أذنيه مسدودتان حتى الصماخ بالشمع الصهيوني .
وحتى هؤلاء ( الحواريون ) الذين ينتدبون أنفسهم للتواصل باسمنا مع ( يهوذا )، لا يملكون من الأمر إلاّ أن يتلقوا الصفعة منه، ليعودوا وهم يلهجون، بحصافة وبُعد نظر، بأنهم وجدوا فيها " جانباً إيجابياً " هو أنّ الصفعة لا تخلو من كونها " مصافحة للخدّ " !
هل أجد عندك قنبلة زائدة .. لأضيفها إلى الحل ؟

· أثباج – السعودية :
ربما يكون سؤالي متجاوزاً الخطوط الحمراء، لكنني أرى أنه من المناسبة أن أسأل الشاعر الذي تجاوز كل الخطوط بهذا السؤال وآمل أن يصل سؤالي إلى شاعرنا ولو لم يجب عليه: أحمد مطر..في شعره ثار وتمرد وعاش مأساة الشعوب العربية المغلوبة على أمرها..هاجم الحكومات،هاجم الغرب، أجّج النار في صدر كل عربي.. ثمّ ماذا ؟
القصة لم تنته بعد.. أحمد مطر يتمرغ في نعيم الغرب، يأكل من شهد الحكومات.. أي أنه باختصار يعيش في الجنة ويدعو الناس إلى العيش في النار.. أبعد الناس عما يدور في شعر أحمد مطر هو أحمد مطر نفسه ..والسؤال.. لماذا كل هذا ؟
- ثمّ ماذا ؟!
إذا كان هذا الذي عدّدت صنائعه في مطلع كلامك هو أنا، فذلك يعني أنني قمت بما أراه واجباً عليّ، بقدر ما أستطيع، وعلى أفضل وجه. إذن لم يبق لي، بعد هذا الشوط الطويل، إلاّ أن أعيد السؤال إليك أنت : ثمّ ماذا ؟
أم أنك وأمثالك تحسبونني القائد العام للقوات العربية المسلحة، وتستغربون من طول تردّدي عن تحريك الجحافل الباسلة ؟!
سأفترض فيك حسن النية، وعلى ذلك سيمكنني أن أتساءل عمّا إذا كان ضميرك قد أسلمك إلى راحة النوم، بعد أن اتهمتني، دون بيّنة، في أعزّ ما أملك: عفّة يدي وضميري ؟
إنني لم أقصد (نعيم الغرب) هذا سائحاً، بل إنّ زبانية جهنم القائمين حولك هم الذين اشتركوا جميعاً في ركلي إليه، ولو تُرك لي الخيار لوجدتني معك، الآن، متشبثاً بمائدة الجمر حتى النفس الأخير .
ولو كنت لأدعو على أحد بالسوء، لدعوت لك بمثل هذا "النعيم" الذي أحياه، فلعل في تذوّقك إيّاه كما أتذوّقه أنا، ما يحملك على التريّث قليلاً قبل إلقاء الكلام على عواهنه .
ثمّ أمن الإنصاف في شيء أن يقال عن مثلي: ( يأكل من شهد الحكومات ) ؟!
إنّ قائل هذا لم يُخطئ في حقّي فقط، بل في حق المعلومات العامة أيضاً، ذلك أنه يفترض أنّ الحكومات تمنح الشهد، مما يعني أنه لا يعرف الفرق بين النحل والعقارب !
للمرء أن يغضب مني، أن يكرهني، أن يرفضني ويرفض شعري، لكن ليس له أن يقول عني هذا، لأنه افتراء مفضوح ومضحك لا يمكن أن يصدّقه أحد، ولا يمكن لأية محكمة في الأرض إلاّ أن تنزل العقاب بقائله .
إني لأتساءل بدهشة: إذا كنت أنا من يوصف بهذا الوصف، فماذا سيبقى لديك لوصف المرتزقة إذن ؟!
على أية حال، إنني أتحدّاك وأتحدّى الحكومات جميعها أن تأتوا بدليل على هذا .. أمّا قبل ذلك فينبغي للعاقل الحصيف أن يعضّ على لسانه بكلّ قوة، إذا أغراه بتوجيه مثل هذا الكلام إليّ .
ثمّ بأي مقياس للأطوال تحدّد بُعدي " عمّا يدور " في شعري ؟
وماذا يُقتَرح عليّ أن ألقى لكي أكون قريباً منه ؟
على قائل هذا أن ينوّرني أولاً : كم عاماً تشرّد ؟ وكم مرّة واجه تهديداً حقيقياً بالقتل ؟ وكم مرضاً عصيّاً أصابه ؟ والأهم من كل هذا.. كم جثّة قتيل مظلوم من أهله احتمل واحتملوا دفعها ثمناً لما يؤمن ويؤمنون به ؟
وحتى إذا لم أذق أيّاً من هذه المرارات، فهل هذا يعطي الحقّ لأحد بإغلاق فمي عن وصف ما أراه وأشعر به من مآسي الآخرين ؟
ومرّة أخرى.. إنني لم أدعُ الناس من (جنتي) ، بل أنفقت عشرين عاماً من عمري هناك في (النار) نفسها، أدعو الناس إلى تحويلها إلى (جنّة) .. فلماذا لم تنهضوا لتعلنوا رفضكم إبعادي ؟ لماذا تركتموني وحيداً، لأنفى إلى هنا بالقوّة ؟ ثم لماذا رحتم، بعد ذلك، تعيبون عليّ وجودي في المنفى ؟
إذا كان لا يريحكم وقوفي على الأرض ولا تعلّقي بالسماء، فأين تريدونني أن أكون، بالضبط، لكي ترتاحوا ؟!
هاهي الجنة فاتحة أبوابها، فافعلوا مثلي لكي ترسلكم تلك الحكومات إليها، وتغدق عليكم من شهدها، أو إذا شئتم، اقطعوا تذاكر وتعالوا. إنّ رضوان لم يغلق الأبواب، ومالك لا يمنع أحداً من التمرّغ في (النعيم) .
وإن كان مجمل الأمر، يا أثباج، هو أنك من غير المؤمنين بما أقول، فإنّ بإمكانك مقاطعة حملتي، وعدم الإصغاء إلى خطاباتي، والامتناع عن انتخابي، وتنتهي المشكلة .
وعندئذ، سيمكنك الرجوع إلى سطور نقمتك التي سمّيتها أسئلة، لإعادة طرح السؤال على نفسك أنت، وبحق هذه المرّة : لماذا كلّ هذا ؟

· قايد- السويد :
لو قمنا بتقسيم المدارس الشعرية على خلفية 11 سبتمبر إلى مدارس إرهابية وأخرى غير إرهابية، فأين سيكون أحمد مطر ؟
- إذا بكى طفل رضيع على صدر أمّه، في هدأة ليل العرب والمسلمين، فلا أستبعد، في زمن المهازل هذا، أن تعدّه أميركا، برصانتها المعهودة، محوراً للشّر، ينبغي استخدام القوّة النوويّة للإطاحة بـ (حفّاظته) !
فهل بعد هذا تسألني أنا من أيّ مدرسة سأكون ؟!
أنا إرهابي، من قبل سبتمبر ومن بعده، وبإمكانك أن تسأل عن هذا حكّامنا الطيبين جداً، والمبادرين إلى التطبيع حتى مع الدّيدان..إلاّ معنا .
كلّ ما تغيّر هو أنني كنت إذا قيل لي (سبتمبر) أصرخ : ملعون أبو " تمبر " …
أمّا الآن فلم أعد أسبّه.. نكايةً بأميركا، وإمعاناً في الإرهاب .

· أسد- السعودية :
هل تعتقد أنّ الأنظمة العربية لها دور في الإبداع الشعري المتدفق سخرية وحزناً؟
- إذا كان لهذه الأنظمة دور في الإبداع فهو دور حمّالة الحطب، ونحن لا نريده بأيّة حال . بل نريد في غيابها أن نلتفت إلى لون الوردة وعطرها، وأن نستبدل قباحتها الخاكيّة بخضرة العشب وزرقة السماء، وأن نتذكر عذوبة عناق الأخ لأخيه، وهناء رقدة الرأس في حضن الأم، وجمال رؤية كفّ الجار وهي تلوّح لنا بالتحية، دون أن يخامرنا شكّ في أنّ كفّه الأخرى مطويّة على وشاية .
الحياة كلّها شعر. وفي غياب هذه الأنظمة ، ستستحيل السطور أسلاكاً تطرّزها أطيار الحروف، أو آفاق بحار تدغدغها أشرعة الكلمات .
وإذا رفض الشعر أن يأتي إلاّ كرمى لعيون هذه الأنظمة، فليذهب معها، يداً بيد، إلى جهنم وبئس المصير .


· محمد الزهراني- السعودية :
يقال إن أحمد مطر ذو اهتمامات قومية عربية، ولا ينظر من زاوية الأمة المسلمة.
إلى أي درجة تصدق هذه المقولة ؟
- هذه المقولة قاصرة جداً، لأنها لا تنظر إلى الاهتمامات كمشاعر متشابكة، بل تُقطّعها بالسكّين إلى وحدات مستقلة مثل قوالب الصابون .
يصحّ القول إنّ اهتماماتي إنسانية شاملة لا تسأل، في مواجهة الظلم، عن اللون أو الجنس أو المعتقد، بل تركّز قبل كلّ شيء على مناصرة المظلوم..ذلك الذي يستجيب الله دعوته حتى لو كان كافراً، وهذه واحدة من بركات الإسلام الخافقة في قلبي.
ومادام الأمر كذلك، فما وجه الخطأ في أن يكون لي، أنا المسلم، اهتمام بالعرب، وهم أهلي الأقربون ؟
أنا عربي الأب والأم والأجداد، فهل يجب أن أتخلّى عن انتمائي لكي أكون جديراً بالإسلام ؟
الإسلام قلبي، والعروبة ملامحي وصوتي، والإنسانية خيط ارتباطي بأشباهي في الخلق . فأي ضير في أن يكون هذا كلّه موضع اهتمامي ؟
إنني، في حياتي، لم أسمع أنّ أحداً نزع جلده وقطع لسانه ومحا أشباهه، لكي يقدّم الدليل القاطع على حبّه لقلبه !

· عبد العزيز- السعودية :
" الشعر ديوان العرب " برأيك ماذا بقي من هذا الديوان، خصوصاً في ظل الأوضاع الراهنة ؟
كتبتم قصيدة في رثاء ناجي العلي من الشعر العمودي..عدّها النقاد من عيون المراثي العربية، لماذا هذا الجفاء بينكم وبين الشعر العمودي، رغم إبداعكم فيه ؟
هناك كرسي شاغر لتنصيب أشعر شعراء العرب الذين مازالوا على قيد الحياة، مَن ترشّح له ؟
- ديوان العرب باقٍ كلّه، وسيستمر بقاؤه، وسيزداد.. إنه جارٍ في بحوره بلا انقطاع، مهما بدا لك من تلال الطلاسم وجبال الفراغ .
انظر إلى ما يسعى الناس إليه بشغف وشوق، لا إلى ما يسعى إلى الناس برغم أنوفهم .
وفي ظل الأوضاع الراهنة بالذات، تجد القارئ العربي أكثر إصراراً على التمسك بديوانه كملجأ آمن وحصين. وهو في لجوئه إليه لا يجد أدنى صعوبة في القفز نحوه عالياً، فوق صفوف متراصّة من قطعان " المافيا اللغوية " التي تكتظ بها حظائر النشر الاحتكارية ، خاصّة بعد أن أصبح أغبى الأغبياء يدرك أنّ المؤامرة لم تعد نظرية، بل هي تطبيق عملي قائم على قدم وساق .
لا تنظر إلى " وسائل الإعلام " . إنها بمعظمها مصانع لإنتاج الإغماء..تخطط لها الدوائر الغربية التي تسعى إلى تدمير الهوية من خلال تدمير اللغة والموضوع والمصطلح ، وتموّلها الدوائر الحاكمة التي لها مصلحة في قطع الطريق على الكلمات الصادقة المارقة، بحواجز من الفراغ البدين، وتقوم على إدارتها شبكات المرتزقة من " حَمَلة الأقدام " الناطقين بلغة الزاد .
كل هذا قبض ريح. إنه لغو يحاول جاهداً أن يقرأ قفا الناس، فيما وجوه الناس منصرفة عنه إلى قراءة ما ينفعها، بالوسائل السريّة، والعلنية أيضاً، بعد انتشار الإنترنت .
ومهما تفاقم مسيل الوحل من حنفية المخابرات المركزية، فإن لديوان العرب بحوره التي لا يكدرها الوحل، ولا توقف جريانها الأصابع، في حين أن الوحل سينقطع حالما تغلق الحنفية، وهي ستغلق حتماً، كما أغلقت من قبل.. إذ لا يصحّ إلاّ الصحيح .
أمّا العلاقة بيني وبين القصيدة العمودية فلا أعتقد أنها مشوبة بالجفاء، ذلك لأن قصيدة التفعيلة التي أكتبها هي ابنتها الشرعية التي لا تعدم الوزن ولا القافية، ومادمت ملتزماً بأصول " العائلة " فأنا حر في أن أسلك الكلام في ثوب أيّ منهما، حيثما أجد الثوب مناسباً لمقتضى الحال .
وبالنسبة للكرسي الشاغر، لا أخفي عنك أن هذا الأمر قد بدأ يشغل بالي !
ما حكاية هذه الكراسي التي صارت تنبع هنا وهناك مثل " الفقع " ؟!
أخوك حيدر السليمان من الكويت، سبق أن أخبرني بعثوره على مثل هذا الكرسي، وقد نصحته باعتلائه وتسجيله باسمه، وليس بوسعي إلاّ أن أقدّم لك النصيحة نفسها. لا تقل لي إنك لست شاعراً. فما دمت تستطيع أن تعطس أو تسعل أو حتى أن تصمت (وما أكثر الصمت)، فأنت شاعر بشهادتي. وإذا كانت شهادتي مجروحة فإنني أحيلك إلى فتوى تيمورلنك التي تقول " إنّ الشاعر لا يكتب قصيدة .. بل يخلق فضاء " . هيّـا.. اخلق لك فضاء . هل هذا صعب ؟
وعلى كل حال، إذا أجهدك أن تؤشر في الهواء، أو أن تنفخ بالونة، فبإمكانك إرسال الكرسي إلى حيدر، ليحجزه لولي عهده.. هذا إن كان قد سمع نصيحتي، وإلاَ فبوسعه ربط الكرسيين معاً وحملهما هدية إلى (ديوانية شعراء النبط)، وبذلك سيحل مشاكلنا جميعاً !


· نزار رستناوي- سوريا- حماة :
متى يمكن أن نقرأ روح الأمل وبشرى النصر في قصيدة سطرها أحمد مطر ؟
- تقرأ روح الأمل وبشرى النصر في قصيدتي عندما تلوح لي إرهاصاتهما الحقيقية. وحيث أنني لم أرَ ذلك إلاّ في حالات نادرة، فقد راهنت على تلك الحالات منذ البدء، ولا أزال .
إنك لا بد أن ترى لي وردة زكيّة مندلعة من ثرى انتفاضة الفلسطيني، ووردة جميلة نامية في ثرى تحرّر الجنوب اللبناني، ونثار ورد في كل ثرى من بلادنا تورق فيه هبّة شعبية غير مبالية بقسوة العملاء ولا بكيد أسيادهم.
بل إنني كثيراً ما أستفز موج الظلمات المتلاطم، فأرسم فوق وجهه، بعناد، وردة لهب، أذكّره بأنها هي المصير، مهما أسرف بالطغيان، ومهما انتفش بالزبَد .
ولست أفعل ذلك اصطناعاً أو خداعاً للنفس، ولكن لأنني مؤمن حقّاً بأن لا بد للأرض، في النهاية، أن تبلع ماءها، ولا بد للسماء أن تقلع، ولا بد للماء أن يغيض، وعندئذ لا بد لسفينة الحياة أن تستوي على الجوديّ .


· جمال الغزاوي- فلسطيني مغترب :
هناك موقع يحمل عنوان (لافتات مطرية) في أميركا
ويوجد أسفل الموقع عنوان للمراسلة باسم أحمد مطر فهل هو عنوان إلكتروني للشاعر؟ وللعلم فقط فإنني أعرف كثيراً من الإخوة الذين راسلوا صاحب العنوان باعتباره الشاعر أحمد مطر .
- ليس لي أي موقع خاص بي على الإنترنت. وعلى ذلك فليست لي أيّة علاقة بالموقع المذكور .
وأيّاً كان صاحب الموقع، وأيّاً كانت نيّاته، فإن وضعه بريداً إلكترونياً باسمي هو انتحال لشخصيتي وعبث بقرائي. وذلك كافٍ لاعتباره شخصاً مجرّداً من الأمانة .


· سلطان- السعودية :
من أين يبدأ الحل ؟ ألم ينته زمن الكلام ؟
- يبدأ الحل منك ومني، حين ندرب أنفسنا على سماع الآخر، ونتعلم أن نختلف مع كلمته بالكلمة، الأمر الذي سيقتضينا أن نمحو ملفّات الصفع من ذاكرة أيدينا، وأن نحمّل رؤوسنا ما لا حصر له من الكلمات. ومن شأن هذا أن يطلق سراح أعيننا الملتصقة بالصمغ في شاشة التلفزيون، ويُذكّرها بأنّ "الكتاب" قد أصبح في وحشة من فراقها، وأنها قد آن لها أن تعود إليه .
عليك وعليّ أن نتعلم هذا وأن نعلّمه لأولادنا، وأن نضرب لهم بأنفسنا مثلاً في التراحم والتلاحم، وأن نتشارك معهم في إضاءة حجرات وعينا، لكي نعرف جيداً أهمية مقامنا عند رب العالمين، وندرك تماماً ضخامة حجم الحرية التي بثّها في خلايانا. وعندئذ.. سنغادر أبواب بيوتنا ونحن نحمل تحت ثيابنا قدسية الإنسان، لا مجرد ظلال الأرقام السابحة في ضباب لوائح التعداد ، وسيغدو مستحيلاً على من سجد الملائكة لهم، أن يسجدوا للبهائم مهما أثقلت قرونها التيجان المرصّعة بالأحجار اللئيمة.
كلاّ .. لم ينته زمن الكلام. إنه مازال في بدايته المتكاسلة، وعليه، الآن بالذات، أن يبدأ التكفير عن تقصيره، فينتظم فوق السكّة طائراً كالقطار الكهربائي .
لقد تخلّفنا طويلاً عن رش رذاذ الكلام النقي على دخان هذه الحرائق التي يشعلها الطغاة بأموالنا المسروقة، حتى أوشكنا على التنفس بالاختناق والإبصار بالعمى !
الكلام النظيف هو وحده الذي يهزم الكلام القذر، وإذا فاته أن يفعل ذلك عاجلاً، فحسبه أن يَحدّ من ضراوة البغاء الصاعد من الأرض بأجنحة الورق، والبغاء النازل من الفضاء بالصناديق المُشعّة .
كلامنا هو ما يخشاه الطغاة، لأنه عدتنا ودليلنا في البحث عن الإمام العادل، ولهذا فإننا لن نسعدهم بتركه، ولن نخون أنفسنا بإنهائه، لأننا، في غيابه، سنقرأ طريقنا بالمقلوب، وبدلاً من أن نعثر في نهايته على إمام عادل، سيكون غاية ما نحظى به هو (عادل إمام) !

· lara bad- u.s.a
لماذا يبدو في بعض قصائدك إيمان قوي وفي بعضها الآخر تهكّم على الشرع ؟
- كلاّ، هذا لا يبدو أبداً. لكنه قد يبدو لك إذا وضعت الرجال في موضع الشرع نفسه، وأنا – لإيماني القوي – لا أضعهم هذا الموضع .
إنني بدافع غيرتي على الشرع المبتلى، أتهكّم على من يمتطون الآخرة للوصول إلى الدنيا، أولئك الذين يفتحون ألف عين على قصر الجلابيب، لكنهم لا يلقون حتى نظرة خاطفة على طول " الأوزار"!
أتهكّم على من يشوّهون جمال دين العدل والرحمة، إذ يقطعون يد سارق الدرهم، ثمّ لا يجدون حرجاً من أن يقبضوا رواتبهم من يد سارق البلاد والعباد !
أتهكّم على من يطالبونني بالسمع والطاعة لأيّ أفّاق لم أبايعه على حكمي، ولأيّ لص لم أبايعه على سلبي، ولأيّ مجرم لم أبايعه على قتلي، ثمّ يحاولون تجميل القباحة بقبح أكبر، حين يباركون لي بعظيم المكسب لأنه لم يمنعني من الصلاة !
وأيّ صلاة بعد هذا ؟!
أيتفق عقلاً أو شرعاً أن أدين للمنكر بالسمع والطاعة، ثم أقوم لأقرأ في صلاتي :
" إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " ؟!
لكلّ فرعون هامانه وقارونه، وفي زماننا هذا، استأثر فرعون بخزائن قارون، وأوقف (الهامانات) بوّابين على أعتاب ظلمه وجوره وفساده، ليعتصروا "الشرع" سوائل قابلة لأخذ أيّ شكل من أشكال أوانيه المستطرقة !
هؤلاء، يا لارا، ليسوا الشرع. هؤلاء هم أعداء الشرع. وأنا ، في الواقع، لا أكتفي بالتهكم عليهم، بل أجلد وجوههم بسوط الإدانة، بأقسى مما أجلد الطغاة أنفسهم ، ذلك لأن الطغاة إنّما يرتكبون جرائمهم عاريةً، أمّا هؤلاء فإنهم يأتون بما يُعجز إبليس من فنون التفصيل والخياطة، من أجل إلباس تلك الجرائم ثوب الدين !


· Algafeky Ali- canada
البعض يقول إنك لا تؤمن بما تقول، وإنما تقول ما يريده الناس لكسب الشهرة والمال معاً، أي بمعنى آخر أنت لست صاحب قضية بالدرجة الأولى .
- بل أنا، بكل المعاني، صاحب قضية بالدرجة الأولى والأخيرة، وإيماني بما أقوله مستقر في كلّ خلية مني، وما أقوله إنّما هو ما أريده أنا قبل كلّ شيء .
لكن لأنني واحد من هؤلاء الناس الذين ذكرهم البعض "المبهم"، ولأنني أعيش مآسيهم نفسها، فإن ما أقوله لا بد أن يكون، بالضرورة، معبراً عن معظمهم .
دع ذلك "البعض" ينتظر قليلاً، والتفت إليّ..إنني أطالعك باسمي الصريح ووجهي المعلن، فاسمع منّي .
أتعتقد أنّ شيئاً في الدنيا أغلى عندي وأحبّ إليّ من أن ألوذ بظلّ أبي، أو أن أستروح عطر أمّي، أو أن أتقاسم مع إخوتي ضحكة صافية في لحظة أمان ؟
ما الذي حملني على ترك كنوز كهذه، يحسدني قارون عليها، لأتجاذب أطراف الغربة والخوف والمرض والتهديد، وأفرغ حصّالة عمري، على جمر النكبات، من ثمانية وعشرين عاماً هي الأزهى والأجمل في حياة أيّ إنسان ؟
الشهرة ؟!
أما كان بوسعي أن أطلبها بالسلامة وقلّة الجهد ؟
هل تعوزني الكفاءة، مثلاً، لنزع خرقة أمسح بها على ظهور هذه الحكومات القذرة؟
وهل أحتاج إلى جهد لكي أؤلّف (كمننا) على شرف هذا الزمان الكمنني ؟
إذا كانت الشهرة مطلبي حقاً، فأيّ أحمق أنا إذ أسعى إلى أضيق آفاقها على حدّ الشفرة، فيما يتربع عليها من دوني – بخبطة طبلة – زميلنا المناضل " شعبان عبد الرحيم" الذي يكره المقاول .. ويحب المَعاوِل ؟!
إذا كنتُ معروفاً إلى حد ما، فليس لأنني أسعى لأن أكون معروفاً، ولكن لأنني أصرّ، بوسيلتي الخاصّة البسيطة، على إيصال الكلمة الحرة الصادقة إلى أبعد رأس مغمور بضلالات الحكام ومرتزقتهم.. وعندئذ لابد لمن تصل إليه الكلمة أن يعرف من المسؤول عنها .
وأجمل ما في هذه المعرفة أنها قائمة على التشارك الفعلي في الهموم والتطلعات، لا على الصيت الفارغ .. وإلاّ فكم من مشهور ترى اسمه مقرراً في المطبوعات، وصورته مفرودة على الشاشات، دون أن يملك القارئ من كلامه حرفاً واحداً ؟
أهكذا أنا ؟
لعلك تقول إنّ هناك قطيعة بين وسائل الإعلام وبيني؟ هذا صحيح ، وهو يعني أن ما أقوله يغلق باب الشهرة بدلاً من أن يفتحها، وهذا بحد ذاته كافٍ للرد على ذلك " البعض " .
لكنّ هناك جانباً آخر لهذه المسألة، أعتقد أن الكثيرين يجهلونه، ولذلك ينبغي لي هنا أن أجهر به ، لكي يعلم من لا يعلم.
إنّ قرار القطيعة بيني وبين وسائل الإعلام ليس بيد تلك الوسائل .. بل بيدي أنا .
فإذا كانت تقاطعني بالمواسم، فأنا أقاطعها بالدهر. إنها تسعى إليّ أحياناً، لكنّني لا أسعى إليها أبداً. وحتى إذا سارعت هي إلى فتح صفحة جديدة معي، فإنني سرعان ما أختم كتابها كلّه بالشمع الأحمر .
تأتيني، باستمرار، دعوات كثيرة وملحّة، من صحف ومجلات وفضائيات ومهرجانات ومنتديات ومؤسسات رسمية وشبه رسمية، لكنني أبادر، دائماً، إلى الاعتذار عن عدم التلبية .. وأظن أنّ بوسع العشرات ممن كتبوا إليّ أو اتّصلوا بي أن يشهدوا بذلك .
إنني ، خلال أعوام طويلة، لم ألبِّ سوى دعوتين اثنتين للحوار، أولاهما مع مجلّة معارضة بشدّة لأنظمة القمع، والثانية مع مجلّة كان يصدرها شبّان شرفاء كتجربة لصحافة مختلفة، ولم تكن لهم أيّة علاقة بسلطة تدفعهم أو تدفع لهم. وأكبر دليل على براءة هاتين المجلتين، أنهما توقفتا عن الصدور، لضيق ذات اليد، ولضيق ذات الطغيان !
مختصر القول: إنّ الشهرة –على ضيقها- هي التي تسعى إليّ، ولو أنها توقّفت عن مسعاها ، فسأكون لها شاكراً وممتناً. أمّا المال المحدود الذي أكسبه بعملي فإنني أبذل أضعافه جهداً، ثمّ لا ألبث أن أدفع ثلثه ضرائب للحكومة .
بلّغ أثباج أنني أنا من يدفع للحكومة !


· أحمد الغامدي – السعودية :
بدايةً أحمد الله الذي رفع عن هذا الموقع حجب شياطين السلاطين، ثمّ أبارك لكم هذه الخطوة في استضافة شاعر العرب الأول .
أستاذي الكبير أحمد مطر.. أهديك تحية رائقة لائقة فائقة، فالسلام عليك ورحمة الله .
كثيراً ما أسائل نفسي عنك.. لماذا يحيا هذا الشاعر حياة المشردين ؟ ما ضرّ لو عاش كغيره من شعراء العرب ؟ ما هذه البدعة التي ابتدعها في عالم الشعراء ؟ إلامَ يحشد طاقاته وقدراته ؟ إذ لا أظن أنك ساعٍ لشهرة، فلو كانت مقصدك لأتتك بأقل مما تبذل، فأنت لست شاعراً فحسب، بل أنت مؤسسة إعلامية .. بل دولة !
أنت الأعشى الذي خافت قريش إسلامه.. غير أنه لم يلهك ما ألهاه .
ولقد كنت – أنا- فيما مضى ادعيت لك منزلة قد ادعت الخنساء لنفسها لدى النابغة أقلّ منها .. زعمت –أنا- أنك أشعر العرب والعجم رجالهم ونساءهم، جنّهم وإنسهم، وأولهم وآخرهم !
أستاذي أحمد .. همس لي جدي ذات يوم بحكمة أراها كلّما أقدمت على عمل .. قال لي: (يا بني..إذا سرقت فاسرق جملاً) .. رحم الله جدي، إذ كان يعلمني كيف أكون عالي الهمة حتى لو تدنيت لمستوى اللصوص !
أقول لشاعرنا.. إن حكمة جدي الآن تلوح لي لأسألك: ما غايتك ؟
أرجو أن تكون عظيمة مستحقة لكل ما ضحيت به.. غاية تجعلك محموداً عند ربك كما أنت عند خلقه .
- أشكرك من كل قلبي، يا ولدي، على المحبة التي غمرتني بها، و إذ أعترف بأنني أفقر بكثير من غنى هذه الأوصاف التي أغدقتها عليّ، فإنّ عندي من الصدق والثقة أيضاً ما يجعلني قادراً على طمأنتك بأن ظنك بي لن يخيب بإذن الله، لأنّ غايتي عظيمة بالفعل، وهي دعوة الناس إلى الخروج من عبودية العبيد، إلى نور الحريّة في ظلّ رب العباد .
أمّا حكمة جدك رحمه الله، فقد ألفيتُها تدور في بيئتي من قبل، ويسعدني أنك أحسنت فهمها على الوجه المطلوب، وليت حاكماً واحداً من حكامنا قد فهمها مثلك، إذن لأزاح عن صدورنا واحدة من هذه الجلاميد المتراكبة.. لكن المشكلة أن كلاً منهم قد فهمها حرفياً، فسرق الجمل بما حمل، ولم يكتفِ بذلك بل سرق الأرض بمن عليها !
هناك حكمة أخرى، طالما سمعتها، منذ وعيت، تتردد على شفتَي والدتي، حتى أصبحت لكثرة ترددها جزءاً من ذهني، وهي: (أمّي..لا تعيش بذل وأرض الله واسعة) . ولقد احتجت لأن أكبر وأتعلم القراءة، لكي أدرك أنّ أمي، ببساطتها، كانت تلخّص لي قوله تعالى في سورة النساء: ( إنّ الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا)
والآن.. أرى ذلك الطفل الذي كنتُه، يموّه دمعته بالابتسامة، ويطلّ من وراء كهولتي، ملوّحاً بقلبه، على رغم اتّساع المسافة والزمن: ( شكراً يا أمّي) .


· عبير حجازي – فلسطينية مقيمة في الإمارات :
عزيزي المبدع أحمد مطر..
توقفت مطوّلاً لأبحث عن سؤال يختزن كل علامات الاستفهام التي تجول بخاطري، غير أنني لم أجد سوى علامة استفهام مهولة يدور في حلقتها سؤال واحد: أهو الألم أم الأمل ما يزرع بذرة الإبداع وييسر ولادة القصيدة لدى أحمد مطر ؟
- صدّقيني، أيتها العزيزة، إذا قلت لك إنني لست أقلّ حيرةً منك، أمام علامة الاستفهام المهولة تلك.
لا ريب أنّ الألم هو سائق انفعالاتي الفظّ، وأنّ الأمل هو وسيلتي الدائمة لترويضه. لكن.. هل أكون بهذا قد لخّصت لك عملية الإبداع ؟
كلاّ، فليس الألم والأمل سوى عاملين بسيطين ظاهرين على سطح حشد كبير من العوامل الفعّالة الخفية التي لا يمكن لأيّ شاعر أن يتبيّن أسرارها بدقّة .
إنّ للتجارب والأحداث والقراءات خمائر عديدة تعيش في النفس قبل وأثناء وبعد الكتابة، غير أنّ الإلمام بكيفية وحدود تفاعلها، أو طريقة تدفّق خلاصاتها، يبقى، على الدوام، أمراً مستحيلاً. ولعلّ ما يؤكد هذه الاستحالة أنّ العملية الإبداعية لا تتم بصورة واحدة، فهناك قصائد تندلع ثمّ تتّقد وتمتد وتصنع نارها في أقلّ من ساعة، بينما ثمّة قصائد أخرى تمشي متّئدة، وقد لا تبلغ درجة الاتقاد إلاّ خلال أشهر، أو حتى سنوات .
المهم أن يكون المرء حائزاً على القدر المناسب من الطاقة، والقدرة الجيدة على استخدام الأدوات، لكي يستطيع، إذا اندلعت شرارة التفاعلات في داخله، أن يحاصرها في الحدود التي تكفل إنضاج الرغيف ومنح الدفء ونشر النور معاً.
ومن دون هذه الطاقة وتلك الأدوات، فإنّ الشرارة قد تنطفئ قبل الأوان،أو قد تغادر مثابة الجمال والفائدة، إلى مهاوي الإحراق والتدمير .
وأنا بما لدي من طاقة وخبرة في استخدام الأدوات، أحاول، مخلصاً، أن أستمد من ذلك التفاعل الخفي جرعة النار اللازمة، وأن أحول، جاهداً، دون انكسار السدّ وتدفّق طوفان الحريق .


· أحمد سعيد- الأردن- عمّان :
غالبية قصائد الشاعر أحمد مطر تصوّر لنا كبت الحريّات في الأوطان العربية، وبالذات حرية التعبير. كيف يرى أحمد مطر تجربة الإنترنت التي أتاحت للجميع حرية التعبير ؟ وهل استطاعت حرية الكلام أن تغيّر شيئاً ؟
- لاشكّ أنّ تجربة الإنترنت قد فتحت أفقاً رائعاً لتداول المعلومات والأفكار، لكنها - وأرجو أن أكون مخطئاً –لم تفلح ، بعد، في إزالة آثار الكبت، ولا في إتاحة حرية التعبير المبتغاة. ذلك لأنّ طرفي العلاقة (المواطن والسلطة) وهما يواجهان شبكة الإنترنت، مازالا مشدودين بقوّة إلى شبكة خوفهما الأزلية ..فإذا رمى ذلك منشوراته من وراء حائط الأسماء والعناوين المستعارة، كبست هذه زراً فارتفع السقف وانطبق على الحائط .
لقد أبلغني أخي العزيز المشرف العام على هذا الموقع، بأن موقعه كان محجوباً عن بعض الدول الخليجية لمدة ستة أشهر..فيما علمت أن ابن شاعر مصري راحل، دخل السجن لنشره إحدى قصائد والده على الإنترنت .
وهذا يعني أننا، برغم تقدّم وسائل الاتّصال، مازلنا نتحرك في زمن المخبر " عبد العاطي "، وأننا ما زلنا نطبع منشوراتنا السريّة بآلة (الرونيو) البدائية، وكلّ ما جدّ هو أننا صرنا ندثّر عظامها الواهية بسترة (الكومبيوتر) !
ليس ما نتوخاه من حرية التعبير، يا عزيزي أحمد، هو أن ننفض خير وشرّ ما في أنفسنا من غضب مشروع أو عُقَد مستحكمة، لمجرد التنفيس، من وراء الحيطان.
ذلك شبيه برمي بذرة في الهواء، لا هي ضامنة لمسؤولية فلاّح ولا هي طامعة بخصوبة تربة.
إنّ ما نتوخاه من حرية التعبير ليس " التنفيس " السرّي، بل " التنفس " العلني .
وعلى هذا فلا تسأل، بهذه السرعة، عمّا إذا كان الكلام قد غيّر شيئاً. إنها مجرد خطوة.. وهي خطوة واسعة وباعثة للأمل، وعلينا أن نغتنمها بكلّ طاقتنا، للتدرب على القفز إلى ما بعدها، حتى نستكمل المسافة نحو "حرية التعبير" الحقّة، تلك التي نقف فيها على أقدامنا، ونسفر عن وجوهنا، ونعلن عن أسمائنا، لنقول ببساطة ودون خوف، لكل من ينتحل هيئة الخليفة: ( لقد رأينا فيك اعوجاجاً، فاستقم، وإلاً قومناك بالسيف ) .
عندئذ لن تكون هذه الحرية قد غيّرت شيئاً، بل ستكون قد غيّرت كلّ شيء .
شكراً للإنترنت الذي منحنا هذه الخطوة، وعلينا لكي نرد له هذا الجميل، أن نسارع بجعل خطوته قفزات عالية .
أقول قولي هذا، وعيني على الحائط، وأذني على صوت الزّر الذي سيلصق السقف بالحائط !
لا يهمّ .. سيصل الكلام. إن لم يكن اليوم، فغداً .


· أبو سفيان- السعودية :
المفردة في شعر أحمد مطر تتراوح بين " العلو والسمو " وبين اللفظة " السوقية الدارجة " هل استخدام المفردات أيّاً كانت لا يضر بعبقرية الشعر ؟
دعا بعض النقاد إلى دراسة الظاهرة القرآنية في شعر أحمد مطر.. ما هي الحدود التي يوظف فيها أحمد مطر النصوص القرآنية في شعره ؟ أم أن الحرية مفتوحة في ذلك ؟ وكيف ينظر إلى قدسية النص القرآني ؟
- أصدقك القول بأنني، عندما أكتب، لا أتذكّر عبقرية الشعر، وإنما ينحصر همّي في تركيب العبارة السهلة المستوفية للفكرة التي أريد إيصالها بكل صدق إلى القارئ .
وأنا أؤمن، في هذا السبيل، بأن المفردة بذاتها لا تملك أن تكون رفيعة أو وضيعة، بل هي تكتسب صفتها من خلال اتحادها بمجموع مفردات العبارة .
خذ مثلاً هذه العبارة الموجهة من شاعر إلى حاكم: ( ما شئت لا ما شاءت الأقدار.. فاحكم فأنت الواحد القهّار ) ، ألا ترى أنّ ألفاظها الرفيعة المتفرقة، قد بلغت غاية القبح والانحطاط إذ تجمّعت ؟!
وخذ، بالمقابل، هذه العبارة الموجهة من شاعر آخر إلى حاكم آخر: ( وتعجبني رجلاك في النعل، إنني.. رأيتك ذا نعلٍ إذا كنتَ حافيا )، ألست ترى أنّ ألفاظها الوضيعة المتفرّقة، قد بلغت مكاناً عالياً إذ تجمّعت ؟
فإذا كانت العبقرية تتعافى على الأولى، وتمرض من الثانية، فادع معي الله ألاّ يعافيها أبداً .
أمّا قدسية النص القرآني فهي عندي محفوظة بالتنصيص، وفي ما عدا ذلك فأنا شاعر أستلهم روح النص، أو أتأثّر بصدى اللفظ، أو أستهدي بعناصر القصّ، وأوظفها فنيّاً لإظهار المفارقة، أو تحقيق الصدمة، أو إبداء الاحتجاج .
وأحسب أنني، في كل ذلك، لم أصدر إلاّ عن نفس مؤمنة، تتصدّى للإشارة إلى البون الشاسع بين ما أراده الله وبين ما تصنعه الأوثان البشريّة .


· طارق- السعودية :
ما بين الشيوعية والتشيّع مسافات ضاربة في البعد، إلى أي مدى وفّق أحمد مطر بينهما ؟ أم أنّ حب " لينين " كان بديلاً عن آل البيت الكرام !!
- يمكن أن أعتبر نفسي محظوظاً بوجودك، يا عزيزي طارق، فها أنت تكشف لي معلومة جديدة جداً عن أحمد مطر !
ما شاء الله، تبدو مستوعباً لشعره تماماً، ومطّلعاً على سيرة حياته بدقة، وعلى بينة من كل ما ورد في صحيفة أعماله، وعلى الإجمال يبدو أنك تعرفه أكثر مني، بدليل أنني عشت معه أعواماً طويلة، دون أن يصرّح لي بشيء عن بنائه الجسور للتوفيق بين المسافات المتخاصمة، ولا عن انشغاله بتلك الغراميات البديلة !
ومكافأة لك على هذه المعلومة، سأساعدك في حل مشكلتك : مزّق كلّ قصائده التي قالها في حب لينين، وارمها في الزبالة، ثمّ احتفظ، إن شئت، بالقصائد الباقية.
أمّا مشكلتي أنا، فلا أطلب المساعدة في حلّها إلاّ من ربّ العالمين .ومشكلتي هي أنّك تنخزني قائلاً ( أخ فلاديمير.. عندي سؤال)، ثمّ لا تترك لي فرصة القول ( أنت غلطان.. أنا أخوك أحمد ) بل تعاجلني بسؤالك كالطلقة :
( لماذا سموكَ فلاديمير؟ ) !
لقد خنقتني ابتسامة مُرّة، وأنا أقرأ سؤالك، وتساءلت في نفسي بدهشة: إذا كنت أنا، بكلامي البسيط جداً والواضح جداً، لم أستطع أن أوصل معناي إلى العزيز طارق، فعلى أيّ جبل شاهق من الصفاقة والوقاحة يستند أصحاب الطلاسم، حين يدّعون أنّهم واصلون إلى الناس ؟!


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11575
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : حوار مع الشاعر أحمد مطر 15781612
حوار مع الشاعر أحمد مطر Icon_minitime 2019-11-20, 6:30 pm

· وصايف- عربستان :
حصل بينك وبين الشاعر غازي القصيبي مناوشات أدبية حول بعض الفعاليات السعودية في الخارج. هل من الممكن أن نعرف ولو بعض تفاصيل ما حصل ؟
- قبل عدّة أعوام تلقّيت رسالة من قارئ جزائري، أطال التأكيد فيها على أنه وجد في شعري ما يبحث عنه من معانٍ عميقة وهادفة ، ثم واصل قائلاً: أتوجه إلى حضرتك ببعض الطلبات وأتمنى ألاّ تبخل عليّ بها، وهي أولاً: الشريط الذي يتضمن أشعار سعادتك الفاضلة والذي تقول فيه " قتل كلب في مغتفر جريمة لا تغتفر ". ثانياً: عنوان الممثل محمود عبد العزيز !
لقد أوقعني في حيرة. إذ كان ممكناً أن أعثر له على عنوان محمود عبد العزيز، لكن كيف يمكنني أن أحصل على شريط سعادتي الذي أقول فيه " قتل كلب في مغتفر "، وأنا نفسي لم أسمع به ؟!
أنا، الآن، في مأزق مماثل. صحيح أنني كتبت شعراً عن بعض فعاليات وأفاعيل الدولة السعودية، لكن لم يحدث قط أن دخلت في مناوشات من أي نوع مع الشاعر غازي القصيبي، ولم أسمع بمثل هذا الأمر إلاّ منك الآن !
إنني في غاية الأسف، يا وصايف، لعدم استطاعتي أن أشبع فضولك من هذه الناحية .
هل ينفع عنوان محمود عبد العزيز ؟

· النورس :
كنت تمثل لنا رأس الحربة في وجه التسلط أياً كانت مصادره، ثم أتى بن لادن فصار رأس الحربة ضد التسلط الأميركي.. غير أننا لم نرَ من قصائدك الكثير من المساندة له – بغض النظر عما لو خالفته في بعض الأمور – لم نر الكثير، فهل ياترى أثّرت 11 سبتمبر على صوتنا الحر والمتحدث الرسمي باسمنا أحمد مطر؟
- إنّ موقفي المناهض لأميركا هو موقف مبدئي، لا يحتاج إلى حدث صاعق لكي يُستفز، ولا ينتظر هدنة لكي يستريح .
لقد كنت، على الدوام، لا أنظر إلى أميركا إلاّ نظرتي إلى الشيطان- والعكس صحيح- ولا أخاطبها إلاّ بحجارة الرجم، حتى أيّام ارتدت العمامة، وأذّنت فينا للجهاد، إذا كنتم تذكرون !
وعلى العكس مما ترى، فإنّ شعري في هذا الاتجاه، أصبح أكثر كثافةً وعنفاً بعد 11 سبتمبر بالذات، حين نزعت أميركا حتى براقعها الشفّافة، فأبدت للدنيا وقاحة من شأنها أن تستفزّ الحجر الأصم .
اطمئنوا .. ليس لمثلي أن يتغير .
أبعد أن فاض إناء العمر ؟!


· أنفال سعيد-السعودية :
إلى شاعر المنفى
(ميلاد الموت) كانت القصيدة التي ابتكرت فيها بحراً من بحور الشعر. حدثنا عنها قليلاً، وأتحفنا بأبياتها .
- كتبت قصيدة " ميلاد الموت " في اليوم الأخير من سنة 1980، على وزن زاوجت فيه بين " مجزوء الخفيف " و " المجتث " وهو معكوس الأول .
وعندما شرعت في الكتابة لم أكن قاصداً إلى ابتكار هذه النغمة، بل كنت أكتب بتوافق موسيقي عفوي، لم أشعر في أثنائه بأي خروج على البحور المألوفة، فلمّا اكتشفت ذلك بعد كتابة البيت الخامس عشر، لم أتوقف، بل مضيت حتى نهاية القصيدة، ممعناً في استمطار هذه النغمة للتعبير عن حالتي النفسية في ليلة رأس السنة الجديدة، حيث عنائي من مرارة الوحدة .
وبعد إتمامها تأملتها، فوجدت في اجتماع "مجزوء الخفيف" و"المجتث" إمكانية لاحتواء الشعر بتلقائية، مما يضيف قالباً جديداً لتفاعيل الأبيات مبنياً على التخالف بين الصدر والعجز، على عكس التوافق في البحور المعروفة، فهو:
( فاعلاتن مستفعلن .. مستفعلن فاعلاتن ) .
وقد أشرت عند نشرها في الأسبوع الأول من سنة 1981، إلى أنه نظراً لتركيبة التفاعيل في هذا البحر، لا يمكن للشاعر أن يقفّي الصدر والعجز معاً، وذلك لاختلاف تفعيلة "الضرب" عن تفعيلة "العروض"، كما يستحب أن يصيب "الخبن" تفعيلة "مستفعلن" لتكون "مفاعلن"، فذلك يُطرّي النغمة أكثر بحيث لا يحسّ القارئ وقوفاً أو حِدّة في البيت .
ثمّ أنني أسلمت الأمر، بعد هذا، لمقدار قبول أذن القارئ لموسيقى هذه التركيبة، وتركت الحكم للمختصين، فكان الأستاذ الدكتور عبده بدوي أوّل المبادرين إلى عرضها والإشادة بها في مجلة (الشعر) المصرية .
وإليك المقطع الأخير منها :
أهـوَ الحـبُّ أن أرى مَنيـّتي في الأماني ؟
كتـمَ الليـلُ هَمَّــهُ وهَمَّـهُ أن أُعانـي
ومضى دونَ بضـعةٍ مِن لونهِ في كيانـي
تتهـجّى وصيَّـتـي قبلَ انتهاء الثوانـي :
رَقصَتْ ساعة الرّدى إذ التقـى العقـربانِ
وذَوَتْ زهرةُ الصِّـبا في القلبِ قبلَ الأوانِ
يافـتاتـي .. فرحمةً بالأمنيـاتِ الحسـانِ
لم تَعُـد دوحةُ المنى معروشـةً بالأمـانِ
وبِحـاري تَرنَّـقتْ فجـرّبي قلبَ ثـانِ .


· عصام – المغرب :
أريد أن أعرف البديل السياسي أو الفكري الذي يطرحه أو يتبناه أحمد مطر. لأني بصراحة يغيب عني تصوّره هنا.
- لا أعتقد أنّ توجهي الفكري قد غاب عنك حقاً، إذا كنت قد قرأت شعري كلّه .
وهو مع وضوحه التام، ليس بديلاً عن التوجهات الأخرى، بل سابح معها في منافسة الوصول إلى سفينة النجاة، وحين يفلح في أن يكون أوّل الواصلين، سأكون أوّل الثائرين عليه، إذا استأثر بها دون الآخرين وتركهم طعاماً للأمواج الكاسرة، أو إذا حاول، لقاء انتشالهم، أن يُشغّلهم بحّارة بالسخرة، لا نصيب لهم في لمس الدفّة أو النظر في البوصلة أو قراءة النجوم ، ولا حقَّ لهم في محاسبته إذا أراد إغراق السفينة بمن فيها .
إنني لست مطبلاً في زفّة بعينها، ولا دلاّلاً على باب دكّان حزبيّ محدد. أنا شاعر من عامة الناس، أعيش محنة كلّ الناس، فأعبّر عنها، وأستنهضهم للخلاص، وليعمل كلٌّ على شاكلته .
أمّا إذا شئت بديلاً عمّا هو قائم فهو نقيض كلّ ما تراني أنتقده في شعري. إنّه مختصر في "حرية الإنسان وامتلاكه لأمره وفق قانون ربّه" .
ومن الواضح جداً أنّ ما أبتغيه هو أن يصل الجميع إلى هذه المحطة بأمان وسلام، مهما كانت ملامحهم ومهما كانت أفكارهم، لكنّ المشكلة هي أننا –نحن مالكي السيارة – نفاجأ كلّ يوم بشخص غريب يقفز، في غفلة منا، وراء عجلة القيادة، فيخطف سيارتنا ويخطفنا معها تحت تهديد السلاح، ولا يتركنا إلاّ حينما يخطفنا منه لصّ آخر، حتى تخلخلت الإطارات، وصدئت الصفائح، ونفد الوقود، وكدنا نموت إعياءً وجوعاً .
كلّ ما أطلبه من بديل لهذا الوضع الشاذ والمهلك، هو أن نختار سائق سيارتنا بأنفسنا .
هل هذا كثير ؟!

· عبد الغني عقيلي- السعودية :
( أنا لا أكتب الأشعار فالأشعار تكتبني
أريد الصمت كي أحيا، ولكنّ الذي ألقاه ينطقني
ولا ألقى سوى حُـزُنٍ على حزن على حزنِ
أأكتب أنني حيٌّ على كفني ؟ )
متى فقدت حريتك وتراكمت عليك الأحزان ؟ وأين ؟ وهل وجدتها الآن ؟
هل صحيح أنّ أجمل القصائد وأصدقها كانت خارج الأوطان العربية..في المنفى ؟
- لم أفقد حريتي حتى أجدها. لقد فقدت أشياء كثيرة وكبيرة بسبب انشغالي بالحفاظ على هذه الحرية. ولو أنني فقدتها، لكانت كل تلك الأشياء في حوزتي، ما عداي !
حريتي هي أنا، ولن تستطيع أيّة قوّة في الدنيا أن تجردني منها، ولو جردتني من روحي .. لقد أودعتها القدرة على الصراخ حتى بعد موتي .
أمّا الشعر الجميل والصادق فهو رهن بجمال وصدق الشاعر لا بالمكان .
غير أنّ مثل هذا الشاعر قد يضطر، في ظروف القمع وضيق ذات القول، إلى استخدام حيل التخفّي، لركوب وسائط النقل دون أن يدفع ثمن التذكرة، وهذا ما لا يحتاج إليه في المنفى، لأنّ المنفى نفسه هو الثمن الباهظ المدفوع سلفاً، من أجل حيازة الحنجرة كاملة، والتجرد من طاقية الإخفاء .
المسألة، إذن، متعلقة بمساحة ملعب الجميل الصادق، لا بطبيعة الجمال والصدق. ذلك أنّ آلاف المنافي لا يمكن أن تعتصر الجمال والصدق من قريحة شاعر قبيح كذّاب .
· ندى – الأردن :
كلّ من كتب بالسياسة من الشعراء له قصائد ودواوين في الغزل .. لماذا لم يكتب أحمد مطر في هذا المجال، بالرغم من أنه مجال يستهوي كلّ الشعراء ؟
- نعم .. أنا على علم بأنّ لكلّ الشعراء دواوين في الغزل، وهذا هو بالضبط ما طمأنني على أنّ ثغورنا "العاطفية" ليست مكشوفة أمام جحافل "العاذلين" والحمد لله، وأنّ مخزوننا من القلوب المشكوكة بالسهام كفيل بأن يُعيل "لواعج غرامنا" لألف سنة مقبلة، على الأقل .
وإذا أضفت إلى هذا كون أمننا الداخلي مستتباً ومضبوطاً مثل "العقال" ببركة الآلاف المؤلفة من "ضبّاط" الإيقاع، فسيكون من الطبيعي أن يداخلني اليقين بأن الجهاد على تلك الجبهة قد أصبح، بالنسبة لي "فرض كفاية"، مما يمنحني عذراً واسعاً للانصراف إلى حجرة رغائبي الذاتية دون خشية من "عاذل" أو "رقيب" !
لطالما واجهت هذا السؤال، يا ندى، ولطالما أبديت حجتي جاهداً، لكن دون جدوى. لقد تقطّعت أنفاسي من الشرح، ولم ينقطع السؤال عن الدوران .
إذا ظنّ أحد أنني لم أعرف الحب فهو مخطئ إلى أبعد حد، وإذا اعتقد أحد أنني لا أجيد صياغة الغزل فهو أكثر خطأً من سابقه .
خلاصة الأمر هي أنّ لي قلباً مفعماً بالعواطف المشبوبة، لكنه لا يعرف الكذب مطلقاً . ولذلك فإنني سأكون مستحقاً للعنته إذا حاولت إقناعه بضرورة إقامة معرض لصباباتي، فيما هو يرى، بأمّ فؤاده، أنّ بيتنا بمن فيه وما فيه، سابح في الحريق .
لا أنكر على غيري أن يفعل ذلك، فلكلٍّ شأنه، لكنني هنا أتحدث عن نفسي كحالة خاصة أعرفها جيداً، وأعرف أنها لا تعمل بنظام المناوبة، وأعرف أنّ الهم الذي يشغلها يجعلها تخجل حتى من تناول وجبة الطعام، فما بالك بالغناء في المأتم !
قبل أربعة عشر عاماً، حين واجهت هذا السؤال بكثافة عاتية، نشرت قصيدة ( أعرف الحبّ .. ولكن ) في مجلة (الناقد) اللندنية، في محاولة مني لتعميق الردّ على السؤال بكتابة شعرية، تبدي حججي واضحةً، وتثبت، في الوقت نفسه، أنني لست عاجزاً عن الطراد في هذا الميدان.
وقد مهّدت لتلك القصيدة بمقدمة نثرية قلت فيها:" إنّ كثيراً من الناس الذين يقرؤون شعري، والقارئات بصفة خاصة، يسألني عن أسباب أزمة شعر الحب عندي، أو أزمة نشره، ولا أنسى أنّ نزار قبّاني قد أخذ عليّ ، أكثر من مرّة، أن أدفن نفسي حياً، وأنشغل بالحرب دون الحب. وقد أزعجه أن يذهب شبابي دون أن أخوض في هذا اليم الساحر، فأستحضر في النفس الأمّارة..كلّ شياطين وملائكة الشعر.
وإنّي لأجيب في كلّ مرة، لكنً السؤال يعود إليّ دائماً كخيط المطاط، حتى تعبت "
ولقد ذهب الشباب ولم يذهب السؤال، برغم أن المصائب هي الأخرى لم تذهب، بل تراكمت وباضت وفرّخت، وسدّت منافذ الأنفاس .
هل أفهم أنّ كلّ جهود "الإغاثة الغزلية" قد أخفقت في إمدادكم بما تحتاجون، حتى لم يعد أمامكم إلاّ انتظار المَدد منّي؟!
ابشروا، إذن، سوف لن أتأخر إلاّ بضعة عُمر .
سأقـدِمُ إليكم، حالما أنتهي من البكاء على القتلى في جميع بقاع أوطاننا المستقلة عن نفسها. وإذا كنت سأتأخر قليلاً فلأنني سأنشغل، لبعض الوقت، بدفن كرامة أمّة كاملة لا تزال جثتها مرمية على رصيف شارع (الفيديو كليب) .
وللمناسبة.. هناك أربعة عشر مليون أفريقي، نصفهم من الأطفال، مهددون بالموت الحتمي جوعاً، في غضون الأيام الخمسين المقبلة .
تسلّوا بالفرجة عليهم، إلى حين وصولي… لن أتأخّر .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11575
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : حوار مع الشاعر أحمد مطر 15781612
حوار مع الشاعر أحمد مطر Icon_minitime 2019-11-20, 6:33 pm

حوارالشاعر أحمد مطر


لندن ليست أكبر مني .. ومباهجها
! ليست أكثر من آلامي

1
إذا كان "بدر شاكر السياب" قد مزق جسد القصيدة، وشكله من جديد، فإن "أحمد مطر" مزق خريطتها، ونقلها من شرفات العشاق وحدائق المحبين وشواطىء المشتاقين، إلى السجون والمعتقلات وأقبية الظلام، وجعلها تشاهد وتشهد على عذاب المُعَذَبين .. ولؤم المعذِبين.
كانت القصيدة العربية، طوال ما مضى من زمن، أداة تطريب ولهو ومرح، حتى جاء "أحمد مطر" ليجعلها بياناً ثورياً، وصفعة تفاجىء وجه النائم .. وتدير وجوه الطغاة.
وقد اعتادت القصيدة العربية، طوال ما مضى، أن تدخل قصور الأغنياء مطأطئة الرأس، خاضعة، خاشعة، مادحة .. حتى جاء "أحمد مطر" وحولها إلى سكين في الخاصرة .. وطلقة مفاجئة تعكر انتباه حرس الجبابرة.
2
بقدر ما تأثر جيل الكتاب الأخير (من الشعراء وغيرهم) بمن سبقهم .. بقدر ما حاولوا نفيهم وإلغاءهم.
إنك عندما تقول لي مثلاً: إن أسلوب أحمد مطر ماثل في كتاباتك، أنتفض وأحاول بمضي الوقت إلغاء "التهمة" بإلغاء صاحبها.
كثيرون الذين يفعلون ذلك.
المتأثرون بأدونيس، مثلاً، هم أكثر الناس شتماً له.
والذين حاولوا أن يكونوا "نزار قباني" وفشلوا .. كرهوه بأقصى قدرتهم .. والذين مشوا فوق خطوات المتنبي، لم يحاولوا إخفاء آثاره فحسب، بل سعوا إلى نفيه بذاته، وتحويله إلى كذبة لا أكثر.
من هنا تبدأ العلاقة الشائكة بيننا وبين أدبائنا. هل من حقنا أن نجابههم بما يستفز من الأسئلة؟
لا أخفي أنني بعد إجابات أحمد مطر، أحزنني ما سألت، ووجدت أنني تماديت كثيراً في محاولة النيل وتجريح ما كتب.
هذه من متطلبات العمل الصحفي "ربما" .. ولكن هل هي من متطلبات الأديب؟
3
منذ عامين وأنا في حالة بحث عن "أحمد مطر". أعرف أنه في "لندن" .. ولكن أين؟
كلفت أحد الأصدقاء القاطنين هناك .. أن يبحث لي عن رقم هاتفه. وبعد شهر، نقله إليّ. ولكن في تلك الفترة كان الهاتف تغير .. وربما السكن.
ركزت الأسئلة على مسيرة شاعر قال يوماً " كشفت صدري دفتراً .. وفوقه .. كتبت هذا الشعر بالسيفِ".
عن مسيرة شاعر أسس لمناخ جديد في القصيدة العربية، وجمع بين صلافة الكلمة وصلابتها .. برقة الإحساس الدامي.
عن مسيرة شاعر أصبحت "لافتاته" رايات تنغرز في صدور الجيل العربي الشاب من الماء إلى الماء .. الجيل الذي يحلم بأرض لا تأكل أبناءها، وبمهجرين يعودون إلى أوطانهم حاملين آمالهم .. لا محمولين في التوابيت.
إن شاعراً قادراً على اختزال كل الحزن وهذه المأساة في مقطع شعري محبوك بطريقة تصويرية هائلة .. لابد أن تكون مستعداً بما يكفي لكي تجابهه بأسئلتك.
وأحمد مطر، الخارج من الكويت، مازال فيها. مازال طلبة الجامعة الذين كانوا يحملون لافتاته، من أبناء "الوسط الديموقراطي" .. وحتى "الإئتلافية"، يتذكرون أنه كان صوتهم المنادي بالحرية.
وزملاؤه في "القبس" مازالوا يحتضنون ذكراه .. "سعدية مفرح" تقول، والزهو يفر من عينيها: هذا المكتب الذي أجلس إليه الآن هو مكتب "أحمد مطر".
قبل أيام جاءني أحد الأصدقاء العائدين من لندن واعطاني هاتف أحمد مطر، فشرعت في تنفيذ ما كان مؤجلاً فوق لائحة الإنتظار الذي طال.
أخي "ماضي" قرأ الأسئلة .. وتولى مهمة محادثة الشاعر في بلاد الضباب (ترى ماذا يرى مطر في الضباب؟)
ماضي كسب صداقة الشاعر .. وكسبت أنا فكره المحمول بين الإجابات.
4
يقول أحمد مطر في إحدى إجاباته :"قارئي هو حبيبي وسندي وقرة عيني .. هو خط دفاعي الأول والأخير، والسد العالي الذي يعصمني من الطوفان. وإنني إلى هذا السد المنيع أسند ظهري باطمئنان .."
ولم أسأله عن حقيقة إيمانه بهذا القول .. أو مدى تفاؤله بواقع يصدّق هذه القناعة..
ولي أن أتساءل : متى كان القارىء سنداً للكاتب .. ومتى كان الجمهور خط دفاع أول عن نفسه، حتى يكون خط دفاع عن غيره ؟!
أترككم مع أحمـد مطر ...

* دعنا نترك أشياء كثيرة تحتاج إلى مقدمات .. وندخل عبر سؤال مراوغ مثل هذا :
"مطر .. مطر .. مطر
أي حزن يبعث المطر؟"
الفقر ، والسياب، والحزن، وأحمد مطر ..أي علاقة بين ذلك كله؟
- أما جوابي فلن يكون مراوغاً .. وأبتدىء فأقول إن البيتين المذكورين هما من مقطعين مختلفين .. وأنت جمعتهما إمعاناً في تكرار "مطر" لتقول، ضمناً، إن "مطر" يبعث الحزن.
حسناً .. ألم يقل الشاعر في ختام مقطعه : " كالحب ، كالأطفال، كالموتى هو المطر "؟
المطر ،إذن، يبعث أشياء كثيرة غير الحزن، خذ مثلاً أن كلمة "مطر" لم ترد في القرآن الكريم إلا تعبيراً عن "الغضب" .. لكنها تصبح "غيثاً" في مواضع الرحمة، وتصبح "ودقاً " أو " سحاباً" أو " ماء " إذا مس الأرض الهامدة اهتزت وربت.
إعطني مثل هذه الأرض الخصبة الحبلى ببذور النماء، أُعطك غيثاً .. واعطني سنبلة لا تنحني إذا لم تكن مثقلة ببذور الثورة، وخذ مني الرضا كله.
أما العلاقة بين من وما ذكرت فهي أن الفقر استفرد بالسياب، وان السياب استنجد بالحزن، وان الحزن استحثه على الغضب، وان الغضب احتاج إلى سلاح .. فلم يكن أمام شاعر أصيل إلا أن يشهر "أنشودة المطر".
وأحمد مطر هو قرين هذا الميت جوعاً وتشرداً وقهراً في بلد هو من أغنى بلدان العالم .. فكلاهما نشأ في البصرة وكلاهما فر إلى الكويت، وكلاهما مر بلندن .. الفارق هو أنني قد أجد أكثر من عذر للسياب في تحولاته وانكساراته، لكنني لن أغفر لنفسي أبداً، إذا ألقيت "لافتتي" وأوقفت مظاهرتي، قبل أن أرى بكل جلاء أن خاتمة "أنشودة المطر" قد تحققت فعلاً. سوف لن أهدأ حتى يهطل المطر.
* " عباس وراء المتراس
يقظ منتبه حساس .."
برغم أنهم دمروا كل شيء وراءه وهو "يقظ، منتبه، حساس ". كان ذلك سابقاً. الآن أيضاً دمروا كل شيء .. ولكن هو .. أما زال يقظاً منتبهاً، حساساً"؟
- عباس الذي في بالك كان نعمة.. كان لديه، على الأقل، متراس وسيف وبرقية تهديد.
سقى الله أيامه .. لو كنت أستطيع لأرسلت إليه سيفاً جديداً حتى يتسلى بتلميعه في وقت فراغه الطويل .. ألم تسمع أن "العبابسة" أقالوه من وظيفته ؟ .. قالوا إنه محافظ متحجر، يظن أن القضية ستنتصر بمجرد اغتصاب زوجته، وقتل أولاده، واحتلال بيته .. هكذا دون أن يكلف خاطره حتى بالتفكير في نزع ثيابه وجلده .. فما بالك والقضية تتطلب منه أن ينبطح بأقصى ما يستطيع من ضبط النفس، حتى لا يقلق راحة اللص الراكب .. بل وعليه أن يحتاط للأمر، فيعطيه مقدماً .. "دعاء الركوب" !
وها أنت ترى أنهم يعلمونه، اليوم، ما كان ينبغي له أن يفعل لكي يكون على مستوى القضية. وإنها لثورة حتى النصب !
* نريد أن نهرب من الواقع إليك .. فنجد الواقع أرحم بكثير مما تكتب : كآبة، وحطام، وانسحاق مهول .. مخابرات، وتجسس، ومخافر بين الكلمة والأخرى في شعرك. دعني أقول لك أن السجن أهون من القراءة لك.
- الواقع أرحم مما أكتب ؟! إذا كنتم ترون هذا فعلاً فلا تهربوا إلي .. مشكلتكم ليست من اختصاصي. أهربوا حالاً إلى طبيب العيون .. أنتم بحاجة إلى نظارات بعرض المغني بافاروتي وبطول الرئيس عبده ضيوف .
الواقع زنزانة موصدة مكتظة بالدخان الأسود، وكل ما فعلته هو أنني وصفت هذا الواقع، ودعوت إلى الخروج منه، فما ذنبي إذا كان الوصف يزعج اختناقكم ؟ وما حيلتي إذا أمسيتم- لفرط التسمم - تعتقدون أن الدخان هو جزء من مسامات أجسامكم؟
هاك قطرة واحدة من طوفان الواقع الأرحم : فتى هارب من الجيش، يحكم عليه بالإعدام، يفرض على أبيه أن يطلق عليه الرصاص، وأن يدفع ثمن الرصاصات، وأن يقيم حفلة بدل المأتم، وأن يرفع صوت آلة التسجيل بأغنية لأم كلثوم بدلاً من القرآن، ثواباً عن روح المرحوم.
هل تظن أن أحداً، على مر التاريخ، حظي برؤية شيء كهذا في أسوأ الكوابيس؟ الشيطان نفسه، مهما بالغ في حك قرنيه، لا يمكنه أن يوسوس بمثل هذا الواقع الرحيم. فكيف يمكنني،أنا الإنسان الضعيف، أن أوسوس بواقع أسوأ منه ؟
إن من يريد الهروب حقاُ، من هذا الواقع، ليس أمامه إلا كسر الباب مهما كانت العواقب .. ولا توجد طريقة أخرى إلا أن يهرب المرء دون أن يتحرك. والشخص الوحيد الذي يمكنه ذلك هو الحشاش.
أما من يجد السجن أهون من القراءة لي، فهو واحد من اثنين : أما أنه لا يعرف السجن، أو أنه لا يعرف القراءة.
* يقول قاسم حداد : " نترك النسيان يأخذنا على مهل .. لئلا نفقد السلوى ".
أما أنت فتنسى النسيان، وتحب العيش في عالم كوارثي كئيب، حتى وأنت في لندن.
لم ترقق أوروبا مفرداتك ، ولم تجمل قصائدك بخد ناعم، وقوام فارع، وصدر مغرور.
أخبرنا بالله عليك .. إلى متى هذه الكآبة ؟
- أما النسيان، على الإطلاق، فقد تركته لأهل الحداثة، إنهم يحتاجون إلى كثير منه لكي يجعلوا القارىء ينسى الشعر نهائياً. وأما " نسيان " قاسم حداد، فأغلب ظني أنه ليس النسيان الذي تعنيه، إذ لا أعتقد أن قاسم حداد ممن ينسون ذاكرتهم .
وأما أنني أحب العيش في الكوارث، فهذا غير صحيح. أنا مرغم على هذا العيش .. إذا كنت تسميه عيشاً. وإذا كانت ثمة علاقة حب، فهي من طرف واحد، وهذا الطرف ليس أنا.
تقول أن أوروبا لم ترقق مفرداتي .. وأود أن أسألك : كيف ترقق أوروبا مفردات الإنسان؟ تكويها على البخار .. أم تذوبها في "الإينـو"؟
أعرف أن هناك كثيرين ما أن تطأ رؤوسهم حذاء لندن، حتى ينزعوا جلودهم مثل أكياس الرحلات، ويستبدلوا بقلوبهم مكعبات الثلج .. لكن من أنبأك أنني واحد منهم؟
أنا، يا صديقي، رجل أحمل قضية أمتي في كل خلية مني. أنا وطن على هيئة إنسان. لندن ليست أكبر مني، ومباهجها ليست أكثر من آلامي.
إذا لم تكن مفرداتي رقيقة، فلأن مشاعري رقيقة. إن حساسية مشاعري تطلب من الهواء أن يكون أقل صلابة .. فماذا تتوقع مني وأنا أستعرض عشرات الديناصورات المثـقلة بالألقاب؟
ثم من قال لك إن الجمال لبس كعبه العالي ومضى ليستقر إلى الأبد على أرصفة "الماي فير"؟
أليس جميلاً عنفوان الخيول البرية وهي تقتحم كبرياء الريح ؟
أليس جميلاً ضرام التنور وهو يحتضن كف الجائع برغيف ساخن ؟
أليس جميلاً حد المقصلة وهو يقطع رأس الجلاد؟
إن النعل العتيق يبدو أجمل من الوردة، عندما يصفع وجه الطاغية الجبار. جمال المفردة لا تحمله المفردة.. جمالها يقرره موضعها في سياق الجملة. وقصائدي الطيبة لا تطلب أطنانامن المساحيق. إنها لا تتكلف . وجهها الطبيعي، على بساطته، أجمل. هي تعرف تحمير الخد، ومشق القامة، وشد الصدر، لكنها تعرف، أيضاً، شيئاً آخر له مفعول السحر، ما إن يمس الكلمة حتى يذوب الجمال على قدميها غراماً. هذا الشيء اسمه " الصدق "، وهو شيء من دونه ..يصبح الجمال قبيحاً.
أتعرف لماذا لا يستعمله الكثيرون على رغم علمهم بروعة مفعوله؟ إنه مرتفع التكاليف جداً .. وعلى من يريد اقتناءه أن يكون أن يكون مستعداً لدفع آخر قطرة من دمه. إعلم، إذن، أن كآبتي هي جزء من هذه التكاليف .. وعليه فلا تسألني إلى متى هذه الكآبة .. وجه سؤالك إلى منظمة الدول المصدرة للضغط.
* كدت تشكل مدرسة شعر خاصة بك، ولكنك أنهيت نفسك بالتكرار .. ومن ثم الغياب التام.
"لافتات" تدور حول المعنى ذاته .. ولو اكتفيت بأول إصدارين، لكان ذلك كافياً بالنسبة إلى القارىء. إنك تقدم "حقنـاً" متماثلة ومتطابقة .. حتى أصبحت لدينا مناعة مما تكتب وعما تكتب .. متى تغير أو تتغير ؟
- على رسلك.. أنتم لستم فايروسات زكام لكي تكتسبوا مناعة من "الحقن".
إسمع .. إنني عندما شرعت في الكتابة، لم أضع في ذهني أية خطة لإنشاء مدرسة في الشعر.. ولا حتى "حضانة". كانت عندي صرخة أردت أن أطلقها، وكلمة حق أردت أن أغرزها في خاصرة الباطل .. وقد فعلت.
قال النقاد والباحثون الجامعيون إن شعري "قد" شكل مدرسة، وأنت تقول إنه "كاد" يشكل، وأنا في كل الأحوال لا يسعدني حرف التحقيق، ولا يحزنني فعل المقاربة. ثلاثة أشياء، فقط، كانت تلح علي في هذا السبيل : هي أن ألتزم قضية الإنسان .. أي إنسان، بعيداً عن مكاسب القبيلة، وبمنأى عن حول الإيديولوجيا. وأن يكون التزامي الفني موازياً تماماً لالتزامي الإنساني. وأن أسعى من خلال هذا إلى تأكيد سماتي الخاصة، بحيث تكون لحبري رائحة دمي، ولكلماتي بصمات أصابعي.
وأعتقد أنني قد حققت هذه الأشياء. وباستطاعتي القول، مطمئناً، إنك إذا عرضت قصيدتي على قارئي، فلن تحتاج إلى وضع اسمي عليها، لكي يعرف أنها قصيدتي.
لا تقل لي "أنهيت نفسك" . إنني حاضر، حتى في أقصى حالات غيابي، وإلا فما الذي دعاك إلى محاورتي؟ .. ثم إنني لا أعرف عن أي تكرار تتحدث؟ هل هو تكرار الدوران حول القضية الأساسية التي آمنت بها، أم هو تكرار المعاني الجزئية فيها والصياغات، وزوايا النظر، وأشكال الصور؟
الأرض تكرر دورتها حول الشمس كل يوم، لكنها لا تكرر نفسها حتى في لحظتيين متتاليتين. هناك في كل لحظة مسقط ضوء على صورة.
الشعر العربي يكرر موضوع الحب منذ الجاهلية .. والقضية برمتها هي عبارة عن رجل يعشق امرأة، وامرأة تحب رجلاً .. هل تستطيع القول إن الموضوع قد اختلف عن هذا يوماً ما؟
لكن هذا الموضوع لم ينته بالتكرار، لأن هناك دائماً زاوية جديدة للنظر، ونبرة جديدة للبوح، وثوباً جديداً للمعنى. ولو كان الأمر كما تقول، فما حاجتي إلى الإكتفاء بأول إصدارين ليكتفي القارىء؟ لماذا لم أكتف بأول إصدار فقط؟ أو لماذا لم أكتف بأول قصيدة؟
أصدرت ست مجموعات، والسابعة في الطريق، وبرغم ذلك فإن القارىء لا يبدو مكتفياً.
قل رأيك كيفما كان. هو حقك الذي قامت الشرائع كلها من أجل صيانته. لكن أرجوك .. لا تتكلم باسم قارئي. خذ حقك، ودع لقارئي حقه.. قارئي هو حبيبي وسندي وقرة عيني .. هو خط دفاعي الأول والأخير، والسد العالي الذي يعصمني من الطوفان. وإنني إلى هذا السد المنيع أُسند ظهري باطمئنان .. لأتساءل: كم ألفاً يطبع أكثر الشعراء مبيعاً؟ ثلاثة .. خمسة .. سبعة .. عشرة؟ وكم عدد البلدان التي يوزع فيها؟ وكم المدة التي يستغرقها التوزيع؟
حسناً .. تقول إنني انعزلت، وتكررت، وانتهيت .. لكن هل تقول إنني جننت لأطبع كتبي على حسابي، ولأدفع تكاليفها الهائلة على رغم شدة حاجتي، فيما أنا أعرف أنها لن توزع إلا في شارع واحد من كل هذه الكرة الأرضية، وفيما أنا أدرك أنها لن تعرض لا في خبر ولا في إعلان؟
وإذا كنت قد جننت فعلاً، فهل يبلغ بي الجنون حد المغامرة بإصدار عشرات آلاف النسخ من كل طبعة؟ أنا أفعل هذا .. لكنني لست مجنوناً، ولكي لا يغلبك الجري وراء الإحتمالات أقول إننا لا نطبخ "مكبوس اللافتات" وحتى لو كانت تلك هي وجبتنا الأثيرة فإن تخزين مثل هذه الكمية -لمدة عام واحد - من شأنه أن يجعلها غير صالحة للإستهلاك.
بماذا تفسر الأمر إذن؟ وبماذا تفسر سعي الناشرين ورائي دون جدوى؟ وبماذا تفسر وقوع "اللافتات" ضحية لأوسع عملية تزوير .. في مصر ، ولبنان، وفلسطين، واليمن، وفي ما لا أعرف من البلدان؟
نحن نعلم أن المزورين مجرمون ولصوص، وانهم يتاجرون بدم المبدعين ويهضمون حقوقهم، لكن هل يبلغ الأمر بهم حد سرقة أنفسهم؟
والسؤال الأهم من هذا كله هو : من الذي يشتري هذه الآلاف من النسخ؟ هل تشتريها الجمعيات الخيرية البريطانية لتوزعها على مدارس العميان؟ أم تشتريها الحكومات العربية مكافأة لي على جهودي في نشر "عرضها"؟.. وهذه الآلاف المؤلفة من الخطابات التي تندلع منها أوراق الأفئدة .. من أين وممن تصل إلي؟ وهذه الرسائل والأطروحات الجامعية العديدة .. من يكتبها؟ ولماذا؟ وهذه الترجمات التي تظهر في إيطاليا، وفي فرنسا، وفي إيران، وفي تركيا. هل قيل لك إنني أعرف أحداً من القائمين عليها؟ .. إذا كان للتكرار والإنتهاء والغياب أن يفعل كل هذا، فإن من الواجب عليك أن تقوم وتتوضأ، وتبتهل إلىالله أن يحشر الشعراء جميعاً في بكرة عملاقة، وأن يرسل العواصف من بين أيديهم ومن خلفهم، لكي يصطرعوا متكررين حتى الإنتهاء والغياب .. فبذلك وحده يمكننا أن نطمئن إلى أن شعرنا سيظل حياً، وأن القارىء لن يفصم علاقته بالشعر.
تسألني متى أغير أو أتغير؟ وأجيبك: إنني أغير يومياً، فكل قارىء جديد يعني أنني تقدمت خطوة في طريق التغيير .. أما أن أتغير، فهذا ما أعاهدك على أنه لن يتحقق إلا بموتي.
* فضلت العزلة التامة، لم نشاهدك في مهرجان أو ندوة أو محاضرة .. وتجاهلك الإعلام ربما لأنك تجاهلته .. ربما لأنك متذمر أكثر مما يجب، وربما لأن لا جديد لديك .. فما رأيك؟
- عزلتي لم تكن تامة .. فأنا متواصل مع الناس من خلال دواويني، ومن خلال "القبس"، ومن خلال كثير من المطبوعات التي "تقتبس" قصائدي .. ومن خلال آلاف الرسائل التي أتلقاها من قرائي. وعدم مشاركتي في المهرجانات الرسمية ليس اسمه "عزلـة" .. بل اسمه "عفـة".
إنني لم أتجاهل وسائل الإعلام .. بل تجاهلت وسائل الإعدام. تلك التي تكتب بالممحاة، وتقدم للناس فراغاً خالياً محشواً بكمية هائلة من الخواء.
وأنا في هذا إنما أعطي لكل مبدع درساً مجانياً يقول له : إنك يمكن أن تكون شريفاً دون أن تجوع، ويمكن أن تظل مؤثراً دون الحاجة لأن تكون "برغيـاً" في ماكينة أي عصابة، رسمية أو غير رسمية. ويمكن أن تبقى في ضمير القارىء حتى لو لم تذكرك أية مطبوعة ... أما تذمري، فهو أقل مما يجب، لكن "المتألهين" لا يغفرون حتى الحسنات. بل أظنهم يتحرقون من الغيرة كلما سمعوا شخصاً يردد : " قل هو الله احـد".
الفاروق عمر، رضي الله عنه، قال: " من رأى فيّ اعوجاجاً فليقومني" .. وهزّ أعرابي سيفه قائلاً : "نقومك بهذا" ..
لا عمر غضب، ولا الأعرابي خاف. وربما تعشيا معاً تلك الليلة.
أما الآن، فإن مندوب عزرائيل ينتصب مستقيماً كالدائرة، فإذا لوحت له بالمسطرة، صرخ كالملدوغ : "قوموني .. لأدبحـه" .. وهو سيظل يصرخ، لأنني أحمل له، كل يوم، حزمة جديدة من مساطر الخيزران.
* لم تنضم إلى قطاعات المعارضة العراقية التي ملأت العالم .. ألا تملك رأياً .. أم أن لك رأياً في ما يسمى بالمعارضة؟
- إذا كنت لا أُعد معارضاً إلا إذا انضممت إلى هذه القطاعات، فهذا يعني أنني لا أكون عربياً إلا إذا أقمت في نجـد، ولا أكون مسلماً إلا إذا التحقت بالأزهر.
هب أن قطاعات المعارضة هي شركات مقفلة .. هل معنى هذا أنني كنت طول حياتي أشتغل بوظيفة عاطل عن العمل؟ لماذا لا تعتبرني قطاعاً قائماً بذاته؟ هل هذا كثير علي؟
إن بعض المعارضين يموت ،كل يوم، ألف مرة في سبيل قضيته. وبعضهم لم ينشف حليب السلطة عن شفاهه بعد. وبعضهم يذهب إلى المخابرات المركزية ليجلب الذئب من ذيله، لكنه يعود قائلاً إنه وجده بلا ذيل. وتفتش عن الحقيقة فتكتشف أنه عندما وقف بمواجهة المرآة، لم يرفع عينيه عن الصك الذي قبضه .. وإلا لوجد الذيل أمامه مباشرة!
قل إنها مجاهل أفريقيا في ليل بلا قمر .. ولأنني أدرك أن الدخول في اختباراتها لا يقل خطورة عن لعبة الروليت الروسي، فقد آثرت أن أركن إلى ضوء قطاعي .. قطاعي الأصيل، الذي أنشأته منذ ربع قرن، والذي لا تزال مواصفات إنتاجه أنظف من البرسيل وأصفى من البلور.
* نجد لفظك في "العمودي" أقوى وقعاً .. وموسيقاه أكثر تطريباً من " الحر". ولكنك تركز على "الثماني" .. هل من سبب لذلك؟
- تقول "نجِـدُ" .. هل أنتم كثيرون، أم أنتم واحـد؟ هل بنيتم هذا الرأي على أساس علمي، أم على مزاج شخصي عابر؟
أتمنى ألا تتسرعوا في إبداء مثل هذه الأحكام. إن ألفاظي ليست خاضعة للتقسيم الطبقي، وليس لقاموسي اللغوي فرع آخر. وأستطيع أن أحلف لك أن لهجتي وأنا جالس على أرفع كرسي، هي لهجتي نفسها وأنا جالس على الأرض.. ربما كان ما تعتقده ناشئاً عن طبيعة البناء العمودي، الذي يجعل النغمة مستقرة على منوال واحد.
لقد ركز أغلب النقاد على وحدة الهوية التي تطبع ألفاظي. وأذكر مثلاً أن الباحث كمال غنيم، في رسالة الماجستير التي قدمها عن شعري، قرر أن أهم ما يحسب لي كشاعر هو هذه اللغة الخاصة المترادفة على صعيد قصائدي المختلفة. ولعل هذا هو المدخل الذي أغرى الباحث "ميلود رقيق" بأن يجعل أطروحته للدكتوراه حول "اللافتات" أطروحة لسانية صرفاً.
أما من الناحية الموسيقية فأنا في غاية الدهشة مما تقول .. لأنني من القلائل الذين صالحوا بين هيكل القصيدة الحرة، وثوب القصيدة العمودية .
إن الزخم الموسيقي في "لافتاتي" هو أبرز سماتها إذ إنني عندما سافرت إلى مدينة "التفعيلة" حملت معي زوادة هائلة من غلال مدينة "الشطرين".
لا يمكن لمثلي أن يفرط في أمر كهذا، لأن الأوزان والقوافي هي لعبتي منذ الصبا. لقد درت حول "دوائر الخليل" حتى دار رأسي، وعكفت، وأنا في المتوسطة، على إعطاء دروس في العروض لطلاب الجامعة .. إن هوسي بالأوزان جعلني أبتكر بحراً شعرياً جديداً، وهو البحر الذي كتبت به قصيدة "ميلاد الموت" عام 1980، الأمر الذي احتفى به الأستاذ الدكتور عبده بدوي، في مجلة "الشعر"، وهو نفسه الذي رأى في اللافتات دقة الصور وحدة الإيقاعات .. وفي الإتجاه ذاته ذهب الناقد رجاء النقاش. تلك مجرد أمثلة .. ولعل الأمر الذي له دلالة في هذا الشأن أن الجواهري - وهو العمودي الصارم الذي لا يتعاطى الشعر الحر - قد أعلن، في مقابلة اجريت معه عام 1993، إعجابه باللافتات موقفاً وفنـاً.
بعد هذا، وبرغم هذا، أفيدك بأن غايتي الكبرى هي أن أهزكم بعنف لا أن أطربكم .. أما لماذا أركز على البحور الصافية، فلأنها ذات تفعيلة واحدة يمكن تكرارها بيسر، أما البحور المركبة فهي ذات وحدات يقتضي تكرارها كسر ظهر الشاعر والقارىء معاً.. وعلى أية حال، فإن تفاعيلها كلها موجودة في البحور الصافية.
* في لقاء أجرته "الحدث" مع "سعد البزاز" .. قال: " أن تكون ضد صدام حسين .. لايعني أنك مع الكويت"..ماذا تقول أنت؟
- لم أطلع على هذا اللقاء ، وعليه فإنني لا أعرف السياق الذي وردت فيه هذه العبارة، لكنها، بمعزل عن السياق، تبدو لي صادقة في بعض الحالات. ما قولك مثلاً في رجل عراقي هرب إلى الكويت من بطش صدام، في زمن القادسية السوداء، ففوجىء بمباحثها تعتقله وتعذبه بتهمة الخيانة؟ هل تعاتبه إذا لم يكن مع الكويت؟
ضع نفسك في موقفه، ثم حاول الإجابة.
* وسعد البزاز لا ينتمي ايضاً إلى معارضة، وهو الآن يصدر جريدة يومية دولية .. ألا تود أن تسأله من أين لك هذا؟
- أظن أن سؤالاً كهذا كان يجب أن يوجه إليه مباشرة، مادمتم قد أجريتم لقاء معه. هل أفهم أنكم قد نسيتم ذلك؟
* قصيدتك العذبة، الجميلة، الحزينة عن الكويت .. هل تحفظها؟ هل تحب تكرارها أم تود إلغاءها؟ والكويت في ذاكرتك الآن، ماذا تمثل؟
- نعم، أحفظها كاملة .. ولا أحب تكرارها لأنني لا أحب أن أرى اجتياحاً آخر. أما أن أود إلغاءها، فهذا أمر مضحك.. كأنك تسألني عما إذا كنت أود إلغاء ضميري !
أخي .. أنت تسألني كما لو أنني واحد من جماعة "تلبس أفندي" .. هل تعرف من هؤلاء؟ كل مصري يعرف هذا الإصطلاح ويتندر به .. وفحواه أن بعض الطبقات الرثة، كانت إذا مات لها أحد، تتجمل باستئجار مشيعين يرتدون بذلات "الأفنديـة" المحترمين، ومن أجل هذه الغاية، كان المتعهد يتنقل بين المقاهي ملتقطاً من هب ودب، لتمثيل دور الأفندي قريب الميت .. سائلاً كل من يجيء في طريقه: "تلبس أفندي"؟
إذا كان معظم مثقفينا من هذه الجماعة، فإن ما يميزني هو أنني لا ألبس إلا الطغاة، وبتواضع جم، حتى لو كانوا أصغر من نمرة رجلي.. ولما كنت كذلك، فإي إغراء يدفع بمثلي إلى كتابة ونشر هذه القصيدة؟ أنت قل لي .. أي إغراء؟ لا شيء سوى أنني متوحد مع ضميري، وذلك وحده هو ما يجعلني في مأمن من الندم على كل كلمة كتبتها .. أو سأكتبها.
هل عرفت الآن لماذا لا تشاهدني في المهرجانات؟
* يكاد ينحصر نشرك في جريدة "القبس" الكويتية فقط. ماذا تمثل لك هذه الجريدة. هل هو ارتباط عاطفي يعيدك إلى أيامك القديمة في الكويت، عندما كنت محرراً ثقافياً في "القبس"، و"لافتاتك" تلهب طلاب الجامعـة .. أم أن في الأمر حسبة أخرى؟
- القبس جريدتي يا رجل .. والذي بيني وبينها أكبر كثيراً من مجرد الإرتباط العاطفي أو "الحسبات الأخرى". إن صلتي بالقبس هي صلة رحـم، وعلاقتي بها مسألة يفرضها الولاء، فهي التي احتوتني بحضنها عندما فتحت عيني، وهي التي حملتني على صدرها بشجاعة مريم، فيما كان الرهط كله يهتف من حولها حانقاً "لقد جئت شيئاً فريا" .
إنك تستطيع أن تغير قميصك، وتستطيع أن تغير بيتك، بل وتستطيع أن تغير وطنك .. لكنك لا تستطيع أبداً أن تغير أمك !
* نزار قباني مات، والجواهري، والحيدري، .. أما محمود درويش ففي العناية المركزة، هل باستطاعتنا أن نقول الآن : رحم الله الشعر؟
- نسأل الله أن يرحم من ماتوا، وندعوه أن يكتب الشفاء لمحمود درويش.
وإذا كان من الإنصاف أن نذكر لهؤلاء الشعراء حرصهم على الكتابة بلغة الناس، في ساحة طافحة بآلاف المصابين بالإلتهاب اللغوي، فإن من المغالاة أن نرفع نعش الشعر كلما مات شاعر.
لقد جرت الحياة على أن يموت شاعر ويوجد شاعر ويولد شاعر، وسلطة الشعر في كل عصر، إنما يتداولها الأكفاء .. ليس الشعر نظاماً عربياً لكي يسقط بموت الحاكم.
* حدثنا عن الغربة، كثيراً .. أو قليلاً، كما تحب .. غربة الزمان وغربة المكان. غربة الجسد وغربة الروح.
- في روايته "خفة الكائن التي لا تحتمل"، يقول ميلان كونديـرا : "إن من يعيش في الغربة يمشي في فضاء فوق الأرض من غير شبكة الحماية التي ينصبها لكل كائن البلد الذي هو بلده .. حيث أسرته وزملاؤه وأصدقاؤه، وحيث يعرب عما به من غير مشقة باللغة التي يعرفها منذ الطفولة".
وتأسيساً على هذه العبارة، أستطيع القول إنني لم أحظ بشبكة الحماية هذه، لا في البلد الذي هو بلدي، ولا في أي مكان آخر. وعليه فإن غربتي قد بدأت بمولدي، وأحسب أنها لن تنتهي إلا إذا انتهت غربة أوطاني نفسها.
هذا ما يتعلق بغربة الجسد،أما بالنسبة لغربة الروح، فإن ما يعزيني هو أنني لاجىء منها على الدوام إلى دولة رائعة من صنع دمي، بيوتها هي أبيات الشعر، ورئيسها هو ضميري.
* تكاد تكرر تجربة "غائب طعمة فرمان" .. لقد رحل طويلاً وظل حبيس الماضي.
عاش أكثر من ثلثي عمره خارج العراق .. وبقي لا يكتب إلا عن العراق. هل أنت مصاب بهذا "النكوص" أيضاً؟
- كان يجب أن تسأل أولاً : لماذا عاش "فرمان" أكثر من ثلثي عمره خارج العراق؟
حدث هذا لأنـه كان حبيس الحاضر، ذلك أن مأساة وطنه التي حاصرت ثلاثة أجيال حتى الآن، هي التي أجبرته على الرحيل طويلاً. وإذا كنت تعتقد أن الوطن يعتبر ماضياً بمجرد أن يغادره الكاتب، فالمشكلة في طبيعة اعتقادك وليست في الكاتب.
إنك لو تمعنت في كتابات "فرمان" عن العراق، لما وجدت فيها ماضياً غير متصل بالحاضر، بل وبالمستقبل أيضاً، في بلد يسلمه الجلاد للجلاد. أما بالنسبة إلي، فإنني لا أكتب عن العراق وحده، بل أكتب بالجملة عن عشرين عراقاً لا تفاوت بينها إلا في نسبة القطران.
ثم أي ماض، يا عزيزي ماضي، هذا الذي تريد أن تحبسني فيه؟ أنت تعلم أنه مضارع مستمر، وكل ما استجد فيه أنه كان رمادياً فأصبح ناصع السواد.
هل تستطيع الآن أن تحصي أعداد قتلانا؟ وهل يمكنك أن تدلني على "خرتيت" واحد حاول -من باب التغيير- أن يقترف الحياء للحظة واحـدة، أو أن يحرك عجيزته عن الكرسي مقدار أنملة؟
لم يكن ما كان ماضياً. هو يبدو لك كذلك لأنني خرجت مبكراً جداً على طبع القطيع، وصرخت بملء دمي في وجه الذئاب، وغرزت مخالب الشعر في أنيابها، فيما كان الآخرون، بغالبيتهم، صامتين وراكدين، بل ومستعدين لوضعي على مائدة عشائها مع قبلة حب.
الذئاب نفسها لا تزال مكشرة عن أنيابها. هي لم ترحل ولم تمت. الموت لا يحبها .. للموت وعي صحي يمنعه من التهام الكواسر.
شجعني ، إذن، وشمتني، لأنني لا أزال قادراً على الوقوف أمامها مكشراً عن أقلامي. وإذا لم تشجعني فلا تسم موقفي "نكوصاً" لأنك ، حينئذ، لن تستطيع وضع "الإقدام" في أية جملة مفيدة.
لست مصاباً بالنكوص يا عزيزي .. مشكلتي أنني مصاب بالثبات على المبدأ،. وهي بالفعل مشكلة حقيقية، في هذا الزمان الفيفي.
* هل ستستقر في لندن إلى الأبد؟
- كلا.كلا. لندن ليست محطة استقرار. إنها بالنسبة إلي محطة عبور لا أكثر، خاصة إذا أخذت بعين الإعتبار طبيعتي الملولة التي تنفر من خيار الإستقرار ومتعلقاته.
إنني كثيراً ما أحتال على أصيافي بالتنقل بين قصري المسترخي على ضفاف الدانوب في فيينا، وبيتي الريفي المطل على طواحين الهواء في هولندا، الذي تزين جدرانه لوحات صديقي الراحل "فان جوخ"، وأحياناً أستلهم وحي شعري على ظهر يختي "يختي عليه"، عندما يبحر بي إلى هاواي بالذات. أما شتاءاتي فهي مكرسة لمتابعة حركة أسهمي وأعمالي التجارية بين أسواق نيويورك وطوكيو، وقلما أجد وقتاً لممارسة هواية التزلج في سويسرا والنرويج أو لتناول "كافياري" المفضل في "نيس".
كما ترى .. أمام كل هذه الخيارات، كيف لمترف ملول مثلي أن يستطيب الإقامة في بقعة بائسة كلندن؟! إن شئت الصدق، إنني على استعداد للتنازل عن جنسيتي البريطانية هذه لأي رجل من إخواني في العروبة، خاصة إذا كان حريصاً على "ترقيق مفرداته" في أوروبا .. جميع مفرداته.
* خبرنا عن حياتك الشخصية .. نحب أن نعرف ارتباطك .. أولادك .. زواجك إن تم .. كيف تعمل، ماذا تكسب، ماذا تخسر .. وقل لي : ماذا عن العرب في الخارج .. هل هم واجهة مشرفة؟!
- ارتباطي: هو بقضية كل إنسان ضعيف ومستلب.
- حالتي الإجتماعية : "رب بيت".
- شغلي : هو كنس العروش الفاسدة.
- مكسبي: احترامي لذاتي.
- خساراتي: أرباح، .. أصبحت لكثرتها أغنى الأغنياء .. ففي كل صباح أستيقظ فأجدني معي، أحمد الله ثم أبدأ بتفقد كنوزي، أدق قلبي الجريح فترد كبريائي " أنا هنا" .. أتفحص جيبي المثقوب، تضحك أناملي " لا تتعب نفسك .. لم أقبض صكاً من سلطان" .. أتلمس روحي، تبتسم آلامها "أطمئن، لم يستطيعوا اغتصابي" .. افتح كتابي، يلهث في وجهي قائلاً "صادروني اليوم في البلد الفلاني". وطول جولتي يسليني ضميري بدندنة لا تنقطع : لم نمدح شيطاناً ، لم نخن قضية الإنسان، لم ننس فلسطين، لم نذعن لأية سلطة، لم نضحك في وجه مرتزق .. وهلم فخراً.
عندئذ، أتطلع إلى المرآة مبتهجاً، وأهتف بامتنان: "ألف شكر .. لم أبعني لأحد"‍!
أما العرب في الخارج، فبعضهم يرفع رأسك إلى ما فوق السماء السابعة، وبعضهم ينزل به تحت الأرض السابعة. وكل إناء بالذي فيه ينضح.
* مرة كنت تريد الكتابة عن حبيبتك .. فتحول ما تكتب إلى كتابة عن الوطن دون إرادة منك. أخبرني ذلك -عنك- أحد الأصدقاء. هل أنت غير قادر على أن تحب بالكلمات .. وتتغزل بالشعر .. دون أن تبكي على أطلال الوطن؟
- هامش: أنظر قصيدة "أعرف الحب .. ولكن" في لافتات 4، ومنها ستعرف أنني قادر قادر جداً على الحب بالكلمات وبغير الكلمات، ومنها ستعرف أيضاً لماذا لا أفعل. وإغناء لما تضمنه الهامش، أتساءل: ألا يكون الحب حباً إلا إذا قام بين رجل وامرأة؟ أ ليس حباً حنينك إلى مسقط رأسك، الذي حولوه إلى "مسقط رأسك"؟!
أليس حباً أن تستميت لاسترداد الوطن من اللصوص، لكي لا تبقى حبيبتك مشردة على أرصفة الدنيا؟
أليس حباً أن تحاول هدم السجن وبناء مدرسة، لكي لا ينصرف ذهن حبيبتك عنك، كلما التقيتما، للتفكير في مصير ابنكما الآتي، الذي لن يعرف من دنياه سوى أن "السجن مدرسة"؟
وليلى المريضة في "العراقات" العشرين .. تلك الجميلة المشهورة باسم "الحرية" .. كم ألفاً من "قيس بن الملوع" مثلي تحتاج، لكي يمكن الوفاء بمتطلبات التغزل بها والموت في حبها؟
إن الحبيبة نفسها ستغمزك بالقبقاب، إذا رأتك تغمز لها مغازلاً، وأنتما واقفان لأخذ العزاء في مقتل أهلكما إثر انهيار البيت.
إن البكاء على الأهل .. والغضب على المقاول، هما أرفع أنواع الحب في مثل هذا الموقف. لهذا فقد يدهشك - بينما لا يدهشني- أن المرأة في طليعة قرائي.
* ناجي العلي كان زميلك، وكنتما تعملان معاً في الجريدة ذاتها (القبس)، وكلاكما كان معارضاً على طريقته، وكلاكما أُخرج من الكويت إلى لندن. ناجي كانت نهايته برصاصة طائشة .. أما أنت أفلا تخشى أن تلاقي النهاية ذاتها؟
- يمكنك أن تقول عن ناجي أيضاً إنه كان يكرر نفسه، وإنه مثلي، لم يغادر القضية التي آمن بها، ولم يتغير. وكل ما طوره هو أدواته الفنية، من حيث الخطوط، وزاوية النظر، وشحن اللوحة بأقصى درجات التأثير، من خلال الصدق والبراءة والعفوية .
ألا يثير ارتيابك أن الأنظمة لا تقتل إلا هؤلاء الناس الذين يقدمون "حقناً" متكررة .. بينما هي تضع جميع أجهزتها تحت أيدي أولئك العباقرة الأفذاذ الذين لا يحبون التكرار؟
تسألني عما إذا كنت أخشى النهاية التي لاقاها ناجي ..
وأقول: إن الموت مصير كل حي، ومادام الأمر كذلك، فلماذا يؤجل العاقل موته النظيف الذي يأتي مرة واحدة، ليواجه ألف موت قذر كل ساعة؟ إن أخشى ما أخشاه هو الذل، وهذه الخشية هي التي تدفعني إلى الإيغال أكثر فأكثر في مقارعة أولئك الذي ينتخب الواحد منهم نفسه خادماً للغرباء برتبة ماريشال، أو جلاداً للشرفاء بلقب "حبيب الشعب" .. أقارعهم لكي لا يصبح من المألوف والطبيعي أن ينسف، كل يوم، رأس رجل حر برصاصهم الذي لا "يطيش" إلا عند مواجهة إسرائيل.
إن هؤلاء لا يولدون إلا في مستنقعات الصمت .. ولهذا وجب ألا تخلو الأرض ممن يديمون حركة الماء بما يقذفونه فيه من أحجار. وأنا واحد من هؤلاء.
* تذكر كثيراً في كتاباتك المخبر والمخبرة والمخبرين .. من هؤلاء المخبرون؟
- مادمت لا تعرف من هم هؤلاء ، فاسمح لي أن أعرفك بهم. كان ياما كان في هذا الزمان وفي ذلك المكان، كان هناك ثلاثة مخبرين حلوين، واحد اسمه شلفاط، وواحد اسمه قلفاط، وواحد اسمه جلفاط. الأول أسـمر، والثاني أسود، والثالث أدعم. وثلاثتهم يسلمون عليك، وثلاثتهم يقبلون يديك .. هل لديك استفسارات أخرى؟
يا أخي ماضي .. كأنك تسأل ما هو الحيوان الذي يلهث وينبح ويعقر وأول حرف من اسمه "كلب"؟
تحيرت أمام سؤالك، فلم أعرف ماإذا كنت تمزح أم تمزح؟
* حدثنا عن ذكرياتك مع ناجي العلي؟
- ليس من الوفاء أن أختزل ذكرياتي عن ناجي. هذه المسألة تحتاج إلى أن أتفرغ لها لأفيها حقها، وسأفعل هذا في المستقبل.
كل ما أستطيع قوله الآن إن ناجي العلي هو أوعى وأنقى وأشجع رجل عرفته في حياتي.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11575
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : حوار مع الشاعر أحمد مطر 15781612
حوار مع الشاعر أحمد مطر Icon_minitime 2019-11-20, 6:40 pm
lara bad- u.s.a
لماذا يبدو في بعض قصائدك إيمان قوي وفي بعضها الآخر تهكّم على الشرع ؟
- كلاّ، هذا لا يبدو أبداً. لكنه قد يبدو لك إذا وضعت الرجال في موضع الشرع نفسه، وأنا – لإيماني القوي – لا أضعهم هذا الموضع .
إنني بدافع غيرتي على الشرع المبتلى، أتهكّم على من يمتطون الآخرة للوصول إلى الدنيا، أولئك الذين يفتحون ألف عين على قصر الجلابيب، لكنهم لا يلقون حتى نظرة خاطفة على طول " الأوزار"!
أتهكّم على من يشوّهون جمال دين العدل والرحمة، إذ يقطعون يد سارق الدرهم، ثمّ لا يجدون حرجاً من أن يقبضوا رواتبهم من يد سارق البلاد والعباد !
أتهكّم على من يطالبونني بالسمع والطاعة لأيّ أفّاق لم أبايعه على حكمي، ولأيّ لص لم أبايعه على سلبي، ولأيّ مجرم لم أبايعه على قتلي، ثمّ يحاولون تجميل القباحة بقبح أكبر، حين يباركون لي بعظيم المكسب لأنه لم يمنعني من الصلاة !
وأيّ صلاة بعد هذا ؟!
أيتفق عقلاً أو شرعاً أن أدين للمنكر بالسمع والطاعة، ثم أقوم لأقرأ في صلاتي :
" إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " ؟!
لكلّ فرعون هامانه وقارونه، وفي زماننا هذا، استأثر فرعون بخزائن قارون، وأوقف (الهامانات) بوّابين على أعتاب ظلمه وجوره وفساده، ليعتصروا "الشرع" سوائل قابلة لأخذ أيّ شكل من أشكال أوانيه المستطرقة !
هؤلاء، يا لارا، ليسوا الشرع. هؤلاء هم أعداء الشرع. وأنا ، في الواقع، لا أكتفي بالتهكم عليهم، بل أجلد وجوههم بسوط الإدانة، بأقسى مما أجلد الطغاة أنفسهم ، ذلك لأن الطغاة إنّما يرتكبون جرائمهم عاريةً، أمّا هؤلاء فإنهم يأتون بما يُعجز إبليس من فنون التفصيل والخياطة، من أجل إلباس تلك الجرائم ثوب الدين !
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11575
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : حوار مع الشاعر أحمد مطر 15781612
حوار مع الشاعر أحمد مطر Icon_minitime 2020-10-25, 7:09 am
وجوهكم أقنعة بالغة المرونة
طلاؤها حصافة، وقعرها رعونة
صفق إبليس لها مندهشا، وباعكم فنونه
".وقال : " إني راحل، ما عاد لي دور هنا، دوري أنا أنتم ستلعبونه
ودارت الأدوار فوق أوجه قاسية، تعدلها من تحتكم ليونة ،
فكلما نام العدو بينكم رحتم تقرعونه ،
لكنكم تجرون ألف قرعة لمن ينام دونه
وغاية الخشونة ،
أن تندبوا : " قم يا صلاح الدين ، قم " ، حتى اشتكى مرقده من حوله العفونة ،
كم مرة في العام توقظونه ،
كم مرة على جدار الجبن تجلدونه ،
أيطلب الأحياء من أمواتهم معونة ،
دعوا صلاح الدين في ترابه واحترموا سكونه ،
لأنه لو قام حقا بينكم فسوف تقتلونه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

حوار مع الشاعر أحمد مطر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

مواضيع مماثلة

-
» لقاء مع الشاعر أحمد مطر,آخر قصائد أحمد مطر
» تحميل أعمال الشاعر أحمد مطر جميع الدوواوين
» تحميل الأعمال الكاملة لأحمد عبد المعطى حجازى,دواوين الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى
» تحميل جميع دواوين أحمد مطر,ديوان أحمد مطر الأعمال الشعرية الكاملة pdf
» حوار الرئيس محمد مرسى فى التليفزيون المصرى بالفيديو,حوار فى مكتب الرئيس

صفحة 1 من اصل 1
نوسا البحر :: منتديات عامة :: المنتدى العام

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا