حكم المفاعيل النصبُ، وهي خمسة: المفعول به، والمفعول المطلق، والمفعول فيه، والمفعول له، والمفعول معه.
1- المفعـول به:
هو ما وقَع عليه فعل الفاعل؛ مثل: أكلَ زيدٌ الطعامَ، والمراد بوقوع فعل الفاعل على المفعول به ارتباطه به بحيث لا يتعقل إلا بتعقُّل المفعول به، لذلك صح أن نقول: إنَّ زيدًا مفعول في مثل: ما ضربتُ زيدًا، أو: لا تضربْ زيدًا، والفعل المتعدي ثلاثة أنواع: نوع ينصب مفعولًا واحدًا كما في الأمثلة المتقدمة، ونوع ينصب مفعولين أصلُهما مبتدأ وخبر، وهو ظن وأخواتها، وقد سبق بحثها، أو ينصب مفعولين ليس أصلُهما مبتدأً وخبرًا مثل: أعطيت الفقيرَ درهمًا، ونوع ينصب ثلاثة مفاعيل؛ مثل: أخبرتُ زيدًا القمرَ طالعًا.
وقد أدرج صاحب القطر بحث المنادى في المفعول به؛ لأن (يا) في قولك: يا عبدَالله بمعنى أدعو، لكني رأيتُ أن أُفرِد للمنادى بابًا خاصًّا، كما فعل كثير من النحاة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ بحث المنادى طويل جدًّا؛ كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
2- المفعـول المطلق:
«هو مصدرٌ فضلةٌ تسلَّط عليه عاملٌ من لفظه، مثل: جلستُ جلوسًا، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164]، أو من معناه مثل: جلستُ قُعُودًا، وفَرِحتُ جَذَلًا».
وليس من المفعول المطلق المصدر الذي يقع عمدةً في الكلام؛ مثل: جلوسُك مريحٌ، وأعجبني كلامُك؛ لأن جلوسك مبتدأ، وكلامك فاعل، فليسا فضلتين.
والمفعول المطلق يذكر في الكلام لتوكيد الفعل؛ مثل: أكلتُ أكلًا، ونمت نومًا، أو لبيان نوعِهِ؛ مثل: جلستُ جلوسَ الخائف، ووقفتُ وِقْفَةَ المتحيِّر، وقد يُذكرُ لأغراض أخرى كما سيأتي.
وقـد تُنصَب أسماء ليست بمصادر[1]، وتكون نائبة عن المفعـول المطـلق مثـل:
1- كل وبعض مضافين إلى المصدر مثل: اجتهدتُ كلَّ الاجتهاد، وتردَّدتُ بعضَ التردُّدِ، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ﴾ [النساء: 129]، وقـوله تعـالى: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ﴾ [الحاقة: 44].
فكل وبعض منصوبان على أنهما نائبان عن المفعول المطلق، وما بعدهما مضاف إليه.
2- مرادف المصـدر[2]؛ مثل: جلستُ قعـودًا، وفَرِحتُ جَـذَلًا.
3- الإشارة إليه مثل: ضربتُ ذلك الضربَ، فذلك في محل نصب لنيابته عن المفعول المطلق وما بعده بدل منه أو صفة له.
4- ضمير المصدر مثل: ضربتُهُ ضربًا لا أضربه أحدًا، ومنه قوله تعالى: ﴿ لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 115]، فالهاء في أضربه وأعذبه نائب عن المصدر[3]، وأحدًا مفعول به.
5- آلة المصدر مثل: ضربتُه سوطًا أو عصًا أو مِقْرَعَةً.
ويسمى المفعول لأجـله أيضًا، «وهو كلُّ مصـدرٍ يُذكر علة لحـدَثٍ شاركه وقتًا وفاعلًا»، وإنما يُنصَبُ إذا كان مصدرًا، وأن يتحد مع الفعل؛ بحيث يـكون الفاعـل واحـدًا والزمـن واحــدًا، مـثـال ذلك قـوله تــعالى: ﴿ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾ [البقرة: 19]، الحذر منصوب على أنه مفعول له، وهو مصدر، وفاعلُ الحذرِ وجعلِ الأصابع واحد، وهم الكافرون، وزمن الحَـذَر والجعل واحد، فإن فُقِدَ واحد من هذه الشروط، وجَب جرُّه بأحد حروف التعليل مثل اللام أو من أو الباء أو غيرها.
مثال ما فقَد المصدرية: قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]؛ إذ الكاف ليست مصدرًا.
ومثال ما فُقِد فيه اتحادُ الزمان: قول الشاعر:
فجئتُ وقد نَضَّتْ لنومٍ ثيابَـها... [4].
فالعلة النوم وهو مصدر، وفاعل النض (أي النزع)، وفاعل النوم واحـد وهـو المـرأة، لكن النض قبل النوم.
ومثال ما فُقِـدَ فيه اتحاد الفاعل: قـول الشاعر:
وإنِّي لَتَعْرُوني لذكراكِ هزةٌ...[5]
ففاعل تعروني هو هزة، وفاعل الذكرى هو المتكلم.
وقال تعالى: ﴿ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ [النحل: 8]، لتركبوها مصدر مؤول؛ لأن الفعل منصوب بأن المصدرية المقدرة، وهو علة لخلق الخيل والبغال والحمير، ولكن فاعل الخلق هو الله جل شأنه، وفاعل الركوب بنو آدم، لذلك جُرَّ المصدر باللام، أمَّا زينة فهو مفعول له لاستيفائه الشروط، ومعلوم أن فاعل الخلق والتزيين هو الله تعالى، وإذا استوفى المصدرُ الشروطَ، فالأرجح نصبه، ويجـوز الجر بحرف التعليل؛ تقـول: جئتُ إكرامًا لك أو لإكرامِك.
4- المفعول فيه (الظرف):
«هو اسم منصوب تسلَّط عليه عامل على معنى (في) الظرفية، سواء كان اسم زمان مثل: سافرتُ يومَ الخميس، أم اسمَ مكان مثل: جلستُ أمامَك».
وجميع أسماء الزمان تقبل النصبَ على الظرفية، ويستوي في ذلك المختص كيوم الخميس، والمعدود كصمتُ أسبوعًا، والمبهَم كقضيتُ في البصرة وقتًا[6].
أمَّا أسماء المكان، فلا يُنصَب منها على الظرفية إلا ما كان مُبهمًا، وذكر النحاة أن المبهم من أسماء المكان ثلاثة أقسام:
الثاني: أسماء مقادير المساحات، كالفرسخ والميل؛ تقول: سرتُ فرسخًا أو ميلًا.
الثالث: ما صِيغَ من مصدر الفعل الذي عَمِلَ النصب في الظرف؛ مثل: جلستُ مَجلِسَ زيدٍ؛ أي: مكان جلوسه، وفي القرآن الكريم: ﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ﴾ [الجن: 9]، ولا يصح أن يقال: قعدتُ مجلسَ زيدٍ، لاختلاف مَصْدَرَيهما.
5- المفعـول معـه:
«هو اسم فضلة منصوب وقع بعد واو أُريدَ بها التنصيصُ على المعية وقبلهما فعل أو شيء فيه معنى الفعلِ وحروفُه»، مثل: سار زيدٌ والشارعَ، وزيدٌ سائرٌ والشارعَ، وأَعجبني سَيرُكَ والشارعَ، فالشارع مفعول معه؛ لأنه اسم فضلة وقع بعد واو بمعنى مع وسبقهما في الجملة الأولى فعل، وفي الجملتين الثانية والثالثة ما يُشبهُ الفعل، وهو اسم الفاعل في الثانية والمصدر في الثالثة.
وليس في الجملِ الآتية مفعول معه:
(1) لا تأكل السمكَ وتشرب اللبن.
(2) جاء زيد والمطرُ نازلٌ.
(3) اشترك زيدٌ وخالدٌ.
لأنَّ ما بعد الواو في الجملة الأولى فعل لا اسم، وما بعدها في الجملة الثانية جملة لا اسم، وما بعدها في الجملة الثالثة عمدة لا فضلة؛ لأن الاشتراك لا يتأتَّى إلا من اثنين فأكثر.
ولم يذكر صاحب القطر ما ذكره بعض النحاة من وقوع المفعول معه بعد (ما وكيف) الاستفهاميتَين مثل: ما أنتَ وزيدًا؟ وكيف أنتَ والقتالَ؟
فما بعد الواو في الجملتين مفعول معه، مع أنه لم يسبقه فعل ولا شبهه.
وخرَّجَهُ النحاة على إضمار فعلٍ مشتق من الكون، والتقدير: ما تكون وزيدًا، وكيف تكون والقتالَ.
والاسم الذي تتوفر فيه الشروط للنصب على أنه مفعول معه له ثلاث حالات، وهي:
(الحالة الأولى) وجوب النصب: وذلك فيما إذا كان العطف ممتنعًا لمانع معنوي؛ كقولك لمن ينهى عن القبيح، وهو يفعله: لا تنه عن القبيح وإتيانَه؛ لأنك لو عطفت كان المعنى لا تنهَ عن القبيح ولا عن إتيانه، وهو فاسد؛ لأن مراد القائل النهي عن القبيح وعن إتيانه، فهو كقول الشاعر:
لا تنه عن خُـلُقٍ وتأتيَ مثلَه...[7]
وكذلك يجب النصب في مثل قولك: قمتُ وزيدًا؛ إذ الصحيح أن العطف على الضمير المرفوع المتصـل (وهـو التاء هنا)، لا يجـوز إلا بعـد توكيده بضمير منفصل، فتقول على العطف: قمت أنا وزيدٌ، وكذلك يجب النصب في قولك: مررتُ بك وزيـدًا؛ إذ لا يجـوز العطف على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض، فلو أردتَ العطف لقلتَ: مررت بك وبزيدٍ؛ قال تعالى: ﴿ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 22].
ومن موانع العطف المعنوية ما لم يذكره صاحب القطر، وهو ما إذا كان ما بعد الواو لا يُشارِك ما قبلها في الحكم، مثل: سِرتُ والشارعَ، وماتَ زيدٌ وطلوعَ الشمسِ؛ لأن الشارع لا يشاركك في السير، وطلوع الشمس لا يشارك زيدًا في الموت.
(الحالة الثانية) يترجَّح نصب الاسم على أنه مفعول معه على العطف: وذلك في مثل قولك: كُنْ أنتَ وزيدًا كالأخ؛ وذلك لأنك لو عطفتَ زيدًا على الضمير المستتر في (كن) لزم أن يكون زيدٌ مأمورًا، ولا تريد أن تأمره، بل تريد أن تأمر المخاطبَ بأن يكون مع زيد كالأخ.
(الحالة الثالثة) ترجيح العطف: وذلك فيما إذا أمكن العطف من غير ضعف، كقولك: قام زيدٌ وخالدٌ؛ لأن العطف هو الأصل ولا موجب ولا مرجِّح لغيره.
وذكر بعض النحاة:
(حالة رابعة) يمتنع فيها العطف كما يمتنع النصب على المعية: كما في قول الشاعر[8]:
عَلَفتُها تِبنًا وماءً باردًا
ويتعيَّن في مثل هذا أن يكون ما بعد الواو منصوبًا بفعل محذوف، والتقدير: وسقيتُها مـاءً باردًا.
المصدر كتاب: توضيح قطر الندى
تأليف: الشيخ عبدالكريم الدبان التكريتي، بعناية: الدكتور عبدالحكيم الأنيس
[1] هذا على الغالب، ولا ينطبق على الحالة الثانية، وهي: جلست قعودًا، فإن قعودًا مصدر كما هو واضح. ع.
[2] أي: المصدر المرادف لمصدر الفعل المذكور كما في شرح ابن عقيل ص 269. ع.
[3] أي: نائب عن المفعول المطلق.
[4] البيت لامرئ القيس؛ انظر: معالم الاهتدا، ص 58-59. ع.