قراءة أعمال محمود درويش مباشرة على عفاريت نوسا
هي أغنية هي أغنية
سنخرج
سنخرجُ ،
قلنا : سنخرجُ ،
قلنا لكم : سوفَ نخرجُ مِنّا قليلاً ، سنخرجُ منَّا
إلى هامش أبيضٍ نتأمل معنى الدخولِ ومعنى الخروج
سنخرج للتوِّ . أبَّ أبونا الدي كان فينا إلى أمِّه الكَلِمَهْ
وقلنا:
سنخرج . فلتفتحوا خطوةً لدمٍ فاضَ عنِّا
وغَطَّى مدافعكم . أوقفوا الطائراتِ المغيرة خمسَ دقائقَ أُخرى
وكفّوا عن القصفِ ’ براً ’ وبحراً ’ ثلاثَ دقائقَ أُخرى
لكي يخرج الخارجون وكي يدخلَ الداخلون..
سنخرج ، قلنا سنخرجُ,
فلتتركوا حَيّزاً للوداعِ الأخيرِ . سلامٌ علينا , سلامٌ علينا
سنجمع أعضاءنا في الحقائبِ ’ فلتوقفوا القصفَ خمسَ دقائقْ
لكي تغسل السيداتُ الأنيقاتُ أثداءَهنَّ من القُبَلِ السابقهْ
سنخرج،
قلنا : سنخرجُ منَّا قليلاً ... سنخرجُ منَّا
رمينا على حافَّة البحر ساحلَ أجسادنا , وانكسرنا
كعاصفة النخلِ, حين انتصرنا عليكم وحين انتصرنا علينا
وزِدْنا الشوارع ظِلاً يُسِّمي المدينةَ شكلاً لمعنى
يُذَكَّرُ بالأبِ و الابنِ والروحِ ’ مهما رحلنا ومهما ابتعدنا:
سنخرج ’ قلنا : سنخرجُ,
فلتدخلوا في أَريحا الجديدةِ سبعَ ليالٍ قصارٍ فقط ,
فلن تجدوا طفلةً تسرقون ضفيرتها ’ أو فتى تسرقون فراشاتهِ
ولن تجدوا حائطاً تكتبون عليه أَوامر تنهي عن الزنزلختِ وعنَّا
ولن تجدوا جُثَّةً تحفرون عليها مزاميرَ رحلتكم في الخرافهْ
ولن تجدوا شرفةً كي تطلُّوا على الأبيضِ المتوسطِ فينا
ولن تجدوا شارعاً للحراسهْ
ولن تجدوا ما يَدُلُّ عليكم ’ ولن تجدوا ما يَدُلُّ علينا
خرجنا قبيلَ الخروجِ , فلا ترفعوا شارة النصر فوق الجثثْ
هنا نحن . نحن هناك . ولسنا هناك ’ ولسنا هنا
هنا نحن تحت العناصر . نحن دمٌ كامنٌ في الهواءِ الذي تذبحونَهْ
سنخرجُ،
قلنا : سنخرجُ . فلتقصفوا ظلَّنا ...ظِلَّنا
خُذوهُ أسيراً إلى أُمِّهِ الأرضِ أو عَلِّقوه على شجر الكَسْتَنا
تكونون أو لا نكون ! ادخلوا وهمكم ’ واحرثوا وهمنا
سنخرجُ ،
قلنا : سنخرج من أوِّل البحرِ
بعد قتيلٍ ، وخمسةِ جرحى , وخمسِ دقائقْ
وبعد سقوط الطوائف حول اشتباك الحديد المدوِّي مع العائلهْ
سنخرجُ من كل بيت رآنا نُدَمِّر دبابةً قُربَهُ أو علينا
سنخرجُ من كلِّ مترٍ ’ ومن كلِّ يومٍ ، كما يخرج البدوُ منَّا.
سنخرج ,
قلنا سنخرج مِنَّا قليلاً إلينا : سنخرجُ منَّا
إلى بُقعة البحر – أبيضَ أزرقَ – كنا هناك , وكنا هنا
يدلُّ علينا الغيَاب الحديديُّ بيروتُ كانت هناكَ وكانتْ هنا
وكُنَّا على رُقعَة ساعةَ حائطْ
ويومَ قرنْفُلُ
وداعاً ’ لمن سوف يأتونَ من وقتنا صامتينْ ,
ومن دمنا واقفينَ ’ لندخُلْ
سنخرجُ ,
قلنا : سنخرجُ ,
قلنا : سنخرجُ حين سندخُلْ
نزل على البحر
نُزْلٌ على بحرٍ : زيارتُنا قصيرهْ
وحديثُنا نُقَطٌ من الماضي المهشم منذ ساعهْ
من أيِّ أبيض يبدأ التكوينُ؟
أنشأْ جزيره
لجنوب صرختنا . وداعاً يا جزيرتنا الصغيرهْ
لم نأتِ من بلدٍ إلى هذا البلدْ
جئنا من الرُّمَّان , من سرِّيس ذاكرةٍ أتينا
من شظايا فكرةٍ جئنا إلى هذا الزبدْ
لا تسألونا كم سنمكث بينكم ’ لا تسألونا
أيَّ شيء عن زيارتنا. دعونا
نفرغُ السفَنَ البطيئة من بقيَّة روحنا ومن الجسدْ
نُزْلٌ على بحرٍ : زيارتنا قصيرهْ
والأرضُ أصغر من زيارتنا . سنرسل للمياهِ
تُفَّاحةً أخرى ’ دوائَر ’ أين نذهبُ
حين نذهبُ؟ أين نرجعُ حين نرجعُ؟ يا إلهي
ماذا تبقَّى من رياضة روحنا ؟ ماذا تبقَّى من جهاتِ
ماذا تبقَّى من حدود الأرض ؟ هل من صخرةٍ أَخرى
نُقَدِّم فوقها قربانَ رحمتك الجديدْ؟
ماذا تبقَّى من بقايانا لنرحلَ من جديد؟
لا تُعطِنا , يا بحرُ , ما لا نستحقُّ من النشيد
للبحر مهنتهُ القديمهْ:
مدٌّ وجزرٌ ،
للنساء وظيفةٌ أولى هي الإغراءُ ,
للشعراء أن يتساقطوا غمّاً
وللشهداء أن يتفجروا حُلُماً
وللحكماء أن يستدرجوا شعباً إلى الوهم السعيدْ
لا تُعطِنا ’ يا بحرُ ’ ما لا نستحقُّ من النشيدْ
لم نأتِ من لُغة المكان إلى المكانْ
طالت نباتاتُ البعيدِ وطالَ ظلُّ الرمل فينا وانتشرْ
طالت زيارتنا القصيرةُ . كم قمرْ
أهدى خواتمهُ إلى مَنْ ليس منَّا . كم حجرْ
باضَ السنونو في البعيد وكم سنهْ
سننام في نُزْلٍ على بحرٍ وننتظر المكانْ
ونقول : بعد هنيهة أخرى سنخرج من هنا
متنا من النومِ , انكسرنا ههنا
أفلا يدوم سوى المؤقَّت يا زمان البحر فينا؟
لا تُعطِنا ’ يا بحرُ , ما لانستحقُّ من النشيدْ
ونريد أن نحيا قليلاً ’ لا لشيءٍ
بل لنرحل من جديدْ
لا شيء من أسلافنا فينا ولكنَّا نريدْ
بلادَ قهوتنا الصباحيّهْ
ونريدُ رائحة النباتات البدائيهْ
ونريدُ مدرسةً خصوصيهْ
ونريد مقبرةً خصوصيهْ
ونريد حريّهْ
في حجمِ جمجمةٍ ... وأغنيَّهْ
لا تُعطِنا ’ يا بحرُ ’ ما لا نستحقُّ من النشيدْ
....ونريد أن نحيا قليلاً كي نعود لأيِّ شيء
لم نأتِ كي نأتي...
رمانا البحرُ في قرطاجَ أصدافاً ونجمهْ
من يذكر الكلمات حين توَهَّجتْ وطناً
لمن لا بابَ لَهْ؟
مَنْ يذكُر البدو القدامى حينما استولوا على الدنيا ...بكلمهْ؟
من يذكر القتلى وهم يتدافعون لفضِّ أسرار الخرافهْ؟
ينسوننا ’ ننساهُمُ , تحيا الحياةُ حياتها
من يذكر الآن البداية والتتمهْ؟
ونريد أن نحيا قليلاً كي نعود لأيَّ شيء
أيِّ شيءٍ
أيِّ شيءٍ
لِبدايٍة ’ لجزيرةٍ ، لسفينةٍ , لنهايةٍ
لأِذان أرملةٍ , لأقبيةٍ ’ لخيمهْ
طالت زيارتنا القصيرهْ ,
والبحر فينا مات من سَنَتَيْنِ ... مات البحرُ فينا
لا تعطنا يا بحر ’ ما لا نستحقُّ من النشيدْ.
أنا العاشق السيئ الحظ
مناديلُ ليست لنا
عاشقاتُ الثواني الأخيرةِ
ضوءُ المحطة
وردٌ يُضَلّل قلبًا يفتّش عن معطفٍ للحنان
دموعٌ تخون الرصيف. أساطيرُ ليست لنا
من هنا سافروا، هل لنا من هناك لنفرحَ عند الوصول
زنابقُ ليست لنا كي نُقبّل خط الحديد
نسافر بحثًا عن الصِّفْر
لكننا لا نحبّ القطارات حين تكون المحطات منفى جديدًا
مصابيحُ ليستْ لنا كي نرى حُبّنا واقفًا في انتظار الدخانِ
قطارٌ سريعٌ يقصّ البحيراتِ
في كل جيبٍ مفاتيح بيتٍ وصورة عائلةٍ
كُلّ أهلِ القطارِ يعودون للأهلِ، لكننا لا نعودُ إلى أي بيتٍ
نسافرُ بحثًا عن الصفرْ كي نستعيد صواب الفراش
نوافذُ ليست لنا، والسلامُ علينا بكلّ اللغات
تُرى، كانت الأرضُ أوضحَ حين ركبنا الخيولَ القديمة
أين الخيول، وأين عذارى الأغاني، وأين أغاني الطبيعة فينا
بعيدٌ أنا عن بعيديَ
ما أبعد الحبّ! تصطادنا الفتياتُ السريعاتُ مثل لصوصِ البضائع
ننسى العناوين فوقَ زجاج القطاراتِ
نحن الذين نحبّ لعشر دقائق لا نستطيع الرجوعَ إلى أي بيتٍ دخلناه
لا نستطيع عبور الصدى مرتين
غبار القوافل
نحن للنسيان . قد جئنا لتقديم المدائحْ
لإلهٍ فَرَّ من خيمتنا
واختفى حين خرجنا نجمع الصيد لَهُ
لا تخافوا يا أهالي الجبل العالي
فلن نمكث إلاّ ليلتينْ
معنا ماءٌ ’ وخبزٌ , وهواءٌ . معناْ أصواتُنا ,
معنا ما يقطع الريح إلى نصفين... يا أهل الجبلْ
نحن لم ندخلْ ولم نخرجْ . ولكن سوف نرمي
قُوَّةَ الأشياء . هل مُتنا كثيراً لتخافوا موتنا
هل رسمنا صورة الوحش على الكهف لكي نألفهُ؟
فاحرسوا أشجاركم من غيمةٍ طارت وراء القافلهْ
نحن لا ندخل أو نخرج ... يا أهل الكهوف
نحن لا نُشبه أسلاف القصصْ
نحن للنسيان حارَبْنا كثيراً خوفَكُمْ في خوفنا
تابعوا , يا أهل هذا الساحل المكسور ’ حرب الاعتذار
عن نباتٍ شَبَّ في قاماتنا حينَ مَرَرْنا بينكُمْ
تابعوا سهرتكم , أو زوِّجوا عذراءكم للجنرال
فلقد تنجب جنساً ثالثاً للكرنفال
نحن للنسيان لن نبقى طويلاً ههنا,
لن ندُقَّ الطبل , لن نزعجكم ’ لن تسمعوا أحلامنا
لن نُطيلَ النوم في قريتكم , لن نقطف الوردة من بستانكمْ
لن نُصلِّي معكم , لن نُقْلقَ الربَّ الذي يختاركم شعباً على صورته
نحن لن نترك في ساحاتكم قطرة دمْ
وسنمضي قبل أن تستيقظوا من نومكم
قبل أن يدخل كسرى أو سواهُ
لا تخافوا يا أهالي هذه الصحراء منَّا
نحن لا ننشُدُ شيئاً . نحن لن نبعث فيكم مرّةً أُخرى نبيّاً
هذه أصنامكم فلتعبدوها مثلما شئتم كُلُوا التَمْرَ كُلوا أسماءَنا
نحن لا نأتي لنبقى نحن لا نمضي لكي نرجع . لكنَّ الرياحْ
أوقعتنا خطأً في حَيَّكُمْ , فلتذبحوها بالسيوف الصدئهْ
واحرسوا زوجاتِكم من طائر الفينيق في أجسادنا
واحفظوا الرملَ من العشب الذي يسقطُ من ألفاظنا سهواً عليكم ,
واحرسوا نخلتكم من ظلِّنا الطائر , وانسونا ,.
وناموا آمنين
نحن للنسيان . قد جئنا لتقديم الذبائحْ
لإلهٍ فرَّ من خيمتنا
واختفى ’ حين خرجنا نُوقد النار لَهُ
نحن للنسيان . إن جئنا إلى النهر حملناهُ يداً للأغنية
وإذا جئنا إلى الحقل فتحناهُ مدىِّ للأغنية
كُلُّ صوتٍ يحفرُ الصخرة – نحن
كُلُّ نايٍ لم يجدْ أنثاهُ – نحنُ
كُلُّ حُلْمٍ لم يجد حالِمَهُ الأوِّلَ – نحنُ
نحن جمهوريَّة النسيان, لم نخرج , وللنسيان نحنُ
عزف منفرد
هذا خريفي كلّه
فَتَّشْتُ عن نفسي فأرجعني السؤالُ إلى الوراءْ
لاشيء يأخذني إلى شيءٍ و ينسدلُ الفضاءْ
علىَّ منشقةً ويندسُّ المدى
في ثُقْب إبرة عاشقهْ
فَتَّشْتُ عن نفسي : سلامٌ للذين أُحبُّهم
عبثاً ، سلامٌ للذين يُضيئهم
جرحي هواءُ للهواءِ وأين نفسي بين
ما يسطو على نفسي ويرفعها رُخاماً للهباءْ
هذا خريفي كُلُّهُ
أعلى من الشجر المُذهَّب أين أذهب حين أذهبْ
في حضن سَيِّدتي مكانٌ واسع لقصيدتينْ
ولموتِ كوكبْ
كُلُّ الشوارع أوصلت غيري إلى طرف السماءِ
فأين أذهب أين أذهبْ ؟
كل الشوارع أوقعتهم في بياضٍ خادع بين البداية و النهاية
أُمِّي تُعدُّ لي الصباحَ على طَبَقْ
من فِضَّةٍ أو سنديانٍ ليس في أُمَّي سوى
أمَّ هنالك تنتظرْ
وهنا يدٌ تسطو على يومي وتسرقُ ما أُعِدُّ من كلامْ
يبسَ الكلامُ وطار موَّال الحمامِ،
ونامَ النومُ نامَ،
ولا جديدَ لدى النشيد ولا وصايا للضحايا
لا بداية للنهاية , ولا نهاية للبدايةِ
أيها الشجر ارتفعْ أعلى و أعلى أيها الشجر استمعْ
لتحكي مكسورةً كبيارقي الأُولى ويا... يأيها الشجر الْتمعْ لأراك في فجرِ الرمادْ
وبحثتُ عن نفسي فأرجعني السؤال إلى بلاد لا بلاد لها بلادٌ للبلادْ لا لم أكن ما كنتُ لكن كُلَّما وقعت عن الأشجار غيمهْ
فتَّشتُ عن أرضٍ لأسندها بلادٌ للبلادْ.
لا لم أكن ما كنتُ لكن كلما ضيَّعْتُ نجمهْ
ضاع الطريقُ إلى النجوم وضِعتُ في نفسي
ولكن أين مَنْ كانوا معي ؟ أين انفجار اليأس في جسدين أين الأنبياءْ؟
يا أيها الشجر إندثرْ في ... اندثرْ
لأصوغَ روحي من حطامي أيها الشجر انكسرْ لأرى خُطاي مدايَ فيَّ . وأيها الشجر انفجرْ
كي أفتحَ الشباك للشباك فيَّ ... وأنفجِرْ
حريتي – لغتي
سَلامٌ للذين أحبُّهم عبثاً
سَلامٌ للذين يضيئهم جرحي
سَلامٌ للهواءِ...............وللهواءْ
أربعة عناوين شخصية
متر مربع في السجن
هو البابُ، ما خلفه جنّةُ القلب. أشياؤنا
- كُلّ شيء لنا - تتماهى. وبابٌ هو الباب،
بابُ الكناية، باب الحكاية. بابٌ يهذّب أيلولَ
بابٌ يعيد الحقولَ إلى أوّل القمحِ
لا بابَ للبابِ لكنني أستطيع الدخول إلى خارجي
عاشقًاً ما أراهُ وما لا أراهُ
أفي الأرض هذا الدلالُ وهذا الجمالُ ولا بابَ للباب
زنزانتي لا تضيء سوى داخلي
وسلامٌ عليّ، سلامٌ على حائط الصوت
ألّفت عشر قصائدَ في مدْح حريتي ههنا أو هناك
أُحبُّ فُتات السماءِ التي تتسلل من كوّة السجن مترًا من الضوء تسبح فيه الخيول،
وأشياء أمّي الصغيرة
رائحةَ البُنّ في ثوبها حين تفتح باب النهار لسرب الدجاجِ
أحبّ الطبيعةَ بين الخريف وبين الشتاء،
وأبناء سجّاننا، والمجلاّت فوق الرصيف البعيدِ
وألّفتُ عشرين أغنيةً في هجاء المكان الذي لا مكان لنا فيهِ
حُرّيتي: أن أكونَ كما لا يريدون لي أن أكون
وحريتي: أن أوسّع زنزانتي: أن أُواصل أغنيةَ البابِ
بابٌ هو البابُ: لا بابَ للبابِ
لكنني أستطيع الخروج إلى داخلي، إلخ.. إلخ
مقعد في قطار
مناديلُ ليست لنا
عاشقاتُ الثواني الأخيرةِ
ضوءُ المحطة
وردٌ يُضَلّل قلبًا يفتّش عن معطفٍ للحنان
دموعٌ تخون الرصيف. أساطيرُ ليست لنا
من هنا سافروا، هل لنا من هناك لنفرحَ عند الوصول
زنابقُ ليست لنا كي نُقبّل خط الحديد
نسافر بحثًا عن الصِّفْر
لكننا لا نحبّ القطارات حين تكون المحطات منفى جديدًا
مصابيحُ ليستْ لنا كي نرى حُبّنا واقفًا في انتظار الدخانِ
قطارٌ سريعٌ يقصّ البحيراتِ
في كل جيبٍ مفاتيح بيتٍ وصورة عائلةٍ
كُلّ أهلِ القطارِ يعودون للأهلِ، لكننا لا نعودُ إلى أي بيتٍ
نسافرُ بحثًا عن الصفرْ كي نستعيد صواب الفراش
نوافذُ ليست لنا، والسلامُ علينا بكلّ اللغات
تُرى، كانت الأرضُ أوضحَ حين ركبنا الخيولَ القديمة
أين الخيول، وأين عذارى الأغاني، وأين أغاني الطبيعة فينا
بعيدٌ أنا عن بعيديَ
ما أبعد الحبّ! تصطادنا الفتياتُ السريعاتُ مثل لصوصِ البضائع
ننسى العناوين فوقَ زجاج القطاراتِ
نحن الذين نحبّ لعشر دقائق لا نستطيع الرجوعَ إلى أي بيتٍ دخلناه
لا نستطيع عبور الصدى مرتين
حجرة العناية الفائقة
تدورُ بيَ الريحُ حين تضيقُ بيَ الأرضُ
لا بُدّ لي أن أطيرَ وأن ألجُمَ الريح
لكنني آدميٌّ.. شعرتُ بمليون نايٍ يُمَزّق صدري
تصبّبْتُ ثلجًا وشاهدتُ قبري على راحتيّ
تبعثرتُ فوق السرير
تقيّأتُ
غبتُ قليلاً عن الوعي
متّ
وصحتُ قبيل الوفاة القصيرة
إني أحبّك، هل أدخل الموت من قدميكِ
ومتّ.. ومتّ تمامًا
فما أهدأ الموت لولا بكاؤك
ما أهدأ الموت لولا يداكِ اللتان تدقّان صدري لأرجع من حيث متّ
أحبك قبل الوفاةِ، وبعد الوفاةِ
وبينهما لم أُشاهد سوى وجه أمي
هو القلب ضلّ قليلاً وعاد، سألت الحبيبة
في أيّ قلبٍ أَصبتُ? فمالتْ عليه وغطّتْ سؤالي بدمعتها
أيها القلبُ.. يا أيها القلبُ كيف كذبت عليّ وأوقعتني عن صهيلي؟
لدينا كثير من الوقت، يا قلب، فاصمُدْ
ليأتيك من أرض بلقيس هدهدْ
بعثنا الرسائل
قطعنا ثلاثين بحرًا وستين ساحلْ
وما زال في العمر وقتٌ لنشرُدْ
ويا أيها القلب، كيف كذبت على فرسٍ لا تملّ الرياحَ
تمهّل لنكمل هذا العناق الأخير ونسجُدْ
تمهّل.. تمهّل لأعرفَ إن كنتَ قلبي أم صوتها وهي تصرخ
خُذني.
غرفة في فندق
سلامٌ على الحب يوم يجيءُ
ويوم يموتُ، ويومَ يُغَيِّرُ أصحابَهُ في الفنادِقِ
هل يخسرُ الحبُّ شيئًا? سنشربُ قهوتنا في مساءِ الحديقةِ
نروي أحاديثَ غربتنا في العشاءِ
ونمضي إلى حجْرةٍ كي نتابع بحث الغريبين عن ليلةٍ من حنانٍ، إلخ.. إلخ
سننسى بقايا كلام على مقعدين
سننسى سجائرنا، ثم يأتي سوانا ليكمل سهرتنا والدخان
سننسى قليلاً من النوم فوق الوسادة
يأتي سوانا ويرقد في نومنا، إلخ.. إلخ
كيف كُنَّا نُصَدِّقُ أجسادَنا في الفنادقِ؟
كيف نُصَدِّقُ أَسرارنَا في الفنادق؟
يأتي سوانا، يُتابع صرختنا في الظلام الذي وَحَّدَ الجسدينْ
ولسنا سوى رَقمين ينامان فوقَ السرير .. إلخ.. إلخ..
المشاع المشاع، يقولان ما قاله عابرانِ على الحبِّ قبل قليلٍ
ويأتي الوداعُ سريعًا سريعًا
أما كان هذا اللقاء سريعًا لننسى الذين يحبوننا في فنادق أخرى؟
أما قلتِ هذا الكلام الإباحيَّ يومًا لغيري؟
أما قلتُ هذا الكلام الإباحيَّ يومًا لغيرك في فندقٍ آخر أو هنا فوق هذا السريرِ؟
سنمشي الخطى ذاتها كي يجيءَ سوانا ويمشي الخطى ذاتها.. إلخ.. إلخ
عند أبواب الحكاية
للنهايات مذاقُ القمر البُنيّ ’ طعمُ الكلماتْ
عندما تحفرُ في الروحِ مجاريها ..وتنشفْ
ولها صوتُ أبينا في السموات ’ وإصغاءُ حصاةْ
لوصايا الملحِ .مُتْ يا حُبُّ مُتْ فينا ’ لنعرف
أنَّنا كُنَّا نحبُّ
كُلُّ شيء جاهزٌ من أجل هذا الانكسار العاطفيّ
شَجَرُ السور ’ ووردُ الحائط الأحمرُ ’ والدمع المُخَبَّأْ
وطريقٌ لا يؤدِّي بي إلى بيتٍ ومرفأ
وتحيَّاتُ الحديد
لمكانٍ غيَّر السُكانَ والألوانَ . مُتْ يا حب فيّ
لأرى النهر على هيئِة أفعى ونهايات نشيدِ...
النهاياتُ يَدٌ تخرجُ منها يُدها الأُخرى
ووجهٌ لسماء تتكسَّرْ
هل بوسعِ القلبِ أن يسقط أمثرْ؟
هل بوسعِ البَجَعِ العاشقِ أن يرقصَ أكثر ؟
صرختي دَلَّتْ على قلبي قليلاً , وأضلَّتْهُ كثيرا
والنهايات بداياتُ سؤالي عن صواب الأغنيهْ
تَصْدُقُ الصحراء فينا عندما يكذب عصفورٌ علينا
وتصير الأقبيهْ
لَقَباً للأندلس.
ها أنا أَصحو من النومِ . على صدرىَ أثارُ يديْنِ
وعلى المرآة ما يُشبه مَنْ كنتُ أُحبُّ ,
أو أُحبُّ الآن , أو أعبدُ ’ أو يجلدُ روحي بُعْدُها
وعليَّ الآن أن أخلع عن بطنيَ ختم الشفتينِ
وعليَّ الآن أن أخرج من نفسي كي يندسَّ في نفسي ونفسي جلدُها
وعليَّ الآن أن أسقيَ حُلْماً سابقاً شاي الصباحْ
وأقول : المطرُ الناعمُ جلدُ امرأة كانت هنا
كانت هنا
كانت هنا
ها أنا أدخلُ في النومِ . أرى حُلمْي . أرى
كُلَّ ما يحدث لي بعد قليلْ
قد مررنا مثلما مرَّ سوانا
واشتهينا كسوانا وافترقنا كسوانا
ربما نرجع للشيء الذي شرَّدنا بعد قليلْ
ربما نرجع ’ لكنْ حُلُمي إياهُ يأتي عكسَ حُلْي
كلما قلت وجدت الشيء فَرَّتْ نحلةٌ حبلى بشَهْدٍ ’ فرأيت
أنَّ حُلْمي عَكْسُ حلمي
لم يعد في وُسْع هذا القلب أن يصرخَ أكثرْ
السماويُّ ترابيٌّ , فمتْ يا حبُّ فينا نتحرَّرْ
من نجوم لا تغطينا ولا توقد فينا نرجسهْ
النهايات هي الحُلم الذي يشبه حُلْماً قد حدثْ
النهايات هي المرأةُ والفكرةُ إذ تفترقانِ
والنهاياتُ هي الفكرةُ والمرأةُ إذ تنتظرانِ
عند أبواب الحكايهْ
هل أُسميكِ النهايهْ
أم أُسميكِ البدايهْ؟
سأسميكِ البدايهْ.
في آخر الأشياء
ثَمَر على وشك السقوط عن الشجرْ
تلك النهايةُ و البدايةُ أو كلامٌ للسفرْ
في آخر السردابِ ينكسر الفضاءُ و يتَّسعْ
لا نستطيع البحثِ عن شيء و عن قولٍ يُحَرِّر حائطاً
فينا . وتنفتح الشوارعُ كي نَمُرّ
ظلاَّن ينفصلانِ عنَّا, ثم ينتشرانِ ليلا لا يُحَسُّ ولا يُرى
مَنْ يستطيعُ الحب بعدك ؟ من سيشفى من جراح الملح
بعدَكَ ؟ في زواج البحرِ و الليلِ استدار القلبُ نحوك
لم يجدنا ,لم يجد حَجَلاً تَزَيَّا بالحجرْ
في آخر السرداب نبلغ حكمة القتلى, نساوي
بين حاضرنا و ماضينا لننجو من كوابيس الغدِ
أيَّامنا شَجَرٌ . وكم قمرٍ أرادَكِ زوجةً للبحر
كم ريحٍ أرادت أن تهبَّ لتأخذيني من يدي
أيامنا ورقٌ على وشكِ السقوط مع المطرْ
لم تبقَ للموت سوى الحجيج الأخيرةِ.لا مكانَ لنا هنا
لنطيلَ جلستنا أمام البحرِ.فلنفتح طريقاً للزهورْ
ولأرجُل الأطفالِ كي يتعلموا المشي السريع إلى القبورْ
كبرت تجاربنا و ضاق كلامُنا
فلننطفئْ
ولنختبئْ
في سيرةِ الأسلاف و السفرِ المؤدِّي للسفرْ
في آخر السرداب يسقطُ من يدينا كُلُّ شيءْ
لا تستطيع روائحُ اللوز استعادتَنا ولا دروبُ الشام
في آخر الأشياء نطلبُ كُلَّ شيء يمنع الثمرَ الأخيرَ من السقوطْ
لكننا نمضي إلى حتفِ الفواكهِ في مكابرة المحبِّين الجُدُدْ
لا تذكريني عندما ينمو ينمو جنينك . لا تطأ حلمي ولا تسمع منامي
لا تغضبي مني ولا تغضبْ من الذكرى ومن صدأٍ على ريش
الحمامِ
في آخر الأشياء ندرك كم سيذبحنا وينكرنا القمرْ
فى آخر الأشياء ينكسر الكلامُ على أصابعنا ونُخفي
ما اختفى منّا ولمْ نعلمْ . ونرحمُ وردةَ البيتِ الأخيرهْ
إن جئتِ أُغنيتي ولم تجدي حذاءَك فاعلمي أني كذبتُ على المدى.
إن جئتِ أُغنيتي ولم تجدي صراخك فاعلمي أني كذبتُ على الصدى
إن جئتِ أُغنيتي ولم تجدي نهايتها أحبِّيني قليلاً كي تحبيِّني سدى
إن جئتِ أُغنيتي ولم تجدي بدايتها أعيدي زهرةَ البيت الأخيرة للندى.
في آخر الأشياء نعلم أننا كنا نحبُّ لكي نحبّ...وننكسرْ.
...ولو استطعتُ ملكتُ عُمرَكِ ساعةً ودقيقةً منذ الولادهْ
حتى محاولة انتحاري حول خَصْرِكْ
وسرقت نعناع الطفولة من خُطاكِ وشرق شَعْرِكْ
ولو استطعتُ قتلت من رسموا فراشة ركبتيكِ
وشاهدوا الحجلَ المراوعَ فوق صدرِكْ.
ولو استطعت لكنتُ عبداً . أو إلهاً في مَمَرِّكْ
وأعدتُ تكوين الخليقة كي أكون الموجة الأولى لبحرِكْ
والصرَّخةَ الأولى لبرِّكْ
ولو استطعتُ لكنتُ أُدْرِكُ أننا
ثَمَرٌ على وشكِ السقوطِ عن الشجرْ
فانتازيا الناي
النايُ خيطُ الروح , خيطُ من شعاع أو أبَدْ
أبَدِ الصدى . والنايُ أنَّ يئنُّ أنّي راجعٌ من حيثُ جئتْ
من حيث جئتُ بلا رفيقٍ ’ أو بلدْ
بلدٍ يَلُمُّ حُطام أُغنيتي ,
ما نفعُ أُغنيتي؟
النايُ أصواتٌ وراء الباب . أصواتٌ تخافُ من القمر
قمر القرى . يا هل تُرى وَصَلَ الخبرْ
خبرُ انكساري قربَ داري قبل أن يصل المطرْ
مطرْ البعيدِ ’ ولا أُريدُ من السّنهْ
سنة الوفاةِ سوى التفاتي نحو وجهي في حجرْ
حجرٍ رآني خارجاً من كُمِّ أُمّي مازجاً قدمي بدمعتها
فوقعتُ من سنةٍ على سَنَةِ
ما نفع أُغنيتي؟
النايُ ما نُخفي ويظهر من هشاشتنا , ونمضي
نمضي لنقضي عمرنا بحثاً عن الباب الذي لم ينغلقْ
لم ينغلقْ بابٌ أمام الناي . لكنَّ السحابة تحترقْ
مما أصاب خيولنا ’ يا نايُ ’ فاثقبْ في الصخورِ طريقنا حتى نمرّ حتى نمر كما يمر العائدون من المعارك ناقصينَ
وخاسرينَ شقائق اللغةِ
ما نفعُ أُغنيتي؟
النايُ آخر ليلتي . والنايُ أوَّل ليلتي . والنايُ بينهما أنا
أنا لا أُنادي غير ما ضيَّعْتُ من قلبي هنا
وهناك سرنمةٌ . بلادي تشتهيني ميتاً ومشتتاً حول السياجْ
حول السياجِ يطاردُ الأولادُ قُوتَ الطيرِ أو قطع الزجاجْ
زجاجِ أيّامٍ تُعَدُّ على الأصابع أو على توت البيوت
توتِ البيوتِ يموت فيَّ ’ ولا يموتُ
ولا يموتُ على الغصون . تموتُ ذاكرتي
وما نفعُ أُغنيتي؟
النايُ ’ ناح النايُ صاح النايُ في شجر النخيلِ
شجر النخيل سيشتهينا . مَوِّهينا وادخلي باهَ الصهيلِ
وأَنا الصهيلُ وأنت جلدي ’ دثّريني دثّريني , واشربي عسل القتيلِ وأنا القتيلُ ’ وأنت أفراسُ . سأسقط كالنداء عن السفوحْ وعلى السفوح ينوح نايٌ . فضَّة الوديان أنَّتْ حول حنجرتي
فرس من الشهوَهْ
لا تبلغُ الذروهْ
ما نفعُ أُغنيتي ؟
النايُ نار الحب حين نظنُّه قد مات فينا
قد مات فينا فجأة ما نشتهيه ويشتهينا
ما يشتهينا نشتهيه ’ ورغبتي تبكي كأنثى الوحش تبكي
تبكي شعيرات الدم المحبوسِ في لُغَتي لأصرخ :
كم أُحبُّك , أو لأحكي
أحكي عن الناي الذي لا يستطيع فراق امرأتي
ما نفعُ أغنيتي ؟
الناي يفضحُ جرحنا المنسيَّ . يفتح سّرنا للاعترافْ
الاعتراف بكل ما نخفي وراء قناعنا . كنا نحبُّ
كنا نحبُّ نساءَنا . كنا نصَدِّق ماءنا وهواءنا . كنا نخافْ
كنا نخافُ نهاية الأشياء فينا عندما كنا نشبُّ
كنا نشبُّ على الخرافة . باسم مَنْ نهدي ونرفع حلمنا
هل حلمُنا ’ يا ناي ’ كنزٌ ضائعٌ
أم حبل مشنقةِ؟
قمرٌ على الشرفَهْ
لا يدخلُ الغرفَهْ
ما نفعُ أُغنيتي ؟
محاولة انتحار
كتب الوصيَّهْ :
عشرون أُغنيةً لعينيها ’ وللرمل البقيَّهْ
لم أَحترقْ
لم أَحترقْ
والنار ما زالت مُسَوَّدَةً خفيَّهْ
لم يبقَ لي غير النزول عن الصدى
والسير خارج داخلي بين الشظايا والمدى
عبثاً أُقدِّس ما يدنِّسُهُ الكلامُ . سدىِّ سدى
فلأنصرفْ عني وعنكِ إلى الغيوم الليلكيَّهْ
فَتَحَ النوافذ للكآبة : كم أرى
سُحُباً تغطيني وتمطرُ خارجي . كَمْ مِنْ قُرى
ألِفَتْ حنيني واختفت بدخانها كم من شعاعٍ أخضرا
شقَّ السماء وشَقَّني لأكون : قاعاً ’ أو ذُرى
وقصيدتي لا تنتهي إلاّ لتبدأ منكِ يا لُغَتي العصيَّهْ
لم يبقَ لي غيرُ الذي لم يبقَ لي . تعب المغنّي والمحاربْ
فليستريحا ، ريثما تُنهي مراكبُنا عويل البحر أو تُسْبَى المراكبْ
وليستريحا ليلةً ’ حتى نرى حجراً نُسَمِّرُ فوقه ضوء الكواكبْ
وليستريحا فيَّ . هل من قِمَّةٍ أُخرى
لنسرٍ لا يريد الموتَ في حقلِ الحقائبْ ؟
لم يبقَ لي غير انكسارِ السيف في جَسَد الضَحيَّهْ
ماذا تبقَّي منك , يا شعري ’ سوى امرأة تُغنِّي ما استطاعت أن تُغنِّي للقادمين من الغياب ومن أصابع أدمنت شارات نصرٍ كَسَّرتني؟
مات الذين أُحبُّهُم ’ واللوزُ يُزهر كلَّ عامٍ بانتظامْ
ماتوا ’ ولكنَّ الصخور تبيضُ لي حجلاً وتسحب ظلَّها البُني عني
طُرق بلا طُرق هناكَ,
وههنا أفقٌ ’ وأغنية تمنَّتني ولكن حطمتني
وحدي أُجدِّد صرختي : عودوا لأسمع صرختي . عودوا إلىَّ الآن مني ماذا تبقَّى منك ’ يا شعري ’ سوى أسماء قتلانا ’ ووشمٍ في الهويّهْ؟
ماذا تبقَّى منك ’ يا امرأتي ’ سوى يأسٍ تُكَلِّلني يداهُ؟
قد خفتُ من هذا النسيج وخفت من النشيج ومن عَدُوَّ لا أراهُ لا نهر فيَّ لتعبريه إليّ فجراً . كُلُّ ما فيَّ انتباهٌ وانتباهُ
لا بحر فيك لكي أصبَّ نهايتي . لا برَّ فيك لأهتدي من حيث شرَّدني
الإلهُ
وهبطتُ من قدميكِ كي أعلو إلى قدميكِ ثانيةً ’ ويخطفني مَتَاهُ
لكنَّ قلبي كان يعرف أنه لا يستطيع الارتفاع إلى مداكِ..إلى مداهُ
ماذا تبقَّى منك ’ يا امرأتي ’ سوى عسل يُجرِّحني ’ وملح جرَّحتني ضَفَّتاهُ؟
ماذا تبقَّى منكِ غير قصيدةِ الحبَّ الشقيَّهْ
كتبَ الوصيَّهْ:
عشرون أغنيةً لعينيها ... وللرمل البقيَّه
لا تشرحي أسباب هذا الانتحار لأصدقائي
لا تريد فحم الثياب , ولا تُغطيني بريحانٍ ورايهْ
لا تحفري فوق الهواء تحيَّةَ القلب الأخيرهْ
وإذا استطعتِ فلا تُحبِّي أيَّ شخصٍ تعرفينه
وإذا استطعت تجنَّبي مطر الخريف وصوتَ أُمِّي ,
وخُذي من النسيان زنبقةَ البياضِ العائليَّهْ
فَتَحَ النوافذ للذى يأتي ’ فلم يسمع سوى دقَّات ساعته الأخيرة دقَّتْ ’ تدقُّ ’ تعدّ ساعات النهاية . كم نهايهْ
ستدقُّ ساعتهُ لتُنهي دورة العمر القصيرهْ؟
لم يبقِ لي غير النزولِ من البداية ...للبدايهْ
والسير داخل خارجي . لكن سدى
وسدى تطول المسرحيَّهْ
هو لا يُوَدِّع أيَّ شيء أو أحدْ
عبثاً يُحِسُّ بأنه قد مَرَّ فوق الأرض يوماً
لا شيء يغريه بأن يبقي على الفراغ من الفراغ إلى الفراغ مُعَلَّقاً
قال : الحياةُ هديَّةُ الأفعى ’ فما شأني أنا
في مَنْ سيفرحُ بالهديَّهْ؟
وَضَعَ المُسَدَّس بين رؤياهُ ’ وحاول أن ينامْ
إن لم أجد حلماً لأحلمهُ سأطلقُ طلقتي
وأموت مثل ذبابةٍ زرقاءَ في هذا الظلامْ
وبلا شهيَّهْ
كتب الوصيَّهْ
عشرون أُغنيةً لعينيها ’ وللرمل البقيَّهْ
كتب الوصيَّه :
لا ’ لا وصيَّهْ.
آن للشاعر أن يقتل نفسه
آن للشاعر أن يقتل نفسَهْ
لا لشيء ’ بل لكي يقتل نَفْسَهْ
قال : لن أسمح للنحلة أن تمتصَّني
قال : لن أسمح للفكرة أن تَقْتَصَّ منِّي
قال : لن أسمح للمرأة أن تتركني حيّاً على ركبتها
من ثلاثين سَنَهْ
يكتب الشعر وينساني . وقعنا عن جميع الأحصنهْ
ووجدنا الملح في قمحٍ , وهو ينساني . خسرنا الأمكنهْ
وهو ينساني . أنا الآخر فيه
كُلًّ شيء صورةٌ فيه . أنا مرآتُهُ
كُلُّ موتٍ صورةٌ كُلُّ جَسَدْ
صورةٌ . كُلُّ رحيل صورة . كُلُّ بَلَدْ
صورةٌ . قلتُ : كفى متنا تماماً , أين إنسانيتي؟ أين أنا
قال : لا صورة إلاَّ للصوَر
من ثلاثين شتاءْ
يكتب الشعر ويبني عالماً ينهار حولهْ
يجمع الأشلاء كي يرسم عصفوراً وباباً للفضاءْ
كُلَّما انهار جدارٌ حولنا شاد بيوتاً في اللغهْ
كلما ضاق بنا البرُّ بنى الجنة , وامتدَّ بُجُملهْ
من ثلاثين شتاء ’ وهو يحيا خارجي
قال : إنْ جئنا إلى أُولى المُدُنْ
ووجدناها غياباً
وخراباً
لا تصدِّقْ
لا تُطَلِّقْ
شارعاً سرنا عليه ... وإليهِ
تكذب الأرضُ ولا يكذب حُلْمٌ يتدلى من يديِه
من ثلاثين خريفاً
يكتب الشعر ولا يحيا ولا يعشق إلاّ صوَرهْ
يدخل السجنَ فلا يُبصر إلاّ قمرهْ
يدخلُ الحبَّ فلا يَقطِفُ إلاّ تمرهْ
قلتُ : ما المرأةُ فينا ؟ قال لي : تُفَّاحةٌ للمغفرهْ
أين إنسانيَّتي ؟ صحتُ
فسدَّ الباب كي يبصرني خارجَهُ . يصرخ بي :
من فكرةٍ في صورةٍ في سُلَّم الإيقاع تأتي المرأةُ المنتظرهْ
آن للشاعر أن يخرج مني للأبد
ليس قلبي من ورقْ
آن لي أن أفترقْ
عن مرايايَ وعن شعب الورقْ
آن للنحلة أن تخرج من وردتها نحو الشفقْ
آن للوردة أن تخرج من شوكتها كي تحترقْ
آن للشوكة أن تدخل قلبي كُلَّهُ
كي أرى قلبي , وكي أسمع قلبي , وأحسَّهْ
آن للشاعر أن يقتل نفسهْ ,
لا لشيء ,
بل لكي يقتل نفسهْ