المنصوب بنزع الخافض في الجملتين الفعلية والاسمية
المقدمة:
(الخافض) مصطلح أقرّته المدرسة النحوية الكوفية ليقابل (حرف الجر) الذي سارت عليه المدرسة النحوية البصرية التي وضعت معظم مناهج التدريس في الوطن العربي على نهجها البصري، و مصطلح (نزع الخافض) يعني حذف أو إضمار أو إسقاط أوفقد...و ا لأصح والأدق نزع (حرف الجر) من بعض الجمل الاسمية أو الفعلية وفق شروط وقواعد معينة، وبالتالي الاسم المكسور بحرف الجر أو الخافض ينصب بالفتحة، ويتخذ موقعاً من الإعراب آخر، وفي معظم الحالات يحلّ محل المفعول به وأحياناً المفعول فيه أو المفعول لأجله...وقد يقال: حذف وإيصال أي حذف حرف الجر وإيصال الاسم المجرور بالفعل، وهو أيضاً أضعف من مصطلح (نزع الخافض)، ويمكن أن يكون (الخافض) المضاف، إذ يخفض المضاف إليه ويكسره، وعند نزع المضاف، يتصل المضاف إليه بالفعل، ويقوم مقامه فينصبه..ويطلق النحويون على هذا الحذف المخصوص اسم (الاتساع) كقوله تعالى (واسأل القرية) والمراد: أهل القرية.
ومقالتنا هذه تنحصر في نزع حروف الجر. ومن أكثرُ الأسباب تفسيراً لظاهرة النزع كثرةُ استعمال هذه الحروف، والأمن من اللبس عند حذفها، والحق كان العرب يستثقلون حروف الجر، ويحبذون حذفها من كلامهم إيجازاً وتخفيفا.
يأتي المنصوب بنزع الخافض في الجملتين الفعلية و الاسمية كالآتي:
أولاً - المنصوب بنزع الخافض في الجملة الفعلية:
يتعلق (المنصوب بنزع الخافض) في الجملة الفعلية بالفعل من حيث (التعدي واللزوم).
الأفعال أنواع من لزومها وتعديها:
الحالة الأولى: - الفعل اللازم، وهو الفعل الذي لا يأخذ مفعولاً به، مثل:
ذهبَ محمدٌ إلى المدرسةِ....نام الطفلُ
الإعراب: ذهب: فعل ماض لازم مبني على الفتح، محمد: فاعل مرفوع بالضمة، إلى المدرسة: إلى حرف جر (خافض)، المدرسة: اسم مجرور، وعلامة جرّه الكسرة، وشبه الجملة من الجار والمجرور متعلقة بالفعل (ذهب)، وهنالك من يعتبر شبه الجملة من الجار والمجرور في محل نصب على أنها مفعول به للفعل (ذهب)، ومما يضعف هذا الرأي كون الفعل (ذهب) فعلاً لازماً.
ويمكن أن نحوّل الفعل اللازم للفعل المتعدّي بزيادة همزة في أوله، كأن نقول: أذهبَ الدواءُ المرضَ، أو ونحوّله أيضاً بالتضعيف، كأن نقول: عظّمَ اللهُ أجرَكم.
: الحالة الثانية: - فعل متعدٍ لمفعول به بنفسه وآخر بحرف الجر؛ مثل
أستسهلُ الصَّعبَ في عملِي.
الإعراب: (أستسهلُ): قعل مضارع مرفوع بالضمة، والفاعل ضمير المتكلم (أنا) في محل رفع. (الصَّعبَ): مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة في آخره. (في): حرف جر (خافض)، عملِي: عملِ: اسم مجرور بحرف الجر، مجرور وعلامة جرّه الكسرة في آخره، وهو مضاف و (ي) المتكلم مضاف إليه، والشبه الجملة من الجار والمجرور (في عملِ) في محل نصب مفعول به ثان متعلقة بالفعل (أستسهلُ)
هذان النوعان، أحدهما فعل لازم والآخر من الأفعال المتعدية - سنوردها من بعد جميعاً - فقط تندرجان تحت (المنصوب بنزع الحروف الخافضة)، تتبع معي الشرح التالي:
الحالة الأولى - الفعل اللازم - المنصوب بنزع الخافض في الجملة الفعلية ينقسم إلى:
أ - منصوب سماعي - ورد على ألسنة العرب القدماء - يجب الاقتصار على أمثلته.
ب - منصوب قياسي يمكن إنشاء أساليب مشابهة له قياسًا.
أ - المنصوب السماعي:
الأمثلة:
1- تمرّون (الديارَ) ولم تعوجوا
كلامكمُ علـىَّ إذًا حــرامُ
في خزانة الأدب) لعبد القادر البغدادي: الشاهد السابع بعد السبعمائة
البيت لجرير من الوافر
على أن حذف الجار منه على سبيل الشذوذ، والجار المحذوف إما الباء، وإما على، فإن المرور يتعدى بهما.
(الديارَ) أسم منصوب بنزع الخافض وعلامة نصبه الفتحة. والتقدير:
(تمرّون بالديارِ)،أو (تمرّون على الديارِ)، والأولى أكثر شيوعاً.
2 - لدْن بهـزِّ الكفِّ يعـسـلُ متنـهُ
فيه كما عسل(الطريقَ) الثــعلـبُ
كما جاء في: ضياء السالك إلى أوضح المسالك: محمد عبد العزيز النجار ج 2 ص 92 - الهامش 3: مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى 1422هـ - 2001م.:
جزء بيت من الكامل، من شعر ساعده بن جؤية الذهلي، يصف رمحا بالليونة، وهو بتمامه
لدن بهز الكف يعسل متنه
فيه كما عسل الطريقَ الثعلبُ
اللغة والإعراب:
لدن: لين ناعم، ويعسل: يضطرب ويتحرك، متنه، المراد: ظهر الرمح وصدره، "لدن" خبر لمبتدأ محذوف، أي هو لدن "بهز الكف"متعلق بيعسل، أو بلدن، ومضاف إليه، والباء للسببية "متنه" فاعل يعسل ومضاف إليه، "فيه" متعلق بيعسل. "كما" الكاف جارة. و"ما" مصدرية "عسل" فعل ماض، "الطريقَ" منصوب بحرف جر محذوف، أي في الطريق. "الثعلب" فاعل عسل، و"ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف.
المعنى: أن هذا الرمح لجودته، شديد الليونة، يتحرك ويضطرب متنه بسبب هزه باليد، كما يضطرب الثعلب في الطريق خوفا من أن يدرك.
الشاهد: حذف حرف الجر، وهو (في)، ونصب الاسم الذي كان مجرورا به، وهو (الطريق)، وذلك خاص بالشعر، بمعنى هذا من الضرورات الشعرية، ولا يجوز في النثر، ولكن ورد في القرآن الكريم، كما في الفقرة (4) الآتية!!
3 - آليتُ (حبَّ) العراق والدهر أطعمه
والحبُّ يأكلهُ في القريةِ السوسُ
جاء في: شرح الأشموني على ألفية ابن مالك: علي بن محمد بن عيسى، أبو الحسن، نور الدين الأُشْمُوني الشافعي (المتوفى: 900هـ)، ج 1 ص 441 - الهامش، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت- لبنان الطبعة: الأولى 1419هـ- 1998مـ.
التخريج: البيت للمتلمس في ديوانه ص95؛ وتخليص الشواهد ص507؛ والجنى الداني ص473؛ وخزانة الأدب 6/ 351؛ وشرح التصريح 1/ 312؛ وشرح شواهد المغني 1/ 294؛ والكتاب 1/ 38؛ والمقاصد النحوية 2/ 548؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب 1/ 99.
شرح المفردات:
آليت: أقسمت. حب العراق: ما ينبته من حبوب. أطعمه: آكله.
الإعراب: "آليت": فعل ماض، والتاء: فاعل. "حبَّ" اسم منصوب بنزع الخافض، تقديره "على حبِّ" وهو مضاف. "العراق": مضاف إليه مجرور. "الدهر": ظرف زمان منصوب متعلق بـ"أطعم".
"أطعمه": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: "أنا"، والهاء ضمير في محل نصب مفعول به. "والحب": الواو حالية، "الحب": مبتدأ مرفوع. "يأكله": فعل مضارع مرفوع، والهاء ضمير في محل نصب مفعول به. "في القرية": جار ومجرور متعلقان بـ"يأكله". "السوس": فاعل مرفوع بالضمة.
الشاهد: "حبَّ" اسم منصوب بنزع الخافض، تقديره "على حبِّ"
" 4 - " وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا..." سورة الأعراف، الآية 155.
الإعراب:
(وَاخْتارَ مُوسى): الواو عاطفة (اختار) فعل ماض (موسى) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف.
(قوم) منصوب على نزع الخافض أي من قوم والهاء ضمير مضاف إليه
(سبعين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء.
(رجلا) تمييز منصوب.
ب - المنصوب القياسى:
أمثلة:
1 - سررت أن الناشئ راغب في العلم، حريص أن يزداد منه، كي يبني مجده.
وأصل العبارة قبل حذف حروف الجر:
سررت من أن الناشئ راغب في العلم، حريص على أن يزداد منه، لكي يبني مجده.
فالمصادر التي تؤول في العبارات السالفة من الحرف المصدري وصلته، تكون مجرورة على التوالي بالحرف: (من)،(على)،(اللام)، ولا داعي لأن يكون المصدر المؤول في محل نصب على نزع الخافض - كما يرى فريق - لأن حرف الجر المحذوف ملاحظ هنا بعد حذفه، والمعنى قائم على اعتباره كالموجود، فهو محذوف بمنزلة المذكور؛ ولأن النصب على نزع الخافض خروج على الأصل السائد الغالب، فلا نلجأ إليه مختارين، وبعضهم يجوز النصب
وهذا الحذف القياسي لا يصح إلا عند أمن اللبس كما في الأمثلة السالفة.
2 - وفي قول الشاعر:
ولا عار أن زالت عن الحر نعمة
ولكن عارًا أن يزول التجمل
والأصل: (في أن زالت... - في أن يزول...)، فإن خيف اللبس لا يصح الحذف؛ ففي مثل (رغبت في أن يفيض النهر)، لا يصح حذف حرف الجر: (في)، فلا يقال: رغبت أن يفيض النهر؛ إذ لا يتضح المراد بعد الحذف؛ أهو: رغبت في أن يفيض النهر، إذ لا يتضح المراد بعد الحذف، أهو: رغبت في أن يفيض النهر، أم رغبت عن أن يفيض...، والمعنيان متعارضان متناقضان، لعدم معرفة الحرف المحذوف المعين، وخلو الكلام من قرينة تزيل اللبس.
وفي شرح الأشموني، يقول ابن مالك في ألفيته (الشاهد272):
وعد لازما بحرف جر
وإن حذف فالنصب للمنجر
"(وعد لازما بحرف جر)، نحو: "ذهبت بزيد"، بمعنى: أذهبته، و"عجبت منه"، و"غضبت عليه" "وإن حذف" حرف الجر "فالنصب للمنجر" وجوبا، وشذ إبقاؤه على جره، في قوله (من الطويل)
(إذا قيل أي الناس شر قبيلة **** أشارت كليب بالأكف الأصابع)
أي: إلى كليب.
وإليك أمثلة أخرى:
شهد الله أنه لا إله إلا هو، أوعجبتهم أن جاءكم ذكر، قرأت كي أكوّن شخصيتي.
المصادر المؤولة في محل نصب بنزع الخافض، والتقدير دخول حروف الجر الباء، من، اللام في الجمل على التوالي:
شهد الله بأنه لا إله إلا هو، أو عجبتم من مجيء ذكر من ربكم، قرأت لتكوين شخصيتي.
الحالة الثانية: - فعل متعدٍ لمفعول به بنفسه وآخر بحرف الجر؛
الأمثلة
(أحذرك الغيبةَ)، و(استغفر الله ذنبَك)، و (تعوّذ الله شرَّ الشيطان)... إلخ
الإعراب:
الغيبةَ ـ ذنبَـ - شرَّ: أسماء منصوبة بنزع الخافض وعلامة نصبها الفتحة الظاهرة. والتقدير:
(أحذرك من الغيبة)، و(استغفر الله من ذنبك)، و (تعوّذ اللهَ من شرِّ الشيطان).
ملاحظة مهمة:
تكلمنا في الحالة الثانية عن الفعل المتعدي الذي يمكن معه نزع الخافض، وهذه الأفعال المتعدية التي لا يجوز معها نزع الخافض:
1- فغل متعدٍ لمفعول به واحد؛ مثل: قرأتُ الكتابَ
2 - فعل متعدٍ لمفعولين أصلهما المبتدأ والخبر وهي: (ظن وأخواتها) مثل: ظننت الطالب ناجحاً في دروسه.
وتسمى أيضاً (أفعال الشك، واليقين)، وهي: من الأفعال الناسخة، تدخل على الجملة الاسمية، وتنسخ المبتدأ، والخبر، فيصبح المبتدأ مفعولاً به أول، والخبر مفعول به ثانٍ، منها: ظنّ، خال، حسب، زعم، رأى، علم، وجد.
أمثلة: رأيتُ طالباً مجتهداً، وجدتُ أخاكَ جالساً....
3 - فعل متعدٍ لمفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر وهي (أعطي وأخواتها)؛ مثل أعطى كسا – منح – وهب - منع – سأل – سقى - كفى - وقى.
أمثلة:
أعطيتُ اللاعبَ كرةً..... كفى اللهُ المؤمنين القتالَ.
4 - فعل متعدٍ لثلاثة مفاعيل؛ كأن أقول: أخبرَ الطبيبُ المريضَ الدواءَ سهلاً.
الإعراب:
أخبرَ: فعل ماضي يتعدى لثلاثة مفاعيل
الطبيبُ: فاعل مرفوع بالضمة في آخره.
المريضَ: مفعول به أوّل منصوب، وعلامة نصبه الفتحة في آخره.
الدواءَ: مفعول به ثانٍ منصوب، وعلامة نصبه الفتحة في آخره.
سهلاً: مفعول به ثالث منصوب وعلامة نصبه الفتحة في آخره، تحولت إلى تنوين لأنه نكرة.
مثال آخر:
أنبأ الفلكيُّ النّاسَ العاصفةَ قادمةً.
الفلكي: فاعل مرفوع، النّاس: مفعول به أوّل، العاصفةَ: مفعول به ثانِ، قادمةً: مفعول به ثالث.
ثانياً: المنصوب بنزع الخافض في الجملة الاسمية.
المنصوب بنزع الخافض
يكون (المنصوب بنزع الخافض) في الجملة الاسمية واضحاً جلياً سهلاً، إذ أنّه نوع واحد يأتي بكلمة واحدة مستقلة على شاكلة (شرعاً، عرفاً، أخلاقاً، أدباً، لغةً، اصطلاحاً، شرعاً، قانوناً، معنىً، نحواً، بلاغةً....إلخ)، أمثلة:
أ - الغيبة حرام شرعاً...أي الغيبة حرام في الشرع، أو الغيبة حرام في شرع الإسلام.
ب - القطار لغةً القافلة...أي القطار في اللغة القافلة، أو القطار في لغة العرب القافلة.
ج - الضيافة عرفاً واجبة....أي الضيافة في العرف واجبة، أو الضيافة في عرف العشائر واجبة.
من الأمثلة السابقة يتوضح لنا:
1 - الكلمات شرعاً، لغةً، عرفاً...منصوبة، أي في حالة نصب.
2 - من التقديرات يتوضح لنا كانت مسبوقة بحرف الجر (في).
3 - إذاً نصبت بنزع الخافض، أي بحذف حرف الجر.
4 - وكانت الكلمات - حسب التقديرات - مع حرف جرّها معرفة بـ (ال)، أو معرفة بالإضافة (شرع الإسلام)، (لغة العرب)، (عرف العشائر).
5 - ولكن بعد نزع الخافض (حذف حرف الجر، أصبحت نكرة محضة، وهي أسماء جنس.
6 - شبه الجملة المقدرة من الجار والمجرور أو مع المضاف إليه في محل نصب تعتبر حالاً للمبتدأ، وبعد نزع الخافض، وأصبح نكرة محضة لاسم جنس (شرعاً، لغةً، عرفاً) يبقى إعرابها (حالاً) للمبتدأ.
7 - تحقق الإيجاز، وأصبح الكلام خفيفاً، وأكثر بلاغة بنزع الخافض.
والله ولي التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وإلى اللقاء مع ما يستجدُّ مع رفيقٍ رقيق...!!!