® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2019-06-15, 5:24 am | | مختارات من مقامات الحريرى #مقامات_الحريرى @hassanbalam المقامة هي حكاية تقال في مقام معين، وتشتمل على الكثير من درر اللغة وفرائد الأدب، والحكم والأمثال والأشعار النادرة التي تدل على سعة إطلاع وعلو مقام صاحبها، وأبي محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري البصري هو أبرز من اشتهر بهذا الفن من خلال كتابه مقامات الحريري الذي جمع فيه خمسين مقامة، أيَـا مَـن يَـدّعي الـفَهـم....إلِـى كـَم يَـا أخَـا الـوَهــــم
تـُعَـبـِّي الـذنـبَ والـذّم.... وتـُخطِـي الخـطـأ الجَــــمّ
أمَـا بَـانَ لـكَ الـعـَيـب.... أمَــا أنـذرك الـشـَّيـــــــب
وَمَــا في نـُصحِـه رَيـب.... وَلا سَمـعُـك قـَد صَــمّ
أمَـا نـَـادَى بـِكَ المَـوت.... أمَـا أسمَعَــكَ الصَّــوت
أمَــا تخشَـى مِنَ الـفـَوت...... فـَتحـتــَاط َوَتهـتـَـــمّ
فـَكـَم تسـدَرُ فِـي السَّهــو.... وَتختـَالُ مِـن الـزَهـــو
وتـنـصَّـبُ إلـى اللـهـو.... كـَـأن المَّـوتَ مَـا عَــــمّ
وَحَـتـّـامَ تـَجَـافِـيـك...... وَإبـطــَاءُ تـَلافِـيـــــــــك
طِـبَـاعـاً جَمَّعـت فِـيك.... عُيـوبـًا شملـُها انـضّـــمّ
إذا أسخَـطـتَ مَـولاك.... فـَمَــا تَـَقـلـَقُ مِــ، ـن ذاك
وإن أخـفَـَقَ مَسـعَـاك.... تَـَلـّظـّـيتَ مِــن الهَــــــــمّ
وإن لاح لـَـكَ النـقـش.... مِـنَ الأصـفـَـرِ تهـتـَــش
وإن مَـرّ بـِـكَ النـعــش.... تـَغـامَـمـتَ ولا غـَـــــمّ
تُـعَـاصِي النـّاصِـحَ البـَـرّ.... وتَعـتـَــاصُ وتــَزوَرّ
وتـنـقـَـادَ لِـمَـن غـَرّ.... ومَـن مَــانَ ومَـن نــــــــمّ
وَتسعـَى فِي هَوى النـّفـس.... وتحتـَالُ على الفـَلس
وَتـنـسـَى ظـُلمَـة َ الرّمـس.... وَلا تـذكـُرُ مَـا ثــَـمّ
ولَـَو لاحَـظـَك الـحَـظ ّ.... لمَـا طـَاحَ بـِكَ الـلحَـظ
ولا كـُنـتَ إذا الـوَعــظ .... جَلا الأحـزَانَ تَـَغـتـَـم
سَـتـُـذري الـدمَّ لا الـدَمــع.... إذا عَايـنـتَ لا جَمع
يَـقِــي فِـي عَـرصَـةِ الجَـمـع.... وَلا خَالَ ولا عَم
كـَأنـِّـي بِـكَ تـَنـحَـط .... إلـَى اللـّحـدِ وتـنـغَــــــط
وَقـَد أسلـَمَـكَ الـرَّهــط .... إلـى أضـيَـقَ مِـن سَـمّ
هُـنـاكَ الجِـسـمُ مَـمـدُود.... لِـيسـتـَــأكِلـَـهُ الــــدَّود
إلـِـى أن ينخَـرَ العُــود.... وَيُـمسِي العَظمُ قـَـد رَمّ
وَمِـن بَـعـدُ فـَلا بُــد ّ.... مِنَ العـرض ِ إذا أعـتــُـدّ
صِـرَاط ٌ جـِسرُه ُ مـُـد... عَـلـَى النــّــارِ لِـمَـــن أمّ
فـَكـَم مِـن مُـرشِــدٍ, ضَــلّ.... وَمِـن ذي عِـزّةٍ, ذلّ
وَكـَم مِـن عَـالِـم ٍ, زلّ.... وَقـَالَ الخـَطـبُ قـَد طـَمّ
فـَبَــادِر أيـٌّـهـَا الغـُمـر.... لِمَا يَحلــُو بِــِهِ المُــــــرّ
فـَقـَد كـَادَ يَـهـِي العُـمـر.... وَمَـا أقـلـَعـتَ عَن ذمّ
وَلا تــَركـَن إلـِى الدَّهـــر.... وإن لانَ وإن سَـــرّ
فـَتـلـفـَى كـمَن إغـتـَرّ.... بـِأفـعـَى تـَنفـُثُ السّــــمّ
وّخَـفـِّـض مِـن تـَراقـِـيك.. فـَإن المَـوتَ لا قِـيـك
وَسَــار ٍ, في تــَراقـِـيـك.... وَمَا ينكـُـلُ إن هــَـمّ
وَجَـانِـب صَعـَرَ الخـَـدّ.... إذا سَــاعَـدَكَ الجـَــدّ
وَ زُمّ اللـفــظ َ إن نـَـدّ.... فـَمـَا أسعَـــدَ مَـن زَمّ
وَنـَفـِّـس عَـن أخِـي البَـثّ.... وَصَـدّقـهُ إذا نــَثّ
وَرُمّ العَـمَـلَ الــرّث ّ.... فـَقــَد أفــلـَحَ مَــن رَم ّ
وَرِش مَـن ريشـُه انحَصّ.... بـِمَا عَمّ ومَا خـَصّ
ولا تــَأسَ عَـلى النقـص.. ولا تحرِص عَـلى اللـّمّ
وَعَــادِ الخـُـلـُـقَ الـرَّذل.... وَعَـوِّد كـفـَّـكَ البذل
وَلا تسـتــَمِع ِ العـَـذل.... وَنـَـزِّهـهَـا عَن ِ الضَّـمّ
وَزَوِّد نـَفـسَـك َالخـَيـر.... وَدَع مَا يُعـقِبُ الضَّـير
وَهَـيِّـىء مَـركَبَ السَّـيـر.... وَخـَف مِن لـُجِّةِ اليـَّم
بـِـذا أُوصيتَ يَـا صـَاح.... وَقـَد بُحتُ كـَمَن بـَاح
فـَطـُوبَى لِـفــَتـىً راح.... بـِـآدَابـِيَ يَــأتـــَــــــــم
_______
المقامة البصرية
حكَى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: أُشعِرْتُ في بعضِ الأيامِ همّاً برَحَ بي استِعارُهُ. ولاحَ عليّ شِعارُهُ. وكنتُ سمِعتُ أنّ غِشْيانَ مجالِسِ الذّكْرِ. يسْرو غَواشيَ الفِكْرِ. فلمْ أرَ لإطْفاء ما بي منَ الجمْرَةِ. إلا قصْدَ الجامِعِ بالبَصرَةِ. وكانَ إذْ ذاكَ مأهولَ المسانِدِ. مَشْفوهَ المَوارِدِ. يُجْتَنى منْ رِياضِهِ أزاهيرُ الكَلامِ. ويُسمَعُ في أرْجائِهِ صَريرُ الأقْلامِ. فانطلَقْتُ إليْهِ غيرَ وانٍ. ولا لاوٍ على شانٍ. فلمّا وطِئْتُ حَصاهُ. واستَشْرَفْتُ أقْصاهُ. تَراءى لي ذو أطْمارٍ بالِيَةٍ. فوْقَ صخْرَةٍ عالِيَةٍ. وقدْ عصيَتْ بهِ عُصَبٌ لا يُحْصى عديدُهُمْ. ولا يُنادَى وَليدُهُمْ. فابتَدْتُ قصْدَهُ. وتورّدْتُ وِرْدَهُ. ورجَوْتُ أنْ أجِدَ شِفائي عندَهُ. ولمْ أزَلْ أتنقّلُ في المَراكِزِ. وأُغْضي للاّكِزِ والواكِزِ. إلى أن جلسْتُ تُجاهَهُ. بحيْثُ أمِنْتُ اشْتِباهَهُ. فإذا هوَ شيخُنا السّروجيّ لا ريْبَ فيهِ. ولا لَبْسَ يُخْفيهِ. فانْسَرى بمَرْآهُ همّي. وارْفَضّتْ كتيبَةُ غمّي. وحينَ رآني. وبصُرَ بمكاني. قال: يا أهْلَ البصرَةِ رعاكُمُ اللهُ ووقاكُمْ. وقوّى تُقاكُمْ. فما أضْوَعَ ريّاكُمْ. وأفضلَ مَزاياكُمْ! بلَدُكُمْ أوْفَى البِلادِ طُهرَةً. وأزْكاها فِطرَةً. وأفسَحُه رُقعَةً. وأمرَعُها نُجعَةً. وأقوَمُها قِبلَةً. وأوسَعُها دِجلَةً. وأكثرُها نهْراً ونَخلَةً. وأحسَنُها تَفْصيلاً وجُملَةً. دِهْليزُ البلَدِ الحَرامِ. وقُبالَةُ البابِ والمَقامِ. وأحدُ جَناحَيِ الدّنْيا. والمِصْرُ المؤسّسُ على التّقْوى. لمْ يتدنّسْ ببُيوتِ النّيرانِ. ولا طِيفَ فيهِ بالأوْثانِ. ولا سُجِدَ على أديمِهِ لغَيرِ الرّحْمَنِ. ذو المَشاهِدِ المشْهودَةِ. والمساجِدِ المقصودَةِ. والمَعالِمِ المشْهورَةِ. والمقابِرِ المَزورَةِ. والآثارِ المحْمودَةِ. والخِطَطِ المحْدودَةِ. بهِ تلْتَقي الفُلْكُ والرّكابُ. والحيتانُ والضِّبابُ. والحادِي والمَلاّحُ. والقانصُ والفلاحُ. والناشِبُ والرّامِحُ. والسّارِحُ والسّابِحُ. ولهُ آيةُ المدّ الفائِضِ. والجزْرِ الغائِضِ. وأما أنتمْ فممّنْ لا يختلِفُ في خَصائِصِهِمِ اثْنانِ. ولا يُنكِرُها ذو شَنآنٍ. دَهْماؤكُمْ أطْوَعُ رَعِيّةٍ لسُلْطانٍ. وأشكَرُهُمْ لإحْسانٍ. وزاهِدكُمْ أوْرَعُ الخليقَةِ. وأحسنُهُمْ طَريقَةً على الحَقيقَةِ. وعالِمُكُمْ علاّمَةُ كلّ زمانٍ. والحُجّةُ البالِغَةُ في كلّ أوانٍ. ومنكُمْ منِ استنبَطَ عِلمَ النّحْوِ ووضَعَهُ. والذي ابتدَعَ ميزانَ الشِّعْرِ واخترَعَهُ. وما منْ فخْرٍ إلا ولَكُمْ فيهِ اليَدُ الطّولى. والقِدْحُ المُعَلّى. ولا صيتٍ إلا وأنتُمْ أحَقُّ بهِ وأوْلى. ثمّ إنّكُمْ أكثرُ أهلِ مِصرٍ مؤذّنينَ. وأحسَنُهُمْ في النّسكِ قَوانينَ. وبكُمُ اقتُدِيَ في التّعريفِ. وعُرِفَ التّسحيرُ في الشّهرِ الشّريفِ. ولكُمْ إذا قرّتِ المضاجِعُ. وهجَعَ الهاجِعُ. تَذْكارٌ يوقِظُ النّائِمَ. ويؤنِسُ القائِمَ. وما ابتسَمَ ثغْرُ فجرٍ. ولا بزَغَ نورُهُ في برْدٍ ولا حرٍّ. إلا ولتأذينِكُمْ بالأسْحارِ. دويٌّ كدويّ الرّيحِ في البِحارِ. وبِهذا صدَعَ عنكُمُ النّقْلُ. وأخبرَ النّبيُّ، عليهِ السّلامُ، منْ قبلُ. وبيّنَ أنّ دويّكُمْ بالأسْحارِ. كدويّ النّحلِ في القِفارِ. فشرَفاً لكُمْ ببِشارَةِ المُصطَفى. وواهاً لمِصرِكُمْ وإنْ كانَ قدْ عَفا. ولمْ يبْقَ منهُ إلا شَفاً. ثمّ إنهُ خزَنَ لسانَهُ. وخطَمَ بيانَهُ. حتى حُدِجَ بالأبْصارِ. وقُرِفَ بالإقْصارِ. ووُسِمَ بالاستِقْصارِ. فتنفّسَ تنفُّسَ مَنْ قِيدَ لقَوَدٍ. أو ضبَثَتْ بهِ براثِنُ أسَدٍ. ثمّ قال: أما أنتُمْ يا أهلَ البَصرَةِ فما منْكُمْ إلا العَلَمُ المعروفُ. ومنْ لهُ المعرفَةُ والمعروفُ. وأما أنا فمَنْ عرَفَني فأنا ذاكَ. وشرُّ المَعارِفِ منْ آذاكَ. ومنْ لم يُثْبِتْ عِرْفَتي فسأصْدُقُهُ صِفَتي. أنا الذي أنجدَ وأتهَمَ. وأيمَنَ وأشأمَ. وأصْحرَ وأبحَرَ. وأدْلَجَ وأسْحَرَ. نشأتُ بسَروجَ. ورَبيتُ على السُّروجِ. ثمّ ولَجْتُ المَضايقَ. وفتحْتُ المغالِقَ. وشهِدْتُ المَعارِكَ. وألَنْتُ العَرائِكَ. واقْتَدْتُ الشّوامِسَ. وأرْغَمْتُ المَعاطِسَ. وأذَبْتُ الجَوامِدَ. وأمَعْتُ الجَلامِدَ. سَلوا عني المشارِقَ والمَغارِبَ. والمَناسِمَ والغَوارِبَ. والمَحافِلَ والجَحافِلَ. والقَبائِلَ والقَنابِلَ. واستَوْضِحوني منْ نقَلَةِ الأخْبارِ. ورُواةِ الأسْمارِ. وحُداةِ الرُكْبانِ. وحُذّاقِ الكُهّانِ. لتَعْلَموا كمْ فجٍّ سلَكْتُ. وحِجابٍ هتكْتُ. ومَهلَكةٍ اقتَحمْتُ. ومَلحَمَةٍ ألْحَمْتُ. وكمْ ألْبابٍ خدَعْتُ. وبِدَعٍ ابتَدَعْتُ. وفُرَصٍ اختلَسْتُ. وأُسُدٍ افترَسْتُ. وكمْ محلِّقٍ غادَرْتُهُ لَقًى. وكامِنٍ استَخرَجْتُهُ بالرُّقى. وحجَرٍ شحذْتُهُ حتى انصدَعَ. واستَنْبَطْتُ زُلالَهُ بالخُدَعِ. ولكِنْ فرَطَ ما فرَطَ والغُصْنُ رَطيبٌ. والفَوْدُ غِرْبيبٌ. وبُرْدُ الشّبابِ قَشيبٌ. فأمّا الآنَ وقدِ استشَنّ الأديمُ. وتأوّدَ القَويمُ. واستَنارَ اللّيلُ البَهيمُ. فليْسَ إلا النّدَمُ إنْ نفَعَ. وترْقيعُ الخَرْقِ الذي قدِ اتّسَعَ. وكُنتُ رُوّيتُ منَ الأخْبارِ المُسنَدَةِ. والآثارِ المُعتَمَدةِ. أن لكُمْ منَ اللهِ تعالى في كلّ يومٍ نَظرَةً. وأنّ سِلاحَ الناسِ كلّهِمِ الحَديدُ. وسِلاحَكُمُ الأدْعِيَةُ والتّوْحيدُ. فقصَدْتُكُمْ أُنْضي الرّواحِلَ. وأطْوي المَراحِلَ. حتى قُمْتُ هذا المَقامَ لَديْكُمْ. ولا مَنّ لي عليكُمْ. إذْ ما سعَيْتُ إلا في حاجَتي. ولا تعِبْتُ إلا لراحَتي. ولسْتُ أبْغي أعطِيَتَكُمْ. بل أستَدْعي أدعِيتَكُمْ. ولا أسْألُكُمْ أموالَكُمْ. بل أستنزِلُ سُؤالَكُمْ. فادْعوا إلى اللهِ بتوْفيقي للمَتابِ. والإعْدادِ للمآبِ. فإنهُ رفيعُ الدّرَجاتِ. مُجيبُ الدّعَواتِ. وهوَ الذي يقبلُ التّوبَةَ عنْ عِبادِهِ ويعْفو عنِ السّيّئاتِ. ثمّ أنشدَ:
أستغْفِرُ الـلـهَ مـنْ ذُنـوبٍأفرَطْتُ فيهِـنّ واعْـتَـدَيْتُكمْ خُضْتُ بحْرَ الضّلالِ جهْلاًورُحتُ في الغَيّ واغْتَـدَيْتُوكمْ أطَعْتُ الهَوى اغْتِـراراًواختَلْتُ واغْتَلْتُ وافْتـرَيْتُوكمْ خلَعْتُ العِذارَ ركْـضـاًإلى المَعاصي ومـا ونَـيْتُوكمْ تَناهَيْتُ في التّخـطّـيإلى الخَطايا وما انتـهـيْتُفلَيتَني كُـنـتُ قـبـل هـذانَسْياً ولمْ أجْنِ مـا جـنَـيْتُفالمَوتُ للُـجْـرِمـين خـيرٌمن المَساعي التي سـعَـيْتُيا رَبِّ عفْواً فـأنْـتَ أهـلٌللعَفْوِ عنّي وإنْ عـصَـيْتُ —
قال الرّاوي: فطفِقَتِ الجَماعَةُ تُمِدّهُ بالدّعاء. وهوَ يقلّبُ وجْهَهُ في السّماء. إلى أن دمَعَتْ أجفانُهُ. وبَدا رَجفانُهُ. فصاحَ: اللهُ أكبرُ بانَتْ أمارَةُ الاستِجابَةِ. وانْجابَتْ غِشاوَةُ الاستِرابَةِ. فجُزيتُمْ يا أهلَ البُصَيْرَةِ. جَزاءَ منْ هدَى منَ الحَيرَةِ. فلمْ يبْقَ منَ القوْمِ إلا منْ سُرّ لسُرورِهِ. ورضخَ لهُ بمَيْسورِهِ. فقَبِلَ عفْوَ بِرّهِمْ. وأقبلَ يُغْرِقُ في شُكرِهِمْ. ثمّ انحدَرَ منَ الصّخرَةِ. يؤمّ شاطئَ البَصرَةِ. واعْتَقَبْتُهُ إلى حيثُ تخالَيْنا. وأمِنّا التّجسّسَ والتّحسّسَ علَيْنا. فقلْتُ لهُ: لقدْ أغْرَبْتَ في هذِهِ النّوبَةِ. فما رأيُكَ في التّوبَةِ؟ فقال: أُقسِمُ بعَلاّمِ الخَفيّاتِ. وغَفّارِ الخطيّاتِ. إنّ شأني لَعُجابٌ. وإنّ دُعاء قومِكَ لَمُجابٌ. فقلتُ: زِدْني إفْصاحاً. زادَكَ اللهُ صَلاحاً! فقال: وأبيكَ لقدْ قُمتُ فيهِمْ مَقامَ المُريبِ الخادِعِ. ثمّ انقلَبْتُ منهُمْ بقَلْبِ المُنيبِ الخاشِعِ! فطوبى لمَنْ صغَتْ قُلوبُهُمْ إليْهِ. وويْلٌ لمَنْ باتوا يدْعونَ عليْهِ! ثمّ ودّعَني وانطلَقَ. وأوْدَعَني القلَقَ. فلمْ أزَلْ أُعاني لأجْلِهِ الفِكَرَ. وأتشوّفُ إلى خِبرَةِ ما ذكرَ. وكلّما استَنشَيْتُ خبرَهُ منَ الرُّكْبانِ. وجَوّابَةِ البُلْدانِ. كُنتُ كمَنْ حاوَرَ عجْماء. أو نادَى صخْرَةً صمّاء. إلى أن لَقيتُ بعْدَ تَراخي الأمَدِ. وتَراقي الكَمَدِ. ركْباً قافِلينَ منْ سفَرٍ. فقلتُ: هلْ منْ مُغرِّبَةِ خبَرٍ؟ فقالوا: إنّ عندَنا لخَبراً أغرَبَ منَ العَنْقاء. وأعْجَبَ منْ نظَرِ الزّرْقاء. فسألتُهُمْ إيضاحَ ما قالوا. وأنْ يَكيلوا بما اكْتالوا. فحَكَوْا أنهمْ ألمّوا بسَروجَ. بعْدَ أنْ فارقَها العُلوجُ. فرأوْا أبا زيْدِها المعْروفَ. قد لبِسَ الصّوفَ. وأَمَّ الصّفوفَ. وصارَ بها الزّاهِدُ الموصوفَ. فقلتُ: أتعْنونَ ذا المَقاماتِ؟ فقالوا: إنهُ الآنَ ذو الكَراماتِ! فحفَزَني إليْهِ النّزاعُ. ورأيتُها فُرصَةً لا تُضاعُ. فارْتَحلْتُ رِحلَةَ المُعِدّ. وسِرْتُ نحوَهُ سيرَ المُجِدّ. حتى حللْتُ بمسْجِدِهِ. وقرارَةِ متعبّدِهِ. فإذا هوَ قد نبَذَ صُحبَةَ أصْحابِهِ. وانتصَبَ في مِحْرابِهِ. وهو ذو عَباءةٍ مخلولَةٍ. وشمْلَةٍ موصولَةٍ. فهِبْتُهُ مَهابَةَ منْ ولَجَ على الأسودِ. وألْفَيْتُهُ ممّنْ سِيماهُمْ في وُجوهِهِمْ منْ أثَرِ السّجودِ. ولمّا فرَغَ منْ سُبْحتِهِ. حيّاني بمُسبِّحَتِهِ. منْ غيرِ أن نغَمَ بحديثٍ. ولا استَخْبرَ عنْ قديمٍ ولا حَديثٍ. ثمّ أقْبلَ على أوْرادِهِ. وتركَني أعجَبُ منِ اجتِهادِهِ. وأغبِطُ مَنْ يَهدي اللهُ منْ عِبادِهِ. ولمْ يزَلْ في قُنوتٍ وخُشوعٍ. وسُجودٍ ورُكوعٍ. وإخْباتٍ وخُضوعٍ. إلى أن أكْملَ إقامَة الخمْسِ. وصارَ اليومُ أمْسِ. فحينئذٍ انْكفأ بي إلى بيتِهِ. وأسْهَمَني في قُرْصِهِ وزَيْتِهِ. ثمّ نهضَ إلى مُصلاّهُ. وتخلّى بمُناجاةِ موْلاهُ. حتى إذا التمَعَ الفجرُ. وحقّ للمُتهَجِّدِ الأجْرُ. عقّبَ تهجّدَهُ بالتّسْبيحِ. ثمّ اضطَجَعَ ضِجْعَةَ المُستريحِ. وجعلَ يرجّعُ بصوْتٍ فَصيحٍ:
خلِّ ادّكـارَ الأرْبُــعِوالمعْهَدِ المُـرتَـبَـعِوالظّاعِـنِ الـمـودِّعِوعـدِّ عـنْــهُ ودَعِوانْدُبْ زَماناً سـلَـفـاسوّدْتَ فيهِ الصُّحُفـاولمْ تزَلْ مُعـتـكِـفـاعلى القبيحِ الشّـنِـعِكمْ لـيلَةٍ أودَعْـتَـهـامآثِمـاً أبْـدَعْـتَـهـالشَهوَةٍ أطَـعْـتَـهـافي مرْقَدٍ ومَضْجَـعِوكمْ خُطًى حثَثْـتَـهـافي خِزْيَةٍ أحْدَثْتَـهـاوتوْبَةٍ نـكَـثْـتَـهـالمَلْـعَـبٍ ومـرْتَـعِوكمْ تجـرّأتَ عـلـىربّ السّمَواتِ العُلـىولـمْ تُـراقِـبْـهُ ولاصدَقْتَ في ما تدّعـيوكمْ غمَـصْـتَ بِـرّهُوكمْ أمِنْـتَ مـكْـرَهُوكـمْ نـبَـذْتَ أمـرَهُنبْذَ الحِذا الـمـرقَّـعِوكمْ ركَضْتَ في اللّعِبْوفُهْتَ عمْداً بالكَـذِبْولـمْ تُـراعِ مـا يجِـبْمنْ عهْدِهِ الـمـتّـبَـعِفالْبَسْ شِـعـارَ الـنّـدمِواسكُبْ شـآبـيبَ الـدّمِقبـلَ زَوالِ الـقـــدَمِوقبلَ سوء المـصْـرَعِواخضَعْ خُضوعَ المُعترِفْولُذْ مَلاذَ المُـقـتـرِفْواعْصِ هَواكَ وانحَـرِفْعنْهُ انحِرافَ المُقـلِـعِإلامَ تـسْـهـو وتَـنـيومُعظَمُ العُمـرِ فَـنـيفي ما يضُرّ المُقْـتَـنـيولسْـتَ بـالـمُـرْتَـدِعِأمَا ترَى الشّـيبَ وخَـطْوخَطّ في الرّأسِ خِطَـطْومنْ يلُحْ وخْطُ الشّـمَـطْبفَـودِهِ فـقـدْ نُـعـيويْحَكِ يا نفسِ احْرِصـيعلى ارْتِيادِ المَخـلَـصِوطاوِعي وأخْـلِـصـيواسْتَمِعي النُّصْحَ وعـيواعتَبِرِي بمَـنْ مـضـىمن القُرونِ وانْقَـضـىواخْشَيْ مُفاجاةَ القَـضـاوحاذِري أنْ تُخْـدَعـيوانتَهِجي سُبْـلَ الـهُـدىوادّكِري وشْـكَ الـرّدىوأنّ مـثْـواكِ غـــدافي قعْرِ لحْـدٍ بـلْـقَـعِآهاً لـهُ بـيْتِ الـبِـلَـىوالمنزِلِ القفْرِ الـخَـلاوموْرِدِ السّـفْـرِ الأُلـىواللاّحِـقِ الـمُـتّـبِـعِبيْتٌ يُرَى مَـنْ أُودِعَــهْقد ضمّهُ واسْـتُـودِعَـهْبعْدَ الفَضاء والـسّـعَـهْقِيدَ ثَـــــلاثِ أذْرُعِلا فـرْقَ أنْ يحُـلّـــهُداهِـيَةٌ أو أبْــلَـــهُأو مُعْسِـرٌ أو مـنْ لـهُمُلكٌ كـمُـلْـكِ تُـبّـعِوبعْدَهُ الـعَـرْضُ الـذييحْوي الحَييَّ والـبَـذيوالمُبتَدي والمُـحـتَـذيومَنْ رعى ومنْ رُعـيفَيا مَفـازَ الـمـتّـقـيورِبْحَ عبْـدٍ قـد وُقِـيسوءَ الحِسابِ المـوبِـقِوهـوْلَ يومِ الـفــزَعِويا خَسـارَ مَـنْ بـغَـىومنْ تعـدّى وطَـغـىوشَبّ نـيرانَ الـوَغـىلمَطْعَـمٍ أو مـطْـمَـعِيا مَنْ عليْهِ الـمـتّـكَـلْقدْ زادَ ما بي منْ وجَـلْلِما اجتَرَحْتُ مـن زلَـلْفي عُمْري الـمُـضَـيَّعِفاغْفِرْ لعَبْـدٍ مُـجـتَـرِمْوارْحَمْ بُكاهُ المُنسـجِـمْفأنتَ أوْلـى مـنْ رَحِـمْوخـيْرُ مَـدْعُـوٍّ دُعِـي —
قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فلمْ يزَلْ يرَدّدُها بصوتٍ رقيقٍ. ويصِلُها بزَفيرٍ وشَهيقٍ. حتى بكيتُ لبُكاء عينيهِ. كَما كُنتُ منْ قبلُ أبكي عليْهِ. ثمّ برزَ إلى مسجِدِهِ. بوُضوء تهجّدِهِ. فانطلَقْتُ رِدْفَهُ. وصلّيتُ مع مَنْ صلّى خلفهُ. ولمّا انفَضّ مَنْ حضَرَ. وتفرّقوا شغَرَ بغَرَ. أخذَ يُهَينِمُ بدَرْسِهِ. ويسْبِكُ يومَهُ في قالِبِ أمْسِهِ. وفي ضِمْنِ ذلِكَ يُرِنّ إرْنانَ الرَّقوبِ. ويبْكي ولا بُكاءَ يعْقوبَ. حتى استَبَنْتُ أنهُ التحقَ بالأفْرادِ. وأُشرِبَ قلبُهُ هوى الانْفِرادِ. فأخطَرْتُ بقَلْبي عَزْمَةَ الارتِحالِ. وتخْلِيَتَهُ والتّخلّي بتِلكَ الحالِ. فكأنهُ تفرّسَ ما نويْتُ. أو كوشِفَ بما أخْفَيْتُ. فزفَرَ زَفيرَ الأوّاهِ. ثمّ قرأ: فإذا عزَمْتَ فتوكّلْ على اللهِ. فأسْجَلْتُ عندَ ذلِكَ بصِدْقِ المُحدّثينَ. وأيقَنْتُ أنّ في الأمّةِ محَدّثينَ. ثمّ دنَوْتُ إليْهِ كما يدْنو المُصافِحُ. وقلتُ: أوْصِني أيها العبْدُ النّاصِحُ. فقال: اجعَلِ الموتَ نُصْبَ عينِكَ. وهذا فِراقُ بيني وبينِكَ. فودّعْتُهُ وعبَراتي يتحدّرْنَ منَ المآقي. وزَفَراتي يتصَعّدْنَ منَ التّراقي. وكانتْ هذِهِ خاتِمَةَ التّلاقي.
__________
المقامة الصنعانية
حدث الحارث بن همام قال: لما اقتعدت غارب الاغتراب، وأنأتني المتربة عن الأتراب، طوّحت بي طوائحُ الزمنِ. إلى صنْعاء اليَمَنِ. فدَخَلْتُها خاويَ الوِفاضِ. باديَ الإنْفاضِ. لا أملكُ بُلْغَةً. ولا أجِدُ في جِرابي مُضْغَةً. فطَفِقْتُ أجوبُ طُرُقاتِها مِثلَ الهائِمِ. وأجولُ في حَوْماتِها جَوَلانَ الحائِمِ. وأرُودُ في مَسارحِ لمَحاتي. ومَسايِحِ غدَواتي ورَوْحاتي. كريماً أُخْلِقُ لهُ ديباجتي. وأبوحُ إلَيْهِ بحاجتي. أو أديباً تُفَرّجُ رؤيَتُه غُمّتي. وتُرْوي رِوايتُه غُلّتي. حتى أدّتْني خاتمةُ المطافِ. وهدَتْني فاتِحةُ الألْطافِ. إلى نادٍ رَحيبٍ. مُحتَوٍ على زِحامٍ ونَحيبٍ. فوَلَجْتُ غابةَ الجمْعِ. لأسْبُرَ مَجْلَبَةَ الدّمْعِ. فرأيتُ في بُهْرَةِ الحَلْقَةِ. شخْصاً شخْتَ الخِلْقَةِ. عليْهِ أُهْبَةُ السّياحَةِ. وله رنّةُ النِّياحَةِ. وهوَ يطْبَعُ الأسْجاعَ بجواهِرِ لفظِهِ. ويقْرَعُ الأسماعَ بزواجرِ وعْظِهِ. وقدْ أحاطت به أخلاطُ الزُّمَرِ. إحاطَةَ الهالَةِ بالقَمَرِ. والأكْمامِ بالثّمرِ. فدَلَفْتُ إليهِ لأقْتَبِسَ من فوائدِه. وألْتَقِطَ بعْضَ فرائدِه. فسمعتُهُ يقولُ حينَ خبّ في مجالِه. وهَدَرَتْ شَقاشِقُ ارتِجالِه. أيّها السّادِرُ في غُلَوائِهِ. السّادِلُ ثوْبَ خُيَلائِهِ. الجامحُ في جَهالاتِهِ. الجانِحُ إلى خُزَعْبِلاتِه. إلامَ تسْتَمرُّ على غَيّكَ. وتَستَمْرئُ مرْعَى بغْيِكَ؟ وحَتّامَ تتَناهَى في زهوِكَ. ولا تَنْتَهي عن لَهوِكَ؟ تُبارِزُ بمعصيتكَ. مالِكَ ناصِيَتِكَ! وتجْتَرِئُ بقُبْحِ سيرَتِك. على عالِمِ سريرتِكَ! وتَتَوارَى عَن قَريبِكَ. وأنتَ بمرأى رقيبِكَ! وتَستَخْفي مِن ممْلوكِكَ وما تَخْفى خافِيَةٌ على مَليكِكَ! أتَظُنُّ أنْ ستَنْفَعُكَ حالُكَ. إذا آنَ ارتِحالُكَ؟ أو يُنْقِذُكَ مالُكَ. حينَ توبِقُكَ أعمالُكَ؟ أو يُغْني عنْكَ ندَمُكَ. إذا زلّتْ قدَمُكَ؟ أو يعْطِفُ عليْكَ معشَرُكَ. يومَ يضُمّكَ مَحْشَرُكَ؟ هلاّ انتَهَجْتَ مَحَجّةَ اهتِدائِكَ. وعجّلْتَ مُعالجَةَ دائِكَ. وفَلَلْتَ شَباةَ اعتِدائِكَ. وقدَعْتَ نفْسَكَ فهِيَ أكبرُ أعدائِكَ؟ أما الحِمام ميعادُكَ. فما إعدادُكَ؟ وبالمَشيبِ إنذارُكَ. فما أعذارُكَ؟ وفي اللّحْدِ مَقيلُكَ. فما قِيلُكَ؟ وإلى اللّه مَصيرُكَ. فمَن نصيرُكَ؟ طالما أيْقَظَكَ الدّهرُ فتَناعَسْتَ. وجذبكَ الوعْظُ فتقاعستَ! وتجلّتْ لكَ العِبَرُ فتَعامَيْتَ. وحَصْحَصَ لكَ الحقُّ فتمارَيْتَ. وأذْكَرَكَ الموتُ فتناسيتَ. وأمكنَكَ أنْ تُؤاسِي فما آسيْتَ! تُؤثِرُ فِلساً توعِيهِ. على ذِكْرٍ تَعيهِ. وتَختارُ قَصْراً تُعْليهِ. على بِرٍ تُولِيهِ. وتَرْغَبُ عَنْ هادٍ تَسْتَهْدِيهِ . إلى زادٍ تَستَهْديهِ. وتُغلِّبُ حُبّ ثوبٍ تشْتَهيهِ. على ثوابٍ تشْتَريهِ. يَواقيتُ الصِّلاتِ. أعْلَقُ بقَلبِكَ منْ مَواقيتِ الصّلاةِ. ومُغالاةُ الصَّدُقاتِ. آثَرُ عندَكَ من مُوالاةِ الصَّدَقاتِ. وصِحافُ الألْوانِ. أشْهى إلَيْكَ منْ صَحائِفِ الأدْيانِ. ودُعابَةُ الأقرانِ. آنَسُ لكَ منْ تِلاوَةِ القُرْآنِ! تأمُرُ بالعُرْفِ وتَنتَهِكُ حِماهُ. وتَحْمي عنِ النُّكْرِ ولا تَتحاماهُ! وتُزحزِحُ عنِ الظُلْمِ ثمْ تغْشاهُ. وتخْشَى الناسَ واللهُ أحقُّ أنْ تخْشاهُ! ثمّ أنْشَدَ:
تباً لطالِـبِ دُنْـيا *** ثَنى إلَيها انصِبابَهْ
ما يسْتَفيقُ غَراماً *** بها وفَرْطَ صَبابَهْ
ولوْ دَرى لَكفَـاهُ *** مما يَرومُ صُبابَهْ
ثم إنهُ لبّدَ عَجاجَتَهُ. وغيّضَ مُجاجتَهُ. واعْتَضَدَ شكْوَتَهُ. وتأبّطَ هِراوَتَهُ. فلمّا رنَتِ الجَماعَةُ إلى تحفُّزِهِ. ورأتْ تأهُّبَهُ لمُزايَلَةِ مركَزِهِ. أدْخَلَ كلٌ منهُمْ يدَهُ في جيْبِهِ. فأفْعَمَ لهُ سَجْلاً منْ سَيْبِه. وقال: اصْرِفْ هَذا في نفقَتِكَ. أو فرّقْهُ على رُفْقَتِكَ. فقبِلَهُ منهُم مُغضِياً. وانْثَنى عنْهُم مُثْنِياً. وجعَلَ يودِّعُ مَنْ يُشيّعُهُ. ليَخْفَى علَيْهِ مَهْيَعُهُ. ويُسرّبُ منْ يتْبَعُهُ. لكَيْ يُجْهَلَ مرْبَعُهُ. قال الحارِثُ بنُ هَمّامٍ: فاتّبعْتُهُ مُوارِياً عنْهُ عِياني. وقَفوْتُ أثرَهُ منْ حيثُ لا يَراني. حتّى انْتَهى إلى مَغارَةٍ. فانْسابَ فيها على غَرارَةٍ. فأمْهَلْتُه ريثَما خلَعَ نعْلَيْهِ. وغسَل رِجلَيْهِ. ثمّ هجَمْتُ علَيهِ. فوجدتُهُ مُشافِناً لتِلْميذٍ. على خبْزِ سَميذٍ. وجَدْيٍ حَنيذٍ. وقُبالَتَهُما خابيةُ نبيذٍ. فقلتُ لهُ: يا هذا أيَكونُ ذاكَ خبرَكَ. وهذا مَخْبَرَكَ؟ فزَفَرَ زفْرَةَ القَيْظِ. وكادَ يتميّزُ منَ الغيْظِ. ولمْ يزَلْ يحَمْلِقُ إليّ. حتّى خِفْتُ أن يسطُوَ عليّ. فلمّا أن خبَتْ نارُهُ. وتَوارَى أُوارُهُ. أنْشَد:
لبِسْتُ الخَميصةَ أبغي الخَبيصَـهْ *** وأنْشَبْتُ شِصّيَ في كل شِيصَـه
وصيّرتُ وعْـظـيَ أُحـبـولَةً *** أُريغُ القَنيصَ بها والقَـنـيصَـه
وألْجأني الدّهْرُ حتـى ولَـجْـتُ *** بلُطْفِ احتِيالي على اللّيثِ عيصَه
على أنّني لـم أهَـبْ صـرفَـهُ *** ولا نبَضَتْ لي مِنْـهُ فَـريصَـه
ولا شرَعت بي عـلـى مَـورِدٍ *** يُدنّسُ عِرضيَ نفْسٌ حَـريصَـه
ولو أنْصَفَ الدّهرُ في حُكـمِـهِ *** لَما ملّكَ الحُكْمَ أهلَ النّقـيصَـه
ثمّ قال ليَ: ادْنُ فكُلْ. وإنْ شِئْتَ فقُم وقُلْ. فالتَفَتّ إلى تِلميذِه وقُلتُ: عزَمْتُ عليْكَ بمَن تستَدفِعُ بهِ الأذى. لتُخْبرَنّي مَنْ ذا. فقال: هذا أبو زيْدٍ السَّروجيُّ سِراجُ الغُرَباء. وتاجُ الأدَباء. فانصرَفْتُ من حيثُ أتيتُ. وقضَيْتُ العجَبَ ممّا رأيْتُ.
| |
| |