® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2019-02-15, 2:24 pm | | #عودة_ليليت #جمانة_حداد @hassanbalam
ليليت : جاء ذكرُها في الميتولوجيات السومرية والبابلية والأشورية والكنعانية، كما في العهد القديم والتلمود. تروي الأسطورة أنّـها المرأة الأولى، التي خلقها الله من التراب على غرار آدم. لكنّ ليليت رفضت الخضوع الأعمى للرجل وسئمت الجنّة، فتمرّدت وهربت ورفضت العودة. آنذاك نفاها الربّ الى ظلال الأرض المقفرة، ثم خلق من ضلع آدم المرأة الثانية، حوّاء
مبـتـدأ أوّل
أنا ليليت المرأة القَدَر. لا يتملّص ذَكَرٌ من قدري ولا يريد ذكرٌ أن يتملّص
أنا المرأة القَمَران ليليت. لا يكتمل أسوَدهما إلا بأبيضهما، لأنّ طهارتي شرارةُ المجون وتمنّعي أول الاحتمال. أنا المرأةُ الجنّة التي سقطت من الجنّة وأنا السقوط الجنّة
أنا العذراء ليليت، وجه الداعرة اللامرئي، الأم العشيقة والمرأة الرجل. الليلُ لأني النهار، والجهة اليمنى لأني الجهة اليسرى، والجنوب لأني الشمال
أنا المرأة المائدة وأنا المدعوون اليها. لُـقبّتُ بجنّية الليل المجنحة، وسمّاني أهل سومر وكنعان وشعوب الرافدين إلهة الاغراء والرغبة، وسمّوني إلهة اللذة المجانية وشفيعة الاستمناء. حرّروني من شرط الانجاب لأكون القَدَر الخالد
أنا ليليت النهدان الأبيضان. لا يقاوَم سحري لأنّ شَعري أسوَد طويل وعينيّ عسليتان. جاء في تفسير الكتاب الأول أني من ترابٍ خُلقتُ، وجُعِلتُ زوجة آدم الأولى فلم أخضع
أنا الأولى التي لم تكتفِ لأنّها الوصال الكامل، الفعل والتلقي، المرأة التمردُ لا المرأة الـ نعم. سئمتُ آدمَ الرجل وسئمتُ آدمَ الجنة. سئمتُ ورفضتُ وخرجتُ على الطاعة. عندما أرسل الله ملائكته لاستعادتي كنتُ ألهو. على شاطىء البحر الأحمر كنتُ ألهو. شاؤوني فلم أشأ. روّضوني لأتروّض فلم أتروّض. أنزلوني الى المنفى لأكون وجع الشرود. جعلوني الرهينةَ للقفر من الأرض والفريسةَ للموحش من الظلال، وطريدةَ الكاسر من الحيوان جعلوني. عندما عثروا عليَّ كنتُ ألهو. لم أستجب فشرّدوني وطردوني لأني خرجتُ على المكتوب. وعندما طردوني بقي آدمُ زوجي وحيداً. وحيداً ومستوحشاً وشاكياً ذهب الى ربه، فخلق له ربّهُ امرأةً من ضلعه تُدعى حوّاءَ وسمّاها النموذج الثاني. لتطرد الموت عن قلبه خلقها، وتَـضْمَن استمرار الخلق
أنا ليليت المرأة الأولى، شريكةُ آدمَ في الخلق لا ضلع الخضوع. من التراب خلقني إلهي لأكون الأصل، ومن ضلع آدمَ خلق حواء لتكون الظل. عندما سئمتُ زوجي خرجتُ لأرثَ حياتي. حرّضتُ رسولتي الأفعى على إغواء آدمَ بتفاح المعرفة، وعندما انتصرتُ أعدتُ فتنة الخطيئة الى الخيال ولذة المعصية الى النصاب
أنا المرأةُ المرأة، الإلهةُ الأم والإلهةُ الزوجة. تخصّبتُ لأكونَ الإبنة وغوايةَ كلّ زمان. تزوّجتُ الحقيقةَ والأسطورةَ لأكون الإثنتين. أنا دليلةُ وسالومي ونفرتيتي بين النساء، وأنا ملكةُ سبأ وهيلانةُ طروادة ومريمُ المجدلية
أنا ليليت الزوجةُ المختارة والزوجةُ المطلّقة، الليلُ وطائرُ الليل، المرأةُ الحقيقةُ والأسطورةُ المرأة، عشتار وأرتيميس والرياح السومرية. ترويني اللغات الأولى وتفسّرني الكتب، وعندما يرد ذكري بين النساء تمطرني الأدعيةُ باللعنات
أنا العتمة الأنثى لا الأنثى الضوء. لن يحصيني تفسير ولن أرضخ لمعنى. وَصَمتني الميتولوجيا بالشرور ورشقتني النساء بالرجولة، لكني لستُ المسترجلة ولا المرأةَ اللعبة، بل اكتمال الأنوثة الناقصة. لا أشنّ حرباً على الرجال ولا أسرق الأجنّة من أرحام النساء، فأنا الشيطانة المطلوبة، صولجان المعرفة وخاتم الحب والحرية
أنا الجنسان ليليت. أنا الجنس المنشود. آخذ لا أُعطى. أعيد آدمَ الى حقيقته، والى حواء ثديها الشرس ليستتبّ منطق الخلق
أنا ليليت المخلوقةُ الندّ والزوجةُ الندّ
ما ينقص الرجل كي لا يندم
وما ينقص المرأة كي تكون
أنا ليليت إلهةُ الليـلَين العائدةُ من منفاها أنا ليليت العائدةُ من سجن النسيان الأبيض، لبوءة السيّد وإلهة الليـلَين. أجمعُ ما لا يُـجمع في كأس وأشربه لأنّي الكاهنة والهيكل. لا أترك ثمالةً لأحد كي لا يُـظنَّ ارتويت. أتجامعُ وأتكاثرُ بذاتي لأصنع شعباً من ذريتي، ثم أقتلُ عشّـاقي كي أفسح للذين لم يعرفوني
أنا ليليت المرأةُ الغابة. لم أعرف انتظاراً يُـرجى لكنّي عرفتُ الأسُود وأصناف الوحوش الأصيلة. ألقّح جميع أنحائي لأصنع الحكاية، أجمع الأصوات في رحمي لـيكتمل عدد العبيد. آكل جسدي كي لا أُعيَّر بالجوع وأشرب مائي كي لا أشكو عطشا. ضفائري طويلة من أجل الشتاء وحقائبي غير مسقوفة. لا يرويني شيء ولا يشبعني شيء، وأعود لأكون لبوءة الضائعين في الأرض
من ناي الفخذين يطلع غنائي
الأنهرُ من شبقي
فكيف لا يكون مدٌّ
كلّما افترّت شفتاي العموديتان عن قمر؟
أنا ليليت سرُّ الأصابع حين تلحّ. أشقُّ الطريق وأكشفُ الأحلام وأشرّعُ مدن الذكورة أمام طوفاني. لا أجمع اثـنين من كل جنس بل أكونهما كي يرجع النسل نقياً من كل طهر
غرورُ النهدين أنا
صغيران لينموا ويضحكا
ليطالبا ويؤكلا
نهداي مالحان
شاهقان لا أبلغهما
قبِّـلوهما عنّي
لي عرشُ بلقيس وتاجُ كليوباترا
لي كتابُ نرسيس ورؤوسُ يوحنّا
ليس من رداءٍ أتدثّر به سوى فمي
جنسي المحجور عليه في أعماق الرأس
محجورٌ عليه ليظلّ يطالب
أنا ليليت الملاكُ الماجنة. فرس آدم الأولى ومفسدة ابليس. الحيية لأنّي حورية البركان والغيور لأني وسواس الرعونة الجميل. لم تحتملني الجنّة الأولى فطُردتُ لأرمي فتنةً في الأرض وأدبّر في المخادع أحوال رعيتي
أنا اللبوءةُ المغوية أعودُ لأصحّح ضلوع آدم وأحرّر الرجال من حواءاتهم
أنا ليليت العائدةُ من منفاها لأرثَ موتَ الأم التي أنجبتُـها
*** سأحدّثكم عن الطريق
سأحدّثكم عن الطريق.
لن تعرفوها لكني كلما كتبتها تناثر عليّ من الفضاء غبار النعمة، لذا سأحدثكم فلا تسمعوا.
نهضتُ يوماً من الأمس اللئيم، عصبتُ ذاكرتي، عصرتُ عينيّ في الغد وذهبت. في مطرتي كآبتي تنتظر أن أسقيها شفتيّ فتقرصهما. ذهبتُ حيث الضباب ينسج لرغبتي أصابع بلا عقد فأخنق بها مخاوفي. حيث قلبي يمشي على الزجاج فيترك وراءه جداول من الخمر. حيث الحجارة تغرّد فيطرب لنشيدها العصفور وينتحر في الريح بلا انقطاع.
ذهبتُ حيث العرس دائماً في أوّله والنهار دائماً في آخره ولا منجل للسنابل الراقصة على جسدي.
رحتُ أسير بين الملائكة والشياطين، أقطف الوجع الناضج عن أحلامي ثم أعلّقه على أطرافي. هناك يرجع فجّاً ويخترع لجروحي القديمة الجائعة لذّات جديدة.
صرتُ أنا واللانهاية على موعد. صرت ما أسعدني وما أشقاني في آن واحد فما أغناني! أسامر الأشباح. أضنّ بالحكمة وأمنح أمنح جنوني. أصعد من ذاتي ثم أطارح الهبوط مع الجبال. أخون ثم أشنق نفسي فوق صرّة من الوهم لكني لا أندم. لا ألتفتُ الى الوراء كي لا أصير تمثالاً من الملح.
سأحدّثكم عن الطريق إذن، امعنوا في التفاهات التي تروّض أيديـكم. تابعوا ولا تأبهوا لهذياني.
علمتني أن أضيع. أن أضيع كثيراً. أن أضيع كي أكون.
عدتُ لا أعبأ بالمصير. أضحك. أقع. لكل زلة دوارها والدوار رجل.
واللذة؟ كي أمضغها فتترنّح فيّ.
بعد باقة من الخطى قد أشفق على ظلّي فأستلقي على الارض وأدعه ينتصب ويمشي. الظلّ ايضاً رجل، يكبر ويتقلص على هوى شمسي. عناقه مضيق، انقضاضه عليّ منارة واحتضاره فيّ أمواج من الشوق فتلاطم خيبات فزبدٌ من النسيان.
في مسيرتي مطبّات ووهاد. كلما صفعتني واحدة فتحتُ ستائري فتأتي سحابة الضوء تسحب المسافة من تحت قدميّ وأعود الى العذرية. الى دعاء ما قبل الرحيل. اقلع أشواك افكاري البالية فينقضي السياج. أفضح توق أذني لرفرفة لسان فتقصّ العاصفة جناحيها وتتظاهر بالنوم على صدري. ثم تتسلل وترتقي. ترتقي حيناً وتـنحدر حيناً كعاشق حائر لا يعرف كيف يغرف من الكنز. تنحدر العاصفة وتذوب بين ساقيّ فتغريني أنا المستبدّة بخضوعها وأطويها في أعماقي. هناك تتخذ من عروقي أجنحة لا تنفك تنمو. وتخفق. وتصيح. وأصيح معها!
رحتُ أسير أغافل النجوم والتراب، أحدّق في الأفق واهمة. أهدم النور وليس أقوى مني في الظلام. أطوف في شوارع روحي، متاعي الداخلون ومتاعي الخارجون. أقصّ قصتي على من لا يهمه الأمر. أستحم عارية في الغابة فتدوخ الاشجار وتنسى الازهار ان تستحي، فترفع رأسها كي تتلقف بعبيرها حبات النشوة على جسدي. على ضفاف الطريق نهداي كرمة تحلم بالمعصرة. طوبى لمن سيقطف العنب ويصيّره خمرةً، إذ لكل كأس سيشربها كوكبٌ منير يولد في مداره.
أجل سأحدثكم عن الطريق
طريقي
تلك التي لن تجدوا.
***
***
لي جسدٌ
لي جسدٌ في قعر المحيط ينتظر.
لي جسدٌ كبركان
تلعق المياه فوهته
كي لا يقذف اللذة قبل قدوم الحب.
لي جسدٌ لا أعرفه
قد يكون حبّة رمل
أو سمكة حمراء
أو لؤلؤة في محارة
لكني سأكتشف طعمه
في شفتين ستحرقان
ولسانٍ سيأخذ
وحمم لها صوت ولوج الجنة.
في قعر المحيط
داخل فقاقيع الرغبة
لي جسدٌ لك
كم لي معك غد وأبد.
غد تصل منه إليّ
وأبد تفتح فيه المحارة
ببطء
بكل البطء الذي أشتهي
وتستطيع!
***
***
عندما ثمرةً صرتُ
كنتُ بنتاً عندما ولدتني أمي تحت ظل القمر
لم أبكِ شأن الأطفال لكني أحببت أن أكون ذكراً
ولكي تطيّب خاطري
غسلتني بماء غامض وبأقمطة النقائض لفّتني
نذرتني إلى حواء الدهشة والتحوّل
وبالعتمة والضوء عجنتني
هيكلاً لشياطين الجنة.
غريبةً نشأتُ ولم ينشغل أحد بأفكاري
فضّلتُ ان ارسم تفاحة الحياة على ورق ناصع
ثم شققتها وخرجت منها
بعضي يرتدي الأحمر وبعضي الأبيض
لم أكن فقط داخل الزمن أو خارجه
ففي المكانين أقمتُ
وتذكرت قبل أن أولد
أني أجساد جمة
وأني طويلاً نمتُ
وطويلاً عشتُ
وعندما ثمرةً صرت
عرفتُ ما ينتظرني.
قلت للسحرة أن يعتنوا بي
فأخذوني
كنتُ
ضحكتي طيبة وخفرة
أطير على ريش عصفور ووسادةً أصير في الليل
رموا جسدي بالتعاويذ وقلبي دهنوه بعسل الجنون
جاؤوني بفاكهة وحكايات
وهيّأوني لأعيش بلا جذور
ومنذ ذلك الحين أغادر
أتقمّص غيمة كلّ ليل وأسافر
لا يودّعني سواي ولا يستقبلني سواي
من انعتاقٍ أطير لا من خوف
وأعود من شوق لا من خيبة
دأبي البحر وبوصلتي العاصفة
وفي الحب لا أرسو في ميناء
في الليل أترك الكثير منّي
ثم التقي بعضي بعناق شديد عندما أعود
توأماي المدّ والجذر
الموجة ورمل الشاطئ
تمنّع القمر وغلمته
الحبّ وموت الحبّ
في نهاري أكون
ضحكتي للآخرين وسفري لي
فمن يفهم إيقاعي يعرفني
يلتحق بي ولا يكون معي.
**
دعوة الى عشاء سري
العاشقة لا يفتك بها الانتظار، لا تقدر ان تخاف، وإن كانت تجهل بقية الحكاية. فالحكاية أنت، والبقية حتماً ستأتي. هي تحزن لأنك لم تقفز من عينيها بعد، لم تنزل في يديها، لم تدهشك شعوبها. هي تحزن من أجلكَ، لأنك لا تعلم كم سوف يكون لك قمرٌ على ثغرها، وذهبٌ على خدها، وامرأة جديدة في كل ركن من أرضها.
العاشقة تخصب وحدتها بالحب والشهوات المجنحة والفوضى الشهية. تستحضر ظلال الآخرين غير البريئة لئلا يخبو عطش المحرقة، لكن الآخرين قوتٌ لانتظارها، ونشوتها العاجلة سريرٌ بارد في أغنية الجسد. توقها اليك يستعبد فيها كل ما كان ثائراً ويطلق ضفائر كل ما كان مأموراً. اللهفة تسكن فردوسها المعلّق، وهي لا تحفل بالسياج والنساء والبراءة المفتعلة، فقد جهّزت لك رغبات طائشة سوف تتزاحم على الاحتفال بجسدك متى حصل، وآنذاك لن تختصر ولن تكبت ولن تهدر: ستأخذ ما هو لها وما قد لا يكون لها.
العاشقة تنهض الهواجس والخيالات وترمق الغياب بابتسامة شاردة فيخترع لها حاضراً مستحيلاً وندماً لذيذاً لا يتثاءب وكائنات تشبه الازهار، سوف تدلّكَ على الطريق وتتهلل للمعجزة حين تهتدي اخيراً الى اميرة العاصفة. يتسرّب الشوق من فراش الأميرة العاشقة ومن ثيابها ومن عدم ثيابها مهما كتمت. يهرع الى البحث عنك، فإلى مزيد من الصور الغبارية والاشكال الفارغة. يتسرّب الشوق من فراش العاشقة ويستميل الشعر الى كوكب ملؤه انت وبعض الشموس وحرّ كثير.
العاشقة لك. انت عمادها وفي تربة راحتيك تغرز جذورها السموية. تحمل لها في عينيك نداء الاشتعال ووعداً بانقشاع السكينة، وكم تشبه في أوجاعها حبّ ما قبل الحب الاول! تحول قبلتك دون خروجها الى الآخر، ويحول الآخر دون تراكم قبلاتك عليها. لم ترسل لها الحرائق، لكنّ ما صنعته شفتاك هائل. اما ما لم تصنعاه بعد، فهائلٌ ايضاً.
العاشقة فيك. قد تظنّ أنك تستطيع تغييبها لكنها تحبس عصافيرك وأفكارك واللذة في غابتها. وعند المساء خصوصاً، وفي الصباح ايضا، أنتَ تصنع منها اللمسة والنبع والحياة. ومتى قصدتها حقاً، سوف تفقدك انتصاراتك وخيباتك السابقة كي تهدي اليك ذنوبك الآتية.
العاشقة اليكَ، ولن يتعبها المسير. سوف تنبثق دون انقطاع من واقعها كي تستدرجك الى نوافذها، حلماً يحميها من اليقظة الفقيرة فيطير بها بعيداً ولا يحط إلاّ على وجهك.
العاشقة لكَ، فيكَ، إليكَ. تتأرجح في نومها بين نسيان قليل ونسيان كثير، لكنها لا تغفو ولا تستيقظ إلاّ على رغبة فيك لن تندمل. تجعلك إلهاً متى نظرتَ نفسك في عينيها، وتعيدك رجلاً متى نظرتْ هي في عينيك ونادت. لا تغفل الدعوة الى عشائها السري، فالعاشقة متأهبة ولا تريد ان تنتظر.
*** ***
تـنتظر الملك
رنت شهرزاد نحو شهريار بطرفها الكحيل وقالت:
لقد طال انتظاري، بربّكَ غازلني! هذا موعدي، وجسدي لن يمهلكَ. فالشفتان أضناهما العوز والحديقة استوحشت ومكامن الجنة والجحيم قد نصبت لكَ فافترشها.
العطش حان، ولي ألف تنهيدة غرستها في تربتي لتسقيها، ولي فراشة تائهة استضافها صدري لتحرقها. المائدة خلعت زينتها ولم تترك إلا الشوكة والسكين. بربك غازلني! المائدة كثيراً قد اشتاقت والشوكة والسكين لا يحتملان الانتظار.
شهوتي ثورةٌ في كهف. تنتقم وتعصى وتنشد ما لم ترَ بعد. لشدّة الظلام في الكهف لا تبصر إلا بلسانها.
شهوتي صرخةٌ على متن عاصفة صماء. هيا إثأر لي من خجلي الذي يستعبدني فتتبخر القضبان وأحلّق! كن الفارس كن الشهيد كن الارهابيّ واللص ايضاً، فما أطيب العسل حين يُسرق. الحقّ أقول لك هذا موعدي وجسدي لن يمهلك.
قمْ وارحل الى البعيد. لا تخف نهاية الرحلة، فأنا ساكون دائماً اللحظة الأبعد. فتّح براعم الغيب فيّ واجعلني أنشودة بين الحضن والصدى. سأقيم لحظة على جبينك. سأقيم دهراً على عنقك. الشفتان أضناهما العوز والحديقة استوحشت ومكامن الجنة والجحيم قد نصبت لك.
ايها الجبان، إلى متى أقصّ عليك الحكايات وفمي عاطلٌ عن القبل؟ هيا تسلق أبراج الليل! القمر مضجعي. عانقني فأهب لك حفنةً من النجوم وأجعلك تكتشف يديك والنيازك التي ستسقط عليك.
هيا أمخر عباب بحري! كن الزورق كن المجاذيف كن حركة الموج داخلي. كن!
قالت شهرزاد : لقد طال انتظاري، غازلني بربك. قد أحبك...
وحين فهم شهريار أخيراً ذلك الهمس الذي يتأرجح في عيني المرأة، صدّق وبسط ذراعيه ليأخذ. فأدرك شهرزاد الصباح وسكتت عن الكلام المباح. اتخذت احلامها وسادةً، ونامت تنتظر الملك الذي سيفهم لكنه لن يأخذ بل سيمنح.
*** ***
ذات جنون
عندما يحين الوقت
ذات جنون
سأصطادُ الفضاء وأصافح الغيمة
سأستعير الزوبعة
فأترك الدموع الطافرة ورائي
دموعاً طافرة
وأذهب.
لن أقتفي الرصانة
لن أكتم الصراخ
سأرقص فوق الماء
وأعبر الى الضفّة الأخرى
حرّة
عبدةً
ما همّ!
سأعبر.
عندما يحين الوقت
ذات فراشة ليلية
سأخلع وداعتي التي سئمتُ
سأخلع ثوبي المستنفر عبثاً
وأضرم الأمس
فأعود ملساء كالأرض من بعيد
وأدور على نفسي
حول القمر.
سأضحك لن يكون ضحكي حزيناً
لن أطير سأمشي
سأداعب الطريق وأسامر الحجارة
وأفجّر الشّعر من الحصى
سوف تبكي السماء لن اكترث
وستلتهم الريح قلبي الذي قمّره الحبّ.
سيصير الرحيل زنّاراً يلفّ ثورتي
سأعانق المسافة وطيور الليل واحواض الزهر المرتجفة
وكل ما أشربه سأمطره على أدغالي
فأجد التربة الضائعة لوردة لم تتفتّح بعد في دمي.
عندما يحين الوقت
ذات فجرٍ بلا ندى
سأجهر بوجهي المتلبّد
وأدفن وجوهي الصافية
مسكونةً بعنادي سأكون
معجونةً كخبز الزمن
لا أبالي بجمع فُتاتي
سأوزّع ظلال ضوئي على ذاتي
سأجعلها تقطر مثل عسل اللذة نقطةً نقطة
قبلةً قبلة
كي تطفو على وجه النهر
تلك المرأة التي أدّخرها.
*** *
على هوى جوعي
ليس حبيبي.
قد أحوم كاللوعة في ذاكرته
قد يحتفي به ظمأي
قد أزنر فمه بشهوتي
قد ألتهم صدره كبحر
قد أكون في عينيه الصليب وراء الثغر
او في جسده البحة عند الشبق
لكنه ليس حبيبي.
قد ارتدي من اجله الضوء الخافت
واتساقط فيه كاليأس
قد أحرمه عنقي كي أراه يتألم
او استنزف اقنعته فيركع
قد امنحه قوس القزح في طفولة الرغبة
ثم امزّقه ساعة النشوة
لكنه...
قد اخدّره بضجيجي
وأغيبه بسكوني
قد أقفز بين يديه كسوارٍ محموم
او أغفو عليه كثوبٍ حزين
قد يتنشقني بين الحلم واليقظة
او يعبرني عبور البرق الذي من نوع آخر
قد يكون نقطة ماء ضائعة
على جسم ابريق يرشح
أو ذلك الزمن الغائب
حيث لن أنبض
لكنه ليس حبيبي.
هو لي كي أهدم
كي أفني
كي افعل!
أيتها الانقاض، أنقاضه،
سأظلّ أقلمك على هوى جوعي!
***
***
دعوة الى عشاء سري
العاشقة لا يفتك بها الانتظار، لا تقدر ان تخاف، وإن كانت تجهل بقية الحكاية. فالحكاية أنت، والبقية حتماً ستأتي. هي تحزن لأنك لم تقفز من عينيها بعد، لم تنزل في يديها، لم تدهشك شعوبها. هي تحزن من أجلكَ، لأنك لا تعلم كم سوف يكون لك قمرٌ على ثغرها، وذهبٌ على خدها، وامرأة جديدة في كل ركن من أرضها.
العاشقة تخصب وحدتها بالحب والشهوات المجنحة والفوضى الشهية. تستحضر ظلال الآخرين غير البريئة لئلا يخبو عطش المحرقة، لكن الآخرين قوتٌ لانتظارها، ونشوتها العاجلة سريرٌ بارد في أغنية الجسد. توقها اليك يستعبد فيها كل ما كان ثائراً ويطلق ضفائر كل ما كان مأموراً. اللهفة تسكن فردوسها المعلّق، وهي لا تحفل بالسياج والنساء والبراءة المفتعلة، فقد جهّزت لك رغبات طائشة سوف تتزاحم على الاحتفال بجسدك متى حصل، وآنذاك لن تختصر ولن تكبت ولن تهدر: ستأخذ ما هو لها وما قد لا يكون لها.
العاشقة تنهض الهواجس والخيالات وترمق الغياب بابتسامة شاردة فيخترع لها حاضراً مستحيلاً وندماً لذيذاً لا يتثاءب وكائنات تشبه الازهار، سوف تدلّكَ على الطريق وتتهلل للمعجزة حين تهتدي اخيراً الى اميرة العاصفة. يتسرّب الشوق من فراش الأميرة العاشقة ومن ثيابها ومن عدم ثيابها مهما كتمت. يهرع الى البحث عنك، فإلى مزيد من الصور الغبارية والاشكال الفارغة. يتسرّب الشوق من فراش العاشقة ويستميل الشعر الى كوكب ملؤه انت وبعض الشموس وحرّ كثير.
العاشقة لك. انت عمادها وفي تربة راحتيك تغرز جذورها السموية. تحمل لها في عينيك نداء الاشتعال ووعداً بانقشاع السكينة، وكم تشبه في أوجاعها حبّ ما قبل الحب الاول! تحول قبلتك دون خروجها الى الآخر، ويحول الآخر دون تراكم قبلاتك عليها. لم ترسل لها الحرائق، لكنّ ما صنعته شفتاك هائل. اما ما لم تصنعاه بعد، فهائلٌ ايضاً.
العاشقة فيك. قد تظنّ أنك تستطيع تغييبها لكنها تحبس عصافيرك وأفكارك واللذة في غابتها. وعند المساء خصوصاً، وفي الصباح ايضا، أنتَ تصنع منها اللمسة والنبع والحياة. ومتى قصدتها حقاً، سوف تفقدك انتصاراتك وخيباتك السابقة كي تهدي اليك ذنوبك الآتية.
العاشقة اليكَ، ولن يتعبها المسير. سوف تنبثق دون انقطاع من واقعها كي تستدرجك الى نوافذها، حلماً يحميها من اليقظة الفقيرة فيطير بها بعيداً ولا يحط إلاّ على وجهك.
العاشقة لكَ، فيكَ، إليكَ. تتأرجح في نومها بين نسيان قليل ونسيان كثير، لكنها لا تغفو ولا تستيقظ إلاّ على رغبة فيك لن تندمل. تجعلك إلهاً متى نظرتَ نفسك في عينيها، وتعيدك رجلاً متى نظرتْ هي في عينيك ونادت. لا تغفل الدعوة الى عشائها السري، فالعاشقة متأهبة ولا تريد ان تنتظر.
***
| |
| |