® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2016-06-04, 4:22 pm | | ديوان صالح زمانان وصيةُ الجدِّ الميت #صالح_زمانان @hassanbalam
اُكْتُبْ وصيتَكَ لمنْ تُحبُ لا تتركْهُ حائراً في مَلذّاتِ غيابِكَ النهائيِّ فالموتُ يترصدُ المارةَ وشارعُ الحياةِ ليس بآمنٍ
*** ولا تنسَ كُن طيباً مع الفقراءِ والمتسولينَ كُن مفاجئاً لهم حينَ تكونُ حبيبتُكَ سعيدةً أَعْطِهِمْ أجرَ عاملِ مَنْجَمٍ في اليومِ فهم يدُقّونَ صخرةَ الوقتِ- دونما أزميلٍ- بأصابِعِهِمْ ووَحْدَهُمْ.. سَيُصَلّونَ للهِ أنْ يُسْعِدَ حبيبتَكَ حين يَرَوْنَها تمرُّ الزُّقاقَ وحيدةً
*** وكُن منفتحاً كُن منفتحاً في نُزُلِ العَدَمِ واعْلَمْ أنّ القبرَ ليسَ غرفةً لتَبْدِيلِ الملابسِ لكنه أولُ الدربِ في نُزْهتِكَ الأبدية!
القطارات
مِسْكينةٌ هِيَ القِطاراتُ لأنَّ أرضَهُمْ لا تُنَاسِبُ أصابِعَهَا بَتَرُوا أقدامَهَا في البَدْءِ جعلوها تجري على بَطْنِها وكلما أرادتِ التوقفَ أحرقَتْهَا نارُ الحديدِ
*** كَهْلٌ أَحْدَبُ يَحْرُسُ مَحَطَّةَ قطارٍ قديمٍ أخرجَ رأسَهُ ذاتَ يومٍ خَلْفَ الدُّخَانِ وسَأَلَ: يا لَلْقَسْوةِ ! مئاتٌ من الناسِ تَرْكَبُهُ كلَّ يومٍ لم يفكرْ أحدٌ أنْ يَحُكَّ ظهرَهُ
*** لا توجدُ قِطاراتٌ سعيدةٌ لكنَّ أَوْفَرَها حَظًّا مَنْ يَحمِلُ العاشقينَ إلى الأريافِ البعيدةِ لهذا يَنْفَرِطُ قِطارُ البَضائِعِ ويُصْبِحُ غرفاً في الصحراء
*** كلما سَمِعْتُ القِطاراتُ صَمَمْتُ آذاني صوتُها لا يُزعُجُني لكنَّ أولئكَ الذين انتحروا أمامها ما زالوا يَصْرَخُونَ!
صهيلٌ في العدم
في وقتٍ باكرٍ قبلَ أنْ يذهبَ الأولادُ للمدرسةِ يوماً ما.. سأموتُ سأَسْعُلُ كثيراً قبلَ الموتِ وسأَكْتُبُ في دفترِ أصغرِهِمْ قبلَ ليلةٍ : يا أصحابَ الصورِ في مـِحْفَظتي اِرْعَوا خِرافَكُمْ فوقَ وِسادتي وأطْعِمُوها زرعةَ نعناعي فلن أشربَ الشايَ بعد اليومِ وانتْـَبِهُوا ! لا تَرْبُطُوا حصاني في الاسطبلاتِ اُتْرُكُوهُ يهربْ صَوْبَ السُّفُوحِ البعيدةِ تفتَرِسُهُ الذئابُ ويموتُ معي أمتطِيهِ ونقطعُ العدمَ صَوْبَ مناماتِ أمي في الربيعِ
مِحْنَةُ الوجود
كما يفعلُ النَّزِيلُ الجديدُ في حَبْسِهِ الانْفِراديِّ يَحْتَضِنُ بابَهُ الباردَ مُنْصِتاً لِصَلِيلِ الحديدِ وخُطُواتِ العساكرِ ألصَقْتُ صَدْغِي في قميصِ هزيمتي المبلَّلِ حاولتُ أنْ أُنْصِتَ لحكمةِ الخاسرُ كي أَدُلَّ دَرْبَ حُرّيتي في الطفولةِ لكنّي مِثْلُ النزيلِ الجديدِ ما سمعتُ غيرَ هَجْسِ رِئَتِي تَتْلُو وَدَاعَ الركضِ ومن يومِهَا وأنا قابعٌ ههنا في مِحْنَةِ الوُجُودِ ولدٌ شاخَ مُبَكراً كَمَنْحُوتَةٍ أُمْنِيَتُهَا الأَبَدِيَّةُ أنْ تَلْتَفِتَ إلى الجِهَةِ المقَابِلَةِ !
العزلة
العزلةُ ليستْ بقاءَك وحيداً في كوخِ الغابةِ وليستْ مكوثَ حواسِكَ في غرفةٍ مظلمةٍ بلا نوافذَ بابُها لا تنفذُ منه الأصواتُ وليستْ أنْ ينساكَ من يهرولون في مآقيك العزلةُ أن تكونَ طفلاً والعالمُ حفلةٌ لكبارِ السنِّ.
لستُ على ما يرام
لستُ على ما يرامُ ساعتي لها عقاربُ ميتةٌ وسِوَرَاها جلدُ ثعبانٍ معطفي كان تمساحاً وجلدُ زوجتِهِ.. حذائي وقبيلةٌ من دودة القزِّ ماتت وهيَ تصنعُ ما تبقى من ثيابي
هذا البابُ.. وهذا السريرُ هما ما تبقى من شجرةِ بلوطٍ وجدران غرفتي الموحِشَة مِصْلَبةُ الحصى والرمالِ .. لستُ على ما يرام أنا مقبرة القتلى!
تحديق الحياة الجاحظة
القَرَوِيُّ الشفيفُ الذي كان يجري في صباهُ دون هَوَادَةٍ ويقطعُ الوعودَ للغيمِ والمروجِ ويتحدثُ مع الماعِزِ كما لو كانا صديقينِ قديمينِ سيكبُرُ خِلْسَةً وتَكْبُرُ قريتُهُ لتصبحَ حيّاً جديداً
في طَرَفِ المدينةِ الجائرةِ ستُحَدِّقُ فيه الحياةُ الجاحظةُ وسيَحْنَثُ بكلِ الوُعُودِ لن يصدقَ هذا العالمَ بعدَ اليومِ سيعلمُ أنّ الشوارعَ ليستْ سواقيَ أبداً وأنّ مبانيَ الأَسْـمَـنْتِ تحجُبُ آهاتِ المفجوعينَ ***
سيتلقّى دعوةً في حَفْلَةٍ ما وسيعتقدون أنه جاهلٌ سيقول له أحدُهُم هل أعجبتْكَ الموسيقى؟ الإيقاعُ الراقصُ يأتي من هذا المشدودِ إنه الطبلُ, يسمى الطبلُ .. ووَحْدَهُ مكروباً سيَهْجــِـسُ : لا ... هذا ليس طبلاً إنه ما تبقى من جُثّةِ البقرةِ وأنتم تضربونَ جِلدَ الموتى!
مأساة الميناء
المنارة منارةُ الميناءِ لا تُعجِبُها استقامَتُهَا يُـؤْلـِمـُها قَوَامُ الحجرِ وتصلُّباتُ الملحِ في أسفَلِها وكلما فتحتْ عينَهَا المضيئةَ في دُرُوبِ السُّفُنِ العائدةِ آمنتْ أنها بُومَةُ البحارِ *** السفينة تلك السفينةُ التي أرشدَتْـهَا المنارةُ تكرهُ طريقَ السفرِ الخالي من الأشجارِ تعاني منذ سنواتٍ طِوالٍ من دُوَارِ البحرِ
تئنُ كلما ربطُوها في شاطئٍ وتتمنى لو كانتْ نَوْرساً عندَ المناراتِ نورساً.. قد يُـرْدِيهِ طفلٌ بهيجٌ وأنْ لا تكونَ تابوتاً للأسماكِ ولعنةً للموتى والعاشقينَ وفريسةً منتظرةً لأعاصيرَ نائيةٍ *** النورس النورسُ أكثرُ الحزانى في الميناءِ يظنُ أنّ المنارةَ آلهتُهُ الـمُعذبةُ وأنّ شِراعَ السفينةِ.. أُمُهُ الأولى لهذا ظل مرابطاً حول المقاهي والصيادينَ يصلي لآلهتِهِ المتحجرةِ ويكمّدُ جراحَ أمِهِ بعدَ طِعانِ العواصفِ *** يا لـَـلـَـمأســــــاةِ ! يا لـَـلـَـمأســـــــاةِ ! أيها الذئبُ الذي نبتَ الشيبُ بساعِدِهِ المناراتُ والسفنُ والنوارسُ كي تَدُلَّ طريقَ الغناءِ عن الكآبةِ ينقصُها عُوائُكَ في القمرِ .. أما البحرُ فوَحْدَهُ راضٍ بِرَكْلِ الريحِ.. مهزومٌ قبلَ البَدْءِ سعيدٌ مستريحٌ في زُرقة الأبدِ !
أحزان المياه
كلما نظرتُ لنافورةٍ شعرتُ بالغُصَّةِ مسكينٌ هذا الماء أبديُّ الملل! .. وأشعر بالاختناقِ كلما نظرتُ إلى الوادي مسكينٌ هذا النهرُ وُلد مستلقياً على ظهرِهِ وبعد رحلتِهِ الطويلةِ سيفجعه الملح !
حكاية الصليب
الصليبُ.. كان فزّاعةً بَشِعَةً علّمها المسيحُ أنْ تخجلَ من ذُعْرِ العصافيرِ لكنّ المزارعَ البخيلَ غرس قدمَها في باطنِ الأرضِ وكبّل آلامَها الصباحيةَ أمامَ صوتِ الأجنحةِ الشاردةِ .. وذاتَ يومٍ مر طفلٌ شقيٌّ هزّ ساقَ الفزاعةِ ثم راح يختلس النظرَ إلى فتاةٍ تَسْتَحِمُّ في بِركةِ الماءِ لمّا توارى الفزّاعةُ هربتْ من حقولِ العنبِ خلعتْ رداءَها المخيفَ ثم أسندتْ ظهرَ القتيلِ الأعزل في الأرضِ اليبابِ القاحلةِ صارتْ حقلَهُ السماويَّ صارتْ.. صليباً !
ما أتعسكم أيها الجنود
ما أتعسَكُمْ أيها الجنودُ ! لا تجلسونَ تحت الشجرةِ بل تختبئون خلفَها وتصوّبون البنادقَ تـِجاهَ العشبِ إذا حرّكته أمواجُ النسيمِ الوادعةِ وتكرهون صوتَ العصافيرِ والنهرِ لأنها تؤجلُ موتَ العابرينَ نهاراً.. أو نهارينِ
***
ما أتعسَكُمْ أيها الجنود ! لم تذهبوا مع أطفالِكُمْ صباحاً إلى المدرسةِ بل ذهبتم إلى الأطفالِ البعيدينَ كي تمنعُوهُم من الذهاب برُفْقَةِ آبائِهِم لم تقيموا حفلَ شِواءٍ في حديقةِ المنزلِ مع الأصدقاءِ القدامى والجيرانِ الجددِ بل هربتم لإشعالِ الحرائقِ في قلوبِ النساءِ والغاباتِ ما أتعسكم أيها الجنود!
***
ما أتعسكم أيها الجنود ! توقفوا عن التبسّمِ وإطلاقِ النكاتِ الإباحيةِ وأبعدُوا أصابعَكُم عن الزنادِ اكتبوا بها رسائل َحانيةً للأمهاتِ واكتبوا شعراً مسروقاً لحبيباتِكُم فكّروا في ندمِ الشيخوخةِ الذي يظلُ بين العينينِ كرصاصةٍ ليست طائشةً وأنتم تـَهُزّون العمرَ من أمامِ عَتَبَاتِ البيتِ البائساتِ ما أتعسكم أيها الجنود !
صـالح زمـانـان
موالـيد مدينة نجران –جنوب المملكة العربية السعودية- 1985م صدر له : • "البشكنجية" 2010م – دار طوى للنشر والإعلام. • "الحارس في الثقب" 2014م- الدار العربية للعلوم ناشرون بالاشتراك مع نادي جيزان الأدبي. • "رأسه في الفجيعة/ أصابعه في الضحك" نصوص مترجمة إلى الإسبانية, عن بيت الشعر الكوستاريكي وجامعة كوستاريكا 2014م. • "عائد من أبيه" عن دار طوى للنشر والإعلام, بالاشتراك مع دار مسكلياني. وطبعة ثانية عن طريق دار أروقة. وكتب العديد من المسرحيات, مثل: • ملحمة الأخدود:شعب النار والجنة • ملحمة ملوك الشعر والدمـاء • سُراة الشعر والكهولة • رصيف7 • الحفلة الأخيرة • نبوءات لوركا • ملـهاة الصعاليك • نوستالجيا _________________ حسن بلم | |
| |