المشاعر هي الأرخص، إنما للحم مهما كان لونه قيمة.. اللحم شئ مادي تراه الأعين، أما المشاعر فتُكسر وتتفتت وتطير مع الهواء ولا يراها أحد.. فقط تتركك بلا إحساس لتنضم لقبيلة الزومبي المسماة بالمصريين.
لا يوجد من يتكلم عن كسر القلوب والأرواح وهي الأغلى.. الأجساد مجرد غطاء لشئ أعظم وأجل.. روحك هي التي تحمل كل شئ هي الألفا والأوميجا عندها يبدأ وينتهي كل شئ، لكن عباد الجسد من كل حدب وصوب لغوها وركزوا مع الأجساد.
لا نسمع هنا أبا يقول لابنته “غط قلبك” وحافظي على مشاعرك، لكن يقول لها: “غط مؤخرتك” وحافظي على “صدرك”.
الكائنات المادية البشعة ركزت في تغطية الجسد.. الأخلاق سلوك وتربية ومعرفة جيدة بالدين.. كم رأيت في الصلاة سيدات لا يفقهن أقل مبادئ الدين مثل الوقوف في الصف أثناء الجماعة ويغطين أجسادهن ووجوهن، وعندما سألت إحداهن لماذا لم تنضمي إلينا؟ أجابت لأنه لا يصح أن تقف في الصلاة مع من يرتدين “البناطيل”.. هكذا قالتها.. قلت لها ساعتها إن مبادئ الدين تأمرك بأن تقفي بجانبنا ولو رأيتِ نفسك أفضل فعسى أن تقبل صلاتنا بوقوفك بيننا، فأشاحت بوجهها ولملمت رداءها الأسود وفكرها الأكثر سواداً وغادرت.
لست من هواة التعري ولا أنادي بأن نعرض أجسادنا.. الله عز وجل أمرنا بالتغطية الملائمة حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض وما أكثرهم، لكني أتعجب كثيراً لتركيز كل الجهود لتغطية الجسد وترك العقل والروح مهملين.. هل الزي دليل على خلق؟ بالطبع لا.. كم من المحتشمات يأخذونه ستارا لفعل ما يشاؤون.. اتذكر ابنة خالتي منذ سنوات عد ة، كانت معهم فتاة في المدرسة الثانوية هادئة لا تتكلم وترتدي الزي الشرعي، وكانت المفاجأة أنها تم اكتشافها في بيت للدعارة وجاءت أمها للمدرسة تضرب على وجهها غير مصدقة أن ابنتها التي لا تفتح فاها يصدر منها ذلك.. كانت الصاعقة التي وقعت على المدرسة بأكملها، لترن الجرس “المظاهر خادعة”.
هذا منذ سنوات عشرة.. ربما أكثر، فماذا عن الآن؟ تدني مستوى الأخلاق مستمر إلى ما لا نهاية. صديقتي تشكو لي أنها تعمل كمدرسة في مدرسة خاصة للغات، وتم اكتشاف فتيات وفتيان في الحمام يقبلون بعضهم، ووجدوا فتاتين في وضع مخل، وعندما أخذتهم المدرسة لمكتب المدير، جاءت أمها وملأت الدنيا صراخا وعويلا، واتهمت المدرسة بإضطهاد ابنتها، ولعنتها بأفسق الألفاظ، وألقت عليها التهم الأخلاقية، وكانت النتيجة إقرارا وُزع على المدرسة كلها، يطلب من المدرسين عدم التدخل مهما رأوا، ومن رأى شراً فليسكت لكي تستمر الماكينة في دفع النقود، ولتذهب الأخلاق والمبادئ للجحيم.. حاولت الاحتمال ثم اكتشفت أنها ستصاب بالجنون، فقدمت استقالتها لأنها لا تستطيع أن تصمت عن الحق.. الأخلاق لا تهم مادام الأمر في الظلام.. الفضائح هي العدو.. المهم أن الفتاة ترتدي ملابسها بصورة جيدة، ولا يدري أحد بما تفعله.
“أغلقي ساقيكي وأنتِ جالسة”.. “لا تتناولي الآيس كريم”.. “أخفضي صوتك”.. “لا تضحكي بصوت مرتفع”.. هذا ما يركزون فيه.. أن تضعي قفلا على جسدك.. ألا تدخلي أحدا قبل الزواج منطقتك المقدسة، لكن الزواج الداعر الذي هو عبارة عن بيع وشراء و”تثمين” للفتاة يتم بعقد أمام الناس، مقبول تماما، والفتيات المتلونات اللائي يتقن فنون الصمت والتخفي حتى يقع الصيد في الشرك ولا يكتشف البضاعة المعطوبة، هن المفضلات، ويضعهن كل أب كوسام على صدره، فبابنته شريفة عفيفة قطة عمياء.. الفتاة توزن ليس بروحها ولا بأخلاقها.. توزن بمدى تصنعها وردائها، ومدى نقاء صفحتها على الفيس بوك.. أما نقاء سريرتها؟ وورع قلبها؟ فلا أحد يهتم. المهم أنها تسير بين الناس متدثرة لا تتكلم ولا ترغي ولا تزبد.. بكماء صماء مطيعة.. تتبع رجلها في صمت، وتعطيه إحساسا زائفا بالرجولة، بينما تكذب عليه وتحتال لتفعل ما تريد.
كم من مرة وجدت فتاة تكذب في هاتفها وتخبر خطيبها أنها بالبيت، وهي عند صديقتها.. بالنسبة لها هي لا تفعل جريمة، هي ليست مع أحدهم، لكنه هو من اختار أن يتم الضحك عليه وتلبيسه العمامة بامتياز، بالتضييق عليها ومنعها من الخروج.. الفتيات إذا أردن شيئاً لا يستطيع رجل أو جن أحمر أن يوقفهن، لكنهن يتصنعن الضعف والغباء حتى ينفخوا بعض الروح في رجال جبناء ضعفاء تربوا على أن الزوج وظيفته التعليق على ملابسك ومظهرك وتصنع الغيرة ومنعك من الخروج فقط!
أشباه الرجال ممن لا يحملون عظمة رجولة واحدة في أجسادهم، تدربوا على التستر والجبن.. أن يقولوا ما يشاؤون خلف الأبواب، وأن يغلقوا على نسائهم المتاريس.. عدد السيدات اللائي يعشن حياة مزيفة مع زوج لا يطيقونه، ومدعيات الأخلاق في العلن الفاجرات في السر، يساوي عدد سكان الصين للأسف.
الفتاة التي تعيش بلون واحد وتقول ما تفكر به ولا تتلون لتعجب ولا تتصنع لتقاد، هي التي تبتلى بكسر القلب مع شخص ضعيف تربى على أن زجرة من الأهل ترجعه للحظيرة وأنه عندما يختار، فليختر فتاة يوافق عليها كل رأس بالعائلة، بدءً من الأب إلى بواب العمارة.. لابد أن تسير “العروس” وختم ناصع على مؤخرة رأسها بأنها “المختارة” المطابقة للمواصفات القياسية، وإذا عارض الابن، يترك بلا مساعدة مادية ولا معنوية، وينبذ ويهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويسلط عليه سلاح الدين الذي يبرز في المواقف فقط لتهديده بأنه عاق وأن الله (الذين يعرفونه طبعاً أكثر من أي أحد) لن يرضى عن تلك الفتاة المتبرجة المتبجحة التي لا تحترم القواعد المجتمعية الصماء الموضوعة من قبل المكبوتين والمنحرفين والمزيفين حتى يتكسر وينحني ويتزوج المنافقة التي ترتدي القناع، ليقضي بقية العمر مع مانيكان من الجبس ممثلة بامتياز لا يأخذ منها شعورا واحدا صادقا، ولا ضحكة صافية، ويظل يفتقد الأخرى ويراقبها عن كثب ويتمناها ويشتهيها.. سياسة “التجويع” المعتادة والضغط النفسي هي المفضلة في مجتمع أخرق، لكسر إرادة حصان بري وضمه للقطيع حتى ينحني ويوضع السرج على ظهره وينضم لخيل الإسطبل.
في هذا المجتمع تتساءل: لماذا لا يبارك الله لنا؟
نحن قوم عصوا الله في السر، فسلط عليهم نفوسهم في العلن.. أضاعوا أنفسهم فتركوا..
المقال ليس عليك طبعاً عزيزي.. أنت كامل ورائع وابنتك وأختك وحبيبتك نساء فضليات، وأنت تعرف عنهم كل شاردة وواردة وهن يتنفسن بأمر منك.
استمر في التوهم.