عائد الى يافا
هو الآن يرحل عنّا
و يسكن يافا
و يعرفها حجراً.. حجراً
و لا شيء يشبهه
و الأغاني
تقلِّدهُ..
تقلِّد موعده الأخضرا.
هو الآن يعلن صورته-
و الصنوبر ينمو على مشنقهْ
هو الآن يعلن قصَّته-
و الحرائق تنمو على زنبقهْ
هو الآن يرحل عنّا
ليسكن يافا
و نحن بعيدون عنه،
و يافا حقائبُ منسيَّة في مطارْ
و نحن بعيدون عنه ؛
لنا صُوَرٌ في جيوب النساء،
و في صفحات الجرائدِ،
نعلن قصَّتنا كل يوم
لنكسب خصلة ريح و قبلة نار.
و نحن بعيدون عنه ،
نهيب به أن يسير إلى حتفه..
نحن نكتب عنه بلاغاً فصيحاً
و شعراً حديثاً
و نمضي.. لنطرح أحزاننا في مقاهي الرصيف
و نحتجُّ: ليس لنا في المدينة دار.
و نحن بعيدون عنه ،
نعانق قاتله في الجنازة ،
نسرق من جرحه القطن حتى نلمِّعَ
أوسمة الصبر و الانتظار
هو الآن يخرج منا
كما تخرج الأرض من ليلة ماطره
و ينهمر الدمُ منهُ
و ينهمر الحبر منّا.
و ماذا نقول له؟- تسقط الذاكرة
على خنجر ؟
و المساءُ بعيدٌ عن الناصرة!
هو الآن يمضي إليه
قنابل.. أو برتقالهْ
و لا يعرف الحدَّ بين الجريمة حين تصير حقوقاً
و بين العدالة
و ليس يصدِّق شيئاً
و ليس يكذِّبُ شيئاً.
هو الآن يمضي.. و يتركنا
كي نعارض حيناً
و نقبلَ حيناً
هو الآن يمضي شهيداً
و يتركنا لاجئينا!
و نام
و لم يلتجئ للخيام
و لم يلتجئ للموانئ
و لم يتكلَّمْ
و لم يتعلَّمْ
و ما كان لاجئ
هي الأرض لاجئةٌ في جراحه
و عاد بها.
لا تقولوا: أبانا الذي في السموات
قولوا: أخانا الذي أخذ الأرض منّا
و عاد..
هو الآن يُعدمُ
و الآن يسكنُ يافا
و يعرفها حجراً.. حجراً
و لا شيء يشبهه
و الأغاني
تقلِّدهُ.
تقلِّد موعده الأخضرا
لترتفع الآن أذرعةُ اللاجئين
رياحاً.. رياحا.
لتنتشر الآن أسماؤهم
جراحاً.. جرحا.
لتنفجر الآن أجسادهم
صباحاً.. صباحاً.
لتكتشف الأرضُ عنوانها
و نكتشف الأرضَ فينا.
ازف الجيتار المتجول
كان رسّاماً،
ولكنَّ الصُّوَر
عادةً،
لا تفتح الأبواب
لا تكسرها..
لا تردّ الحوت عن وجه القمر.
(يا صديقي ،أيّها الجيتار
خذني..
للشبابيك البعيدة)
شاعراً كان،
ولكنَّ القصيدة
يبستْ في الذاكرة
عندما شاهد يافا
فوق سطح الباخرة
(يا صديقي، أيّها الجيتار
خذني..
للعيون العسليّة)
كان جنديّاً،
ولكنَّ شظيَّة
طحنت ركبته اليسرى
فأعطوهُ هديّهُ:
رتبةً أُخرى
ورجلاً خشبّية!..
(يا صديقي، أيّها الجيتار
خذني..
للبلاد النائمة)
عازف الجيتار يأتي
في الليالي القادمة
عندما ينصرف الناس إلى جمع تواقيع الجنود
عازف الجيتار يأتي
من مكان لا نراهُ
عندما يحتفلُ الناس بميلاد الشهود
عازف الجيتار يأتي
عاريا، أو بثياب داخليّهْ.
عازف الجيتار يأتي
وأنا كدت أراه
وأشمّ الدم في أوتارِه
وأنا كدت أراه
سائراً في كل شارعْ
كدت أن أسمعه
صارخاً ملء الزوابع
حدّقوا:
تلك رجل خشبّية
واسمعوا:
تلك موسيقى اللحوم البشريّة
قاسيم على الماء
وراء الخريف البعيدْ
ثلاثون عاماً
وصورة ريتا
وسنبلة أكملت عمرها
في البريد.
وراء الخريف البعيد
أحبكِ يوماً.. وأرحل
تطير العصافير باسمي
وتُقتلْ
أحبك يوماً
وأبكي
لأنك أجمل من وجه أمي
وأجملْ
من الكلمات التي شرّدتني
على الماء وجهك,
ظلُّ السماء
يخاصمُ ظلّي
وتمنعني من محاذاة هذا المساء
نوافذ أهلي.
متى يذبل الورد في الذاكرة؟
متى يفرح الغرباء؟
لكي أصف اللحظة العائمة
على الماء_
أسطورة أو سماء..
..وتحت السماء البعيدة
نسيتك،
تنمو الزنابق
هناك.. بلا سببٍ
والبنادق
هناك.. بلا غضبٍ
والقصيدة
هناك بلا شاعر
والسماء البعيدة
تحاذي سطوح المنازلْ
وقبَّعة الشرطيَّ
وتنسى جبيني
وتحت المساء الغريبْ
تعذّبنا الأرض،
جسمك يقتبس البرتقال
ويهرب منّي.
أحبّك،
والأفق يأخذ شكل سؤال
أحبّك،
والبحر أزرقْ
أحبّك،
والعشب أخضرْ
أحبّك_ زنبقْ
أحبّك_ خنجر
أحبّك يوماً
وأعرف تاريخ موتي
أحبّك يوماً
بدون انتحار
وراء الخريف البعيد
أمشِّط شعرك.
أرسم خصرك.
في الريح، نجماً.. وعيد
أحبُّك يوماً
أحبُّك قرب الخريف البعيد
تمرُّ العصافير باسمي
طليقه
وباسمي_ يمر النهار
حديقة ،
وباسمك أحيا
أحبك يوماً
وأحيا..
وراء الخريف البعيد.
قتلوك في الوادي
أهديك ذاكرتي على مرأى من الزمنِ
أهديك ذاكرتي
ماذا تقول النار في وطني
ماذا تقول النار؟
هل كنتِ عاشقتي
أم كنت عاصفةً على أوتار؟
وأنا غريب الدار في وطني
غريب الدار..
أهديك ذاكرتي على مرأى من الزمنِ
أهديك ذاكرتي
ماذا يقول البرقُ للسكّينْ
ماذا يقول البرقْ
هل كنت في حطّين
رمزاً لموت الشرقْ
وأنا صلاح الدين
أم عبد الصليبين؟
أهديك ذاكرتي على مرأى من الزمنِ
أهديك ذاكرتي
ماذا تقول الشمسُ في وطني
ماذا تقول الشمسْ؟
هل أنت ميِّتة بلا كفن
وأنا بدون القدسْ؟
طلعتْ من الوادي
يقل تضاءل الوادي وغابْ
وجمالها السرّي لفّ سنابل القمح الصغيرةَ
حلّ أسئلة التراب.
هل تذكرون الصيف يا أبناء جيلي
يا كلّ أزهار الجليل
وكلّ أيتام الجليل
هل تذكرون الصيف يصعد من أناملها
ويفتح كلَّ بابْ.
قالت بنفسجة لجارتها
عطشتُ،
وكان عبد الله يسقيني
فمن أخذ الشباب من الشباب؟
طلعتْ من الوادي
وفي الوادي تموت..
ونحن نكبر في السلاسلْ
طلعت من الوادي مفاجأة
وفي الوادي تموت على مراحل.
ونمر عنها الآن جيلاً بعد جيل.
ونبيع زيتون الجليل بلا مقابل
ونبيع أحجار الجليل
ونبيع تاريخ الجليل
ونبيعها.
كي نشتري في صدرها شكلاً
لمقتولٍ يقاتل
لم أعترفْ بالحبّ عن كَثَبِ
فليعترف موتي
وطفولتي _ طروادة العربِ
تمضي .. و لا تأتي
كلّ الخناجر فيك،
فارتفعي
يا خضرة الليمون
وتوهجي في الليل
واتسعي
لبكاء مَنْ يأُتون
الريح واقفةٌ على خنجرْ
ودماؤنا شَفَقُ
لا تحرقي منديلك الأخضر
الليل يحترقُ
طوبى لمن نامت على خشبهْ
مِلْء الردى.. حيّه
طوبى لسيف يجعل الرقبة
أنهار حريّة !
لم نعترف بالحبّ عن كثب
فليغضب الغضب
نمشي إلى طروادة العرب
والبعد يقترب
لا تذكرينا
حين نفلت من يديك
إلى المنافي الواسعة
أنا تعلّمنا اللغات الشائعة
ومتاعب السّفر الطويل
إلى خطوط الاستواء
والنوم في كل القطارات البطيئة والسريعة
والحبّ في الميناء..
والغزل المعدّ لكل أنواع النساء
أنا تعلّمنا صداقة كل جرح
ومصارع العشاق
والشوق المّلعب
والحساء بدون ملح
_يا أيّها البلد البعيد
هل ضاع حبّي في البريد؟
لا قبلة المطاط تأتينا
ولا صدا الحديد
كلّ البلاد بلادنا
ونصيبنا منه.. ابريد !
لا تذكرينا
حين نفلت من يديك
إلى السجون
أنّا تعلمنا البكاء بلا دموع
وقراءة الأسوار والأسلاك والقمر الحزين
حرية..
وحمامه..
ورضا يسوع.
وكتابة الأسماء:
عائشة تودّع زوجها
وتعيش عائشة..
تعيش روائح الدم والندى والياسمين
_يا أيّها الوجه البعيد
قتلوك في الوادي،
وما قتلوك في قلبي
أريدك أن تعيد
تكوين تلقائّيتي
يا أيّها الوجه البعيد!
ولتذكرينا..
حين نبحث عنك تحت المجزرة
وليبقَ ساعدك المطلُّ على هدير البحر
والدم في الحدائق
وعلى ولادتنا الجديد هز.
قنطرهْ!
ولتبق كلُّ زنابق الكفِّ النديَّةَ
في حديقتها
فأنّا قادمون
من يشتري للموت تذكرة سوانا
اليوم.. مَنْ!
نحن اعتصرنا كلَّ غيم خرائط الدنيا
وأشعار الحنين إلى الوطن
لا ماؤها يروي
ولا أشواقها تكوي
ولا تبني وطنْ.
ولتذكرينا
نحن نذكرك اخضرارا طالعاً من كل دم
طين ..ودم
شمس ..ودم
زهر ..ودم
ليل ..و دم
وسنشتهيك_
وأنت طالعة من الوادي
ونازلةٌ إلى الوادي
غزالاً سابحا في حقل دم
دم
دم
دم..
يا قبلة نامت على سكّينْ
تفّاحةَ القُبَلِ
من يذكر الطعم الذي يبقى_
ولا تبقي_
كحديقة الأملِ!
_أنّا كبرنا أيّها المسكين
قالت لي الدنيا.
_ وحبيبتي؟
"لا يكبر الموتى
_وأقماري؟
سقطت مع الدارِ"
يا قبلة نامت على سكّين
هل تذكرين فمي؟
أني أحبُّك حين تحترقين
هل تحرقين دمي!
كالزنبق اللاذع
وأُحبّ موتك حين يأخذني
إلى وطني
كالطائر الجائع
يا قبلة نامت على سكّينْ
البرتقال يضيء غربتنا
البرتقال يضيءْ
والياسمين يثير عزلتنا
والياسمين نريءْ
يا قبلة نامت على سكّين
تستيقظين على حدود الغدْ
تستيقظين الآنْ
وتبعثرين الساحل الأسود
كالريح والنسيان
يا قبلة نامت على سكّين
كَبُرَ الرحيلْ
كبر اصفرار الورد يا حبي القتيلْ
كبر التسكّع في ضياء العالم المشغول عنِّي
كبر المساء على شوارع كل منفى
كبر المساء على نوافذ كل سجن
وكبرت في كل الجهات
وكبرت في كل الفصول..
وأراكِ
تبتعدين.. تبتعدين في الوادي البعيد
وتغادرين شفاهنا
وتغادرين جلودنا
وتغادرين..
وأنت عيد
وأراكِ
أشجار النخيلْ
سقطت.
وماذا قال عبد اللّه؟
-في الزمن البخيل
يتكاثر الأطفال والذكرى وأسماء الإله
وأراكِ
كل يد تصيح هناك آه
كنّا صغاراً
كانت الأشياء جاهزة
وكان الحبّ لعبه.
وأراكِ
وجهي فيك يعرفني
ويعرف كلّ حبّه
من شاطئ الرمل الكبير
وأنت تبتعدين عني
والموت لُعْبَهْ..
وأراكِ..
أحنتْ غابة الزيتون هامتها
لريح عابرهْ
كل الجذور هنا
هنا
كل الجذور
الجذور
الصابرة
فلتحترق كل الرياح السود
في عينين معجزتين
يا حبي الشجاع
لم يبق شيء للبكاء
إلى اللقاء
إلى اللقاء
كبرت مراسيم الوداع
والموت مرحلة بدأناها
وضاع الموت
ضاع
في ضجة الميلاد
فامتي
من الوادي إلى سبب الرحيل
جَسَداً على الأوتار يركض
كالغزال المستحيل..
مرة أخرى
مَرةّ أُخرى
ينامُ القَتَلَة
تحت جلدي
وتصير المشنقة
عَلَماً
أو
سنبلهْ
في سماء الغابة المحترقة
حَذَفَ الظل يديها من جبيني
فاختبأنا في الظهيرة
مرَّةً أُخرى
يمرّ العسكريّ
تحت جلدي
مرة أُخرى
يُواري شفتيّ
في تجاعيد النشيد الوطني!
حذف الظلُّ يديها من جبيني
فاختبأنا في الظهيرة
مرَّةً أُخرى
يفر الشهداءْ
من أغاني الشعراءْ
مرةً أخرى
نزلت عن صليبَينْا
فلم نعثر على أرض
ولم نبصر سماءْ
حذف الظلُّ يديها من جبيني
فاختبأنا في الظهيرة
مرَّةً أُخرى
اتّحدنا
أنا والقاتل والموت المعاد
أصبحت حريَّتي عبئاً
على قلبي
وعيناها منافي وبلاد
مرة أخرى
يضيع الماء في الغيم
ونُدعى للجهاد !..
حذف الظلُّ يديها من جبيني
فاختبأنا في الظهيرة
قتلوها في الظهيرة
بدلاً مني ,
ولم يعتقلوني
مرةً أُخرى
لأنَّ القتلة
تحت جلدي..