ركيب (ما إن ..... حتى ......) أهو فصيح ؟ أأصابه تغيير؟
تركيب فصيح، ما نافية، وإن زائدة لتوكيد النفي، وحتى حرف جر والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة، والمصدر المؤول مجرور بحتى والمعنى : ما .... إلى . أي انتفاء الفعل الأول إلى وقت حدوث الفعل الثاني.
وثمة اختلاف لطيف بين استعمال القدماء واستعمال المحدثين، إذ يشربها المحدثون معنى المفاجأة، كأن يقول أحدهم مثلا: ما إن فتحت الباب حتى وجدته أمامي، والمعنى الذي يريده: فتحت الباب فإذا هو أمامي، أو يشربونها معنى ترتب الفعل الثاني على الفعل الأول وإعقابه له، فإذا حدث الأول ترتب على ذلك حدوث الفعل الثاني مباشرة، ترتب الشرط على الجواب، هذا عند المحدثين، وهو استعمال غير فصيح بمعنييه السابقين.
أما القدماء فيعنون انتفاء ما بعد (ما إن) إلى ما بعد حتى، كأن تقول: ما إن ركبت طائرة حتى بلغت أربعين سنة، فانتفاء ركوب الطائرة استمر حتى بلوغ الأربعين. وليس بلوغ الأربعين مترتبا على ركوب الطائرة ولا مفاجئا بعده.
استعمال المحدثين يفهم منه حدوث الفعل الأول قبل الثاني، واستعمال المحدثين يفهم منه حدوث الأول -إن حدث- بعد الثاني وهو منتف قبله.
لو قال قائل: ما إن ضربت زيدا حتى ضربني.
لفهم منها القدماء لم أضرب زيدا إلا بعد أن ضربني؛ أي إن زيدا ضرب أولا.
ولفهم منها المحدثون: (بمجرد أن) ضربت زيدا ضربني، أي ضربته فكان رده سريعا وضربني. أي إن زيدا لم يبدأ الضرب. وهذا عكس فهم القدماء.
ومن شواهد استعمالهم هذا التركيب:
ما إن صرمتُكِ حتى قلتِ معلنةً ... لا ناقةٌ ليَ في هذا ولا جملُ
ما إن شعرت ولا سمعت ببينهم ... حتى سمعت به الغراب ينادى
ما إن طمعنا بها ولا طمعت ... حتى التقينا ليلاً على قدر
ما إِن بَصُرْتُ بزاخرٍ في شامخٍ ... حتى رأَيتك جالساً في الدُّملوة
ما إنْ أَرَدْنَا وِصَالَ غَيْرِهِمُ ... حَتَّى جَفَوْنَا وَنَحْنُ نَتْبَعُهُمْ
ما إن رأى روحي تحنُّ لقربهِ ...حتى تعجل بالبعادِ فراقها
ما إن يؤوب ولا ترجوه أسرته * إلى القيامة حتى ينفخ الصور
والله أعلم.