ستؤلمك هذه القصة، لكنك ستجد نفسك مجبراً على قراءتها حتى النهاية، خصوصاً وأنك لن تقرأ قصة كهذه في وسائل الإعلام، غربية المنشأ أو غربية الهوى، التي تمتلئ بقصص ملحمية عن تسامح الغرب وصدره الواسع، وعطفه على اللاجئين والغرباء، على الرغم من تعرضه للإرهاب الداعشي، وستكتشف أن قصة مؤلمة كهذه لو كانت حدثت في مجتمعاتنا العربية المسلمة، لقامت الدنيا ولم تقعد في بلاد الغرب، ولوجدت ألف من يبكي على ضحاياها، لكنها حين تحدث في الغرب المنافق تلقى صمتا مطبقا مخجلا، لمجرد أن ضحيتها ينتمي إلى أمتنا وديننا. الحكاية وما فيها، ودعنا، يا سيدي، نؤجل أسماء الضحايا، وأماكن وقوع الأحداث، حتى النهاية، أن شاباً مسلماً هاجرت أسرته من سنين طويلة إلى دولة أوروبية، واستقرّت في أحد مدنها، أوقعه عبث الأقدار في هوى جارة له، كانت بينهما مشاعر إعجاب قديمة منذ صغرهما، لكنها تطورت إلى حب جارف، بعد أن تطلقت من زوجها، وعادت لتسكن مع أسرتها، ومع أن العلاقة بدأت نزوة عاطفية، إلا أن مرور الوقت أثبت أنها لم تكن كذلك، فقد تأكد للشاب والسيدة أن حبهما لم يكن مجرد طيش سيمحوه الوقت، وأنهما لا يرغبان من الدنيا سوى أن يعيشا سوياً، لكن إتمام ذلك برضا أهليهما كان مستحيلاً، لأن أسرة الجارة متدينة جداً، وكانت سترفض زواج ابنتها المسيحية بمسلم، أياً كانت مزاياه ومحاسنه، وأن ما هو مطلوب منها أن تقنع بفشل زيجتها، وتربي طفلتها التي أنجبتها من زواجها الفاشل، حتى يأتيها زوج مناسب من دينها. استبد الحب بالاثنين، فجعلهما يتصوّران أن الحب وحده يكفي لصنع السعادة، ولذلك، عرضت الجارة على جارها أن تترك أهلها، بل وتترك ابنتها لدى أهلها، إذا لزم الأمر، وتسافر معه إلى مدينةٍ بعيدةٍ ليتزوجا هناك، بل وأبدت استعدادها، لأن تغير دينها إلى دينه، ربما لأنها كانت معقدة من تشدد أهلها، أو لأنها اقتنعت بدين حبيبها، وأحبته من خلاله، أو لأنها كانت في حالة عاطفية جياشة، لم تسمح لها باتخاذ قرار محسوب العواقب، والشاب كان أيضا مستلباً نحو هواه، فلم يفكّر في عواقب فعل كهذا، أو لعله لم ير فيه فعلاً شنيعاً. ولذلك، وافقها في رغبتها. وبالفعل، ترك الاثنان المدينة التي تعارفا فيها، وهربا بحبهما نحو أرضٍ جديدة، وهناك تزوجا وعاشا صنوف الهناء، وكافحا من أجل بناء حياة سعيدة، سرعان ما انضم إليها طفلان، زاداها هناءً وبهجة. لكن تلك الحياة السعيدة انهارت فجأة، كما بدأت فجأة، بعد أن اتخذت زوجة الشاب قراراً متسرعاً، وعادت لزيارة بعض معارفها في مدينتها السابقة. وهناك، وبمصادفةٍ لا تحدث إلا في السينما أو في الواقع، شاهدتها ابنتها من زواجها الأول، فتعرّفت عليها، على الرغم من تغير شكلها، وارتدائها الحجاب، فأبلغت جدّها بما رأته، ليذهب أهل السيدة إلى المنزل الذي عرفوا بوجودها فيه، ويأخذوها منه بالقوة، ويتم اصطحابها إلى منزل شقيقها في منطقة نائية، وليقول لها أبوها إنه فعل ذلك عامداً، ليحميها من عمها المتعصب العنصري الذي أقسم على أن يقتلها هي وزوجها، ثأراً من العار الذي لطخت به الأسرة. وبعد عشرة أيام، اتضح أن ما رواه الأب لم يكن مبالغة، بل كان خطراً محدقاً بها، وهو ما أدركته، بعد فوات الأوان، وإلا لكانت قد حاولت الهروب، واللجوء إلى الشرطة. بعد فترة قصيرة، وقعت الشابة في يد عمها وأبنائه، في غياب أبيها وأخيها عن المنزل الذي ظلوا يراقبونه، فأخذوها إلى منزلهم بالقوة. وهناك، فوجئت بوجود شقيقها وشقيقتها الصغرى، قبل أن تكتشف أن عمها أقنع شقيقيها بضرورة قتلها، وتفاجأ بأن أختها الصغرى هي التي ستذبحها بالسكين بيديها، لكي تغسل عارها، وليكون ذلك عبرةً لها، حتى لا تفعل ما فعلته أختها في المستقبل، ولم يشفع للشابة أنها أعلنت عودتها إلى دينها، قبل أن يتم ذبحها، لتُدفن بعدها في مكان بعيد عن المدينة. وكان يمكن أن يظل مصيرها مجهولاً إلى الأبد، لولا أن والدها، حين اكتشف الأمر، أحزنه ما جرى لابنته، فقرّر أن يبلغ الشرطة عن شقيقيها وعمها وأبنائه، ليبدأ البوليس التحقيق في القضية، ويكتشف صحة بلاغ الأب. وللأسف الشديد، تم التعتيم على القضية، فلم يتحرك أي مسؤول رسمي في تلك الدولة الأوروبية لاستنكاره، ولم يخرج رجال الدين الرسميون لإدانته، والتبرؤ علناً من علاقة فعل وحشي كهذا بالدين، ولم تهتم برامج التلفزيون والإذاعة وتحقيقات الصحف الرسمية بتغطية القضية ومتابعتها، لكي لا تستثير مشاعر الأغلبية المسيحية التي ستعتبر الشابة جانيةً على نفسها، لأنها تركت ابنتها ودين آبائها من أجل عواطفها ونزواتها. لن تصدق، طبعا، لو قلت لك إن أهل القتيلة لم يكتفوا بما فعلوه، بل أجبروا الشاب المسلم المهاجر وعائلته على أن يغادروا مدينتهم فوراً، وإلا تعرّض للقتل، هو وطفلاه، فاضطر لأن يفر بنفسه وبطفليه، بعد أن أقنعه أقاربه ومعارفه بأهمية أن ينسى فكرة الحصول على حق زوجته القتيلة بالقانون، لأن أجهزة الدولة ستتواطأ ضده، ولأن زوجته فقدت كل حقوقها الإنسانية، حين قرّرت أن تترك دينها، وهو لم يجد أمامه بداً من النزول على رأي أقاربه ومعارفه، لأنه يدرك أنه يعيش في مجتمعٍ منافق، لا يؤمن إلا بفكرة القوة التي تزداد بطشاً، حين تستند إلى الدين، وأن هذا المجتمع الذي يتحدّث، طوال الوقت، عن حرية الاعتقاد وسماحة الدين وعدالة المؤمنين به لا يمكن، في وقت الجد، أن يكفل حرية المعتقد، ولا أن يعصم الدم، ولو حتى من باب التسامح الإنساني مع من يرى المجتمع أنه أخطأ، ليتضح أن كل قيم التدين وشعارات التسامح والرحمة ليست سوى قشرة، تخفي خلفها ممارسات بدائية منحطة. إذا كنت لم تقرأ تفاصيل هذه الواقعة من قبل، أظنك، الآن، تسب نفاق المجتمع الغربي، وتلعن ظلمه، وعلى الرغم من أن المجتمعات الغربية لا تخلو من الظلم، وليست بريئة من النفاق والمعايير المزدوجة والكيل بمكيالين، خصوصاً حين يتعلق الأمر بضحايا لا يحملون جنسياتها، إلا أنه يؤسفني إخبارك أن هذه الواقعة البشعة حدثت بحذافيرها في مصر، وأن القتيلة، كما ذكرت صحيفة التحرير قبل أيام، شابة مصرية اسمها مروة، تبلغ 26 عاماً، دفعت حياتها ثمنا لهروبها مع شاب مسيحي من مدينة طامية بالفيوم إلى الإسكندرية، ولولا حزن والدها على ما جرى لها، لما تم اكتشاف الجريمة التي ارتكبها عمها وأبناؤه، ونفذها شقيقها وشقيقتها الصغرى التي شاركت في ذبحها، صوناً للشرف وإعلاءً للدين. سأتفق معك، بالطبع، لو قلت لي إن جريمة بشعة كهذه يمكن أن تحدث في أي مجتمع، مهما بلغ تقدمه، فكل مجتمعات الدنيا مليئة بالمهاويس والمتعصبين، لكنني سأختلف معك بشدة وبحدّة، لو زعمت أن هناك دولة تحترم نفسها يمكن أن تسمح بامتداد آثار الجريمة، لكي لا تصيب فقط زوج القتيلة وطفليه، بل وتمتد إلى زوجها وأسرته التي تم إجبارها على بيع منزلها ومغادرة القرية للأبد، بعد اتفاقٍ اشتركت فيه القيادات الأمنية والتنفيذية في المحافظة. وبالتأكيد، أنهى الجميع الجلسة العرفية التي أمضت العقوبة، وهم سعداء لأنهم منعوا الفتنة، وساهموا في استتباب الأمن، ومن يدري، لعلهم ذهبوا بعدها إلى صلاة الجمعة، ليستمعوا إلى الخطيب المفوه الوسطي، الذي يشيد بدين الرحمة والإنسانية والتسامح، ويلعن الغرب الكافر الظالم المنافق الذي يوقع العقوبات الجائرة على جميع المسلمين، بسبب ما فعلته فئة ضالة منهم، مع أن الله في محكم كتابه يقول "ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى". -