حنان كمال
أحيانا افكر في أنني ابني أسطورتي بدأب, وأنا ابث على مواقع التواصل الاجتماعي تلك الصور التي تحمل جزء من روحي على جمهور واسع, ابدو كنبي يحمل بشارة الأمل, اخاف من كل هذا الضوء , ماذا لو تعثرت قدمي وأنا اؤدي رقصة الأمل؟
ليت أمي علمتني أن اخاف من الغرباء, كانت طيبة حد السذاجة تبتسم في وجه الجميع, تطوي ألمها الصغير وتحوله لفراشات من المحبة، احبت كل من حولها, احبت أبي واحبت أخوتها وأقاربها وجيرانها وأبناء الجيران, وبائعي الخضر على ناصية الشارع, ليت أمي علمتني قليلا من مهارات إغلاق الباب، لكنها لم تفعل, فورثت عنها تلك المحبة مفرطة الاتساع.
لست درويشة وليتني كنت حقا, فكيف اكون درويشة بروحي المثقلة بالتعلق بالدنيا, ليتني منحت حقا حرية أرواحهم, تطفو هكذا خفيفة لا يثقلها أمل ولا متاع ولا سعي, مازلت معلقة بالأمل والمتاع والسعي, سأكون درويشة حقا حين يتوقف قلبي عن البحث عن البهجة خارج حجراته, حين يكتفي بنور الطريق, ساعتها ربما انجح أن أكون درويشة حقا.
تطوف حول عيني فراشات ملونة , لا ادرك هل هي تدلني على الطريق أم أنها تشغلني عنه, لا ادري هل أنا اسير حقا على طريق المحبة أم لعله الزهو مرة أخرى يملأ قلبي بالهواء, هل ألوك الهواء يا ربي, هل انتفخ باللاشيء, إنها شعرة تفرق بين طريق المحبة العامر بروح الله وطريق الهواء الذي تضيع فيه أرواحنا, تتبخر, تأول إلى اللاشيء, وأنا لا اخاف إلا من هذا اللاشئ.
ها أنا ذا اعود لتعاليم أبي القديمة, علمني أبي ملاحقة الزمن, منذ نعومة أظافري كنت اجلس لإنجاز دروسي وعيني معلقة على ساعة حائط في أعلى حائط حائل اللون, فقير إلا من دقات الزمن, اعلق عيوني على دقات الساعة لاحسب الوقت الذي سأمنحه للكتب والدروس, بين ساعة وأخرى اعطي نفسي خمسة دقائق على سبيل الاستراحة, بينما كان أبي يجلس بجواري صابرا لثماني ساعات أو أكثر كي يعلمني فضيلة الصبر, مر زمن طويل ساعدتني فيه وصفة أبي على إنجاز فروض الحياة, صرت التهم الوقت لأن الله سيسألني عن عمري فيما افنيه.
حين قابلت زوجي أحمد نصر، تعلمت الاسترخاء, توقفت عن حساب الزمن, بمحبته صار الزمن جميلا جدا.. جميلا حتى بدا وكأنه عصي على العد.
لا اعلم لماذا اعود اليوم لفروض أبي, اعاود حساب الزمن بقسوة, ارقب المنجزات, لا اعلم هل هذه إشارة لقرب الرحيل أم أن مواجهة الموت هي التي دفعتني لحساب الزمن بقسوة قبل أن ينفذ, إلا أن المحصلة النهائية هي أن الدراويش لا يحسبون الزمن ولا يعدون الدقائق.
للدراويش زمنهم الخاص، لا يقلقهم مسارنا اليومي, ولا تلك البؤر الزمنية التي تبتلعنا, الدراويش لا يصارعون الزمن، بل يعانقونه بمحبة, ليتني كنت درويشة حقا فلا تؤلمني تلك السنوات التي فلتت كحبات عقد شاردة, تدور كبنادول ساعة حول ابتلاءات لا تنتهي, اتأمل الزمن الذي مضى وتركني على اعتاب الكهولة, بشعر رمادي اتفنن في إخفاء شيبه, لو كنت درويشة حقا لما تفننت ولا اخفيت ولا اهتممت, لو كنت درويشة حقا لحسوت تلك السنوات المتطايرة من عمري كحبات مطر ببهجة طفلة صغيرة.