يقول أمل دنقل في "مراثي اليمامة":
صار ميراثنا في يد الغرباء
وصارت سيوف العدو: سقوف منازلنا
نحن عباد شمس يشير بأوراقه نحو أروقة الظل
إن التويج الذي يتطاول:
يخرق هامته السقف
يخرط قامته السيف
إن التويج الذي يتطاول
يسقط في دمه المنسكب
نستقي ـ بعد خيل الأجانب ـ من ماء آبارنا
صوف حملاننا ليس يلتف إلا على مغزل الجزية
النار لا تتوهج بين مضاربنا
بالعيون الخفيضة نستقبل الضيف
أبكارنا ثيبات
وأولادنا للفراش
ودراهمنا فوقها صورة الملك المغتصب
نستقي -بعد خيل الاجانب- من ماء آبارنا
صوف حملائنا ليس يلتف لا على مغزل الجزية,
النار لا تتوهج بين مضاربنا
بالعيون الخفيضة نستقبل الضيف
أبكارنا ثيبات..
وأولادنا للفراش..
ودراهمنا فوق صورة الملك المغتصب..
أيادي الصبايا الحنائن تضم على صدره نصف ثوب
وتبقى عيون طكليب" مسمرة في شواشى الجنائن.
أسائل:
من للصغار الذين يطيرون -كالنحل- فوق التلال؟
ومن للعذارى اللواتي جعلن القلوب:
قوارير تحفظ رائحة البرتقال؟
ومن سيروض مهر الخيال؟
ومن سيضمد -في آخر الصيد- جرح الغزال؟
ومن للرجال..
أذا قيل "ما نسب القوم"؟
فانسكبت في خدود الرمال دموع السؤال؟
بنات أبي -الزهرات الصغيرات- يسألنني:
لم أبكي أبي!!
ويبكين مثلي,
ويخلدن للنوم حين أغالب دمعي,
وأروي لهن الحكايا
عن الملك النسر
والملك الثعلب
فان نمن.. جاء أبي.. ليهز الأراجيح..
يلمس وجناتهن..
ويعطي لهن اللعب..
ويمضي.. وعيناه مسبلتان..
وساقاه تشتكيان التعب..
أبي ظامئ يا رجال
أريقوا له الدم كي يرتوي
وصبوا له جرعة جرعة في الفؤاد يكتوي
عسى دمه المتسرب بين عروق النباتات,
بين الرمال..
يعود له قطرة قطرة..
فيعود له الزمن المنطوي..
خصومة قلبي مع الله .. ليس سواه
أبي أخذ الملك سيفا لسيف, فهل يؤخذ الملك
منه اغتيالا,
وقد كللته يدا الله بالتاج؟!
هل تنزع التاج الا اليدان المباركتان,
وهل هان ناموسه في البرية
حتى يتوج لص.. بما سرقته يداه؟
خصومة قلبي مع الله..
اني
أنزه سهم منيته أن يجيء من الخلف,
ان الذي يطلق السهم ليس هو القوس..
بل قلب صاحبه,
والذي يجعل النفس تستقبل الموت راضية.. نبل واهبه,
فأنا أرفض الموت غدرا..
فهل نزل الله عن سهمه الذهبي لمن يستهين به
هل تكون مكان أصابعه.. بصمات الخطاه؟؟
خصومة قلبي مع الله .. ليس سواه!
كليب يموت..
ككلب تصادفه الفلاة؟
اذن فلماذا كسا وجهه الصورة الآدمية؟
هل كرم الله انسانه؟
مات من مات كلبا.. فأين ذهب الآدمي الذي
قد براه؟
خصومة قلبي مع الله
قلبي صغير كفستقة الحزن.. لكنه في الموازين
أثقل من كفة الموت,
هل عرف الموت فقد أبيه,
هل أغترف الماء من جدول الدمع,
هل لبس الموت ثوب الحداد الذي حاكه.. ورماه؟
خصومة قلبي مع الله
اين وريث أبي؟
ذهب الملك,
لكن لأسم أبي حق ان يتناقله ابنه عنه
فكيف يموت أبي مرتين؟
أيتها الأنجم المتلونة الوجه:
قولي له:
قد سلبت حياتين..
أبق حياه..
ورد حياه..
خصومة قلبي مع الله.
هذا الكمال الذي خلق الله هيئته,
فكسا العظم باللحم,
ها هو: جسما -يعود له- دون رأس,
فهل تتقبل بوابة الغيب من شابه العيب,
أم ان وجه العدالة:
أن يرجع الشلو للأصل,
أن يرجع البعد للقبل,
أن ينهض الجسد المتمزق مكتمل الظل
حتى يعود الى الله.. متحدا في بهاه؟
يجيء أخي
هل عباءته الريح؟
هل سيفه البرق؟
هل يتمنطق فوق جواد السحاب؟
يجيء أخي!
غافلا عن كتاب المواريث
عن دمه الملكي,
عن الصولجان الذي صار مقبضه العاج:
رأس غراب!!
يجيء أخي
( كان يعرفه القلب 1)
أقذف تفاحة
يتصدى لها وهو يطحنها بالركاب!
(هي الخطأ البشري الذي حرم النفس فردوسها
الأول المستطاب)
أثنى, فأقذف تفاحة..
تستقر على رأس حربته!
( أيها الوطن المستدير.. الذي تثقب الحرب عذرته
بالحراب)
.. وتفاحة تتلقفها يده!
( هي جوهرة الملك,
جوهرة العدل,
جوهرة الحب..
فالحب آب!)
قلوب ثلاثية شارة الزمن القديم المستجاب
قفوا يا شباب!
لمن جاء من رحم الغيب,
خاض بساقيه في بركة الدم
لم يتناثر عليه الرشاش,
ولم تبد شائبة الثياب!
قفوا للهلال الذي يستدير..
ليصبح هالات نور على كل وجه وباب!
قفوا يا شباب!
كليب يعود..
كعنقاء أحرقت ريشها
لتظل الحقيقة ابهى..
وترجع حلتها - في سناء الشمس .. أزهى
وتفرد أجنحة الغد..
فوق مدائن تنهض من ذكريات الخراب!!