سُمّي شاعرَ الألفيةِ الجديدةِ من قبل الأكاديمية الملكية البريطانية للكتابةِ الإبداعيةِ، وذلكَ تقديراً لمساهمتهِ في تشكيلِ وإثراءِ المشهدِ الشعري المعاصرِ، واحتفاءً بمجموعتهِ الشعرية «قتل الوقت» عام 1999 والتي هي عبارةٌ عن قصيدةٍ واحدةٍ مكونةٍ من ألفِ سطر. بعد ذلكَ بعامٍ واحدٍ فقط، مُنِحَ شرف «رتبة الإمبراطورية البريطانية أو سي بي إي» من قبلِ الملكةِ إليزابيث التي تمنحها كلَّ عامٍ لمناسبةِ عيدِ ميلادها لأهمِّ الشخصياتِ العامةِ في كلِّ المجالات.
وُلِدَ سايمن آرمتج في عام 1963 في قرية «مارزدِن» ويعيش في «ويست يوركشير». دَرَس الجغرافيا في جامعة بورتسمث ثم حصلَ على شهادة ماجستير من جامعة مانشستر. عمل حتى عام 1994 «شرطياً ــ مراقب سلوك» في «غرايتر مانشستر» قبلَ تفرغهِ للكتابةِ والتدريسِ الجامعي، حيثُ هو الآنَ بروفسور مادةِ الشعرِ والكتابةِ الإبداعيةِ في جامعة شيفيلد هالام. «انطلق بسرعة»، مجموعتهُ الشعريةُ الأولى صدرتْ عام 1989 ثم تبعها «زاندو» 1992، «فتى» 1992، «كتابُ المطابقات» 1993، «قصائد البحر الميت» 1995، «قصائد مختارة» 2001، «الصرخة» 2005، «فجأةً» 2008. آخر إصداراته «طيارةٌ من ورق» صدرَ أواخر عام 2014 وهو عبارةٌ عن قصائدَ مختارة من كل مجموعاتهِ الشعريةِ، أما مجموعتهُ الشعريةُ الأحدث والأكثر ترقباً من قبل النقادِ، فهي «السائر وحده» وستصدر هذا الصيف عن دار نشر «فايبر آند فايبر».
لأرمتج كتبٌ عدة ٌفي الروايةِ والمسرحِ وأدبِ الرحلاتِ أيضاً، هذا بالإضافةِ إلى أعمالهِ المكتوبةِ للراديو والتلفزيون والتي حققتْ له شهرةً واسعةً في بريطانيا. كتابهُ الأشهر، ربما، هو «السير إلى البيت» صدر عام 2012 وهو عبارةٌ عن رحلةٍ على طول 256 ميلاً عبر طريقٍ يُسلكُ عادةً من الجنوبِ إلى الشمالِ يعرفُ بطريق «بيناين». قررَ آرمتج أن يسيرهُ في الاتجاهِ المعاكسِ خاويَ الجيبين تماماً، ومتعيشاً على التبرعاتِ التي يحصلُ عليها بعد أمسياتهِ الشعريةِ في مواخيرِ وكنائسِ القرى والأريافِ التي مرَّ بها سيراً على الأقدام. الكتاب تسجيلٌ جديدٌ للأرواحِ الهائمةِ في الحقولِ، وهو أيضاً رصدٌ طريفٌ لوجوهِ الناسِ قبل قلوبها، وحياتهم في الأريافِ في عالمٍ بعيدٍ كلَّ البعدِ عن كل «رفاهيات الحياة المعاصرة» من إنترنت وهواتف محمولة وغيرها.
آرمتج شاعرٌ مثابرٌ وغزيرٌ وعضو تحكيم في معظمِ الجوائزِ الأدبيةِ في بريطانيا، وهو أيضاً «حصَّاد» جوائزَ كانت أولاها جائزة «إيرك غريغوري» عام 1988 وآخرها جائزةُ مجمَّع الشعر 2010 وما بينهما الكثيرُ الكثيرُ من التقديراتِ من كل حدبٍ وصوب. وبالرغمِ من كلِّ هذه الشهرةِ، يصرُّ آرمتج على إخلاصهِ لـ»الجنون الأول والأكثر غزارةً» ويضيفُ إن «النثر يملأُ الكأس إلا أن الشعر يحتلها» ويعترفُ في لقاءٍ لي سريعٍ معه بأنهُ «يستغلُّ فتراتِ العزلةِ القليلةِ ليدون ملاحظاتٍ أعملُ على تحويلها إلى قصائد في ما بعد» بسببِ ضيقِ الوقت. هنا إطلالة على ستِّ قصائدَ لهذا الشاعرِ «المحترف» الذي «يأكلُ ويشربُ الشعر»إنما ــ ممازحاً ــ «لا ينامُ معه».
ثَلْجٌ
للتوِّ قامتِ السماءُ
بتوصيلِ رسالتها الفارغة.
الأرضُ البورُ في غيبوبةٍ.
الثلجُ، كماءٍ نائمٍ،
صمتٌ مشفَّرٌ
ليربكَ كل ذلكَ الضجيجِ،
ليوقفَ الحركةَ عن الحركة،
حتى الوقتُ ثابتٌ.
ما الذي يعنيه
أن ماءً بلا لونٍ
يستطيعُ أن يحلمَ
بكل هذا العمقِ من البياضِ؟
علينا أن نستغلَّ
الضوءَ.
غنَّت النجومُ
فوق قممها الكريستاليةِ.
طائرُ «الفيزينت» الغريب وغير الطبيعي
يختالُ وينزلقُ.
ثلجٌ، ثلجٌ، ثلج
هكذا يتكلمُ الثلجُ،
هكذا تُقْرأُ صفحتهُ النظيقةُ.
ثم يستيقظُ، ويذوبُ،
وينتحبُ.
مَطَرٌ
اِبْتهج
بدموعِ الماءِ العذبِ هذهِ،
بكل قطرةٍ لؤلؤيةٍ
بعضها رصاصاتٌ مالحةٌ قديمةٌ
رُفِعت بالطائراتِ من قلبِ الأمواجِ،
ثم غُسِلتْ وصُفِّيت،
أُعيْدتْ خَرَزاً ناعماً
ثم أُوْدعت البحرَ من جديدٍ.
لا تكْترثْ
إنْ قصفَ المطرُ أو انهمرَ بغزارةٍ،
فليسَ خطباً جللاً
أن تمسكَ قطرةً
وتضعها نظيفةً في الفمِ،
أن تضعَ قطرةً
فوق اللسانِ، لتتذوقَ
غبارَ طلعِ الغيمِ،
قمحَ السماواتِ،
الفضاءَ النيِّئَ.
دعها تنهمر، هنا في الأعلى
حيثُ مقدمةُ العقلِ
تقطِّرُ
مقتلةَ العالمِ.
رَذاذٌ
على من يبكي الرذاذُ؟
ماذا يعني،
كل هذا القربِ،
يتجمَّعُ هنا
على أرضٍ مرتفعةٍ
بينما كنتَ مُديراً ظهركَ إلى الوراءِ،
يشدُّ ستائرهُ،
شاشةٌ فضيةُ اللون وبلا ملامح، الرذاذُ
هو ماءٌ
في حالةِ شَبَحٍ،
كل أجزائهِ غائرةٌ للداخلِ،
يحبسُ نَفَسهُ الحليبي،
موشِّحاً الآلات النابضةَ
في المدنِ العظيمةِ
تحتَ قدميكَ،
مطُوِّقاً إياكَ
داخلَ أسوارِ هذه اللحظاتِ،
في ضدِّ الحديقةِ
المصنوعةِ من حصىً وبقايا أسمدةٍ.
مع مرورِ الوقتِ
حافةُ وجودكَ
ستتسرَّبُ
إلى الفرو غيرِ الليفي،
أنتَ الآنَ ضائعٌ، هائمٌ
في ماءٍ معلَّقٍ من عنقهِ وهواءٍ مشوَّشٍ،
لكنكَ هنا، في مكانكَ.
نَدى
الهدئةُ المتوترةُ
لنهايةِ الصيفِ،
الأسلاكُ الكهربائيةُ الحساسةُ
لهذا العشبِ القاحلِ،
رؤوسُ عشبِ البركِ والقصبِ،
أي شجرة
مِلاطٌ مَطْليٌّ
من الحطبِ الجاهزِ، شعلةٌ واحدةٌ
كافيةٌ لتشعلَ
مسيرةً فوقَ الأرضِ
بلهبٍ يتدرَّجُ.
الندى يدْخُلُ الحقلَ
تحتَ جنحِ الليلِ،
مراعياً كلَّ شيءٍ هَشٍّ،
رافعاً كُشْتبانَ الماءِ
إلى شفتي الورقةِ،
إلى لسانِ ابن عرسٍ،
قاصَّاً جزءاً من سورِ الحقلِ
بمجوهراتٍ سائلةٍ، هنا
حيثُ نباتاتُ ذنبِ الخيلِ
ترفع راياتِ الاستسلامِ
أو تحملِ قناديلها
لتضيءَ دربَ المطرِ.
ثم في الأسفلِ، عندما يغرسُ
شروقُ الشمسِ نجمتهُ الناريةَ
في كلِّ قطرةٍ، يشعلُ
كل عينٍ راجفة.
بِرْكةٌ
مُهْمَلات المطرِ.
قمامةُ السماء.
بعضُ صباحاتِ نيسان
خيولُ العواصف الأطلسيِة
تصدرُ جَلَبَةً هنا،
تسفكُ حوافرها المعدنية
في الحُفرِ والأخاديدِ،
حوافرُ تذوبُ
في بِرَكٍ من الفولاذِ
ثم تستقر
في مرايا صافيةٍ
عند الظهيرةِ.
الغزالةُ الخجولةُ
لقمرِ النهارِ
تأتي لتنهلَ من حوافِ الماءِ.
لكنَّ الشمسَ
تحبُّ نفسها،
تحدِّقُ طيلةَ الظهيرةِ
بعينها القاسيةِ
رافعةً البريقَ
من الزجاجِ،
محوِّلةً الطلاءَ اللامعَ
إلى صدئ.
ثم لا نرى شيئاً
طيلةَ الغبار.
غَديرٌ
الغديرُ
مجرَّدُ سباقٍ واحدٍ.
اِتْبعهُ: المصدرُ
قد لا يكونُ أكثرَ من
دمعةٍ
معصورةٍ من عينِ الكَرَوانِ،
ثم الحق به
إلى الزئيرِ الآتي من قلبِ الحنجرةِ
في مصبِّ الفمِ:
طائرُ القحافةِ
يتنزَّهُ على طولِ النهرِ
متأنقاً لتناول وجبةِ العشاء
بصدريةٍ بيضاء.
خيطُ الغديرِ
المستقيم
بأنفهِ المشرئبِّ نحو البحرِ،
بكاملِ لياقتهِ البدنيةِ،
يغسلُ بالصابونِ حصاةً
لمئاتِ السنواتِ،
أو هنا
بعدَ مطرٍ شاقٍّ
ينشرُ المنحدرَ إلى نصفين اثنينِ
بمنشارهِ.
أو هنا،
حيثُ يتفككُ الماءُ
ويتعلَّقُ
على وجهِ الشلَّالِ،
ولمجردِ لحظةِ بيضاءَ
مشدودةٍ
يصيرُ أنشوطة