سأحب رامبرانت أكثر ,جميع لوحات رامبرانت,لوحات ديلاكروا
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
رسالة sms :
عدد المساهمات : 11575
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر :
2015-02-26, 5:18 pm
لم يكن يسأل، كان يعرف.
1 يكفُّ عن اللوحة بين يديه، يضع ألوانه وأدواته في حقيبة الجلد البالية ويستدير ناحية الطريق الطويلة في حقل عبّاد الشمس، ويذهب. طريق الرسم، على صعوبتها، هي أجمل مسارات الأرض، وأكثرها حنواً على الكائن من كل فصول السنة. رمقني بنظرة تليق بالمحاربين وهُم يفرغون من معركتهم الأخيرة، وينحنون على أسلحتهم التي لم تزل دافئة، يمسحون آثار القتال، يصقلونها استعداداً للمعركة التالية. شخصٌ يتماهى بما أعرفه، موغلاً في ما أجهله. يلبس قميصي يتكلم بصوتي ويحمل الحزن عني. أردتُ استدراكه، لكنه كان قد ذهب. ذلك الشخص الذي كنتُه، ماذا أستطيع أن أفعل لكائنٍ يسبق الكتابة ويستعصي على الرسم.
2 يصعب تقدير المسافة بين الرؤى والمرايا، بين الحال واللوحة. كل هذا الذهب الفاتن الذي خرج تواً من مصاهر السماء، تشعر به يلفح وجهك ويقهر عينيك بصفرة الخجل ويفلح أرضك البكر بسطوة الأمل. سطوعٌ لا تدرك مصدره، فليس سهلاً التحديق في الشمس وهي ترفع نشيدها الأثير في حضرة الطبيعة، تقدمُ شكرَها المهيب للمطر. على أنَّ الشمس منحة إلهية تسعف سعيك إلى سر الحياة. ليس لك سوى المزيد من التحديق كلما تسنى ذلك، فتلك شمسٌ لك، تضيء طريقك الى الرسم، لك أن تمنحها العناق بألوانه الباهرة. يمكنك أن لا تَعجبَ بالذهب المندلع من الرسم. ويمكنك أن تعتقد برداءة لوحة زهرة عباد الشمس، لكن من المؤكد أنك لن تقدر على نفي الفن أو تجاهله أو تفاديه، خصوصاً عندما يتصل الأمر بالإبداع، فهذه المسألة ليست من الزراعة، لكي تكون في متناول أخصائي الهندسة الوراثية. انه أمرٌ يتوقف على الشمس وهي تشهق بالبشر الأموات لكي يستيقظوا من وهدتهم الآبدة، أمرٌ يتصل بإعادة النظر في مخلوقات الله.
الحرية تقود الفن الواقع ليس حجةٌ ضد الفن، حتى الحقيقة تقصر عن الفن. الجاهل المتحمس المناضل العاجز سيحتج بالسلطة، غير أن السلطة ليست قدوة للثورة. القتل طبيعة السلطات. فهل سنكون مثلها؟ فإذن ما الفرق؟ علينا أن نعطي درساً في مغادرة الغابة. حرية الفنان في حمأة القتال، رفضاً للعنف. الفنان الحرّ لا يغرُّه هتافُ الجماهير. الجماهير التي حملت «ديلاكروا» على الأكتاف، بعد أن رسم لوحته الدموية. أكتافُ الناس ليستْ عرش الفنان. ما كنتُ سأرسم لوحاتي بالدم. بالرغم من حبي لديلاكروا، سأحب «رمبرانت» كلما تقدمتُ في المعرفة والوعي. «رمبرانت»، وليس «ديلاكروا»، هو مَنْ جعلني أدرك فلسفة الضوء في الرسم. القيمة المستخلصة من فنون عصر النهضة برمتها. درستُ فن الضوء عند «ديلاكروا»، لا لكي أقلده، لكن لكي أعصفَ بمفهومه الثابت لفنّ الضوء، فأكتشفُ المتبلورَ الأرقى لدى «رمبرانت»، والأسبق زمنياً أيضاً. بعد ذلك جاءتِ الشمسُ، فاستعنتُ بتحولات الألوان الجديدة عن الضوء. «ديلاكروا» كان صدى الضوء في الرسم. نقادُ الرسم خضعوا للسمعة التي أطلقها متراس «ديلاكروا» في لوحة الحرية تقود الشعب، المشحونة بالادعاء الثوري، فصنَّفوا «ديلاكروا» بوصفه الأحدث، الأجرأ، وتساهلوا في مرجعية عصر النهضة وحضورها الواضح في أعمال «ديلاكروا». أرى أن «رمبرانت» كان الأحدث فناً وهو في مكانه القديم زمنياً. رامبرانت يتقصّى في اللوحة صاحب الأثر الغائب، حتى وهو يرسم العدد الكبير من بورتريهاته الشخصية، كان يتقصّى حضور الكائنات التي بالكاد غادرتِ المشهد. في حين كان «ديلاكروا» يرسم أطلالاً صارمة الملامح بلا خيال. المسافة إذن بين الإثنين، أن الأول يرى بمخيلة القلب، والثاني يعمل بيقظة العينين والذهن، فيما الفنُّ هو الطاقة الكونية المتحولة للضوء في الرسم. استطراداً، هل يجوز أن أسمّي «رمبرانت» شاعراً يرقص، وأعتبرُ «ديلاكروا» ناثراً يمشي؟ أراد البعضُ لـ «ديلاكروا» أن يكون ثورياً، دون أن يكون رسمه كذلك. علينا أن نضع الفن في الاعتبار كلما تحدثنا عن الإبداع الإنساني. الثورة ليست شيئاً إذا هي أدرجتِ الفن في عجلة دعاية الثورة، أو ضدّها. في حالة الفن ينبغي الكلام فنياً. شكلتْ لي لوحة الحرية تقود الشعب نوعاً من الصدمة. لم أفهم فناناً يدعم حرباً أو يروّج لقتال. الفن أكثر جمالاً من ذلك، فهو سلامُ الروح وتعويذة الجسد. «الحرية تقود الشعب»، لوحةٌ من انبثاقات «ديلاكروا» الرومانسية، لم تتكرر عنده بعد ذلك. قدَّمَ نموذجاً فنياً دموياً للعالم. الحرية تتقدم على جثث القتلى. هو اعتبرَ لوحته إسهامه في الثورة: (إذا لم أقاتل من أجل بلدي، فعلى الأقل سوف أرسمُ لها). هذا حقه. لكن حقنا أيضاً أن نتحقق عن الضحايا في المشهد. فالمبدعُ لا يذهب في طريقٍ بلا أسئلة. ولنا أن نرى فرقاً بين الحاكم والحكيم. حين يكون الحاكم، في سلطته، يَقتل دفاعاً عن عرشه، يتوجب أن يقدم الحكيم بديلاً ثورياً، أخلاقياً وإنسانياً، بمعزل عن الدم، أو دون قيادته. بالنسبة لديلاكروا، كانت الثورة بمثابة الحركة القوية المقتحمة التي يصعب تفاديها. ولوحته تلك هي الموضوع السياسي الوحيد في سياق أعماله الكثيرة التي لا علاقة لها بالثورة. جاء بعد ذلك فنانون مثل «جيريكو» و»غويا» ليعجبوا ويتـــأثروا بتلك اللوحة، في وقت كان «ديلاكروا» نفسُه قد ابتعدَ عن تلك الطريق التي طرح فيها متراسه. أعتبرُ تلك اللوحة خارج تجربة «ديلاكروا»، فيخفّف ذلك وقعَ الصدمة عليّ. ليس هذا تحفظٌاً سياسياً. فعدم إعجابي باللوحة ليس بسبب (ثوريتها)، لكن لأن أسئلة الفن أكثر جمالاً وديمومة من أجوبة الثورة. وهي ثورة استبدلت الملك «شارل العاشر» بملكٍ آخر هو «لويس فيليب». وهو الملك الذي، للمفارقة الفذّة، سيشتري تلك اللوحة بالذات، ويحجبها عن الناس. في ما بعد، «ديلاكروا» نفسه انتابته الشكوك حول جدوى الثورة، واعتبرها جهداً إنسانياَ ضائعاً: (كمَنْ نبني على الرمال).
***
تحفظٌ فنيٌّ خالص. ومن لا يكون مستعداً لمراجعة ثوابت قناعاته المتوارثة، عليه أن يتوقف عن القراءة عند هذا الحد. فهذا ليس كل شيء.
تحرير الثورة ثورةٌ ينبغي إعادة النظر في تآويلها، متحررةً من الشعب. رجاة ألا يأتي شخصٌ يمتهن لي شعباً أعرفه. فلم يعرف الشعبَ فنانٌ مثلي. بعد الثورة الفرنسية، وثورات أوروبية غيرها، علينا الانتباه لكل من يرفع عقيرته باسم الشعب. ليس لادعائه الملتبس فحسب، لكن لأن الشعب غالباً ما يتميز بالإيمان بالخرافات والجهل والضَعف أمام سلطة الغيبيات. الشعبُ نفسه الذي قادته الثورات، عسفتْ به الثورات ذاتُها. شعبٌ تجرجره الثورات المضادة كلها وتستغله السلطات جميعها. مّنْ يريد أن يحدثني عن الشعب أيضاً؟ الثوريون الساسة، أم رجال الدين المتحذلقون؟ لقد تلاعبَ الدينيون بالشعب بقدر ما تلاعب به الساسة. كلاهما رَكِبَ مركبَ الغيب وجميعهم أوقعوا الشعب في الغيبوبة. أما الفنُّ فسوف يتوقفُ عند التخوم ويطرحُ الأسئلة. أساطيرٌ لا تقلُّ بسالةً عن شعر الإغريق الذي رسمَ بها المبدعون أجملَ الملاحم الإنسانية، لنتأكد أن الفن هو من يمنح الخلود وليستِ الحروب. من سيتذكر شيئاً عن حروب طروادة لولا إلياذة «هومير»؟ هكذا دائماً، كلما ذُعرتُ في كتاب «ميشيليه» عن الثورة الفرنسية. دأبتُ على معالجة روحي بالشعر والأدب، لئلا أسمحَ للعطب أن يجتاحني. من منا يستطيع الزعمُ بأنه يفهم الثورات؟ حركات مذعورة يقودُها أشباحٌ عابثون، مما يحض المبدعين على الاكتراث والخشية في آن. لقد تقهقر بي «ميشيليه» إلى الكهوف، بمعادلات لا تشي بما يُطمْئنُ الإنسان في الثورة: (الثورة صراعٌ بين مبدأ العدالة ومبدأ الحرية). فأرتجفُ فَرَقَاً، متخيلاً أنني أمامَ خيارٍ فادحٍ كهذا. من أين لنا حرية لا عدلَ فيها، أو عدالة بلا حرية. يقيناً سنحتاجُ نوراً نادراً ينقذنا من كهف الكهنوت. الفن طليعة حرياتنا، لكن ما أصنعه ليس قانوناً، وما أحبه ليس شرطاً. لا أتوقع أن يقبل الكثيرون هذا، ولا أغصُبُ أحداً عليه.
الحرية تقد الشعب
"رامبرنت فان رين" الرسام الذي ولد فقيرا" وعاش غنيا" ومات فقيرا
سأحب رامبرانت أكثر ,جميع لوحات رامبرانت,لوحات ديلاكروا