نهرٌ يهرب من مدينة *
صلاح فائق
(العراق/الفلبين)
1
صلاح فائق . تصوير نوري الجرّاحكي تكتب قصيدةً مؤثرة
عليك القدوم من اوروك
تقيسُ يأسكَ باشبار وأنتَ تخرجُ من مصعدٍ
تتصالح مع الجبال والأنهار وأشجارهما
تشدُّ أوتار كمانك ، قيثارتك ، من شَعرِ حصان
تصير بائع أحلام في القرى
تفقد صبركَ في الصباح وتعثرَ عليهِ في المساء
تشهد ولادة شلاّل ، عاصفة
ترى الذهب ضوءاً ، لا أكثر
تحترم جنون الغيوم والبراكين
تتمرسَ ، كالعميان ، في التطلعِ الى السماء
أن تبحث عن الكمأةِ حافياً وتستقبل ضاحكاً
لاجئينَ من كلّ مكان
تعامل أيّ سلحفاة ، كبيرة أم صغيرة
كمواطنةٍ في أيّ بلد .
2
أنصافُ قصائدَ في فمي .
أرهقني صمتٌ طويل ،
مشيتُ في جنائز عسكريين قتلى
لأنّي أحبُّ الموسيقى .
3
حُبّاً بشكسبير جئتُ الى لندن
صادفتُ ، ذات ظهيرة ، في حديقة هامبستد
اليوت واقفاً على مصطبة يتطلّعُ الى
مظلاتٍ تتساقط على المدينة .
4
تمثالٌ يلتهم زهورَ حديقةٍ
بينما عمّالٌ ينظفون نصبه الملوّث .
5
أيها المليحُ ، أقولُ لنفسي
عليكَ السيرَ حتى منابع الأنهار
لتغرس هناك نايات الرعاة .
6
بعلبة حلوى ، أقنعتُ تمثالاً كان يبكي
أن يتوقف ، يمسح دموعه
ثم يبتسم .
لسببٍ ما ، عنده توقفت سيارتي .
7
اشتريتُ غزالاً من مأوى الأيتام .
8
كنتُ أحمل ماءاً الى زرافة اشتريتها من مهاجر
حين فاجأني نمرٌ بين أنيابه كتاب :
في فصله الأول فقراءَ يطيرونَ حول مكتبات
في الأخير حشدٌ يضربُ ضبّاطاً في مبغى .
9
لا يكتبُ إلاّ واقفاً
هكذا يترك للمقاعدِ في غرفته
أن تُخمّن متى سيجلسُ وأينَ ؟
10
أقولُ لها : وليمتي لكِ تليقُ بثائرين .
أنا بيتكِ في جبلٍ وحولي خيول
أوزع عليها في المساء شراب الآشوريين
بطاساتٍ من نحاس .
11
الربيع في كركوك الآن
أيّام النرجس ، ضيف الحقول .
أنا المسافر الدائم الى هناك
لا أصلُ أبداً .
12
أخيراً وصلَ غودو
صادفته عند بائع صحف
وكانَ هناكَ عندليبٌ صامتٌ
يتطلّعُ اليهِ .
13
اخرجُ من مرآةٍ لأفاجئكِ
لكنّكِ منشغلةٌ ، تغسلين حصاناً أمام البيت
يراقبكِ جيرانٌ غاضبون .
لا ترينني رغم قامتي
لا تسمعينني رغم صفيري .
أعود الى المرآة
اختفي .
14
عندي من الواح سومر احداها :
خادمات ينتحبنَّ حول ملكٍ ميت
فوضى في شارع الموكب .
عند البوّابة حسناءٌ ، بنهدٍ
ترقصُ بين قرابين .
15
بعد كلّ طوفان
يخرجُ لينقذ حيواناتٍ مذّعورة .
في السفينة أكل الكثير من قصائده
ولحظ في بعضها غجراً يختبئونَ في مزرعة قطن .
16
عازفُ بيانو تحتَ حافر حصان .
الحصان : هذا عقابك لأنكِ لم تعزف لي
العازف : كان مزاجي قد هربَ
لذا انقلبت المعاني حول اصابعي .
الحصان : والآن ؟
العازف : اعد اليَّ مزاجي قبلَ أن يلتهمهُ ثعلبٌ أو جمل .
الحصان : لا أظنّكِ مستاءاً من حافري ، حافري من قطن .
العازف : لكنَّ آلام ظهري شديدةٌ . القطن يؤذي .
17
جئتُ انقلُ أدواتٍ لتهريب سجناء
وجدتهم يرقصون في باحةِ المعتقل .
18
في وقتٍ متأخرٍ
اقتحم أبي مكتبتي
ونهبَ ما في { ألف ليلة وليلة }
من ملاعق فضية واقداحٍ من ذهب .
19
طلبني مديرُ السجن
- هل نصحتَ النهر ، ليلة أمس ، أن يهجر هذه المدينة ؟
- علاقتي غير جيدة مع الأنهار . أعيش وسط محيط ، في جزيرةٍ وقربَ بركان
- سمعكَ حُرّاسٌ تنادي النهر وتنصحهُ بالهجرة أو الهرب
- أنا موقوفٌ هنا لأنَّي أنقذتُ فراشة من سائحٍ أجنبي في المطار
- أين النهر الآن ؟ أين يختبىء ؟
- لا أعرف
- لا تعرف ؟ يصرخُ المديرَ خذوه ، خذوه . أخرج من هنا .
ضعوه في زنزانة انفرادية . لدينا هليكوبترات ، سنعثر عليه
لا يمكن أن يكون بعيداً ، سوف نرى ، سيعترفُ عليكَ
اخرجوه من هنا ، يصرخُ .
20
اطرقُ باباً واسألُ :
- تعرفون صلاح فائق ؟
- نعم نعرفهُ ، تُجيبُ امرأةٌ متأنقةٌ
- أين يسكنُ ؟
- في الفليبين .
21
مهيبٌ جفاف الأرياف
يؤذي الكهوف وملائكة عصاة
يختفونَ فيها
هدّدني حاكمٌ حشَّاش
باعتقالي في مصعد
اذا أخبرتُ أحداً بذلك .
22
أنا منقبٌ في جبل
ظهراً أنزلُ الى نهرٍ قريب :
لا أحدَ يعرفهُ غيري .
اعطفُ على قنافذ مبعثرة في طريقي .
ذات مرّة قدّمتُ طعامي الى حارس سجن
ثم ندمتُ على ذلك :
بقيتُ جائعاً حتى الصباح .
23
ملائكةٌ تنظفُ ملابسها ، أجنحتها
من أوحال طاحونة .
أراها من مقصورتي في قطار
أيضاً أراني أنقلُ حطباً الى الجهة الأخرى من نهر .
24
بدراجة سأعودُ من الفليبين الى كركوك :
معي مذ كنتُ جندياً
اشتريتها من { سوق هرج } بدينارين
احتفظ بها كصديقة .
25
بين سنة وأخرى ، أفقدُ احدى أسناني
هذا ليس مهمّاً ، المهم عطفي على مومياء في متحف :
حملتها الى بيتي ، رتّبتُ لها غرفة .
بعد أيّام سمعتها تضحكُ ، ثم بدأت تقهقه
أظنها كانت تتنصت على مكالماتي
وظلّت تقهقهُ حتى هربّ كلبي ، تبعهُ الهدهد بعد يومين .
قبلَ أيّام ، في غيابي ، جمعتُ معلبات في منطادي ، رسائلي
وكتاب أشعار وليام كارلوس وليامز .
هذا المساء شاهدتُ في التلفزيون منطاداً ممزقاً في غابة
وهناك مومياء محطمة . لا خبر عن كتاب وليامز .
قبل قليل جاءني شرطي وسألني عن المومياء
لا أعلم ، أجبتهُ .
لكنَّ رسائلك مبعثرةٌ معها
صمتٌ .
ما زال في البيت ينبشُ هنا وهناك .