آخر المساهمات
2024-10-12, 12:21 am
2024-10-12, 12:19 am
2024-10-12, 12:14 am
2024-10-12, 12:14 am
2024-10-12, 12:13 am
2024-09-21, 5:25 pm
2024-07-21, 2:12 am
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

نصوص من كتاب الصداقات لجبار ياسين

hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11575
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : نصوص من  كتاب الصداقات لجبار ياسين 15781612
نصوص من  كتاب الصداقات لجبار ياسين Icon_minitime 2015-02-11, 10:41 am
سلفيا ديفوتو

جبار ياسين كل صباح ترى الاوديسة تمر من تحت شباكها، لكن اوليس بعيد. ربما في ممالك اخرى يحرث البحراو يقطف وردة الصخر، او ينام على ساحل مقفر ، رمله كالتبر. هي لاتغزل الصوف ولا تفك النسج فكل شئ هباء في ناظريها . تجلس في المساء على كرسيها الاخضر. تعاين في البحر شبه جزيرة وجبل. تنظر الشمس تنزل في الماء، تسمع دوشة النار في اليم وتشم الدخان
تنظر إلى البحر، المراكب تصطاد على ضوء الفوانيس والنجم يهتز في اعالي السماء. كم مضى من الوقت؟
تسأل نفسها بينما الهر يموء. حان وقت عشاؤه. يتبعها، ذيله منتصبا، ويدلف خلفها، في ظلمة البيت خلف ظلال النخل. لحظة ثم يقرع الناقوس. انها الثامنة. اوليس منشغلا، في البعيد، بنسج حكاية ستروى ذات يوم. تقول الحكاية ان المسافر قد يعود . لكنه لم يعد كالامس، فغبار السفر وذكرى الحروب، ماء البحار المملح بالشمس، نساء الجزر القرمزية والتيه في لجة الموج عشرين عاما مضاعفة غيرت لون شعره وصار كهلا، لايود غير سرير من القش في حديقة كي ينام ويحلم,
اوليس هذا اليوم لا ابن له، لا كلب ينتظره وايثاكا ليست غير حلم. والتي تنظر من غرفتها إلى البحرتعشت ثم نامت، بعد ان غسلت اسنانها واستسلمت للنوم.
جرس الكنيسة يقرع والهر ينام ويحلم بقطة اوليس، الذي لم يأت ذكرها في اغاني شاعر اليونان

أدونيس

له عينان من سندلس، تنظران بعيدا. يعرف القرآن والانجيل ونهج البلاغة. يعرف المتنبي عن ظهر قلب ويحفظ نصف اشعار بيرس. من رابية نزل يهش الكلمات كما ينزل راع من العهد القديم . يسكن باريس في اعالي برج من زجاج ومعدن. لكنه مازال طفلا يحلم بالغبار ومدرسة من الطين والحجر
وممحاة لها رائحة الورد. يوما كان يمسك بالقلم. يغمسه في الدواة ويرسم حروفا فارسية ، تتدلى كما الكرم من عريشة البيت. يحب الخزامى والنبيذ والعسل الحضرمي. يحلم بالطفولة في المساء ويرى مايرى النائم في الحلم. ينزل من سفح رابية وقد نبت الصبار والغار، جنبا لجنب بين احجارها.
قبل ميلاده الثاني بسنين، تمشى وحيدا. ردد ابياتا للمعري، ثم سار لغاره حيث العنكبوت ينسج بيتا.
خلفه القرية كانت رسمة. نوافذها بلون البحر وشرفاتها مطرزة كسجاد بخارى. دخل الغار رغم بيت العنكبوت. صلى ركعتين من قصائده الاولى، ثم اختار اسما يبدأ بالالف وغاب عن الدنيا.
في باريس يشرب قهوته وحيدا، قبل ان يبدأ في رسم قصيدة، فهو لايكتب بل يرسم. الورقة تهتز بين يديه. خلوته لاتكفيه للشعر. صرت ختيارا، يفكر. ينظر صورة وجهه في زجاج النافذة - الباب ، فيرحل للبعيد. يبحث عن حلاج يقطع السان جرمان بعباءة صوف . يلتقي بالنفري وعكازه الفضي، هامته على صورة طائر. يعطيه ابرة لايمر الشعر في عينها الا بعناد شاعر. يرجع من سفر خيالي. يعلق معطفه في مدخل البيت. يرتاح قليلا ويطلب كأس ماء. . يسمع الاخبار. لاشئ اكثر حزنا، يردد ثم يكتب ويكتب حتى الليل. تناديه زوجته خالدة :علي، علي؟ فلا يرد عليها. في الصمت، في منتصف الليل اتت القصيدة في زحام المرايا.
حين ينام الجميع في شقته التي تطل على ساحة رينان ، يفكر بالقصيدة وبعين باث التي لونها الشذر. يذكر شبابيك قريته. يغمض عينيه قليلا ويركض طفلا في الغبار.

تيريز لسكيتي

مثل غزالة تمشي في الطريق، لكنها حين تصعد السلم المفضي لشقتها ، تصير حمامة تهدل في المساء.
تعاين من شرفتها طرق المدينة، تنظر للحافلات او تراقب زبائن صيدلية في يمين شقتها. المساء يغمر باريس. برد خريفي شفيف. تنغلق الستائر. تشتعل المصابيح على الرصيف. يقفر الاسفلت. كلا
ثمة امرأة عجلى تحاول الركض . تختفي خلف شارات المرور.
تغلق باب شرفتها. تشم رائحة الورود في مزهرية بلون الخمر، من صنع فينسيا. تدير موجة المذياع، تسمع الجاز بينما تهئ عشائها ثم تحلم بالسفر.
بالامس انتظرت طويلا. كان موعدها مع العشيق. لم يأت باكرا كعادته. ظلت تراقب هاتفها المحمول حتى وصل. كان يحمل حقيبة سوداء وباقة ورد من حديقته. زينيا و وجوري الهند وكوسموس على الاطراف،
ابيض. لم يشربا قهوتهما بل نهضا متعانقين وانسربا في الحشد.
منذ الامس تحلم بالسفر وشراء قبعة من القش ورواية كونديرا الاخيرة. في العاشرة اطفأت النور. سحبت غطاءا ابيض. حدقت في سقف غرفتها. كان سيف نور يرسم جرحا في الظلام. فكرت بعشيقها وبزهايمر امها واغلقت عينين . ثم مضت تسافر في بحار من زمرد.

وسام نجم الدين

لم نلتقِ منذ. . .
منذ
اذكر الآن
. . .
تسع وثلاثين عاما حسوما . آخر مرة كان المساء. التقينا دقائق في شارع تحيطه شجيرات اليوكالبتوس كي نودع بعضنا في وزيرية بغداد. بالضبط عند باب "مجلتي". كان مضطربا وخجولا ومبتسما كعادته. قبلني كثيرا وسافر في الغد. كنا شبابا لم نبلغ العشرين بعد. كنا شيوعيين نحلم بالراية الحمراء والمنجل والمطرقة. كنا نقطع بغداد سرا، من حي لآخر، نهيء ثورة مستحيلة. نغني مبتسمين اغان ثورية. نعرف الشرطة من سيمائهم، من طريقتهم في الحديث والجلوس في الحافلة. نتغامز بيننا حينما مخبر سري يدخل المقهى. نطوي الجريدة ونخبأ اوراقنا في بطانة ستراتنا. يوما هتفنا في ساحة النصر ببغداد:عاش العراق، عاشت شيوعيتنا. ثم خضنا معارك بالايدي، وانهزمنا في الازقة. ثم افترقنا، كل بقطب. في الشرق والغرب. راح لموسكو يدرس الفلسفة وانا، بعده بعام، يممت شطر تيهي، حتى وضعت الرحال في ارض الفرنجة. ,
في صباح بعيد، وكنت لم اغادر بغداد بعد، جاءني صديق مسافر بتمثال ماياكوفسكي. قال لي : هدية من وسام نجم الدين، قادمة للتو عبر بريد الرفاق. "خليته" عاليا في رفوف المكتبة، بين اشعار ماياكوفسكي المترجمة ونسخة مقرصنة من اشعار اراجون. شهورا بعد ذلك تركت البلاد. صرت منفيا بلا عودة في بلاد اصبحت لي وطنا. لم يبق لي من وسام غير رسالة واحدة، تصف موسكو وايام وصوله وسحر الشيوعية. علمت سنينا بعد ذلك، ان تمثال ماياكوفسكي ضاع في ظلمة ايام العراق. بحثت عنه طويلا، سألت الذين عاشوا بموسكو مرارا خبرا عنه، لكنهم لايعرفوه، كأنه لم يكن عاش هناك ولم يدرس الفلسفة ولم يرفع راية ماركس. كتبت رسائل للسويد اسأل عنه، فكل الذين عاشوا بأرض الشيوعية، لجؤوا هناك بعد سقوط الجدار. جاؤوا قوافل برايات منكسة، يطلبون اللجوء، فالاشتراكية حلم مضى. لكن لا احد يعرف عنه سطرا من الاخبار، لا احد يذكره، كأنه لم يعرف سواي ,
كل مساء اذكر ايامنا ببغداد وابتسامتنا حين يدخل المخبر مقهى رعد، ولهفته للماركسية. اذكر مساء فراقنا وشجيرات اليوكالبتوس التي شاخت. تمثال مايكوفسكي شامخا بقبعته في انتظار ليلي، متكأ على عمود نور

ماريان جيرو

منذ ثلاثين عاما تقيم في شقتها الصغيرة ، 9 شارع نيمغ ، في الطابق الثاني. غرفتها تطل على حديقة يرتادها الاطفال. في الليل تأتي قطط تموء هناك. احيانا في شهر شباط ، تسمع مواء الهررة تغازل انثى اعتلت الغصون. تظل تموء حتى تأتي صرخة من طابق آخر. تكون الساعة اكثر من منتصف الليل
والحي ينام. او من نافذة، لا غير، يبدو ارتجاج النور.

الشقة لم تكبر رغم السنين. غرفة نوم وصالة عيش وحمام صغير. في المدخل تشم رائحة ياسمين. تلفون هناك مازال يرن. لونه كاكي مغطى بالغبار. في وسط الصالة كرسي من القش. على اليمين منضدة قديمة
وكرسيين من خشب. الجدران بيضاء. نافذة صغيرة تأتي بأنوار الصباح، مفتوحة طوال الوقت، منها تنظر ماريان مرور الوقت. بعد العشاء تأخذ ماريان كتابا. تقرأ فصلا من رواية جيفاكو. تفر الى الجليد، الى البيت الذي ضم عشيقين في فصل الشتاء . كريستال وبلور وماس في سقوف البيت وجيفاكو يحضن حبه الأول. تقول لنفسها : ما اعظم باسترناك. تدون في دفتر بحجم الكف فكرتها، ثم تضع الكتاب على الوسادة. تأخذ رشفة كونياك وتمضي للبعيد.
ذات يوم بينما الشمس تغيب، امسكت في يدها غيمة. مسدت اثداءها. نضت عنها الثياب. مارست الحب على ورق االعشب. كان غزال الرن يثغب في المساء، الشهر اكتوبر. في الغابة ثلة نور. هذا المساء مضت وحدها للسرير. نضت عنها الثياب. تعرت تماما. قربت المرآة من خصرها ثم ابتعدت قليلا
كي ترى جسدا ناحلا له ذكريات. هل تكسر المرآة؟كلا، بل مضت في دفتر احلامها تكتب :
غاب عني طويلا حبيبي
كان غيمة
امطرت
مازال النهار طويلا امامي
انتظر الحب يأتي من جديد
وانتظر الغيوم.

ماري كلود سويد

سيدة ببيروت، تفتح نافذة شقتها في الاشرفية، كي تطل على الصباح. تعيش وحدتها كما شاءت. تكتب اطروحة وتشرب قهوة كي تتذكر. لاتكتب في الميتافيزيك بل في تاريخ امة وانقلاب السحر على الساحر. في بحة صوتها الذي كسرته السكائر، صوت صفصافة تسقط اوراقها بتمهل على نبع ماء. بعيدا يصل الصدى. هكذا، لاتجيد الهلاهل، فبحة صوتها تجعلها تضحك، وتنزلق الحروف على لسانها كالنبيذ.
في برلين تلبس حلة المانية بلون الليل. تمضي وحدها تتنزه. عند منعطف الطريق تتذكر الهاتف الجوال منسيا على طرف السرير. لكنها تواصل سيرها وتضحك وحدها. رنة ضحكتها تلهي العابرين عن مشاغلهم، فيتلفتون، مستغربين امرأة تضحك في وسط الطريق. لكنها في بيروت توقف جنديا من حزب الله وتسألة عن شارع ما في الضاحية، وتضحك. يضحك الجندي لضحكتها و يقودها للمنعطف. تواصل سيرها خببا. الورد في احضانها وفي حقيبتها قنينة خمر. هذا المساء نخبنا لجند الله. تصرخ ثم تشرب كأسها مغنية شعرا لدرويش، على ايقاع اصبعها يدق المائدة.
تعرف، عن ظهر قلب، فصلا من الانجيل، سورة ياسين، اقوالا للينين وماركوزة و جدتها. في ضيعتها، هناك، في سفح الجبل، بيت العائلة. امها، اخوانها، اخواتها والاحفاد حينا، يأتون يصلون، يلهون كي يمضي الاحد. لكنها لاتصلي بل تقرأ بالفرنسية كتاب السحر الذي زال وطرق الاتصال في المجتمعات الحديثة. تدون افكارها على كيس خضرة بينما تمضغ زيتونة سوداء ويدها الاخرى تمسد كأس النبيذ.
اما م عينيها منظر الاهل يعودون من قداس الاحد.
تحب فطورها عند ابو سمير، في شارع الاستقلال. قريبا من السوق القديم الذي امحت الحرب آثاره.
فجل وخبز وبصل و زيتون وفول وخبز الشام والقهوة مسك الختام. ثم ترحل قدميها صوب الاقاصي
فبيروت قصية للذي يعرفها. ماري كلود تعرف بيروت اكثر من راحتها. تصل المكتب ضاحكة. تلقي نظرة على شجر البرتقال. حديقة المكتب بستان قديم. بعد هذا تشرب قهوة اخرى. تنزع سكاربيلها . تدفعه بعيدا. تشعل سيكارة. تنزوي حتى الثانية بعد الظهر. تنجز ماقررت بالامس. اعقاب السكائر في المنفضة نصف درزينة. في المساء تعود لشقتها وحيدة. اكياسا من الخضرة على ساعديها. كتابين في حقيبتها وقنينة عطر فرنسي وعلبة اسبرين جديدة. ترتوي بكأسين من الماء. يرن الهاتف الجوال. "كريم " في البعيد يسأل عنها. بعد حين، تجلس امام لوحة “ نور على نور “. خطوط تدور على بعضها لتكتب اسم الجلالة.
تنظر صور الابناء على منضدة من خشب قديم وترحل من جديد.
على النبع كانت مقرفصة، خلفها حرش وبيت خشبي. ثوبها كان قصيرا، وروده حمراء وشعرها مسدل. خرخرة الماء تأتيها فلا تسمع صوت غيرها. في مد البصر جبال تكمل بعضها. ترمي بقارب ورقي يمضي مترنحا في الماء. يختفي في منعطف النبع. تحزن لنهاية الاشياء. على القمم البعيدة ثلج ابيض تحته خضرة. صنين، مازالت لاتعرفه الطفلة. كان اسمه جبل فحسب . هي الصغيرة تعرف انها ولدت هنا، قبل ان ترحل للغرب البعيد لتصنع ذكريات تعيد نسج خيوطها منتصف الليل. لكنها مازالت صغيرة لأكثر من خمسين عام

غسان فيضي

يضحك غسان في كل لقاء. بصري بباريس. يوقد نارا ويطبخ طعامه، للآخرين فيه حصة. يرسم كل يوم. من يديه تشم رائحة الزيت . في غرفته بباريس يكدس لوحاته كيفما اتفق. خذها، حافظ عليها، لا تعطها لمن لا يستحق، انها تكلف اياما من العمل وجنفاصا وزيتا. تريد شايا ام نبيذا؟ الحياة قصيرة، وافراحنا اقصر ثم يأخذ عوده. يجيد العزف على الناي ونقر الطبل ايضا “. يعزف لحنا عراقيا ويغني بصوت شجي” تانيني ياديرة هلي “. لم يفكر بمسقبله طويلا. كان الرسم اهم والاصدقاء كذلك والبنات. يا اخي كيف يعيش المرء دون أمرأة؟ المرء من المرأة، وابونا آدم بائع التفاح، ويضحك عاليا.
غسان يبدو صغيرا دائما. قامته قامة طفل وعينيه تبتسمان. شعره صار ابيض. لكنه مازال يلعب بطائرته الورقية. يتبعها حين تطير في لوحاته. تعبر شط العرب وتعود محملة بغبار طلع النخيل.
يمد لها الخيط حينا فتحلق عاليا وتختفي في السماء. لا يحزن بل يرسم طائرة اخرى تحلق في الظهيرة.
مزركشة مثل سجادة كي لاتغيب في وهج الشمس. يرسم حمامة على مدخل بيت قديم تراقب ديكا يغني
ونساء حانيات الرؤوس يمنحنه لقطا من الرز. فوقهن شرفة بصرية من خشب الابنوسوهلالا تهاوى في النهار وحط على جذع سدرة. يحدق طويلا في رسومه. يشرب شايا ثم كأ س نبيذ ويعيد النظر. منشفته ملطخة بألوان كثيرة. برفق تمر فرشاته على الكائنات التي ولدتها الظهيرة.
في الليل يعيد رسم لوحته. يرسم حصانا ابيض وعروسا، محنية الرأس ايضا ، تعتليه. ثوبها احمر وجديلتها طويلة. تطير الحمائم حولها. زرقة بين فضاء البيوت. النساء يزغردن، محنيات الرؤوس، بثياب من الاسبترق والحرير. صغارهن يحملون سلالا كورها الآس. الديك اسفل اللوحة مازال يغني
عوده الذي يعزف به، تحمله فتاة تعانق حبيبها، جديلتها على نهدها الايمن. طفلا يصفق له ملامح الرسام
حينما ينجز لوحته يدرك غسان الصباح فيكف عن الرسم المباح. يشرب قهوته ، واقفا، في باحة الدار
بين مرسمه وغرفة نومه والسلم الخشبي. الجميع نيام هناك في الغرف الموصدة الابواب. ياتي صياح الديك اليه فيغفو على مصطبة في الحديقة. البحر ليس بعيدا. امواجه تضرب الساحل الرملي" للفونديه"
والرسام يحلم بشط العرب. امواجه فضية والمراكب فيه سكرى.

لورا غونزالس

صوتها مثل خطوها، بطئ و رقيق ، كأنها تحدث نفسها. عطرها فرنسي دائما. تعلمت الفرنسية منذ الطفولة. لكنها تسكن مكسيكو. ولدت هناك وتحب مدينتها. تحب المشي والشعر وخوان رولفو. تحب رفقة الشعراء لكنها تزوجت مهندسا. تقول لي ان الحياة بسيطة. انظر لمكسيكو، بشر بلا عدد يسيرون لموتهم، نكتب ادبا ونرسم لكننا في الصيف نمضي الى البحر مثل كل الناس. وحينما نكبر نشخر في الليل، وتضحك، فيبدو لسانها وردي وتبدو اسنانها البيضاء. اجدادي من الاسبان لا دم هندي في دمي ,ياللخرافة. الدماء هنا اختلطت من ايام كورتيس. الهنديات اكثر نهما ونحن بناتهن مثلهن. نحن بنات “ المالانجا “ وتمسك عقدها الفضي باصابع رقيقة كالسكائر. تدوره على رقبة مرمرية بينما تشرب قهوتها.
نترك المطعم الاندلسي ونمضي بين اشجار ديسمبر. نذكر رحلتنا الاولى لكيبك. صخب الليالي وحمرة الاشجار في الطريق من المطار. دمعها عند الوداع ورسائلها الطويلة. الشاعر السكران طول الوقت والآخر الروسي الذي يكره غورباتشيف. اسألها عن شاعر هندي من الجاباس. خوان؟ اوه صار قوميا يطالب بالانفصال، لم اره منذ سنين. السرطان، كان سنوات عزلة. منذ عام صرت اخرج للمدينة، التقي الناس واضحك. للحياة طعم اليوم، بعد هذي السنين. هل كبرنا؟ كلا، فلم ننجب اطفالا ولم تأتنا نوبل راكضة، ونضحك فتميل علي وتنظرني وتمسك خصلة من شعر رأسي. نواصل طريقنا حتى بيت كورتس، قريبا من نافورة تحرسها ذئاب من نحاس. نقضي ساعتين في سوق الكتب القديمة. تشتري شايا اخضر . كان المساء وكانت شوارع كويكان تعبق بالزحام. تعبت، تقول ثم تقبلني قبلتين على خدي
تمسك يداي، تقبلهما. احب يداك، احبهما دائما، ثم نغادر بعضنا. تمضي بمهل متلفتة بين حين وحين
كيس الشاي يتدلى مثل مشنوق في يدها اليسرى. اوقف تاكسيا وامضي. اراها تبتعد. ينحرف التاكسي يمينا وينتهي المشهد. يهبط الليل وانوار مكسيكو تضئ الكون.
في الطريق اراها تدخل البيت وحيدة. توقد مصباحا وتشرب كاس ماء. ترتخي لحظة على صوفة، فيقفز قطها. تجلسه على ركبتيها، تمسد شعره. القط يهرهر بأنتظام. تمضي الى نهر بكيبك ، في البعيدعن المكسيك. تتبع اسراب فراش " المونارك " العائدة. تنظر الحيتان في نهر السانت لورنس. تسمع صوت حنينها يأتي من الاعماق. تأخذها رجفة
في الجانب الآخر من مكسيكو كنت اعد حقائبي ، فغدا اعود لأوربا

جمال الدين بن شيخ

له تلمسان للذكرى. هناك مسقط رأسه، بين احفاد اندلسيون. بين الكرم والزيتون والتلال الكريمة بالماضي. في "جرنج دي لو " يستعيد طفولتة. كان ابوه قاض وامه موشومة الوجه. علمته الحروف ورتلت له سورة الرحمن. حين فارقها كان الفصل ربيعا و زهر اللوز على التلال كان كالوفر.
يلعب " الكروكيه " وكرة المنضدة ويركض حول شجيراته في الصباح. صفصاف بلون الفضة
حين تهب الريح نسمع موج البحر، هكذا كان يقول. عصبي المزاج لكنه طيب القلب، مثل كل جزائري.
شجاع في الكلام ويحب الخطابة. قال لي في فطور صباحي :يحب منبره في جامعة السوربون والنزهة بين المكتبات. يحب التين ولحم الضأن بالكمون. يحب دمشق والجامع الاموي فيها. يحب كربلاء وقبة سيد الشهداء الحسين، ذهبية تلمع عن بعد، بين النخيل. يحب ابنه الف الدين اكثر من بنته ناميك،
ولايدري لماذا. يحب زوجته كلودين ويدعوها نوش. طبيبة كانت حولها لكاتبة طابعة في المساء. لكنها تحب الادب، فلا تغتم لطلباته الكثيرة. يذكر جاك سيناك كثيرا في حديثه ، صديقه سنوات الشباب. احيانا يذكر كامو ومولود فرعو ن، حين الجزائر كانت حديدا ونارا. لايحب بن بيلا ويكره ذكريات الحرب، ففي قلبه جرح لم يخفه الياسمين الذي يحب، ولا سنوات باريس ولا زوجته الاولى ولا الثانية، و لا نساء الليالي العابرات ولا الكتب التي قرأ وتلك التي كتب ولا صداقته الطويلة لأندريه ميكل.
الف ليلة، كانت له ديدنا. يقضي الليالي، على سجادة، يفك طلاسمها . يأخذ مخطوطة يقلبها، يستعين بمكبرة حينا، ليعرف هل هو الحاء ام الجيم، فالحروف كوفية او مغربية والرقاق قديم، تهافتت كلماته بين سطر وآخر. يعيد ترتيب الليالي، يأولها ثم ينقلها للفرنسية. بينه وبين ميكل الف ليلة وليلة للصداقة، . لنبيذ اللون دوك ـ- روسيون، لعشاء اخير بباريس.
حلمه بين احلام كثيرة ان يصير ممثلا. ان يعتلي المسرح ويغوي الناظرين. ان يمثل دور المتسول على باب قصر بأيثاكا. ان يلتقي"الكلب بيروس " ليموت بين يديه وبنلوب تنظر الخطاب من شرفتها. ان يأخذ قوسه ويرمي خطابها. لكنه مر على المسرح مرور العابرين. اختار ان يصير معلما في الشعر. ان يلقي الشعر بالعربية الفصحى، وان يتنقل بين اللغات.
في مساء دخن سيكاره تحت ظلال الحور. كان الشهر آب. فكر ان يمضي بعيدا في الحديث. لكن كلودين نادته الى العشاء. عدنا سويا مترنحين. في الطريق خلف بيت المكتبة. تذكر حبه الأول في تلمسان. تذكر بيت العائلة. تذكر شعره بالفرنسية وترجمته لدرويش، فأكتفى، حين وصل المائدة، بكأس نبيذ وقطعة خبز. ظل طول المساء يردد شعر الاقدمين وانا اصاحبه تحت ضوء القمر بأغنية بدوية تحتفي بالآه.
سيحزن لحرب السنوات السود في جزائزه. ضاعت بلادي، يقول لي، ويغمض عينيه لحظة ليطفئ الغضب الذي فيهما. سيحزن لحرب العراق، ويقول لي، ضاعت بلادك. هؤلاء، ويقصد الامريكان، لايجيدون غير الدمار ثم عامين ويرحل للهباء.
في مأتمه كنت وحيدا وميكل يبكي. لم يأت احد من الاصدقاء وكنت العربي الوحيد هناك. في ظهيرة من شهر آب دفناه في مقبرة " شارنيزيه " قرأنا له سورة الرحمن. انزلناه التراب وتركنا الورد حول القبر يذبل في الشمس. تركناه وحيدا، بعيدا عن اهل الف ليلة. في ليلته الاولى تحت التراب كنا على فرسخ منه
نعيد نسج الليالي لذكره فوقنا قمر الصيف يضئ ومن البعيد يأتي صوت الآه، كأنه قادم من تلمسان.

سيف الرحبي

في سمائل، بين الصخور، ولد، مثل راع من الياذه عربية. سار للجبل الاخضر، تذكر يعاسيبه وسحالي الصخور. تذكر نموره تتناسل في الكهوف، فأنتابته رعشة وصاح : اين الطفولة؟
شاهد البحر، ازرق، لامعا تحت شمس خليج عمان. تسآل في داخله : هل ينتهي بمكان ام بيم آخر اكبر
فهاجر لقاهرة المعز. هناك البرد، احيانا، نشم به رائحة الصباح والمساجد تنادي بعضها كالرعاة بين التلال. بين حين وآخر تهب الرياح، فتأتي بالغبار فينقلب لون الصباح لصفرة زرنيخ. الشمال جميل، شاعري، به شتاء وغيم ومطر. معطف ترتديه ولفافة عنق وقبعة ونساء كثيرات، وحدهن، يشربن قهوة على ارصفة المقاهي واصدقاء من سحنات كثيرة. آه. . الشمال وينشد اغنية عراقية بلهجته
بباريس يعبر الشارع دون ان يتلفت وحين تمسكه من ذراعه يندهش. اقدارنا محسوبة في العلى، يقول.
يحب لذائذ دنياه الصغيرة وذكرياته. يكتب شعره في صمت. يذكر نسرا يحلق عاليا في سماء صحار
الصقور هناك كثيرة والشواهين وعصافير الصخور. الافاعي تنسرب، تتناسل في صمت . تحمي جلدها بشمس الصباح. تراقبها في العلى الحدأت ,الجراد يتقافز قريبا من شوكة ازهرت وردة بيضاء كحبة رز. في الليل جدجدا ذكرا يغني لأنثاه والماعز نائم في حظيرة بين الآكام. ثم يأتي أبوه ناصر بن عيسى ماشيا بين جبلين اسمهما لسان الطير. يحدثه عن حروب بعيدة. عن نشوة البرتغاليين بالنصرعن خيول تضرب حوافرها الصخور، تخب نحو حصن على تلة. هناك سيحسم تاريخنا، سنصطادهم كالارانب. الجبل الاخضر سر الله. ثم يغيب ابوه لحظة، كشمس تحجبها الغيوم. يراه يمشي على الموج كأن جبته شراع.
في صباح بباريس ينهض مثقلا من احلامه. يفتح النافذة ويطل على السان جرمان. يمشي الهوينى الى مقهاه. يشرب شايه، يحدق في العابرين. تأتيه عبارة لكافكا فيكتبها على ورقة الحساب “كيف يمكننا العثور على السعادة في هذا العالم، ان لم تكن مجرد تمويه “ يسأل نفسه، هل قرب جسد امرأة من عالم آخر أم في رشفة شاي ام في القصيدة؟ يمضي صباحه حائرا، حتى بعد ان يكتب قصيدته ويرشف شايه ويجاور أمرأة من عالم آخر وفرها خياله.
التقيه في جادة مونبرناس سعيداحاملا كتبا بيده اليمنى لكنه يشكو من غيبة روحه. ماهذا المستحيل؟
يسألني. والمستحيل خرف العالم وضياع الامنيات. الذكرى بقت والحمد لله والاصدقاء كما ترى.
فوزي الدليمي و بشير البكر برفقته. مسقط؟ صخر وبحر. باريس اجمل والله. يقسم ويضحك في آن معا يوما سآتي لخلوتك البعيدة. سنشرب نبيذ بوردو، انه الافضل. هاه. اقول له، اجمل شئ في عمان خلو الاخبار منها، لايذكرها احد غير جيرانها وبالكاد. يا اخي، هذه هي المشكلة، نحن في عصمة البحر وجبالنا الجرداء. لاشئ يحدث، الاقاصي عندنا، لكن باريس خلت هي الاخرى فالاصدقاء رحلوا مبكرين
ويسرد قائمة طويلة ثم يضيف: نحن ايضا سنرحل يوما، يا اخي مشكلة، لنشرب نبيذا وننسى، الحياة قصيرة وعلى الله فليتوكل المتوكلون. اغني له مناحة شيعية، فيبتسم ويرفع كأسه ويردد معي الخاتمة
“سيد شباب الجنة”. ثم يغيب سنوات

اتصوره هناك، في مسقط ، في الصيف يتصبب عرقا. مكتبه يطل على البحر ثم المساء يحط رويدا ومبكر. للنقطة الابعد يمضي بصره. سفينة تمر في البعيد تمضي الى بومباي او البصرة. ضؤها اخضر يتلأ لأ في الفضاء. في عزلته يدفعه الماضي الى الوراء. الى الوراء دون انقطاع.

فيصل لعيبي

مترين كان عرض غرفته بباريس ونافذة تطل على حوش قديم و زاوية صارت مطبخا . سلم خشبي يميل الى اليسار حين تصعده، فتكاد تسقط. طابقين ثم غرفة فيصل 36 شارع ماركاديه. حمامها على اليمين، في عمق الممر، مشترك لسكان الطابق الثاني وللعابرين. هناك حيث أمرأة عجور تطل برأسها، عبر الباب، كلما سمعت خطى. كانت تشبه جارة راسكولينكوف . في الاعلى، في الطابق الثالث روسي عجوز. يشرب الفودكا ويرمي قنانينها في الهواء مغنيا.
في الغرفة كرسيين ونصف سرير ومنضدة صغيرة واكداس من اللوحات. ملابسه معلقة على الجدران
رائحة الزيت تطفو في الهواء. في المساء عطر الرز والكاري والرقي ودخان السكائر. فيصل لا يدخن
لكنهم الاصدقاء يدخنون ويشروب نبيذا والغرفة لاتخلو في المساء. احيانا تصير الغرفة صالة نوم للعابرين بباريس وفي الصباح صالة للفطور او مرسما في الظهيرة. فيصل يمضي للمطار يأتي بمن يهرب من بغداد او البصرة. حقائبهم ثقيلة، يركنها خلف الباب . يضيف القادم ليلة او ليلتين وعائشة تنام في غرفتها البعيدة تحلم بالجزائر. في المساء، احيانا، يتجولان، خصرها بين يديه، يحكي لها قصته،
البصرة، بغداد، زواجه الاول والرسم على الجنفاص وخطوط " انكر" وحمامه التركي والوان ديلاكروا وماتيس. يبتسمان طول الطريق. عملاقان يبتسمان للعابرين ويحييان بائع الخضرة ونادل المقهى وكلب جارتهما العجوز.
يتنقلان من روما للجزائر ويستقران في لندن مجبرين. يرسم فيصل بغداد في مقهى ويرسمها في حفلة عرس وفي مأتم سحري. يدور الاشياء، يحلق رأس صبي يوزع الماء للجالسين في المقهى، يضع الجريدة بين يدي جندي في اجازة – مانشيتاتها حمراء -ويجعل من بلاط الدار رقعة شطرنج.
تكبر لوحاته وتصير بحجم مدينة لكن بصرته القديمة اكبر من لوحة جنفاص وعائشة موديله الاسمى، تنام وتنهض في لوحاته مبتسمة.
في صباح ربيع نلتقي على سواحل لاروشيل. نسرد قصتنا ونذكر صباحا قديما من شهر آب في باريس.
عدت الى غرفته متعبا في الصباح ونمت سريعا على الارض. في الليل كنت وحيدا، جيبي فارغ ولاغرفة لي. اذرع باريس طولا وعرضا كي لاانام. حينما استيقظت في قلب الظهيرة، كانت رائحة رز وكانت يداه على رأسي تمسده. بعد اعوام قال لي : لقد بكيت شبابنا وانت تنام. تعانقنا على الساحل وبكينا مرة اخرى ثم ضحكنا. كان المحيط ازرقا هذا الصباح والسماء كذلك فوقنا. كنا قد هرمنا قليلا، شعرنا ابيض، ولا ابناء لنا. كل هذي السنين مرت ونحن غرباء. قال لي آخر مرة : ارتب معرض رسم في الخليج. واتفقنا على موعد في شتاء لندن.

المنصف الوهايبي

القيروان مدينته . لايخرج منها الا ليقرأ شعره. القيروان مدينة بيضاء ذؤاباتها خضر في الصباح، مرعى للقطط. ظهيرتها في الصيف سيوف لامعة. لكن منصف يحب قيضها كي يقضي ساعة قيلوله في القبو. ، لصق سريره بلاط اندلسي اخضر ونافذة تطل على حديقة . غطاء السرير شرشف من اصفهان
اذكر سلما مرمريا في البيت من جهة اليسار ومروحة سقفية تدور مع عقارب الساعات.
يحب الفجر ايضا كي يسمع صوت الأذان من منائر جامع عقبة. يشم زهر البرتقال في حديقته ويسمع حفيف جناح فراشة ظلت طريقها في الليل. يقول لنفسه في همس حين يذكر صديقه سهراب : الفجر لايشرق في كلمة فجر، الليل لايهبط في كلمة ليل. ويبدأ يومه القيرواني
يقرأ ابن الفارض هذا اليوم، يحفظ ابياته في الحب. يردد في تمهل: ولي في الهوى علم تجل صفاته، ومن لم يفقه الهوى، فهو في جهل. يقلب اوراقه ويسمع صوت ابنته تنادي امها. يبتسم ويميل رأسة. يحدق في نخلة الدار، لم تتغير منذ الامس. لم تزد خضرتها وعذوقها صفراء وعش الحمامة مازال في تاجها. يحلق لحيته. يشرب كاس ماء. يغني بيت شعر قديم. بعد فطور سريع، وقوفا، يمضي الى الجامعة.
قال لي مرة: اي شجرة تحاول ان تكون؟ نخلة مثلا؟ثم قال : لا، انت ورقة حرة في الريح. وناولني مقروضة تنضح بالعسل. في المساء، حول طاولة بريئة، زيتون وخضرة وجبنة فرنسية و رحيق الكروم.
تذكرنا صداقة محمد الغزي، الغائب عنا. تحدثنا عن قصيدة الخزاف التي راح يقرأها بألقاء جميل. عن رثاء الابوة في الشعر في قصيدتي سعدي يوسف والشابي. سعدي اكثر تعبيرا، واتفقنا. القطط البيض والسود واشباه النمور الآسيوية ترتع تحت المائدة. مر الليل، من اغنية لأخرى وجيرانه يستمتعون بشعرنا و وصفي للعراق. بغداد في سبعينياتها ومنافي العراقيين. غنينا النخيل وبحر الجريد واصفهان، والفجر يخب الينا . مهراته على الاشجار ثم كان الآذان من جامع عقبة وصوت النهار في البيوت القريبة. بعد يومين افترقنا ويممت شطر توزر و واحة نفطة.
في قاهرة الفاطميين التقينا على عجل. كان حزينا وابتسامته ضائعة. كانت الحرب تدبو كدودة ارض من حديد من صحارى الكويت. من عمان والظهران نحو حدود العراق وتربانها. اتفقنا على موعد في المساء. تبادلنا عناوين الغرف . قال لي ان غرفته تطل على التيل، مثلي. في المساء ينظر القاهرة. تناولنا الفطور سويا. جئنا على اخبار هذا وذاك. لم نكن فرحين كما في ليالي القيروان. هل عدنا غريبان ام هي الحرب التي على الابواب؟ بقلب ثقيل غادرته وجاء المساء وظلت موائدنا فارغة. حين سألت عن اخبارة:
رحل اليوم على سرعة. كان الغروب حزينا رغم النيل وصخب الفندق “ شبرد”. تخيلته واصلا تونس العاصمة، ربما في الطريق بين المطار ونور المدينة. يعود الى مسقط الرأس، الى بهجة الياسمين في الليل، الى رائحة الرمل مرشوشا بماء. وكنت جوار النيل، تحت عمود النور، احلم بالعراق.

صخر فرزات

حلمه، كان ان يسكن الريف. ان يوسع مشغله ويطل على حديقة بيت في الصباح. لكن باريس تسحرة، فظل نصف حياته بين مدينتين. بل بين صخب المدينة وصمت قرية" سيني". الصمت كبير هناك ولا حدود له. كان يرسم في الصباح، قليلا وكان يحلم اكثر. واقفا ليس بعيدا عن النافذة. فنجان قهوته على مقربة منه. فرشاته في يمينه، تحت اقدامه صحف قديمة. بلوزته زرقاء مرقطة مثل الوان لوحته.
يقطع باريس من شمال لجنوب بحثا عن الضوء والاصدقاء. او عن اطار قديم للوحة لم تكتمل. عن كتاب لعائشة وليكن في الشعر او هندسة الحدائق في الشقق. يمضي ليأتي بعدنان من مدرسته. في الطريق يصادف تظاهرة لطلاب مدرسة الممرضات قرب الاوبرا. يلتقي بي ونحكي عن صدف الدنيا واندية القمار في لندن وماربيليا. نشرب قهوتنا سويا ونذكر اللعبي و قاسم حداد ونزيه ابو عفش وفراس السواح.
ثم نمر على التوابل واصنافها وتهافت الشعراء بعد حرب الخليج.
في الحرب التي لم نخضها التقينا، بعد غياب طويل. كان هناك جميل حتمل وابوه الفريد بيننا ثم يوسف عبد لكي. قضينا مساءات حزينة نرقب الحرب واخبارها. نتابع قصف العراق على شاشة التلفاز. نرتق ماتمزق من صداقتنا القديمة ونعيد نسج حكايات. فالحروب تفرق اوتجمع ماتفرق حينا. هكذا عدنا اصدقاءا جدد بذكريات قديمة
ذكراه، دمشق ومدينة "البي" الصغيرة في الجنوب الفرنسي والبرازيل. يحب النساء وعشرة الشعراء و مطبخه الشامي. ذات يوم قال لي : لو بقينا هناك، وكان يقصد الشام، لمتنا من الحزن. هنا الحزن له لون وطعم ورائحة وليس مميتا على كل حال. كان يتمتم حينما ينفعل و يشتم هذا وذاك. ثم يضحك حينما الكز بطنه ويصير طفلا. يعانقني ويقول : نحن اخوة، مالفرق بين بغداد ودمشق؟ اقول له : اليأس نفسه والله واحد. هزة رأس وشتيمة للدهر، يكون جوابه.
رغبته ان نسافر يوما للندن وكنا نؤجلها كل مرة. يوصلني لموقف الباص الماضي للمطار. يحملني درزينة من سلام لهذا وذاك. في لندن اذكره، اهاتفه لأقول له رسائله وصلت. يسألني عن الطقس ويخبرني ان الشمس في باريس ساطعة. لندن ماطرة لكن الظهيرة تبشر بخير، ارد عليه. يوما نسافر بسيارته القديمة. يوما نزور صديقا في قرية نائية. نتغدى والارانب في الحقل تراقبنا والكلاب باسطة قوائمها بالوصيد. يوما نغادر نحو بيت قديم ، مهدم، وسط غابة، سكنته الطواويس. مالك البيت كان يحب الطيور ثم مات. الطواويس ظلت هنا تتكاثر في وحدتها. نجلس ساعتين نسمع نداء الطيور لبعضها ونرد عليها . نقلد اصواتها" ليون، ليون. " تمر أمرأة قربنا، تتوقف. تدور اصابعها في الفضاء قريبا من الأذ ن، بما يعني مجانين، ثم تغادر. سلتها مليئة باللوبياء.
ذات مساء نلتقي في محطة بواتيه، عائدا من باريس كنت وهو يعود اليها. لدينا من الوقت مايكفي كي نقبل بعضنا. ثم يركض كي يلحق قطاره واركض خلف القطار احييه بمنديل صارخا: الوداع، الوداع. المحطة تضحك. ثم المحصل يغلق باب القطار، ضاحكا ايضا. بعد شهرين، نعد معرضه الشخصي سويا. نصرف اياما نهئ كل شئ. تسلسل لوحاته، عناوينها، الدعوات، خطبته في ليلة الافتتاح. اغادره للندن، فيشتمني ويهتز شاربه الكث انفعالا. اتركه مثل دب في قفص. اتتركني وحيدا؟ اقول له : بنات بواتيه حولك، ألا يكفي؟ واهرب مثل لص.
يأتي الى الريف، نقضي ايامنا نضحك ونعد العشاء سويا. يسر لي ملله وصعوبة العيش ومشروعه للسنوات القادمة. ان ينجز بيته ويرسم بينما عائشة تكتب الشعر وتعتني بالحديقة، وعدنان يزورهما بين حين وآخر. اريد ان اهرم في الريف بين ورد الحديقة واشجارها. يقص لي شيخوخة ابيه في الحجاز والرحلة من بانياس لمكة. شتات يا اخي، صرنا شتات، يقول في غضب. ذات صباح، ونحن على دراجتنا، نمر امام زريبة ابقار فيهرب من رائحة الروث، ويغلق عينيه وانا اقول له انت لاتحب الطبيعة كما ينبغي. يسقط بدراجته في المنعطف، يتدحرج في الساقية فيلعن رب الطبيعة وانا اغني له “ تدحرج صخر مثل صخرة سيزيف ”. نعود مشيا على طريق يتلوى مثل افعى، يلمع تحت الشمس. كان يوشك ان ينجز ترميم منزله القديم في سيني. قريبا سأهجر باريس، صار يردد كلما نلتقي. وضعت البلاط بنفسي فيرى غمزة عيني فيضيف: ساعدني الاصدقاء طبعا. هكذا احسن ولا لكان بلاط بيتك مثل زقورة بابل
ونمضي الظهيرة في سوق الشعر سويا نبحث عن عائشة وعن ديوان شعر لايتذكر عنوانه.

في مأتمه قال لي عبد اللطيف، تعال انظر اليه ، كأنه نائم . في الفجر مات، سريعا. توقف قلبه قبل الساعة الخامسة. كان ذلك في الرابع من آذار، فجر خسوف القمر. بعد يومين كان يرقد جنب ميشيل فوكو في مقبرة فاندوفر. عربي وحيد هنا، ظل في المنفى تحت سماء ماطرة.

ابراهيم عبد المجيد

في صورته الجانبية يبدو مثل فرعون بلا تاج. سحنته تميل الى الصعيدي وصوته صوت شراع تدفعه الريح. اسكندراني من مملكة مر فيها كل الفاتحين. جمالها البحر ونقطة ضعفها ايضا. فنارها، لانعرف، حلم ام حقيقة. لكن زهرة الدفلي فيها تزهر، حمراء، رغم الرياح. على كورنيشها يمتد تاريخ طويل ورمل وقلاع بحر. قصص وافلام قصت لنا سحر الاسكندرية جعلت من طفولتنا حلما بها. لا احد ينام بها، محض رواية. فالموج هدهدة لكل عاشق نام فيه. ا
ابراهيم يعشق البحر واكل السمك المشوي والجنبري. يشرب شايه، رشفة اثر رشفة دون ان يتوقف عن الحديث. يصيد بخيط و يحفظ خيطا آخر لذكرياته بين صحارى الحجاز وصقيع موسكو. بين باريس وبرلين وبغداد وعودته للأسكندرية. في المساء يرمي بزنبيل لجاره العطار، اسفل البيت، كي يأكل برتقالا في منتصف الليل. يصغي لباخ ويكتب صفحات كثيرة دون ملل او تعب. بين حين وآخر يقشر برتقالة. الطائرات تغير على الاسكندرية. يتوقف، قلمه بيده، يمضي يلقي نظرة على فراش وائل. لم يعد بعد. يسير الى شرفة البيت يدخن سيجارته وينظر الشارع المقفر في امبابة. لا يدخن بل يشرب سيجارته بنهم. في الفجر يعود وائل وابراهيم مازال يكتب والطائرات مازالت تغير على الاسكندرية الحرب لم تنته والرواية ايضا.
اراه عند موعدنا في" سيدنا الحسين". نمضي لمقهى صغير يحدثني عن روايته الاخيرة، احوال مصر وشؤون العائلة. اثقال كثيرة لكنه يبتسم ويقهقه ويطقطق ظهره ويعطي سائلا قطعة نقد ويصرف آخر.
ما اكثر الفقراء في مصر؟ثم نمضي الى حضرة ريش. يهب الطفل الذي يحرس المرأب ورقتي جنيه ويمسد رأسه. ننظر للقطط الصغيرة تنام على عتبات البيوت، للغبار يسبح في النور، للنيونات ترقص على يافظات المحال عناوين عجيبة واعجب منها لغة المتبضعين. نقطع القاهرة في غسق حلو، بألوانها. والصخب الابدي وارصفة الشوارع مفروشة بشرا. أقول له ": هل خلق الله كل هذا العدد؟ انها مصر، والفقر لايمنع الانجاب والشمس تغذي البشر. نلتقي بخليل النعيمي كي نتعشى ونقطع، نقطع القاهرة من جديد. النيل ليس بعيدا و اللادة الزرقاء تخب مثل عربة فاتحين. نقضي المساء في مطعم شعبي يقدم كبابا وخبزا وشايا كشريا. منتصف الليل اقول له : كيف يسير حصانك؟ واقصد سيارته، منذ اسبوع لم ارك تعطيها علفا؟بركة الله على مصر، والله لا ادري كيف تسير ، ويقهقه عاليا.
عند امبابة على النيل نقف، نتأمل الليل. نتذكر اغنية لكارم محمود. هنا ذات يوم دارت معاركا. غرق المماليك بأبهى حلل الحرب. في قاع هذا البحر، هنا بالضبط، سيوف وخواتم بأحجار كريمة ودروع موشاة بالزمرد والعقيق. جيش نابليون مر هنا وانتهى عصر المماليك. في البيت يروي لي قصة حبه،
دروب الغزالات في الاسكندرية، حبه للفلسفة وطعم السمك الحمري، ايام النضال في العتمة وحلم الطبقات الكادحة. يذكر فاطمة فيغرق في دموعه والليل يوشك ان يرحل مثلما رحلت. لكن يعود الليل بعد ساعات. وفاطمة لن تعود. .
في الصباح ننسى ليلنا ونوقظ وائل وزياد واياد ونبدأ فطورنا ضاحكين. في الطريق الى قلب المدينة يقف: هناك يسكن ابراهيم اصلان، في الكيت كات. يؤشر على غبار خلفنا. تبدو البيوت مثل رسوم انطباعية خلفها الصحراء.
ريش مفتوحة منذ الصباح، محمد حمام في آخر ايامه وابرهيم يواسيه. سهل الدمع. يخرج منديلا يكفكف دمعه وصاحب ريش ينظره برقة نادرة.
آخر مرة التقينا كان سعيدا وفخورا. ثورتين في زمن قياسي. اليوم زرقة النيل اجمل، يقول لي. الاحاديث طويلة، سهر الليالي، فوضى الشوارع، صوته المبحوح، ميدان التحرير، المتحف المصري، ويوم الانتصار.
تيسير، زوجته الثانية انسته جروحا . لم نتعشى سويا هذه المرة ففي مساء موعدنا خانني هاتفي. بينما القاهرة تغلي بذكرى ثوراتها. في الفجر غادرتها على مضض.

كانت الريح تدفع اوراقا قديمة، متناثرة على الارصفة ولسعة برد خفيف تحت ثيابي. قطط تعبر الشارع بخفة والمدينة تنهض للصلا ة. في الطريق كنت اسمع صوت الأذان من مساجدها الكثيرة , عند العتبة يستدير الطريق قليلا، قبل مسجد النور. لحظتها مر في خاطري نائما جوار امرأة، يده على يدها. في البيت رائحة عطر. كان يحلم ببيت الياسمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

نصوص من كتاب الصداقات لجبار ياسين

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

مواضيع مماثلة

-
» نصوص ملحمة جلجامش كاملة
» نصوص شعرية لأسامة الدناصورى
» رصيف القيامة لياسين عدنان,قصائد وشعر ياسين عدنان,زهرة عباد اليأس ,ديوان ياسين عدنان pdf
» تلك التى أحبها نصوص شعرية لفوزية السندى
» للمرء الحق فى إنكار حياته إن هى لم تشبه مناه , نصوص غير منشورة أنسى الحاج

صفحة 1 من اصل 1
نوسا البحر :: فوضى الحواس(منتديات ثقافيه) :: مرتفعات أو سوناتا الكلام

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا