أمُّ الكون» وأصلُ كل الأشياء في العالم
ترجمة: بول شاوول
Lao-tsue
«طاو طاو ملكاً» هو العمل الرائع والتحفة للاو ـ تسو (550 490 ق.م). هذا الكتاب الذي يعتبر بمثابة «قرآن» أو «انجيل» للطاوية، هو في الواقع شذرات متناسقة، ومفاجئة، وتأملية، وشعرية وأخلاقية، ودينية، من مقاطع عديدة يمكن أن يسمى «كتاب المبدأ وفعله».
الكتاب الطالع من تقليد شعري قديم، وُضع على الأرجح في القرن الرابع (ق.م). ومنه نستشف ان أفكار للاو-تسو تدور كلها على «أحادية.. الله» أو زمن الموجود في كل زمن، و«ام الكون» وقد سمي «الطاو». لكن الطاو مفهوم غير جامد، يمكن اكتشافه من خلال مراقبة الأشياء والتأثيرات والطوابع التي تحفظها من «الطاو»: الماء الذي يوفر كل شيء لا يتنافس مع أي شيء» ويقول ل
او- تسو: مبادئ يسيرة جداً على الفهم فهي تعلم الواجب بتطبيق القواعد أولاً على الذات قبل الغير يعني تعلم كيف نعرف أنفسنا».
ولاوـ تسو يعلم طريقاً فاعلاً، يستند قوله على المبادئ وليس على المظاهر، على الأسباب وليس على آثارها. ولا يعني ذلك الانقطاع عن العالم، والانغلاق في برج عاجي، يجب أن نعرف كل شيء، وفي الوقت ذاته أن نعتمد النقد وكأننا لا نعرف شيئاً».
تعاليم الطاو أثرت بشكل كبير على الروح الصينية. هذه الثنائية التي تسبق وحدة الليل والنهار، السلبي والعملي.
ومنذ ثلاثة قرون «الطاو تو الملك، اكتشفه اليسوعيون الذي رأوا في هذا التعاليم تنوعاً في السحر، وهناك كُتّاب كبار في الغرب شغفوا بهذا الكتاب أمثال بول كلوديل وجاني غرينيه وريمون كينو وميشال ليريس... وحديثاً هناك عودة الى هذه المقاطع الرائعة، لاستمداد ينابيع شعرية جديدة، تخرج على الحداثة الغربية ومشتقاتها.
أما لاو- تسو فقد عاش في القرن السادس قبل المسيح، وهو ينتسب الى منطقة «شو» في الصين الوسطى، ويقال انه عاش مئتي عام واستفاد منه الفيلسوف الصيني كونفوشيوس.
لكن لا أحد يعرف كيف مات لاو- تسو.
هنا مقاطع من هذا الكتاب:
الطاو
I
«الطاو» الذي نحاول فهمه ليس الطاو نفسه:
الاسم الذي نحاول إعطاءه اياه ليس اسمه الأصلي
اسمه، يمثل أصل الكون؛
باسم يتبين «أم» الكائنات كلها.
«باللاكائن» نلتقط سره؛
بالكائن نخوض ولوجه.
اللاكائن والكائن خارجان من عمق واحد
لا يختلفان إلا بالاسم.
هذا العمق الواحد يمس «العتمة»
تعتيم هذه القمة،
هذا هو باب كل آية.
II
كل الناس تخلط بين الجميل والجميل
وفي هذا تكمن بشاعته.
كل الناس تخلط بين الخير والخير
وفي هذا يكمن شره
ذلك لأن الكائن والعدم يتلازمان
السهل والصعب يذوبان في بعضهما.
الطويل والقصير يتكون كل منهما بالآخر
العالي والمنخفض يتلامسان.
الصوت والموسيقى يتناغمان.
القَبْلُ والبَعدُ يتتابعان.
لهذا يعتمد القديس
تكتيك اللافعل
ويمارس التعليم بلا كلام.
كل شيء في العام يظن
من دون أن يكون هو فعله.
يُنتج من دون أن يتملّك
يفعل من دون أن ينتظر شيئاً،
عمله وقد تم، لا يتعلق به
وبما أنه لا يتعلق
يدوم عمله.
III
لا تُمجّدِ الناسَ ذوي الاستحقاق
لكي لا يتنازع الشعب.
لا تقدر الكنوزَ المجلوبة
لكي لا يَسرقها الشعب.
حكم القديس
يكمن في إفراغ فكر الشعب،
أن يملأ بطنه
لا تعرض أبداً ما يثير الرغبة
لكي لا تضطرب نفسه.
حكم القديس
يكمن في افراغ فكر الشعب
في إتخام بطنه
في إضعاف طموحه
في تقوية عظامه.
القديس يعمل باعتبار ان الشعب بلا علم ولا رغبة
وان الشريحة الشعبية لا تجرؤ على التحرك.
مارس اللا حركة (العقل)
فيبقى كل شيء في النظام.
IV
الطاو كإناء
الذي لا يملأه استعماله أبداً.
شبيه بهاوية،
أصل كل الأشياء في العالم.
يفلّ كل نُتُوء
يحل كل أزمة
يذيب كل الأنوار
يوحد كل الغبار
يبدو عميقاً جداً
يبدو سرمدياً أبداً.
ابنُ من لا أعرف
لا بدّ انه سلف الآلهة.
VI
روح الوادي لا تموت
هنا تكمن الأنثى الظلامية
في باب الأنثى الظلامية، يبدو سرمدياً؟
عمله لا يستنفدُ أبداً.
VII
السماء تبقى والأرض تدوم
لمَ السماء تبقى والأرض تدوم؟
لأنهما لا تعيشان من أجل نفسيهما.
هذا ما يجعلهما تدومان.
القديس يقف في المؤخرة
لذا فهو موضوع في المقدمة
يهمل نفسه
وتسلم نفسه.
لأنه غير مبالٍ،
تسلمُ مصالحُه كلها.
VIII
المحبة القصوى كالماء
الذي يوفر كل شيء ولا ينافس أحداً.
ففي احتلالها الموقع المحتقر لكل انسان،
تقترب من الطاو.
وضعها ملائم.
قلبُها عميق.
عطاؤها كريم.
حكمتها صادقة.
حكمها في نظام تام.
تؤدي مهمتها.
تتحرك في جمالها.
وفي عدم منافستها أيّ شخص
فمتعذر لومها.
XII
الألوان الخمسة تعمي الانسان،
الأنغام الخمسة تصم الانسان،
المذاقات الخمسة تفسد ذوق الانسان،
الجري وعمليات الصيد تضيع قلب الانسان،
البحث عن الكنوز يدفع الانسان
الى ارتكاب الشر.
لهذا يهتم القديس بالبطن وليس
بالعين.
لهذا يرمي هذا ويُبقي ذلك.
XIV
تنظر إليه، فلا تراه نسمّيه غير المرئي.
تصغي إليه فلا تسمعه، نسميه غير المسموع.
تلمسه ، فلا تحسُّه، نسميه غير الملموس
هذه الحالات الثلاث ذات الجوهر غير القابل للحل
تذوب في النهاية في حالة واحدة
سطحه الأعلى غير مُضاء.
سطحه الأسفل ليس مظلماً.
سرمديٌ، غير قابل للتسمية،
وهكذا ينتسب الى مملكة البلا أشياء.
انه الشكل البلا شكل والصورة البلا صورة
انه متباعد متعذر إمساكه،
تستقبله، ولا ترى رأسه،
تتبعه ولا ترى ظهره.
من يأخذ زمام الطاو القديم
يسُد الاحتمالات الراهنة.
معرفة ماهية الأصل
هي القبض على نقطة تقاطع الطاو
XV
كان حكماء العصور القديمة المكتملون
جد دقيقين، جد عميقين، وجد كونيين الى
درجة تعجز فيها عن معرفتهم.
وغير قادرين على معرفتهم، نجهد لتقديمهم:
كانوا حذرين كمن يعبر مجازة في الشتاء؛
مترددين كمن يخاف من جيرانه.
متحفظين كمدعو!
متحركين كثلج يذوب.
مركزين ككتلة خشب خام:
ممددين مثل وادٍ
مشوشين كمياه موحلة.
من يعرف عبر الراحة العبورَ
شيئاً فشيئاً من البلبلة الى الانقشاع
وعبر الحركة من الهدوء الى العمل؟
كل من يحتفظ في داخله بهذه التجربة
لا يرغب بأي امتلاء.
وعدم كونه ممتلئاً، يمكن أن يتلقى
العُرف ويجدده.
وحافظ على حالة الطمأنينة،
أمام هياج الكائنات الحاشد
لا تتأمل سوى عودتهم.
الكائنات الشتّى في العالم
يعودون الى جذورهم.
والعودة الى الجذور. هي الإقامة في الطمأنينة.
والإقامة في الطمأنينة، هي استرجاع النظام!
واستعادة النظام هي معرفة الثبات:
ومعرفة الثبات، هي الاشراق.
من لا يعرف الثبات
يخلق عشوائياً شقاءَه.
من يعرف الثبات يكنْ متسامحاً.
ومن هو متسامح سيكون زاهداً.
ومن هو زاهد سيكون ملكياً
ومن هو ملكي سيكون سماوياً
ومن هو سماوي يتوحد بالطاو.
ومن يتوحد بالطاو يعشْ طويلاً
وحتى نهاية أيامه لن يكون لأحد ادراكه
XIX
ارمِ الحكمة والمعرفة
يستفد منهما الشعب مئة مرة أكثر
ارم الطيبة والعالة
ترجع الشعب الى الرأفة البنوية والحب الأبوي.
ارم الصناعة وربحِها
يختفِ اللصوص والعصابات
اذا لم تكنْ هذه الارشادات كافية
مُرّ بما يتبع:
ميّز البسيط وضُمَّ الطبيعي،
خففْ أنانيتك واكبحْ رغباتك.
XXIII
ندرة التكلم مطابقة للطبيعة
الاعصار لا يدوم كل الصبح.
السيول لا تدوم كل النهار.
من يصنعها؟ الأرض والسماء.
إذا كانت ظواهر السماء والأرض
لا تدوم
فكيف تدوم الأعمال الانسانية؟
من يذهب نحو الطاو، يستقبله الطاو.
من يذهب نحو الفضيلة، تستقبله الفضيلة.
من يذهب نحو الخسارة، تستقبله الخسارة.
XXIV
من يقف على رؤوس قدميه
لا يصمد طويلاً واقفاً
من يقمْ بفشخات كبيرة
لا يمشِ بعيداً.
من يستعرض نفسه لا يسطع.
من يؤكد نفسه لا يفرض نفسه.
من يمجد نفسه لا يُعترف بانجازاته.
من يتهوّش لا يصبح قائداً.
هذه الطرق هي بالنسبة الى الطاو
كما بقايا الطعام والأورام
التي تنفر الجميع.
من يعرف القانون
لا يصنع بهذه الطريقة بيته.
XXVII
أن تمشي جيداً، يعني ألاّ تترك أثراً
ولا اثلاماً.
ان تتكلم جيداً يعني عدم ارتكاب
أي خطأ أو التعرض لأي مأخذ.
أن تُحبّ جيداً، يعني أن تحب بدون العودة
الى العصيّ ولا الى الألواح.
أن تغلَق جيداً، يعني أن تغلق بلا سدود
ولا اقفال
ومع هذا من دون أن يتمكن أحد من الفتح.
أن تربط جيداً، يعني أن تربط بلا حبل ولا شريط
ومع هذا من دون أن يتمكن أحد من الحل.
القديس مستعد دائماً لمساعدة الناس
من دون أن يهمل أيًّا منها.
مستعد دائماً لحُسن استخدام الأشياء
ولا يرمي ايًّا منها.
وهذا هو امتلاك الضوء.
انسان الخير هو سيد انسان اللاخير.
انسان اللاخير ليس سوى المادة الخام لانسان الخير.
وكل من لا يُبْجّل السيدَ والمادة
يضيع ضياعاً كبيراً على الرغم من ذكائه.
هنا يكمن سر الحكمة.
XXIX
من يسعَ الى تشكيل العالم،
يفشل.
فالعالم اناء روحي (هش) غير قابل للتشكل.
ومن يشكله يدمره
ومن يمسكه يفقده.
لأن الكائنات تمشي أحياناً الى الأمام
وأحياناً أخرى تتبع.
أحياناً تهب خفيفاً
وأخرى قوياً.
أحياناً صلبة
وأخرى واهنة،
أحياناً حازمة
وأخرى ساقطة.
بهذا يتجنب القديس كل مغامرة
كل بطر وكل اباحة.
XXXIII
من يعرف الآخر هو ذكي
من يعرف نفسه هو مستنير
من يقنع الآخر هو قوي
من يُقنع نفسه هو قوي النفس.
من يكتفي هو غني.
من يجهد ليعمل إرادته قوية.
من يبق في مكانه يعش طويلاً
من يمت من دون أن يختفي يدرك الخلود.
XXXIV
الطاو العظيم ينتشر كموجة،
قادر على أن يذهب يميناً ويساراً
كل الكائنات ولدت منه
من دون أن يكون الفاعل.
يُحقّق انجازاته
لكنه لا يتملكها
يحفظ ويغذي كل الكائنات
من دون أن يكون السيد،
وهكذا يمكن أن يسمى عظمة.
فكأنه لا يعترف بعظمته
تكمّل عظمته.
XXXVI
من يريد أن يحط من شأن أحد
عليه أولاً أن يكبّره
من يريد أن يضعف أحداً
عليه أولاً أن يقويه.
من يريد أن يلغي أحداً
عليه أولاً أن يُفخّمه.
من يريد أن يُزيح أحداً
عليه أولاً أن يقدم له تنازلات.
هذه هي النظرة الدقيقة للعالم
الليّن يهزم القاسي.
الضعيف يهزم القوي
على السمكة ألا تخرج من الماء.
ما على أسلحة الدولة الأكثر فاعلية
أن تعرض للناس.
XL
العودة هي حركة الطاو
فبالضعف يظن.
كل الكائنات خارجة من الكائن؛
الكائن خارج من اللاكائن.
XLVII
من دون اجتياز الباب
نعرف العالم.
من دون النظر عبر النافدة
نلحظ طريق السماء.
على قدر ما نمضي أبعد،
نعرف أقل.
القديس يعرف من دون أن يسافر،
يفهم من دون أن ينظر
ينجز من دون أن يتحرك.
القائد العسكري الحقيقي ليس عدوانياً.
المقاتل الحقيقي ليس غضوباً.
المنتصر الحقيقي لا ينخرط في الحرب.
القائد الشعبي الحقيقي يضع نفسه تحت الشعب.
وهنا نكتشف فضيلة
اللا تنافس»
والقدرة على قيادة الناس.
كل هذا على تناغم تام مع قانون السماء.
LXXI
أن تعرف يعني ألا تعرف:
هذا هو السمو.
ألا تعرف، يعني أن تعرف
هذا هو الخطأ
من يعِ خطأه
لا يقع في الخطأ أبداً.
LX XIII
القائد المتهور يقتل نفسه
القائد الحذِر يبقى حيًّا.
بهاتين الطريقتين للعمل،
الثانية تفيد
والأولى تضرّ.
من يعرف شيئاً
عن نفور السماء؟
طريق السماء
تحسن الانتصار من دون أن تحارب،
تجيب من دون أن تتكلم
تأتي من دون أن يناديها أحد
وتكوّن مشاريعها بهدوء
شبكة السماء على الرغم من ثقوبها الواسعة
لا تترك شيئاً يخرج.
LXXIV
إذا كان الشعب لا يخاف الموت
فكيف يخيفه حكم الاعدام؟
لو كان في مقدورنا أن نجعل الشعب
يخاف باستمرار من الموت
وإذا كان في مقدورنا القبض
على كل الذين يغتصبون القوانين
وقتلهم جميعاً
فمن ترى يجرؤ على ارتكاب الشر؟
السيد الجلاد هنا لكي يقتل.
أن تقتل بدلاً من السيد الجلاد،
يعني أن تقطع بدلاً من السيد النجار
نادراً ما يتعرض الذي يقطع بدلاً
من السيد النجار لجرح يده.
LXXV
الشعب جائع
لأن حكامه يرهقونه بالضرائب.
هذا ما يجوّعه.
الشعب صعب المراس
لأن حكامه هم جد جسورون
الشعب يحتقر الموت
لأن حياته بالغة القسوة.
وهذا ما يجعله يحتقر الموت.
وحده الذي يعيش حياة غير قاسية
يمكنه أن يُثْمّن الحياة.
الكلمات الحقيقية ليست جميلة
الكلمات الجميلة ليست حقيقية
رجل الخير ليس ثرثار الخطب.
ثرثار الخطب ليس رجل خير.
الذكاء ليس التبحر في العلم؟
التبحر في العلم ليس الذكاء.
القديس يتحفظ عن التجميع،
فعبر تفانيه من أجل الآخر
يغتني
وإذا أعطى كل شيء
ما زال يمتلك أكثر وأكثر.
طريق السماء تعطي فرحاً من دون أن تؤذي؛
فضيلة القديس تفعل من دون أن تطالب بشيء.