تناول رامون مايراتا، المدريدي، في روايته علي باي العباسي شخصية تاريخية حقيقتهم أي من لحم ودم من نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، هذه المرحلة التي تعتبر بالنسبة لأوروبة والعالم مرحلة مخاض وحروب ومصالح متعارضة. وجعله يكون مسيحياً ومسلماً في آن معاً، يتماهى الواحد في الآخر، حتى إذا غلب أحدهما الآخر حصلت الفاجع...ة: الموت المقيت، الموت الناتج حكماً عن هذا الانفصال. إن علي باي (دومينغو باديّا)، ابن العسكري الإسباني، الذي يقدمه لنا مايراتا بإمانة وصدق، لا يستطيع أن يتحمل تقديمه للقارئ على أنه جاسوس أو عميل، وهي النقطة الرئيسية في العمل الروائي، إذ أنه خلال وجوده في المغرب العربي بمهمة محددة من أمير السلام، لا يستطيع إلا أن يتفاعل مع الناس، فيشعر أن واجبه ليس تنفيذه المهمة بقدر ما هو تقديم دستور يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم. وهو في كثير من الأحيان ليس ينسى مسيحيته لصالح إسلامه الذي يعيشه في الناس ومع الناس. اعتقد أن له علاقته مع زوجته المسلمة، التي قدمها إليه سلطان الغرب، تعكس نبلاً، يصعب تصوره في أوروبيين تلك الفترة. يقدم مايراتا للقارئ التفاعلات التي كانت تعتمل في المنطقة العربية، مغربها ومشرقها، وصعود التيار العربي في مواجهة التيار التركي، صعود الوهابيين، في شبه الجزيرة العربية، التي صادف وجوده فيها خلال تأديته لفريضة الحج، حيث منعوه من زيارة قبر الرسول. لقد استطاع رامون مايراتا، في هذه الرواية أن يقدم للقارئ الغرب والشرق من خلال شخصية تنتمي إلى الغرب وتقرر المغامرة العلمية، التي تفشل من تأمين مستلزمات الرحلة حتى تقبل بمشروع هو ليس مشروعها بل مشروع السلطة، أو طرفاً من السلطة: أمير السلام، فتنتمي إلى الشرق تكتيكاً، لكنها يتملكها يسرقها جزءاً من انتمائها لهذا الغرب، بحيث تأتي لحظات تنطبق فيها شخصية دومينغو باديا على شخصية علي باي، وأخرى يتذمر فيها أحدهما من الآخر، يرفضه.