من نحن ؟ آخر مؤلفات : صمويل هنتنجتون
pdf
من نحن ؟ آخر مؤلفات : صمويل هنتنجتون
من نحن ؟ آخر مؤلفات : صمويل هنتنجتون .
يقول هنتنغتون في الفصل الأول من كتابه هذا "من نحن": "لا يوجد مجتمع خالد. وكما قال روسو؛ "إذا كانت إسبارطة وروما قد زالتا، فأية دولة يمكن أن تأمل في الاستم...رار إلى الأبد؟" حتى أكثر المجتمعات نجاحاً تكون في مرحلة ما مهددة بالتفسخ الداخلي والتلاشي وبقوى "بريدية" خارجية جبارة وعديمة. وفي النهاية، ستعاني الولايات المتحدة الأمريكية قدر اسبارطة وروما والجماعات الإنسانية الأخرى، تاريخياً، شمل جوهر الهوية الأمريكية بأربع مكونات رئيسية: العرق والإثنية والثقافة (اللغة والدين بشكل ملحوظ)، والايديولوجيا:أمريكا العرقية والإثنية لم تعد موجودة. وأمريكا الثقافية تحت الحصار. وكما توضح التجربة السوفيتية؛ الايديولوجيا صمغ ضعيف ليثبت شعباً إذا ما افتقرت الجماعة إلى المصادر العرقية والإثنية والثقافية. ويتابع هنتنغتون قائلاً بأنه وكما لاحظ روبرت كابلان ربما توجد أسباب "أن أمريكا ولدت لتموت، أكثر من أي أمة أخرى". ومع هذا، فإن بعض المجتمعات، التي تواجه تحديات خطيرة لوجودها، قادرة على تأجيل فنائها وإيقاف تفسخها، بتحديد إحساسها بالهوية الوطنية وهدفها الوطني، وقيمها الثقافية المشتركة، وكما يرى هنتنغتون فإن هذا ما فعله الأمريكيون بعد 11 أيلول، وأما التحدي الذي يواجهونه في الأعوام الأولى من الألفية الثالثة فهو يتجلى في ما إذا كان باستطاعتهم الاستمرار في فعل ذلك إن لم يكونوا تحت الهجوم".
وبعد هذه الاستهلالية التي توضح وإلى حدٍّ بعيد الفكرة الأساسية التي حاول هنتنغتون طرحها من خلال كتابه هذه، بعد ذلك يمكن القول بأن الكاتب الذي هو إنما عالم اجتماع يتعامل من خلال كتابه هذا مع التغيرات الجارية في سمات وجوهر الهوية الوطنية الأمريكية البارزة. والسمة البارزة هي الأهمية التي يعزوها الأمريكيون لهويتهم الوطنية مقارنة بهوياتهم الكثيرة الأخرى. أما الجوهر فيشير إلى ما يظن الأمريكيون أنهم يتملكون بشكل مشترك ويميزهم عن الشعوب الأخرى. وهنتنغتون في كتابه هذا يقدم ثلاثة براهين أساسية: الأول، تنوعت سمة هوية الأمريكيين الوطنية الأساسية خلال التاريخ. وفقط في أواخر القرن الثامن عشر شرع المستوطنون البريطانيون على الساحل الأطلسي بتمييز أنفسهم ليس كقاطنين لمستعمراتهم الفردية وحسب بل كأمريكيين أيضاً. وبعد الاستقلال، أخذت فكرة الأمة الأمريكية تترسخ على نحو متعثر في القرن التاسع عشر. وقد غدت الهوية الوطنية بارزة بالمقارنة مع الهويات الأخرى بعد الحرب الأهلية، وازدهرت النزعة القومية الأمريكية خلال القرن التالي.
وإذا كانت الهويات القومية الفرعية والثنائية القومية والمتعددة القومية في الستينيات من القرن الماضي قد أخذت تنافس وتضعف مكانة الهوية الوطنية، فإن أحداث أيلول المأساوية أعادت تلك الهوية إلى الواجهة جدياً. فطالما رأى الأمريكيون أن أمتهم تحيط بها الأخطار، تكوّن لديهم إحساس عالٍ بالانتماء إليها على الأرجح. وإذا تلاشى شعورهم بالخطر فقد تتقدم هويات أخرى على الهوية الوطنية ثانية. الثاني: عرّف الأمريكيون وخلال قرون، في درجات مختلفة، جوهر هويتهم بلغة العرق والإثنية والايديولوجيا والثقافة. وقد تقلص العرق والإثنية إلى حدٍّ كبير؛ فالأمريكيون يرون وطنهم مجتمعاً متعدد الإثنيات والأعراق. و"الميثاق الأمريكي"، كما صاغه توماس جفرسون في البداية ودققه آخرون كثر، يُعتبر العنصر المعرّف الحاسم للهوية الأمريكية. والميثاق، هو ثمرة ثقافة المستوطنين المؤسسين الأنغلو بروتستانتية الواضحة في أمريكا خلال القرنين السابع عشر والثاني عشر، وتشمل عناصر تلك الثقافة الأساسية: اللغة الإنكليزية، والمسيحية، والالتزام الديني، والتصورات الإنكليزية لحكم القانون، ومسؤولية الحكام، وحقوق الأفراد، وقيم النزعة الفردية البروتستانتية المنشقة، وأخلاق العمل، والاعتقاد بأن الإنسان لديه القدرة وعليه واجب محاولة خلق جنة على الأرض، "مدينة الهضبة". وتاريخياً فقد انشدّ آلاف المهاجرين إلى أمريكا بسبب هذه الثقافة وساعدت الفرص الاقتصادية على جعل ذلك ممكناً.
الثالث، كانت الثقافة الأنغلو بروتستانتية مركزية في الهوية الأمريكية لثلاث قرون. فهي ما لدى الأمريكيين بشكل مشترك، وكما لاحظ أجانب كثر، ما يميزهم عن الشعوب الأخرى. وفي القرن العشرين، في كل حال، واجهت سمة وجوهر هذه الثقافة تحديات من موجة مهاجرين جديدة من أمريكا اللاتينية وآسيا، وشعبية مبادئ التعددية الثقافية والتنوع لدى الأوساط الفكرية والسياسية، وانتشار الإسبانية كلفة أمريكية ثانية وميول الهسبنة في المجتمع الأمريكي، وتأكيد هوية المجموعات القائمة على أساس العرق والإثنية والجنوسة وتأثير الجاليات وحكوماتها الوطنية، والتزام النخب المتزايد بالعالمية والهوية المتعددة القوميات. وفي ردّ على هذه التحديات، قد تتطور الهوية الأمريكية باتجاه: (1) أمريكا الميثاقية التي تفتقر إلى نواتها الثقافية التاريخية، ويوحدها التزام عام بمبادئ الميثاق الأمريكي. (2) انقسام أمريكا الثنائي بلغتين: إسبانية وإنكليزية، وثقافتين: أنغلو بروتستانتية وذات أصل إسباني. (3) أمريكا الإقصائية، يعرفها ثانية العرق والإثنية والتي تستبعد و/أو تهمّش تلك التي ليست بيضاء وأوروبية. (4) أمريكا المتجددة التي تؤكد ثقافتها الأنغلو بروتستانتية التاريخية والتزاماتها الدينية، وقيمتها التي تعززها مواجهاتها مع عالم معادٍ. (5) وحدة ما لهذه الاحتمالات أو غيرها، وطريقة تعريف الأمريكيين لهويتهم، بدورها، تؤثر على مدى تفكير الأمريكيين ببلدهم عالمياً أو إمبراطورياً أو قومياً في علاقاته مع بقية العالم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]