عبد المنعم رمضان
كم كان السر طويلا
ماذا أفعلُ إذا سقطتُ من سريري
ولم أجد الأرض
أعلم أنني سأحاولُ
أنْ أُدخل حبيبتي في ثوبها الليليّ
سأحاولُ أنْ أضعها علي الكواكب الزرقاءِ
وأن أهدهدها
سأحاولُ أن أْخلع عنها كلّ القبلات القديمةِ
كلَّ الهمسِ
كلَّ المضاجعاتِ
ولمَّا تستسلم
أخلعُ عنها ذلك الثوبَ
وأفرده تحت جسمي كسحابةٍ
من أجل أن أتحمَّلَ هبوطي إلي أسفل
لكنّ الجزءَ الهائجَ من حزني وعَرَقي ودخاني
الجزءَ الغالبَ علي أعماري الهاربةِ منِي
سيكونُ بسببِ الأشعارِ التي أفلتت وأنا ألتهمُ شفتيها
سيكون بسببِ الأشباح الحائمة مثل مروحةٍ دوّارةٍ سيكون بسببِ الفراشاتِ والأحجار الغريبةِ
ربّما ، ربّما
سيكون بسببِ ساقيها المفتوحتين
هي الواقفةُ وظهرُها إلي الحائط
وأنا الجالسُ علي ركبتيَّ
الملمومُ مثلُ شجرةٍ
والطالعُ بلسانِه إلي فوّهة البئرِ
كان يمكن لسقوطي الطويلِ
أنْ يجعَلني وحيداً
كان يمكنُ أنْ يسرقَ منّي الجسورَ التي لم أعبرْها والسواحلَ المليئةَ بالبخارِ
لولا أنني خِفتُ من التعميدِ والعزلةِ
لولا أنني انتهيتُ مع كلِّ أغنيةٍ غنّيتُها
انتهيتُ مع كلّ قمرٍ تحت السحاب
إلي ما يُشبهُ التعميدَ والعزلةَ
فانكفأتُ علي حنجرتي
وحشوتُها بالصيحة الغامضةِ
حشوتها بلباسٍ سرِّيٍّ يميلُ نحو الزرقةِ والعذوبةِ واشتهيتُ الصوتَ الخافتَ
اشتهيتُ الحافّتين
عرفتُ أنهما عاليتانِ
أنهما رجراجتانِ
أنّ واحدةً مثل الشمسِ الشفّافةِ
وواحدةً مثل أكاليل الزهورِ السوداءِ
لكم أحببتُ المياهَ التي تغمرُ الوديانَ
لكم أحببتُ الحشائشَ التي تغمرُ المياهَ التي تغمرُ الوديانَ
أحسبُ أنني أحنيتُ عُنقي إلي الخلفِ بقسوة كاهنٍ
بعد قليلٍ أحنيتها بحنان كاهنٍ
بعد قليلٍ أخرَ أصابني اللّهاثُ والعطشُ
فلعقتُ المياهَ التي تفيضُ ،
والتي في قاعِ البئرِ ،
والتي في المنفي
ومثل نجمةٍ هائمةٍ لعقتُ الحشائشَ
حتّي منحتني خلسةً مذاقَ القبلاتِ
كانت الزنابقُ لا تظهرُ إلّا في أخرِ حوضٍ
كانت الأزهارُ البرّيّةُ
كانت هوّةٌ عميقةٌ
تمتلئ بالرياح القويّةِ
ماذا أفعلُ إذا فقدتُ رغبتي
في العودة إلي سريري
ليست هذه هي الطريقةُ المُثلي لكي أجدَ الأرضَ حتي لو كنتُ سأموتُ
حتي لو كنت سأستيقظُ
حتي لو كانت النجوم تتلألأ دون سماءٍ
حتي لو كانت نافذةٌ ما مفتوحةً
ولا تطلُّ منها حبيبتي
الليلُ مظلمٌ
مثلما كان مظلماً أمسَ وأوّلَ أمسٍ
الصباح كعادتهِ هشٌّ ومكسورُ العينينِ
والظهيرةُ واقفةٌ علي جبلٍ بعيدٍ
وطيورٌ كثيرةٌ تتهامسُ وتنقرُ سلّةَ الوقتِ
لماذا أتصوّرُ أنني أري شفتي يابسةً
وجفوني سوداءَ
وأظافري مثل أفكاري العذبةِ
تطولُ
ثمَّ تنقصفُ
ولا أكادُ أفقدها
قلبي وحده يدقُّ سريعاً
تلك الفراشةُ هي فراشتي
قلبي وحده يدقُ عالياً
تلك الفراشةُ هي فراشتي
وأنا أتشبّثُ بأحلام حبيبتي
وإذا تمكّنتُ من النظرِ بعيونٍ مغمضةٍ
سأنفردُ بأحدها
وأحيطه بكل جسمي
وأشقّ جِلده
وأنتظرُ إلي أن يخرجَ شخصٌ غيري ويفاجئني
كلُّ شيءٍ أكثرُ جمالاً من الغيرةِ
كلُّ شيءٍ أكثر حزناً
ألمسُ فخذيها النائمين
وأسألها عن الغريمِ الخارجِ من الحلمِ
فتقول: هو أنتَ
أتعثّرُ في نفسي
وأبحث عن عزيمتي
أبحثُ عن البرقوق الذي تخفيه حبيبتي تحت شفتيها
أبحث عن حبّات المانجو
وإذا ضللتُ السبيلَ إلي النهدين
اهتديتُ بعطرهما
لقد تزاحمتْ الأقمارُ في طريقي إلي العطر
لقد تزاحمتْ أشجارُ النهارِ
وأشجارُ الليلِ
ولكنني أتعثرُ في نفسي
لماذا لا يزالُ السرُ طويلاً
قدماي تدوسان علي شيءٍ كالريحِ
فأفكرُ كيف أمزجُ النورَ بالنورِ
قدماي تنسلّان من وراء هذا الشعاع الأبيضِ
فأفكرُ أين المرتفعاتُ
أين المنخفضاتُ
أين الله
وأين الجغرافيا
جسدي يكبرُ مثل حفيفِ الماندولين
مثل شهقات الماندولين
جسدي يكبرُ مثل الماندولين ذاتهِ
فأفرُّ من رأسي
أرتطمُ بروحي المتوحّشةِ
أتركها معزولةً علي الطريق
وأتْبع الحنينَ الذي يوقفُني قربَ الهاويةِ
الحنين الذي مثل كلِّ ليلةٍ
يمتدُّ ، يمتدُّ ، يمتدُّ
ويجتمعُ أسفلَ بطن الغزالةِ ،
فيما بين الفخذينِ ،
فيما بينهما ،
فيما تحت وفيما فوق
وفيما في النسيانِ
صوتُ العاصفة هو الذي يفكُّ حبالي
صوت العاصفة
هو الذي يقودني نحو الضفاف الأخيرةِ
حيث أنا ساخنٌ وأبيضُ
حيث أن مشدودٌ من خَطْمي
حيث أنا تائهٌ وذاهبٌ
أنتِ هنا يا حبيبتي
لا تبتعدي
نامي علي جنبك الأيسر
لا تقولي: اليومَ لفمي
وغداً لجهاتي الأخري
قولي : اليوم لكل آنيتي وأباريقي
اليومَ لي
بعد العاصفةِ
سنعرفُ أين نجد الأرضَ التي نبحثُ عنها بعد العاصفةِ
سأمشي خلف رسوم الكاتدرائيات والمعابد والكهوفِ
سأمشي خلفَ السفينة الراسيةِ أمام ساحلينِ
سأمشي خلف نفسي
خلف أغنياتي وأغنيات سواي
لا تبتعدي
نامي علي جنبك الأيسرِ
نامي علي الجنبينِ
بعد العاصفة
سأمشي خلف صورتكِ المحفورةِ بالفحمِ والرذاذِ والنومِ
المحفورةِ بماء الوردِ والتنهُّدات
وبالجراح الغائرةِ
باليشمك والفستان الجابونيز الأبيضِ
بالغلالات الزرقاءِ
بالدماء التي لا تتجمدُ
سأمشي خلف صورتكِ كأنني الملاكُ المناوبُ
كأنني سوتيانكِ ،
كأنني الحليبُ الممزوجُ بالماءِ
وسوف أصل إلي مدينتي
وشارعي
وبيتي
سوف أصلُ هكذا إلي سريري
وأنام مثل النبيذ المعتّقِ
مثل النبيذ الحلو المعتّق
وإذا تأخّرتْ الرؤيا
سأنظّفُ الشرفةَ وأفتحها
وأرتدي ثيابي اللمّاعة
ثيابي التي أشتريتُها من أجل أنْ أخلعها أمامكِ
وأحضن الهواءَ بغير مبالاةٍ
أحضنُ الهواء
وأعترفُ :
يا أيها الطائشُ
يا أيها القديسُ
يا أيها المتعفّفُ الفاجرُ
يا أيها المشبوهُ
أنا الذي سقطتُ من سريري
أنا الذي لم أجد الأرضَ
أنا الذي أصبحتُ أخافُ من القبلاتِ
أنا الذي أصبح وجهي
يدلُّ العابرينَ علي وجه حبيبتي
أنا الذي كافأني الله
وختَمَ قلبي بخاتَمِ العهدِ
بخاتَم اللاعودة
بخاتَم الولايةِ
أنا الضائعُ المفتونُ الفرِحُ الممسوسُ الظّاهرُ الباطنُ المالكُ المملوكُ .. إلخ إلخ إلخ
العاشق
ناريمان.. امرأة حكيمة ، تصنع الكحل على عينيها عندما تصحو ولكنها عندما تشاء النوم تصنع الحنين ولأنها لم تزل عذراء فهى تغطى ما بين فخذيها بقماش سميك وصفته لها إحدى العرافات ، ويقال أنها قرأت فى مدونات الجدة عن طيور ملونة تنقر طوال الليل الفروج العارية والمغطاة بالشفاف من القماش ، ويقال أنها اختلط الأمر عليها فأحكمت إغلاق السبيل إلى نهديها أيضا، ولبست الجوارب الصوفية ولم تزل بأمها حتى أتتها بسرير له مظلة تمنع حتى الهوام واختارت الملاءات والمساند ومرأة صغيرة أطليت من الخلف بالقصدير وزينت حرفها بالعاج، ومنذ ذلك اليوم وناريمان تنام عارية ، تلمس زنبقة النهد فترى احمرار فى المرآة، وترتعش عندما تستعيد خصائص العانة، وتدرس فى صمت هل تقصها أم تتركها علها تصبح كالإبر ، وخزها يذكر بما تتكتمه الجماعة فتتأرجح ، تقصها ثم تحزن لأنها لم ترغابة سوى غابتها، وتتركها ثم تحزن لأنها تخاف دائما صمت الغابة، ولأن ناريمان امرأة حكيمة فهى اشترت من بائع عاديات جلبابه من الالياف دولابا فضيا ، حشت قلبه بالأوراق البيضاء، ومن رجل مجهول له لحية رمادية أتت بريشة ومحبرة وقصاصات تشبه زوارق النجاة، رسمت عليها قلوب حافية تجرى على الرمل… ووضعت الأشياء جميعا الى جوار الأوراق ولكنها لم تلصق قصاصة واحدة بورقة واحدة، ولم تغطس أبدا عنق الريشة فى المحبرة، ولذلك فهى تغلق الدولاب، وتضع مفتاحه فى حفرة عميقة بين السوتيان والنهد مادامت ليست عارية، وسرير ناريمان يعرف هواجسها، لكنه لم يذكر شيئا عنها، لأنه لم ينم عليه أحدا، ويقال أنه لم يصدر صوتا حتى اليوم لأن ناريمان خفيفة، أصابع رجليها أصغر من حب التوت ، وفمها يسع قبلة بالكاد ، ولذا فهى لاتنطق بالكلمات الكبيرة خشية أن تخنقها،وإذا شربت فلأنها تريد أن تحمم الحيوانات الصغيرة التى فى جوفها.. وناريمان لاتهمل الماء منذ أن تأخرت مرة فعوت الحيوانات، وسمع عواءها كل من نظر خلف عينيها،خاصة الرجال المرحون والنساء الحاذقات وعندئذ عرفت كيف تغمض عينيها وكيف ترخيهما وهى لاتنظر كثيرا إلى عورتها لأنها لاتعرف كيف ستصبح العورة ميزة ، ولكنها تسمع هسيس الفراشات حولها ، دائما تحاول أن تطردها بأصابعها ودائما تعضها الفراشات، ولذا فأظافر ناريمان مكسورة بقطيفة حمراء حتى وهى ذاهبة إلى العمل ، ورأت ناريمان أن هذا تجميل ليديها ، ورأت أن معظم أصابع النساء مكسوة بقطيفة حمراء فخمنت وأمتلأت بالفرح لأنها أصبحت واحدة منهن، وأخذت تضع يديها فى موضع العورة كلما اختلت بنفسها، وتنادى الفراشات، وتهيجها بأن تحرك أصابعها فى براءة وفتور آمنين، وهكذا أصبحت أصابع ناريمان دقيقة وجميلة ومحلاة باللون الأحمر، ومنذ أن تربصت بناريمان الأحلام وهى لاترى سوى حلم وحيد، ولأنها تخشى ألايتحقق فهى لا تحكيه، ولكنها تضعه تحت لسانها وهذا يؤكد أن فمها الذى يمضغ الأحلام ملىء بالريق وأن أسنانها لن تفسد خاصة أنها لاتقرأ الشعر ولا تعرف أدونيس وسعدى وأحمد طه وأنس الحاج، ولكنها تعرف مايعرفونه، فأقدام المرأة فى حسبان ناريمان لم تخلق للمشى إلا إذا كانت المرأة طفلة أو عجوزا، وإنما لرفع السماء كأعمدة إذا هيىء لها أن تسقط فوق الأرض وعنق المرأة جسر موشي بالعرق والخمول نعبره ونترك فوقه قلوبنا حتى نستطيع قتال الفراشات حد الاستماتة، والدخول إلى قيعان مسكنها المظلم، وصوت المرأة هو المصباح الوحيد الغامض والمبحوح الذى يدل على الطريق عبر هذا الظلام، أما الثديان فأحبولتان تعلق فى طرفيها الكون كله، وإذا تهدلا. أصبح الكون خرقة، ولذا فناريمان أحيانا تخاف وإذا خافت اختبأت خلف حروف جسمها، وأنشدت أناشيد الوديان السبعة: الأزمنة الأولى بالنسيان
هى المملوءة
بالعربات
وبالزوار
وبالريح النائمة على فستان الوردة م
ماذا لو صارحت الله
بأن الوردة ليست تصلح لى.
عائلتى
ليست تصلح لى
فأنا واحدة
ومغطاة بالأيام الماضية
المنذورة للأحلام
وكل حقولى اتحدت
كى ينفجر القمح
فاصبح كل سنابله الذهبية
أرضا تنشر جسمك فيها
إن فاجأك النوم
وما يكفيك من الكلمات
اقطفه من أعضائى
واستر جسمك
ليس يراك سواى
وليس يرانى غيرك
عن ملامح وجهي و قلبي
عبد المنعم رمضان - مصر
لا تخافوا انفرادي بمحبوبتي
فالغيومُ حقائبُ
تحملُ جدرانَ جسمي
ولا قامةٌ تنحني عند بابٍ
ولا قدمٌ تتسلّخُ من ملمسِ الرملِ
أحشدُ في رئتي الناسَ
ثم أصلّي بهم في الفيافي
وأصلُبهم في خُطايْ
وأنتم ترفّون مثلَ العصافيرِ
سوف أشارككم في الغناءِ
أشارككم في التقاط الحصى من منابع قلبي
أشارككم في اللجوء إلى ربوةٍ بالمقطّمِ
لستُ أشارككم في السفرْ
بين جمّيزتين أرى القاهرهْ
وعند التصاقي بجسم الحبيبةِ
يطلع من بيننا جسدُ القاهره
في الرواق القديمِ
إذا أفسدتني الإقامةُ
تخطفني قامةُ القاهره
أنا شجرُ الليلِ
لا تمنحوا جثّتي للبلاد البعيدةِ
لا تلجوا في التراب المقدّسِ
إلا إذا ذاب قلبي
ورفَّ كآنيةٍ
فانشغلتُ به عن فضاء يديَّ
وأصقاع جسمي
وكان إذا أوشك الليلُ أن ينقضي
ينقضي
حاملاً وجهَ محبوبتي
ثم منقسماً بين حدّ الولاءِ
وحدّ الفناءِ
وحُرّاً كفُلْك قضى أن يزولَ
أنا شجرُ الليلِ
كنتُ إذا جاء نحوي اللصوصُ
منحتُ اللصوصَ
وإن جاء نحوي المحبّونَ
أدخلتُهم في تجاويف قلبي
وأخرجتُهم يملأون الشعابَ
جميلينَ
مضطربينَ
ودلّكتُ جسمي بسعف النخيلِ
وبالدمعِ
ثم نزلتُ إلى النبعِ
أحرس محبوبتي
وأردُّ الذين أزحتهمو عن طريقي
في شوارع مصرَ القديمةِ
كنتُ أقول لها حين تعطسُ
ماذا أصابكِ؟
تنظرني وتقول:
أنا رئةُ القاهره
ليس قلبي بأرض العراقِ
ولستُ أرى وطني في الحجازِ
وليستْ دمشقُ الدماءَ
التي تتسرّبُ من بهجتي حين أفرحُ
إن تتركوني فلا تحسبوا أنني هالكٌ
هذه خيمةُ الشرقِ
مزّقتُ أطرافَها
كي أمدّدَ جسمي
إذا جاءني النومُ عند حدود الفراقِ
وأهبط كالأوّلين على أسقف الحلمِ
ثم ألوذُ
وأعرف أن المدينةَ ديوانُ شعري
وأعرف أن القصائدَ تهبطُ منها
وأسبحُ في الأبيضِ المتوسّطِ
أسبح في النيلِ
في الترعِ الجانبيّةِ
أبحث عن بهجةٍ
أستعينُ بها في القضاء على وحشتي
وأردُّ المدائنَ
أقصى الصعيدِ
وحلوانَ
والمرج
أفرشها في قميص من التلّ
ثم أعوذُ
فينحلّ عني القميصُ
وتصبح أغنيتي
مستطيلاً من الضوءِ
يكبر كالحزن حين أعود إليهِ
وينحلُّ مثلَ المسلات حين أفارقهُ
وأعود إلى وحشتي
كيف أنجو إذاً يا جميلةُ تعصينني
كيف أنجو؟
وماشيتي تتربّص بي عند مرعًى
وبعضُ الجميلاتِ ينظرنني
كيف أنجو
ولي خيمةٌ في الطريقِ
ولي أفقٌ ينحني؟
أنامُ
تنامين مثلي
وتنكمشين إذا ما تركتُكِ
تنتشرينَ
إذا جاءنا النيلُ
عند حدود التواصلِ
أنتِ القماشُ الذي فصّلتْه المدينةُ
فابتلع البردَ
أحمل قافيةً راودتني
وأُنزل فيها الخليقةَ
والطيّبينَ
وأفئدةَ الناسِ
ثم أُولّي بهم نحو أرضٍ
كستْني بأليافها
هذه أرضُ مصرَ
فلا تنشروا جسمكم فوق أرضٍ سواها
ولا تتركوني.
****
من قصيدة: كتاب الرؤى
رؤيا
من أين تفر البهجةُ?
من بين القدمين
وكيف تخور قواك?
إذا انقلبت شفتاك منازل للقصّادِ
ولم تَعُدِ الكلمات فرادى
وانصرفت عيناكَ
فكان الكل قطيعاً
والكلمات قطيعاً
هل غنيت كثيراً?
حين رأيتُ عصايَ تفرُّ وتسعى
والجلباب يطيرُ
وركن المقهى يطرد عنه القادة والثوار
ولغتي تطفر منّي
كنتُ وحيداً
يبدو أن الحلم انتشر بجسمي
فاحتقنت شفتايَ
وبحْتُ بسرّي
صار العالم محدوداً بقضاء الحلمِ
فبان الحلم فسيحاً لا ينحدُّ
وبنتُ فسيحاً لا أنحدّ
وأوشكتِ الأيام تصير مواسم
هل آذنتَ لغيرك?
كانت مثل الفُلكِ
أقلتْني
فتركتُ الوحشة تنزل في جمجمة الماضي
وانفردت ذاكرتي بالإيناس
فكنتُ إذا عاودني الحلمُ
رأيتُ فراشة جسمي
تحضن فوق سريري نهراً
قلت تكون الفلكُ مواخر تجري فيه بأمري
هذا زمن الصوت الصاعد في البريّة
يسعى نحو البر, البحر
فلا ينفسح البر, البحرُ
فيسعى نحو الرؤيا
رؤيا
هو ذا أغمضتُ العالم عني
وافترق الباقون
وأومضتِ الكلماتُ
تبيّن لي قدّام الباب ضبابٌ
وسراديبُ
وأوشك أن ينزلق العالم من قدميّ
فرحتُ أفتش عن عكازٍ
يدفع عني الرهبة
واستندتْ كلماتي بالكلمات الغُفْل
استند القاموس المتدحرجُ
من أعضائي
وخلايايَ
بقائمة الأفعال
وخاب المسعى...
من قصيدة: النصب التذكاري
أخشى أن أرتادَ الشارعَ وحدي
أخشى أن يسألني العسكرْ
أين بطاقتك الشخصيه?
هذي
هل تحمل في جيبك صورة من نعنيه?
أفتشُ
لا لا أحملُ
هل تعرفه?
أعرفُ
كان يغطيني في الليل
وفي المدرسة يقدم لي أحلاماً
وأناشيدَ
وبسكوتاً
وفطيراً
كان يطالبني أن أمشي فوق يديه
وأن أعتاد على أصوات الكورسِ
لما اقتربتْ رأسي من أكتاف الضابط
كنت أراها لامعةً
لم أعرف أن الضابط يشبهه
كم عمركَ?
منذ قليل كانت أيامي تتسع
ولا أرصدها
منذ قليل كنت أتم الستة عشر
وأخشى أن أتركها
لما مر الشهر الرابع بعد الستة عشر
انقلبتْ سفني
هل تعرفه?
أعرفُ
كان يغطيني في الليل
ولما انقلبتْ سفني
جاء إليَّ كثيراً
دق عليَّ الباب ولم أفتحهُ
انتظرَ ولم أفتحهُ
انصرف
وحاول أن يتجول فوق الماء
وكان الماء إذا أبصَرَهُ
يبدو كالوتر المشدودْ
ولما صار عليه
تَكشَّفَ عن أخدودْ
حاوَلَ أن يتجول فوق ندى الكلمات
فماتْ
عبدالمنعم رمضان
* عبدالمنعم رمضان أحمد حسن عبيد (مصر).
* ولد عام 1951 بالقاهرة.
* تخرج في كلية التجارة بجامعة عين شمس - قسم إدارة الأعمال 1976.
* متفرغ للإبداع الشعري.
* شارك في تأسيس جماعة (أصوات) التي أصدرت بعض الدواوين والأعمال الإبداعية, كما أصدرت في أواخر الثمانينيات مجلة (الكتابة السوداء) التي لم تستمر وتوقفت بعد عدد واحد. واهتمت الجماعة أيضاً بالآداب المكتوبة في الأربعينيات, وترجمة المكتوب منها بالفرنسية, وخاصة جورج حنين.
* بدأ ينشر شعره عام 1974.
* دواوينه الشعرية: الحلم ظل الوقت, الحلم ظل المسافة 1980- الغبار 1994 - قبل الماء.. فوق الحافة 1994 - لماذا أيها الماضي تنام في حديقتي 1995 - غريب على العائلة 2000 - بعيدا عن الكائنات 2000.
* حصل على جائزة المنتدى الثقافي اللبناني في باريس 1998, وجائزة كفافيس 2000.
* ممن كتبوا عنه: جابر عصفور, وصبري حافظ, ومحمود أمين العالم, وصلاح فضل