يبدو أن إمكانيات الإنسان لارتياد أجواز الفضاء الكوني السحيق أيسر كثيراً منها إلى بلوغ أعماق الأرض التي تحت قدميه. وبرغم الفروض العلمية التي قدمها الباحثون من علماء الأرض عن باطنها، إلا أن أسرارها لم تزل حبيسة في عمق باطنها البعيد، ولا يعلم إلا الله وحده كل ما يعتمل داخل هذا الكوكب، وما يصحب ذلك من ظواهر تؤثر على سطحه.
قال تعالى: "يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها" (سورة سبأ: 2
لكن الإسلام –إسلام القرآن الكريم والسنة المطهرة- يطالب العقل البشري بالتعرف على ما في الكون بالمشاهدة والبحث التجريبي وصولاً إلى حقائق الأشياء.
فقال تعالى: "قل انظروا ماذا في السماوات والأرض" (سورة يونس: 101.
ولقد ساعد العلم الحديث على معرفة الكثير عن الأرض وقشرتها كما بدت لرواد سفينة الفضاء أبوللو 8 عندما ظهرت من وراء القمر بعد أن دارت حوله لأول مرة في شهر ديسمبر عام 1968م على ارتفاع 160 ألف كيلو متر في الفضاء، حيث تأكد لنا منظر الأرض في شكل كرة صغيرة جميلة المنظر يحيط بها ظلام الكون اللا محدود، وشعر الإنسان مع هذا بمدى الحيز الذي يشغله كوكب الأرض من هذا الكون الفسيح. وإذا كانت دراسات العلماء تبين أن القشرة الأرضية يتراوح سمكها بين 5و 50 كيلومتراً، فإن هذا القدر الذي أراده الله تعالى لسمك قشرة الأرض ضرورة للحياة عليها. وهم يتفقون على أن القشرة الأرضية تتكون في طبقاتها العليا من صخور رسوبية، تليها طبقات جرانيتية، ثم طبقة ثالثة من صخور أكثر كثافة تتفق خواصها وخواص البازلت. وتتكون القارات من صخور خفيفة نسبياً، أما قاع المحيطات فيتكون من صخور أقل نوعاً، ومن ثم يوجد بينهما حالة من الاتزان، حيث ترتفع القارات بحكم خفة صخورها. فتتكالب عليها عوامل التعرية، ثم النقل، ثم الترسيب في قاع المحيط حاملة معها من معادن القشرة الأرضية الكثير مما يبقى معلقاً في الماء أو يرسب مع رواسبه، ومن ذلك الذهب والفضة والبلاتين وغيرها. يحدث الترسيب فوق الصخور الأثقل نوعاً في المحيط ويتبع ذلك انخفاض مستمر لقاع المحيط يناظره غوص في الطبقة التالية من طبقات الأرض، فيحدث التوازن بمزيد من الارتفاعات في القارات، ولو وكانت الأرض ملساء دون منخفضات أو تعاريج لغمرها غلاف مائي سميك.
أما باطن الأرض الذي يلي قشرتها فيقسمه العلماء إلى قسمين كبيرين: الأول يسمى الوشاح أو الدثار، وهو طبقة صخرية صلبة تمتد تحت القشرة الأرضية حتى عمق حوالي ثلاثة آلاف كيلو متر، وتمثل هذه الطبقة نحو70% من كتلة الكرة الأرضية بكاملها، وفيها توجد بؤر الزلازل التي تضرب سطح الأرض وما عليها بين الحين والحين. والقسم الثاني من باطن الأرض هو "اللب" ويمثل المجهول كله، ومع ذلك فإنه يخضع في تركيبه لتفسيرات علمية تستند إلى ما تخرجه الأرض من أثقالها