«حين كنت في المستشفى، لم أكف عن أن أقول لهم إن الحبوب لن تنفعني لأن مخي ميت. فقدت حاسة الشم والتذوق. لم أحتج إلى أن آكل أو أتكلم أو أن أفعل أي شيء. انتهيت إلى قضاء الوقت في ساحة المقبرة لأنها كانت أقرب مكان إلى الموت أستطيع الوصول إليه».
استيقظ هنري منذ ثماني سنوات واكتشف أنه ميت.
كان في قبضة متلازمة كوتار. يعتقد الناس الذين يعانون هذه الحالة النادرة أنهم أو أجزاء من أجسادهم لم تعد موجودة.
بالنسبة إلى جراهام، كان مخه هو الذي مات، حيث اعتقد أنه قام بقتله. فبما أنه عانى من اكتئاب حاد حاول الانتحار بتوصيل تيار كهربائي إلى حوض الاستحمام المليء بالماء.
بعد ثمانية شهور. أخبر طبيبه بأن مخه مات أو على الأقل مفقود. يقول: «من الصعب جدا شرح هذه الحالة، لقد شعرت فقط بأن مخي لم يعد موجودا. كنت أخبر الأطباء أن الحبوب لن تفيدني لأني لا أملك مخا. لقد شويته في حوض الاستحمام».
وجد الأطباء أن من المستحيل عقلنة المسألة مع جراهام. حتى وهو يجلس أمامهم يتحدث ويتنفس- يعيش- لم يستطع أن يقبل أن مخه حي. يقول: «لقد انزعجت فقط، لم أعرف كيف كنت أتحدث أو أفعل أي شيء من دون مخ، في رأيي لم يكن لدي مخ».
ونتيجة للحيرة التي أصابت الأطباء، فقد قاموا في النهاية بنقله إلى طبيب الأعصاب آدم زيمان في جامعة اكستر بالمملكة المتحدة وستيفن لوريس في جامعة لييج ببلجيكا.
يقول لوريس: أول مرة والمرة الوحيدة التي تقول لي فيها سكرتيرتي: «ضروري جدا أن تأتي لترى هذا المريض، لأنه يقول لي إنه ميت.
حالة البمبوس
يقول زيمان: «كان فعليا مريضا غير عادي». كان اعتقاد جراهام «استعارة لما شعر به إزاء العالم – لم تعد خبراته تحركه. شعر بأنه في منطقة البمبوس معلق بين الحياة والموت».
لا أحد يعرف كم هي شائعة متلازمة كوتار. وجدت دراسة نشرت في 1995 من 340 مريضًا نفسيًا بالغًا في هونج كونج، اثنان يعانيان أعراضًا تماثل أعراض متلازمة كوتار . لكن مع العلاج الناجح والسريع للحالات العقلية مثل الاكتئاب - الحالة التي يظهر نتيجة لها متلازمة كوتار في الغالب - يشك الباحثون بأن المتلازمة ناردة اليوم. معظم الدراسات الأكاديمية عن المتلازمة محصورة في دراسات عن حالة وحيدة مثل جراهام.
وذكرت التقارير أن بعض الناس الذين يعانون متلازمة كوتار ماتوا جوعا، اعتقادا منهم بأنهم لم يعودوا بحاجة إلى الطعام. وحاول آخرون التخلص من أجسادهم باستخدام الأحماض التي رأوا أنها الطريقة الوحيدة لتحرير أنفسهم من كونهم «موتى متجولين».
حرص شقيق جراهام على أن يأكل وقام برعايته. لكنها كانت خبرة كئيبة، يقول: «لم أرغب في مواجهة الناس. لا هدف من هذا. لم أشعر بالمتعة في أي شيء، اعتدت أن أحب سيارتي، لكني لم أقترب منها. وهنت كل الأشياء التي كانت تثير اهتمامي».
حتى السجائر لم تعد تمنحه أي متعة. «لقد فقدت حاسة الشم والتذوق. لم يكن هناك مغزى من الأكل لأني كنت ميتا. كان مضيعة للوقت أن أتحدث لأنه لم يكن لدي ما أقوله. في الحقيقة لم يكن لدي أي أفكار. كل شيء كان بلا معنى».
تمثيل غذائي منخفض
قدم نظرة خاطفة على مخ جراهام التفسير لكل من زيمان ولوريس. التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني ( PET) لمراقبة عملية التمثيل الغذائي عبر مخه، كان أول مسح لشخص يعاني متلازمة كوتار. ما وجداه كان صادما: كان نشاط التمثيل الغذائي عبر مناطق ضخمة من مناطق المخ الأمامية والجانبية، منخفضا جدا بحيث بدت أنها لشخص في حالة غيبوبة.
تشكل بعض من هذه المناطق جزءًا مما يعرف بـ«شبكة النشاط الأساسية»- نظام معقد من النشاط يعتقد أنه حيوي في الوعي، ونظرية العقل. هذه الشبكة هي المسئولة عن قدرتنا على تذكر الماضي، والتفكير في أنفسنا وخلق الإحساس بالذات وتسمح لنا بإدراك أننا الفاعلون المسئولون عن أفعالنا.
يقول لوريس: «إنني أقوم بتحليل المسح منذ 15 عام ولم أر أبدا شخصا يقف على قدميه ويتفاعل مع الناس بمثل هذا المسح غير الطبيعي. يشبه وظيفة/عمل مخ جراهام شخص في غيبوبة أو نائم. أن أرى هذا النموذج/ النمط في شخص صاح خبرة فريدة في معرفتي».
يمكن أن يكون مسح جراهام قد تأثر بمضادات الاكتئاب التي تناولها، وكما يشير زيمان من غير الحكمة أن نستخلص عدة نتائج من مسح لشخص واحد. لكن، يقول زيمان: «يبدو مقبولا أن التمثيل الغذائي المنخفض يعطيه خبرة مختلفة عن العالم ويؤثر في قدرته على إدراكه».
يقول لوريس: «لا نعرف كيف نعرّف الوعي». على الأقل الحالات غير العادية مثل حالة جراهام تضيف إلى فهمنا عن كيف يخلق المخ إدراك الذات وكيف يمكن إتلافه.
بالنسبة إلى جراهام، لم يعن المسح الكثير بالنسبة له «أشعر فقط بالإرهاق والتعب». تحولت أسنانه إلى اللون الأسود لأنه لم يعد يزعج نفسه بتنظيفها، بما أنه ميت.
يقول جراهام إنه ليس لديه أي أفكار في الحقيقة عن مستقبله خلال هذا الوقت. «لا أملك خيارًا آخر غير أن أقبل حقيقة أنني لم أمت. لقد كان كابوسا».
مصيدة ساحة المقبرة
حثه هذا الظرف على زيارة المقبرة المحلية. «أشعر أنني يمكن أن أبقى هناك كذلك. إنها الأقرب إلى الموت. يأتي رجال الشرطة ويمسكوني ويأخذوني إلى البيت».
توجد بعض العواقب المبهمة لهذا الاعتلال. يقول جراهام إنه اعتاد على أن يملك «ساقين مشعرين جميلين»، لكن بعد إصابته بمتلازمة كوتار سقط كل الشعر «أبدو مثل دجاجة منتوفة الريش! وفَّر علي حلقهما على ما أعتقد».
لطيف أن نسمعه يضحك. مع الوقت ومع كثير من العلاج النفسي والدواء تحسَّن جراهام تدريجيا ولم يعد بين قبضتي المرض. وقادر الآن على العيش مستقلا. يقول زيمان: «لقد تراجع كوتار، وقدرته على الشعور بالمتعة في الحياة عادت».
«لا أستطيع أن أقول إنني عدت طبيعيا لكنني أشعر بالتحسن الآن وأخرج وأفعل أشياء كثيرة حول المنزل. لم أعد أشعر بأن مخي ميت. فقط تبدو الأشياء غريبة قليلا في بعض الأحيان» وهل غيرت هذه الخبرة شعوره تجاه الموت؟ يقول «أنا لا أخاف من الموت، لكن لا علاقة لهذا بما حدث - سنموت جميعنا يوما ما. أنا محظوظ أني على قيد الحياة الآن».