شرفات ليلى
باب و نافذة
بابٌ و نافِذةٌ
و كلُّ الأرضِ دونهما مَنَافِ
و الروحُ حولهما حمامٌ لا يريدُ منَ الطوافِ
سِوى الطوافِ
و ضِحكةِ امرأةٍ تذُرُّ الدفءَ في القلبِ الفقيرِ
و للعصافيرِ الشريدةِ في دمي قمحَ الكفافِ
بابٌ و نافذةٌ
أمامهما أنا
مدٌّ و جزرٌ
ثمَّ مدٌّ
ثمَّ جزرٌ
ثمَّ يصعدُ في دمي زَبَدُ القوافي
* * * *
شرفة الانتظار
كنتُ انتظرتُكِ في المساءِ
كأيِّ بحَّارٍ عتيقٍ شاخصٍ في البحرِ
يصطادُ الأغاني
و الزجاجاتِ التي تطفو على زبدِ الشواطئِ
علَّها حمَلَتْ بريداً ،
و انتظرتُكِ ...
مثلَ ( شحَّاذٍ ) على ( الكورنيشِ )
يستجدي التحيَّةَ و السجائِرَ ،
و انتظرتُكِ ...
لم أقُلْ إنَّي مَلَلْتُ ،
و لم أفكِّرْ في اعتذاركِ ،
قلتُ تكفيني التحيَّةُ ، بل
سيكفيني عبورُكِ مثلَ غيمِ الصيفِ في حلمي
انتظرتُكِ ...
لم يكُنْ يوماً طويلاً أو قصيراً ،
غيرَ أنَّ الوقتَ غادرني على مَهَلٍ
على مَهَلٍ
فنمتُ كأيِّ مقهىً في المساءِ يوَدِّعُ العشَّاقَ
ثمَّ يَغُطُّ في أحزانهِ
كنتُ انتظرتُكِ ...
قلتُ أختَبِرُ القصيدةَ بانتظارِكِ ،
قدْ يساعدني شرودي في اختصارِ الوقتِ /
لكنّي انتَبَهتُ إلى ارتباكِ الحرفِ في لغتي ،
انتبَهتُ إلى المكانِ يوَدِّعُ العشاقَ ،
و انتبهَ المكانُ إلى غيابكِ ....
و انتظرتُكِ ...
لم أقُلْ إنَّي مَلَلْتُ ،
و لم أفكِّرْ في اعتذاركِ ،
و انتظرتُكِ ...
و انتظرتُكِ ...
و انتظرتُك ...
* * * *
شرفة كانون
في الليلِ ،
- في الركنِ القصيِّ منَ التأمُّلِ -
أرقبُ الأيامَ عن بعدٍ
و أحصي ما تبعثرَ من رفاقي في بلادِ اللهِ
أذكرهم
و أنصتُ لانهمارِ العمرِ في كانونَ كالثلجِ الحزينِ يُشيِّعُ العامَ العجوزَ ،
و يحتفي - مثلي - بزهرٍ يابسٍ بينَ الرسائلِ
كانَ يحملهُ السُعَاةُ من الشمالِ ،
و كنتُ أنكِرُ آنَ ذاكَ بأنَّ لي جهةً تشدُّ القلبَ ،
لكنَّ الحنينَ وِشايةٌ كالعطرِ تفضحُ لفتَةَ الروحِ الخجولةَ كلَّما ذُكِرَ الشمالُ
و مالَ بي القلبُ الجموحُ ( كزهرةِ العبَّادِ )
نحوَ نوافذٍ أكلتْ ملامحَها الطحالبُ /
أذرُعُ ( اللبلابِ ) و الصدأُ العنيدُ ...
كأيِّ طفلٍ أحتفي بالثلجِ في كانونَ ، أنتظرُ الصباحَ لأرشُقَ الشرفاتِ و القِططَ الكسولةَ قربَ بابكِ
- بابكِ المنسيِّ -
أرمقهُ و أصغي لانهمارِ الثلجِ في روحي الغريبةِ :
ربَّما ابتعدتْ نوافِذنا كثيراً /
أو ملامحُنا قليلاً عن طفولتها
و لكنْ لم يزلْ كانونُ طفلاً
مثلَ عادتهِ يجيدُ الثلجَ /
يرشقنا فتصحو في قساوتنا الطفولةُ /
لم يزلْ ...
و أنا كطفلٍ لم أزلْ أهوى التسكُّعَ ...
أينما اتجهتْ خُطايَ تُظِلُّني شُرُفاتُ بيتكِ
و الجهاتُ الخمسُ تتبعني كظلّي :
في الجنوبِ الأصدقاءُ الخائنونَ يُلَفِّقونَ وشايةً عنا /
الشمالُ بريدكِ السريُّ يهطلُ في المساءِ من النوافِذِ /
لا أحبُّ الشرقَ ؛ يَحجبكِ الصباحُ كنجمةٍ /
غربٌ لأفتَتِحَ القصيدةَ في هبوبِ الذكرياتِ /
و قِبلةٌ للحزنِ أنتِ
* * * *
شرفة الناي
أنا لا أحبُّ النايَ يَكسِرني كصوتكِ .
سروةُ الليلِ العجوزُ تَسدُّ نافِذةً بقلبي
ثمَّ ينقرها الحمامُ -حمامُ صوتكِ -
لا أحبُّ النايَ
نافذةٌ فقطْ
تكفي لينتشرَ الصباحُ على رسائلنا فتصحو ،
لم نكُنْ غرباءَ جدَّاً .. إنَّما
للحبِّ منفاهُ الجميلُ
و مهنةُ الناياتِ أدمعنا
أحبُّكِ ،
كم أحبُّ النايَ / صوتَكِ
من شقوقِ الليلِ يأتي ثمَّ يُشرِعُ في جِدارِ الحلمِ
نافذةً على أعشابهِا ريحُ الأصابعِ حينَ تنقرُ باتِّئادٍ
قمحَ موعِدنا الشحيح ...
* * * *
( قمرٌ ) على وجعِ المدينةِ
قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ
و الريحُ وشَّحها النحيبُ
و أراكَ تمرُقُ دونَ وجهٍ
لا تُبادِلكَ المرايا لفتَةً من عُريها
هل خانتِ المرآةُ وجهكَ يا غريبُ ؟
أم خنتَ ذاكرةَ المرايا ؟
لا صدىً عندَ انكساركَ حين تحدو
لا صدىً ...
بُحَّ النشيدُ الملحميُّ و لا مجيبُ
لكأنَّنا اعتدنا المنافي
بعدما نأتِ الديارُ بساكنيها ،
من على وجعي أُطلُّ على الحِمى
لا بعدهم سكناً تطيبُ
و الآنَ تعبرني الظعائِنُ
لا الربابُ تهزُّ أدمُعيَ العجافَ ،
ولا القصائِدُ ،
لا ... و لا الراياتُ تلفحُها الرياحُ ،
كأنَّ أندلساً تغيبُ
لا القلبُ تفزعهُ الظلالُ الراعِشاتُ على الستائِرِ ،
فلَّةٌ بالبابِ ما انتبهت لخطوي
كلُّ شيءٍ صارَ ينكرني تماماً ها هنا ،
حتَّى الصدى قد باتَ ينهرني ، أبي ،
" لا أنتَ أنتَ ، و لا الديارُ ... "
الآنَ تُنكِرُني النوافِذُ
حينَ أعبرُ عتمَها صِفْرَ الملامحِ ،
ثمَّ أشهقُ مثلَ ماءٍ هزَّهُ حجرٌ ؛
كأنَّ دوائرَ الغرباءِ تنأى
ثمَّ تنأى كالصدى عنّي ،
أغنّي
حينَ أعثرُ مثلَ عكَّازٍ ترنَّحَ في يديكْ
أسفي عليكْ
أسفي عليكَ إذا خذلتكَ يا أبي /
إنْ خانتِ العيرُ انتظاركَ نِصفَ عمرٍ
لا قميصي عادَ يحملهُ المبشِّرُ ،
لا ( منامٌ ) زفَّني بشرى إليكْ
أسفي عليكْ
الليلُ يعبرني وحيداً
عندَ أطرافِ النهارِ ، على شفا امرأةٍ
أُنيخُ مدامعي لتخونها !
و الدمعُ يخذلني عليكْ
أسفي عليكْ
قمرٌ على وجعِ المدينةِ ،
و الدروبُ متاهةٌ
لا بابَ يطرقهُ المسافِرُ ها هنا ،
في وحشةِ الطرقاتِ تعلكني وجوهُ العابرينَ
و لا نوافِذَ يا أبي للطفلِ تشرعها يداكَ
بكوبِ ماءٍ
لا نوافِذَ يا أبي ...
قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ ،
و خُطاكمُ
حبقٌ على الطرقاتِ تفركُهُ النسائِمُ ،
لم تزلْ كلُّ الجهاتِ عليكَ تشرعني مُدىً
لكأنَّني ريحٌ على جمرِ المسافةِ بيننا
أو حِقدُ عوسجةٍ تُخاصِرُ ساعديكْ
أسفي عليكْ
مازالَ يرقبكَ الزوالُ ، على التخومِ
تُقَلِّبُ الصورَ التي حفظت وجوهَ الغائبينَ
و ما تَساقطَ من فُتاتِ الذكرياتِ ،
كأنَّهُ حلمٌ ...
كأنّي ما سَمِعتُ صراخكَ المحمومَ :
( يا بنَ الكلبِ ) اِرجعْ !!
لم يَعُدْ في العمرِ متسعٌ إليكْ
أسفي عليكْ
قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ
و الدربُ أحجيةُ المسافِرِ، و الصدى كَذِبُ
العراءِ و خطوتي ضلَّتْ هناكَ ، فيا أبي :
لا بدَّ من طرقٍ تعودُ ليرجعَ المنفيُّ محمولاً
على الأكتافِ تنطرهُ الدموعُ
فَمَنْ سِواكَ يضمُّ قامتكَ النحيلةَ
حينَ يفجعُكَ الجوادُ بغيرِ سرجٍ عائداً ؟!
أَبَتَاهُ منْ ؟
أَبَتَاهُ منْ ؟
أَوَكُلَّما مرَّ الحُداةُ هجرتَ حلمكَ حافياً
تقفو الصدى ؟
: إنّي أكادُ أشمُّ ريحكَ يا بنيَّ على المدى
- كمْ مرَّةً سأخونُ حدسكَ يا أبي ؟
و أقولها ملءَ انكسارِكَ :
لم يَعُد من كانَ تنطرهُ الشِفاهُ بقُبلةٍ
كَذَبَتْ عليكَ الريحُ ..
قدْ كَذَبَتْ عليكْ
أسفي عليكْ
قمرٌ على وجعِ المدينةِ رابضٌ
و القلبُ لفَّعَهُ السوادُ ، ...
حمامةٌ في وحشةِ الأضلاعِ قد هَدَلت عليكْ
أسفي عليكْ
* * * *
جنة الأوجاع
أوجعتنا يا حبُّ ،
هل سِرنا طويلاً نحوَ مائِكَ ؟
فاعترفنا بالسرابِ ، و لم نَتُبْ عن جَنَّةِ الأوجاعِ ، أسرفنا المدائِحَ في هِجائِكَ
و ارتدينا يأسنا حينَ انكسرنا عندَ أولِ خيبةٍ
لكنَّنا عدنا ، و لم نعبأْ بتاريخِ الهزائِمِ
كانَ ينقصنا جحيمكَ كي نداوي روحنا بالحزنِ من فرطِ النهاياتِ الجميلةِ / ندَّعيها ؛
عاشِقٌ يلقى حبيبتهُ ، تقولُ :
هواكَ يوجِعني ، و لكنّي كَبرتُ
و والدي ( الكرديُّ ) يرفضُ جَنَّةَ الغرباءِ ،
فلتُصبِحْ صَديقي ...
يضحكانِ و يمضيانِ ، كأنَّ شيئاً لم يَكُنْ !
- هل كنُتُ أضحكُ ؟
- رُبَّما ...
لكنَّهم قالوا
بأنَّ صَديقيَ ( الكرديَّ ) باغتني مساءً
تحتَ شرفَتِها أُكَفْكِفُ أدمُعي يومَ الزفافْ
* * * *
المبَشَّرون بالحزن
إلى أولئكَ الذينَ عاهدتهم بأنني :
( سأصلُ إلى النهرِ يوماً ... و أغسلُ من وسخِ الأيامِ حذائي )
( 1 )
و أُنيخُ شعري للذينَ خذلتهم
و أخصُّ أُنثايَ التي
خفضتْ جناحَ القلبِ لي
فَعَرجتُ من وجعِ الترابِ
كأنَّني حلمٌ شَفيفُ
و أكادُ ألمحُ في الهواجِسِ من يطوفُ
( أمّي )
* * * *
( 2 )
و إلى اللواتي كنتُ ثامنَهنَّ ننتَظِرُ الولادةَ ،
كلَّما نشبَ العراكُ على البيادِرِ قُلْنَ لي :
لا بدَّ تاسعنا سيأتي كي يقاسمكَ انكساركَ
يا وحيدُ
و ها كبرنا ،
لم أزل وحدي المتوَّجَ بانكساري
ليسَ لي إلا نشيدي حينَ تَشخَصُ أعينُ الأصحابِ حولي كالضواري
ثمَّ يختَتِمُ العراكَ على الحصى دَميَ النَزُوفُ
و أكادُ ألمحُ في الهواجِسِ من يطوفُ
( أخواتي )
* * * *
( 3 )
و إليَّ ...
مكتظَّاً ضياعَ السابقينَ /
اللاحقينَ
كما اشتهتني بعدها ؛
قلبي على مرمى المنافي محضُ حلمٍ لا يُفَسَّرُ /
نصفُ بابٍ
ملَّهُ النصفُ الرديفُ
و أكادُ ألمحُ في الهواجِسِ من يطوفُ
( أنا )
* * * *
( 4 )
و إلى رِفاقِ الملحِ يخطفهم غداً
من أضلعي
غدرٌ أليفُ
و إلى الطفولةِ حينَ قالوا :
ماتَ جدُّكَ ،
قلتُ : كيفَ ولم يُوَدِّعني ؟
انتظرتُ رجوعهُ عاماً
ليُكملَ قصَّةَ ( المصباحِ و الكهفِ القديمِ )
و قالَ : يأخذني إلى التلِّ البعيدِ
أمَسُّ قطنَ الغيمِ عن كثبٍ /
سيُخبرني الحقيقةَ كيفَ تنجبنا النساءُ ،
فَكَكْتُ أحجيةَ المساءِ و لم يَعُدْ
لا .. لم يَعُدْ
وكأنَّما عمرُ الذينَ أحبُّهم
بالكادِ إيقاعٌ خفيفُ
و يظلُّ يخفتُ ،
ثمَّ يخفتُ
ثمَّ يدهمني ضياعي
حينَ يذوي في صهيلِ الريحِ
مصباحي الكفيفُ
وأكادُ ألمحُ في الهواجِسِ من يطوفُ
( رفاق الملح )
* * * *
( 5 )
و إلى التي نَصَبَتْ كمائِنَ ذكرياتي ،
كُلَّما ضاقتْ بلادٌ في نشيدي المرِّ
و انطَفأ المدى
و كبوتُ في عتَماتِ نفسي
راشقتني بالندى
فاخضرَّ في الأفقِ المحاصرِ
فوقَ هاويتي رَصيفُ
و أكادُ ألمحُ في الهواجِسِ من يطوفُ
( حلب .. )
* * * *
( 6 )
إلى الذي كالرايةِ البيضاءِ يجثو منهكاً
على رصيفِ العمرِ في أوجِ الزوالِ .
يَعُبُّ عمراً ما تبقَّتْ شهقةٌ
منهُ و أخرى في ( لُفافاتِ ) السعالِ .
أُحسُّهُ ينسلُّ منّي همسةً
بالكادِ مرَّتْ في صداها /
برعماً في ذروةِ اليخضورِ أرداهُ الخريفُ
( أبي )
...... و لا أضيفُ
* * * *
( 6 ) تفعيلة هذا المقطع من الرجز أما باقي القصيدة من الكامل
هوامش من دفتر الحرب
– وردٌ على الأنقاض :
ستواصِلُ الأزهارُ مهنتها و تطلعُ في الربيعِ
أمامَ أحداقِ البنادقِ غيرَ آبِهَةٍ بأعباءِ الحِصارِ
فربَّما صارت هديَّةَ طِفلةٍ لأبٍ يعودُ ،
و ربَّما وخزتْ بجنديٍّ من الغرباءِ ذاكرةَ الطفولةِ فانحنى يبكي ...
ستَكسِرُ قِطَّةٌ ( حظرَ التجُّولِ ) ،
و الطيورُ تمُرُّ - هازئةً - على الأنقاضِ / تنقرُ حِنطةً و تطيرُ من عَلمٍ إلى علمٍ على مرأىً من ( الجنرالِ ) ،
... مازالَ النعاسُ يشدُّنا ليلاً إلى الأحلامِ /
يأتي مثلَ عادَتِهِ ،
و يأتي مثلَ عادَتِهِ الصباحُ مُضَرَّجاً بالبُنِّ ،
لا مطرٌ سيُخلِفُ وعدهُ /
يأتي كعادتهِ ،
و ينضجُ مثلَ عادتِهِ الشعيرُ ،
على انتظارِ مناجِلٍ صَدِئتْ كأبوابِ المدارِسِ ،
سوفَ يعتادُ الصِغارُ - كغيرهم - في الليلِ أصواتَ المدافِعِ ، يلعبُونَ
و يشكرونَ الحربَ إذْ أكلتْ دفاترهم
وأجَّلَتِ العقوبةَ و امتحانَ الشعر ...
* * * *
2 – البيادق :
لا بُدَّ من حربٍ لتكتَمِلَ الحياةُ بموتِهم
هُمْ
نُخبةُ القتلى و أرخصهم دماءً في الحروبِ /
بريدنا للأرضِ إنْ تاقت إلى مطرٍ /
قرابينُ العروشِ /
سلالِمٌ كي يَصعَدَ الأمراءُ
- من عتمِ الهوامِشِ - سِدرةَ التاريخِ /
هُمْ
للقائِدِ المهزومِ أسوارٌ سيُشرِعُها على مرمى الرصاصِ
و يمتطي دربَ الخلاصْ ،....
لَهُمُ التسوُّلُ حينَ نُنْكِرُهُمْ
و نَنْسى أنَّهُمْ فقدوا السواعِدَ في الصراعِ نيابةً عنا
لهمْ أن يفرحوا بفتاتنا مثلَ الكلابِ
و حسبُهُمْ دمعٌ خفيٌّ حينَ ننهرهم غدا
لَهُمُ ( النياشينُ ) الرخيصةُ في احتفالاتِ الملوكِ العاطلينَ عنِ القتالِ /
مدائِحُ الشعراءِ /
زغردةُ النساءِ /
هُتافنا ... لَهُمُ الردى
و لنا الحياةُ نيابةً عنهم ،
لنا النسيانُ في عيدِ السلامِ كأنهم ماتوا سدى
* * * *
3 – الوزير :
ظِلُّ الأميرِ ،
رسولهُ
و لعلَّهُ الذِئبُ المرابطُ في الصديقِ
يُحَفِّزُ الأبطالَ ،
يشحذهم ، و يمضي آمِناً
خلفَ المتاريسِ المنيعةِ ،
كلَّما اشتدَّ الحِصار يُخاطِبُ الفقراءَ :
أنْ جوعوا ليصمدَ جيشُنا
لكنَّهُ يوماً سيرشِدُهم إلينا حينَ تنهزِمُ الجيوشُ ،
خرائطُ الأبوابِ يحملها إليهم /
كِلْمَةُ السرِّ /
الطريقُ إلى مكامنِ خوفنا /
الشجرُ الذي ستراهُ ( زرقاءُ اليمامةِ )
لاهثاً فوقَ الرمالِ
كأنّهُ الجهةُ التي ينهارُ فيها الحلمُ ،
يأتينا غداً ليُنَكِّسَ الأعلامَ ثمَّ يقودنا أسرى إليهم ، باسمِ قاتلنا سَيَحكُمُ دولةَ الأنقاضِ ،
يرسِلُ من يُمَثِّلهُ إذا اشتدَّ الحِصارُ ؛
يُحَفِّزُ الأبطالَ ،
يشحذهم ، و يمضي ...
* * * *
4 – الحصان :
الخيلُ تمضي ...
هكذا اعتادَ الصغارُ ظهورَ أجدادٍ
فشبّوا يعشقونَ الخيلَ ،
لا خيلٌ و لا ليلٌ يُزنِّرهُ الصهيلُ
الخيلُ تمضي ...
و الذينَ يغادِرونَ
يغادِرونَ لأنَّهم ملّوا الإقامةَ في حِصارِ الأمَّهاتِ
و شَفَّهُمْ حُمْقُ الرجولةِ حينَ زَغرَدَتِ النساءُ فأسرجوا أعمارهم للثأرِ ،
ساروا ...
لا صدى لنتابِعَ الإيقاعَ ،
تخذِلنا الجهاتُ بلا غبارٍ يستثيرُ الصمتَ فينا
كي نُتَمتِمَ : علَّهُ عادَ الرسولُ
بقميصِ أجملهم ، تُرى
نَفِدتْ هناكَ شهورهم ؟
فاستسلموا للطينِ و ارتدّوا إلى رملٍ على أكتافهِ صَعَدَ النخيلُ !
الخيلُ تمضي ...
و المكانُ يشُدَّنا
لو كانَ يمكِنُهُ الرحيلُ !
الخيلُ تمضي ...
* * * *
5 – القلعة :
كانوا صِغاراً
كلَّما اجتمعوا على شطٍّ أشادوا قلعةً في الرملِ
و ابتدؤوا الحِصارْ
الحربُ لعبتهم ،
بنادِقهمْ عصيُّ التوتِ
أو أغصانُ ليمونٍ طريٍّ مثلهم ...
كانوا صِغاراً يتقِنونَ الحبَّ و الأحلامَ ،
ينتشرونَ كالأزهارِ في ملحِ الشواطئِ
يَنْهَرونَ الموجَ إذْ يعلو
وينسحبونَ كالجيشِ الكسيرِ ، يوَدِّعونَ قِلاعهم قبلَ اجتياحِ المدِّ ،
كم كانوا صغاراً طيبينْ ...
كبروا قليلاً أو كثيراً مثلما
كبرتْ غِوايتهم فلوَّثهم رَغيفُ الخبزِ إذْ جاعوا
و لوَّثهُم دَمُ الأطفالِ في ذَهبِ الملوكِ ،
قِلاعُهم شَهَقَتْ
و صارَ التوتُ في الأيديْ بنادِقَ
هكذا كبروا
و صاروا يتقنونَ الحربَ من أجلِ الغنائِمِ أو لمتعَتِهمْ
و يَخشونَ الإقامةَ خارِجَ الأسوارِ
إذْ أنَّ الطبيعةَ كُلَّها كَمَنَتْ لَهُمْ إلا القلاعَ لأنَّها
أبداً تظلُّ على حيادِ الطينِ كالمرآةِ لا تبكي على مَلِكٍ يُغادِرُها إذا اشتدَّ الحِصارُ
و لا ترُدُّ خيولَ فاتِحها الجديدْ ......
* * * *
6 – هدنة :
وقتٌ
لنمتَدِحَ الحياةَ ،
نعيشها ، و نُقِرّ إنسانيةَ الأعداءِ ،
فالأعداءُ طينٌ مثلنا ؛ جيشٌ تُسيِّرهُ العروشُ
لنزوةِ التاريخِ ، لا أحقادَ تدفعهم ، ولا أمجادَ ، هاجسهم سريرٌ دافئٌ يُفضي إلى الأحلامِ و امرأةٌ ببابِ البيتِ تنتظرُ السُعَاةَ
لعلهم زفَّوا البشائرَ بانتهاءِ الحربِ ،
أو عادوا بقمصانِ الحبيبْ ، ... /
وقتٌ لتزييتِ البنادِقِ ،
و اقتناصِ فُكاهةٍ للحَدِّ من بؤسِ الخنادقِ /
هامِشٌ
كالنهرِ يرسمُ هدنةً بينَ الجنودِ ليكتبوا لنسائِهم أو يستريحوا في هواجسهم قليلاً /
برهةٌ
ليُودِّعَ الأحياءُ قتلاهم على مهلٍ ،
لينتَشِلَ الصديقُ صَديقَهُ ،
يسقيهِ ماءً ريثما يُملي وصيَّتهُ الأخيرةَ :
( أوقِفوا الجُنَّازَ في بابِ الحبيبةِ ،
و افرشوا التابوتَ زيتوناً و آسْ ... )
وقتٌ لتكتَشِفَ الحواسْ
عندَ المحارِبِ ما تُخَبِّئهُ الطبيعةُ من مفاتِنِها
و ما للخصمِ من عَتَبٍ علينا :
( كيفَ تنسى أنَّنا أبناءُ هذا الطينِ ، دعْ عَنكَ السلاحَ و هاجِسَ الأمراءِ / من زجّوا بنا في هذهِ الحربِ الحقيرةِ ...
دونَ قصدٍ سوفَ تقتلني لتحملَ صورتي شبحاً
و تورِث - بعدنا - الأبناءَ ثأراً ، بينما يتبادلُ الأمراءُ أنخابَ السلامِ ، يقهقِهونَ ...
كأنَّنا حجرٌ على ( الشطرنجِ ) يجمعنا القتالُ
على مسارحهم - سدىً - من أجلِ متعتهم،
ستقتلني لتحيا ،
ثمَّ تلقاني أمامكَ كلَّما أسلمتَ روحكَ للنعاسْ .... )
* * * *
7 – بيدقان ( أبيض ، و أبيض يرتدي الأسود ) :
يا صاحِبي
نصفينِ كنَّا ،
كيفَ مَسَّتنا الرجولةُ فافترقنا ،
و اجتمعنا ضِفَّتي حربٍ
لتمتَدِحَ الطوائِفُ حربَها فينا ،
سنذكُرُ أنَّنا حينَ التقينا تحتَ أضلعنا ارتجفنا :
هل نؤجلُ حربنا بعدَ العناقِ ؟
أمِ الرصاصُ سيسبِقُ القُبُلاتِ ، حاصرنا التَشَتُّتُ
لم نشأْ أن نُحسنَ التصويبَ لكنَّ الطريدةَ
أيقظتْ فينا الذئابَ و مسَّنا ذُعرُ الطريدةِ
فانتبهنا فجأةً :
الكفُ أقربُ للزنادِ و بيننا الخطواتُ تختصِرُ القيامةَ ...
لمْ نُفكِّرْ عندما سَرَتِ الحماسةُ في الأصابعِ
و استَفَزَّتنا النساءُ وراءنا ،
كنَّا ارتجفنا
لم نشأْ أنْ نُحسِنَ التصويبَ
لكنَّ الطريدةَ أيقظتْ فينا الذئاب .......
* * * *
8 – هامش أخير لحسم الصراع :
كِشْ مَلِكْ
.......................
.......................،
....................... !
* * * *