|
|
| رُعاةُ ظلالٍ.. حارسو عُزلاتٍ أيضاً ,نافذة مشرعة على قصيدة النثر المصرية |
| | ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2013-08-20, 10:07 am | | فهرست توطئة محمد آدم عماد أبو صالح رنا التونسي هدى حسين علاء خالد حسن خضر فارس خضر محمود خيرالله إبراهيم داود أسامة الدناصوري عبد المنعم رمضان ميلاد زكريا يوسف ياسر الزيات حلمي سالم رفعت سلام ياسر شعبان جرجس شكري محمد صالح أحمد طه كريم عبد السلام عاطف عبد العزيز ياسر عبد اللطيف فتحي عبد الله عزمي عبد الوهاب عماد فؤاد صفاء فتحي محمود قرني فاطمة قنديل محمد متولي إيمان مرسال علي منصور مهاب نصر زهرة يسري أحمد يماني أشرف يوسف تنويه: رتبت الأسماء تبعاً للترتيب الأبجدي للإسم الثاني للشعراء.
إلى روح الشَّاعر الصديق "أسامة الدناصوري" الذي رحل عنا في الأيام الأولى لعام 2007 إلى أرواح مبدعين آخرين فقدانهم في أوج أعمارهم: مجدي الجابري سيد عبد الخالق وائل رجب
توطئة
نعم؛ .. نحن رُعاةُ ظلالٍ، وحارسو عُزْلات أيضاً، .. طوال عقود خلت، و"قصيدة النَّثر" المصريَّة تتواجد في الظِّل، وتنأى بنفسها عن أضواء النِّيون المشعّة في ردهات المهرجانات واحتفالات المؤسَّسات الثَّقافية المصريَّة الرَّسمية، صرنا نتعرَّفُ على بعضنا البعض مثل لصوص الحانات ومجرمي الطَّريق، نخطُّ سطورَنا ثم نمحوها، لنخطَّها من جديد، ندَّخر من مالنا – القليل أصلاً - كي نطبع كتبنا على نفقاتنا الخاصة، ثم نوزِّعها على أصدقائنا يداً بيد، أو عبر عناوينهم البريدية الموزّعة على شتَّى بقاع الأرض، نحن - في عرف الآخرين - أولاد ضلال، وأفَّاقون، وتجَّار كلمات، وفي أفضل الأحوال: نحن أصوات "لم تتشكَّل خصوصياتها بعد"، ومحاولات "لم تزل في طور التَّكوين"، وحين نعرِّف أنفسنا، نقولُ بابتسامةٍ: "نعم، نحن رُعاةُ ظِلالٍ، وحارسو عُزْلات أيضاً".
***
ستكون هذه الأنطولوجيا – في ظنِّي – هي الأولى من نوعها، وعلى الأرجح؛ ستكون أوَّل أنطولوجيا لقصيدة النَّثر المصريِّة تصدر حتَّى الآن بين دفَّتي كتاب، وليس غريباً أن تصدر في بلد آخر غير مصر، صدورها في بلد كبير بحجم الجزائر لا يدهشني كثيراً، بل يكاد يكون متسقاً أكثر مع طبيعة تلك النُّصوص وشعرائها، فحتَّى هذه اللحظة، لم تزل المؤسَّسة الثّقافية الرّسمية في مصر تتمسّك بشعرائها المكرَّسين لتزيد من تكريسهم، وتنفي شعراءها الجدد وكأنَّهم أبناء سفاح، ليكن، نحن أيضاً تعوّدنا على ذلك، على الرُّغم من أن شعراء قصيدة النَّثر المصرية احتلوا - خلال العقدين الماضيين - متن المشهد الشِّعري الرَّاهن، فيما تمَّت إزاحة الشُّعراء الآخرين إلى الهامش، حدث هذا من دون مساندة الصَّفحات الثَّقافية أو المنابر أو الدّوريات أو المجلات الرَّسمية المصريَّة البائسة، بل دعنا نقول إنَّ المبدعين المصريين قدَّموا خلال الأعوام العشرين الماضية منابرهم المستقلَّة، التي أخرجوها إلى النُّور من مالهم الخاص ووزَّعوها بأنفسهم، وهي التي أفرزت أجيال مبدعيها الرَّاهنين، تلك المنابر الثَّقافية التي جاءت كاستمرارية لحركة الطِّباعة المستقلّة، والتي بدأت تباشير ظهورها الأول في مصر عشيَّة الحرب العالمية الثَّانية، مع تأسيس جماعة "الفن والحريَّة" في التاسع من يناير عام 1939 بمبادرة من الشَّاعر السُّوريالي "جورج حنين" ورفاقه "رمسيس يونان" و"أنور كامل" و"كامل التِّلمساني"، هذه الجماعة التي أصدرت نشرة "الفن والحريَّة"، وفي العام التَّالي أصدرت مجلة "التَّطور"، والتي كان تأثيرها في الحركة الثَّقافية المصرية كبيراً، واستمرت المحاولات الدؤوب من المبدعين المصريين في إصدار منابرهم المستقلة، وصولاً إلى العقدين الماضيين، هل ننسى – مثلاً - الدّور البارز الذي قدَّمته مجلة مثل "الكتابة الأخرى"، والتي أشرف على إصدارها طوال عشر سنوات الشَّاعر "هشام قشطة" مع مجموعة كبيرة من الشّعراء والمبدعين المصريين الذين يتصدَّرون المشهد الإبداعي الرَّاهن في مصر؟، هل ننسى الدّور الذي قامت به مجلات أخرى أصدرها الكتَّاب المصريّون على نفقاتهم الخاصة وتوقّفت سريعاً بسبب تعثُّرها المادي، مثل: "الكتابة السّوداء"، و"الأربعائيون"، و"الفعل الشعري"، و"الجراد"، و"إيقاعات"، و"العصور الجديدة"، و"خماسين"، و"شعر" وغيرها؟، من هنا، ولكل ما سبق، نعتبر أن كلّ شاعر من الشُّعراء المتواجدين في هذه الأنطولوجيا، إنَّما قدَّم منجزه الشِّعري بعيداً عن ضجيج الأبواق الرَّسمية، منفرداً، وحيداً، لا يظلَّه إلا نصّه، وعزلته، وإيمانه العميق بما يفعل.
***
قصرنا أنطولوجيتنا هذه – إذن – على شعراء النَّص الشِّعري المصري الجديد، ذلك النَّص المنفي قسراً في وطنه، رغبة منَّا في اكتشاف أرض جديدة، أرض طالما غضَّ الآخرون أبصارهم عنها تحت وطأة ما أشيع عن أصحابها من "غموض" و"فقر في الموهبة" و"شحّ في الأفكار"، سعياً منهم إلى وضع هذا النّص تحت "الإقامة الجبريّة"، وتضييق خناق التّعتيم عليه ووأده بمحاولات مستمرّة ودؤوبة يحسدون عليها، وعلى الرُّغم من ذلك، استطاع شعراء هذا النَّص أن يجدوا فضاءات أوسع وأرحب لنصوصهم عبر وسائل عدّة، من أهمّها نشر نصوصهم ودواوينهم على العديد من المواقع والفضاءات الثَّقافية العربية المتخصّصة على شبكة الإنترنت، والمشاركة في المهرجانات الشِّعرية والثّقافية العربية والعالمية، وإصداراتهم التي تخطَّت الحدود المصريّة، ولا يعني حديثنا هنا أننا نقدِّم شعراء مصر الجدد فقط، بل إنّ هذه الأنطولوجيا إنّما تقدم شعراء من ثلاثة أجيال، هي السّبعينات والثّمانينات والتسعينات، ثلاثة أجيال قدّمت قصيدة النّثر بأشكال متباينة ومختلفة، يكاد يكون لكلّ شاعر منهم منطقته الخاصّة، والتي لن نعدم - بالتّأكيد - تقاطعها وتشابكها واستفادتها مع ومن شعراء آخرين في الآن نفسه.
***
كلّ من تورّط في عمل مختارات شعرية أو إبداعية من أيّ نوع، يعرف جيداً أنّه وهو يختار اسماً ما ليكون ضمن مختاراته، إنّما يقصي اسماً آخر، لذا لا نستطيع - نهايةً – أن نزعم بأنّ هذه الأنطولوجيا تغطّي كافة الشُّعراء المصريين الرَّاهنين الذين يكتبون ما اصطلح على تسميته بـ"قصيدة النثر"، فثمّة العديد من الأسماء الأخرى التي قدَّمت منجزها اللافت ضمن هذا الإطار، وحالت مساحة العمل دون ضمّ أسمائهم إليه، كانت مهمّتنا أن نقدّم شرائح مختلفة ومتباينة من شعراء راهن "قصيدة النَّثر المصرية"، والذين لن نبالغ حين نقول إن وضعهم في أنطولوجيا واحدة شيء يكاد يكون مستحيلاً، ليس فقط بسبب ضخامة عدد من يكتبون هذا النَّوع من الشِّعر في مصر اليوم، بل أيضاً بسبب شساعة المنجز الشِّعري الذي نتج عن أصحاب هذا التَّيار خلال الأعوام العشرين الماضية، ما يشكِّل خارطة متشابكة الأطراف والتَّيارات، ويصبح الخوض فيها أمراً شديد الصُّعوبة والتَّعقيد. ******
محمد آدم
من أجل الأشياء كلها
سأكتب من أجل الأشياء كلها من أجل الربيع وهو يبحث عن الوردة عن الوردة وهى تفتش عن مجد الربيع عن السماء والأرض وهى تلملم سجاداتها المتوحشة تحت أنهار الضوء الذى لا يقهر عن الشمس الذاهبة فى النوم وعن القمر الغارق فى التأملات والوحشة عن نعمة النظر التي تتأمل فى رائحة الجذور عن كتابة الريح لصلواتها الدامعة عن الندى الذاهل فى الأركان عن الروح التى تتأمل فى الوهدة عن الصمت الذى ينشد الأمل عن الحكمة في الموت وانبثاق الحياة فى البدن الحىِّ عن الروح التى تنشد الجسد الكامل وعن الجسد الذى يفتش عن حقيقة الروح العارفة عن ضراوة الحب بين شجرتين متباعدتين عن السماء التى تتفرس في النسيان عن القدر الغامض الذى يتربص بسمكةٍ ذاهلةٍ عن القوس المترب الذى تعلوه النغماتُ.
تقدم لنتقدم أنا وأنتِ ببطءٍ نحو رغباتنا الأكيدة نحو نقائنا الأكمل ما من شيء يخيفنا ما من شيء يجعلنا أكثر إنسانيةً أكثر مما نحن لا أمل ولا يأس نحن أبقى من أى شيء ومن كل شيء من النور نفسه ومن البحر الواثق من شجرة الحياة الصاهلة ومن نبع ماء ليكن هذا الوجود كله لك لتكن كل هذه السموات الشاسعة طريقاً لقدميك الزاهيتين لتكن كل هذه الأغنية من نسيج يديك الزاهيتينِ ليكن كل هذا الكلام من الفضة الخالصة والذهب الخالص لتعلقينه حول عنقك الذى لا ينحني جسدك مثل تمثالٍ من المرمر الحىِّ. توهج لنحدق جيداً فى الفتنة الدائمة والسلام المدوخ سلام الروح الخالص وسلام الأرض العطشى سوف أصنع لك شجرة خالصةً من النعمة والحب وأمرر يديّ الضالتين على جسدك جسدك الذى ينفتح مثل حبةٍ ليخرج النوى. من هذه؟ من هذه التى تدق على أبواب القلب فى الليل وكلما أراد أن يسلو أو يلهو تطارده فى السِّكك وتخلع له البراقع؟؟ مطاردة لماذا إذا ذهبت إلى أى مكانٍ - فى الأرض - وجدتكِ أنت أيضاً بانتظارى؟ تأسيس على ساعديك ابتنيت رياحى وأسست مملكتى فوق جذعك. تكامل القلب لا يتكلم ولا يعرف الأسئلة فقط يذهب مباشرة إلى المعنى أليس هذا هو الحب الكامل؟
غزل ثمة حوار طويل بين الموت والحياة لا يقطعه سوى الزمن.
ضآلة في لمسة الأصابع ما يكفى لاكتشاف العالم وفي نظرة العينين ما يكفى لاكتشاف كنوزه أما عن الجسد فذلك جحيم لا أقدر على الدخول فيه أو حتى الالتفاف حوله.
حكمة القلب حقيقة الخير والشر.
بَرَكة في كل طريق تسيرين فيه ينبِّتُ خلفك الحصى ويتلفت التراب.
تلفت عندما كنت تمرين سار قلبي وراءك وتركني أتردى.
عجز في لمسة الأصابع هواءٌ يشبه الأنوثة تماماً وذلك دون أن تفتح اللغةُ فمها.
تخلي عندما رحلت صرخت.. لماذا تخليت عني يا إلهي؟!
محمد آدم
* من مواليد محافظة المنوفية في العام 1954. * تخرج في كلية الآداب جامعة عين شمس قسم الفلسفة. * يعد أطروحة عن فلسفة الجمال. * يعمل في أحد المصارف بالقاهرة. * diwan.ef@hotmail.com
صدر له:
* "متاهة الجسد" (الأعمال الشعرية) عن دار الغد، القاهرة، 1988. * "كتاب الوقت والعبارة"، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1992. * "أنا بهاء الجسد واكتمالات الدائرة"، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1992. * "هكذا .. عن حقيقة الكائن وعزلته أيضاً"، طبعة خاصة 1995. * "حجر وماس"، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2002. * "نشيد آدم" 2003 عن دار ميريت بالقاهرة.
عماد أبو صالح
قلوبهم خشنة
(لم يحُكّها الحب) دائمًا يتواطؤ الهواء معهم وينفخ جلابيبهم لكي يظهروا في عيوننا الصغيرة أضخم من حقيقتهم. لم يكونوا يحضنوننا مثلما كنا نتوهم كانوا يثبتون لنا أنهم قادرون على تحطيم ضلوعنا لو عصينا أوامرهم.
الآباء الذين نشبههم تمامًا ، رغمًا عنا، على أمل أن يعيشوا مرة ثانية بطريقة أفضل. الذين سعوا لإنجابنا بشغف بالغ لكي لا يكونوا وحدهم الذين تعقرهم الحياة. نحن لا نفهم إذا كانوا لم يفكروا يومًا أن يشتغلوا عازفي إيقاع فلماذا تدربوا كل هذه التدريبات الشاقة على خدودنا؟
سعاله طلقات مضادة قتلت ثلاثة قناصين بحثوا عنه كثيرًا ثم رحلوا وتركوه وحده. كان مختبئًا تحت السرير يلتهم علبة كاملة من المُربّى.
"أولاد عاقون ذهبوا ليتنزهوا بدوني سأعمل لنفسي حفلة خاصة" ثم شرب زجاجتي دواء ورقص ، بعكّازه، على إيقاع الطلقات.
وحينما تأخروا كثيرًا وأحس بالخوف قلد صوت كلب كبير ليطمئن نفسه.
في المساء جلس وحيدًا يسعل في الشرفة بعد أن يئس ، تمامًا، من عودتهم. "حشرات لزجة" يقول بغضب، وهو يسقط الرصاص بمنشّته. وكلما توجهت رصاصة لصدره ، بدقة تامة، تمر ، لحسن الحظ، من ثقب قديم في القلب.
الشِّعر هناك حكاية عن ملك، ظل على كرسي عرشه منذ عرف الناس الكلام. كان شابًا جميلاً لا يشيب أبدًا. رعاياه كانوا يحبونه. يحفّظون ما يقوله لأبنائهم، وينقشونه على حيطان منازلهم. حدث أن الملك اغتر بقوته، وجلس وسط حراسه، يكرر في هذيانات من دون أي روح. لم يكن يسمع لأحد، سوى الأكَلة مجانًا، أفراد حاشيته. واحد من الرعية قال له يومًا وهو يطل من أعالي برجه: "أفِق يا مولاي" فقص لسانه ورماه في سرداب عميق. الملوك الآخرون الذين كانوا يوسعون حدود ممالكهم هجموا عليه، ذات ليلة، وهو نصف مخمور في سريره الملكي. فرّقوا بينهم دمه ومملكته وتركوه كومة جلد وعظام. لكَم هو مرعب شأن الزمن! إذ يبدو أنه بعد كل هذا المجد، لن يكون له أي ذكر في المستقبل. من وقت لآخر يصرخ شبحه: "مملكتي.. مملكتي"، غير أن صوته يضيع في ضجيج العالم.
طلعتُ شاعراً
علبة سلمون .. كوبي ولحافي شِوال قديم. دوبارة رباط جزمتي وحبيبتي كلبة الجيران. الناموس فراشات دارنا نجفة السقف عنكبوتة حفلة السواريه صوت صرصار. شجرة الصفصاف شمسية شاطئ الترعة البلاج وسحابة آيس كريم. عمي بنْته البلهارسيا أمي ملكة شعب الدجاج أبي ، آه من أبي، ربّاني بكل خبرته في تربية البهائم.
صباح الخير
صباح الخير على ذبول عينيكِ صباح الخير على عريشة شعرك. على نقطة العسل السائلة فوق المخدة من فمك. على الدبدوب الكسلان في حضنك. على الحمامتين المحبوستين اللتين تنقران شبابيك الدانتيلا في حمالة صدرك. على الملك المستبد الذي فشلت طعنات ليلة أمس في زحزحته عن عرش جسدك.
صباح الخير على الملابس المتسخة في سلة غسيلك. على بقايا طعام العشاء في صحون مطبخك. على الفنجان الذي يحبس أنفاس القهوة لتبقى ساخنة في انتظار قبلتك. على التراب العالق بنعل جزمتك.
صباح الخير ، كرامة لخاطرك، على كحة أبيكِ وروماتيزم ركبتي أمك.
صباح الخير على العصافير المختبئة من أصوات الرصاص في شرفتك. على ذبابة وجه ابن بواب عمارتك. على كلب جيرانك وزبّال شارعك.
عماد أبو صالح
* مواليد إحدى قرى المنصورة، شمال الدلتا في العام 1967. * يعمل صحافياً في صحيفة "الوفد" المصرية. * يمثل ظاهرة خاصة في النشر على نفقته الخاصة منذ مجموعته الشعرية الأولى الصادرة في العام 1995 وحتى هذه اللحظة. * www.geocities.com/emadabusaleh * emadabusaleh@hotmail.com
صدر له:
* "أمور منتهية أصلاً" 1995. * "كلب ينبح ليقتل الوقت"، يولية 1996. * "عجوز تؤلمه الضحكات" 1997. * "أنا خائف" 1998. * "قبور واسعة"، صيف 1999. * "مهندس العالم"، ربيع 2002. * "جمال كافر"، 2005.
رنا التونسي
قصائد
1
على الأقل وأنت تمررين روحك من بين فخذيه كوشاح حريري لا يساورك الشك أبدا في أنه ربما يتبعك كثعبان. تداعب مخيلتي رائحة القطار وهو يركض حثيثا وراء شمس لا تختفي أمام انحناء طفولتنا وأصوات رهيبة نسمعها حين ننام.
2
كما العائد إلى ذاكرة أخرى مخيفة تنظر إلى الصور برهبة لص وبحركة دفاعية تقتلع كل الشعيرات البيض من رأسك تلك حتى التي لم تظهر بعد. كما العائد إلى كابوس لا أحد يعرفك تبحث عن كلمات فتسمع أصواتاً أخبرهم إذن عن كل الخطابات الأخيرة وأنه كان ثمة ثورة ما في تلك العيون الميتة.
3
هناك ثقب بحجم رصاصة في ذلك الحائط المواجه لرأسك ثقب تمر منه كل الأشياء من رأسك إلى عينيك وحتى قلبك قلبك الراقد في علبة صغيرة حمراء في أحد الحوانيت الضائعة. هناك ثقب يعاند وجودك ويرسم وجودا آخر خارج الذاكرة كان هناك ثقب يمر بدونك
4
حيواتك التي تمر أمامي مثل قط خارج لتوه من بين قضبان تدفعني دفعا للاكتئاب. ما طعم الحياة في بيتك؟! ورشف القهوة من بعدك. كيف تحس الخطى وأنت تسرع الذهاب إلى البيت وأنا فوق رصيف أحلامي معبأة بالرائحة وبذكرى دوما مشتهاة
5
أعرف أن مرآة جسدي ليست فقط مبعثاً للشهوات لكنها أيضا مبعث للرعب. لم أنظر كثيرا إلى جسدي تعانقني عيني معانقة خاطفة أحيانا وأحيانا أخرى ينتابني هوس السقوط. أرى نفسي عالقة أسقط من الحافلة من النافذة وأنا أستكمل حديثا مقطوعا مع أمي أبقى دوما على علاقة بالحلم كل ما يهم هو من يقف على الرصيف المواجه لبيتك ومن يفتح لك بوابة الخروج صباح الخير المجرد الدوام الكامل لصيرورة الوحدة من أيضا سيمكنك اعتباره صديقك فيما بعد. علقت جسدي مرارا على بوابات حميمة غادرتني الأماكن صغيرة.. تمارين الخروج لكل مكان ذكرى قريبة إلى قلبي لذلك تجدني لا أدخله من جديد كانت هناك خيوط تلمع من الحكايات وأحباء.. مثل توقف مستمر. "كائن واحد تفتقده فإذا الكل خراب" لامارتين لكنني أخشى.. أنني قد أصبحت أفتقد الافتقاد أفكر في الكتابة كثيرا إلى نفسي في كتابة اليوميات مثلا حتى لا تخطئني المراسم والتواريخ. ثم ما الذي يصنع مخيلة طفل بالأساس هل هي الذكريات الحلوة أم الموجعة أم الاثنان معا الذكريات تبصق علىّ وهى تمشط شعرها بسنوات عمرها العشرة أستيقظ على صوت لعب لكرة القدم تصبح الحياة أمامي مثل "ماتش" طويل أعرف بدقة كم يمكن أن تكون النتيجة مزرية حين تكون التعادل فقط وبدون أهداف. عادة
6
لا تستمر معي المباراة طويلا ربما لقصر جهد مني أو لتململي الدائم رغم ذلك أجد نفسي أستعيد لذة فائتة وأنا أقرأ في الظلام حروفاً كثيرة متناهية في الصغر أستعيد لذة فائتة وأنا أمضغ القصائد مثل حبات السكر برقة وببطء حتى تذوب تماما في فمي وكأنها ما جاءت أصلا. أستعيد لذة فائتة في مسبح صغير ألعب فيه كطفلة تدرب طفولتها علىاللاشىء كنت ألعب مع بط من البلاستيك وبجع كثير متخيل.
7
لم تكن فرجينيا مضطرة للذهاب إلى النهر وترك ساعي البريد متعباً بحمل خطاب لن يوصله لأحد قط. لم تكن فرجينيا مضطرة للرحيل وحدها...
8
أحب الذهاب إلى السينما وترك أحلامي تنام خلسة على أذرع الجالسين. أحلامي أحب أن أراها وهي تسقط مع حبات اللب والمحمصات وبصق التعيس قرب أقرب جدار وسيارة الشرطة وأجهزة الإنذارات وأيدي الأحبة تحت سترة الانتظار أحب الذهاب إلى السينما.. والحياة بحق.
9
كانت تسألني ما معنى يعتليها وكيف تختبئ الفراشات في العين ولم تكن لديّ بدوري إجابة سوى إننا على وشك حرب يا صغيرة..
10
كانت امرأة الشيكولاتة تعرف أن الحب يحتاج إلى أكثر من رغبة وفتح قدمين كانت امرأة الشيكولاتة تعرف أنها ستذوب وحيدة وببطء.
رنا التونسي:
* من مواليد القاهرة في العام 1981. * تدرس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. * rana-tonsi@hotmail.com
صدر لها:
* "ذلك البيت الذى تنبعث منه الموسيقى"، الهيئة العامة لقصور الثقافة 1999. * "وردة للأيام الأخيرة"، عن دار ميريت للنشر 2003. * "وطن اسمه الرغبة"، دار ميريت للنشر 2005.
تحت الطبع:
* "تاريخ قصير"، دار النهضة العربية بيروت 2006.
هدى حسين
مدخل
على الأرض جزع شجرة ملقى لأجلي الآن ستأخذ روحي هيئة جزع شجرة بيداية جديدة: انتحار جديد مقَنَّع. على الأرواح أن تعود لتنجز مهمة وعلى كل الحوارات التي نطق بها منذ أول الخلق أن تعلن عن نفسها لي والآن. عشوائية*
أتعرف يا أخي الحياة بسيطة جداً بساطة أغنام ترعى في صحراء لا طعام لها ولا عصا لك.
(...)
الآن وقد صارت يدك ترتعش لأي شيء وظهرك يتخشب لهبوط مفاجئ في السقف ستهب نيران من أنبوب الغاز وتلتمع عيون القطط فزعاً لعفاريت بظلال ثقيلة تبتسم.
(...)
ي رأسي حمم زرقاء وحمراء وانفجارات صغيرة منظمة نجوم لم تعد تحتمل كثاقتها وكقماشة تشحنها أعقاب السجائر بالثقوب السوداء يهرب مني تدريجياً الشعور بالزمن.
(...)
قصصت القلب المعلق على باب المدخل قلب سلحفاة ماتت من كثرة اللعب بالشمس هذه أختي وهذا قلب من القماش بديلاً عن قلبها الذي امتلكته الأشعة.
(...)
شمعة أمامي سكين وسيجارتين أحبس نفسي كي لا يكون هناك اختيار سوى الموت أو التوحش الجنون مرحلة بعدها يعتاد المرء.
فيروز
سلام عليها أختي التي توغلت في الغابات وانطلقت نحو الصحاري أختي السمراء التي يعرفها كل رواد المقهى. لأجلها سأدق أجراس الكنائس وأشعل النار في الزبائن كلهم فتمطرني سحابتها: لا أحد هنا يا أختي لا أحد.. سأصنع ذاكرتي بنفسي سأخيطها على مفارش الطاولات أختار الألوان وحدي والفرحة التي تؤهلني للصعود إلى الجبل كأنه ليس في العالم غيري الذكريات لي والأساطير لعابري السبيل في السفح.. نتراسل بالنظرات وباللكنة العربية المستعارة. نتشارك العشق ذاته والموت ذاته والرغبة ذاتها في التماهي مع مفردات الجنوب. هي تقطف الشمس لي وأنا لأجلها أصعد الجبل أستطلع زحف الأعادي وأنذرها: يا علياء لماذا لا نعيد اكتشاف أسمائنا؟ ستقتلنا الأسود ولن نرضى بميتة أقل حدة من الأنياب. سنرتدي جلد الحيات دفاعاً عن النفس ثم نلتف على رقاب الكواسر نروضها على محبة الغزلان.. كأننا جذوتا نار عيوننا مفتوحة على حافة الذعر لنا ثديا الطبيعة باقتسام ولله محبتنا ولغير ذلك أن يحترق.
رقصة
واقفاً ضع كفيك خلف رأسك واثنِ ركبتيك بأرجل مفتوحة ثم لف في دوائر حلزونية. أثناء ذلك كله احرص على تبادل الوقوف على إحدى قدميك: أنت الآن تفرح. سأمنحك هذه: وحده الطين يكفي لصنع البشر.
حاملات الذكرى العجائز الشمطاوات المرشوقات في زوايا الطريق والمختصَرات في كومة من العظام البارزة سلالهن تدعو لليمون أن يباع وللمارين أن يسترهم ربهم.. العجائز.. هؤلاء..
وجه الشبّه الذبابة التي تزعجني أثناء الكتابة يزعجها دخان سجائري: كلانا يحارب الآخر في مجال تنفسه حرباً عادلة. فكلانا أسود ومطرود ومحتَقَر. لكن الذبابة تتميز عليّ بالأجنحة وبعري تام لا يستنكره أحد.
الشبح
ينبغي أن أدعي الموت كي يمكنك أن تجمع شتاتك من الهواء وتقف أمامي يا مسكين ألهذا الحد تخيفك مادتي؟
صمت الصمت زجاج يعوي كلب في عمق الليل فنقول إنه يكسره.
شجرة أظن أنني شجرة لأنني أكلم الكراسي الخشبية أكلمها باللمس كشجرة عمياء.
تحنيط الطائر سأدفن في اللوحة كل أعقاب السجائر التي طار دخانها وسأصنع ثقباً لعين الطائر التي تبخرت ثقبا أزرق يصلح لمومياء مدخنة.
هدى حسين:
* شاعرة ومترجمة من مواليد القاهرة في العام 1972. * حاصلة على ليسانس أداب فرنسي جامعة القاهرة. * تعمل في التليفزيون المصري كمترجمة ومشرفة على الترجمة عن الفرنسية. * hodahussein.malware-site.www * hodahussein@myway.com
مهرجانات:
* مهرجان "صوت البحر المتوسط" للشعر، لوديف، فرنسا 1998. * الملتقى العربي للشعراء الشباب، صنعاء، اليمن 2004.
صدر لها:
* "ليكن"، سلسلة الكتاب الأول، المجلس الأعلى للثقافة 1996. * "فيما مضى"، مطبوعات الجراد 1998. * "درس الأميبا"، رواية، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998. * "عشوائية"، مطبوعات الجراد 1998. * "أقنعة الوردة"، عن دار ميريت. * "الجسر"، رواية، عن دار ميريت. * "نحن المجانين"، وزارة الثقافة ، صنعاء، اليمن 2004.
في مجال الترجمة صدر لها:
* ترجمة لمجموعة قصصية لـ"مرجريت دوراس" بعنوان "الكتابة"، عن دار شرقيات، بالتعاون مع البعثة الفرنسية للترجمة. * ترجمة لروايتين لـ"آني إرنو" بعنوان "امرأة وعشق بسيط"، عن دار شرقيات، بالتعاون مع البعثة الفرنسية للترجمة. * ترجمة لرواية لـ"فرنك بيجو" بعنوان "وضع حد"، عن المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة. * ترجمة لرواية لـ"آني إرنو" بعنوان "الحدث"، عن دار ميريت.
تحت الطبع:
* ديوان "تحنيط الطائر". * ديوان "مولد خفاشة". * رواية "نلعب أفلام".
_________________ حسن بلم | |
| | | | ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2013-08-20, 10:23 am | | علاء خالد
المهام الخشنة للبيوت
للخادمات، على الأرجح، جزء ميت في أجسادهن حفرية طافية يمكن قياس العمر القديم للتعب بعدد الخطوط السوداء بعدد الجوارب التي تئن خيوطها وتنسل تحت ضغط هذا الكعب الميت.
جزء ميت يدين له الجسد بكامله بتلقي جرعات زائدة من المهام الخشنة للبيوت بالانزواء في الظل بتصدر مسيرة الجسد نحو الفناء
كانت تسير في الشارع وشعرها المصبوغ يطير في هواء العشرينيات أما قدمها فكانت تسبح في زمن آخر.
ماراتونات ضاحكة كان يعمل بواباً لإحدى العمارات المجاورة يقطع كل يومٍ ماراتونات ضاحكة للعيش والخضار بجانبى كانت هناك محطة ظليلة، مجموعة من القلل علقها جارى لعابرى السبيل
لا يستطعم بأى ماءٍ إلا بهذا الماء الجماعي. دائماً أحذيته تفوق قدمه عمراً وطولاً. لسيره صوت خشن، ولكن هذه الغفوة في القدم هى أكثر ما تشعرنى بطيبته هى وغفوة في لسانه يتكلم فتهرب الحروف بغير رجعةٍ.
فى إحدى المرات، أشار إلى جزءٍ من سبابته وأخبرنى بأن حبة بحجم الفاصوليا نبتت في رأس زوجته. أعاد علىّ ما أخبره به الطبيب. الطبيب أيضاً كان يرى الحقول التى يحتفظ بها في يده وتحت أظافره.
أثناء مروره، أستوقفه وأسأله عن مصير حبة الفاصوليا. يهز يده يميناً ويساراً كقارب منسي وسط المياه. يده المرتعشة كانت أكثر حكمة.
من سيره بدأت أحدس بمصير تلك الحبة، أحياتاً أستوقفه أحياناً أتركه يكمل رحلة الجمع والطرح إلى البيت
ولكن في كل الأحيان لم ييأس من حبة للمياه والظل. صار سؤالى محطةً لي أيضاً شهور والقارب يمتلىء بالمياه تميل اليد إلى ناحيةٍ واحدة.
فى يومٍ أزهرت حبة الفاصوليا وعاد برأس زوجته إلى موطنها في الحقول.
جيرة دافئة
جاري في المحل المجاور، لا يثق إلا في أناقة النار. يرفع المكواة قرب خدٌَه، ليجس حرارتها. طوال عشرتي له، لم أجدَ أحداً يقترب منه إلى هذا الحد؛ إلاٌ المكواة. لا يتحمل الحب إلا إذا ترك علامةً على جلده. عندما مرضت زوجته، خشي أن يجتمع بملاك الموت في غرفة واحدة، فكان يلوذ بدكانه ليبكي داخله. أسبوع كامل وهو يضع تلك اللافتة "مغلق للصلاة". لأبناء الحي الراقي، لأرستقراطية عاش بينها كنبات غير مرئي؛ كان ينحني، وهو يفتح باب العربة، ويده اليسرى خلف ظهره، وميلٌ طفيف في رأسه، كأنها سنة من النوم، ليأخذ صرة الهدوم. أقف بجواره أشاهد فيلماً من الخمسينيات، وفي يده الخاشعة خلف ظهره، أتخيل خنجر أطفالٍ من البلاستك. أى مرارة كانت خدعة. أى صرة من الأسى، كان يثقبها سريعاً بكوب ثقيل من الشاي. لو مرَّ أي محصلٍ للكهرباء أو المياه، وصادفه وهو مازال يزيح ستارة الصباح الثقيلة، عندها لن يتورع أن يلعنه، أن يرتطم بذلك الحائط القريب. وأحيان أخرى كان يسدد فاتورة نفسية ضخمة، ويهيج لأتفه الأسباب، كأن كلباً معلقاً بلسانه. على الأكثر ساعة أو ساعتان، ويعود كل شيء إلى ما كان عليه، ويبتعد ذلك الحائط، ويكتشف أرضاً خالية للابتسام. يجلس على الدكة الخشبية وكوب الشاي بجواره، وسيل من السلامات وصرر الهدوم تنهال عليه، يتسرب الرزق من أبواب عديدة، وسؤاله لأي طفلٍ أو بوابٍ مار بأن يأتي له بالعيش من الفرن. وجبة ساخنة تجدد عقده مع الحياة. كان عاشقاً للأخشاب القديمة. يسير بحذاء الحوائط، وعينه على الأرض. أي خشبة ملقاة في نهر الطريق لها مكان في خياله. كل يوم ينسج من أخشابه القديمة دككاً مهتزة، ترابيزات ملفقة للطعام، قارباً للنجاة. يحاول بكلتا يديه أن يسد ثقباً كبيراً تتدافع من خلفه المياه. كل زبون يأتي له بالمكواة، يحدد له ميعاداً دقيقاً في اليوم التالي. كأنه يحمل في رأسه مفكرة طبيب. في الغالب ينسى، ولكنها كرامة المهنة. فرصته الوحيدة ليمدَّ خيط الكلام، ليخلف وعداً ثم يعود سريعاً ليصححه. في الشتاء أنعم بجيرة دافئة. صوت المكواة وهو ينقلها من بيت النار للقاعدة الحديدية، يدور بها في الهواء عدة دورات قبل أن تلامس سطح القماش. رائحة الطعام لتلك الوجبة المقدسة بعد صلاة المغرب. يتجمع هو وابنه وحفيدته، ثلاثة أجيال تقف خلف عامود الطعام. ودائماً هناك كرسي فارغ، لصداقة متوقعة، لرابطة العيش والملح. لم يتخل يوماً عن كلمة "أستاذ" التى ينادينى بها. لا يسهو أبداً عن الجدار الفاصل بيننا. عن البحث عن سبب ما لينقر ثقباً، ليرشق مسماراً، يزيده تعلقاً بهذا الجدار. لم يتخل يوماً أن يكون دكانه محطة للمياه والطعام والاستراحة لكل بسطاء الحي. أولئك الذين يعقدون حلفاً فطرياً مع الله. ربما فقدت أصدقاء كثيرين، ولكنى اكتسبت صديقاً، في وقت اعتقدت فيه أن الشارع هو منزل الفرقاء.
9 شارع قرداحي
كل عدة أعوام، عندما تخفت في خزانتها لمعة الذكرى تحزم حقائبها وتتكئ على العصا المعدنية وتأتى للإسكندرية، للبيت الذي عاشت فيه مع والديها؛ 9 شارع قرداحي.
مازالت الفيلا قائمة حتى الآن ربما لكي لا يخذلها شيء واحد في الحياة. تمسح بمشيتها البطيئة كل التفاصيل التي غابت عن عينيها تجذب كل معادن الذكرى.
تقف أسفل البيت تشاهد النافذة التي أطلَّت منها وهي طفلة لترى خيوط المؤامرة تتجمع في الحديقة كان الشاري الجديد يقيس أرض طفولتها بالأمتار.
بكت حينئذ، بكاءَ الأبنة الوحيدة، كانت أصغر من أن تغلق النافذة على دموعها أو تهيم فوق الذكرى وتكبر معها كأخٍ حميم.
يعرفها أهل الشارع جميعاً ويفسحون مكاناً لبكائها. كنت الغريب عن ذكراها، عن نافذة الدموع التى لم تغلق أبداً في خيالها منذ غادرت الإسكندرية إلى نافذة أخرى مرصعة بالثلج في سويسرا. لم يكن بيننا ما يسمح بكل هذه الأسرار سوى أني أصبحت جاراً لنافذة الطفولة. كان علاجها الناجع، أن تعودَ وتنظر إلى بيتها القديم. تركتني وصوت العصا المعدنية يرسم حدود الذكرى صوتُ رتاجٍ يغلق لباب كبير.
بائعة العرائس
كلما أتت لتبيعني عرائسها تجدَ البكاءَ مستيقظاً تحت الكرسي بدون جهد أو استنفار تبكي وهي تسحب خيوط المأساة من مرقدها. حرضتها رائحة فم زوجها أن تهجر الفراش بعد أسبوع واحد من الزواج، ولا تعود إليه. عاشت عنوستها بين عدة بيوت وعدة مفاتيح. كانت تترك نسخة من مفتاح بيتها لأختٍ وحيدة، كانت تحبها أكثر من الأخريات، لتدخل عليها ملهوفةْ لو أقلقت رائحتها الجيران. الأخت المؤتمنة ماتت قبلها، ودفن معها المفتاح أصبح موتها المؤجل عارياً بدون دموع شقيقةٍ. عندما كانت تحكي عن أبيها تعود شابة متألقة بالحزن والأنوثة.
في السبعين هناك صور واضحة للموت وكما قالت لي؛ يبدأ الموت رحلته من القدم كل عشر دقائق كان أبوها يطلب منها قِرْبة مياه ساخنة لتضعها فوق قدميه كانت تصعد بالقِرْبةَ من القدم للفخذين للبطن تتتبع بفزع المسارَ البارد للموت.
حرارة الغناء في الستينيات
كنت أرى السعادة في غرفة المطبخ لبيت صديقى. الأجساد الكثيرة التي تروح وتجيء، الصدامات المتكررة بدون اعتذارات أو انتظار لها، برطمانات المخلل والأطعمة الحريفة، أرغفة الخبز الرقيقة. كل وجبة كانت احتفالاً، بالخيط الذي يربط بينهم، بالطعام، بالكلام المهم والفارغ، بالثرثرة. سور واحد كان يفصل بيننا، في نهاية اليوم كنت أتسّمع من غرفتي لصوت اخته الرخيم ، وهي تغسل الصحون وتغني حافية. كانت تحب "عبد الحليم" و"نجاة" و"أم كلثوم". تحاول أن تظهر جذوة النار التي تسكن خلف أصواتهم. انقطع حبل الغناء في بيت صديقى. مات الأب و"عبد الحليم حافظ" و"أم كلثوم". تزوجت البنات وأخذن لبيوتهن حرارة الغناء في الستينيات. تزوج صديقي وأنجب، أصبح مدمناً لميراث البيت من الأغاني العاطفية. اختار عملاً مناسباً، يتيح له أن يؤجل عودته للبيت، اشترى تاكسياً بمسجل ياباني، وأطلق لحيته. يدور في الشوارع والأحياء الشعبية، ينحني للرزق، وللبيوت التي يتصاعد منها الغناء القديم. شيء قاس أن نظل أصدقاء حتى العقد الخامس، بدون سنوات ساقطة، ينسب لها ما أخفق من أحلام. منذ كنا صغاراً وصديقي يحلم بمعجزة تغير حياته. لكي تطلق نبوءة وأنت صغير، يجب أن تقتل كل من شهد عليها. كنت الشاهد الوحيد، والتمس له العذر، وهو يتحاشى أن ينظر لي، وأنا أعدّ السنوات المتبقية من حياته وحياتي، متسائلاً هل تكفي لكي تتحقق المعجزة؟
الألبوم العائلي للموت
آخر صورة أضيفت للألبوم العائلي للموت، كانت بمثابة جدة لي. في درجة من درجات غيبوبتها كانت تضغط بإحدى يديها على يدي، ويدها الأخرى كانت تصفف خصلة شعرٍ هشة، طيرتها أجنحة ملاك الموت. الحركة التي كانت ترددها دائماً، عند الاستيقاظ من النوم واستقبال يوم جديد، بشعر مصفف بمفرق لامع البياض.
في عروق زرقاء، كنت أجس هذا اللحن القديم للحياة، النبض وهو ينسحب تدريجياً ويخلي المكان لصمت طويل.
علاء خالد:
* من مواليد الأسكندرية في العام 1960. * صاحب وناشر مجلة "أمكنة" المستقلة. * amkenah@hotmail.com
صدر له:
* "الجسد عالق بمشيئة حبر" 1990. * "وتهب طقوس الجسد إلى الرمز" 1992. * "حياة مبيتة"، دار الجديد، لبنان 1995. * "خطوط الضعف"، دار شرقيات 1995. * "المسافر" 2002. * "طرف غائب"، كتاب "أمكنة" 2003. * "كرسيان متقابلان"، دار شرقيات، 2006.
حسن خضر
المشقة لم تكن في القتل
وهو يتفقد الجثث كمن يبحث عن حبة غالية بين الحصاد كان أكثر رعباً من الموتى بدا رشاشه الثقيل خفيفاً وضعيفاً - على كتفه - مثل عصا خشب تنظر بفوهة باردة نحو السماء.
المشقة لم تكن في القتل: ألف جثة ألفان ربما، في دقيقة. سوف يأكل ملح البكاء - لليال عديدة - جفون الملائكة النادرين الذين بدوا - كعادتهم - عاجزين عن فعل أي شيء ونادمين على بقائهم إلى الآن في حياة كهذه.
لم تكن المشقة في القتل ولا في اقتسام جثة القتيل سوف يتعب المشيعون الأطفال الذين صاروا رجالاً - فجأة - بعد أن توارت طفولتهم مع الآباء الميتين للتو تحت التراب.
ستتعب المشيعات الأرامل اللاتي أكدن – دون عويل – على ضرورة لف أجسادة رجالهن بقماش أبيض قبل الدفن معتذرات لله البصير عن عدم غسل الموتى لأسباب عديدة متنازلات للقتلة الأجنبيين عن النظرة الأخيرة في وجوه من ماتوا: هل ترون هذا القليل من الرضا في الموت؟
المشقة لم تكن في القتل بل في البحث عن رمال خلت ذراتها من حطام عرب ميتين عن أرض تقبل الجثث الجديدة - كل يوم - تحت عين الله في الشهر الحرام.
المشقة - ابداً - لم تكن في القتل كل المشقة في النظر والصمت.
أكثر من أي وقت مضى
القدم اليمنى المليئة بالشرايين تنزف والموتى يرهفُون السمع الآن، أكثر من أي وقتٍ مضى جثثهم التي تتراكمُ سوف تصنعُ تلاًّ من الأرواح يمكن الصعود عليه، وسؤاله عن سرّ مشيئة الآلات، والقوات، عن عددٍ إضافيَّ من محفاتٍ لحمل الموتى، وفراشاتٍ تذودُ الدود عن حبَّات نور عيونهم في القبر، فالقدمُ اليمنى المليئةُ بالشرايين تنزف قدمُ الخطوة الأولى ولوِلُوا ندماً عليها على أقدامكم التي مرَّ فوقها القطارً مُسرعاً قلدُوا في الأنين عذاب مومسٍ، أزهقَ الألمُ فُتات شهوتها، شرِّطوا الأجساد بشفرة مُوسى حادةٍ، فأنتم لا تملكون غير هذا الذي أفسدوهُ عنوةً.. صرِّخوا خمس مراتٍ في اليوم والليلة دعُوا حُرقة العويل في القلوب، تفزعُ المواليد، تنزعُ السَّكينة من مهودهم فيكبروا قتلةً عتاة، لا شعراء حكائين، قد ألفُوا المحبة والتلاوات.. فلا الخيلُ، ولا الليلُ.. ولا المرآة تعرفُنا. انظروا الآن بصدورٍ مصفوقةِ الرئاتِ كصدورِ منْ فقدُوا الأمل إلى القدمِ الأولى فوق خريطةِ العالمِ وهي تخلِّفُ الجذْع واحدى خطوتيْهِ اصطناعيةٌ.. بينما يجلسُ الشاعرُ إلى أوراقهِ ليحرقَ في كلِّ زفرةِ ألمٍ- ملاكاً من الطائفين النَّادرين الآن في غُرف الكتابة.
حارسُ الحقولِ
حين يذهب القتلة إلى المضاجع لا ينامون إلا بعد عذاب طويل، ويمكن لمن بقوا أحياء بالمصادفة أن يسلموا، بالكاد يسلمون سريعاً ثم يمضون إلى مصائرهم مطأطئي الرؤوس كما يليق بعابرين في الدنيا التي صارت صواناً للعزاء.. وقبل أن يدخلوا البيوت التي ما عادوا يشعرون بالراحة فيها، يبصقون.. فالشارع ليس أكثر رحمة، ولهم أن يرفعوا عالياً أصوات موسيقا صاخبة مثلما قد يفعل مُقْعَدون وأمُّهم تُغتصَب في الغرفة المجاورة. أما أنا، سأقول: نحن لن أَمِّل من ترديدها كأنني الحارس الوحيد لآخر ما تبقى من حقول، نحن العلة التي أصابت حنجرتي بين رتابة دقتينِ في المكان نفسه مثل عقرب ضعيف في ساعةِ حائطٍ تعطلتْ.. وقتنا نحن الذي عوّدناه بصعوبة على الهواء المسموم والجيران، وقتنا ودفعنا فيه أحلاماً ثمينة حقاً، أحلامنا التي صارت بعيدة عنا الآن كأصوات أحبّةٍ غابوا قبل أن نتمكن من الإصغاء إليها إصغاء موّدعين، نحن الذين هجرنا بيوتنا الأولى صغاراً بأجنحةٍ ملوّنة، وتركنا الفراقَ ينام في أَسٍرَّتنا، يمُّد يَدَه ليأكل بين إخوتنا ثلاث مراتٍ في اليوم والليلة، صرنا كباراً فجأة، ولنا أجنحة لكنها مثقوبة، ومع ذلك لا نزال قادرين على التحليق والضحك، وربما المحبة.
حسن خضر:
* من مواليد مدينة السويس في العام 1965. * تخرج في دار العلوم. * عمل لفترة في تدريس اللغة العربية. * diwan.ef@hotmail.com
صدر له:
* "تاريخ لظل بنفسجة". * "عطر ميت". * "دائماً يتحدث مع غائبين" الهيئة المصرية للكتاب.
فارس خضر
نهار ميت
* حضن شائك
أتحدثُ عن الغربةِ وأنفاسُنا تتعانقُ، لا تزال رموشي مروية بعناية ويدي تسندُ جبهتي، لكنني كل فترةٍ أبصقُ ضحكاتي في سلةِ المهملات، ثم أكنسُ من ذاكرتي قتلى مغدورين، بظهورهم كانت الحياةُ مرشوقةً كسكينٍ أخرس.
* غرفة
فلنكن وديعين ونترك البابَ يسفحُ دموعَه أمامنا، لماذا نخافُ..؟ لمجرد أن رنةً يائسةً للعودِ أرعشتْ الجدران، ألا تكفي كل هذه النوافذ المحكمة لترويضِ الوحدة، أنقاضُنا لا تفسرُ الوداع لهذا يمكننا أن نقيمَ محبةً كبيرةً تتفحصُ الانتحار جيداً، ثم تمهله يوماً لأنه نسى أن يسبلَ نهاراً ميتاً ويقبلُه بين عينيه.
* البرد
شمسٌ مشلولةٌ تتسلقُ البيوتَ، لماذا تجلسون في انتظارها؟ انظروا لقد وصلَ الخريفُ متجرداً من عظامه، فانتحرتْ كُتبي على الأرفف، رؤوسُها المدلاةُ تُفزعُني مثل وشمٍ يستعيدُ ذاكرتَه، وعندما تستريحُ المقصلةُ سيأتي ماسحُ الأحذيةِ ليصبغَ ملامحي بجثثٍ يومية، وأنا بأصابعَ مفزوعةٍ أتحسسُ جسدي.
* عابر
أركضُ كمن يحاولُ أن يشدَّ الزمنَ من قميصه للوراء، ثم أقفُ متحجراً كبنايةٍ قديمةٍ، غالباً ما أنظرُ خلفي بدهشةٍ كيف لا أجدُ أثراً لخطواتي على الرصيف؟ أين تذهبُ كل هذه الدماء ...؟!
* خيانة
تركوا لنا الصحراءَ في حجراتِنا ثم أسلمونا للعطش، أمروا كلاماً فسالَ على جانبِ الفم واعتقلوا رجفةً تتآمرُ ضدنا.. كان يمكنُ أن نصرخَ: أمهلونا قليلاً حتى نردَ الغطاءَ على أرواحنا الميتة، أمهلونا قليلاً.. نصرخ.... ونلوّح حتى تغيمَ أصواتُنا خلف ضحكةٍ ساخرة.
* نضال
اختفوا لا شواهد تركُوها في المقاهي ولا أغنيات ثائرة كانت في ودائعهم، كنا نظنُهم مدفونين في أماكنَ سرية ( تحت الأرض مثلاً ) لكنهم اختفوا فجأةً، تاركين على المقاعد خوفَهم كتنين خرافيّ، يلعقُ دماً متخثراً على شفتيه بتلذذٍ ويتهيأُ ليلدَ مناضلينَ آخرين.
* كأني غريب
تتحدثين عن السكينة.... ؟ إنها تلطمني كلَّ يوم ليس لأن أيامي أشد من قسوةٍ ولا لأن المساميرَ تجاهرُ بصدئِها وهي تمرُّ بروحي، ولا لأن رأسي تحتلُها حراسةٌ مشددةٌ، ولكن لأني أثورُ محاولاً جمع أشلائي، خلسة، فلا أجد غير بقايا نازفة لآخرين أرمُم خطواتي فينهار الطريقُ باكياً أصمتُ فيصيرَ فمي فجوةً مصمتة ثم أتكلمُ كأني غريب.
مجرد أطفال نائمين
كل هذه الأكتاف، كل هذه الرؤوس فوق الأكتاف، كل هذه الأحلام الميتة كأطفالٍ نائمين، تنحدرُ من العيون وتشتبكُ قبل سقوطها على الأرض، مع الأنفاس. ولمرةٍ وحيدةٍ، ستكونُ الطبيعةُ رحيمة، لأن عاصفة ستهبُ لتنكسَ الأتوبيسات العامة والبنايات الجهمة والأرصفة وتتكوم تلك الأحلام التعيسة في مقبرةٍ جماعيةٍ، ثم تهبُ عاصفةٌ جديدةٌ لتهيل الترابَ عليها، وتهطلُ سيولٌ مسنونةٌ
لن يمرَ وقتٌ طويلٌ حتى تنبتَ شوارعُ تستحمُ في ماءِ المطر لن تكون هناك قسوةٌ، فقط ستحتاجُ الأحلامُ الجديدةُ لفترةٍ كي تعثرَ على أكتافٍ كثيرةٍ، فوقها رؤوسٌ كثيرةٌ، وعيونٌ تلمعُ بداخلها أسرَّة بيضاء سوف تمدُ الأحلامُ أناملَها بحنوَ لتوقظَ الأطفالَ النائمين.
أصابع أقدم محفورة على الرمل
( 1 )
راحلون لتوَّهم يجدفون فوق أنفاسي ويسحبون بحبالهم آخر المحبة ...
( 2 )
جسدُك هذا وسادتي الأخيرة ، دمعةٌ مالحةٌ وصلتْ إلى شفتي، جسدكُ هذا كفني، وجهُ الشحاذةِ الذي يجرحني بشفرته كل يوم، جسدُك هذا جسدي..
( 3 )
هه - السرير باردٌ - أظنُها الخيبة هذه الأصابعُ التي تربتُ على ظهري، هذه المزاميرُ الواهيةُ وهي تراقصُ موتَها
- يبدو أننا أجهزنا على كل شيء، تحسسي ملمسَ النور إِذن ثم لُمَّي أكاذيبَنا المرميةَ جنب المدفأة..
( 4 )
لو يحملني الله على كفه في لحظةٍ كهذه .............................. .............................. كرهتُ نظراتي الثابتة ظهري الممدد مثل تابوتٍ مهمل ذراعي الملقى بجانبي، الكتاب الذي يقعُ على صدري متخيلاً أنني مِت..
( 5 )
ليست خطيئتي الحفرةُ التي تتبعني دائماً، هذه الحفرة التي ما دفنت فيها شيئاً مهماً أبداً، كلما ردمتُها تكبرُ وتتركُ يدي ملوثة..
( 6 )
كنت معلقاً في هواءٍ بعيد منذ ثلاثين عاماً جنب صنبورٍ أعمى فمي مفتوح ولساني يتوسلُ للماء ..................... ..................... كل هذه السنوات والقطرات تسقطُ خارجَ فمي.
( 7 )
إنه الذباب الذي يتناحرُ فوق فتات المائدة، الدمُ وحده سينزُ من الأشلاءِ كشاهدٍ أعمى ووحدها الحسرة ستمعنُ في أنينها حتى تعتصرَ القطرةَ الأخيرة من الأسى.
إِنه الذباب الذي لم يجرؤ لمرة أن يسألك يا سيدي: لماذا أقمتَ الوليمةَ أصلاً... ؟
فارس خضر
* من مواليد العام 1969. * مدير تحرير مجلة "الشعر" القاهرية. * www.fareskhedr.netfirms.com * fareskhedr@hotmail.com
صدر له:
* "كوميديا"، سلسلة أصوات أدبية،الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1998. * "الذي مر من هنا"، سلسلة كتابات جديدة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2002. * "أصابع أقدام محفورة على الرمل"، مختارات شعرية، مكتبة الأسرة، 2002. * "ميراث الأسى "تصورات الموت في الوعي الشعبي"، دراسات شعبية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2004.
محمود خيرالله
أجدادنا
الجماجم التي لأهلنا وذوينا، التي للذين طأطأوا رؤوسهم أمام كل ريح، وللحالمين بجنة وعدل و"أسنان مشط".. وللذين ما لمسوا زهرة بغير جرح ودفعوا الأيام أمامهم فارتدت إليهم دائماً "ألف خلف".. وللذين غيروا مساكنهم مرات باحثين عن مفتاح ومخبأ، الجماجم التي لأناس مرحين جداً وعاطلين عن العمل، وللذين حين تشمهم تفهم أنهم يعملون لأنفسهم ولغيرهم أيضاً، وللذين انكسرت قلوبهم وضلوعهم بين الميلاد والموت.. الجماجم التي لأجدادنا يطحنها المدمنون عادة قبل أن يدخلوا في نصف غيبوبة.. نصف غيبوبة لرأس مدمن.
ليست مصادفة
ليست مصادفة أن يشم أنفي كل صباح خمس روائح : رائحة البن رائحة عوادم سيارات الدولة رائحة التبغ الأخضر رائحة الندم ورائحة اللحم المحروق من جسد "العملة المصرية".
نزهة
ركبنا أجنحة لدموعنا وطيرناها بعيداً، ربما هبطت ـ مرة ـ فوق حي نظيف، هناك لن تجد ما تغسله فالناس مغتسلون باستمرار وأجساد نسائهم مدهونة بالكريم، كنا أغبياء حين طيرنا دموعاً كانت متعبة معنا واستطاعت هناك أن تستريح.
بين طاولتين
"دكان، أذكر ساعتها وقبل الثورة في ذلك الوقت، ومنذ ربع قرن أيام الملك، وقبل رحيل الإنجليز .." هذا كل ما يملك الجالسون بجواري شعيرات بيضاء تحتاج خللاً تاريخياً ليفهمها الناس، تحتاج رائحة قديمة و"بارفانات" غيرت طعم الهواء في حفلات "أم كلثوم" وأزياء رجالية تربطها بخطب "جمال عبد الناصر" أربطة قوية،
الشعيرات البيضاء ذهبت إلى "بيروت" و"فلسطين" أمضى أصحابها شهور عسلهم فوق "جبل الدروز" أو تحت "ظلال الزيزفون" ظهرت الندوب في وجوههم انفعالاً بجيش الثورة أو تلبية لصراخ النكسة، الجالسون بجواري لم يجيئوا مثلي هرباً من عاصفة ترابية ابتسموا فقط ووضعوا نقاطاً فوق الحروف، أخلصوا لنعيم زائل وكانوا على الأقل أوفياء.
بكل وضوح
يا من تعيشون هنا لا تصدّقوا الأبيض الذي في السماء إنه فراء زوجة الرئيس بعدما علَّقته على شمّاعة الرب وإذا صادفتُم أسداً يتمّشى في حديقة قصر كذّبوا عيونكم لأنّه مجرد صديق مُخلص لسعادة الرئيس، تأكّدوا دائماً من كل شيء تأمّلوا ـ مثلاً ـ سجاجيد القصور وهي تنبضُ تحت أقدام "الوفود الأجنبية" إنها من شُعيرات الصبايا اللائي يقتلهن الوباء وإذا غَفَا الواحد منكم في حديقة عامة، ورأى قتلى ومخبولين في الشوارع، فلابدّ أن يفهم أن هؤلاء هم اللذين قطّبوا في وجه السيد الرئيس، حتّى الماء لا تصدّقوه رغم أنه زحف آلاف الأمتار على بطنه، ليدخل أبدانكم برأفة ليس إلاّ دموع الملايين الذين جاعوا لكي يتعطّر أحفاد الرئيس، أما إذا التقيتم عارية في الطريق العام، فلا تظنوا أهلها طردوها، إنها تدرّب أحزاب المعارضة على محبّة الرئيس، وإذا رأيتم بائع الحليب الخادع، يُهدر دموع المظلومين البيضاء، هكذا بأسعار رخيصة، اصرخوا فيه، ولا تصدّقوه، لأنَّ شيئاً في هذه الحياة لا يجب أن نُصدّق حتّى هذه الملايين الجائعة تهرب دائماً من أمامي لدرجة أنني لا أراهم لا أراهم بوضوح.
محمود خيرالله
* من مواليد محافظة القليوبية في العام 1971. * صحافي مصري في مجلة "الإذاعة والتليفزيون" وأحد مشرفي التحرير في مجلة "الشعر" القاهرية. * diwan.ef@hotmail.com
صدر له:
* "فانتازيا الرجولة"، الهيئة العامة لقصور الثقافة 1998. * "لعنة سقطت من النافذة"، دار ميريت 2001. * "ظل شجرة في المقابر"، دار البستاني 2004.
إبراهيم داود
أشياء غائمة
سآخذ البشرية من يدها هذا المساء سآخذها خارج المدينة لأحكي لها عن رحلتنا الأخيرة التي فشلنا في اختيار أرجلنا فيها عن الفراغ الذي سرق الكلام وهرب سآخذها إلى مقهى صغير إضاءته قديمة ويسهر حتى الصباح مقهي يتوسط الناس وأضع تحت يديها خرائط الظل قبل أن أمزقها أريد أن تشاركني حالة المشي التي تنتابني كلما تقدمت في العمر الحالة التي أتذكر خلالها.. أشياء غائمة وأقرر ألا أتذكرها بعد ذلك واتذكرها بعد ذلك
***
البشرية لا تخرج الآن مع أحد تجلس في المكتبات القديمة تبحث عن أصابعها أو تتجول في حدائق وهمية احتفل التاريخ بها وربما.. تدندن بصوت مسموع.
خلوة
هواجسه معتقة وذكرياته في الأدراج بينها.. صورة له وهو سعيد كان يقف جنب حبيبته بذراعين كاملين في مواجهة القصف
***
كان يريد أن يكون بمفرده هو الآن.. بمفرده. وظيفة مناسبة تراب قديم علي المكتب يزاح بسهولة والمفاتيح بدون عناء تفتح وكل شيء في مكانه صور على الحائط تؤكد أن للتاريخ أظافر ويوجد زرع في غرف بعينها ولا توجد رائحة للناس.
ضجر
ساقاه القديمتان تفهمان في الموسيقى ستسمع ذلك عندما تراه يمشي في الشوارع غير مشغول بالسنوات التي تعبر مسرعة يريد أن يبتعد قليلاً ليدفن كما شاء ويتذكر جزءاً من أغنية صادفها وهو يمشي واكتشف فيها أخطاء خالدة تحتاجها الموسيقى الموسيقى التي لم تشاهد هزيلة إلا هذه الأيام بعد أن سكنت في مكان بعيد من السهل الوصول إليه ستجده وحيداً.. بلا مظلة يسأله الناس عن أحواله ولا ينتظرون إجابة لأنهم يعرفون أنه لا يسمع أصواتاً وهو يمشي وربما ينقل بيتاً من مكانه اذا أحس بالضجر. الرجل الماجن الحنون سألعن "محمد الماغوط" كلما ابتعدت في العمر لأنه الرجل الماجن الحنون الذي اكتشف للغضب مزايا جديدة وخبأ نفسه في كيس قديم بصق علي المارة المارةِ الأغبياء الذين يتحدثون عن عبقرية أطفالهم ويبحثون عن مقاعد مريحة.. سألعنه ما حييت لأنه اكتشف طريقاً جانبياً طريقاً عريضاً لا يفضي إلى شيء. بار "ستلَّا"(1) تتساقط أصوات على رؤوسهم أصوات مكتومة لا ترى بسبب الدخان ورغوته بسبب الحوائط التي تترعرع بين الأقدام كل الذين ماتوا يذهبون كل ليلة ليطردوا الأشباح عن وسط المدينة
***
يتحدث الآخرون عن الليل الذي يجمع الأرواح على طاولة الآخرون الذين هربوا إلى صورتهم ليفخر التاريخ بهم التاريخ الذي لا يعني أحداً عندما يشتعل الخمر.. ويبحث كل واحد عن صوته في الدخان.
ثرثرة
الرجل المسكون بحكايات متناثرة ناقصة الذي نصحه الأطباء كثيراً الملول الذي يرى البكاء مضيعة للوقت.. الثرثار مع الغرباء الذي لا يكف عن التدخين والذي اكتشف طرقاً غريبة في الغناء الرجل الذي فقد بيته وهو نائم المحب الذي يؤمن بأن الثأر شيء نبيل. الشارد الذي يهرب في النساء؟ الرجل الذي ابيض شعره فجأة وهو في الحانة يبحث كل عام عندما ينزل الشتاء على لسانه عن كلام جديد. وزن زائد عندما أفرغ مما أنا فيه سأتخلص من نباتات الظل التي أجهدتني وجعلتني لا أحب السفر وأخرج في اتجاه البحر.. أشتري مدينة "قديمة" أنشر عليها ملابسي وأتجول وحدي فيها مدينة ساحلية خضراء تتسع كلما اقتربت منها سأتخلص من الوزن الزائد الذي أصاب ذاكرتي وجعلني أتحدث مثل الحكماء وأبحث عن مناطق آمنة: كنت فيها "كما ينبغي أن أكون" "وحيداً" يصيب ويخطيء ويعاقب نفسه طوال الوقت بالموسيقى ويبحث عن صوته في الكلام البسيط الكلام الذي لا شيء فيه النقي الذي يخرج مع الفجر الذي يخرج مع البحر.. القديم الذي تبرأ من الماضي سأتخلص من الهزائم التي حاصرتني وجعلتني أتفادى وجوه العابرين في الصباح وربما استعدت بعضاً من الفواكه التي ضاعت في القرى لأفتح عندما أفرغ مما أنا فيه صفحة جديدة مع البساتين وأغير رأيي في السفر.
إبراهيم داود:
* من مواليد قرية "هورين" بمحافظة المنوفية في العام 1961. * حاصل على بكالوريوس تجارة ـ شعبة محاسبة ـ جامعة طنطا 1983. * يعمل صحافياً في عدد من الصحف والدوريات المصرية. * dawoud1961@gmail.com
صدر له:
* "تفاصيل" 1989. * "مطر خفيف في الخارج" 1993. * "انفجارات إضافية"، ميريت للنشر والمعلومات 2002. * "يبدو أننى جئت متأخراً"، ميريت للنشر والمعلومات 2002. * "خارج الكتابة"، 2004.
تحت الطبع:
* "حالة مشي" مجموعة شعرية.
أسامة الدناصوري
ليل أحدب استدر يا صديقي أرني ظهرك: الحقل الذي أنثر فيه بذور أحقادي وأرعى فسائل مكائدي. منذ أن أحببتك والطعنة المفصلة على مقاسك تنام رأسياً في عينيّ عينيّ ذاتهما.. الغائمتين دوماً بالحنان اللامع وابتسامتي المنصوبة على وجهي.. كفخ متيقظ لاصطياد رعشة وجهك الرومنتيكية عند وداعي. استدر كي أنعم برؤية النافورة الحمراء تطرطش على وجهي وأمد يدي من الثقب الدافئ الذي يتسع سألغ في رئتيك وأعجن العضلة الحية التي تبظّ من بين أصابعي كي أخلط السعال بالرحمة وأخض الدم في الإيمان. وعندما أعثر على الله المستلقي في سهو وحدته لن أرتجف كثيراً لحظة القبض عليه ولن أولي اهتماماً لصراخه ومحاولته التملص من بين قبضتي وبحركة مدربة سأزج به في جوفي وسأزم شفتي إلى الأبد كي لا يحاول القفز من بين أسنانى. أتح لي فرصة واحدة وسأسرقه منك يا صديقي ليس لمجرد إدماني على السرقة بل لأن مكاناً بداخلي بحجم إله.. يؤلمني كثيراً. سوف أرغمه على التكيف مع بيته الجديد ومؤاخاة الليل الأحدب المنزوي في خرابة مهجورة ليلعبا سوياً سيتعلمان السباحة معا في عروقي وسيخرجان كل ليلة ليناما بين ذراعيّ ويجلسان بجوار رأسي على المخدة لحمايتي حتى الصباح. علّه يكف عن العواء المتكرر كل مساء مثل ذئب أعمى تهيجه أصداء صرخاته. سنتمنتالية كنتِ ستموتين بين ذراعيّ أليس هذا ما اتفقنا عليه؟ ماذا أصنع إذن بأقراص الفاليوم التي اشتريت لكِ منها علبة كاملة؟ هل أبلعها أنا! لقد تبدلتِ سريعاً أصبحتِ فجأة تتشبثين بالحياة يا للعجب ..الحياة!! أليست هي النفق المعتم الكئيب ورحلة العذاب المتخبطة التي لا تنتهي؟! ثم ماذا سأصنع الآن بالقصيدة التي أعددتها لرثائِك؟ هل تسخرين مني؟ لن أغفر لك ذلك أبداً .... لكن الآن ما العمل؟ بعد أن رتّبت حياتي المقبلة بالفعل؟ حياتي!! .. لقد أطحتِ بها بضربة واحدة خرقاء كنت أوشكت على توطيد علاقتي بمحل الزهور من أجل أن يخصّني بأجملها وبسعر مناسب حتى يتسنى لي الرحيل إلى قبركِ كل أسبوع وفي يدي هدية جميلة إن قلبي منذ الآن يدق بعنف كلما مررت بشارع " صلاح سالم"(2) وحنين جارف يقودني دوماً إلى "البساتين"(3) حيث مقبرة العائلة والبارات: أجل.. عثرت أخيراً على واحد هادئ وقديم نوافذه عالية وحوائطه الخشبية صفراء لأذهب إليه كل ليلة وقد حددت المنضدة المنزوية التي سأقضي عليها بقية أيامي أشرب.. وأدخن.. وأبكي وسيغدو بإمكان الشعراء الشبان أن يشيروا إليَّ دائماً: "إنه السنتمنتالي المتوحد الحزين" أيتها الجبانة لقد أفسدتِ كل شيء. على مشارف الحقول لا أكذبكم القول: لم أكن أعني بها مثقال ذرة من قبل! وإن شئتم الصدق لم أكن أدري أني جِد مولع بها قبل هذه الليلة ... الكلاب ما أجملها من كائنات! انبحوا أيها الأخوة لكم أود لو وقفت في الشرفة ورفعت لكم عقيرتي لكن نباحي يدوي في جوفي فقط! لا عليكم ها نحن آخر الليل وها هي الشوارع تعود ملكاً لكم امرحوا تحت أيديكم الآن مدينة بكاملها وبالكاد ترون كل حين شبح آدميّ يمر بكم سريعاً حابساً أنفاسه تهيجكم رائحة خوفه التي تثير غثيانكم فتطاردونه.. حتى يتعثّر في ثوبه.. وينكفىء فتضحكون ثم ترجعون سعداء وقانعين هيا أقيموا أعراسكم وان شئتم: حروبكم فقط.. لأجل خاطري لا تكفّوا عن النباح أجل.. أجل هذا أنت أيها الأزعر المهيب كيف لي أن أجهل صوتك؟ كأني بك الآن تسبّ أحدهم بل كأنك تهزأ به فقط فيضحك الآخرون ما أسعدكم معشر الكلاب إنكم تضحكون كثيراً تضحكون وتتقاتلون وتتسافدون وتتنابذون بالألقاب وتتناجون يا لكم من سعداء.. حقا لكن مهلاً أنا ابن ريف مثلكم ومثلكم لا أفهم: لمَِ أنا هنا؟ لكن حظّي ليس بالغ السوء إذ لفظتني المدينة إلى مشارف الحقول في حي عامر بالخرائب تلك الممالك التي تستسلم مقهورة.. واحدة إثر أخرى إذن ماذا أنتم بل ماذا نحن فاعلون في الغد أيها الرفاق. بصراحة سأحدثّكِ بصراحة وأخمّن أنّكِ ستفاجئين، لكنّ ثقتي في فطنتكِ كبيرة ولذلك.. ربما لا تفاجئين مطلقاً.. أنا الصديق الكبير، خزانة أسرارك، أسرارك التي تخص دائماً رجالا آخرين أقول لكِ: - وليس مزاحاً هذه المرة - إنك امرأة جميلة … شهيّة وجميلة لم أعد أحتمل.. سامحيني، ولتذهب الحكمة إلى الجحيم إن جمالكِ يعضّني بأنياب حادة، لا ليدغدغني.. بل ليدميني لقد تفتّحَت وردتكِ تماماً، وباتت تنشر عطرها في كل اتجاه أنا لا أطمع في قطفها، لا.. دعيها على غصنكِ الطري اللعوب تميل .. فتتأرجح أحلامي يميناً ويساراً كم أتمنّى فقط أن ألتفّ كلبلابة حول فرعكِ وأن ألصق أنفي أخيراً بميسمكِ النابض لا تفزعي هو شهيق واحد سيكون كافيا لضخّ الروح من جديد في عروقي اليابسة.
بصراحة 2
صدقيني لم أكن متفائلاً إلى هذا الحد أنا الآن في حيرةٍ من أمري كما لو أنني أُخذتُ على غرة يَصعبُ على المرء أحياناً - وبالأخصّ: المرء تعسِ الحظّ صديق الخيبات - أن يجد أمانيه تتحقق هكذا بمجرد التمني ما أكثر الحروب التي خُضتُ غمارَها حالماً بالنصر لكنني تعودت ألاّ أظفر من الغنيمة سوى بالإياب الإياب وحيداً وخاوياً ودائماً ما قنعت بذلك إنّك أخطر أمانيّ على الإطلاق كنتُ وأنا أتمنّاكِ أردّدُ لنفسي: ممّ تخاف؟ قامر لن تخسر شيئاً أو بالأحرى لم يعد في وسعكَ حتّى أن تخسر أكثر. قولي.. أجيبيني بصدقٍ أرجوكِ: أحقا توافقين أن ألتفّ كلبلابة حول فرعك؟ وهل ستدعينني أرشفُ من ميسمِكِ الرطب بعضاً من ماء الحياة؟ يبدو أنّ الحياة جميلة كما يقولون حقا.. إنها لجديرة بأن تعاش لقد غفرتُ لها كل ما مضى الحياة طيّبة لم تكن تقصد شيئاً سيّئاً كانت تمزح معي بالتأكيد كانت تمزح - تلك الخبيثة - وهي تخبّئكِ طوال الوقت خلف ظهرها وتضحك ملء شدقيها ليأسي والآن وبعد أن تمكّن اليأس مني تماماً وأدرتُ لها ظهري إذا بها تلقي بكِ بكِ أنتِ في حجري.
أسامة الدناصوري:
* من مواليد قرية "محلة مالك" بوسط الدلتا في العام 1960. * بكالوريوس علوم البحار من جامعة الأسكندرية في العام 1984. * عمل مدرساً لفترة. * توفي في الرابع من يناير 2007.
صدر له:
* "حراشف الجهم" 1991 عن دار مصرية. * "مثل ذئب أعمى" 1996. * "على هيئة واحد شبهي" (عامية) 2001 * "عين سارحة وعين مندهشة" دار ميريت 2003. * "كلبي الهرم .. كلبي الحبيب"، يوميات، دار ميريت للنشر 2007.
_________________ حسن بلم | |
| | | | ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2013-08-20, 11:22 am | | عبد المنعم رمضان
تمهيد لغرائزنا
تستطيع أن تضع أطراف أصابعك فوق مفاتيح البيانو وأن تدس صوتك بين أصوات الكناري والشلالات ولا تستطيع أن تضع أقدامك فوق الأرض أيها الصاعد جداً من أحلامك الصفير الذي أطلقه القطار الأخير يعني أن القطار الأول قادم مثل الحنين الهادىء إلى موديل لا تضع الليل في جيبك اصطحبه إلى الفراش وبعد أن يستريح فك عنه التكة والإبزيم نفض رأسه المليء بالقمل ثم ضعه على فخذيك واملأ حلقك المجروح بأصوات الحيوانات سوف تضيع سوف تؤسس غرفة بدون جدران . تستطيع أن تفرد جسمك كله ولا تستطيع أن تفرده فوق "ماري" لا أعرف كيف كانت ريشتك تنزلق فوق الألوان وكيف أغانيك احتبست الضوء كله ولم تمنحه حتى لبقرة في حقل أنت لم تشهد "التانجو الأخير"(4) لم تستطع أن تشهد "التانجو الأخير" كان الليل الذي عششت فيه يمشي إلى جوارك يخشاك كأنه شيخ عجوز وكانت عصاه فقط التي تطقطق اسمع سوف تحن إلى ليل آخر يطل من الشرفات وفي النهار يخلع حذاءه تجاه الشمس ويتنكر على هيأة قط أسود، يجلس تحت قدميك . تستطيع أن تطير فوق السور أن تبص على النجوم وهي تغرغر فمها بالنور وتدعو بعضها إلى السفر لكنني أدعوك على عجل أيها الصاعد جداً من أحلامك أن تأتي من ديمومتك وترى معي "كاليجولا"(5) و"الإغواء الأخير للمسيح"(6) ومجلات البلاي بوي حتى إذا فاجأتك القيامة استطعت أن تحب جسمك العاطل بدلاً من جسمك الشفاف. تحت شرفة نهر النيل السرير الذي خرجت منه امتلأ بالحشرات وقطعان الرمالِ والقبور والأجساد التي في الأعالي، التي في الظل السرير إياه امتلأ بشهيق الليل وزفيره ولم ينم عليه أحد لذلك اعمل بشقاء واستبسال. اعمل بخفه واستمر في الهمس لنفسك استمر في الغمغمة والتمتمة أيها الكائن القديم جداً تجسس على رجال الدين وعلى القرويين وعلى الآلهة الكبيرة وابحث عن ترنيمة متفائلة ابحث عن الصفات المتفردة لنهر أسود احذر أن يظن الآخرون أنك موضع ثقة وأنك تصغى إلى عظام الملوك وهي تتململ احذر أن تكون مثل نهر ذكر محاط بالدخان والمشاعل وبذور الخيول الهائجة كن ما تستطيعه وما تحلم به حرم على أسماكك الدوران الطائش حرم عليها السكون المائل السكون على طريقة الفرعون حرم عليها "أيام الإنسان السبعة"(7) اجعلها تلف حول نفسها حيث لا يمكن للخرزة الذهبية أن تتدلى أبداً من عنق مثل الوقت المقلوب انتبه لأقدامك التي تكسر العشب اتركها طويلاً في اتجاه البرج إذا أحسست البرد املأ كوبك الفارغ من كوبك الملآن أيها السوقي المقدس البذيء اخرج يدك من ذاكرتي اخرج الشهوات من المقدمة والاستهلاك ولا تسمح للشهداء الواثقين أن يظلوا على الطريق وقبل أن تهيم في السماء أخرج خرطومك، الأطفال يفعلون ذلك وأرفع عن ظهرك الأحذية اللماعة التي تلبسها النجوم فكل ما نعرفه عنك أنك عار وأن ثيابك الخضراء والبنية عند أول جرف تتركها أيها الطاغية الفاسد العجوز لماذ اتكأت على إليتك التي من القش ومن أفخاذ العذراوات ادخل كعاشق إلى بيوتنا وأترك عينيك أمام الباب حتى نبصق فيهما لا تمنح أصابعك لزوجاتنا المولعات بك وكي لا تجلس في البدروم اغسل فمك بالذكريات التي نعرفها وبالأصوات الخافتة وبالغبطة تمضمض كأن عروق صوتك احترست من الذوبان وأثناء الندى البارد تمضمض كأنك من المسافرين صدفة غير أنه لا أحد قادر على استقبالك كيف تجسر أن تكون عيناك زرقاوين بلون قميص السماء ولون بشرتها وهل يحق لنهر مثلك أن يشيح عن وجوهنا أن يبتل صوته فقط عندما نموت اسمع إذا فكرت في العودة خذ مخلاتك ونقودك ومعجون أسنانك وأصابعك والمائدة التي أعدت للعشاء الأخير وخذ الموت والحشرجة وعصا واحد من أحفادك خذ حروف الأبجدية والآثار التي تحت نهديها خذ هذه القصيدة، خذها واترك عينيك أمام الباب حتي نبصق فيهما أيها الشيخ الضليل.
تحت شرفة " حسن طلب"(
منذ الرؤيا منذ القرن الأول منذ الوراقين ومنذ الجاحظ منذ أبي تمام منذ حدائق طيبة منذ عروس النيل ومنذ استوقفني الحراس أمام الباب ومنذ انتشر ظلام داخل قلبي منذ خرجت على الإيقاع لأبحث عن إيقاع آخر أبحث عن فاعلن فاعلن فاعلن من تكون؟ أنت يا أيها القروي الذي يملأ الأرض مثل طلائع جميزة لم يطأها الحنين نحن لسنا نريد لك النوم فوق سماء من الطين لسنا نريد لك الخوف من ظلك المتعلق بك إنها ساحة تتكاثر فيها ظلال الذين يخونون أنفسهم والذين يخونهم الآخرون فهل نستطيع إذا لم نجاهر بأحلامنا أن ننام قليلاً من الليل أن نتسارر مثل المحبين والمفعمين هل نستطيع إذا عاد بعد انتهاء وصاياه سيد غبطتنا القروي الذي قدماه على النهر تستسلمان لغير الهدوء وغير الأنين هل نستطيع التهرب من فاعلن واللجوء إلى فعلن فعلن منذ الرؤيا منذ القرن الأول منذ منازل حتشبستوت ومنذ الوادي منذ خزائن نهر النيل ومنذ استوقفني الحراس أمام الباب.
ناريمان
الحارسان اقترفا خطيئة حين استدارا فى اتجاه السور موسم القطاف مر من عليهما والأجراء ارتحلوا وأوشكت صوامع الأيام أن تجف أن تشى بما يلوكها وكانت الصبية الضئيلة النهدين تخلع القماط تضع الكحل مكانه تلف حول رسغها إسورة ولم تكن تعلم أن جسمها الناحل حائر يجيش أن تحته رفّ من العصافير التى تعلو على الدوام كلما هيجها الرصاص الحارسان اقترفا خطيئة حين استدارا فى اتجاه السور كيف تأتى إلى البيت دون ادعاء بأن زماناً تعطل فور ملاحقتى لانفلات هواجسها باتجاه دمى إنها غادرت ثوبها بعد فاصلتين من الآن مالت على الأرض تسترها وترش على ما تفتت صمغ العرق كيف تذهب بعد الفراغ إلى ركنها وتنام كأن يداً لم تعد تتحسس أطرافها خوف أن يستقر الهوى ويفر الجسد .
عبد المنعم رمضان
* مواليد القاهرة في العام 1951. * شارك في تأسيس جماعة "أصوات" الشعرية في أوائل السبعينيات. * حصل على جائزة المنتدى الثقافي اللبناني في باريس في العام 1998. * حصل على جائزة "كفافيس" في الشعر في العام 2001. * متفرغ للكتابة منذ العام 1990. * diwan.ef@hotmail.com
صدر له:
* "الحلم ظل الوقت.. الحلم ظل المسافة"، مجموعة "أصوات" 1980. * "الغبار، أو إقامة الشاعر على الأرض"، الهيئة المصرية للكتاب 1994. * "قبل الماء فوق الحافة"، دار الآداب، بيروت 1994. * "لماذ أيها الماضي تنام في حديقتي"، هيئة قصور الثقافة المصرية 1995. * "بعيداً عن الكائنات" دارالمدى، سوريا 2000. * "غريب على العائلة"، دار توبقال، المغرب، 2000. * "النشيد"، دار ميريت بالقاهرة، 2002. * "الشهيق والزفير"، مقالات، المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة 2002.
تحت الطبع:
* "الصعود إلى المنزل"، دار الهلال، القاهرة.
ميلاد زكريا يوسف
أغنية شعبية من الجنة المفقودة
فتحنا قلوبنا على أقصي اتساعها نزعنا أبوابنا وشبابيكنا وضعنا أشجارا ووردا وماء على عتبات بيوتنا استأجرنا عازف بيانو ليغني دوماً فوق سطوح منازلنا وانتظرنا أن يأتي الحب وضعنا شباكاً وخطاطيف حول سور المدينة لعلنا نصطاد الغرام حين تقذفه رياح الصيف إلينا استهلكنا أطناناً من القهوة كي نبقى ساهرين لعل الحب يخاف النور ربما يأتي الحب ليلاً فيجدنا نائمين قتلنا كل النساء لعل الحب لا تروقه وجوههن وقلنا: لا بأس سيأتي الحب بالنساء اللائقات به تعلمنا تنهيدات العشاق وتدربنا على الخجل الذي يليق بالعشاق وسرنا بجوار النيل في ضوء القمر لعل الحب يهبط علينا أخبرنا قلوبنا كيف تنبض بصوت عال وأخبرنا عيوننا كيف تكون النظرة الولهانة قرأنا الروايات الغرامية وسمعنا الأغنيات الغرامية وعرفنا كيف ترتعش أيادينا عندما تلمسها المحبة وعرفنا كيف نشم رائحة المحبة عندما تأتي وكيف نضع المحبة على أطراف ألسنتنا ونذوق عسلها جلسنا في المقاهي وحدقنا في كل شيء يمر أمامنا ربما يعبر الحب متخفياً في ثياب الباعة الجائلين ربما لا نسمع صوت غنائه بين ضجيج السيارات ربما لا نرى لون عيونه في زحام كرنفالات الفتارين كلما رأينا شحاذاً منحناه نقودنا واشترينا المناديل الورقية من كل فتاة صغيرة صادفناها قد يكون الحب متخفياً بين هؤلاء أنصتنا جيداً... فربما يأتي الحب في رنين التليفون ربما يتحدث إلينا الحب من بلاده البعيدة خفنا على أنفسنا من قذارة العالم فارتدينا جلالبيب سوداء وأحرقنا جميع ملابسنا الملونة حتى لا نبدو ملوثين فيرفض الحب أن يأخذنا في أحضانه وارتدينا قفازات لنحافظ على طهارة أيادينا وارتدينا نظارات من الرصاص حتى لا نرى إلا المحبة ووضعنا كمامات على أنوفنا حتى لا نشم عطور البشر وروائح العالم الفاسد أغلقنا أفواهنا بالصمغ حتى لا نتحدث إلا للحب قلنا ربما يخاف الحب من البرد فأحرقنا نصف الأرض لتكون الحياة دافئة وقلنا ربما يخاف الحب من الشمس فصنعنا للدنيا مظلة هادئة وقلنا ربما يرى الحب أعدادنا كبيرة وربما لا يكفينا فتقاتلنا بالسكاكين وبالسم وبالنار ووضعنا المشانق في كل مكان حتى مات نصفنا أرسلنا مبعوثين للكشف عن المحبة في أجساد الأولياء والقديسين وفي المناجم القديمة وأرسلنا غواصين لالتقاطه من قاع البحار غربلنا تراب الأرض ربما نجد جوهرة المحبة تهنا بين البشر سرنا في زحام الموالد منتبهين وفي عربات المترو ومدن الملاهي وحفلات الزفاف والجنازات والمراكز التجارية ودور السينما ربما يلمسنا الحب مصادفة وسط هذه المهرجانات سبع سنوات كاملة.. أو يزيد ونحن نجري وراء طيف الغرام ولما تعبنا.. وتهرأت أحذيتنا.. ونحلت أجسادنا صنعنا بحيرة كبيرة من الزجاج المكسور ووقفنا في وسطها حفاة بعد أن ربطنا أقدامنا بالجنازير وفتحنا شراييننا حتى نزفنا كل دمائنا وقلنا إن الحب سيدخل أجسامنا من فتحات الشرايين.. وهكذا.. أصبح كل شيء مهيأ لاستقبال الهوى .. فلماذا لم يأت ؟!
المحب العظيم
لم نكن نعرف عن حياته السابقة سوى شائعات تقول إنه كان فيلسوفاً عظيماً باع كل أملاكه ليتحول إلى شحاذ صار يسير فى الشوارع حافياً يربط على عينيه منديلاً أسود قذراً يمد يده اليسرى أمامه دون أن ينطق بكلمة واحدة وعلى كتفه بومةُُ عجوزُُ خرساء. بعضنا رأى حجرته الوحيدة عارية الجدران كانت الحجرة مليئة بصناديق القمامة؛ على حائطها الشرقى صليبُُ كبير مائل وفى منتصف السقف تتدلى مشنقةً مصنوعة من عدد كبير من حمالات النهود كان يعود كل مساء يحدق فى المشنقة ويستغرق فى البكاء حتى الصباح. ومنذ أول يوم رأيناه؛ لم نستطع أن نشعر بتعاطف تجاهه شعرنا جميعاً أننا مجبرون أن نكرهه بشدة حتى إن أطفالنا كانوا يرونه فى الكوابيس على هيئة قاتل قبيح الوجه تولدتْ لدينا مشاعرُ القلق والخوف لأول مرة وتألمنا كثيراً لأننا لم نجد مبرراً واحداً يجعلنا نحبه خاصة أن بعضنا رأى أسراباً من الذباب تخرج من عينيه حاولنا كثيراً أن نتجاهل أحاسيسنا به جربنا أن نستضيفه ليشرب الشاي كثيرون منا منحوه نقوداً وهدايا طفوليةً وملابسَ جديدةً وبطاطين وسجائرَ واسطواناتِ موسيقى وسلاسلَ فضيةً وساعاتٍ …. كنا نجلس معه أوقاتاً طويلةً نحدثه عن خفايا النفس الإنسانية ونبتسم فى وجهه بودٍ وقد تجرأ بعضنا على إمساك يده ومصافحته؛ بل والضغط على أصابعه فى امتنان. كما أن بعض النساء جربن كذباً أن يوهمنه بأنهن يعشقنه أجبرنا الأطفال أن يصنعوا له سريراً من عقود الفل ودعوناه فى احتفالات أحد الشعانين وألبسناه تاجاً من سعف النخيل الأبيض لكننا لم نستطع فى النهاية أن نسيطر على مشاعر الكراهية الصادقة التى أصبحت تحرق قلوبنا؛ خصوصاً بعد تزايد أعداد البوم التى تتبعه أينما سار ونمو علاقته بالحشرات والعقارب التى أشاع البعض أنه كان يتغذى بها ازداد حرصنا على أشياء مجهولة وصرنا متأكدين أننا معرضون لسرقة أشياء ثمينة امتلأنا شعوراً بعدم الأمان مما جعلنا نقبل على تعاطى المخدرات وأصبنا بحالات غريبة من النسيان فكنا ننسى أسماءنا ووجوه أبنائنا ولم نعد نستطيع أن نتذكر الطرق المؤدية إلى منازلنا كان لدينا شعور قوى بأن دماراً مخيفاً سيحل بأرواحنا. ولا ندرى ما الذى حدث له فى شهر "يونيو" حيث بدأ يبيت فى الشارع، على الأرصفة أو تحت أشجار الحدائق العامة أو فوق تل القمامة خارج المدينة بعد أن أحرق حجرته ورأيناه يرقص حولها. بعد ذلك فوجئنا أنه بدأ يطلب من المارة أن يشتموه وأن يوجهوا له الإهانات. صار يحمل فى يده عصاً من خشب الجوافة ويطلب إلينا أن نضربه بها. يتمدد فى الشارع ويطلب إلينا أن نرقص فوق جسده وندوسه بأقدمنا، ونصفعه على خديه وقفاه بل إنه علق فى رقبته سلسلةً تنتهى بورقة كتب عليها: "احتقرونى كثيراً؛ ولا تهتموا بضعفى أو صوت صراخى؛ فالحنان لا يجدى مع النجاسة التى ولدت بها" كان يركع عند أقدامنا ويطلب أن يمسح أحذيتنا بشعر رأسه. وإذا رأى مشاجرة فى الشارع يطلب إلى المتعاركين أن يبصقوا على وجهه ويضربوه بدل أن يضربوا بعضهم. كان يتسلل إلى البيوت ويغَطّس رأسه فى المرحاض وبدأ يسرق مقابض الأبواب وأدوات التجميل وحطم جميع المرايا فى حماماتنا وملأ أحواض الاستحمام بالعقارب. عندما ماتت بومته المفضلة؛ أخذ يكتب فوق الحوائط وأعمدة الإنارة كلماتٍ غريبةً مثل: "العبيد أمثالى لا يستحقون الشفقة أنا لست أكثر من صندوق للقمامة، وقلبى مجرد وكر للصراصير" "أرجوكم وفروا محبتكم وجمالكم للبشر الحقيقيين" "لدى خونة كثيرون لا تكفيهم الكراهية وأحزان كثيرة لا يفيد معها البكاء" عندها كان علينا أن نعترف بالحقيقة التى حاولنا إخفاءها عن أنفسنا نعم .. كنا خائفين أن نصدق أننا نكره إنساناً ما امتلأنا بالشك وصار كل منا عدوانياً تجاه أى شىء فأصبحنا نثور لأسباب تافهة. نسير ونتلفت وراءنا دائماً كأننا مطاردون. مبادئنا التى بنينا عليها أرواحنا أصبحت مهتزة. لم نعد نمتلك إحساساً بوجود شيء حقيقي فى حياتنا. لم نستطع أن نتهرب من تأمل نفوسنا فاكتشفنا إلى أي مدى كنا مخدوعين في حقيقتنا وكيف أننا لم نحاسب أناساً كثيرين على خياناتهم ربما لأننا لم نرغب أن نشعر أن بيننا خونة. وانتبهنا على وهم كبير اسمه الإخلاص وشعرنا أننا عشنا عمرنا كله بأكاذيب صنعناها نحن؛ تألمنا لأننا اكتشفنا أن الأكاذيب تظل دائماً مجرد أكاذيب وندمنا على المرات الكثيرة التي قلنا فيها " صباح الخير" لبشر لا يستحقون أن يروا وجوهنا وتمنينا أن يعود الزمن فنستعيد الحب الذي قدمناه نستعيد الضحكات والكلمات التي قلناها. لكن أفظع ما عرفناه بعد ذلك أنه كان يسطو على مقابر الموتى الجدد ويمزق أجسادهم وينتزع قلوبهم ليأكلها وكلما حاولنا قتله يدعي مثل الثعالب أنه ميت وتصدر عنه رائحة نتنة تجعلنا نفر من أمامه سريعاً . ذات مرة قابل إحدى الراهبات وقال لها إنه ليس آكِلَ لحوم بشرٍ ولكنه يفتش في أجساد الموتى عن قلب واحد يحبه. وزاد الأمر بعد ذلك فكنا نجد كل صباح جثة أحد الكلاب أو القطط منزوعة القلب أيضاً وكتب على الحوائط بعدها: "اتركوني وحيداً في البرد أنا لا أستحق دفء مشاعركم لا أستحق ابتساماتكم اقتلوا نساءكم إذا أشفقن عليّ أعرف أن النساء لن يعشقنني أنا العبد القذر فاتركوني أجبر الحيوانات على محبتي" فاستيقظت فينا رغباتُنا القديمةُ في فعل الشر وصرنا لا نتحرك بدون أن نحمل أسلحة. ولم يفلح النوم فى تخليصنا من شبحه بل إن جميع تماثيل الملائكة التي كنا نزين بها حجرات نومنا؛ بدا أنها اختفت بشكل إعجازي ولم يتبق منها سوى أجنحتها الرخامية مكسورةً وشعرنا بأجسام هلامية تزاحمنا في بيوتنا وأعماقنا أيضاً؛ بدأنا ندرك للمرة الأولى أن هناك شيئا يسمى التعاسة غير السعادة الزائفة التي عشناها من قبل فى حياتنا الخالية من المعاني المؤلمة. بعد ذلك؛ أحسسنا جميعاً أن المدينة مملوءةُُ بجيش من الشياطين كل يوم تحترق ملابسنا المعلقة على الشماعات جميع النساء أصبن بسرطان الثدي والرجال فقدوا قدراتهم الغرامية والأطفال جاءتهم هيستيريا انتحارٍ جماعية فكانوا يمضون تجاه البحر مسلوبي الإرادة وفي يوم الثلاثاء البعيد ذلك جمع الرجل كومةً كبيرةً من الملابس والدواليب والأوراق والعظام، وأشعل فيها النار ثم قفز إلى داخل هذا الجحيم الصغير ظلت النار مشتعلةً ليلتين كنا نسمع خلالها ما يشبه أصوات الحرب مختلطا ببكاء أطفال وموسيقى أعياد الميلاد وفي الليل كنا نشعر جميعاً أثناء نومنا بأيادٍ خفيةٍ تعبث في صدورنا في مكان القلب تماماً ولما انطفأت النيران تماماً وجدنا تحت الرماد قلباً هائلاً حيّاً ينبض ويتدفق منه الدم بغزارة. كان صوت النبض عظيماً؛ يصم آذاننا رغم إغلاقنا لبيوتنا جيداً أظلمت الشمس تدريجياً ثم اختفت إلى الأبد. وبرغم أننا كنا فى منتصف الصيف إلا أن الثلج انهمر بغزارة فتجمدت أطرافُنا ومشاعرُنا وبدأ القلب الكبير يتدحرج في اتجاه البيوت فوجدنا أنفسنا مسحورين ومنجذبين إليه ابتَلعَنَا القلب واحداً واحداً ولم يتبق منا سوى أفواهنا وألسنتنا تطير فى السماء وتعلن كلّ صباح أنها ما زالت ترفض أن تحب فيلسوفاً عظيماً تحول إلى شحاذ.
ميلاد زكريا يوسف
* من مواليد العام 1971. * صحافي يعمل في عدد من الصحف المصرية المستقلة. * melad123@hotmail.com
صدر له:
* "سيد العالم" 1996. * "كوارث الفرح .. ومخاطر السعادة" 2006.
ياسر الزَّيات
ربما أنا "ياسر الزَّيات"
ضع جثتي في جيبك يا صديقي، ادخرني إلى أن يصبح البكاء سريرك، وضعي أحلامي في حقيبتك يا زوجتي، تجملي بها عندما يصبح وجودي قبرك، وانزعيني من أظافرك يا صديقتي، ارميني في عربة الإسعاف لكي تنتظم ضربات قلبك. ويا بلادي، لم يحدث أي شيء، لم يحدث أي شيء، فاستمري في مضغ الدخان والمهرجانات والسجون، أنا سعيد هنا، سعيد في مقبرتي الإلهية، مقبرتي هذه التي أسميها "ياسر الزيات".
***
نعم.. أنا "ياسر الزيات":
سليل التجار المفلسين، سليل الشعراء المفلسين، سليل البلاد المفلسة هذه، وسليل الأناشيد الجماعية، والأحلام الجماعية، والمقابر الجماعية، فكيف أتبين ملامحك وسط كل هذا الحطام؟
***
نعم.. أنا "ياسر الزيات":
تركت لكم كل شيء على حاله: المحبة الحارقة والموت الفجائي، القصائد الخربة والحياة المؤجلة، العزلة الوراثية والقسوة الأبدية. تركت لكم كل شيء على حاله، فرتبوه إن استطعتم، أو اتركوه على حاله، وتخلصوا مني لتحرروني. حرروني، أنا الهائم في جحيم ذاته، حرروني.
***
نعم.. أنا "ياسر الزيات":
وحدي، وحيد، خائف. ربما أنا لا أحد، أو لا شيء. فما الذي يعنيه هذا الوجه؟ ما الذي تعنيه العينان المزدحمتان؟ ما الذي يعنيه القلب الغائم الطري؟ ما الذي تعنيه هذه الكتابة العرضية المعلقة في الأصابع؟ ولماذا أبكي هكذا كعاشق خائب، كإرهابي، كمنفي في ذاته، كنصف برتقالة، كشتات بلا نهاية؟
من أنا حقا؟
***
ربما أنا "ياسر الزيات":
وحده، أو بعضه، أو بقاياه، أو أثره، أو نبضه الأخير المتلاشي في اسم بلا معنى، يفتش عن جسد بلا معنى، ليكون شيئاً، مجرد شيء مكتمل، له نهاية واحدة تجعله وحيداً أو خائفاً، أو ميتاً حقيقياً تحضنه رمال حقيقية، يبعثرها هواء حقيقي، كلما مرت حبيبته عليه.
دمي ملوَّث بالحب
دمي ملوَّث بالحب لا يبكي، لأنه قد يبدو ضعيفاً. لا يحب ولا يكره ولا يحيا، لأنه قد يبدو ضعيفاً. لا يأكل ولا يشرب ولا يكتب، لأنه قد يبدو ضعيفاً. المعلق في الطابق التاسع لا ينتحر.
***
وضع أمامه رائحتها، وضع عينيها، وجلدها، وشفتيها، وأخذ يكلم نفسه. أزاح أنبوبة الأوكسجين، والمهدئ، وإبرة الجلوكوز، وأخذ يكلم نفسه. بكت الممرضة، وعاملة النظافة، والسرير، وأخذ يكلم نفسه. يكلم نفسه كل يوم، وهو يعمل، وهو يحلق ذقنه، وهو يستمع إلى شتائم السائقين، في الطريق من البيت إلى المستشفى.
***
شاعر أحب امرأة تحب مطرباً شهيراً، والمطرب الشهير أحب امرأة تحب الشاعر. امرأة تشتري زهوراً كل يوم لتلقيها تحت قدمي المطرب الشهير. وامرأة تشتري زهوراً كل يوم، وتحملها إلى مستشفى الشاعر. والشاعر والمطرب الشهير يبكيان كل يوم. والزهور تذبل كل يوم.
***
في المصعد، بالضبط في المصعد، بجوار باب المصعد، وضع يده على صدره، وتألم. في المصعد التالي، فوق رأسه تماماً، وضعوا أيديهم على صدره، فتألم. قبل المصعد تألم، وعلى السرير تألم. عندما أحبها، وعندما تذكرها، وعندما أراد أن يكرهها تألم.
***
قالت له:"اهدأ". قالت له:" لماذا لم تأخذ المهدئ؟!". قالت له:" لا تنزع الإبرة مرة ثانية". قالت له:" لماذا تبدو ضعيفاً هكذا؟!". قالت له:" لماذا تتألم؟!
***
"ضعي يدك هنا، ضعيها على هذه اللحظة الأبدية العابرة، وتألمي قليلاً". وضعتها، وتألمت، وبكت، وتذكرت، ورقدت على القبر المجاور. لم تأخذ المهدئ، وكانت تتألم.
***
يقول الطبيب إن دمي ملوَّث بالحب. وتقول العرافة إن حبي ملوَّث بالدم. ويقول بائع الجرائد:"تشبه صورتك بالأمس في صفحة الوفيات". ويقول حفار القبور:" لماذا يتوجع هذا الميت المجنون؟!"
وتقول الملائكة:"ألم نحذرك من تلك الجلطة العاطفية؟!". وتقول الديدان:"هذا جسد مغشوش بأنوثة غادرة". وتقول الرائحة: "أنا رائحتان". ويقول الحب: "أخرجوني من هذا الغبي، إنه يصدق كل شيء". ويقول الله: "اعزلوه بعيداً عن بقية الموتى".
سأختبئ في جسدك
سأكون بينكما، عندما تقبلينه، ولن يراني. بلباسي الأبيض، بالأنابيب التي تطرد دمك من دمي، سأكون بينكما. سأختبئ في الموسيقى، في صوته، في عينيه، وهو يحبك. سأختبئ في الرصيف، في الزهور، في أدوات الماكياج، وأنت تقفزين – بفرح – إلى دموعه. سأختبئ في جسدك، وأنت تتعرين له، ليبحث عن نبضات قلبك. سأختبئ هناك لأشفق عليه من براءتك، لأودعه وهو يبحث عن نفسه داخلك، فلا يجد سوى جثتي، ورائحتي، وكلماتي، وبقاياي الممزقة في روحك، ورماد محبتي.
انتبهي، سأختبئ في المظاهرة. انتبهي، سيرى مظاهرة 20 مارس، ويخاف من رجال الأمن. سيخاف من الشوارع والفنادق والبحر والقطارات والمقاهي وبائع النايات والرحلات المدرسية والأب والأم والملابس الداخلية وبيوت الأصدقاء. سيخاف من عينيك، ومن نهديك، ومن مائك الدافق، من رعشتك، ومن بكائك عندما تغني "نانسي عجرم": "ما فيا أكون إلا إلك". سيخاف من الحب، من "سيرة الحب"، من دمي الملوَّث بالحب على ثيابك وجلدك. سيخاف من كلماتك المغلفة بروحي، من قتلاك، ومن أرواحهم القاتلة. انتبهي، سيخاف مني، لأنني سأكون بينكما، ولن يراني بلباسي الأبيض، وبالأنابيب التي تطرد دمك من دمي.
سيخاف من الأزمات القلبية، سيخاف حتى من الموت وهو يحبك.
في رثاء عذرية عابرة
.. ولقد ذكرتك، عندما هربت من المنوم، فابتسمت. كيف تحبين رجلاً لا يعرف "البوليرو"، ولا "الفصول الأربعة"، ولا "السيمفونية الخامسة"؟ كيف تسمحين له بأن يقبلك قبل أن يقرأ "الحب في زمن الكوليرا"؟ كيف تحسين لمساته، وهو لم يدخل في حياته "متحف الفن الحديث"، ولم يقبل امرأة على الكورنيش، أو يلمس نهديها في مظاهرة؟ كيف تصطادين رعشتك، وهو لم يحفظ "بابلو نيرودا"، ولم يمارس الجنس الهاتفي؟ كيف تحبينه – حقا – وهو لا يرى رائحتي التي تضيء جسدك، كلما تذكرتك؟ وكيف تبررين له دموعك عندما تقرئين قصائدي الجديدة؟
***
سأرثى عذريتك. هل يناسبك لقب "العشيقة الجديدة"؟ هل تفرحك قبلة الكواليس؟ هل ترضيك الآن أغنية "لما النسيم"؟ هل تنتشين من البانجو؟ وماذا تفعلين بالفراغ الذي تركته بكارتك؟
***
لن أموت من أجلك. الممرضة، التي رسمت لك بورتريهاً من هذياني، تقول لي إنني لن أموت من أجلك. والطبيب، الذي شاهدك في صورة الأشعة، يؤكد لي أنني لن أموت من أجلك. وعاملة التحاليل، وحارس المستشفى، وكلب الجيران، والعاهرة الهزيلة الطيبة، وسائق التاكسي الذي يبكيه المرور في شارع حبيبته، وحبيبته، والجارة في المصعد، والمطر المفاجئ، وأسماك "الميريديان"، ولعبة اصطياد الدببة، والستارة الحمراء، والقلب الجرانيتي الذي لن يبكي في مطار أبداً، ولن يدخل مستشفى أبداً، ولن يتناول مهدئاً أبداً، ولن يحيا أبداً، ولن يموت من أجلك أبداً.
لوكيميا الحب
لن تشعر بشيء، لكن ألماً حاداً سيفاجئك ويختفي، سيسميه الأطباء "لوكيميا الحب". ولم يكن الألم مفاجئاً، كما تتصور، إذ حذرك الموت، في قصائد سابقة، من عبور الطريق مع الحب، وقال لك المؤرخون إنك لن تحتمل زرع امرأة في خلاياك، وأرشدك العرافون إلى ميتاتك المدفونة في قلبك، والحب نفسه تعرى أمامك، واعترف لك بأنه لن يكون مخلصاً إلا لذاته، لكنك اعتبرتها حالة سكر لعاطفة عاطلة.
فلماذا يبكيك الألم الآن؟!
***
.. ويقول الأطباء إن "لوكيميا الحب" قد تنتقل عبر قبلة زائفة، وإن آلامها تبدأ بوجع في الذاكرة، وبأشباح ترقص في الدم، وبسماع ضحكات تعرفها في سرير غريب، وآهة تحبها في جسد آخر. لكنهم يعتبرونها مرضاً نادراً، إذ أصبح البشر أكثر وعياً بمخاطر الأحاسيس الكاذبة، وباتوا يحتاطون بشدة من فيروسات المحبة.
***
.. وللأسف – يقول الأطباء – ليس هناك أمل حقيقي في إيجاد علاج للوكيميا الحب، وقد يكفي حقن المريض بخليط من حقيقة الخيانة مع صور لحبيبته وهي تقبل حبيبها الجديد في عنقه، وتمرر أصابعها فوق شفتيه. لكن هذا مجرد مسكن، وسرعان ما يعتاده الجسد، قبل أن يدخل في هلوسة حنينية، تؤدي به إلى الموت.
***
.. ولكن موتى "لوكيميا الحب" لا يصدقون ما حدث – يقول ملائكة القبر – فترفض أجسادهم أن تتحلل، ويتخيلون أن حبيباتهم سيعدن إليهم بزهور بيضاء، ويقبلنهم قبلة الحياة، كما كان يحدث في الحياة. والحقيقة أن وجودهم يشكل خطراً على بقية الموتى، إذ يحرضهم على الثورة ضد الموت، ويصيبهم بعدوى الحنين. ولا توجد – هنا – إمكانيات كافية لعلاج كل هؤلاء من مرض لا يعرفه الله. لكن الله تعهد بأن ينزع جين الحب من السلالات البشرية التالية، فهو – بالطبع – لا يرضيه أن يتألم أبناؤه، هكذا، في الدنيا والآخرة. والأمر كله مسألة وقت فاطمئنوا.
جميلة.. ونائمة.. وغبية!
في السابعة صباحاً، حسب توقيت النهايات، سيقف عصفور على نافذتك، ولكنك تخافين أنفلونزا الطيور. لذلك لن تدركي الجمال في موته، وستنظفين موضع قدميه. وفي السابعة صباحاً، حسب توقيت النهايات، سيقول عصفور على نافذتك: "هذه امرأة غبية، جميلة ونائمة وغبية". في السابعة صباحاً، في السابعة صباحاً حسب توقيت النهايات، سيطير عصفور من نافذتك، هذا أنا.
ولن تطيري العصافير بعد اليوم.
***
ازرعي الخوف في الشرفة، ازرعيه في الكمبيوتر، في الموبايل، ازرعيه بين فخذيك.
ستمر الحياة أمام خوفك، وتبتسم.
***
قلت لك مرة: "القانون هو اللذة والألم"، ولكنك تخافين من الألم. قلت لك: "الكتابة هي النهاية"، ولكنك تخافين من النهايات، فتذهبين إليها، دائماً. قلت لك: "وجودي داخلك أقرب من وجودي معك"، ولكنك تخافين هذه الألغاز. قلت لك: "هنا هو الآن دائماً"، ولكنك تخافين الأزمنة والأمكنة. قلت لك: "استمتعي بروعة الحافة"، ولكنك مصابة برهاب السقوط.
ما الذي تفكرين فيه الآن،
في هذه اللحظة المعلقة بين خوفين؟
***
سيطير عصفور من نافذتك، في السابعة صباحاً، بتوقيت النهايات: هذا أنا. فاستمتعي بالخوف من أشباح العصافير.
اسمي ياسر، "ياسر الزيات"
أهديك رائحة المخدر، أهديك النزيف، أهديك رسم القلب وأشرطة المهدئ. أهديك ثانيتين من الغيبوبة، أهديك صرختين، وفزعين، وحنينين، وموتين مؤجلين. أهديك أصدقاءك وعشاقك. أهديك أبويك وأخوتك. أهديك مقهانا كله، وبكاءنا كله، وشوارعنا كلها. أهديك أصابع قدميك، وآلام نهديك، وأخدود ظهرك. أهديك الخط بين شامة صدرك وشامة فرجك. أهديك الغضب من النوم، أهديك " صباح الخير". أهديك لساني، ولسان البحر، وصوتي، ومطري، وأصدقائي.
سيحتاج حبيبك كل هذه الهدايا.
***
ذات يوم سيصبح الموت ماضياً، ويصبح الحب ماضياً. وتصبح الفيزياء ماضياً، ويصبح الألم البشري ماضياً، وسنصبح ماضيين. سيخترع المستقبل أزمنة لا تتقاطع للبشر الذين تقاطعت أجسادهم في أسرة الفنادق، ذات يوم.
ذات يوم ستبقى النفايات وحدها، والأكاذيب وحدها، وابتسامتك وحدها، وصوتك المستعار وحده. ستمتلكين ثروة من روائح الرجال ودمائهم وجلودهم. ستستيقظين كل يوم على لمسة جديدة مكررة، ذات يوم.
.. ولن تبكي أبداً، ستبيعين دموعك للعشاق السابقين، والقتلى السابقين، والأطفال السابقين، والشعراء السابقين، والفقراء السابقين. ولن ترقصي أبداً، لأن جسدك لن يرى الموسيقى، ولن يتبقى منه سوى رائحتي، ومهدئاتي، وغيبوبتي، ونزيفي، وهداياي التي تنتقل من حبيب إلى آخر، لكنها تفزعك كلما نظرت إلى المرآة.
***
اسمي ياسر، "ياسر الزيات"، وكنت أحبك ذات يوم.
ياسر الزيات
* من مواليد سوهاج في العام 1966. * صحافي حر في عدد من الصحف المصرية المستقلة. * الوحيد من أبناء جيله الذي لم يصدر أياً من مجموعاته الشعرية حتى الآن! * ayat66@hotmail.com
حلمي سالم
التكنولوجيا
أنتِ خائفة عليّ، لأن آلاف الأطنان تنهال على رأس شخص وحيد على بعد آلاف الأميال. أنا خائف عليك، لأن جنودًا يلبسون سترات سوداء، يضربون الشباب في ميدان يبعد عنك بعشرين ميدانًا. هو خائف علينا، لأن قاذفة ستقتل شاعرًا راهنّا عليه في شط العرب. هما خائفان على فكرة البيت، لأن النيران الذكية ستصهر خاتم الخطوبة. هم خائفون على عيون البنات، فبدونها لن يستطعن البكاء إذا هاجر المحبون. نحن خائفون عليهم، لأن التكنولوجيا تشفط الأرغفة. الخائفون مئة، أولهم زبائن البورصة.
معجزات
يصنعان معجزات بسيطة: يطبخان الثريد على شمعة، يهملان مكتبة الإسكندرية، يصلحان شيش النوافذ باللمس، يعرفان أن الغريزة مشكاة في زجاجة. يصنعان معجزات بسيطة، مع أنهما لم يكلما الله على الجبل، ولم يشفيا الأعمى والأبرص، ولم يتلقيا "مرج البحرين يلتقيان" جوهر الحال أنهما يستخدمان الأسنان في صناعة العلامات، هازئين بالسيمولوجيا، ثم يمشيان في الأرض مرحاً، حاملين مشكاةً، وحينما يقلقهما جواسيس التكنولوجيا، يتلوان "موقف بحر"، عند ذاك تنضاف للمعجزات البسيطة معجزة قهوة الصبح.
مقتطف
ثمة جملة بعينها سوف أضنُّ بها على محبِّي الشعر ولن أضمِّنُها كمقتطفٍ في أي مقطع مع أنها مجرد جملةٍ اسمية ليس فيها مجرورٌ أو علامةُ نصب، لكن فيها كثيرًا من العباءات المغربية، وكثيراً من الألف والضمة والنون. ولذا سوف أضن بها على محبي الشعر ولن أضمنّها كمقتطفٍ حتى لو انهار بدونها المقطع.
الحزن
أحبُّ سورةَ "يوسف" بسبب العينين اللتين (ابيضّتا من الحزن)، وتحبين سورةَ "مريم" بسبب (لم يمسسني بشرٌ) و(لم أكُ بغيًّا). يعوزنا أن نحبَّ السورةَ التي فيها: (تُكذِّبان).
يرت جفون
نستطيعُ أن نقاومَ ملوكَ الطوائف باستدارةٍ واحدة إلى الجهة المقابلة لأننا خفيفون. هؤلاء الأقوياءُ يرتجفون كلما ابتسم شخصٌ لشخصٍ أما أولئك الذين يتاجرون في الشكِّ قبل الحبِّ وبعده فهديتنا لهم: العُكَّاز.
الأبيض
العفو: ضالةُ المحبِّ، إذا وجدها حلّق مثل صقْر وإذا فقدَها طالَ ليله وهو بين الوجود والفقد: أبيضُ كرمش العين، أبيضُ كبنطالِكِ، أبيضُ كعفو.
الوسيط
السماسرةُ يمتنعون فالعيونُ أداةُ الوصل.
حلمي سالم
* من مواليد قرية "الرّاهب" بمحافظة المنوفيّة في العام 1951. * خريج كليّة الآداب (قسم صحافة) جامعة القاهرة. * شاعر ومحرّر وناشر مصري. مدير تحرير مجلة "أدب ونقد"، ورئيس تحرير مجلة "قوس قزح" الأدبية الصادرة في القاهرة. * helmi_salem@hotmail.com
صدر له:
* "الغربة والانتظار" (بالاشتراك مع الشاعر رفعت سلام). * "حصار بيروت". * "البائية والحائيّ". * "سراب التريكو". * "تحيات الحجر الكريم". * "في الثناء على الضعف". * "عيد ميلاد سيدة النبع". * "في مديح جلطة المخ".
رفعت سلام
هكذا قلتُ للهاوية
قَتَلُونِـي ،
فَانْفَرَطْت :
قِطَارَاتٌ تَعْوِي قَبَائِلُ مُدَجَّجَة جَرَّةٌ مَقْلُوبَة صَمْتٌ يَهْوِي عَلَى حَجَر خِنْجَرٌ مُعَلَّقٌ فِي سَمَاءِ الذَّاكِرَة لَيْلٌ قَرَوِي صَبِيٌّ يَهْرُبُ خَوْفًا مِنَ الخَمِيس طَائِرٌ يَلُوحُ فِي نَافِذَةٍ غَامِضَة قَاعِدٌ عَلَى حَافَّةِ وَقْتٍ مِن رَمَاد مَرْأةٌ تَمْضِي إلَى قَبْرٍ وَمَرأةٌ تَجِيء يَارَا غَابَةٌ مِنَ الضَّحِك طُبُولٌ تَقْرَعُهَا الرِّيحُ فِي زَمَنٍ قَدِيم تَقُولُ تِلْكَ آيَتِي آنَ أن أنَامَ الآن هَل يَأتِي أم يَمْضِي إلَى نِسْيَانٍ يَجِيء مَن يَقُول صَرْخَةٌ تَطْعَنُ النَّوْمَ فِي نَوْمِه شَايُ الصُّبْحِ جَسَدٌ أو دُعَاء الثِّيرَانُ اللَّيْلِيَّة بَابٌ يَنْفَرِجُ وَوَجْهٌ عَسِلِيٌّ فِي العَتْمَة كَأنَّ الرِّيحَ تَحْتِي تَأتِي إلَى جَسَدِي بِلاَ ثَدْيٍ وَأردَاف قَمْحٌ غَابِر غُرفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي فَضَاءٍ هَبَاء زَهْرَةُ البُسْتَانِ(9) وَقْتٌ قَتِيلٌ وَغُبَارُ كَلاَم خُيُولٌ مَسْعُورَةٌ تَمُدُّ أعنَاقَهَا فِي الحُلْم قُلْتُ: أنَا شَوْكَةٌ مَسْمُومَةٌ فِي أسَنِ القَاهِرَة رُؤُوسٌ أيْنَعَت حَتَّى فَسَدَت بِلاَ قَطَاف.
وَانفَرَطْت:
صَهِيلٌ فِي سُهُولٍ مَا عَاصِفَةُ الصَّحرَاءِ تَقْصفُ الخُزَعْبَلاَتِ الجَمِيلَة رَأسِي عَلَى طَبَقٍ مِن الفِضَّة كَيْف تَنْحَنِي فَتَرْمُقَنِي الحَلْمَتَانِ بِالسُّؤَال مَن يُدِيرُ الآنَ خَدَّه اليَسَارِي لِمَاذَا جَعَلْتَنِي مَدِينَةً حَصِينَةً وَعَمُودَ نَارٍ وَأسوَارَ نُحَاس غَيْمٌ يَهْطِلُنِي أشْلاَء مَرأةٌ تَرْعَى أُنُوثَتَهَا لِي وَتَمْنَحُهَا لأوَّلِ عَابِرِ سَبِيل شِعَارَاتٌ مُجَفَّفَةٌ فِي السُّوق ذَاكِرَةٌ أهَبُهَا لِلكِلاَبِ السَّعْرَانَة الحَنِينُ فَاكِهَةٌ عَطِنَةٌ لِلأرَامِل أرَقٌ عَلَى أرَق مِيَاهٌ تُغْرِقُ الحُلْمَ فَأطْفُو جَائِعًا شَهِيًّا هَكَذَا أنْكَسِرُ وَلاَ أنْحَنِي لَيسَ اليَأسَ بَل القُنُوط قَالَت: مَتَى تَدخُلُنِي عَوِيلٌ يَقْسِمُ اللَّيْلَ وَيَحْنُو عَلَى شِيَاهِي الشَّائِهَة مَن يَطرُقُنِي الآنَ وَأبْوَابِي مَفْتُوحَة يَمْرُقُ فِي لَيْلِي سَارِقًا ظِلِّي فَيَا سَيِّدِي النِّسيَانُ أدْرِكْنِي
وَانْفَرَطْت:
لاَ ألتَمُّ وَلاَ أتَبَدَّد. أعْضَائِيَ أغْصَانٌ تَسْكُنُهَا العَصَافِيرُ وَيَأوِي إلَيْهَا البُومُ وَالصَّرخَاتُ وَلاَ مَن يَهُشُّهَا. وَقَلْبِي بَرْزَخٌ يَنشَقُّ لِي فِي مُنْتَصَفِ الوَيْلِ فَأهْوِي وَلاَ وُصُول . وَحَالِي حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَيِّدِي فَضَاعَ مِنِّي الصَّولَجَان . تَلْكَ آيَتِـي وَلاَ غُفْرَان فَمَن يُعْطِينِي لُقْمَةَ وَقْتٍ أهبُهُ الهَبَاءَ الجَمِيل . وَمَن يَهَبُنِي الهَبَاءَ الجَمِيلَ أمنَحُه النَّحِيبَ الوَبِيل . وَمَن يَمْنَحُنِي النَّحِيبَ الوَبِيلَ أُهْدِيهِ غَابَةً مِن عَوِيل :
كُلُّ شَجَرَةٍ ثَكْلَـى وَكُلُّ غُصْنٍ قَتِيـل
وَفَوْقَ كُلِّ غُصْنٍ طَائِرٌ نُحَاسٌ وَصَرْخَةٌ مُعَلَّقَةٌ بِخَيْطِ وَهْمٍ يَنْقَطِعُ كُلَّ سَاعَةٍ فَتَنْفَجِرَ الصَّرخَاتُ إلَى غَيْمَةٍ صَخْرِيَّةٍ لاَ تَبْلَى فَتَهْطِلَ حِجَارَةً مِن سِجِّيل :
كُلُّ حَجَرٍ جُوعٌ شَبِقٌ كُلُّ صَخْرَةٍ مِحْنَةٌ وَامتِحَان وَلاَ غُفْرَان تِلْكَ آيَتِـي
قَتَـــلُـونِـــي
مقطع من ديوان "هكذا قلتُ للهاوية" غبـــار غبار غامض يغفو على جسدي، فيشعل ظلي المنسي في الماء الغريب لا تقولي. غيمة رمت غبارها على حقولي، فاتكأت على غبار غارب، وظل مستعار. هُنيهة هاربة. وغبارٌ حامض. ووقت مريب. نسيان نسيتُ فيها جسدي وتاريخي، وأشيائي الصغيرة، نسيت فيها ظلي ونجمة الظهيرة، نسيتني، فأهوى - خاوياً مني- من الأرض الحرام إلى سماوات مريرة. فـهل أستعيدُ أزرقي في لحظة الصفر الأخيرة؟ خراب لي - في كل بلدة - خراب أسقيه في الفصول الغابرة فينمو - في مواسم الأفول - أشلاء، وحيات، وحمحمات سادرة. لها دمي وليمة لئيمة، وذاكرتي له: بيت الغياب. وفي صباح الموت، تزهر وردة من التراب. أقطفها وأمضي. امرأة جسدٌ نحيل يشعلُ الفراغ بالطيور والبيارق البهيجة. - هل أسميك خسارتي القادمة؟ تومئ البلاد والطوائف القديمة والبحار والمدن البعيدة والتواريخ الخفية لي. ولي: تصبُّ القهوة في فراغي الليلي. تحتسيني رشفة فرشفة. لا أنتهي. لا ترتوي.
رفعت سلام
* من مواليد قرية "منية شبين"، شرق القاهرة في العام 1951. * أسس- في يوليو 1977- مجلة "إضاءة 77" الشعرية، مع مجموعة شعراء مصريين. * مُنح "جائزة كفافي الدولية في الشعر" عام 1993. * له- حتى الآن- ستة أعمال شعرية، وكتابان في الدراسات، وعشرة أعمال في الترجمة الإبداعية والدراسات الهامة في النقد الأدبي، مع مراجعة الترجمة العربية الكاملة لكتاب * "قصيدة النثر" للأكاديمية الفرنسية "سوزان برنار". * يعمل في وكالة "أنباء الشرق الأوسط" بمكتبها في القاهرة. * r_sallam@yahoo.com
صدر له شعراً:
* "الغربة والانتظار" (بالاشتراك مع حلمي سالم) طبعة محدودة، القاهرة 1972. * "وردة الفوضى الجميلة"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1987. * "إشراقات رفعت سلاَّم" (طبعة غير كاملة، مع دراسة لإدوار الخراط)، القاهرة 1987. الطبعة الكاملة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1992. * "إنها تُومئ لي"، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 1993. سلسلة "نوافذ"، القاهرة 1996. * "هكذا قُلتُ للهاوية"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1993. * "إلى النَّهار الماضي"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1998. * "كأنَّها نهاية الأرض"، مركز الحضارة العربية ، القاهرة 1999.
ياسر شعبان
العشـاق
عشيقة الشاعر من أولها يا روح الدعابة لا تفارقيني منذ خمسة وأربعين يوماً لو قال لي واحد سترى امرأة في محطة مصر امرأة – ستراها لأول مرة وقادمة من بعيد امرأة – لا شيء فيها يلفت انتباه واحد مثلك امرأة – ستلتزم تجاهها بشعور لا مبرر له
.. .. في مواجهته تماماً سأسخر من رومانسيته البلهاء من بعيد .. يا رجل ولا أعرفها .. يا سلام وغير ملفتة … مالي والهم
.. .. يا ملهمتي لا تتخف أكثر من هذا لا تفارقي خيالي تشكلي جسداً يعينني على شحوب روحي يا روحي يا روحي تشكلي دقيقة – دقيقة تكفيني شحومي داعبيني – عذبيني أمتعي جسدي دعيني ألمس كل جزء في جسدك جسدك الذي سيتعرى ويتمدد في هدوء أمامي قبل أن تذيبه رغبتي قومي يا ملهمتي يا رائحتي يا جسدي يا روحي يا روحي
.. .. جسدي … هذا العظم واللحم والشحم والجلد هذه الإيماءات المقصودة والمنفلتة هذا الظل الذي يخلفه هذا .. .. يالك من شائع أين أنت لست كما وعدتني لست ما يخصني جسدي .. .. .. يا أجساد الآخرين
.. .. قالت – أنا بنت وأصفر وجهها قليلاً وترددت الكلمة بداخلي طويلاً .. ولم أقل لها أنت من صنع رغبتي ..
.. .. علاقتي بالتليفون سيئة فعندما أغلق باب حجرتي أغلقه دون العالم الذين لا أكرههم أغلقه في لحظة تؤنسني فيها وحدتي لا أكرههم أريدهم كما اختزنتهم ذاكرتي وحواسي لكنه الملعون – بأسلاكه يتركهم يتسللون إلي يتسللون .. يفسدون رائحة الهواء بعبق عرقهم يفسدون ذاكرتي بآرائهم التافهة يفسدون حواسي بانفعالاتهم المزيفة التليفون الجماد – علاقتي به سيئة – قفزت بواسطته البنت من رغبتي قفزت بصوتها – بجسدها قصيرة ودقيقة – وبنتاً برغبتي يا روحي يا روحي
-2-
قالت للبنات : أحببت شاعر قلن : يا حظك هم يجيدون الكلام الساحر يجيدون صناعة الأحلام قالت : أحببت شاعراً لا يكتب عن الليل والقمر ولا الحدائق والعصافير ولا يكتب: "يا حبيبتي" شاعر – قال لي : اعشقي جسدي اعشقي رائحتي فأنا أرغب في عشق مناطق غير الوجه بشفتيه وعينيه وغير اليدين وشكل الساقين في الجيبات القصيرة إنه لا يتنهد ولا "يسبل" عينيه لا يهمس قلن: يا حظك هم يجيدون الإغواء يجيدون اكتشاف أماكن اللذة
.. .. يا وحمة فوق السرة تماماً يا قطرة الشهد فوق السمرة المشربة بدم العشاق يا حلمتها يا حلمتها يا عيني ولد تعلقتا للأبد يا كل المناطق الغامضة يا قمر بين ربوتين يا قمر يا قمر يا حضور ظلها يا عبقها الذي لا يروح مالنا والروح عشيقة الشاعر يا صغيرته .. دائماً لو تدرين ماذا يفعل الشعراء بعشيقاتهم لو تدرين ما تخليت عن غفلتك ما دبرت أن تصيري محترفة ما أنصت للبنات الغانيات الشعراء يا عشيقتي الصغيرة – دائماً ترعبهم الانفعالات الزائفة ..
-3-
كتب : لما نفترق سيضعف قلبها لن يحتمل غيابي سيشحب جسدها – تماماً وستحلم بي كل ليلة وتستحضرني لما تمارس الجنس لحظتها .. لم يكن منتبهاً عبء "سينغص" عليه حياته عبء سيشعره بأهميته عبء سيجعله يسخر من الرومانسية المسكينة عبء .. وخيبة .. وذكريات كتب : ولما أقابلها، سيكون جسدها قد تغير، ولن أنجح في تذكرته أبداً .. .. الأوراق التي يمزقها المراهقون لا يقدر على تمزيقها سواهم ولا تعني لهم أكثر من ذلك .... أوراق فأجسادهم قادرة على حفظ كل الصور .. كل الروائح لهم : الأوراق .. أوراق الصور .. صور ما يحدث .. يحدث لم يتعلموا – بعد – صناعة الذكريات حيث ورقة صغيرة – صورة - رائحة مطوية في منديل كنز كنوزنا التي نحفظها في درج لا نفتحه كنوزنا التي نواريها في الحقائب المهملة كل ما كان – كل ما تبقى كل الذي يفاجئنا في مرة بعشيقاتنا مرة – يتخلصن من أسر الصور ويستعدن روائحهن يتجسدن أمامنا بطريقة تدفعنا لنعيدها كل ليلة كل ليلة حتى نلمح في عيونهن تلك النظرة تلك النظرة التي تجعلنا نتمنى أن نعود مراهقين وتجعلنا نكره أجسادنا
-4-
أحياناً.. نحتاج أن تكون لنا أحلام بسيطة أحلام لا نقبل أن يلومنا الناس عليها ندير وجوهنا للحائط برغبة ملحة في البكاء لما نشعر بها لا تتحقق هكذا – نعود رومانسيين ولا أستطيع أن أقول حمقى ندخل محلات الهدايا التي هجرناها من زمان ونشعر بخدر خفيف ونحن نشير – ثانية - إلى إكسسوارات البنات الله - يا عنق البنت لما تحيطه سلسلة يتدلى منها جعران صغير الله عليك يا جسدي يا جسدي يا كل الذي يفلت من بين أصابعي فيجبرني على الابتسام
-5-
سيظل العشاق المتخيلون يسكنون بداخلنا يراقبوننا بشغف طفولي ونحن نعيد أفعالهم كأنما هذا الولد ظل سيعانق بعد خطوتين ظل البنت ويفترقان – كما افترقا ولن تنجح الصور والكلمات ربما - تساعدنا على استعاده لحظة ربما – لنشم نفس الرائحة نرى نفس العينين – النهدين ونتوتر من حركة أصابع الكف ربما – تتعلق بعيوننا دمعة دمعة لها عبق خاص لنتنهد – وبنفس نبرة الصوت وبنفس التشنج : إلى متي سنستمر في صنع عشيقاتنا برغبتنا – بروحنا – بدمنا نصنعهن ليشبهننا – قليلاً رغم أننا سنمر عليهن – والله مرغمين – وكأننا لم نتعر ولما نمارس الجنس
.. .. إلى متى سنستمر إلى متى سنتحمل أشعر بجسدي في كل مرة يفقد من رائحته في كل مرة لما تغيب يتلاشى – قليلاً في كل مرة
.. .. .. يا جسدي
عشاق متخيلون
"صور ومرايا"
-1-
لشكل الوجوه في صور الأبيض والأسود سحر خاص. لو تأملتها قليلاً ستكتشف: البنات زمان كن بفيونكات وضفائر وعيونهن مرخية قليلاً، وستكتشف: الأولاد عشقوهن على هذه الصورة،
عشقوهن بطريقة غامضة دفعتهم لينحتوا وجوههن على الحيطان ويكتبوا تحتها داخل قلوب بسهام : أحباء للأبد .. أحباء حتى الموت
-2-
سنرى ولداً صغيراً يبكي ووجه للحائط، وسنتساءل ونحن نحدق فيه: لماذا يبكي الولد الصغير؟.. بحكمة واندهاش وعطف في الغالب . أتعرف – كنت أبكي لأنني الشريك الصغير في العلاقة الصغيرة بين ولد وبنت .أنا الولد السمين الشاحب الخجول، ذو العينين المغمضتين – فمن يشك فيه أو في أفعاله..، وبدأت أولى محاولاتي للتقمص، وما أفعل يعتبر عيباً، أعرف، وكانا يحذراني من انكشاف أمري. إذن يجب أن أخفي الرسائل جيداً وأسلمها سراً .. فتقمصت دور الولد الخبيث، وكنت مستمتعاً بهذه المغامرة، وكنت أظن أنني نجحت – الله – أنظر: إنه مشهد غاية في العذوبة والغفلة : يظهر فيه ولد صغير سمين وشعره طويل يتحرك ببطء نحو شاب طويل ورفيع يقف مستنداً إلى شجرة ليمون، وأمامه بالضبط يقف متطلعاً إلى وجهه في سعادة، فيمسح على شعره الناعم ويعطيه خطاباً ويهمس ببعض الكلمات .. ليظهر
عليه الارتباك ويدس الخطاب سريعاً في جيب "الشورت" وبلا التفاته يستدير، فيبدو وهو يحمل وجه السادات على صدره، وطنياً صغيراً في طريقه لأداء مهمة وطنية، وتزداد خطواته ارتباكا ويزداد العرق على جبهته .
أمام باب البيت يضع يديه في جيبي الشورت لثوان قبل أن يطرق الباب – وهنا تصل مغامرته إلي ذروتها، فهو يعلم أنهم بالداخل – كثيرون وعليه خداعهم ودائما الجدات والعمات والخالات يجلسن في الصالة. ودائما على الولد الصغير أن يخدعهم وبخجله المعتاد يدخل، وبخجله المعتاد يجلس صامتاً، ومن منظره تعرف البنت التي تكبر _________________ حسن بلم | |
| | | | ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2013-08-20, 11:30 am | | جرجس شكري
لـعازر
كان مريضاً اسمه "لعازر" مات محموماً وحين علم المسيح انتظر ثلاثة أيام ربما ليعطى الأختين وقتاً كى تبكيا وتقيما حزناً يليق بأخ وحيد. ثم جاء صارخاً: قم يا صديقى فخرج الميت ورقص كثيرون عند القبر. وفيما بعد ذهبوا إلى البيت إذ أقامت الأختان عرساً يليق بالحياة ففرح الأطفال بالقصة وناموا مؤمنين. ثم مرت أيام كَبِروا فيها بما يكفي لمشاهدة مرضى يموتون وفى كل مرة ينتظرون ثلاثة أيام ولا يأتى أحدٌ. أخوات الميت يصنعن حزناً يليق بالانتظار وغالباً ما يأبى المسيح أن يهبط من أيقونته. فصار البشر يموتون وبعد ثلاثة أيام ينساهم الأطفال كقطعة حلوى. النشيد القومي نحن السكاكينَ لنا شَفرات تصرخُ ومقابضنا ميتة. نعرف أننا نَذْبحُ ونمزق ولا تخدعنا محبة القصَّاب نبتسم للذبيحة وهى تتألم فلا تكرهونا نحن السكاكين الكافرين بكلِّ محبة خُلقنا هكذا دون قلوب. وضَعوا مشاعرَنا فى نصلٍ حادٍ وأوصانا الحدادُ الخالق أن نَذْبحَ وبقوة حتى لا نموت. فلا تكرهونا حين نذبحكم نحن لا نعرفُ الألم وأيضاً لا نبكى فقط نذبح فيرتفع النصلُ الحادُ عالياً دون خوف.
المطرقة
قالت المطرقة: لماذا أدقُّ إخوتى هكذا؟ ونظرتْ إلى الحداد فى ضجرٍ فغضِب بدوره وقال: كي تكون سيوفاً تمزق قلب الأعداء شفرات تذبح من يصيبُه الضجر أشياء كثيرة. إخْوَتُكِ أيتها الغبية دستور حياة ثم قذفها بعيداً وذهب غاضباً. مرت أيام والمطرقة حزينةٌ وقد مرض إخوتُها بالصدأ وذات مساءٍ لم يعدِ الحدادُ إلى بيته إذ سمع المارةُ إيقاعاً ساحراً ينساب من حانوته أشياء ترقص ثم تكرر الإيقاع أياماً فهجر النوم المدينة واشتد البلاء حيث امتنعت آلات الذبح عن قتل إخوتِها من الحيوانات والطيور ورفضت الآلات الأخرى ممارسةَ أعمالِها. وكلما غابَ حدادٌ وفتحوا حانوتَه وجدوه ممدداً كَسَيْفٍ وإلى جواره مطرقةٌ تبتسم.
والأيدي عُطلة رسمية
- 1-
شاهدتُ بعضَهم يشيخُ وذهبتُ مع آخرين إلى المقبرة. بكيتُ ومنحتُهم خالصَ أحزانى. أيضاً شاختِ الشوارع وتلاشتْ بعضُ البيوت. سترتي التي أحبُّها ذهبتْ فى نهاية مأساوية إلى المطبخ. تصدّعتْ جدرانُ معدتي من القلق وتشقّقت . ومازلتُ أسكرُ فى نفس الحانة أنا ويدي اليمنى التى تحملُ الكأسَ إلى فمي كلَّ مساء منذ عشرين عاماً وتنتظرُ أن أشيخ.
-2-
ذاتَ مرةٍ بكيتُ فلم أجد دموعي وخسرتُ عيوني إلى الأبد. ذاتَ مرةٍ صرختُ فهربَ صوتي وتركني عارياً. ذات مرة ضحكتُ فسقط فمى وحيداً على الأرض. وذات مرة وذات مرة هل كنتُ أنا؟
-3-
وحيداً كطاولةٍ في بيتٍ مهجور بعد أن دمّر الغزاةُ المدينة في بيتٍ خائفٍ في مدينةٍ حزينة هرب أهلها وتركوا الطاولات بلا مقاعد في بيوتٍ خربة ووحيدة كبشرٍ بلا مقاعد هناك كان وحيداً كطاولةٍ بلا مقاعد.
-4-
كان يصعدُ فوق طاولة ويكلّم أصحابَهُ أن ينتشروا في الغرف باحثين عن خطاةٍ تحتَ المقاعد يحتاجون إلى توبة ثم … مغفورةٌ لكم خطاياكم. وحين لا تستطيع المقاعدُ أن تحملَ نفسَها وتقبّل قدميه، يصفقُ أصحابُه، يخبرونه بأن السلالَ فارغةٌ بعد أن أكلت الكلابُ آخرَ رغيفٍ، فيدعو على هذه الأرض بالخراب وتبكى يداه إذ يسمع الحوائطَ تتفق فيما بينها كي تسلمه وتنجو بروحها وهنا تغْلِق النوافذُ نفسَها تنشق الطاولةُ نصفين ينقطع تيار الكهرباء. وبعد أن تأتي أمه وتنهَرَه على هذه الفوضى يسقط الممثلُ ضاحكاً.
-5-
في الكنيسة الفارغة إلهُ حزين يشكو ضجرَه للمقاعد. شموعٌ تحترق بلا مصلين في الكنيسة الفارغة الوحشةُ والصلاة يجلسان سويا في مقعد فارغ.
-6-
لم أحلم حملت رأسي وذهبتُ إلى النوم هناك كان أعمى يكلّم مصباحاً عن خيط يتنزهُ فى ثقب إبرة وشمسٍ تجرهُ من قدميه إلى حيث لا يدرى. حذاءٌ يطاردُ متشرداً آخر الليل ويصرخ: أقدامي بلا تاريخ. سكين يطعن قصَّاباً ويعلن التوبة. هناك كان قميصي وحيداً يصرخ في حبل الغسيل إلهي إلهي لماذا شنقتنى؟ لم أحلم هرب رأسي وثمة معرفةٌ تسد الطريق على أحلامي.
-7-
أمس كانت الجنازة احتفظنا بالفقيد ولم نستطع البكاء. بعد أن تصدّعت المقبرة حزناً صرخ المشيعون: الطريقُ ثقيلة والأقدام خاوية لم نسألْ صارت العيون أحجاراً والأيدي عطلةً رسمية.
جرجس شكري:
* من مواليد مدينة سوهاج في العام 1967. * يعمل صحافياً في مجلة "الإذاعة والتليفزيون" وعدد من الصحف المصرية الأخرى. * girgisshukry@hotmail.com
صدر له:
* "بلا مقابل أسقط أسفل حذائي"، الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة 1996. * "رجل طيب يكلم نفسه"، دار "شرقيات" بالقاهرة 1998. "ضرورة الكلب في المسرحية"، 2000. * "والأيدي عطلة رسمية"، دار "شرقيات" بالقاهرة 2004.
محمد صالح
الخصيان
كانوا يرتدون ثياباً تكشف عوراتهم بطريقة متعمدة وفي مفترق الطرق إلى حيث يمضون كانوا يتبادلون عناقات حارة وصوراً وأدوية وعوازل طبية وكل ما يصطنعه الرجال في تجاربهم وبعد كل ما جرى كانوا لا يزالون ممتلئين شهوة. الموتى منذ صارت المقابر أحد أحياء المدينة وهؤلاء الموتى لا يكفون عن إثارتي أمس خدعني أحدهم أيضاً قال إنه رتب كل شيء وإنه يتحدث عنهم جميعاً وناولني صكوكاً مذيلة بتوقيعات وأختام الصكوك الصفراء اللعينة التي يتركها الموتى عادة وقبل أن أجد الكلمة المناسبة كان قد تحصن في ابتسامته الراضية ومات مثلما يفعل عادة هؤلاء الذين أراحوا ضمائرهم.
الغبار
كان دائماً هناك النافذة موصدة لكن ضوء الغرفة يلوح من بين خصاصها ضوء الردهة أيضاً كان يتسلل من تحت الباب ويستقر على أحذيتنا لكن الباب ظل موصداً مسحنا الغبار على صفحته وكتبنا أسماءنا وفي المرات التي أعقبت كانت رسائل أخرى قد تركت هناك وكان ضوء الردهة يزداد سطوعاً ينفذ من شقوق الطلاء ويلتمع في ارتعاشات مذهبة على ستراتنا وكنا نسمعه في الداخل يتجول وحده بين الغرف لكن الباب ظل موصداً والرسائل الكثيرة التي تركت هناك يغطيها الغبار.
شروع في قتل
كان حريصاً ألا يترك شيئاً للصدفة فعندما يجدون ملابسه على الشاطئ سيجدون الرسالة والسكين معها سيقول إنه شرع في ذبح نفسه لكن قلبه لم يطاوعه وعندما يشرعون في البحث عن الجثة سيأتي هو من الخلف وقد تنكر في هيئة غريبة وملابس أخرى يقف وحده هناك حيث غرس السكين في الرمل ويتابعهم وهم يقفزون في الماء ثم يخرجون بالجثث الغريبة المنتفخة إلا جثته هو وعندما يمددونهم هناك ثم يبدأون أخيراً في التعرف عليهم سيتمنى لو أنه فعلها ويندس بينهم.
السيدة
هذه السيدة لا تتصور نفسها وحيدة بدونه تموت رعباً لأنه يهمل صحته ويسرف في التدخين وتلاحقه بوصاياها حتى يختفى في بئر السلم ثم تجري إلى الشرفة قبل أن يستدير هو حول البناية لتراه في الشارع من ظهره هذه المرة يبدو ذاهلاً وأكثر نحولاً وعندما يميل وتلتقي عيناهما يرى دموعها هناك في مكانها على قوس الخد وهذه السيدة لديها أسباب وتلتقي عيناهما.
محمد صالح:
* من مواليد العام 1942. * أحد شعراء جيل السبعينيات، لكنه لم يشارك في الحركة الثقافية المصرية إلا بعد صدور ديوانه الأول عام 1984. * diwan.ef@hotmail.com
صدر له:
* "الوطن الجمر" 1984. * "خط الزوال" 1992. * "صيد الفراشات" الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1996. * "حياة عادية" 2000. * "مثل غربان سود" دار ميريت 2005.
أحمد طه
حائط الطفولة
1
لأنك كنت تتسلق سريرك كما تتسلق سطح قطار قديم وتتركه بقفزة واحدة كجندي من جنود المظلات دون حتى أن تدعك عينيك إذن فقد كان لك وطن حقيقي.
2
لأنك كنت تغسل وجهك وقدميك بقبضة واحدة من المياه وتبول فوق رؤوس الخنافس دون أن يبتل حذاؤك الذي يرقد بين طعامك وكتبك إذن فقد كان لك وطن حقيقي.
3
لأنك كنت تملك قطة مليئة بالبراغيث وصديقة يخلو شعرها من القمل ويلمع بحبات الكيروسين ومدرسة تحمل عصاها رائحة أصابعك إذن فقد كان لك وطن حقيقي.
4
لأنك كنت تلبس مريلة من الدمور بها بقعتان من الحبر الباهت وعدة خطوط تتقاطع كلها في الصدر لكنها لا تشبه تلك الخريطة التي كنت تحفظها عن ظهر قلب إذن فقد كان لك وطن حقيقي.
5
لأنك كنت تجيد قذف حجارتك على الأعداء من المدرسين وعيال المدرسة المجاورة وكنت تتسلل إلى حديقة الرجل الغني دون أن يصفع قفاك سوى مرة واحدة إذن فقد كان لك وطن حقيقي.
6
لأنك كنت لا تحفظ سوى الفاتحة و"قل هو الله أحد" وتترك صلاتك وقد بعثرتهما على سجادة الجامع قبل أن يعرف الله أنك لم تتوضأ منذ جمعتين إذن فقط كان لك وطن حقيقي.
حائط التكوين
ذات صباح استيقظ فلاح ونظر حواليه فلم ير دخاناً يحوم حول أسقف البيوت ولا نيلاً يتأرجح على رؤوس البنات ولم يسمع امرأة تغني لطفلها الصاحي من الموت ولا رجالاً يسعلون، فتخرج من صدورهم روائح الزوجات ولم ير تراماً له مؤخرة من العيال ولا عفريتاً يقهقه عائداً إلى القبور وهكذا قرر أن تكون شبرا تماماً كما رآها في أحلامه فكانت شبرا. ذات صباح آخر استيقظ ملك ونظر حواليه فلم ير ستائر تحجب سريره ولا علماً يرفرف بجوار نافذته ولم يجد فخذاً ناعماً بين ساقيه ولا سجادة تغطي الأعشاب بدورة المياه ولم يسمع همهمة الحراس ولا قعقعة سلاحهم وهكذا قرر أن يكون ملكاً على شبرا تماماً كما كان في أحلامه فكانت مملكة شبرا وكان علمها المصنوع من لفائف الأطفال ومحارم النساء. ذات صباح آخر استيقظ جنرال ونظر حواليه فلم يجد خندقاً حول سريره ولا قماشاً كاكياً على جسده ولا خنجراً تحت وسادته ولم ير حدوداً يدافع عنها ولا أعداء يحاربهم ولا خريطة يشير إليها بعصاه وهكذا قرر أن يكون جنرالاً لشبرا تماماً كما كان في أحلامه فكانت جنرالية شبرا وكانت حدودها التي تمتد من تمثال رمسيس جنوباً إلى موقف الترام شمالاً. ذات صباح أخير استيقظ ديكتاتور ونظر حواليه فلم يجد ثورة تثقل حقائب التلاميذ ولا حرباً وطنية تقلل رواد المقاهي ولم ير خونة يأمر بإعدامهم ولا مؤامرة تحبطها أجهزة الإعلام ولم يسمع شعاراً يعبئ الجماهير ولا أغنية تتحدث عن فحولته وهكذا قرر أن يكون زعيماً لشبرا تماماً كما رأى في أحلامه فكانت شبرا أول عاصمة في التاريخ للعالم الثالث. حائط الفوت بغير مبالاة تدفعين شعرك الأسود إلى الخلف وتطلقين أحلامي بأي حق إذن تحبسينها في الليل تحت سريرك وأنت صاحية تنتظرين موتها ليس عندي ما أحكيه لك عن ماضيَّ حتى تنامي فتنفرج الأحلام كل ما أذكره أنني ولدت هكذا ذئباً لا يجيد حتى العواء. ولكنه يحلم كثيراً بالفرائس جنرالاً، يتسول انتصاراته على أطراف المقاهي وعلى صدره تتزاحم الأوسمة كقطيع من النمل ربما كنت جنرالاً عريقاً حين أطلقت رصاصاتي على صدرك وربما كنت لصاً محترفاً حين فكرت بما تحت بنطلونك القصير لكنني أريد وساماً حقيقياً ومعارك هائلة ربما تستمر لسنوات تكفي لموت سائر الجنرالات وهدم سائر المدن وهزيمة كل المتحاربين سواي سوى ذلك البيت المترهل الذي تتعلق بحوائطه ملابسك الداخلية وترقد بأركانه أحذيتك الغليظة حينئذ سوف أعجنه بيديّ ليصير كالسدادة وسوف أطرقه على رصيف مهجور ليكون كالوسام وسوف أرفع تلك الملاءة التي تغطي سريرك لتصير علماً وحينئذ سوف أضع الوسام على صدري والعلم تحت رأسي وأنام.
أحمد طه:
* من مواليد القاهرة في العام 1950. * تخرج في كلية التجارة. * شارك عدداً من شعراء السبعينيات في تأسيس جماعة "أصوات" الشعرية. * أسس مجلة "الكتابة السوداء" والتي توقفت بعد صدور عدد واحد منها. * أسس مجلة "الجراد" مع عدد من الشعراء أوائل التسعينيات، وتوقفت بعد صدور ثلاثة أعداد. * diwan.ef@hotmail.com
صدر له:
* "لا تفارق اسمى" 1980. * "الطاولة 48" 1992. * "امبراطورية الحوائط" 1994.
كريم عبد السلام
فى بحيرة حمراء
كنت عائداً من بيت حبيبتي عندما قطع "إسماعيل" بائع الخضراوات عضوه ثم جلس حافيًا فى بحيرة صغيرة حمراء يُطوّح بالمطواة فى نصف دائرة من الهواء والناس ملتفون حوله.
لا أذكر اللحظة التي قررت فيها أن المشي أفضل من القفز فى عربة. تشاجرنا، ثم توصلنا إلى معادلة الأداء الجيد للحب: أن يكون الرجل عازفاً وأن تكون المرأة موجة شربنا، فتوصلنا إلى الأرواح اللطيفة داخل البيرة،
وكيف يمكن التودُّد إليها، كي ترفعنا معها عن الأرض. كنت طافيًا على الإسفلت، أرى العالم مغسولاً، رغم النمل فى رأسي، ورغم الهواء البارد فى الشوارع أشعر بسعادة من ظلّ مستيقظًا طوال الليل ليستقبل فى الصباح وجوه من غلبهم النوم فلم يروا شيئاً.
الآن، أعبر الشارع أمام "إسماعيل" ولا أستطيع الإفلات. أرواح البيرة، ترتفع عن الأرض بمفردها دائماً ولا أثر للتعاويذ النشوة من انتصار لساني على لسان حبيبتي، كانت أداة من يريد التسلية بالسخرية منّي، ليراني أُمثّل عارياً دور "ريتشارد" قلب الأسد وهو يقود معركة الكلام.
الآن رأيت الخوف فى عيون الرجال الكواسر من أن يُضطروا إلى قطع أعضائهم. يفتحون العالم بفحولتهم وعندما تختفي، تختفي معها ضحكاتهم البرية ثم يختفون تدريجياً.
رأيت "إسماعيل" يُطوّح بالمطواة فى نصف دائرة ليمنعهم من إسعافه رأيت ذراعه ترتخي ورأيت الزبد على شفتيه رأيت المرأة التي حملت عضوه فى طرحتها البيضاء فظهرت بقعة حمراء على البياض ورأيت يد الشاب الذي اقترب من ذراعه فى دورتها الأخيرة، قبض على المعصم كمن يتلقى شيئاً من الهواء فظهر الاختلاف بين لون اليدين المتقاطعتين. رأيت "إسماعيل" يقاوم لحظةً ثم يلوي نصل المطواة ويضغط عليها بين أصابعه.
اللحظة المناسبة
فى الضوء الساطع لشمس الظهيرة فى الدفء الذي يعمُّ الجميع هناك من لا تعرفه، يعبر الشارع أو يتقدم من شارع جانبي فى خط مستقيم باتجاهك لينشب أظافره فى وجهك
البكاء على القسوة التي أصبحت عليها أخفُّ وقعاً من تحطم ضلوعك أو ضياع أسنانك.
الجميلة
رأيتها على الرصيف، قبل أن يحملوها مباشرة فى ذلك الصباح الذي طلع عليّ فى الشارع. كانت امرأة، يثبت ذلك استدارة الساقين المكشوفتين والردفان العريضان. وسط المارة المتحلّقين حولها وسط صيحات رجال الإسعاف وأمناء الشرطة، استطعت تمييز رسغيها، ملامحها غابت عني، إذ كان وجهها باتجاه سور المبنى على الرصيف، فلم أر ملامحها.
اعتادت أن تنام فى هذا المكان، واعتاد الكناسون إيقاظها فتمضى مسرعة، كمن اقترب موعد سفره لكنها لم تستيقظ اليوم، رغم كل محاولات الكنَّاسين، فغطوها بجريدتين جديدتين، وتعمدوا إخفاء وجهها حتى لا تتعكّر الحياة الجميلة. ثم جاءت عربة الإسعاف وجاءت المشرحة وجاء الحارس على مقابر الصدقة يفرك كفيه باسماً وجاء طلاب الطب بمباضعهم المسنونة وأنا، رأيتها قبل أن يحملوها مباشرة.
جنودي الأعزّاء
أخطط لتأليف جيش جيش حقيقي من ألوية وكتائب وسرايا له أركان حربه وله أعمدة أسلحته، جيش مفاجئ من الشحاذين والعجزة والمجانين والمرضى اليائسين ينال الاستهزاء بدلاً من الرهبة الإشفاق بدلاً من الخوف وهذا سر قوته من أجل ذلك أحتفظ بالنقود الصغيرة فى جيبي وفى يدي وعلى طول طريقي من البيت وإليه أنثر القروش وكسر الخبز فى يد الكسيح وفى يد الشوهاء فى يد العجوز وفى يد الزاعق دائماً فى يد المرأة الباكية وفى يد الشحاذ المتخفي وفى أيدي الأطفال المؤجّرين فى يد الشيخ الذي لفظه أبناؤه وفى يد حارس المقام وفى يد الداعرة وفى يد المسطول وفى يد الأعمى صاحب الكلب والقط.
جنودي الأعزاء، أؤلف بين قلوبهم وأستعد بهم لمعركة فاصلة ما لابد أن تقع بين عالمين بين حياتين بين ليلين.
أطوف الشوارع بحثاً عنهم، أُدوّن صورهم وأمنحهم ربتة على الظهر وابتسامة تشجيع لا أنفر من قذارتهم ولا أضيق بأمراضهم وحشراتهم أُقبّل تشوهاتهم وبتراتهم بعينين مغرورتين بالدموع وأنا أتخيل سلاماً وطنياً جديداً يُعزف وهم ورائي، وأنا أرتدي بذلتي العسكرية المزخرفة بكافة النياشين والأوسمة فى كل قرية جديدة أدخلها وفى كل ميدان نحيطه بعصيّنا وسكاكيننا وجوعنا وعلى كل كوبري نُغلقه بحواجزنا ونفرض عليه ضرائبنا ونهمنا لكل شيء.
العدّاء
يعدو من سطح إلى سطح بقامته الفارعة ولحيته وقدميه الحافيتين، لا يوقفه سوى بيت عالٍ أو سطح يشرف على فضاء. لحظته السعيدة، عندما يتجاوز الأسوار الصغيرة للأسطح المتجاورة، صانعاً منها مضماراً كبيراً للعدو، لا يلتفت أثناءها للحجارة التي تلاحقه أو للشتائم، يدقق ويقيس المسافات، ثم يجري من جديد في مضماره الذي اكتشفه،
متجاوزاً الحاجز بعد الحاجز ذهاباً وعودة.
إن ينهره سكان المنازل، يعود ليلاً إلى سباقة الخاص، يعرفون ذلك من الخيول الطليقة فوق أدمغتهم، والصيحات المبهمة التي لا تنقطع طوال الليل.
كان منظراً مؤثراً، حين طُليت الأسطح بالقار المغلي ثم تركه الناس يصعد إلى سباقه بعد أن مُنع الأطفال من تحذيره أو متابعة ما يحدث.
كريم عبد السلام
* من مواليد مدينة المنصورة في العام 1967. * نائب رئيس تحرير مجلة "سطور" التي تصدر بالقاهرة. * أصدر قبل عدة أعوام مجلة "شعر" على نفقته الخاصة، وسرعان ما توقفت بعد صدور ثلاثة أعداد فقط. * kareemzed@hotmail.com
صدر له:
* "استئناس الفراغ"، على نفقة الشاعر 1993. * "بين رجفة وأخرى" الهيئة المصرية للكتاب 1996. * "باتجاه ليلنا الأصلي" دار الجديد، بيروت 1997. * "فتاة وصبي في المدافن" دار الجديد، بيروت 1999. * "مريم المرحة" نشر ألكتروني على موقع جهة الشعر 2004.
تحت الطبع:
* "نائم في الچوراسيك بارك" مجموعة شعرية. * "سهرة مع مدام دراكولا" مجموعة شعرية. * "يا صورتي لدى الأعمى" مجموعة شعرية.
عاطف عبد العزيز
خطورة أن يكون حذاؤك متّسخًا
لا تنتظرْ حبيبتكَ هنا يا محترمْ ! هذا المكانُ مخصّصٌ لمكافحي الشغب ، كما أن الشمسَ ستسخنُ عما قليلٍ فوق هذا البلاطِ الرماديِّ الذي رصفته الحكومةْ. امشِ إلى المستطيلِ الذي ترسمه المظلّة هناك على الرصيفِ المقابلِ أعني .. عند مدخلِ الحانةِ، سيمكنك على الأقلِ مراجعةُ هندامكَ في زجاجها النظيفْ ، وأنتَ تتلقّي الهواءَ الباردَ الذي قد يتسرّبُ من فَرجةِ الباب.
أنصحك: لا تطالعْ ساعتك على هذا النحوِ الهستيري، وإلا تعرضتَ للشبهةِ، أو صرتَ مادةً للتندّرِ في أفضلِ الأحوال. أيضًا عليك التخلّصُ من هذا "الجورنالِ" المطويِّ في يدك، والذي تهرّأتْ حوافهُ استبدلْ به أيَّ شيءٍ أيَّ شيءْ، مثل كيسٍ بلاستيكي يحملُ علامةً تجاريةً شائعةْ، مثل مكواةٍ منزليةٍ ذاهبةٍ إلى الصيانةْ.
لا تنسَ: احرصْ على بقاءِ الحذاءِ لامعًا حتى يتأكّدَ الجميعُ من كونكَ شخصًا عديمَ الفضول، شخصًا غارقًا في أحوالهِ، ولا تنتظرْ حبيبتكَ هنا .. لا تنتظرْ أحدًا.
الكيت كات(10)
تحبُّ الموسيقى ! لكنكَ لستَ بالخياليِّ الذي يستبدلُ بهجتَهُ بالبيوتِ المِلْك، لهذا لا تستحقُّ دورَ الأزهريِّ الأعمى، الذي فضَّ لـ"راجح داود"(11) أسرارَ الكائناتِ في "فضل الله عثمان"(12). تحبُّ البراءة ! غير أنكَ مصابٌ بالأرقِ المزمن، فلن تكونَ يوسفَ المعشوقَ في غفلته، ولا عاملَ الفِراشةِ الذي هدَّه التعب، ونام على صندوقِ الفضائح . تحبُّ الحياة ! إذن لن يناسبَكَ الرجلُ المرفوعُ على عربةِ اليد، بعدما أبدلوه بالقِدْرِ في المشهدِ الشعبي . أنتَ أقربُ ما يكونُ إلى مراكبيٍّ اعتادَ أن يأخذَ قيلولتَهُ في ظلالِ العوَّامات، بل أنتَ أقربُ ما يكونُ إلى منسِّقِ المناظر . هي "الكيت كات" نائمة ولا أحدٌ يرانا، قامت العماراتُ والحقولُ تراجعت إلى ما وراء المجرى الملوَّث، أما الصداقةُ بين عيدانِ الذرةِ والمراهقينَ القُدامى، فإن شروطها تبدَّلتْ وانتهى الأمر. كوِّنِ الكادرَ بما يشبهُ روحك الواقعيةَ المفرطة، هذا ما عليكَ: ابدأْ بالواجهاتِ الكالحة، ثم الأسطحِ المليئةِ بالهوائياتِ وبالجِرارِ وبالدجاج، وفي النهايةِ، ضَعِ الهدومَ التي يتنازعها الهواءُ والمشابكُ الخشب .
الجنازات(13)
سوءُ الفهمِ ضدَّ سوء الفهم. هكذا رتَّبَ "بوجِدْرة" المشهدَ الجزائريَّ بسرعة، ثم قام إلى قهوته مرتاحَ الضمير، على مظنةِ أن العدالةَ سوف تأخذُ مجراها تلقائيًا، لكونها الأخت الصُّغرى لمبدأ الانتخاب الطبيعي، أي أن البرابرةَ سيندحرون بالوقت. فتاةُ البحثِ الجنائيِّ فقط هي التي كان لها رأيٌ آخر، إذ أثبتتْ دون قصدٍ أنَّ اقتناءَ الأعضاءِ البشريةِ المُجَفَّفة جزءٌ أصيلٌ من الثقافةِ الغاليَّة، تلك التي كانت ولا تزال تحلمُ بتخليصِ قبرِ الربِّ من أيدي الوثنيين. يستحقُّ الرجلُ إذن براءةَ اختراعِ الحريَّةِ عن سارة هذه، التي غافلتْهُ وأفلتتْ من النص، حين فضَّلتْ لفظةَ (النَيْك) بفضائها الصحراويِّ اللافحِ على نظيرتها الفرنسيةِ المعتبرةِ (فِعْلُ الحُب). البنتُ بفطرتها – أو ربما بخبرتها - أيقنتْ أن الكلامَ عن الحبِّ طقسٌ شماليٌّ خالص، دائمًا ما يذكِّرها بالعاجزين عن الحب.
الغروب في إشبيلية
صديقتهُ الإسبانيةُ دارسةُ الأدب عادت إلى الوطنْ. ما الذي يقودهُ إذن إلى هذا الشارعِ العريضْ! إلى تلك البنايةِ ذات الطوابقِ الخمسةْ، والحديقةِ الضامرةْ! لماذا يتجنَّبُ رفعَ وجهِهِ إلى الشرفةِ المطفأةْ! الحب!! أين سمعَ الكلمةَ من قبلْ! سيقولُ في نفسِهِ أشياءَ عن السأمِ، أو أشياءَ عن العادةِ ، وهو جالسٌ على مقعدٍ حجريّ يرسمُ بحذائِهِ الأشكالَ في الترابْ. يمكننا أن نلقيَ في طريقهِ ورقةً مطويةً،
بها طائفةٌ من الاقتراحاتْ:
1- إصبعٌ من الروجْ، كي يلعقَهُ كلما أدركه الليلْ.
2- زجاجةُ أورجانزا، للإفاقةِ حين تدهمُهُ الأزمةْ.
3- لوحةٌ من الكانافاه، تصوِّرُ مصارعًا للثيرانِ في قميصهِ الأبيضْ
أخيرًا – دميةٌ، دميةٌ من الكاوتشوكْ ، تكونُ كفيلةً بإعادةِ الأدرينالين إلى مستواهِ الطبيعيّ. هل اقتربنا من الحل؟ تبقى مهامٌ أخرى: عليهِ أن يدبِّرَ أسطوانةً للَّحْنِ المجهولْ الذي كانت تترنَّمُ به عاريةً: الجيتارُ في حِجْرِها، السيجارةُ في فمِها، اللحنِ الذي كان يتحدَّثُ عن الغروبِ في آشبيليةْ. عليهِ أن يجدَ بدائلَ عاجلةً لارتجافتهِ في حضنها. عليهِ أن ينسى التماعةَ العينِ وهي تتبعُ الدخانَ في دوائرهِ الصاعدةْ ، أن ينسى الحمرةَ الخفيفةَ بين الحاجبينِ البنِّيينْ. المسألةُ مرهونةٌ بالوقتِ ربَّما. كم من الوقتِ يحتاجُ المرءُ للإقلاعِ عن عاداتهِ الرديئةْ؟ كم من الوقتِ يحتاجُ كي ينتَبِهَ أنَّهُ في المصعدِ يدوسُ الزِرَّ الخطأْ؟ وأن الدَوْرَ الثالثَ في البنايةِ صارَ دورًا ثالثًا؟ دورًا ثالثًا بالمعنى الحرفيِّ للكلمةْ.
عاطف عبد العزيز
مواليد القاهرة في 17 ديسمبر 1956.
أسَّسَ مع آخرين مجلة "إيقاعات" عام 1993.
يعمل مهندساً معمارياً ومديراً للمشروعات.
atef1956@hotmail.com
صدر له:
"ذاكرة الظِّل" عام 1993 عن كتاب إيقاعات.
"حيطان بيضاء" عام 1996 الهيئة العامة لقصور الثقافة.
"كائنات تتهيأ للنوم" عام 2001 دار ميريت للنشر.
"مخيال الأمكنة"، 2005 دار هوامش.
قيد النشر:
"تحديقةٌ في الفراغ"، ديوان شعر.
"الثريات والظلال"، ترجمة.
_________________ حسن بلم | |
| | | | ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2013-08-20, 11:35 am | | ياسر عبد اللطيف
روك آند رول
"خلِّ عينيك على الطريق ويديك على عجلة القيادة...." هذا لحن بلوز عنيف مناسب للطرق السريعة يصلح أيضاً لغرفتي بكتبها الكئيبة وغبارها لتختفي تحت إيقاعاته الوحشية صرخات شبقها ضغطة على مفتاح التشغيل فتنطلق الموسيقى في ضجيج قطار يتقدم من نفق نحو الهاوية الهاوية غير منظورة لكنها آتية لا محالة من لوس انجيليس- كاليفورنيا .. "ذا دورز" ... كنت أحبها وتحب صديقي أعرض عنها فجاءت لي نحتاج إلى نصف لتر من خمر الصبار نجرعه من الزجاجة دون ملح أو ليمون نحتاج إلى فئران لتأكل أطرافنا نحتاج إلى أن نختفي وهي فوقي كتركة من الديون أخذتها سريعاً في دفقة حب خاطفة تركتها تمسح إخفاقنا الرائع في جورب مهمل على الفراش باب الغرفة لا يوصد بإحكام لم أعد أحبها وجهاز الستريو وإن صنع في الصين يفي بالغرض "خلِّ عينيك على الطريق ويديك على عجلة القيادة..." كان موريسون شريكاً كاملاً في الجريمة وثمة أطباق اصطبغت ببقايا حساء الطماطم طار الجورب حتى نهاية الغرفة بينما أبي في الخارج يتناول غداءه هادئاً في تلك الظهيرة الحارة
من صيف 1997.
شارع الموت المؤجل
اجتزت قبوين بقرميدهما وأحجارهما.. قدمي تتلمس في الظلام كل بلاطة تتعرفها كي لا تزل، فأسقط في هاوية الأوحال.. وفي الصحو كما في الحلم السابعة صباحاً بشارع السيارات المُكفنة أغطية كالحة من الدمّور والدَبَلان تقي السيارات البردَ، وغبار الأيام.. الموظفون المستورون لا يستيقظون قبل الثامنة. اشترى " اللادا" ذات الصاج الروسي المتين ليضعها في وجه الحياة. لا تأمل العين في ذلك الشارع أكثر من "الثمانية والعشرين" وذات "الفيورا" وما تيسر من "الآر" و"الرمسيس" تفضحها هياكلها تحت الأغطية الرثة.. هنالك "فولكس" خنفساء فاقع لونها تقبع عارية تحت الندى.. وفي الصحو كما في الحلم احتلت السيارات الهوامش الجافة للطريق السيارات تحت أكفانها وليعبر الأهالي وضعوا أحجاراً بعرض الشارع تبرز من المياه السابعة صباحاً ومديرو العموم يغطون لا زالوا في نومهم كنت أرفع أرجل بنطلوني بينما أعبر بحذر. ابتل نصف حذائي الذي أجهدته تلميعاً على الرصيف الآخر طفلة صغيرة في مريلة "تيل نادية" مجرد طفلة صغيرة، لا أقول جميلة ولا فقيرة ابتسمت لذهولي بحذري عما سواه وكان السقوط رهيباً.
العجّان
بينما يهجع المخبز الإفرنجي بين ورديتين، وتنام النار في بيتها قليلاً، دفق بوله أصفر ساخناً، في جوال الدقيق المنخول.
الجوع
لماذا لا أجرب أن آكل شيئاً جديداً كخارطة السودان مثلاً أو آكل دلتا مصر في قطاع طولي من افتراق الفرعين حتى المصب بالطمي المتراكم عبر ملايين الأجيال أو آكل مكتبة هائلة تغص بالكتب الضخمة عن الروح أو قاموساً للغة الفرنسية حتى تطفر الدموع أحرفاً من عيني لماذا لا آكل امرأة رائعة الجمال نيئة إلا من أنوثتها لماذا لا آكل مخزناً كاملاً لصواميل الصلب الخاصة بالمحركات الثقيلة لماذا لا آكل حزباً شيوعياً أو مدينة بأكملها ولتكن دمشق الشام لماذا لا آكل شيئاً كقاعة "سيد درويش" التي بأكاديمية الفنون لماذا لا آكل شيئاً نسيته بأحد الأحلام وبحثت عنه سدى في حلمي التالي قرصني الجوع ولا زلت أسافر وأنا زاهد فيما تأكلون. رومانس تماثيل منمنمة في حجم راحة اليد من بللور ورخام ناصع تهوي من شرفة عالية على بلاط الحديقة الملكة تسير وحدها في الحديقة حافية القدمين على العشب الندي بردائها الأبيض حد ركبتيها والقمر يحيل ليل الحديقة نهاراً فضياً قطة سوداء تموء كصفارة إنذار محصورة في منور برج شاهق جدرانه ملساء كمصير محتوم فهل يصلح المواء أداةً لنقب ثغرة في جدار اليأس أحلم بالقطة بينما أحاول نقب ثغرة في جدار نومي أعبر منها إلى الجهة الأخرى ..
ياسر عبد اللطيف
* من مواليد أسوان في العام 1969. * تخرج في قسم الفلسفة جامعة القاهرة 1994. * يعمل بالتليفزيون المصري منذ 1998 في مجال كتابة البرامج. * كتب سيناريو الفيلم التسجيلي "مواطن صالح من المعادي" إنتاج مستقل ومن إخراج نادر هلال، وقد عرض الفيلم بأكثر من مهرجان في مصر وفرنسا وبلجيكا. * كتب سيناريو الفيلم التسجيلي "طريق النسر" عن الروائي المصري إدوار الخراط من إخراج بهاء غزاوي. * Yaser.latif@hotmail.com
صدر له:
* "ناس وأحجار"، شعر، طبعة مستقلة 1995. * "قانون الوراثة"، رواية، دار ميريت للنشر 2002.
تحت الطبع:
* مجموعة شعرية بعنوان "طريق التبغ".
فتحي عبد الله
رجل أخضر يوزع المسك
هذه يا صديقي آخر رحلة للصيد في البراري قبعتك السوداء تشير إلي العاصفة وهم نائمون في وسع النهار يسمعون الأقدام التي تهبط من وراء البحر محملة بالروائح الثقيلة لا مقامات هنا ولا أوتار جثة حرقها الملاكمون منذ سنوات بعيدة وتركوا لها الأمطار عن ظهر قلب منذ أن طاف "إلياس" يطلب نورا من الخيام القريبة وأحبته امرأة تعلن في الصباح: أن زارها جنود يلعبون النرد ووضعوا لها في الميادين العامة تماثيل بيضاء دون أن يلمسوها ولها بين المصلين من يخبرها عن اللسان الفصيح ولا ترد من يحمل أخفافها أو ملابسها الداخلية إلى بئر قديمة وتترك الدراويش في حفلات السهر ينظرون إلى بطنها في ذهول الكحول لا يترك الخيال على فطرته الأولى ويحمل الجنود على زيارة المقابر بينما أسمع من وراء المنازل شهقات من يقتلون أو يفتحون أبواب الحجرات الكبيرة لزائر لا ينام بالليل ويعرف الإشارات من الرجل الأخضر الذي يوزع المسك في الأسواق ويعرف شقتي من الزفير الذي يحرق الأصابع وربما من الجثث التي أضعها باستمرار أمام أريكتي الخالية وأظن أن مسدسه الآن تحت الوسادة: ربما قابلته في قطار الشمال وضحك للعميان في المقهى المجاور الكوفيون يعرفونه كما جاء في الصحف الأولى ولا يذكرون العلامة ولي من إيقاعه المهزوز خطوة بين الخيال والزفاف.
أحياناً يعرج في نزهات الصيد
في مطعم "الساعة" لم يكلم أحداً وأشار للحراس الذين يتبعونه في الممرات ألا يهملوا الإشارة التي تأتي من الهاتف الأحمر: بأن الذي يبكي بجوار الخادمة عليه أن يرى جثة أبنائه في الطريق العام وبعد أن يعبر المزارعون بأصواتهم التي تعلو وتهبط كأنهم في جنازة يأخذونه في لقطة طويلة والفتيات من حوله المصورون يأخذون الزوايا التي تناسب كفه الكبيرة وربما خطوه الذي يميل إلى الشمال قليلاً أو ربما يتوجسون من عيونه التي تلمع أو عواطفه التي تفيض أحياناً يعرج في نزهات الصيد له طير يسير على أنفاسه الحارة ويسمع ما يقول من أسرار وعندما يشغلونه بالجثث التي تسقط من القطار في آخر الليل لم يقطع بأنها وحيدة وأن ما حدث لها مكتوب في الصفحات الأولى وأنهم صفقوا لعابر مجنون يحمل طبلة ربما عثر عليها في إحدى الخرابات التي ينام بها ولكي أكون واضحاً لابد أن أنظر إلى المذيعة الشقراء وأحرك أقدامي بخيال من ترك الحقول منذ عشرين عاماً ولا أعفي اللصوص الذين حملوا صوري إلى متاحف نيويورك أو وضعوها هكذا للكلاب في الشوارع أو على حافة المستنقعات وإنما أدفعهم جميعاً ـ ربما بخيالي ـ إلى خرابة في آخر البيت كلها ظلام وعندما يرجع إلى الخلف يعرضون في لقطات سريعة أحذيته البيضاء الطبيب الذي يعالجه من السرطان صور الذين قتلهم في سنة واحدة لم يغمض عينيه أمام النور الذي يغمره ورفع رأسه لأعلى لا أستطيع أن أضحك في حرارة أقل من ذلك.
استعراض البابلي
لم تستطع الملائكة الذين يحرسون خطوه أن يتحملوا بكاءه في اليوم السابع وعرضوا على المخرج الذي يعرج في اللقطات الطويلة أن يأخذ قميصه هدية وأن تكون لحيته في المشهد الأخير وأن يرى بعينيه اللامعتين ابنته الكبرى تقتل زوجها وتصرخ في المطارات والموانئ: إن الله زاره في الممرات أثناء الحرب وأعطاه كوفية خضراء يلبسها في الزحام ويقتل أصدقاءه حتى يعودوا إلى جناحه الأبيض ويحملوا روحه إلى رعاة في الجبال يحرقون الأشجار والغزلان التي تمر أمام الكهوف ويشمون اللوز الذي تركه "تروتسكي" (14) لقاطعي الطريق دون أن يسألوا عن ذراعه المسروقة من المتحف المجاور ودون أن تأخذهم الطبول إلى الأدوار العليا وربما انقطعوا لسنوات طويلة عن البكاء في صحن الجامع ولا سمعوا هلوسات المخلوعين في العراء بأن الأزهار حفظها المقتول ووضع المفتاح أثناء نومه في سروال عاهرة تشهق في الصباح: إن الزيارة الليلة لم يصورها الغرباء وهربوا وهم يحملون الإعلان عن مسابقة "للبيس بول" (15) المراهنون يلقون أوراقهم في البورصة الكبيرة المصور لم يجد حذاءه تحت السرير ولا قبعته السوداء ولم يشم رائحة القطط التي تتبعه على السلالم ولا شهقات حبيبته التي تسرقه في النهار فأخذ "الكاميرا" إلى جثث أبنائه الصورة لا ينقصها الذراع وإنما الأمطار التي تسقط على الشمال وفي إحدى اللقطات من المخابئ وجدوه يصعد في محفة من الطيور إلى هيكل من عظام.
ذراع "سعدي يوسف" العالية
"وولت ويتمان"(16) لا تأخذ أصحاب الضفائر الطويلة إلى بغداد واذكر "سعدي يوسف" بعد أن رجع من موسكو وهرب من قطار الموت ليقابل الملاكمين الصغار في لندن وهم يزخرفون الأواني والأقراط ويذكرون "الإمام" في السر لعله في كهوف البوذيين أو في أعالي الجبال مع الدفوف والراقصات بجوار الكرز أو ربما يطوف مع الحيتان فقد جاءت "نينوى"(17) مع المراكب واللوز فاض على رعاة الماعز لم يقبضوا على الصواري ووجدوه يعوم كالهلال بجوار السفائن الكبيرة ولا حرير معه "ويتمان" أرجوك أخيراً ألا تضحك من الدراويش في حلقات الذكر وألا تقول: إن "سرجون بولص" (18) فتاة هاربة من نيويورك بعد أن خلع غطاء الرأس وحلق لحيته الشهيرة وجلس إلي عاهرات الشوارع يحكي عن "جان دمو"(19) ونومه في الحدائق العامة مع اللوطيين دون أن يلمسوا ساقه المليئة بالجروح فقد شاهدوا العذراء تحمله من فيضان إلى آخر حتى ذهب إلى استراليا.
هذا ما حدث يا "روبرت فروست"(20)
زارني الليلة الماضية ووضع بجواري كيسين من التفاح والكرز هكذا فعل "روبرت فروست" دون أن يشير إلى الأشجار والأجساد التي تعوم في البرك والمستنقعات ولا فرصة اليورانيوم الأخيرة في الشقق والمصحات العامة ولا الثيران وهي تنهش اللاعبين في غفلة من المصور كل هذا يا صاحب اللحية القصيرة في نهار واحد كيف أسمع بعد ذلك عواء "جينسبرج" (21) بين الناطحات والأحراش وملائكته الذين يطوفون في الحواري الضيقة بحثاً عن غلام ربما تركه "أبو نواس" بعد أن ألبسه الثياب النظيفة وسمع معه الإيقاعات التي ورثوها من الرمال دون أن يتحصنوا وراء قصب الأهوار وإنما تخلعوا في الحانات والمقصورات وخلفهم فارسيات بأعناق بيضاء يذبن في الآهة الأولى ربما تذكرن السجاجيد بطيورها على البحيرات أو الأساور التي أخذها القبطان أثناء عبورهم إلى "نجف" الله بينما "الإمام" في الصحن الكبير يقرأ القرآن والمقتولون يزدحمون في الشبكات المفتوحة "مايرز" ببذلته الزرقاء يوزع السعوط على الزنوج ويذكر أن الأعراب لهم صحراء وأولياء يخرجون في ساعة الصفر يجمعون القنابل بالنظرات الطويلة وعندما يصلون يرتفعون كأنهم طيور وترجع أرواحهم إلى القمح والشعير.
فتحي عبدالله
* من مواليد محافظة المنوفية في العام 1957. * كاتب وناقد حر في عدد من الصحف والجرائد المصرية. * diwan.ef@hotmail.com
صدر له:
* "راعي المياه" - هيئة الكتاب 1993. * "سعادة متأخرة" - هيئة الكتاب 1998. * "موسيقيون لأدوار صغيرة" - هيئة قصور الثقاف 2002. * "أثر البكاء" - هيئة قصور الثقافة 2004.
عزمي عبد الوهاب
الحنين.. يا "زاهية" الحنين!
كبرتُ بما يكفي لأعرف الحنين.. يا "زاهية"..، وصرتِ امرأة عجوزا لا يطرق بابكِ أحد، ليتني احتفظت بصورتك وأنت تجلسين على "الكنبة" وشعرك الأسود القصير يطل على استحياء، وتحت جلبابك البيتي تنام مشمشتان، كانتا مستديرتين كأن بشراً لم يمسسهما تغيرتِ كثيراً تغيرتُ كثيراً مِتُّ لدرجة أنك لن تعرفيني، فهنا يضيئون الشموع ليلاً لأن رجالا أغبياء مزقوا ملابس امرأة..، كم عدد الرجال الذين مزقوا ملابسك.. يا مسكينة ثم تركوا غرفتك القبيحة بعد أن منحتهم البهجة والرجولة ياه خمسة عشر عاماً من الغياب هزمتْ وجهك بالتأكيد ولم يعد يزورك أحد، حتى بناتك اللواتي علمتِ أجسادهن كيف يهبن السعادة للعابرين، يزرنك في المواسم فقط، وأنتِ لستِ غاضبة منهن، ولا منِّي! لأنك تعرفين أني كبرت بما يكفي لأعرف الحنين.. يا "زاهية".
زوجتي المستحيلة
.. وأعرف أنك تخونينني تمنحين هاتفك الجوال لمن يبتسمون لك في محال الوجبات السريعة، وفي غرف "الدردشة" نعم في "المولات" كل شيء متاح: الملابس الداخلية والإكسسوارات والرجال والأحذية كنت تنامين معي وتخطئين في اسمي كما يليق بامرأة تغير لون عينيها: أزرق- أخضر فنامي جيداً أيتها القطة الرمادية أو لا تنامي هناك ليل ينتظرك وعلى إيقاع الضحكات الماجنة تتزاحم على سلالم الجيران القطط التي يقتلها المواء والشبق، لا تفكري في الموت بجدية فأقراص المهدئات والشِّفرات الصدئة اقرب إليك من مقبرة في الخلاء أو موعد غرامي كنتِ جميلة بشكل لم أحتمله وكنت أحبك يا زوجتي المستحيلة وكان لابد أن تخوني من قضيتِ الليل ساهرة لأجله ولأجله أيضاً كدت تموتين بالغاز ثلاث مرات!
كان الفيلم رديئاً فعلاً!
في الشارع كانا وحيدين كإشارة المرور كالحزن.. وكأن غريبين التقيا صدفة أمام بار قديم في وسط المدينة بينما مذياع شرطي فقير كان يغني: (لما الشتا يدق البيبان)(22) كنت تبحثين عن حذاء الأميرة في الأسطورة القديمة وهو يضِّيع وجهه في "نيون" الإعلانات في المطاعم وهي تكنس خطوته الأخيرة كان يغني: ( لما المطر يغسل شوارعنا القديمة والحارات )(23) الحياة هناك إذن جنب كورنيش المقطم والنافورة العاطلة عن الكلام والسنترال وهو يغلق بابه على آخر برقيات العزاء والبهجة، والفيلم رديئاً كان: يدك دافئة.. باردة.. دافئة تبتسمين فيمضي وحيداً كالفجيعة وتغيبين في البرد والظلام.. يجلس قرب الهاتف صوتكِ لا يأتي فيذهب في اتجاه الموسيقي: ( خريف نادانا والشجر دبلان بردانة كنت.. وكنت أنا بردان )(24) ويعود - النمرة غلط الحياة هناك إذن في الأوبرا وحفلات الجاز كاملة العدد في "الهناجر"(25) وفنجان القهوة المقلوب على قراءة لم تحدث في منتصف كوبري "قصر النيل" أو أعلى "برج الجزيرة" في "الكوفي شوب" أو في مبنى "الأهرام" القديم في سماعة الهاتف: ( كنا طفولة حب لسه في أوله ) (26) والفيلم.. كان رديئاً حقاً ولا أحد هنا.. أو هناك وحده الليل فلاح عجوز يخرج من أغاني الحطابين في الغابات ومن مزارع الدلتا البعيدة يهذي في زاوية مضيئة فيقذفه الصبية بالحجارة والنعاس وحده كان الليل ساعي البريد النظيف يتثاءب في أشعار "نيرودا" وحنجرة "جوليا بطرس".. وفي الصباح يقطع التذاكر للنساء في عربات القطار الكئيبة ويقود مظاهرة في الحمام.. وفي المساء يجمع السكارى حول زجاجة خمر رديئة يحصى هزائمه ويبعث الرسائل لحبيبة من ثلج ونار: ( لكني باحتاج لك ساعات ) (27) كان الفيلم رديئاً جداً صوتِك متعب لا تختبئي في الحكاية لا تهربي في البكاء فالملائكة تصلى لأجلنا وتلبس السواد ونحن نعرف أن النهايات كاذبة أن البدايات خادعة ( تتصوري رغم إننا شايفين طريقنا بينتهي تتصوري لا عمري هاقدر ع الفراق ولا انت عمرك تقدري ) (28) اثنان التقيا صدفة أمام بار قديم هل تصدقين.. كان الفيلم رديئاً فعلاً؟! هل.. ..؟ مر اللصوص من هنا جئت.. لأمر من هنا سحابة عجوزاً.. مطراً شحيحاً ينز فوق حقولك الخضراء.. وليس اختياراً.. أن أكون ومضة معتمة كزهو الكتابة بالسواد فهكذا جئت.. وهكذا سأقول: أحبك كانت الريح تزيح "الإيشارب" عن رأسك ثم تموت كمداً ساعتها تراجعتُ حين تحدثتِ عن سماجة موظفي الاستعلامات بينما تذيبين قطعتي سكر في فنجاني بهمة عاشقة وعينين واسعتين كموسيقي الجاز كان "جروبي"(29) هادئاً قلت: أعترف. وما اعترفت قلت: مر اللصوص من هنا والخونة والمرتشون في الطريق إلى البورصة فماذا فعلت بيديَّ المفرودتين كشراع بليد يخاصمه الهواء ولا يحب الأرض كنتِ مشغولة بجرحك القديم، وضميرك الذي يعمل كبندول ممل وأنا أعالج قلبي من جرح جديد.. ينبغي إذن أن تبكى على صدري حتى تشعري بحنان أصابعي وربما اعترفتُ ليديك الساديتين: رؤسائي في العمل لا يحبونني، وتجربة خائبة في العشق تركتك كخرابة تبحث فيها القطط عن ماض يعذبها وأنا أدير ظهري لساعة الميدان منذ خمس ساعات..، ووجهك المدور في النهار قريب من وجوه القتلة الطيبين وفي الليل رائق كبئر يطل منها القمر وجهك هذا خانني مرتين مرة بالصمت ومرة.. حين انزويتِ في غرفة تدخنين سجائرك، يا الوردة التي تفتحتْ جريئة على مرمى يدي إلى متى يدوخني وجهك حين أبص على حزنك وأنت تروين النكات البذيئة وتقضين ليلتكِ قرب الهاتف وشباكك مفتوح على سماء لا تجدي معها المهدئات والله لن يظهر أبدا في أحلامك: (سيرمي الله في النار، أولئك العيال الذين لم تربهم أمهاتهم، حين تحدثوا معنا بطريقة فظة، تناسب سوقية أموال آبائهم، الذين ستحقق الرقابة الإدارية معهم.. قريباً). عودي إلى هاتفك الذي لا يكف عن الثرثرة.. وأعيديني إلى قدمي حتى ينبثق الماء من روحي حين تشيرين إلى موتي.. فأصحو..) ولست نبياً كما تزعمين ولا أنت قديسة كما أزعم يا خطيئة أخبئها في أوراقي ولا أستطيع الكتابة إلا رمزاً (هل قال البحر للرمال يوماً: أحبك، وهو يعرف ما من موجة انفكت من أسره إلا وماتت على قدميها). أنا الغيمة العجوز انصرفتُ ثقيلاً كالفضيحة واختبأت وراء: مر اللصوص من هنا والخونة والمرتشون في الطريق إلى البورصة وما اعترفت!
عزمي عبد الوهاب
* من مواليد قرية "الدراكسة" بدلتا مصر في العام 1964. * صحافي في مجلة "الأهرام العربي" الصادرة عن مؤسسة الأهرام المصرية. * azmywahab@hotmail.com
صدر له:
* "الأسماء لا تليق بالأماكن"، 1994. * "بأكاذيب سوداء كثيرة"، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1996. * "النوافذ لا أثر لها" الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998. * "بعد خروج الملاك مباشرة"، دار ميريت، القاهرة 2004. _________________ حسن بلم | |
| | | | ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2013-08-20, 11:42 am | | صفاء فتحي
حفلة العشاء
-1-
أمامك الآن موائد حافلة بأنواع الطعام، فتصدر المجلس ولا تلتفتي إلى طيف قاتلك، عازف القيثارة فأنغامه ترياق قد يغتصب أذنيك... فأهمليه واشغفي بكومة الأجساد المتراكمة... هؤلاء الرضع المنسيون، جاثمون، على أطراف الكوكب ينتظرون السماح بالدخول. تدغدغهم أبخرة الشواء اللذيذة، التي لن تكون لك أبداً. أمل خاب في التمدد آمناً، في عقر الرياحين.
-2-
العاشق المتجرع للحكايات... أكرهه وأشكوه للقضاة، علهم يشنقوه. عندما تنز بروحه الشاهقة الوسادة أقول: لستِ الآن قبري ففارقيني حتى أحزم الحقيبة، وأهاجر لكوكب الرماد قبل سن الأربعين.
-3-
وطأها الملك كما تطأ الأقدام الحالمة الورود المهشمة فكانت كما هي جارية تحزم الحقيبة وتنام. يطأها الملك، وتنام حبلى بصفاء اللانهاية فتحزم الحقيبة وتنام.
-4-
كانت الصرخات هكذا: اخرس... اخرس... ما هذه بحيثيات أهي أضغاث أحلام؟ أم هي فقاعات رؤيا؟ أو ربما أصابتك شظايا المنام. فلا تربتي على الخدود والوجنات، كي لا يتصدع البناء... ذلك المنزل القائم على وجهِكِ فتصيب الأنقاض طفلك المزروع في البستان.
-5-
لماذا العصيان وأنت طفل صغير؟ لا يصح لك ابتلاع تماثيل الصلصال، التي شكلتها على صورتي الباسمة من أجل الانتحار. وعليك بابتلاع لقمة عذراء، حتى تنشد الأبيات، لكن حذار من أن تفيض العبرات كمتيمٍ أو ولهان، أدبا أمام الزائرين وحتى خاتمة الأيام، انتظر، كبش الفداء الذي لم تروضه التجاعيد أو يراوغه الماكياج.
-6-
إن ركضت البراعم هاربة. إن امتدت الأذرع متأهبة. إن نمت الأشواك في السرادق. ارفع الصوت بالأغنية، زاعقاً وزاعقاً، في كون لم يهادن حتى اللحظة الأخيرة، حتى يصعدون الزفرات، يصيخون الأسماع. لأطياف عازف الناي والقيثارة وأنا، اللذين كنا قاتلين قرب النهر الآن نائمين، يداعبنا الشعاع، فنلهو بعيداً عن أسمائنا المتريضة في بنوك المدينة، وعن هلع النفوس الذي نحمله على مضضٍ... مكرهين. فكن في التو كحية من الحيات، تخلص من جلدك القديم وارمه بعيداً غير حافلٍ بمن سيرتديه بذلة للمناسبات والسلام.
اسم في رسالة في زجاجة في البحر
(وقال لي أين جعلت اسمي فثم اجعل اسمك). (النفري)
لن أنشر ظلي على الحبا ولكن، سألقيه عند منحنى الطريق وسألتقي بك وأنت تغادرني إليه ستتجاوزني حتماً أما أنا فسأعبث لاهية بحروف اسمي التي تبعثرت مني ذات صباح في منزل الحاوي، أو في صندوقه، في مسرحه، أو في لعبته، في سحره، وفي طفولتي التي أحملها على المراوغة لا لأنها سرب من أسراب من الطيور أقودها إلى عشها في الليل بل لأنها أيضاً وعد فارقني مع ذات الظل ظلي الذي ابتلع النعاس حين طافت البركة القائمة على فجوة بعد أن تسللت سمكة من الفضة إلى جوفها تلك السمكة اللامعة التي تنزلق دائماً من بين أصابعك عندما أبحث عن الجمل المرصوصة كالطوب بين الحدين كي أجعل منها منزلي أو غرفتي أو سريري حيث اللاوطن. يجاور ما زرعته أمي ولغتها نبتة في حوض من طين طفولتي اللغة التي وَضَعتْها في فمي وصارت لي أم دون الأم لغة. على حافة الخط أقف وأنت تشدني بالحبل إلى الأثر إلى الملاءة الزرقاء وكما دسست بلغة ما في أذني سأهمس في أذنيك بلغات أخيرة سأدس في جوفك الكثير وسأصير في جوفي كالقش لأنهم ذبحوا الابن الصغير لأنهم استبدلوه بمثيله من القش لأنهم يدمنون المراوغة على جسدي كي يدر اللبن من وهم الأم عندها غطى جلد الابن على الغياب ولم تزل الأم دائما للأم لغتها مع اللبن السائل مع الظل مع وهم الأم حين كان الفداء هو حدث الحسم حين بكت الحقيقة لأني ذات الوهم في الجوهرة عندما تراني في رؤيتك، في عينك، في الصبح الزئبقي حين ترى الفراغ الذي تركته أنا في جسد الليل بعد أن صرتَ لي الأم وسيفيض ثديها باللبن الذي لن يصلي له لساني. (وقال من عرفني فلا عيش له إلا في معرفتي، ومن رآني فلا قوة له إلا في رؤيتي)
(النفري)
صفاء فتحي
* من مواليد قصر "هور"، المنيا، في العام 1958. * دراسة جامعية في جامعة المنيا، جامعة السوربون في باريس، وجامعة فانسان. * رسالة دكتوراة من جامعة باريس عن المسرح الإنجليزي والألماني المعاصر. * لها مسرحية باللغتين الفرنسية والعربية تحت عنوان "إرهاب". * أخرجت فيلماً وثائقياً عن الفيلسوف الفرنسي "جاك ديريدا"، وقد أثمر عملها السينمائي معه كتاباً مشتركاً صدر بالفرنسية. * diwan.ef@hotmail.com
صدر لها:
* "قصائد" 1988. * "... وليلة" دار شرقيات، القاهرة 1996. * "عرائس خشبية صغيرة تسبح في سموات المنيا وبرلين" دار شرقيات، 1998.
محمود قرني
فستان "كيم أدونيزيو"(30)
أريد أن أتعلم لغة جديدة أتحدث بها مع الفستان الأحمر لـ"كيم أدونيزيو" هذا الفستان الذي أفلت من يدي وفرٌّ إلى الجنة.. في "سان فرانسيسكو" البقالون، والرعاة.. تحدثوا عنه، والحروب التي بيننا ذابت في دفء خطوطه الناعمة سوف أتحدث عن المعنى الذي تركته شجرة الجوز على ظهره العاري، عن المعنى النائم أبداً على حمالتيه هاتان العصفورتان اللتان خرجتا من المعارك إلى تنهدات الحب وحرقة المواعيد سوف أتحدث أيضاً عن الحرية التي أضاعتها يد العاشق عندما أخذه عنوة إلى ميدان القتال لكنني أجعدها اذا ما عثرت عليه قبل حلول الليل فسأذهب به الى المصحة لأخلصه من آثار الدماء العالقة بأطرافه ثم أرصعه بالمرمر والهذيان ستأتي "أدونيزيو" الجميلة في موعدها لن أحدثها عن اللصوص ولا أشجار البانجو ولا شاحنات الخنازير ربما تحدثت إليها حديثاً عابراً بخشوع المهزومين فالأمر لا يعدو.. أن يكون حواراً شفافاً عن فستان أحمر ارتدته امرأة بارعة وكانت تريد أن تجدف فيه "أدوينزيو" هذه الكلبة المتمردة ستدع حظها العاثر جانباً وتترك فستانها الأحمر بينما لم ينل بعد حريته، ستتركه بهذه النذالة وتموت.
باليـه
ريمُ التي تنخرطُ في الرقصِ كُلما تناهت إلى سمعها أصوات الموسيقى تَكبرُ يوماً بعد يوم. تكبر دون حارسٍ ودون تميمةٍ زرقاء هذه القصيرة قرب الأرض تحتاط من كل شيء ولا تترك لقبلة أبويها فرصة الحنين أمها وضعتْ إصبعاً أسفل ذقنها وقالت: ستذهبينَ إلى مدرسة الباليه ريمُ القصيرة قرب الأرض ستصبح يوماً فراشةً بسروالٍ قصيرٍ أبيض وأغطيةٍ رمزيةٍ جداً ويقبضُ فتيً بيده اليسرى علي باطن فخذها يَشْبُكُ يدَهُ اليمنى بوردةٍ حمراء في مَيْلِها القاسي بينما تصنع بجسدها نصف دائرة، ثم تقفز في بياضها كالملاك. على ما يبدو كانت ريمُ نفسها بطةَ "أبسن"(31) البرية أو على الأقل، الوردة الحمراء العالقة بمعطف جوجول (32) فقط، ثمة انشغالات تعوقُ ذهنَ جدتها، الجالسة علي الموكيت الأزرق في ردهة شبه واسعة تريد أن تعرف ما الذي تفعله حفيدتُها. أما أبوها، فلم يكن هناك. كانت لديه انشغالات لتخليص إرثه من أفواه الشياطين كان يدفنُ ملابس جدها، المليئة بالحقنِ الفارغة.. والتصاويرَ السوداء، كان عليه أن يعود قريته صباح كل خميس ليضع أكمامَه المُبْتَلَّة علي الشاهد ويتلو علي رأس جدها أغنية قصيرة جداً من أجل الموت. أما الجدة ـ التي ربتت على ظهرها ضاحكة ـ فقد أهدتها دجاجة وقفصاً صغيراً لكنه سرعان ما تحطم ريم الآن أصبحت تؤلف مشاهد متصلة للرقص مع دجاجة .
النخلة
جلس الرجل يكتب تعويذته على ذيل قط أعمى ويقذف بصُرّة الشيح إلى قلب النخلة ناداها بكل الهواء الذي يملأ صدره: "يا عمتي" النخلة في ساحة البيت تميل في دلال تلقي سلاماً هنا وسلاماً هناك كان طلعُها الأبيض كالحليب, تذكاراً موشوما على قلبه صعد بظهْرية من الليف إلى رأسها كلمها .. وناداها سكب في قلبها حليب أصابعه وعندما هبط، كان صدره المعطوب يعلو ويهبط في هياج كأنه فرغ للتو من مضاجعة طويلة كان النهار ربيعياً جافاً تأملها ثانية ونادها باسمها ألقى مياهاً غزيرة حول ساحتها وقال: الآن فقط أسمع صوتي كنت أحتاج إلى ذلك أحتاج إلى الغبار والصفير واصْطكاك الأسنان في نصف طُوبة أحتاج أغراضي أحتاج طريقاً محفوفة بالمخاطر وأتصور المتاهة على نحو كهذا نحن متشابهان إلى حد بعيد.
***
كوني كما تصورتك ساعة إشراقة الشمس شعر أخضر يخامِرُ الأصابع يطلع ناعساً من مخمله ينام على قلبك الأبيض حتى الصباح ويقبض على خصرك الذي يشبه خاتم قديس أنا منتش هكذا واسمك يمر كنسمة على فم المغني أريد أن أذهب إلى السوق وأشتري من أجلك أرواب زينة وأضواء مبهرة "يا أخت أبي" استسلمي لذراعي فأنا أحبك حتى النهاية.
***
كأن شيئاً لم يكن قصَّ على رأسها أقاصيص من قلبه دلىَّ عراجينها بتؤدة ولين فأصبحت امرأة ذات أرداف ساحرة وملونة دائماً يتذكر أباه الذي ربّاها، وهو يقص حكايتها كل يوم مع القاضي الميسَّر الذي كان يجلس تحتها ليقضي في الناس ولا يهش أبداً كأنه بناية لا تر يم لكنها في لحظة من لحظات هزرها أسقطت بلحة غليظة على أنفه انتفض وتأسف على وقاره الذي ضاع لكنه قهقه لأول مرة في حياته بسْمل وقال: "ضعف الطالب والمطلوب" لكن الغيمة المارة على رأسها لم تدمْ طويلاً وقعت برأسها على الصاعقة لبستْ بعدها ثوباً بنياً محروقاً وفقدت أنوثتها الطاغية هي الآن ذكر نخيل لا ينبس لن تستطيع أن تقص على صاحبها قصصاً أخرى عن النساء اللاتي احتمين بظلها وتعرين لنسمات الصيف الطرية ولا عن الغمزات المخجلة التي تركتها العذراوات في الأماسي المقمرة النخلة البضة صارت ذات عضلات مفتولة وشارب مبروم بينما العاشق ضائق الصدر يخرج برأسه من الباب إلى الساحة يملأ صدره المعطوب بالهواء ويعود حسيراً يتوسط ساحة البيت وينظر إلى أعلى إلى رأسها يريد أن يقول لها يا أخت أبي، يا عمتي لكنه لا يستطيع.
العابر
معذرة أيها العابر إن لم استطع أن أحييك بما يناسب تلك المهابة، فليس لدي قبعة أرفعها من أجلك ويداي مشغولتان ـ كما ترى ـ بتسوية أشياء ربما تراها تافهة لتسمح لي أولاً ألا أضفي عليك من الألقاب ما لا أعرفه عنك ومن جانبك أرجوك لا تدفعني للتملق والنفاق فأنا أتحدث إليك دون سابق معرفة لذلك سأقتصد إلى أبعد حد في استخدام أفعل التفضيل حتى لو غضبت من هذا التقشف سألتمس لك الأعذار فأنت أيضاً لا تعرفني أنا كما ترى أبحث عن ممشاة، ستندهش بالطبع من رجل جاوز الأربعين ولازال يبحث عن ممشاة. أؤكد لك. أنني لازلت أتعلم، فالأزمة السحيقة التي تملكتني ذهبت سدي.. وثمة شائعات.. تأتي من بعيد عن التاريخ الذي غافل طبيبه وابتلع كومة من الأقراص المخدرة وعن الحرية وهي مخفورة بالجماجم لقد حاولت أن أرثي نفسي لكنني فشلت ألم أقل لك إنني لازلت أتعلم، حاولت أن أكتب قصائد أكثر تهتكاً من اللذة.. وأقل حياء من ربطات العنق والجارات المهذبات حاولت أن أكتب قصائد يأخذها قطار الشرق عبر جبال الألب، والناطحات والتظاهرات، والشركات العملاقة، قصائد أكثر إخلاصاً من عارضات الأزياء، والمؤسسات، وبنات (الفيديو كليب(، لكنني لازلت أتعلم لك الآن أن تثق تماماً في خيبتي لقد حاولت أن أقيم وداً مع هذه الشفرة الملائكية أقصد تلك الأفخاذ الأسطورية التي نراها على شاشات المقاهي وفي البارات، أرجوك لا تفهمني بطريق الخطأ أنا لا أقصد الحب، فمثلي لا يقع في خطأ كهذا، أنا أعرف أن العلم أنجز قطيعة (فيثاغورية) مع الله وأن القصائد نجحت هي الأخرى في إنجاز قطيعة (شكسبيرية)، مع امرأة. أيها العابر لا تثق برعونتي فسوف يتحدث إليك أناس أكثر أناقة من هذه القصائد، ثق تماماً فيما يقولون.. إنهم يعرفون الطريق جيداً، أما هؤلاء الذين يبدون كحمير وحشية، فهم رعويون أجلاف وشعراء بالسليقة وبالقطع لا يملكون ذكاء كافياً لاحترامك.
محمود قرني
* مواليد محافظة الفيوم في العام 1961. * ليسانس الحقوق – جامعة القاهرة – فرع بني سويف – 1985. * المراسل الثقافي لصحيفة "القدس العربي" في مكتبها بالقاهرة. * عضو مؤسس لمجلة "الكتابة الأخرى" التي صدرت في عام 1991 واستمرت لأكثر من عشر سنوات قبل توقفها. * عضو مؤسس لمجلة "العصور الجديدة" التي كانت تصدر عن دارسينا للنشر عام 2000. * korany61@yahoo.com
صدر له:
* "حمَّامات الإنشاد"، هيئة قصور الثقافة 1996. * "خيول على قطيفة البيت"، دار الأحمدي للنشر 1998. * "هواء لشجرات العام"، هيئة الكتاب – 1998. * "طرق طيبة للحفاة"، هيئة قصور الثقافة - 2000. * "الشيطان في حقل التوت"، ميريت للنشر 2003. * "أوقات مثالية لمحبة الأعداء"، ميريت للنشر 2006.
تحت الطبع:
* ديوان في مدائح الصواجان ـ قصيدة طويلة. * كتاب الأطياف - مختارات من الشعر المصري فيما بعد السبعينييات. * ديوان شرفات بولاق.
مهرجانات:
* مهرجان الشعر العربي الثالث بالأردن عام 2002، * مهرجان الشعر أصوات المتوسط (لوديف)، فرنسا عام 2002.
فاطمة قنديل
قنينة خمر وصياد - ليس مضطراً أن يبكر للصيد غداً
1
سأقنع البائع حين أشتري عشر زجاجات من البيرة بأن لدي أصدقاء ينتظرونني في المنزل، أنا وزوجي، زوجي الكسول الذي يرفض أن يذهب ليشتريها بنفسه. حجة لا أستطيع أن أكررها كل مرة تدفعني إلى تغيير أماكن الشراء حتى لا أؤكد فكرة السكيرة عند البائع. البيرة الهشة المرحة تعري أعماقها الفوارة على السطح، فأتأمل رحلة الفقاقيع الدءوب بين السطح والأعماق.. يمكنك أيضا التحكم في الفوران منذ البداية إذا أملت الكوب قليلاً وسكبتها ببطء.
تمكنني البيرة من رسم صورة موازية لزحام كامن في وفرة الزجاجات وفي الفوران، ثمة موسيقى أيضا وأحاديث تقطع استمرارها، ناس يعدون الأطباق ويدخلون المطبخ بحرية. لكي أطمئن إلى اقتناع البائع أثبت نظرة نشطة في عيني، أخاف ألا أستطيع الحفاظ عليها لذا لابد أن أبدو متعجلة وأن أطلب منه إعداد الزجاجات حتى أتم شراء شيء آخر من محل قريب. حين أعود تكون النظرة قد بدأت في التهاوي ويبدأ التواطؤ بيننا حين يضع الأكياس في كيس بلاستيكي أسود كي لا يشف عما فيه.
-2-
شراء النبيذ أكثر تهديداً ويحتاج إلى استراتيجية خاصة، زجاجة نبيذ واحدة تكشفك لأنها تعني أن الجلسة لن تزيد عن شخصين، أن ثمة حميمية ما يتم الإعداد لها، يتطلب هذا جهداً مضاعفاً حتى لا يتصور البائع أنني سأشربها وحدي فيضمني إلى قائمة من يطلبون منه ربع براندي ويتجنبون النظر إلى عينيه. التدرب على ثبات نظرة خالية من الانفعال ثم اختيار أيام بعينها كيوم الخميس يمكنني من رسم صورة موازية لزوجين في ليلة الإجازة، يعتمدان على زجاجة واحدة لإذابة أيام الأسبوع قبل الدخول إلى الفراش، ستستمر الصورة في عيني حتى عودتي، يكون التخلص من نظرة محايدة مجهداً لأنها تسربت إلى الداخل بشكل ما، أستغرق أكثر من نصف الزجاجة حتى التخلص منها وبداية صنع الشخص الآخر الذي يجلس بجواري صامتاً، كتلة دافئة بجوار قدمي، لا يحدق في، يستمع إلي باهتمام ثم يهتز كسرير طفل حتى ينام.)
-3-
صداقتي بالنبيذ صداقة حديثة، حين تمكنت من تصنيف مشاعري في خانة الحب، بدأت صداقتي بالبيرة والويسكي والفودكا،، لم أصادق الجين أو الكونياك يمكن أن أشربهما لكن بوصفهما مدعوين على مائدة، تتبادل معهما الحديث لأنك تريد أن تصدر لجماعة ما صورة الشخص الرحب الذي يتنقل كطائر مرح من بقعة إلى أخرى دون أن يجبره خوفه على التحليق النهائي.
الجين يختلف عن الكونياك، مصمم لسيدة راقية، لابد أن تصاحبه سيجارة من النوع الفاخر، وربما ولاعة ذهبية، وحديث عن آخرين. لا يمكن أن تشربه إلا بالتونيك ونصف ليمونة مشقوقة ومرشوقة على حافة الكوب، تنز ماء عند أية لمسة. حتى تكتمل الصورة لا يمكن تجاوز الكأس الثانية، بل عندها تحديداً لابد أن تبدأ الأهداب في التهدل وتبدأ معها نصف النظرة المنسجمة مع ابتسامة تحتفظ بحدودها حتى آخر السهرة.
-4-
لم يتجاوز الكونياك معي حدود كأس الافتتاح، كنت أبتلعه مرة واحدة وكان نفاد الكوب لا يعني شيئاً لأن الحرارة الطافحة من الداخل تجبرني على الاستغراق في زمنها منذ البداية وحتى ذوبانها في الحديث.
-5-
صداقتي الحديثة بالنبيذ بدأت منذ اكتشفت أنه البديل لجسد يشبه كرة، قذفتها فيما مضى فظلت تتواثب فوق الأرض وأنا أتابعها، متوهمة أن نهاية التواثب هي السكون، لكنها ارتطمت بجدار لم ألحظه في انشغالي بمراقبة اللعبة.
النبيذ الأحمر جسد ليس أسود لكنه أيضاً لا يشف عن شيء. لا يقبل أن تخلطه بشيء. إما أن تقبله كما هو أو ترفضه نهائياً. أية نقطة ماء تدخله - حتى إن كانت على كأس لم يتم تجفيفه - إهانة له. كسر لهارمونيته وانكفائه على ذاته. البقعة الحمراء التي يتركها دائماً في باطن الكأس تدل دائماً على حضور كان. على ذاكرة. حتى إن كانت في حدودها الأدنى: النقطة. إلا أنك لا يمكن أن تمحوها إلا بغسلها.
يجب أن أفترض منذ الآن أن الجدار موجود، وأن اللعبة ليست في تأمل قفزات الكرة وإنما لضربها في الجدار والاختيار السريع للموقع الذي سترتد إليك فيه لتضربها مرة أخرى.
-6-
كان الويسكي دائماً في الصدارة، الأربع زجاجات التي أشتريها من السوق الحرة بعد عودتي من السفر مساحة اختيار محددة لم يدخل النبيذ فيها حتى على سبيل الافتراض، سيفرغ النبيذ في جلسة واحدة ولن ينسجم مع استثناء السفر. يتيح لي الويسكي أياماً طويلة لأراقب نفاده. بخبرة تكونت لدي عرفت أن زجاجة الويسكي ستستغرق أسبوعاً حتى تنفد. كنت أبتكر الحيل لمواجهة تهديد النفاد كأن أشربه (سك) مثلاً ، لكن تهديداً آخر كان يبرز حين كنت أضحي بتمرير المذاق على لساني وإلقائه في الجوف، تهديد طمس الملامح، ما يجعل من الويسكي منطبقاً على الكونياك. أدركت أن قطعة ثلج واحدة تمكنني من استخدام كلمة أنيقة (On the rocks) تسمح بدخول سيدة لا تشبه شاربات الجين لكنها لا يمكن أن تكون أيضا عاهرة تطلب ربع براندي من البائع في آخر الليل. ستتحرك صورة السيدة بين الاثنتين. لن يمكنني القبض عليها. الآخرون أيضا قد يستسهلون ضمها إلى أحد القطبين. لكن شبهة تعسف ستظل تؤرقهم.
لا يحدث الانسجام الحقيقي بيني وبين الويسكي إلا بقطعة ثلج. أدركت أن قطعة الثلج تجعل الويسكي ينسجم مع ذاته، مع حنينه إلى بلاده الباردة، كسائح يضطر إلى أن ينطق اسم شارع بعربية ودودة مكسرة. كي تدله عليه.
-7-
بين الويسكي والنبيذ كنت أهرول، لكنني كنت أكثر انحيازاً للويسكي، لم تجمعني جلسة إلا وكان الويسكي ما أطلبه أولاً. ينسرب معه إلى داخلي تعال على جماعة شاربي النبيذ. خصوصية ما، إصرار داخلي على ملاقاة الوجه الآخر في نهاية السهرة، الوجه الساخر الذي يجعلك تنسل إلى دورة المياه لتفرغ تعاليك جرعة جرعة. تكتشف أن الآخرين كانوا يبصرون هذه اللحظة في كأسك الأولى الشفافة، تجدهم قد أعدوا لك القهوة كرداء أسود يسترون به عريك، وترى جسدك يتعثر في كلمات التعاطف، يلقونها مرة واحدة بين قدميك.
-8-
ظل الويسكي رفيق الوحدة بعد العودة من السفر، ظل الويسكي يشف عن جسدين، جسد لم يفكر عند رحيله في صورة فراش الفندق، بخبرته كان واثقاً أنه فراش نظيف بملاءات بيضاء مشدودة، وأكياس وسائد زائدة في الرف العلوي من الدولاب، والسرير به أزرار كثيرة، سيمضي بعض الوقت في اكتشاف أيها للنور وللتليفزيون وللتكييف…إلخ. حارس الفندق لن يجهد نفسه بالبحث عنهم، موجودون، غير مرئيين، يمنحونه أماناً محسوماً خارج مسئوليته، تحرر مؤقت من مسئولية صنع الأمان. على مقاس أيام غربة، حيث دال الغربة مستمتع بالطفو على مدلوله وواثق أن الزمن القصير سيرفعه كطوق نجاة بعيداً عن أعماق مدلوله.
جسد يعود إلى أشيائه. يمد يده بعشوائية إلى زر الأباجورة، يعرف من الطارق من إيقاع الدقات. وفي تمايز الجسدين ينسرب الويسكي مثل لحن قديم وضع له الموزع خلفية إيقاعية مرحة. حين تصل زجاجة الويسكي إلى ثلثها الأخير يختفي الإيقاع. يعود اللحن الأصلي الذي لابد أن تشربه بتؤدة وحرص، والذي يضع مقاومتي في اختبار صارم، يراقبها بعين لا تطرف وهي تنهار شيئاً فشيئاً، الحرب الصامتة التي لا تحسم لصالحي أو لصالح الزجاجة. مصيرها الذي حددته ومسئوليتي عن صورة الضحية في زجاج لم يعد يصلح سوى للانكسار.
ليس الخوف من الموت هو ما أتحدث عنه الآن، لكنه الخوف من النقطة التي تبقى دائماً في زجاجة الويسكي بعد فراغها، والتي مهما حاولت تصفية الزجاجة لن تعثر عليها. ستفاجئك نقطة الويسكي إذا احتفظت بالزجاجة ثم أملتها بعد شهور بحضور جاهدت في تصفيته. قد أشربها وأنا أعرف أنها لن تؤثر في. قد أتركها كما هي. لكن مفهوم الضحية سيستدعي مفهوم الجلاد. سأراهما معا. وتكون دلائل الجريمة دون جدوى. سقطت بالتقادم.
استطرادات لا مبرر لها: محض ثرثرة سكارى.
- هل هو النبيذ أم الأنبذة؟ النبيذ الذي أغرق فيه رأسي المرح أيام السفر أم الذي تتراكم زجاجاته الفارغة في شرفة بيتي؟ ما يمكنني شراؤه وبعدها سأعد ما تبقى لي من جنيهات؟ أفاضل بين شرائه وامتلاء ثلاجتي بالطعام أو شراء ملابس جديدة أو ركوب تاكسي بدلاً من الأتوبيس…إلخ. يظل الاختيار والمفاضلة قائمين حتى تأتي اللحظة التي تحسمهما لصالح اللاممكن، اللامتاح، لكنه المؤقت أيضاً الذي يصبح ممكناً فور حصولي على نقود جديدة، فور وصولي إلى منطقة القدرة على التبادل
- الاعتماد على الحدوس هو المشكلة، لعله خالق الفجوات، تنفلت منه لأنها كامنة في نسيجه، لا يصنعها، الصنعة هي المفارقة، هي التسليم بأن الرفاهية تساوي المعرفة.
- لم تتجاوز معرفتي بالويسكي الـ Blended ويسكي، لم أكن أعرف أن ثمة ما يدعى بالـ Unblended ويسكي، ظننت طويلاً أنني بالشيفاز والأولدبار قد وصلت إلى أقصى حدود الرفاهية، لكن صديقاً لي أراني ذات سهرة الـ Unblended واقترح أن أجربه، فترددت، قلت: سأستمر مع الشيفاز. لم يلح، قالها لمرة واحدة على مدى صداقتنا.
مجازات *
أولاً: إلقاء الشباك
المسألة بحذافيرها كانت موجودة في الكتب شرط القراءة: لا تصدق الكتب ربما لم تتعد ـ مراراً ـ قدم صائد بدائي عارية وممشوقة موضوعة برهافة فوق فريسته تذكّر الصورة لابد للأفكار من عبور سريع لا وقت لتأمل كل شيء ولن يمكننا أن نطأ ذكرياتنا وأن نلمس طيات لحمها حيث تنغرس أقدامنا بالفعل ـ وليس علي سبيل المجاز ـ لسنا بدائيين إلى ذلك الحد وقد تعلّمنا أن الترجمة الحرفية صيد لم يزل مضرجاً في دمائه أن المجاز ليس انزياحاً وإنما خرائط للأفق لم تؤرشف بالعناية الواجبة. ربما نكون في استرخاءاتنا العديدة قد لُكنا كلمات منتفشة كي نفقدها سكرها الفج ولا تنكر أنك مضغت أحلامك ـ مثلي ـ كحصان وضع له قدر واف من العشب كانت لدينا أحياناً أوقات لتدبر القماش المهلهل الذي يداري سوءة صياد هو ما حدثتكم عنه منذ قليل ولتحسس سخونة طيات اللحم لذكريات ـ حدثتكم عنها منذ قليل أيضاً ـ ربما.. كانت الدماء بلا رائحة حتى إننا لم نستدع بحراً واحداً أو أسماكا طازجة الموت المسألة بحذافيرها كما قرأناها ولم تزل الشباك معلّقة تنقط على خشب الكبائن
ثانياً: ماذا بعد إلقاء الشباك سوى انتظار الفرائس؟
ها أنت تكتبين تبحثين عن أشد كلماتك شيخوخة وتعلقينها كعمامة وحدها على رأس الصفحة أحياناً، تختلين بـ"فاطمة" وتقولين لها: نحن الآن وحدنا لكنها ستقفز كسمكة في زجاجاتك وستفرحين بانفلاتها يكون الزجاج بارداً تحت كفك ويكون الماء خليطاً من الألوان كلما تتحرك.
ثالثاً: أشياء عَلُقت بالشباك كان لا بد من تنظيفها
عسى أن نتخفف هؤلاء يمكن أن نخبئهم بين طيات الكتب وهؤلاء سنخبِّط بهم على المناضد كلما سخُنت الأحاديث أما أسرّتنا حيث انتبهت أعضاؤهم فلا تريد أن تأخذ شكل أجسادنا مطلقاً برغم أننا نصعد ونصعد لنهوى فوقها من أعلى قمة ممكنة وبرغم أن العجائن تتخمر في كفوفنا ونحن نفكر في تشكيلها.
رابعاً: رفع الشباك قبل أوانها
الدرس الأول: كيف تكون صبوراً كصائد محترف؟ ما يلي هو ما حصلتُ عليه: الملامح الخارجية: الآتون مع الآلهة لابسون ملابس المسلسل التاريخي ولا يُسمع صوتُ صنادلهم علي موكيت الأستوديو نصحوكَ بالعدول كان قفصك الصدري ينحني كقوس ويتدرب علي النيشان. الوجه الذي بدا خياله خلف الزجاج راودته مغامرة الاقتحام ليكون في منتصف المشهد ويغير السيناريو ولأن يدك قد تدربت طويلاً على إغلاق المفاتيح لم تستطع أن تميز بينها وبين الألم وخشيتَ أن تنتشلها. ................ لم تغفر لنفسك أبداً أنك نسيتها هناك.
التفاصيل تصنع حكاية
كنت أعرف أنه خائف وكنت أعرف أنه يعرف أنني خائفة. فكرت في ذلك الشاب المجهد الذي وقف يلقي شعره في أضيق حجرة ممكنة وحين فوجئ بي أنصت عند الباب لمع ضوء فوق نظارته، ضوء لا يعني سوى أنه اضطر إلى أن يحول عينيه عن ثلاثة آخرين كانوا أكثر إنصاتاً له. قال إنه بعد رحيلي سيشتري كوباً مثل هذه ضيقة من أسفل وتتسع كزهرة اللوتس. وسيبحث عن هذا النوع من البيرة ليتذكر مذاق جسدي، كان الجرسون يغير الكوب الفارغ وكان ضابط الجوازات يقارن بين وجهي وصورة الباسبور.
فندق
سيعطيكِ الفاتورة ثم يرجوك ـ كجنتلمان ـ ألا تنظري فيها، سيؤكد لك أنه لم يفعل ذلك إلا لأنه يخشى أن يطالبك بها الفندق مرة أخرى. في المطعم سيحدثك عن التضحيات التي بذلها من أجلك، وسيتجاهل ـ للمرة الأولى ـ عدم تعاطفك.
ارتداء الملابس لا يعني ـ غالبا ـ أن المرء أو المرأة قد تمكن من استعادة جسده لكنه يتيح له على الأقل إعادة تأويله، يفكر الإنسان بأن يريح لحظات تشبه أصابع متشنجة على وسادات الماضي، يمنحها امتداداً وربما يغرس تلك الأصابع بين لحظة وأخرى ليراقب رحلة الغور القصيرة حتى تعاود الأقمشة تسطحها. نحن هكذا، مولعون بألعاب السحرة، خائبون فيها، لأنك حين تغطي ذلك الصندوق بوشاح أسود ستقف أمامه لتحاول تذكر برامج السحرة في التلفزيون، ستتردد من أين تجذب الوشاح ما السرعة الواجبة حتى يتبدى الجسد المغروسة فيه النصال لامعاً دون خدش واحد، ولأنني أعرف أن احتمال الدماء غير وارد على الإطلاق فإن وقتاً طويلاً قد يمر قبل أن أقرر جذب الوشاح لكنني سأستغرق تماماً في التفكير وأنا ألمُّ من الحجرة ما بعثرته مقصات المونتاج.
شرائح نيجاتيف جديرة بالفرجة كان عليه أن يعلمها كيف تصطاد الجسم الرخو من فم القوقعة، وأن يوصلها إلى المنزل ويقول: احلمي بي، قال لها أيضاً: كل الأشياء تتكرر لكن ماذا سأفعل بعد رحيلك، قال أخيراً: هل قال لك أحد من قبل أنك نرجسية؟
خامساً: سمكة ملونة ترغمني على الاحتفاظ بها لن آكلها
أوصاني أن أذرو رماد جثته ثم أجمع النثار من الطرق لم تكن المهمة مستحيلة كما تصورتُ وكنت كلما مشيت أرى الذرات تبقِّع الأرض فأقشرها وألقيها في سلة حتى ملأت سلتين دفنتهما بجواره ونمت في الصباح كانت الديدان تنهش يديَّ وكانت عظامها تشبه تماماً سلتين فارغتين.
* مقاطع من عمل شعري مركب
فاطمة قنديل
* من مواليد القاهرة في العام 1958. * نالت درجة الماجستير عن أطروحتها حول "التناص في شعر السبعينيات" من جامعة القاهرة في العام 1998. * نالت درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة عن أطروحتها حول "شعرية الكتابة النثرية عند جبران خليل جبران"، جامعة القاهرة 2006. * عملت في الفترة من 1990 – 1999 كمدير لتحرير مجلة "فصول" للنقد الأدبي التي تصدر بالقاهرة. * عُرضت لها مسرحية شعرية على مسرح الغرفة بعنوان "الليلة الثانية بعد الألف" 1991. * quandil_fa@yahoo.com
صدر لها:
* "عشان نقدر نعيش"، مجموعة شعرية بالعامية المصرية، 1984. * "حظر التجول"، 1987. * "صمت قطنة مبتلة"، دار شرقيات 1995. * "التناص في شعر السبعينيات"، أطروحة ماجستير، سلسلة "كتابات نقدية"، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 1998.
تحت الطبع:
* "العبور فوق الجسر"، مجمو _________________ حسن بلم | |
| | | | ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2013-08-20, 11:46 am | | محمد متولي
أنا الآخر دخلت سيمفونية مرتجلة
مترنحاً ينزف البيانو مقطوعة وقد تذيب الجليد الكريستالي الذي عشش في إصبعه الحجري. بينما أكتب ثدياً يترنحُ من بركةٍ حتى السديم, دفئاً في حُلةٍ أرجوانيةٍ يستوعبُ لغةَ الأفق لا تعزفُهُ العذراء الْمُوسيقى خلفيةٌ ...لا أكثر غرف ضبابيةٌ وبطلٌ يرسم الإناث وأعضاءً تناسلية ثم يصدق تأويل الرّبِ حين يقطف شهوته ويَنْشقُ الضباب، ويحشو أنفه وفمه ثم يفكر:
هل يفصلُ رأسَه أم يعيد صياغة الجدران؟ الْمُوسيقى خلفيةٌ ...لا أكثر عابرة تنضج تذكاراتٍ وحرائقَ على زُجاجِ الْحانة تَذْكُرُ أُمّها حين الولادةِ .. بعد الولادةِ لا تطوح حبلها السري ... تصطاد نُجيماتٍ .... تبعثرها على المائدة وتَرقُب عابراً قد يُورق في ارتعاشها الْمُوسيقى: خلفيةٌ لا أكثر. عابرة ستلبس وردة أو حصاناً أو طائراً قرمزياً يحمل نصف شمس على جناحه الشمعي، تلج بسلالها الْملأى بالنّجوم الطازجة، تسكب ألونها الصارخة على وجهٍ لا تعيه، وقد تُقشّر الرماد عن أصابعه دونما سؤالٍ عن اتجاه سبابته وربما يدهشها فمه الْمُحَنَّط فتضحك بينما تحشوه بالأوراق، تدير له اسطوانتها الشاعرية ثم تشرع في تلقينه رقصتها حيث ترش الإضاءة بقليل من الأزرق، وتُخبره - حين يُضيء جسده احمراراً – أنها في حضْنه بعيدة عن اللصوص، تعود ترتدي وردة أو حصاناً... ولن تبرر هيئتها لأنها تمضي سريعاً أو لأنها امرأة تطرق بابك في الليل.
Some Philanthropist
هذا البدين الطيب العينين الذي يفضل الإنزواء على أحد المقاعد المشمسة صباح يوم عطلته ماسحاً بكرشه عدسة الكاميرا – صديقته الوحيدة – المعلقة في رقبته ليصور جرواً يَزُكُّ بين الحشائش سيسعده أن يتبادل معك ابتسامة صباحية وأنت في طريقك إلى عمل – يقدر هو أهميته – لذا سيغفر لك عدم قدرتك على تمضية وقت أكبر معه رغم أنك لم تدرجه على الإطلاق في جدول أعمالك في صغره علَّقت له أمه المفتاح في رقبته حتى لا يضيعه ثم علق له الطبيب نظارة لتصحيح ما تراه عيناه من أوهام لكنه لم يتوقف عن عادته في أن ينسب صورتك لأي شيء مبهج حتى يحبك استدرجته مرة حتى أخرج ما بجعبته من أشعار رومانسية يعتز بها كثيراً ثم سخرت منها بنية حسنة فبكى بعد أن مشيت ولم ير أحد دموعه لكي يخبرك أظن أنه لن يحتفي كثيراً بنيتك المضمرة في أن تستخدمه كشخصية فنية في أحد أعمالك وسيسعد أكثر لو لم تنس أن تلقي عليه ابتسامة الصباح.
محمد متولي
* من مواليد القاهرة في العام 1972. * يعمل في التليفزيون المصري كمترجم عن اللغة الإنجليزية. * شارك في إصدار مجلة "الجراد" أوائل تسعينيات القرن الماضي. * شارك المترجم المصري د. محمد عناني في تقديم وترجمة أنطولوجيا للشعراء المصريين الجدد إلى اللغة الإنجليزية صدرت تحت عنوان "أصوات غاضبة - angry Voices" عن جامعة أركنساس الأمريكية في العام 1993. * diwan.ef@hotmail.com
صدر له:
* "حدث ذات مرة أن"، جائزة يوسف الخال الأولى في الشعر، بيروت 1992.
إيمان مرسال
ليس هذا برتقالاً يا حبيبتي
طيران
أجلس أمام المرآة، في تدريبٍ شاقٍ لإزالة الرائحة التي تركتها شفتان على عنقي وبرغم أنه لا حاجة لتوثيق الحُزن لا يفوتُني أن أحسبَ دموعي بحجم المناديل الورقية التي أسقطتُها في سلّة المهملات فأرى عينيّ أجملَ من تصوّراتي عنهما وأفكِّرُ أن الفهمَ أجملُ من التسامح وأنني كنتُ معك في رحلةٍ إلى مكانٍ مقدّس كنتُ في زيّ أميرةٍ فرنسيةٍ من القرن السادس عَشَر عندما أخذتَني بعيداً عن الدير كنتَ تدفعني لصعود سُلَّمٍ رأسيٍّ معلّقٍ على الهواء ولمّا كان هذا مستحيلاً مع كل هذه الكرانيش كنتُ أخلع جيبوناتٍ دائريةٍ وأصْعَدُ شدّادات للصدر أحزمةً على شكل فُيونكات تتحوّل إلى فراشاتٍ ميّتةٍ عندما أفكّها وأصْعَدُ في أعلى سُلّمةٍ كنتُ عاريةً تحت رذاذٍ خفيفٍ لم أجدْكَ واستيقظتُ في سريرٍ آخر. لأصدّق أن هناك دائماً ما هو أكثرَ من الصواب وأتأمل جِلدي حيث لا شيءَ يلتصق به فقط أزداد نحولاً كأنني أُجهّز نفسي لطيرانٍ ذاتي.
بلياردو
لا أظنَّه الطريقَ الزراعيّ الذي يمرُّ ببيت أهلي ولا الشارع الممتلئ بمقاهي النخبةِفي وَسْط العاصمة. الحرائقُ انتهت قبل أن أستيقظ. ليس هناك جثثٌ أظنها ساحت مع الأكواب والصور التذكارية والنوافذِ المغلقةِ والمواربةِ والمفتوحة. أنت أمامي بملابسك النظيفة إلى درجة القسوة أشمّكَ وأعرف أن الأقدام التي داست على الدنيا لم تمنعك من الاحتفاظ برائحتك. تُقدم لي سلّة برتقالٍ بابتسامة بحارٍ وصل إلى الميناء لتوّه فأُذكّركَ بكراهيتي له - "ليس هذا برتقالاً يا حبيبتي" أفكّر أن العالم انتهى أن أسناننا لا تَقْوى على مضْغ هذه المواد الصلبة فنبدأ باستعمالها كبديلٍ لكُريَّات البلياردو حيث الأنقاض الكونيةُ تصلُح لصُنع ترابيزة ملساء وعصا، وستُّ حُفرٍ عميقةٍ بينها مسافاتٌ متساوية.
الرغبة
ممددةٌ في تابوتٍ أوسعَ منّي والورود التي يُلقونها فوقي لا تدفعني لحكّ جسدي بالأظافر. مسامُّ أصدقائي مفتوحةٌ لكتابة قصائد جديدة عن حُرية الموت بلا مُقدّمات مفهومة عن الراحة التي تشملنا عندما يموتُ شخصٌ لم يكن لدينا الوقت لنحبَّه. أنت واقف عند قدميّ لا أتذكّر علاقةً ما بينكما، لم تزل أطول مني ولم يزل ذلك قادراً على تجديد أحقادي. يبدو أنهم أغلقوا ما بين فخذيّ بقُطنةٍ بيضاءَ وهذا يكشفُ الخطأَ الكلاسيكيّ الذي قَصَرَ مخاوفنا على البَتْر. مرّةً انتبهتُ لحظةَ اكتمالِ بهجتكَ بينما أتابعُ سُرعة نبضي وأنا أجري إلى رصيفٍ مُقابل. الرغبةُ التي فشلتُ في استحضارِها تنفجرُ الآن في نقطةٍ عمياءَ ولأجلِكَ، أكنسُ حيَادَ وجهي وأضعُ الشَّبَقَ بلمساتٍ محسوبة. التابوت يسعنا معاً أشكُّ في حُزنكَ أنت واقفٌ ما زلتَ على قدميكَ أنيقٌ وأنا لم أُفكّر- للأسف - أن أموت قبلك.
مقاطع من "جغرافيا بديلة"
لماذا جاءت إلى البلاد الجديدة؟ هذه المومياء؛ موضوع الفُرجة ترقد بزينتها في كتّانٍ رماديّ: حياةٌ متخيلةٌ في فترينة متحف. أظن أن التحنيط مسألةٌ ضد الخلود لأن الجسد لن يكون أبداً جزءاً من وردة. المومياء لم تختر هجرتها بينما هؤلاء الذين انتظروا طويلاً في طوابير السفارات، وبنوا بيوتاً في بلادٍ أخرى، يحلمون بالعودة عندما يصبحون جثثاً يجب أن تحملونا إلى هناك ـ هكذا يتركون الوصايا في أعناق أولادهم ـ كأن الموت هويةٌ ناقصةٌ لا تكتمل إلا في مقبرة الأُسرة.
***
هنا أيضاً أشجارٌ خضراء تقف تحت ضغط الثلج، وأنهارٌ لا يتعانق بجانبها عشاقٌ خلسة، بل يجري بموازاتها رياضيون مع كلابهم في صباح الأحد، دون أن ينتبهوا للمياه التي تجمدت من الوحدة. ومهاجرون لم يتدربوا على محبة الطبيعة ولكنّهم يصدّقون أن نسبةَ التلوث أقل، وأن بإمكانهم إطالة أعمارهم بمضغ الأوكسجين قبل النوم عبر كبسولاتٍ هوائية.
***
لماذا لم ينسوا أنهم من هناك؟ الغرباءُ الفَشَلةُ يدرّبون عضلات أفواههم على التخلّص من اللكنة، اللكنة هي المرض الوراثي الشفّاف الذي يفضحهم، يقفز عندما يغضبون فينسون كيف يضعون أحزانهم في لغةٍ أجنبيةٍ اللكنةُ لا تموت، ولكن الغرباءَ حفارو قبورٍ بجدارة يعلّقون على باب الثلاجة أسماء من ماتوا من الأهل حتى لا يخطئوا ويطلبوهم في التليفون. ويدفعون رُبع أجورهم لشركات الاتصال ليتأكدوا أنهم موجودون في مكانٍِ يمكن تحديده ببعده عن الطفولة لماذا لم ينسوا؟
***
يجب شراء organic food ولكني منذ ساعة أتأمل صورة أمي جالسة على عتبة دار أبيها التي لم تعد هناك ؛ أقصد العتبة، رغم أن أمي نفسها لم تعد هناك. لا أحد يمرّ في الشارع لأن العربات تدخل وتخرج بالريموت كنترول. كنتُ قد اشتريتُ هذا البيت الذي لا يمكنني الجلوس على عتبته من أرملة نحاتٍ أسبانيّ، كان قد بناه على أرضِ تؤول إلى مهاجرٍ أوكرانيّ أعطتها له الحكومة الكنديّة بعد نزعها من الهنود الحُمر ؛ لكي تقيم مدينةً فيها عدة جامعات وعشرات من الشوبنج مول وآلاف مثلي يعرفون الفوائدَ الصحيةَ للأورجانيك فوود ويمتلكون عربات تدخل وتخرج بالريموت كنترول.
***
في ست خطواتٍ فقط، يكتب المغترب رسالةً ناجحةً إلى الأهلِ: - يختار لحظةً لا يفتقدهم فيها. - يجلس وظهره للشارع لأن الحوائط أكثر حيادية. - يوزّع السلامات بدقة. - يستحضر المجازات التي تربَّى عليها، المجازات التي ظن أنه لن يلمسها يوماً مثل (أحبكم عدد نجوم السماء وعدد حبات الرمال وأشتاق إليكم كما يشتاق العطشان إلى الماء والعليل إلى الدواء والغريب إلى الوطن). - يتفادى ذكر تفاصيله اليومية لأنه لا يعرف كيف سيؤوّلونها. - يكرّر"الحمد لله" كثيراً حتى يطمئنوا على إيمانه.
***
ما تعلّمتَهُ هنا لا يختلف عمّا تعلّمتَهُ هناك: _ القراءةَ كتذكرةِ مرورٍ إلى تغييبِ الواقع. _ تخْبِئةَ الخجلِ تحت ألفاظٍ بذيئةٍ. _ إخفاءَ الضعفِ عبر إطالة الأظافر. _ تسريبَ الأرق في التدخين دائماً وفي ترتيب الأدراج أحياناً. _ توفيرَ ثلاثة أنواع من قطرة العيون من أجل توضيح الرؤية ثم الاستمتاع بالعمى. والأهم، تلك اللحظة الرائعة من إغماض الجفون على حريق. هنا وهناك تبدو الحياة وكأنها موجودةٌ فقط لتُراقَب من بعيد.
***
دقائق وتدخُلك السَّكينةُ التي لا يبحث عنها أحدٌ فقط اترك رأسَكَ تحت الماء كيف؟ الفكرة التي تبرق مثل لؤلؤةٍ في سلة مهملات؟ كيف تُهدِرُها هكذا؟ إنها فكرتك أنت؛ مختلفةٌ عنك وأصيلةٌ، هذه الثواني ليست معدودات ؛ إنها النصلُ الفاصلُ بين زمنين تذكّر الأطباقَ القذرةَ في المطبخ... البريدَ الذي يحمل إعلانات، المصابيحَ التي تسلِّط نفسها في حدقتيك... الرحمةُ التي لم تعرف أنك تبحث عنها. معك. ستدخل إلى رئتيك إذا تركتَ جسدَك يهبط، يهبط للقاع... تحت الماءِ ثواني أخرى، لا حاجة للخوف الزمن لن يفعل شيئاً على الإطلاق لن يجعل لشجاعتك ثقلاً يأخذك لأسفل الزمن ليس مهماً، إنه مجرد زمن.
***
في قارةٍ أخرى، تركتَ أعداءً مساكين، يجب أن تخجل من نفسك عندما تتذكرهم لا شيء يغضبك الآن، من الصعب أن تقابل شيوعياً كلاسيكياً هنا، حتى إنهم يضعون ساعةً في المكاتب العمومية بدلاً من صورة الرئيس. ربما يكون كابوساً أن تقضي يوماً كهذا تحت تأثير المهدئات. لا شيء جدير بأن تتمرد عليه. أنت مرْضيٌّ وميتٌ والحياةُ من حولكَ تبدو مثل يدٍٍ رحيمةٍ أضاءت الغرفةَ لعجوزٍٍ أعمى ليتمكّن من قراءة الماضي.
إيمان مرسال:
* من مواليد قرية "ميت عدلان" بدلتا مصر في نوفمبر 1966. * حصلت على درجة الماجستير بتقدير ممتاز من جامعة القاهرة عن رسالتها حول "التناص الصوفي في شعر أدونيس" في العام 1998. * تُدَرِّس اللغة العربية والأدب العربي بجامعة ألبيرتا منذ العام 1999. * تعد منذ العام 2002 رسالة للحصول على درجة الدكتوراة من جامعة القاهرة بعنوان "صورة أمريكا في أدب الرحلة العربي". * imanmersal@hotmail.com
صدر لها:
* "اتصافات" دار الغد، القاهرة 1990."ممر معتم يصلح لتعلم الرقص"، دار شرقيات، القاهرة الطبعة أولى 1995 والثانية 2006. * "المشي لأطول وقت ممكن"، دار شرقيات، القاهرة 1997. * "جغرافيا بديلة"، دار شرقيات، القاهرة 2006.
علي منصور
يوم بعيد
مشيتها تماماً، من الخلف تنورتها .. القصيرة الملونة حقيبة يدها، والشارع ذاته يا إلهي!! حتى السماء ملبدة بالغيوم مثل ذاك اليوم!! ... بعد قليل ـ على الرصيف ذاته ـ بائع الكولا ربما لا يزال هو نفسه ... البائع العجوز خلفه ـ تماماً ـ يبدأ الممر الممر الصغير بين العمارتين ذاتهما هنالك المقاعد القديمة والظلال الدائمة . ترى .. من ينتظر هناك الآن ـ بذات اللهفة ـ غافلاً عن لذة المستقبل!!
بدلاً من
كان من الممكن، جداً أن آخذه هكذا، في عناق طويل. وأهزه، غير مصدق كأننا رفاق حرب قدامى. وكان من الممكن، أن تغافلنا القهوة ... وتبرد، بينما يضيق الوقت عن حكاياتنا، بدلاً من هذا الرعب الذي تملكني، مذ جلس قبالتي هكذا، هذا الغريب، وبدأ يحدق من ركنه القصي، مع أنني، والله العظيم، طيب جداً، وصالح لبلادي!!
ربما سهواً
جربوا مرة، أيها الرجال، أن تساعدوا زوجاتكم في المطابخ. ربما سهواً تمسحون الغبار عن ذكرى قديمة إذ يسقط الكأس هكذا على غرة فتصحو الزهرة (البلاستك)، وتهتز الستارة. جربوا، لن تخسروا شيئاً، ربما خلسة يراكم الصغار هكذا، متلبسين فيطمئن اللعب على سلم العمارة بينما .. يتهيأ السرير لحظه .. من جديد.
قبل أن ..
قبل أن نرفع سماعة الهاتف ونهمس بمعذرة مؤجلة. قبل أن نطرق باب جيراننا بحنان بالغ في غير يوم عيد. قبل أن نومىء بامتنان لسائق الحافلة ونحن على السلم . قبل أن نقدم شاي الصبح - فرحين - لساعي البريد. وقبل أن نفرغ من حماقة أخيرة يحدث ... أن نموت !!
حدث كثيراً
وأنا أقبلك وأنا أعبر بك الإشارة وسط العربات وأنا أمتن بعيني لأصابعك الفرحاتة. وأنا أنتظرك في محطة المترو، قرب هاتف العملة . وأنا حائر بين دبوسين لمعطفك الشتوي، في محل صغير. وأنا أمر أمام مدرستك الثانوية، حيث اختلسنا الدقائق المرتبكة. وأنا أفكر فيك عارية أو بقميصك الخفيف في المطبخ. نسيت .. أن أغادر القطار في المحطة، مساء أمس الأول .
يتزوجن أولاً
لا تحسدن الغلام الجميل أيتها النسوة الغلام الذي شعره ناعم وعيناه خضراوان. دائماً .. يضج جسده بالبهجة، دائماً فلا تحسدنه غدا ... سوف تمر شاحنتان مسرعتان فوق أبيه في السيارة الجديدة ولن تلمحنه هكذا، ثانية مع أخواته الأربع .
تذكرت الليلة الشتوية
مات الرجل الذي هتفت ضده، وأنا طالب!! مات هكذا، بعيداً وقد تخطى الثمانين. حزنت فجأة، وأنا أقرأ الخبر وتذكرت السور الحديدى الذي لا يزال قائماً.. هناك تذكرت الليلة الشتوية.. والبناء المقابل. حيث الجراج الذي احتمينا بداخله من القنابل المسيلة للدموع، والحارس .. الحارس الذي لملم معي كراريسي المبعثرة .. حتى الآن !!
من آن إلى آخر
أصدقاؤنا الذين يرحلون فجأة تاركين مهمة إبلاغنا برحيلهم لهاتف .. أو صحيفة. أصدقاؤنا، أولئك الطيبون، كأنما - بهكذا رحيل - يقولون لنا "انتبهوا" دون جدوى، يقولون لنا "انتبهوا" هم أنفسهم ـ ياللأسى ـ لم يكونوا من قبل منتبهين.
هذه اللحظات
اللحظات التي نختلسها، هكذا على عجل. اللحظات التي لا تخلو أبداً من الاضطراب ذاته. اللحظات التي تمر بنا ونحن مرتبكان نفس الارتباك. اللحظات، اللحظات التي نترقبها كل يوم، أو كل يومين أين تذهب هذه اللحظات بعد أن تمر بنا. إلى أي غور آمن تذهب، وتنام هذه اللآلىء. تماماً، كأنها تعرف: سنخلو، كلا على حدة، في الليل ونوقظها ثانية: عصافير خضراء قرب بحيرة صافية.
يحدث
بينما لا فرق بين الخميس، والأربعاء. بينما لا يأمل المرء في جديد، مع الجمعة. بينما الكوكب في مداره، والرواتب كعادتها .. علامة انقضاء شهر. بينما نشرات الأخبار ـ في اللغات كلها ـ تبث أنباء بشرية تعسة. وبينما الذين في بيوتهم يشاهدون الذين في العراء. بينما لا يعرف الواحد هل يبكي .. أم يبكي. بينما الدنيا كذلك .. يحدث .. أن يفاجأ نبت .. بزخة مطر، أو ترتعش روح .. على رنين هاتف!!
سعادة ممكنة
لا تضيع الفرصة، أيها القلب وحافظ على الكلمات. هنا، قرب عتبة البيت، سوف نغرس .. ( لا تغب عنا طويلاً ) . وفي الشرفة التي أطلت ـ في غفلة منا ـ على الوحشة ، سوف نسقي .. (ظل معي، ولو قليلاً ). سنربي سعادتنا بأيدينا، ونحرسها، في هذا الركن الصامت، من البيت . سننسق .. ( كم أنت جميل يا حبيبي ) كل صباح . وقبل أن ننام .. سنمسح بأيدينا على .. ( دمت لي، يا حبيبتي ) .
الحرب غداً
دعوا الأصابع في نزهتها دعوها .. ترش الروح بعطر يوم عطلة. دعوها تمتن للوداع إذ يوزع السهوم أصصاً للتذكارات . دعوها تقبل الوجه البعيد البعيد، بينما تصب الشاي. دعوها تحي ذكرى ربتة حيرت الوصف. دعوها تدير مؤشر المذياع مرة تجاه الشتاء .. وأخرى تجاه الصيف. دعوها تحلم حتى تزهر الستائر قبل بدء العصف.
فقط في أبريل
ما الذي سوف يحدث؟! .......... ( لن يتعطل المترو، لن ينقطع التيار، أو تفسد المراوح. لن تتدهور قيمة الجنيه، أو تتهاوى عمارة الجيران. لن يختفي من بيننا ـ فجأة ـ مواطنون أبرياء. لن تختنق دموع بشكوى .. ولن ترتبك السياسات . لن تتفشى البطالة.. أو السرقة، ولن يعترض البنك الدولي!!) ............... ما الذي سوف يحدث؟! لو أني ابتسمت لها، تلك الجميلة التي إلى جواري وفي لطف سألت : ـ كم الساعة ؟! ثم امتننت، ثم ترقرقت حتى وصلت اسمها .. كى أقول لها: كم أنت جميلة .. ونادرة . ................ ما الذي سوف يحدث؟! لو أني، فقط، همست بحزني .. لحفيف ثوبها قبل أن تهم بالنزول، ثم امتننت ـ من جديد ـ لإرهاق المواصلات!!
على رصيف قطار في محطة بعيدة
لم يتجاوز الثامنة عشر بعد، الفتى الذي به بعض اضطراب. ذو الملابس النظيفة، تفوح منه رائحة الصابون الجيد. وإذ يبتسم بصدق خالص بينما يطقطق أصابع يديه إلى جوار حقيبة بنية كبيرة، فتأكد .. أن عينيه التقتا بعيني بنت الخال التي جاءت لوداعه أما، وهو ينصت لهمسة من أبيه، قبل دقائق من مغادرة القطار فتستطيع أن ترى الحنان يانعاً للغاية. كما أن الشبه البالغ بينهما ـ في مشهد جانبى ـ لا يمكن أبدا أن ينسيك أمه الصامتة قربهما أمه التي تفكر "سيوقظه دق قلبي، بإذن الله، عند كل فجر".
علي منصور
* من مواليد شبين القناطر بالقليوبية في العام 1956. * تخرج في كلية الصيدلة ـ جامعة القاهرة ـ 1979، حصل على درجة الماجستير في العلوم الصيدلية. * يعمل في مجال الرقابة الدوائية التابع لوزارة الصحة المصرية. * alimansoureg@yahoo.com
صدر له:
* "الفقراء ينهزمون في تجربة العشق" 1990. * "على بعد خطوة" 1992. * "وردة الكيمياء الجميلة" 1993. * "ثمة موسيقى تنزل السلالم" دار "شرقيات" 1995. * "عصافير خضراء قرب بحيرة صافية" دار "شرقيات" 1998. * "عشر نجمات لمساء وحيد" 2002. * "خيال مراهق ، وقصائد أخرى"، نشر خاص، 2003. * "الشيخ" دار "شرقيات" 2005. _________________ حسن بلم | |
| | | | ® مدير المنتدى ® رسالة sms : عدد المساهمات : 11575 الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى العمل : مهندس نوسا البحر : 2013-08-20, 11:54 am | | مهاب نصر
أغنية الحنان
أطاحت الخمرة بعشرة رؤوس في المقابل لم نخسر أرواحنا دخلنا بيوتنا كغرباء سهونا حتى صارت لنا لحي طويلة وحين توسط القمر وأصلح المغني أوتاره سطونا على غسيل الجيران آهاتنا العالية أمّنت ظهورنا في العودة دفعنا أبواباً، موائد، وكراسيّ بالأقدام أعماقنا حجارة خفيفة ومشطوفة نقذفها باتجاه البحر فتقفز على سطوح الأمواج ملسوعة وضاحكة نحن دببة الشعر الكسالى نجلس على مؤخراتنا ونتطوّح نتفلّى حتى تدمى الأصابع ويلكز بعضنا الآخر منادياً بالأسماء كي لا ننسى نروح إلى العالم بجفون ثقيلة وأحذية قذرة - أين مصروفنا؟ .... يا حنان آتنا بكتف المحب، وعكوته آتنا بالمخاصي يا حنان آتنا برأسه في مرقة من عينيه تسقط حبَّات البازلاء وعلى لسانه يختلط الحب بالجزر يا حنان آتنا بحبيبته لنضاجعها على السفود واحداً واحداً نسقط في النار ملامحنا ترق وتصفو يا حنان.. لا تنس أيضاً نحن أبناء عائلات نحن أبناء شياطين وقتلة يا حنان كانوا يمرون من هنا كان في استطاعة أحدهم أن يشعل لنا سجائر ويتبادل معنا كلمات الكلمات الكلمات كم هي معجزة نتكلم، وليست لنا كلمات نتكلم وبحة أفكارنا كسكين صدئة كسحابة من الندم محروسة بمزاليج وأقفال تجلجل نتكلم وليست لنا مصابيح يا حنان كان باستطاعة أحدهم أن يعتذر في عجلة - هه.. إن له اهتمامات في صحتك يا مانولي عشرة جنيهات تحترق في ثمالة الكأس عشرة أخرى من أجل صليبك دسسنا أيادينا في معاطف الصوف وحملناه على الشاحنة نهبط المدن عند الفجر بأنوف ترشح تلحس أقفاءنا أحلام باردة ونطيل الوقوف في المراحيض العامة لا أحد يفهمنا من أجلنا جرى الدم أسود وفي اجتماع الظهيرة حل الحزب نفسه القاتل كان منا طوح بزجاجة، وبكى عالم رياضيات، وعاشق فاشل وعلماء رياضيات قادمون من غرف ضيقة من القرن التاسع عشر من الحوائط مقشورة الطلاء المسجل عليها حسابات القيامة ودوائر الجحيم ودائماً بالابتسامة الملتوية لفم يعجز عن اكتناه المسرات يحلمون بسجون ذات أسوار عالية وأخرى مفتوحة على الصهد يحلمون بكرات الحديد تجر ظلالهم المسلسلة بانصعاق الروح أمام الحجارة البيضاء الرائعة بطرقات معول كونيّ لا يتوقف بشهقة الإلحاد في عمل يائس لا ينتهي عمل لا جدوى منه وداعاً يا مانولي شيء واحد معنا؛ أفكارنا لا.. ليست لنا أفكار وداعاً يا مانولي سنتزوج حتى تكون لنا أفكار وبعدها أيضاً سنحمل أخف الحقائب، وبلا حقائب من يدري كانسياب شلال كهباء يرى مرة واحدة كصفارة باخرة تميل عن الرصيف كلفتة توديع من القرن كشعر للفتنة كنشيد ....
قصائد
1
من أجلنا.. لا تحبيه سوف تظلين دائماً في خلاف مع العالم ولكن، في السمعة فقط الثورة؟ إنها تجعلك أشد تعاسة أما قدماك الخفيفتان فسوف يحولهما اليأس إلى صخرة وسوف نتراجع جميعاً من شدة الرعب. أرأيت؟ لا يقال أبداً: بجوار الماء سأعيش إذ ما يضمن للأفكار الخائفة تحت مجاديف الغرباء أن تجد بيتها، ووحدتها؟
2
- "يبدو أنه.." هكذا تبدأين عادة مغمضة العينين حتى أنني اعتقدت طويلاً أن لك نافذة أخرى هكذا، رحت أكرر نفس الشيء دون جدوى في الحقيقة، لقد جعلت مني أضحوكة كما أنني لم أفهم. والآن، بلا ماض، وبلا مستقبل كيف أرفع رأسي دون أن يشير إنسان: - إنه هو.. إنه هو.
3
كل هذا النهار وأنا أصفر هنا وهناك، طالعاً ونازلاً حتى أنني أشعر بالخجل من تكرار هذه الحقيقة لم أعرف من قبل كيف يمكن أن أفعل كيف يستطيع إنسان أن يتوقف عن العمل فجأة ويصفر كنت يائساً تماماً وأقول لنفسي: إن روحه تضيع من أجل لا شيء تصوري.. إنه يتبدد في الهواء يتبدد كلية ولا يستطيع إلا أن يواصل ............ الآن تجري الأمور بشكل أفضل إنني تقريباً لا أبذل أي مجهود ومن وقت لآخر حين أضم شفتي تميل إذن باتجاهي كما لو كنت سأنطق بشيء كما لو كنت أوشك على الغرق ولكنني لا أفعل ألم أقل لك لقد تغيرت كثيراً.
مهاب نصر:
* من مواليد الأسكندرية في العام 1962. * أصدر مجلة "الأربعائيون" في العام 1990 مع مجموعة من الكتاب لكنها توقفت بعد صدور ثلاثة أعداد. * يشرف حالياً على إصدار مجلة "أمكنة" المستقلة مع رفيقه الشاعر "علاء خالد". * يعمل بالتدريس في مدينة الأسكندرية. * diwan.ef@hotmail.com
صدر له:
* "أن يسرق طائر عينيك"، كتابات جديدة، الهيئة المصرية للكتاب، 1997.
زهرة يسري
لكل منا جحيمه
معنى أن تنجو أن تفيق في أي وقت فيقتحمك سطوع الضوء يرغمك الليل أن تصير جزءًا منه التماهي مع السواد يجعل عينيك وأسنانك كألق النجوم يصير قلبك جزءًا من الخشب الذي تجلس عليه تتوحد عيناك بعيني خروف قبل ذبحه وصوتك بنباح كلب ضال. معنى أن تنجو أن تتلوى مثل قطط الربيع على الرصيف المدبب بالليل والصمت. لكن لماذا يجب أن تنجو ويدك المرفوعة في الفراغ ما هي إلا يد في وضع التشبث المخيف.
إنه الليل
إنه الليل إنه الضوء الشاحب إنها الأشجار الواقفة بعيد الطبيعة تلقيك على شواطئها فتفرد ساقيك متطلعا إلى أبعد نقطة إنها النجوم القمر كيمياء الجسد إنه الوهم الإيهام أحراش الغابة الجدران العارية الغرف الدافئة إنه الوحل السرير الجدران الدافئة الغرف الباردة إنه الكون كل شيء ولا شيء هل هذا كاف لتضع يديك حول وجهي؟ من الممكن أن نستعين ببعض الجمل التمهيدية أن ننظر إلى القمر ما أجمل القمر الليلة أن نستند إلى شجرة غير ملتفتين إلى خشونة جزعها نتظاهر أن الذي يحز في عمودنا الفقري هو الرغبة من الممكن أن نصعد جبلا ثم نهبطه متسائلين كيف استوت الأرض فجأة؟ كيف أصبحنا وحيدين دون عائلة؟ معلقين من أرجلنا كساعة البندول كأننا لم نكن هنا من قبل كأننا ولدنا بالأمس يقف كل منا في مواجهة الآخر أنت تضع يديك حول وجهي وأنا أنظر في عينيك كذئبة عجوز تترك قطيعها هل تعرف ماذا تفعل الذئبة العجوز؟ كيف تتناطح الوعول في موسم التزاوج؟ هل رأيت زهرة تتفتح لأرجل الفراشات؟ إنه الليل فلا تغمض عينيك ضوءه الشاحب كاف لتضليل حواسنا.
الحافة المجازية لليأس
ركزي على موضع قدميك كأنكِ تهبطين جبلا شديد الانحدار إن فكرتِ لحظةً تنقلبي نحو الهاوية. هل أنتِ على حافة اليأس؟ الحافة المجازية لليأس !! بالأمس حلمتِ أنك تحملين جثتك في كيس بلاستيكي وأول أمس حلمتِ أنك كنت تبحثين عن مكان تخبئيها فيه كنتِ محرجة بسبب رائحتك شعرتِ بالخزي أمام أصدقائك الذين قالوا في صوت واحد: مكانكِ لم يعد هنا. بحثت يدُكِ عن زجاجة عطر بينما راقبت عيناك الديدان تنهش أصابعك حاولتِ النهوض لكن ساقيكِ ظلتا ممددتين حسنا يا أصدقاء أمهلوني قليلا فعقلي قد خانني وخرجت أعضائي عن السيطرة. كان لساني ثقيلا كجسر انهارت قوائمه فهوى في قاع نهر. رأيت روحي تتصاعد كخيط دخان وسمعت صوتي يعلن في لهجة من يستعد للحرب: حسنا يا أصدقاء إذا لم أجد مكاناً ستتولى الديدان المهمة. كنت أريد أن أقول: هذا ليس صوتي والديدان التي تأكل وجهي ليست ديدان، وأن وجهي ليس وجهي. لكن لساني كان ثقيلا كجسر هوى في قاع نهر... هل أنتِ على حافة اليأس؟ الحافة المجازية لليأس !! اليأس هو أن تستيقظ وعلى لسانك جملة من حلم أن تفكر في التتابع المغلوط للأحلام أن تتحول أعضاؤك إلى قطع غيار متهالكة. لا تفكري كثيراً عقلك مثل آلة زمن تقدم وتؤخر لكنها لا تقف أبدا عند موضع قدميها.
الخيال الفارغ
يسحبك إلى الداخل كحمار يجر عربة ثقيلة العربة ثقيلة والحمار يجر كأفضل حمار يجر عربة ثقيلة منطقياً إما أن تكوني الحمار أو العربة لكنك حسب امتياز ما فوق المنطق لا تستطيعين وضع العربة جانبا كما لا تستطيع العربة التخلي عن حمارها. قرص الشمس يدخل عينيك يحول خلاياك إلى غبش أبيض يصعقك البياض المتحد بالفراغ تقربين يدك تفردين أصابعك الخمس: هل هذه يدي ؟! يدي هي الحقيقة والحقيقة كبياض الثلج الذي يتلاشى. مجرد شخص مر من هنا.. ليصل إلى هناك أنتِ مجرد شخص تحركين الهواء بكتفيك عندما تتحركين حركة هينة -كأن تهمّي بالوقوف يفسح لك مكانا ليحتل جسمك جزءًا منه - هذا كل ما تستطيعين وما لا تستطيعين فأنتِ لا تُحركين الهواء، لكنه يتحرك عندما تتحركين وأنتِ لا تُدخلينه إلى أنفك عندما تغطسين في حوض الماء حتى تكاد رئتاك تختنقان - فيشُدك إلى السطح إنه الهواء تُدخلينه إليها تغطسين مرة أخرى مستمتعة بالاختناق الإرادي بصوت الضغط والفقاعات التي تتلاشى. صوتك مثل الفقاعات يعلو ويهبط كيفما كان فعندما ترغبين في الصراخ يضيع وعندما تهمسين يخرج حروفا متداخلة مشبعة برذاذ ونظرة غائمة. أنت مجرد شخص هذا هو كل شيء لم يخلص قدميه من مصيدة الحجر لم يخلص يديه من أصابعها لم يخلص فمه من لسانه يقف على كتفه ملاك قائلا: تألم .. مجرد ألم.. فالألم يصنع مجد الإنسان. شخص داس على تراب الطريق ينحني أحيانا ليملأ منه قبضته يعجنه بلعابه شاكراً الرب على معجزاته وحين يستيقظ ينظر إلى الشمس صائحاً يا هناك.. أنا هنا أنا ما زلت هنا.
زهرة يسري
* من مواليد القاهرة في العام 1974. * تعمل مدرسة للغة العربية بالقاهرة. * zahrayosry@yahoo.com
صدر لها:
* "زجاج يتكسَّر" سلسلة ديوان "الكتابة الأخرى" 1997. * "يلزم بعض الوقت" الهيئة المصرية العامة للكتاب 2001. * "نصف وعي" دار ميريت 2006.
تحت الطبع:
* كتاب: "أحلام سائلة".
أحمد يماني
الجسر
نام فوقه الجنود الأستراليون والأفارقة أثناء الحرب الثانية الأفارقة تحديداً كانوا يزأرون طوال الليل سمعتهم أمي ودون أن تعرف الغابة أكدت أنهم قادمون من هناك. نام تحته ضفدع كبير بدوره كان يؤرق نوم الخواجة "جرين" صاحب أشجار المانجو الوارفة. كان ذلك في الأربعينيات حينما كانت الحياة حياة كما أكد الجميع. الخطوات المتعاقبة أسقطت منه لوحاً رئيسياً دون أن يظهر أي مسمار الأقدام الحافية تعبر دون خوف. مع الأمطار يشبه ابنة الخواجةالسمينة البيضاء مع الرياح هو الطفل الذي يلبس جلباباً على اللحم في الحرارة ساق فلاح ويديه. كان ذلك في الأربعينيات حينما كانت الحياة حياة. عربات "الكارو"(33) شقيقاته الصغيرات يهدهدهن جيئة وذهاباً الدّرّاجات ليست في هذه المنزلة فقط يؤمن لها عبورها السريع لكنه يأس من هذا الغبار الغريب القادم من أشياء يسمونها نارية أو بخارية يأس حتى أسقط بنفسه أربعة ألواح دفعة واحدة. السبعينيات لم تكن سيئة تماماً عبرته مرات على كتف الأب بين ذراعي الأخ في يد الأم ومرات منفلتاً ضربت بأحجار صغيرة بعض أشجار المانجو صحيح أن الحجر لم يطل ثمرة واحدة لكن هناك من تسقط من نفسها كما أنني أحببت بنتاً بيضاء عاشت مع عائلتها في منزل الخواجة بعد رحيله. سنواتي العشر الأولى في السبعينيات كافية لأن تكون لي أيام أمصمص من أجلها شفتي وأترَّحم على الحياة حينما كانت الحياة حياة كما أكد الجميع.
أنا
كثير من الناس حدثوني عن نفسي صنعوا ملاقيط كبيرة لالتقاط شوائب روحي جعلوني قديساً أو تافهاً أو حتى مجرد عبقري صغير صنعوا كل شيء لأكون خارج غرفتي وضعوني في أسانسير مظلم وحركوني صعوداً وهبوطاً دون أن أفهم لماذا أحببت رطوبة هذا المكان وظلامه لماذا لم أختف من المبنى كلية وأبتسم لنفسي في مرآة الحمَّام أي حمَّام.
تحت شجرة العائلة
1
قادماً من الأرض البعيدة في القطار المفتوح وقدماه تتدليان من آخر عربة الرِجل اليسري أقصر بخمسة سنتيمترات لكن ذلك لا يهم كثيراً مادامت البلهارسيا قد ماتت في بدايتها. هبط المحروسة فعلاً وكل أسبوع تسمح زوجة الخال بليلة في غرفة الضيوف وعن الستة أيام الأخرى لم يتحدث أبداً.
2
الشابة التي تجرجر خلفها ثلاثة أطفال ولها أخوة وأبناء عم كيف ستتزوج هذا الأعرج؟ إنه يرتعش وحيداً في أقصى الحقل كلما جاءت كان يرى بنفسه كيف تنمو أعواد الذرة في نصف ساعة وكيف يغوص فيها ليخبىء جلبابه المهترئ.
3
معاً في هذا المنزل الطيني كلما نظر إلى السقف وجد خمسة عروق من الخشب وأتربة صغيرة تتدافع في بؤرة الضوء الخارجة بصعوبة من الحائط.
4
الأمطار غزيرة هذا الشتاء والفناء مكشوف اللصوص الذين لا يقدرون على دفع الباب؛ يمضون يائسين العتمة أكثر من قوية طوال الليل كانوا ينزحون الماء بصفائح قديمة ولا يغطون رؤوسهم أفراحهم تطير مع كل نقطة الطينة كافية لجذب أحدهم كلما حاول الخروج والشمس ستصلح كل شيء.
5
السرير النحاسي يطقطق عند أول لمسة على أعمدته الطويلة ستارة مربعة يحترس في كل مرة يصعد فيها لئلا تخونه قدماه بالملابس الخفيفة تبدأ مطاردات الليلة والحب مازال ينمو مع الخجل والاستسلام والصراخات المكتومة السرير يرتجف كل ليلة والنزول تدريجياً بالاستناد على الذراع اليمنى.
6
كائنات جديدة في البيت واحدة، اثنتان وثالث حشرات وزواحف نباتات وطيور حيوانات وبشر وقوارض أعياد دائمة للنمو والحصاد الطعام لكل فم وضحكات صغيرة تتسرب في شقوق الأرض.
7
الجميلتان الصغيرتان أول أكباد تسير على الأرض أول حديقة في دنيا الله كيف يمر على رأسيهما الدقيقتين هذا الغراب الناعق كيف يصيب حبة القلب في مقتل وكيف يرفع الصغيرتين إلى أعلى شجرة في السماء دون أن نبكي في صمت ذلك الرحيل المقدس.
8
البيت التائه في الخلاء المٌهْتزٌّ المٌتَكوَّن طوبة بعد أخرى الكافي الذي لا يصعد أحد إلى سطحه مجاور الخضرة ومستلِب الأنظار ابن البارحة ذو العمر القصير المضاء بأرواح طيبة الخفيف العاتي حائط الطين والقش آخر السلالة ومهبَط الأقدام الجائعة.
9
تأتأة حنانه لم تمنع عينيه الضيقتين من احتضان الجميع حين اكتشف فجأة أن أكثر من مائة شخص يتناوبون يأسه يومياً افتحي عينه أيتها الصغيرة واغسليها بـ"البريزولين"(34). توزيع اللبن مهمة شاقة مع الفجر يرتب الدراجة والوعاء مارقاً وسط الحقول حتى يلحقه الأسفلت. "أبو عجلة" كما أسمته النسوة السمينات خلف الدار أبوك الطيب افتحي عينيه ضعي يدك على ذقنه النابت اجذبيه خارج البيت ولا تتركيه حتى يضع لك الشمس في يمينك والقمر في يسارك.
10
أنا الفلاح ذو الأيدي الناعمة أنا عامل الحكومة وصديق الأرامل أنا رب البيت النائم ظهيرة كل يوم أنا زوج حبيبتي مجمع الحكايات حكاء التفاصيل الدقيقة أنا الرجل الذي فقد في مكان ما خمسة سنتيمترات من جسده.
11
الخضروات تموت على حافة الحقل ألقى المدنيون مخلفاتهم عليها صراخ الزوجة يغلق الشبابيك مؤقتاً هو وراءها بسكينه الطويلة الصدئة لكن الجاموسة الطيبة - وجه الخير - رفعت هذا العجوز الذي يلاطفها مرات ومرات فوق قرونها ليموت بعد ثلاثة أيام وجه الخير كيف يحيون من جسدها القاتل كيف يبيعون الألبان الدموية؟
12
كل ليلة يذهبون بالطوب الأحمر يخططون الأرض بأنفسهم مانحين البيت الجديد غرفاً متلاصقة كل يد مغروزة في الأسمنت في الليل يدبرون الأمر وفي النهار يرصُّون بلاطات ملونة على طول الأرضية وحنفيات بأحواض عالية في مستقبل قريب تليفزيون أبيض وأسود لمبات بيضاء في السقف وثلاثة أطفال في مدرسة مشتركة.
13
كل العصافير التي عششت في البيت القديم هدهدت أول صباح للبيت الجديد كلها تدور حول الشبابيك تصفر وتضحك لو أنها بالداخل ترتب أعشاشاً أخرى لو كل صباح مثل هذا لو يبتعد الحاسدون قليلاً وينمو البيت ثلاثة أدوار أخرى.
14
كبرنا معاً تحت الجدران نفسها المنزل نفسه كان يكبر معنا كلما تسندت على حائط سمع خشونة عظامك وحفظها في مسامه كل حلم رميته خارج البيت كان يرتد إليك كل أحلام داخله يرتبها يحقق الأسهل فالأصعب ولا يخذلك بتاتاً. ثلاثون عاماً في خدمة الحكومة والشعب لكنها مجرد أيام في الخارج في الحياة، في المواصلات العامة ظهرك انحنى قليلاً والعصى قدمك الثالثة انخفض شارب الصقر إلى الربع لكنها مجرد أيام في الخارج وحده البيت كان قبضتك وظهرك المفرود على أسرَّته عيونك التي تغلق الأبواب وفمك مكتمل الأسنان وموضع صرخاتك الآمرة.
15
من يراهن على فراش شاغر وعلى كلمات بدلاً من أنفاس لاهبة من يؤكد أن هذه الأنابيب المدسوسة في أنفي والليلَ قادران على تمضية الوقت وأنني في الصباح سأجد قدمي الضائعة من يراهن على فساد جسدي ويقوم من نفسه بخلع أنبوب واحد ليجعل صفارات الإنذار تزمجر على طول الممر.
16
تصفية مثالية لرجل جاوز الستين سحب ليالي البرد القارصة وخيالات الحقول إضافة دم ساخن تسبح فيه ضحكات متقطعة وظلال ممرضات شابات تبويب الجسم وضع سنادات إضافية والتخلي عن الزوائد ليعود دفعة واحدة وفي صباح باكر إلى الحياة.
17
مازلنا معاً تحت شجرة العائلة نقرفص وراء أيام أخرى أنت قلت :لقد جاءت الحياة يا أولادي بعدما كسرتُ أنفها وانتزعتُ منها خرم إبرة كبيرة تماسكوا جيداً سأدخلكم فيها بعدما أبلل خيطكم بفمي تماسكنا لكننا خرجنا من الناحية الأخرى بلعابك الذي يسرح في رؤوسنا. نمنا في البيت جميعاً لكن عيون إخوتي طارت إلى أشجار جديدة وبقيت عيوني تقيس ضغط الدم وانتظام ضربات القلب وتحشو فم العائلة بالكبسولات والمياه. أنت أيضاً تسير في الليل تتحرك من غرفة إلى أخرى تقتل أشباحاً ينقرون على الشباك تقتلهم بخبطة قدم واحدة تحت حذائك اللامع. أشباح ظلامك القادمون من الأرض البعيدة الذين لا يتوقفون عن التنقير والذين لا تكف عن سحقهم كأنك تمسك الخيط فعلاً وتدفعه في عين الحياة حتى تسيل دموعها كأن ذلك يحدث وكأننا موجودون معاً تحت شجرة واحدة.
أحمد يماني:
* من مواليد القاهرة في العام 1970. * مقيم في أسبانيا منذ العام 2001. * طالب بالدراسات العليا جامعة "كومبلوتنسي" بمدريد. * yamash@gmail.com
صدر له:
* "شوارع الأبيض والأسود"، طبعة خاصة 1995. * "تحت شجرة العائلة"، طبعة خاصة 1998. * "وردات في الرأس"، دار ميريت، القاهرة، 2001.
أشرف يوسف
عادة ما يستيقظ
عادةً ما ينامُ قبلَ أنْ تكتملَ علامةُ الاستفهام بنقطةٍ. يتأمَّلُ سقفاً يرتكزُ على الفراغِ المحيط به بلا برْواز يوشِكُ أنْ يكونَ ذاكرةً لضميرِ الغائب على حائطٍ بعيد.
ماذا لو أكملتْ قدماهُ خُطْوة ؟ أثناءَ مِشْوارهِ للسقوط على عجلاتِ الكرسيِّ المتحرِّكِ يتسعُ عالمُ الفـمِ بدون نقصانٍ بينما تعاقبَ ليلٌ ونهارٌ في شمعة
شارلي شابلن
أودُّ لو أقولُ كلمةً عن اليأس. لا أعرف. كلمةً عن أبٍ وأمٍّ في المقابر يحتضنان بعضَهما للبكاء لا أعرف. أودّ لو أقولُ كلمةً عن الزمن للباب والنوافذ. لا أعرف. كلمةً عن نفسي. أنا ... خائف.
متولي
بمقدار مِشْوارِه مع بشر مجهولينَ بالمنْفى ابتدأتْ مقابضُ للوهم المقدّس والمدنّسِ تحتَ جلدِ الفقيرِ "متولي". ينْهارُ بجوارِ "شفيقةَ" كالمنتصرِين - من قبل و من بعدِ انتهاءِ الزمن - احتراماً لخطيئةِ الإنسانِ الأوّل.
من الآنَ فصاعداً ، يكونُ "متولي" أسدَ الغابةِ بحنْجرةٍ إجباريةٍ بدلاً من أنْ يزْأرَ بها يُغنِّي لفريستهِ : " إنّهُ عالمٌ واحدٌ يا أختي." متولي
ضدّ شعارِ المرحلة
" أنقذوا إخوانَكم … " لافتةٌ مستفزةٌ لمسجونٍ يحلمُ طوالَ الوقتِ ببندقيتِه الحقيقية.
ما جدوى البندقية ؟ شعارُ المرحلةِ لحكوماتٍ تُلْقى ثانيةً بأسماكِها إلى البحر.
يحدثُ في ميدانٍ عام
بعدَ كلِّ مظاهرةٍ فاشلةٍ أكونُ عملاقاً. بسنِّ قلمي الرَّصاصِ أشطبُ قانونَ الطوارئ ، أشطبُ اسمي.
أرتِّبُ بلادي من جديد ؛ أبي بجوارِ أمي يتصافحانِ دليلاً على الثورة.
يا رفاقي الأعزاء : لستُ خائناً ، ولكنّني أرتجفُ من زئيرِ أسدينِ على جانبيّ كوبري " قصرِ النيل".
معجزةُ البُرْجُوازِيِّ الصغير
رُوحٌ مخبولةٌ لديْها طفلانِ ، وشمعةٌ تُوقِدُها أثناءَ وقتِ الظهيرةِ تروحُ ، وتجيءُ في الزحام كموجةٍ مطرودةٍ على الضفاف.
رُوحٌ مخبولةٌ أَمسكتْ بالبحرِ في كوبِ ماءِ يُغرقُ الحشائشَ الخضراءَ المُجاوِرةَ لحزبِ الأغلبيَّة ، بإمكانكَ أنْ تراها في أسوأ حالاتِها متصورةً ذلك تمجيداً للربِّ ، طيخ طاخ .... طيخ طاخ.
رُوحٌ مخبولةٌ تَنْتصِرُ لنفسِها بشريطِ كاسيت فارغٍ وَصَّفَ مليونَ عصفورٍ في حركةِ تبادلِ الأشجارِ باللاجِئين.
مواطنٌ من "شبراويش"
أُنصِّبهُ ملكاً بلا أطقمِ حراسةٍ يتأخرُ ، ويتقدمُ وسْطَ الجموع.
أُنصِّبهُ وطناً في عربةِ قطار لم يكنْ لقدميهِ رصيفٌ من كثرةِ المحطات.
أُنصِّبهُ سجيناً "لشبراويش" كُلَّما غضبَ ، ألقتْ بحجر - لأجل هذا - في الهواء.
أُنصِّبهُ إنساناً بعكَّازهِ ، أزاحَ السِّتارَ عن تمثالهِ المُجاورِ للنافورة. أزاحَ السِّتارَ عن جوهرِهِ الرَّحْب. أزاحَ السِّتارَ عن عَلاقةِ الذاتِ بالموضوع. أزاحَ السِّتارَ عن قُنبُلةٍ ستنفجرُ بعدَ ثلاثِ خُطْواتٍ متتالية.
أزاحَ السِّتارَ عن كلمةٍ ضخْمةٍ في قاموسِ الرئيسِ تزمُّ شَفَتيه أزاحَ السِّتارَ عن ... ، وعن ... ، وعن ...
يالَشقاء "محمد عبد السلام".
لُعبةُ الحناجِر
أحداثٌ وتواريخُ تقعُ من فمِ الأرضِ متفرقةً في اللحظةِ التاليةِ لحدوثِ زلزالٍ ، أو بركانٍ أو لا شيء.
ثمَّةَ حنْجرةٌ مُتطوِّعةٌ تُضيفُ وتَحذفُ ، تفترضُ أنَّ شخصاً بلا مكانٍ اعتاد أن يذهبَ إليهِ رآهُ شخصٌ آخرُ ينتحرُ أثناءَ انفجارٍ ما ،
يهربُ الشخصُ الثاني من الكاميرا بلا اسم يتدحرجُ من داخلِ حنْجرةٍ إلى أخرى ، وبدرجة ترويج أقلَّ من نابليونَ وهتلرَ وسِحْمِنَ الجابور
من سِحْمِنُ هذا ؟ تاريخُ اسمٍ ستصنعُه حنْجرةٌ للأجيالِ اللاحقة.
استثناء
"بوش" الأب. "بوش" الابن. عاهلُ الأردنِ الأب. عاهلُ الأردنِ الابن. ملكُ المغربِ الأب. ملكُ المغربِ الابن. "الأسدُ" الأب. "الأسدُ" الابن.
لكل قاعدةٍ استثناء ؛ اختفى "عبدُ الناصر" الابن باغتيالِ "محمد أنور السّادات".
قصةُ الكاميرا
حَسْبَ التوقيتِ المحليِّ لحكومةِ أكتوبر 1973 ميلادية رَأسُ الفتى تَنْطَحُ المعادلَ الذاتيّ لخطِّ بارليفَ
بالدَّمِ ، وبرائحةِ فتاةٍ أفديكَ يا تُرابُ.
سكوت 1 ، 2 ، 3 ... تِكْ ، انتهتْ صورةُ العالم.
كأنني أكتبُ شعراً موزوناً ، مُقفَّى
يقولُ المرءُ لنفسِهِ - أثناءَ رحلةِ قدميهِ إلى غرفةِ الإعدام - : لابدَّ منْ مكانٍ ما مثلَ محطاتِ القطارِ تذهبُ إليهِ حيثُ الركضُ تميمةٌ بشريَّة.
الباعةُ جنْبَ المسافرين يهلِّلونَ لشراءِ مِنْظارٍ صُنعَ خِصِّيصاً لرؤيةِ موطنِهم الأصليِّ يتغنّى بهِم.
تطوَّعَ مثقَّفٌ مجهولٌ وأخرجَ منْ صدرهِ ضفَّتين وأبحرْنا على قضبانِ السككِ الحديديَّة مسلَّحينَ بالأمل.
هايْ أيّها العاملُ في شُبَّاكِ التذاكرِ : " ثبِّتْ عدسةَ الكاميرا على أيادينا المحتشدةِ بجداولِ المواصلات ".
صباحُ الخير 010 صباحُ الخير 012
توقيت
وطني أيادٍ تُلوِّحُ لبعضِها.
*
أحترمُ المدينةَ إذا تخلَّتْ عنْ سقفِها ، وتساوتْ بالأرض.
*
باليدِ التي أمْسَكَتْ بالشمس على حوافِّ الدرابْزين يحتضنُ كلٌ منَّا رفاقَه بدونِ مطواةٍ كحمايةٍ منْ خطيئةِ الإنسانِ الأوَّل.
*
لو تسمحُ يا ربِّي : خذْ عقاربَ الساعاتِ كلِّها منْ رأسي. فأنا أراهنُ على تغيير العالم.
أشرف يوسف:
* من مواليد مدينة المنصورة في العام 1970. * يعمل في مجال المحاسبة الحرة. * ashraf70y@yhoo.com
صدر له:
* "ليلة 30 فبراير - قصائد منسوخة"، 1995. * "عبور سحابة بين مدينتين"، 1997. * "يعمل منادياً للأرواح" دار شرقيات 2002. * "حصيلتي اليوم .. قبلة"، دار شرقيات 2007. _________________ حسن بلم | |
| | | | | رُعاةُ ظلالٍ.. حارسو عُزلاتٍ أيضاً ,نافذة مشرعة على قصيدة النثر المصرية | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
|
|