يحيى سنبل اللعب في كيمياء المخ
قد يظن البعض أن مخ الإنسان مثل جهاز الكمبيوتر، وأن الخلايا العصبية مثل الأسلاك الكهربائية، والواقع يقول إن مخ الإنسان فيه من عظمة البناء ودقة الأداء ما يقف أمامه العقل عاجزًا.. ويكفي أن نقول إن خلايا المخ تتكلم وتتحاور عن طريق مواد كيميائية تفرزها الخلايا العصبية، هذه المواد الكيميائية لها تركيزات غاية في الدقة تختلف من مكان لآخر في المخ، وإذا حدث نقص أو زيادة في هذه التركيزات أدى ذلك إلى اضطراب في وظائف المخ.
أما اللعب في كيمياء المخ عن طريق المواد المخدرة، وحبوب الهلوسة، والعقاقير التي ترفع المزاج، ومنشطات المخ، وغير ذلك من هذه السموم فإن ذلك يمثل خطرًا كبيرًا على صحة الإنسان العقلية والنفسية والجسدية.
يقول الدكتور وليام جانونج أستاذ علم وظائف الأعضاء بجامعة كاليفورنيا، إن هناك عقاقير تحوّر سلوك الإنسان وتشمل العوامل المهلوسة وهي العقاقير التي تنتج هلاوس Hallucinations ومظاهر أخرى للذهان Psychoses، والمهدئات Tranquilizers وهي العقاقير التي تهدئ القلق والأعراض النفسية الأخرى، وعقاقير الإمداد بالطاقة النفسية Psychic Energizers، وهي العقاقير التي ترفع المزاج Mood وتزيد من الاهتمام والدافع.
ونحب أن نتوقف مع المواد الكيميائية التي تفرزها خلايا المخ والتي يطلق عليها الموصلات العصبية، والتي تمثل اللغة العجيبة التي تتفاهم من خلالها تراكيب ومراكز المخ.
السيروتونين Serotonin:
موجود بتركيزات عالية نسبيًا في عدد من المناطق بالمخ. الخلايا العصبية التي تحتوي على السيروتونين أجسامها الخلوية في خط الوسط لرفاء الأنوية الخاصة بجذع المخ. وتبرز إلى أجزاء من الهيبوثلامس والجهاز الطرفي Limbic System ونيوكورتكس Neocortex والحبل الشوكي.
عامل الهلوسة LSD يمثل مادة متصارعة مع السيروتونين وتنتج تأثيراتها عن طريق تنشيط مستقبلات 5HT2 في المخ. الهلاوس المؤقتة والاضطراب الذهني الذي ينتج من هذا العقار ثم اكتشافه عندما استنشق الكيميائي الذي صنعه بعضًا منه عن طريق المصادفة. اكتشاف هذا العقار استرعى الانتباه إلى الارتباط بين السلوك وتفاوت محتوى السيروتونين في المخ. مادة تسمى سيلوسين Psilocin موجودة في أنواع معينة من عيش الغراب. ومواد مثل DMT وDOM ومسكالين Mescaline، كلها مواد مهلوسة تؤثر على السيروتونين في المخ. هناك عقار MDMA أو إكستاسي Ecstasy أي الابتهاج الغامر، وهو عقار شعبي يُساء استعماله، وهو يؤدي إلى حالة من المرح والنشوة Euphoria لكنه بعد ذلك يؤدي إلى صعوبة في التركيز واكتئاب. هذا العقار يؤدي إلى انطلاق السيروتونين الذي يتبعه نضوب السيروتونين. المرح والبهجة قد ينتجان عن انطلاق السيروتونين والاكتئاب ينتج عن نضوب السيروتونين. أي أن الأمر لا يعدو أن يكون سعادة مؤقتة ثم يأتي الحزن والكآبة.
ومن خلال التجارب العلمية تبين أن السيروتونين يلعب دورًا في النوم، حيث وُجد أن إفراز السيروتونين وانطلاقه يكون سريعًا أثناء اليقظة وبطيئًا أثناء الخمول وشديد البطء مع نوبات من التدفق أثناء النوم، وغير موجود على الإطلاق أثناء نوم الحركات السريعة للعينين. كما أن السيروتونين يلعب دورًا محرضًا في تنظيم إفراز البرولاكتين Prolactin. كما أن هناك شاهدًا على أن السيروتونين من خلال الألياف المحتوية له يكبح توصيل الألم في القرنين الظهريين، وقد يكون له دور في تنظيم الإيقاع السيركادي (اليومي) في الجسم، كما أن هناك إمدادًا عصبيًا سيروتونيًا للأنوية فوق التصالبية للهيبوثلامس. إنها كيمياء معقدة ودقيقة مرتبطة بإحدى المواد الكيميائية في المخ. فماذا عن بقية هذه المواد الكيميائية؟
النورأدرينالين
Noradrenaline
مادة كيميائية توجد في عدة أماكن بالمخ، حيث يتم تخليقها وإفرازها بواسطة الخلايا العصبية. العقاقير التي تزيد النورأدرينالين خارج الخلايا العصبية في المخ ترفع المزاج، والعقاقير التي تنقصه تسبب الاكتئاب. مرض الهوس والاكتئاب الدوري Manic-depressive Illness يجري في العائلات والكروموسوم رقم 11 الذي يشفر لإنزيم تيروسين هيدروكسيليز Tyrosin Hydroxylase هو الإنزيم الذي يضع حدًا للتخليق الحيوي للكاتيكولامين.
على الجانب الآخر، ليس من الممكن أن نثبت أن النورأدرينالين خارج الخلايا ناقص في مرضى الاكتئاب، ويوجد شاهد أن بعض مسارات النورأدرينالين يتم تحريضها في مرضى الاكتئاب، بينما مسارات أخرى يتم كبحها. الخلايا العصبية التي تحتوي على النورأدرينالين في الهيبوثلامس تدخل في تنظيم إفراز هرمون فازوبرسين Vasopressin وهرمون أوكسيتوسين Oxytacin، وتضبط إفراز هرمونات الهيبوثلامس التي تنظم إفراز هرمونات الغدة النخامية الأمامية، النورأدرينالين والسيروتونين كلاهما يبدو أنه يدخل في التحكم في تناول الطعام، وتنظيم درجة حرارة الجسم.
الأدرينالين Adrenaline:
يتم إفرازه في مناطق عدة من المخ، لكن الخلايا التي تفرز الأدرينالين وخليفتها غير محدودة. وهذا الأمر يعكس الغموض في وظائف المخ.
الدوبامين Dopamine:
الخلايا العصبية التي تحتوي على الدوبامين لها وجود في أماكن عدة بالمخ وذات توزيع معقد وترابط عجيب. في الأشخاص الأصحاء يتضح أن هناك فقدانًا مستمرًا لمستقبلات الدوبامين في منطقة العقد القاعدية بالمخ Basal Ganglia مع تقدم العمر. هذا الفقدان في الرجال أكثر من النساء. هناك خلل موروث في مرضى الشيزوفرينيا Schizophrenia من الممكن أن يكون نتيجة اضطراب في الكروموسوم رقم 5، وهذا الاضطراب قد يتضمن نظام خلايا الدوبامين. باستخدام المسح الذري لأمخاخ مرضى الشيزوفرينيا يتضح أن هناك مستويات مرتفعة من مستقبلات D2حتى إذا كانوا لم يتعاطوا أدوية أبدًا. عقار الأمفتامين Amphetamine الذي يحرّض إفراز النورأدرينالين والدوبامين يؤدي إلى ذهان Sychosis الذي يشبه الشيزوفرينيا عندما يتم تعاطيه بجرعات كبيرة. على الجانب الآخر، مهدئ الفينوثيازين Phenothiazine مؤثر في إزالة أعراض الشيزوفرينيا ونشاطه المضاد للذهان يوازي قدرته على غلق مستقبلات الدوبامين D2.
مرض باركنسون Parkinsons Disease أو الشلل الرعاش Paralysis Agitans الذي وصفه جيمس باركنسون ينتج عن تحلل الخلايا العصبية التي تحتوي على الدوبامين في جهاز نجروستراييت بالمخ. الدوبامين هو الهرمون الكابح لإفراز هرمون البرولاكتين، والذي يفرز في الهيبوثلامس.
الأسيتيل كولين Acetylcholine:
الأسيتيل كولين موصل عصبي متوزع خلال الجهاز العصبي المركزي، ويوجد بتركيزات عالية في قشرة المخ والثلامس والأنوية المختلفة في المخ الأمامي القاعدي. يحدث فقدان شديد للخلايا المحتوية على الأسيتيل كولين في مرض الزهايمر Alzheimers disease، وهو المرض الذي وصفه ألويس الزهايمر في العام 1906م، وهو المرض الذي يتصف بوجود عته قبل مرحلة الشيخوخة Presenile Dementia ويجب التمييز بين مرض ألزهايمر وبين عته الشيخوخة الذي يحدث في مراحل متقدمة من العمر. الأسيتيل كولين موصل عصبي محرّض في العقد القاعدية بالمخ، بينما الدوبامين موصل كابح في هذه التراكيب. في مرض الشلل الرعاش فقدان الدوبامين يغير الاتزان الموجود بين الأسيتيل كولين والدوبامين، لذلك فإن العقاقير المضادة للأسيتيل كولين ذات فائدة مع عقار L-dopa في علاج المرض.
ببتيدات الأفيون
Opioid Peptides:
موصلات عصبية تفرزها خلايا المخ، هناك ثلاثة أنواع من هذه الببتيدات الأفيونية لها وظائف متعددة تشمل ظاهرة التحمّل Tolerance - أو زيادة جرعة المواد المخدرة عند مَن يتعاطونها - والإدمان الذي ينتج عن المورفين.
الموصل العصبي جابا GABA:
هذا الموصل العصبي جابا يعمل عن طريق زيادة توصيل أيون الكلوريد CL، هذا الفعل يقف ضده البيكروتوكسين Picrotoxin، بينما يتم تسهيله بواسطة عقار البنزوديازيبين Benzodiazepines المضاد للقلق Antianxiety، كما أنه مؤثر في إرخاء العضلات وكمضاد للتشنجات ومهدئ Sedative. جزئيًا نجد عقار الباربتيورات Barbiurates والكحول أيضًا يعملان عن طريق تسهيل توصيل أيون الكلوريد في القنوات الخاصة به.
هذه الموصلات العصبية التي ذكرناها وغيرها تعمل بطريقة معقدة ودقيقة ومتناغمة، وهناك جانب من هذا العمل يكتنفه الغموض، وتقف أمامه العقول حائرة، والأفهام عاجزة، وتتخلل كيمياء المخ مجالاً خصبًا للبحث والدراسة. واللعب في هذه الكيمياء المعقدة بواسطة المواد المخدرة والمهلوسة والمؤثرة في الحالة النفسية والطاقة الذهنية خطر مدمّر للعقول التي ميّز الله بها الإنسان وجعلها مناط التكليف.
5-2013 (18)
أبواب العدد
بيتنا العربي
مساحة ود
طب
إعلام
مطبخ
ديكور
تغذية
تحقيق
أطفال
نجوم