الآن وغداً - عاطف يوسف محمود إذا كان الزمن يتباطأ لدى السرعات العالية فهل يصغر رواد الفضاء في السن

بدأ الفتى المراهق «ألبرت أينشتاين» التفكير في طبيعة الزمن وعلاقته بسرعة الضوء وهو مازال في مقتبل العمر... فقد تخيل لو أنه - جدلاً - بدأ الطيران عند الظهيرة، مبتعدًا عن ساعة ميدان مدينته بسرعة الضوء ونظر خلفه إلى الساعة... ستبدو له الساعة كالمتوقّفة، لأنه يطير بسرعة الضوء الوافد نفسها إليه من الساعة التي مازالت تشير إلى وقت الظهيرة! فهل يتوقف الزمن حقيقةً بالنسبة للشخص الذي يتحرك بسرعة الضوء؟ هذا هو ما توصّل إليه أينشتاين في العام 1896 وهو بعد في الـ 17 من عمره. واستمر تسع سنوات أخرى قبل أن يعثر على الحل. ولم يكن الحل الذي توصل إليه إلا ثورة كبرى في علم الفيزياء... ثورة قلبت مفاهيمنا عن الزمان والمكان رأسًا على عقب.

لقد تأكّدت نبوءة أينشتاين بتباطؤ الزمن بالنسبة للأجسام المتحركة بالتجارب العملية عدة مرات. ففي العام 1971، شاهد الفيزيائيان جو هافيل Joe Hafele، وريتشارد كيتنج Richard Keating تلكم الظاهرة عندما أخذا ساعة ذرية بالغة الدقة في رحلة على متن طائرة متجهة إلى الشرق حول الأرض، ذلك الاتجاه الذي يضيف إلى سرعة الطائرة سرعة دوران الكرة الأرضية الخطّيّة. لقد لاحظ العالمان - لدى عودتهما - أن ساعتهما الذرية قد أخَّرت (أي تباطأت) قليلاً بمقدار 59 نانو ثانية بالنسبة للساعات على سطح الأرض. وقد توافقت هذه الملاحظة مع نبوءة أينشتاين؛ فبسبب دوران الأرض، تدور أرضية المختبر الذي تجرى فيه عملية القياس، ولكن ليس بنفس سرعة الطائرة. وبالتالي تباطأت الساعات التي على سطح الأرض، ولكن بمعدل أقل من تباطؤ الساعة على متن الطائرة. ويصل معامل معدل التباطؤ في مرور الزمن إلى الجذر التربيعي للواحد الصحيح، مطروحًا منه مربع النسبة ما بين سرعة الجسم المتحرك منسوبة إلى سرعة الضوء، ولذلك لا يلاحظ أثر هذا التباطؤ إلا بدنو السرعة من سرعة الضوء.

فهل تؤثر ظاهرة تباطؤ الزمن هذه في رواد الفضاء؟ لقد قضى رائد الفضاء الروسي سيرجي أفدييف Sergei Avdeyev مدة 748 يومًا وهو يدور في ثلاث رحلات فضائية. ووفقًا للحسابات فقد «صغر» عمره بنحو جزء من خمسين جزءًا من الثانية عن العمر الذي كان سيبلغه لو لم يقم بتلك الرحلات. وقد نجم هذا عن أن رائد الفضاء كان يتحرك بسرعة تتجاوز 17000 ميل في الساعة، وبالتالي كانت ساعته تدق بمعدل أبطأ مما كانت ستدق به لو أنه غير متحرك بالنسبة لسطح الأرض. لقد كانت سرعة دورانه الخطية تبلغ 0.00254 في المائة من سرعة الضوء... صحيح أن تباطؤ ساعته بالغ الضآلة، إلا أنه - على أي حال - حقيقة واقعة.

إن رواد الفضاء مبحرون - على نحو ما - إلى المستقبل، وكان أفدييف أعظم مسافر عبر الزمان إلى يومنا هذا. على أن روادًا آخرين قد سافروا هم أيضًا إلى المستقبل. فعلى سبيل المثال، فإن ستوري موسجريف Story Musgrave الذي أسهم في إصلاح تلسكوب هابل الفضائي Hubble Space Telescope، قد قضى فترة إجمالية في الفضاء بلغت 53.4 يوما في مداره، وعلى ذلك فقد صغر عمره بمقدار يربو قليلاً عن المللي ثانية (واحد على الألف من الثانية) عن سنه لو أنه ظل قابعًا في بيته. لقد سافر رواد الفضاء إلى القمر بسرعات تزيد على سرعة الرائد أفدييف. غير أن رحلاتهم لم تدم إلا لبضعة أيام، وبالتالي فإن المسافة الكلية التي تحركوها عبر الزمن كانت أقصر.

لقد سافر أفدييف إلى المستقبل لمدة واحد على الخمسين من الثانية. صحيح أن ذلك ليس كثيرًا، ولكنها حقًا خطوة على الطريق... فرحلة الألف سنة ينبغي أن تبدأ بجزء من الثانية.