خلينا نحسبها:
الحكومة تنادي بالمصالحة، بين طوائف الشعب.
وحكومات العالم تعدو للمصالحة..
الرسميون يدعون للمصالحة..
ولكن ماذا عن الشعب؟!
المصالحة القانونية ليست رأي حكومة، أو حكومات، أو سياسة، أو حتى اتفاقيات دولية..
المصالحة هي شعب..
شعب تطلب منه أن يصالح..
وأن يغفر..
وأن ينسى..
ربما يتصور المشتعلون من التيارات المتأسلمة، أنهم على حق وهم يحرّضون على العنف ويمارسونه، وعندما يشعلون النار في وطن يضمهم كما يضمنا، ويحملون جنسيته كما نحملها.
ربما يتصورون أنه عندما يكون هناك شخص على حق، فهذا يمنحه حق القتل والتدمير والعنف والتخريب..
قتل أبناء عائلته..
وتدمير منزله ومنزل أسرته..
والعنف مع أشقائه وأبناء عمومته..
وتخريب أرض يعيش منها، ويعيش فيها..
احسبوها أنتم..
أهذا هو العقل؟!
أهكذا تكون الدعوة لدين الله عز وجل؟!
أن نقتل؟!
أن نحرق؟!
أن ندمر؟!
أن نعذب؟!
أن نخرب؟!
أهذا ما دعا إليه دين الرحمة والمغفرة؟!
أهذا ما نادى به دين الإنسانية؟!
الأعجب أن من يفعلون هذا ينادون بالجهاد!
الجهاد ضد من؟!
ومع من؟!
جهاد ضد إخوانكم في الإسلام، الذين يصلون معكم، ويصومون مثلكم، ويحجون لبيت الله الحرام كما تجحون؟!
الجهاد ضد من؟!
لا تقنعوا أنفسكم بأنه جهاد في سبيل الله عز وجل..
أو لا تخدعوا أنفسكم بهذا..
تاريخ الإسلام يذخر بالجهاد الحق..
جهاد لم يرَ ذرة من العنف..
أو الدمار..
أو التخريب..
أو التعذيب..
أو الغل..
أو الغضب..
حتى مع الكفار..
فما بالك بإخوتك في الدين؟!
أعطني مثالا واحدا من تاريخ الإسلام كله على أن ما تفعله يرضي الله سبحانه وتعالى..
أعطني مثالا واحدا خرّب فيه المسلمون، أو عذبوا أو حرقوا أو دمروا.. مثالا واحدا..
فكيف تأتي أنت، وتدعي أن كل هذا من أجل الدين؟!
ولو أردت أمثلة فأنا أضربها لك..
ومن التاريخ..
الكفار عذبوا المؤمنين، كما عذبتم الناس البسطاء الأبرياء، في رابعة والنهضة..
والتتار حرقوا ودمروا وخربوا..
المسلمون في الأندلس، عندما سقطت غرناطة، آخر ممالكهم فيها، انسحبوا أمام القشتالين..
ولكنهم لم يخربوا..
أو يعذبوا..
أو يحرقوا..
أو يدمروا..
القشتاليون هم من عذبوا ودمروا وخربوا..
هم الذين حولوا المساجد إلى كنائس..
هم الذين شنقوا الإسلاميين المتطرفين، على طول الطريق إلى قصر ابن الأحمر، آخر ملوك غرناطة..
فعلوا هذا، على الرغم من وعدهم بألا يفعلوا..
التيارات الإسلامية المتطرفة، التي كانت تعادي ابن الأحمر، تركتهم يدخلون غرناطة، باعتبار أن دخولهم يسقط حكم ابن الأحمر، الذي طالما عادوه، واتهموه بالفسق والفساد والفُجر..
تركوهم يدخلون غرناطة، باعتبار أنهم بهذا يرفعون راية الدين..
ودخل القشتاليون، بعد أن وعدوا..
وأكدوا..
ووقّعوا المواثيق والعهود..
ولكن عندما دخلوا غرناطة، وأحاطوها بقبضتهم، حتى فتكوا أول ما فتكوا بالتيارات الإسلامية المتطرفة..
وعدوا بألا يمسوا الجوامع والمساجد، وفور دخولهم حولوها كلها إلى كنائس..
ودفع المتطرفون الثمن..
أفدح ثمن..
هذا لأنهم في واقع الأمر، لم يفعلوا كل ما فعلوه من أجل الدين..
فالدين له رب يحميه..
وهذا الرب، سبحانه وتعالى، حدد سبيل الدعوة إليه..
وأمر به..
أمر بالحكمة..
وبالموعظة الحسنة..
لم يأمر بالقتل..
أو التدمير..
أو الحرق..
أو التعذيب..
أو التخريب..
وإلا فماذا يمكن أن يأمر به الشيطان؟!
الله سبحانه وتعالى أمر بالحكمة والموعظة الحسنة، والشيطان بخبثه ومكره المعتادَين، زيّن للبعض التخريب والحرق والتدمير، باعتبار أنها كلها أسلحة للدفاع عن الدين..
فالجحيم لا يكون أبدا في سبيل دين الله المعز المذل..
الجحيم هو نصيب من يخالف الأمر بالحكمة والموعظة الحسنة..
فلا تدّعوا أنكم تفعلون هذا في سبيل الدين..
فالواقع أنكم تفعلونه في سبيل السلطة..
وهنا يختلف الأمر..
ويختلف منظور الأمور..
وإذا كنتم لا تتورعون عن ارتكاب كل هذه الجرائم، في حق البشرية، من أجل سلطة، يستحيل أن تكون في وطن يبغضكم شعبه وجيشه وأمنه.. وحتى الغالبية العظمى من مسلميه، فلا تتحدثوا عن مصالحة..
اجنحوا للسلم أولا، فإن فعلتم، يجنح الشعب له..
ويمد يده..
وتكون المصالحة..
واحسبوها أنتم..
يا أولي الألباب.