هذه القصة اسمها (مسرحية من فصل واحد متكرر) من مجموعة حسن كمال (وكان فرعون طيبا)
للقراءة والتركيز والفهم .. ثم التعليق !
قبل رفع الستار... صوت جهوري:
- من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر
... ملحوظة: تتم مراجعة الجملة والتأكد إذا ماكانت حديث شريف أم آية قرآنية ويوضع المناسب قبلها وبعدها ...
(مشهد الختام) :
يفتح الستار على غرفة الحجز في قسم شرطة حي الغلابة. غرفة الحجز ممتلئة عن آخرها، لغط وضوضاء، الكل يتكلم، الكلام غير واضح فلا يفهمه أحد. المكان رائحته كريهة
ملحوظة: ( يتم نشر رائحة كريهة في أرجاء المسرح ليعيش الجمهور الجو)...
في ركن الحجز يوجد قطعة قماش ممزقة تتدلى من أعلى..(كأنها ستارة) خلفها صنبور يرتفع عن الأرض مترا واحدا ودلوان هما مصدر الرائحة الكريهة، في الركن الآخر يجلس ثلاثة مساجين على الأرض متلاصقين وقد احتضنوا أرجلهم، يرتدون ملابس رمادية متشابهة. يبدو على وجوههم الخوف الشديد... يلتفت إليهم أحد المساجين ويصفع أحدهم على قفاه بقسوة ... يحاول الآخريْن الاعتراض ...ينهال عليهم المسجون بمساعدة اثنين آخرين ضربا ... الجميع ينظر إليهم بلا مبالاة .. يسمع باب الحجز وهو يفتح فيعود المساجين إلى مكانهم سريعا ...
غرفة الحجز لها باب ضيق يسمح بمرور شخص واحد بصعوبة وهو محني الرأس. يدخل منها ضابط ومعه اثنان من المخبرين يحملان بنادقا يصوبانها نحو كل المساجين في حركة دائرية.
يقوم واحد من مساجين الركن موجها كلامه للضابط :
- يافندم إحنا بننضرب وبنتهان ...
ينظر إليه الضابط باحتقار ..يشير إليه بإصبع واحد:
- هششششششششششش...أنت بالذات ماتتحركش من مكانك ...صمت للحظة ثم يتابع:
- ياخايب
يعود المسجون إلى مكانه ويجلس صامتا !!!
الضابط (غاضبا):
- فين الأخ اللي عامل نفسه مثقف؟
يلتفت إلى رجل سمين تبدو عليه البلاهة:
- أنت ؟
- لا والله ياباشا ...أنا حيا الله ممسوك في خناقة...
- آه أنت بالونة البلطجي ..طيب تعالى على جنب ...
- وأنت ؟
يجيبيه الشاب الضئيل الجسد وهو يخفي سيجارة الحشيش ...
- مثقف إيه ياباشا ..أنا عبده النشال
يقف الضابط في حيرة . ينظر إلى الشاب الجالس في ركن الزنزانة مرتديا نظارة طبية ...
- أنت اسمك أيه ياله؟
ينظر إليه الشاب في تحدي:
- سالم أبو الخير ...صحفي
- يبقى أنت يا خفيف ...قوم فز..
يتجاهله سالم وهو ينظر إلى سقف الزنزانة . تمتد يد أحد المخبرين ليصفعه على وجهه ..ثم يجذبه من ياقة قميصه في عنف وهو يقول:
- مش الباشا قالك قوم ...
يحاول سالم التخلص من قبضته بلا فائدة فيصيح في غضب:
- نزل إيدك .. أنتوا فاكرين نفسكوا ايه ...
يضحك الضابط بينما الصفعات تتوالى على وجه الصحفي الشاب :
- إحنا مش فاكرين حاجة ...إحنا الحكومة يا حمار ..
يجلس الشاب القرفصاء على الأرض واضعا رأسه بين كفيه محاولا تفادي الصفعات المتتالية وهو يصيح:
- الضرب مش هيخوفني ..بكرة أطلع من هنا وافضحكوا...
يصوب الضابط البندقية إلى رأسه وهو يضحك :
- من هنا لبكرة تكون اتعلمت الأدب ....
- والله لو موتني ولا هيفرق معايا ...
يصمت الضابط ...ويتوقف الضرب فيخيم السكون على المسرح ....
ينفخ الضابط في أسى وهو يقول بعد تفكير :
- ما أحنا مش هنموتك ... إحنا هنفضحك قبل ما تفضحنا ....
يشير برأسه إلى المخبرين ...يتحركان في وقت واحد ويجران سالم خلف الستارة ...تعلو صرخاته من خلف الستارة :
- حرام عليكوا ...يا كفرة ...ياكفرة ..
المساجين يجلسون في صمت تام ... مساجين الركن الثلاثة يبتسمون في شماتة، يقوم أحدهم صارخا :
- شوفتوا بقى ..مش إحنا بس ... تسكته صفعة على وجهه من بالونة البلطجي، ينظر إليه الضابط ضاحكا في سخرية ...يختفي صوت سالم ولا يبقى منه إلا أنين ونحيب متقطع ...ينقلب أحد الدلوين مسيلا سائلا أصفر على خشبة المسرح ...فتزداد الرائحة الكريهه انبعاثا .. يخرج المخبران وهما يربطان سراويلهما... يلتفت الضابط إلى كل المساجين وهو يصرخ في جنون ..
- قولوا لكل الناس اللي في الحتة لما تخرجوا من هنا ...البلد فيها قانون... الحرامي بيتسجن والقاتل بيتشنق...أما اللي يتكلم على سياده فده بقى .... !!
يحرك يده بحركة معناها مفهوم وهو يومئ برأسه في اتجاه الستارة ...
ستار
(المشهد الثاني) :
ظلام تام يخيم على المسرح... يسلط ضوء خافت على سالم وهو يخرج من خلف الستار ..يمشي منكس الرأس ...يجلس القرفصاء محتضنا ركبيتيه إلى جوار الحائط وهو يبكي في صمت،يقترب منه الشيخ درويش ..وهو شحاذ أعمى يرتدي جبة وقفطان ونظارة سوداء ..يتكلم كما لو كان مجذوبا:
- إلا ما أكرهتم عليه يابني ...ولا يهمك ...
- وإحنا ليه نسكت على كده يا عم الشيخ ...
- انت مسكتش يابني ...بس كان في إيدك أيه
يضحك بالونة وهو يقول :
- ياريت كان في إيده يا شيخ درويش ...كانت هانت ...ها ها
تتعالى الضحكات من المساجين (ومن بعض المتفرجين أيضا) يصرخ سالم موجها كلامه لكل من ضحك فوق أوأمام خشبة المسرح:
- انتوا بتضحكوا على إيه؟ ...اللي بيجرى ده ممكن يجرى لأي واحد منكوا ...ترضوا إن ده يحصل لكوا؟
ينكس الجميع رأسهم في استسلام ويمصمصون شفاههم...
ينظر إليهم سالم في دهشة :
- أيه معندكوش دم؟...
يجيبه عبده النشال وهو يأخذ نفسا عميقا من سيجارته :
- لأ عندنا دم بس مش عاوزينه يسيح ...
يصمت سالم قليلا :
- بكرة يعملوا كده فيكوا ...بس بعد بكره هيعملوها في حريمكوا ..........
ترتفع الرؤوس كلها فجأه ...يبدو على الجميع أنهم يتخيلون...بعضهم يهز رأسه رافضا والبعض يغمض عينيه في جزع ..يأتي صوت الشيخ درويش:
- زي ما عملوا في مرات الواد محمود قدام عنيه علشان يقر..
ترتفع الأصوات بالرفض والسباب والدعاء ...
يصيح سالم:
- لأ ..مش عاوزين كلام ولا دوشة ...
أصوات :- طيب نعمل إيه بس ....
- أنا أأقول لكوا نعمل إيه..يلتفت إلى المتفرجين:
- وأنتوا يارجالة ...اللي عاوز يساعدنا يطلع لنا..(يصعد سبعة شباب من المتفرجين إلى خشبة المسرح) ، يظلم المسرح مرة أخرى ويضيء على حلقة في المنتصف ...الكل متجمع حول سالم عدا المساجين الثلاثة الذين لا يزالون قابعين في الركن ...سالم يمسك بقطعة طباشير يخطط بها على الأرض ..وهو يهمس بكلام غير مسموع ...تعلو همهمات حائرة .
بعد دقائق يأتي صوت عبده النشال:
- لأ لأ..حتى لو عرفنا نعمل كده ...هيجيبونا من بيوتنا وهنتنفخ
يهز سالم رأسه بثقة :
- لأ طبعا ..هيشيلوا المأمور والضباط اللي في القسم ..وهيكفوا على الخبر ماجور ...هيخافوا من الفضيحة ....
الشيخ درويش :
- والمأمور الجديد هيبقى عارف إن رجالة قسم الغلابة مش هفأ ....وهيلم نفسه معانا علشان ميحصلش زي ما حصل اللي قبله ...
ترتفع الهمهمات مرة أخرى بين مؤيد ومعارض ...يعلو صوت الشيخ درويش :
- يالا ...يا طابت يا تنين عور ...وأنا كده كده الاتنين عندي عور ..أنا معاك يا استاذ ...
يضحك الجميع ...ثم تعلو الأصوات متتالية :
- وانا معاك يا أستاذ ..وأنا معاك يأستاذ.
يقوم واحد من المساجين الثلاثة وهو يصرخ :
- وإحنا معاكوا يا أستاذ ...
يلتفت المساجين إليه في حركة جماعية ..ينظرون إليه بغضب واحتقار ..فينزوي في الركن مرة أخرى !!!
(المشهد الثالث)
حجرة الحجز ...يفتح الباب ويدخل الضابط ومعه نفس المخبرين ..يغلق العسكري الباب من الخارج ...
الضابط ينظر لسالم في سخرية:
- أنت ياد أنت لسه محرمتش ...العساكر بيقولوا إنك من أول النهار نازل شتيمة في اسيادك وعامل هيصة ...
ينظر إليه سالم :
- دول أسياد الكلاب اللي زيك أنت واللي معاك...
يبدو على الضابط الغضب الشديد وهو يصيح:
- ده الحكاية عجبتك بقى ... ماشي ...بس اتوصوا بيه النهاردة يارجالة ...واللي عاوز يخرج من الحجز النهاردة يدخل يساعد الرجالة في الواجب بتاع الأستاذ ...
يندهش سالم وهو يرى بعض المساجين الذين شاركوهم خطة الأمس يترددون ويبدو عليهم أنهم يفكرون في الأمر ..يشعر الشيخ درويش بما يدور في رؤوس المساجين فيصيح وهو يضحك :
- ياباشا اللي هيعمل كده مننا هتطلع عليه سمعة لما يخرج ومحدش هيعرف ده خرج لا مؤاخذة علشان عامل ولا علشان معمول .....
- اخرس انت يا شيخ زفت... ها يارجالة ؟؟...
- يا باشا وحياة دقني ديه يروحوا ورا الشمس أحسنلهم ما يروحوا ورا الستارة ..دي هتبقى فضيحة..
الضابط (ينظر إلى الشيخ درويش بغيظ):
- خلاص ياللا يارجالة ...يبدأ المخبرين في جر سالم خلف الستارة ...سالم يقاوم ويصرخ ، الجميع ساكن تماما كما حدث في اليوم السابق .. الضابط يشعل سيجارته في لامبالاة...الشيخ الأعمى ينصت جيدا ...في لحظة يصرخ ...دلوقت يارجالة ...يهجم بعض المساجين على المخبرين خلف الستار ...يلتفت الآخرون تجاه الضابط الذي يمد يده إلى مسدسه فلا يجده... عبده النشال يمسك المسدس في يده ويقلبه يمينا ويسارا...لا أحد يقترب من الضابط الذي يصرخ:
- افتح الباب ياعسكري ...افتح الباب ..
يفتح العسكري الباب من الخارج في هلع .. يجذب واحد من المساجين الباب فجأة ويقفز آخر ليجذب البندقية من يد العسكري ثم يجذب العسكري نفسه إلى داخل الزنزانة. يندفع بالونة ليحول بجسده الضخم بين الضابط وبين بوابة الزنزانة .يخرج المخبرين من خلف الستار مع زوج من المساجين وسراويلهم متدلية ...وسالم معهم يرتدي ملابسه .يقف الضابط في حيرة وهو يرى مسدسه وبندقية العسكري مصوبين إليه وباب الزنزانة مفتوح فيبدو عليه الذهول كما يبدو على الجميع حتى المنتصرين، ترتفع صرخة أحد المساجين:
- الباب مفتوح ...يالالا نهرااااب ....
يسود الهرج فجأة والكل يجري تجاه باب الزنزانة ... أقربهم إلى الباب بالونة البلطجي ...يصرخ سالم :
- بالراحة ...الخطة ..الخطة
يتدافعون بسرعة فيسقط بالونة بظهره في مدخل الزنزانة نصف جالس. وينحشر جسده الضخم في الباب... مقعدته خارج الباب لكن جسده بالكامل محشور في (الحلق) ...المساجين يتدافعون للخروج لكنه يسد الفراغ كاملا ...يجذبونه ويدفعونه بأيديهم وأرجلهم وأكتافهم وهو يصرخ من الألم بلا فائدة ..المساجين يصرخون في جنون ..المتفرجون السبعة يحاولون النزول من على خشبة المسرح فيجدون أن السلم قد اختفى ،مساجين الركن الثلاثة يضحكون في شماتة دون أن يتحركوا من مكانهم ... الضابط والمخبران يقفون في ذهول وخوف ...الشيخ درويش يصيح وهو يضحك ساخرا :
- فتحتوا الباب ومش عارفين تخرجوا ياولاد العبيطة ... فتحتوا الباب ومش عارفين تخرجوا ياولاد العبيطة!!!
الصراخ يتزايد ..طلقات تخرج من المسدس ومن البندقية .يتبعها سقوط أجساد ..(لن يعرف الجمهور من أطلقها ولا من سقط )....صراخ وعويل ...وسالم يصيح : الخطة... الخطة!! والشيخ درويش يضحك وهو يسب ويبصق ..يتجمد المشهد على هذه الحال لدقائق ....
(المشهد الرابع) :
يندفع جسد بالونة إلى داخل المسرح مخليا الباب كالقذيفة ... تظهر من حلق الباب البيادة العسكرية الضخمة التي ركلته وساق قوية في داخل بنطلون (ميري) دون أن يظهر صاحبها لكنها تظل معلقة في الهواء...نعلها في وجه الجمهور ...تخرج لسانها للجميع ورباطها طويل لا نهائي ...
يغلق الباب على كل من الداخل ... يلتفت بعض المساجين في غضب في اتجاه الضابط والمخبرين ...ويلتفت بعضهم إلى سالم وهو يصيح كالمجذوب :
- الخطة ...الخطة ..
يتدافع المساجين ليأخذوا الأربعة خلف الستارة ويدخلون في تزاحم...وتعلو الصرخات..بينما الشيخ درويش يضحك بصوت عال وهو يردد في جنون :
- يا ولاد الكااااااااالب !!!!! (تسكته صفعة أو اثنين من زملائه ومن المتفرجين الذين انضموا )
(مشهد الختام) :
يفتح الستار على غرفة الحجز في قسم شرطة حي الغلابة. غرفة الحجز ممتلئة عن آخرها.. لغط وضوضاء، الكل يتكلم، الكلام غير واضح فلا يفهمه أحد. المكان رائحته كريهة
ملحوظة: ( يتم نشر رائحة كريهة في أرجاء المسرح ليعيش الجمهور الجو)...في ركن الحجز يوجد قطعة قماش ممزقة تتدلى من أعلى..(كأنها ستارة) خلفها صنبور يرتفع عن الأرض متر واحد ودلوين هما مصدر الرائحة الكريهة.المتفرجون الخمسة يجلسون سويا، يبكون ويلعنون بعضهم ويلعنون سالم والشيخ درويش وبقية المساجين ، يجلس مساجين الركن الثلاثة الجدد (الضابط والمخبريْن الذين تسببوا بغبائهم في آخر عصيان) وقد ارتدوا الملابس الرمادية المتشابهة مكان الثلاثة القدامى الذين اختفوا من المشهد. يبدو على وجوههم الخوف الشديد... يلتفت إليهم أحد المساجين ويصفع الضابط على قفاه بقسوة ... يحاول الآخريْن الإعتراض ...ينهال عليهم المسجون بمساعدة اثنين آخرين ضربا ... الجميع ينظر إليهم بلا مبالاة ... يسمع باب الحجز وهو يفتح فيعود المساجين إلى مكانهم سريعا ... تتجمد حركة الجميع !
(ستار)
ملحوظة: تتم مراجعة المسرحية بواسطة مؤلف مسرحي لعمل الإصلاحات المطلوبة ويوضع اسمه عليها كمؤلف ثم يتم عرض المسرحية على مسرح مركز شباب الغلابة يوميا لمدة شهرين ...ويتم حبس الجمهور داخل المسرح في الظلام لمدة ساعة بعد العرض يوميا وتكليف بقية رجالنا الذين لم يشاركوا في العرض والموجودين وسط المشاهدين بضرب من يعترض... انتهى!! وفقكم الله جميعا ..مع تحياتي....
حمزة الجيار ...مدير جهاز الأمن في الوزارة ومأمور قسم الغلابة سابقا