هكَـذَا قُلتُ للهَـاويَة
رفعت سلام
قَتَلُونِـي ،
فَانْفَرَطْت :
قِطَارَاتٌ تَعْوِي قَبَائِلُ مُدَجَّجَة جَرَّةٌ مَقْلُوبَة صَمْتٌ يَهْوِي عَلَى حَجَر خِنْجَرٌ مُعَلَّقٌ فِي سَمَاءِ الذَّاكِرَة لَيْلٌ قَرَوِي صَبِيٌّ يَهْرُبُ خَوْفًا مِنَ الخَمِيس طَائِرٌ يَلُوحُ فِي نَافِذَةٍ غَامِضَة قَاعِدٌ عَلَى حَافَّةِ وَقْتٍ مِن رَمَاد مَرْأةٌ تَمْضِي إلَى قَبْرٍ وَمَرأةٌ تَجِيء يَارَا غَابَةٌ مِنَ الضَّحِك طُبُولٌ تَقْرَعُهَا الرِّيحُ فِي زَمَنٍ قَدِيم تَقُولُ تِلْكَ آيَتِي آنَ أن أنَامَ الآن هَل يَأتِي أم يَمْضِي إلَى نِسْيَانٍ يَجِيء مَن يَقُول صَرْخَةٌ تَطْعَنُ النَّوْمَ فِي نَوْمِه شَايُ الصُّبْحِ جَسَدٌ أو دُعَاء الثِّيرَانُ اللَّيْلِيَّة بَابٌ يَنْفَرِجُ وَوَجْهٌ عَسِلِيٌّ فِي العَتْمَة كَأنَّ الرِّيحَ تَحْتِي تَأتِي إلَى جَسَدِي بِلاَ ثَدْيٍ وَأردَاف قَمْحٌ غَابِر غُرفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي فَضَاءٍ هَبَاء زَهْرَةُ البُسْتَانِ وَقْتٌ قَتِيلٌ وَغُبَارُ كَلاَم خُيُولٌ مَسْعُورَةٌ تَمُدُّ أعنَاقَهَا فِي الحُلْم قُلْتُ : أنَا شَوْكَةٌ مَسْمُومَةٌ فِي أسَنِ القَاهِرَة رُؤُوسٌ أيْنَعَت حَتَّى فَسَدَت بِلاَ قَطَاف .
وَانفَرَطْت :
صَهِيلٌ فِي سُهُولٍ مَا عَاصِفَةُ الصَّحرَاءِ تَقْصفُ الخُزَعْبَلاَتِ الجَمِيلَة رَأسِي عَلَى طَبَقٍ مِن الفِضَّة كَيْف تَنْحَنِي فَتَرْمُقَنِي الحَلْمَتَانِ بِالسُّؤَال مَن يُدِيرُ الآنَ خَدَّه اليَسَارِي لِمَاذَا جَعَلْتَنِي مَدِينَةً حَصِينَةً وَعَمُودَ نَارٍ وَأسوَارَ نُحَاس غَيْمٌ يَهْطِلُنِي أشْلاَء مَرأةٌ تَرْعَى أُنُوثَتَهَا لِي وَتَمْنَحُهَا لأوَّلِ عَابِرِ سَبِيل شِعَارَاتٌ مُجَفَّفَةٌ فِي السُّوق ذَاكِرَةٌ أهَبُهَا لِلكِلاَبِ السَّعْرَانَة الحَنِينُ فَاكِهَةٌ عَطِنَةٌ لِلأرَامِل أرَقٌ عَلَى أرَق مِيَاهٌ تُغْرِقُ الحُلْمَ فَأطْفُو جَائِعًا شَهِيًّا هَكَذَا أنْكَسِرُ وَلاَ أنْحَنِي لَيسَ اليَأسَ بَل القُنُوط قَالَت : مَتَى تَدخُلُنِي عَوِيلٌ يَقْسِمُ اللَّيْلَ وَيَحْنُو عَلَى شِيَاهِي الشَّائِهَة مَن يَطرُقُنِي الآنَ وَأبْوَابِي مَفْتُوحَة يَمْرُقُ فِي لَيْلِي سَارِقًا ظِلِّي فَيَا سَيِّدِي النِّسيَانُ أدْرِكْنِي
وَانْفَرَطْت :
لاَ ألتَمُّ وَلاَ أتَبَدَّد .
أعْضَائِيَ أغْصَانٌ تَسْكُنُهَا العَصَافِيرُ وَيَأوِي إلَيْهَا البُومُ وَالصَّرخَاتُ وَلاَ مَن يَهُشُّهَا . وَقَلْبِي بَرْزَخٌ يَنشَقُّ لِي فِي مُنْتَصَفِ الوَيْلِ فَأهْوِي وَلاَ وُصُول .
وَحَالِي حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَيِّدِي فَضَاعَ مِنِّي الصَّولَجَان .
تَلْكَ آيَتِـي
وَلاَ غُفْرَان
فَمَن يُعْطِينِي لُقْمَةَ وَقْتٍ أهبُهُ الهَبَاءَ الجَمِيل . وَمَن يَهَبُنِي الهَبَاءَ الجَمِيلَ أمنَحُه النَّحِيبَ الوَبِيل . وَمَن يَمْنَحُنِي النَّحِيبَ الوَبِيلَ أُهْدِيهِ غَابَةً مِن عَوِيل :
كُلُّ شَجَرَةٍ ثَكْلَـى
وَكُلُّ غُصْنٍ قَتِيـل
وَفَوْقَ كُلِّ غُصْنٍ طَائِرٌ نُحَاسٌ وَصَرْخَةٌ مُعَلَّقَةٌ بِخَيْطِ وَهْمٍ يَنْقَطِعُ كُلَّ سَاعَةٍ فَتَنْفَجِرَ الصَّرخَاتُ إلَى غَيْمَةٍ صَخْرِيَّةٍ لاَ تَبْلَى فَتَهْطِلَ حِجَارَةً مِن سِجِّيل :
كُلُّ حَجَرٍ جُوعٌ شَبِقٌ
كُلُّ صَخْرَةٍ مِحْنَةٌ وَامتِحَان
وَلاَ غُفْرَان
تِلْكَ آيَتِـي
قَتَــــلُـونِـــي
هَكَذَا
قُلْتُ لِلْهَاوِيَةِ انفَتِحِي لِي ،
وَامْنَحِينِي خُيُولَكِ الذَّهَبِيَّةَ ،
وَاتَّسِعِي لِي .
أنَـا قَـادِم
قَبْلَ أن يَصِيحَ الدِّيكُ
أو يَنْفُخَ إسْرَافِيلُ الصُّور
قَـــادِم
وَخَلْفِيَ قُطْعَانٌ ذَبِيحَةٌ تُرَتِّلُ أوْرَادَهَا الشَّجِيَّة ،
خَلْفِيَ أشْجَارُ أفُولٍ تُثْمِرُ النُّعَاسَ وَالبُكَاء .
فَانْفَتِحِي .
لاَ عَزَاء .
صَخْرَةٌ صَارِخَةٌ فِي أسَنِ الوَقْت ،
أو
صَرْخَةٌ صَخْرِيَّةٌ مَغْرُوسَةٌ فِي مَفْرِقِ العَمَاء .
أنَــا سَـــيِّدُ الهَبَـــاء
لاَ نَافِذَةَ لِي ،
وَلاَ بَاب .
لاَ سَقْفَ لِي ،
وَلاَ جُدْرَان .
جَسَدِي : بَيْتِيَ الَّذِي لاَ يَتَّسِعُ لِي .
وَبَيْتِي يَفِيضُ عَن أرْضِ اللَّهِ الوَاسَعَة .
هَكَذَا
قُلْتُ لِلْهَاوِيَةِ اتَّسِعِي لِي ،
وَامْنَحِينِي خُيُولَكِ الذَّهَبِيَّةَ ،
وَاترُكِينِي فِي العَرَاء .
إنَّهُ امْتِحَانِي :
كُلُّ صَبَاحٍ فَجِيعَة
وَكُلُّ نَـومٍ فَرَار
صُقُورٌ تَحُطُّ الصُّبْحَ فَوْقَ رَأسِي ،
تُوَلْوِلُ وَلْوَلَةً لَئِيمَة ،
حَتَّى إذَا فَتَحْتُ عَيْنِي
اختَطَفَتْهَا
وَحَطَّت فَوْقَ شُبَّاكِي ،
تَرْصُدُ الخَطْوَةَ الألِيمَة .
وَكُلُّ خَطْوَةٍ جَرِيمَة
فَمُدُّوا خُطَاكُم لأقْطَعَهَا خُطْوَةً خُطْوَة .
أنَا غَابَةٌ مَلْغُومَةٌ بِالشُّرُورِ الفَاتِنَة .
وَأنتُم امْتِحَانِي
( لَم أقُل – بَعْدُ – إنَّنِي مِحْنَتُكُم )
فَلْيَبْتَعِدِ المُلْتَصِقُونَ بِحِذَاءِ المُؤَسَّسَة ،
كَذُبَابٍ بَذِيء .
أمَّا الحَرَافِيش فَلَهُم بَيْتِيَ وَأسْرَارُ شُرُورِي ،
وَشَرِيعَتِي المُرِيبَة .
لَهُم غُرْبَتِي وَأغْرِبَتِي .
لاَ شَيءَ لِي
سَأقْطَعُهَا جَمِيعًا وَاحِدَةً وَاحِدَة .
فَمُدُّوهَا لِي
( هَا هِيَ البَلْطَةُ وَالحَبْلُ وَالسِّكِّين .
هَل نَسَيْتُ نَفْسِي ؟) .
سَأقْطَعُهَا ،
فَإمَّا أن تَبْتَعِدُوا وَإلاَّ
هَا أنَا أُرَمِّمُ بَصِيرَتِي وَأرْتُقُهَا وَأرفُوهَا
فِي انْتِظَارِ الصُّقُور .
أمْشِي خُطْوَاتٍ مِن نِسْيَان .
لاَ يَصْحَبُنِي أحَد : أرْفُسُهُ إلَى وَرَاء .
وَأُشْعِلُ النَّارَ فِي المَسَافَاتِ السَّابِقَة .
لاَ ذَاكِرَةَ لِي ،
وَلاَ حَنِيـن .
أمْشِي .
فَلْيَتَنَحَّ الجَمِيعُ عَن طَرِيقِي ،
أو يُخْفِضُوا رُؤُوسَهُم إلَى الأرْض ،
حَتَّى أنْسَى .
لَن أخْرِقَ الأرْضَ ، وَلَن أبْلُغَ الجِبَال
( لَسْتُ مَشْغُولاً بِذَلِك !)
فَلِمَاذَا يَأوِي إلَيَّ الرَّاحِلُون
( لَم أُصْبِح – بَعْدُ ـ مَقْبَرَة )
لِمَاذَا ـ حِينَ تَهُزُّ الرِّيحُ أغْصَانِي ـ
يَسَّاقَطُ الحُطَيْئَةُ وَبَشَّارُ وَرَامْبُو وَالمُتَنَبِّي وَمَايَاكُوفْسِكِي وَأبُو نُوَاس وَامرُؤُ القَيْسِ وَرِيتْسُوس وَتَأبَّطَ شَرًّا إلَخ
مَعَهُم تَسَّاقَطُ صَحْرَاوَاتٌ لَم أقْطَعْهَا ، وَخُمُورٌ لَم أشْرَبْهَا ، وَذُنُوبٌ لَم أرْتَكِبْهَا، وَنِسَاءٌ لَم أنْكحْهَا ، وَأحْلاَمٌ لَم أقْرَبْهَا ، وَحَمَاقَاتٌ لَم أقْتَرِفْهَا ، وَشَهَوَاتٌ لَم أذُقْهَا ، وَقَصَائِدُ لَم أكْتُبْهَا
لاَ بَأسَ ـ إذَن ـ أن أُشْعِلَ النَّارَ فِي الأغْصَان ،
وَأمشِي خُطْوَاتٍ مِن نِسْيَان .
لاَ تَسْألُوا عَنِّي أحَدًا .
رَاحِـل
كَطَلْقَة ،
أو شَجَرَةٍ تَأوِي إلَى حضْنِي
لَحْظَةَ الهُبُوب .
( مَا قُلْتُ إنَّهَا امرَأة .
هِيَ شَجَرَة ،
أو زَوْبَعَة ).
عَلَى قَلَقٍ أمْضِي ،
( كُلُّ الظُّنُونِ بَرِيئَة )
خَاوِيًا مِن الطُفُولَةِ وَالجِرَاحِ العَاطِفِيَّة ،
( فِي المُفْتَرَقَاتِ ، أُفْرِغُ نَفْسِي ،
وَأنْفُضُ البَقَايَا العَالِقَة )
إلَى جِرَاحٍ تَجِيء .
هَل آنَ آنِـي الآن ؟
لاَ رِيحَ تَعْرِفُنِي ،
وَلاَ ثِيَابِيَ الدَّاخِلِيَّة ،
لاَ مِتْرُو "عَبْدِ العَزِيز فَهْمِي" ،
وَلاَ صَوْتُ الطُّيُورِ اللَّيْلِيَّةِ قَبْلَ الفَجْر ،
وَلاَ
كَطَلْقَة ،
أو شَجَرَةٍ أرْمَلَةٍ ، عَقِيم .
أمْضِي
فَلْتَرْفَعُوا أقْدَامَكُم عَن ظِلِّيَ الخَلْفِي .
وَابْتَعِدُوا قَلِيـلا .
أطفُو مُتَأرجِحَا ،
مُتْرَعًا بِزُرْقَةٍ وَيُودٍ وَمِلْح .
مُوصَدَةٌ أبْوَابِي وَنَوَافِذِي
فِي وَجْهِ العَالَم .
مُوصَدٌ بِأقْفَالٍ وَمَزَالِيجَ لاَ تَصْدَأ .
لاَ يَعْتَرِيهَا نِسْـيَان ،
أو نُعَاس .
هُم حُرَّاسِيَ السَّاهِرُون ، أحِبَّائِي .
أسْهَرُ مَعَهُم فِي لَيَالِي الشِّتِاء ،
نُشْعِلُ أخشَابَ الذِّكرَيَاتِ الجَافَّة ،
وَنَرشُفُ الأَرَق ،
أو نَتَبَادَلُ الضَّحكَاتِ الخَائِبَة .
هُم زَبَانِيَتِي المَاكِرُون .
يَدُسُّـونَ لِيَ السُّمَّ فِي فِنجَانِ الفَجِيعَةِ الصَّبَاحِي ،
وَيَنْتَظِرُونَ انتِفَاضَتِي الأخِيرَة ؛
حَتَّى إذَا مَا عَبَرْتُ الفَجِيعَة مَرحًا ، خَجُولاَ :
أقَامُوا مَأتَمًا شَاهِقًا وَرَقْصَةً كَسِيرَة .
مُتْرَعًا أطْفُـو .
بِلاَ أسْمَاك ، أو نَوَارِس .
لاَ نِسْـيَانَ ، أو نُعَاس .
فَلِمَاذَا يَرْفَعُـونَ الرَّايَةَ السَّـوْدَاء ؟
قُلْتُ لَهَا : أنْتِ هُوَّة ،
وَأنَا حَجَر .
وَقُلْتُ : تَضِيقِينَ عَنِّي ،
فَلاَ أنْزَلِقُ فِيكِ ، أَو أَهْوِي .
وَقُلْتُ : كَيْفَ أنْفُذُ ـ أنَا الشَّاسِعُ الشَّاهِقُ ـ
فِي ثُقْبِ إبْرَةٍ يَتِيم .
وَقُلْت : أنَا أضْيَـقُ مِن نَفْسِــي .
فَكَيْفَ أتَّسِعُ لِي ؟
أنْتِ هُوَّة .
أنَا طَلْقَةٌ عَابِرَة .
عَكْسَ كُلِّ رِيح .
نَحْوَ الغِوَايَةِ الخَاسِرَة .
قُلْتُ : كُلُّ الخَسَارَاتِ مَنْذُورَةٌ لِي ،
وَكُلُّ التَّهلُكَاتِ المُضِيئَة .
قُلْتُ : فَلْيَرْتَفِع غِنَائِي ـ إِذَن ـ
نَشِـيجًا بَهِيجَا .
حَجَرٌ ، وَهَاوِيَة .
وَسَمَاءٌ مِن حَدِيد .
زَمَنٌ رَمْل .
وَأرضٌ خَاثِرَة .
فَلِمَاذَا أتَّسِعُ ، وَالوَقْتُ يَضِيق ؟
أشْيَاءٌ مَنْذُورَةٌ لِلفَرَارِ المَرِير .
وَحْدِي :
مَنْذُورٌ لِلرَّمَادِيِّ الصَّفِيق .
صَهِيلٌ غَابِرٌ يَغْفُو عَلَى المِيَاه .
وَمَرْأةٌ مَحْلُولَةٌ تَطْفُو عَلَى حُقُولِ الفُول ،
مَرْأةٌ مِن نُحَاس .
حَجَرٌ مِن سَمَاءٍ يَحُطُّ عَلَى نَافِذَتِي ،
وَيُومِئ .
وَأنَا أُوغِلُ فِي غُرُوبٍ بَازِغٍ ،
أو
أقْتَفِي ظِلِّي عَلَى مِيَاهِ النُّعَاس .
صَهِيلٌ ، وَمَرْأةٌ مِن مَطَر .
تَهْمِي طُيُورًا تَعُضُّنِي ،
أو تَشْرَبُنِي ،
ثُمَّ تَعْدُو عَلَى حُقُولِ الفُول :
مَرأةً مِن حَجَر .
مَحْلُولَةً تَجِيءُ أو تَمْضِي ،
فَيُومِئُ لِي حَجَرٌ مِن سَمَاء ،
فَأمْنَحَهَا رَصَاصَةً وَأشْجَارًا هِيرُوغْلِيفِيَّة .
تَأكُلُ الرًّصَاصَةَ هَنِيئًا ، مَرِيئَا .
وَتُطْلِقُ الأشْجَارَ فِي صَدْرِي ،
وَتَجْرِي .
عَلَى مِيَاهِ النُّعَاسِ أقْتَفِي أثَرِي .
ظِلِّيَ مَقْسُومٌ عَلَى خَطِّ الزَّوَال
( نِصْفٌ قَتِيل ،
وَنِصْفٌ مَغْرُوسٌ صَرْخَةً مِن رِمَال ).
وَفِي الخُطَى حَرَام .
خُطْوَةٌ أخْرَى ،
وَيُورِقُ العَوِيل .
أُهَيِّئُ نَفْسِي لِلْمَجْزَرَةِ القَادِمَة .
( لَم أخْسَر ـ فِي آخِرِ مَجْزَرَة ـ
غَيْرَ جُثَّتِي ، وَخَيْبَتِي المُتَكَرِّرَة )
أنَــا الوَلِيمَــةُ الدَّائِمَــة
أُرَمِّمُ قِلاَعِي وَحُصُونِي الوَهْمِيَّة .
أشُدُّ مِن أَزْرِ أطْلاَلِي بِالخُطَبِ الحَمَاسِيَّة
( أعْرِفُ أنَّهَا بِالِيَةٌ ، مَلِيئَةٌ بِالثُّقُوب )،
وَأَرْفَعُ العَلَم
( هُوَ ـ أيْضًا ـ أكَلَتْهُ العِثَّةُ وَعَوَامِلُ التَّعْرِيَة .
لَم يَبْقَ مِنْهُ سِوَى بَعْضِ الهَلاَهِيلِ المُلَوَّنَة )،
وَأرْفَعُ عَقِيرَتِي بِالنَّشِيدِ الوَطَنِي .
حُقُولٌ مِن جَمَاجِمِ المَجْزَرَةِ المَاضِيَة .
( هَل هِيَ لِي ؟
فَأيْنَ جُمْجُمَتِي ؟)
أُهَدْهِدُهَا فَلاَ تَغْفُو .
أُوَبِّخُهَا : صَبَاحُنَا القَادِمُ مَجْزَرَةٌ قَادِمَة .
تَعْوِي ،
وَتَأوِي إلَى صَدْرِي ،
فَأغْفُو مُشْرَعَ الأسْلِحَة .
أحْلُمُ بِالبَرَابِرَةِ القَادِمِين .
( لَم يَجِيئُوا فِي قَصِيدَةِ "كَفَافِي" .
لَكِنَّهُم وَعَدُونِي بِالمَجِيءِ ، عِنْدَ اكْتِمَالِ القَصِيدَة )
أُهَيِّئُ نَفْسِي لَهُم وَلِيمَةً ألِيمَة .
أتَطَيَّبُ بِالزَّنجَبِيلِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالكَافُورِ وَالقرُنْفُلِ وَالنِّسْرِين .
وَأنتَظِر :
شَهِيًّا ، جَمِيلاَ .
أنْتَظِر
وَأحْلُم بِالجَحَافِلِ وَالصَلْصَلَة .
أمْشِي عَلَى هَشِيمِ الوَقْتِ وَقْتًا شَائِكَا .
( لَيْسَت الأَرْضُ طِفْلَتِي اليَتِيمَة .
هِيَ كُرَةٌ خَاوِيَةٌ ، لاَ غَيْر !)
أُغَنِّي لِلانْهِيَارَاتِ وَالشُّرُوخِ وَالهَزَائِمِ القَاصِمَة ،
وَلِنَفْسِي .
( هَل هُنَاكَ عِلاَقَةٌ مَا ؟)
وَأعْبُرُ الأطْلاَلَ وَالرُّكَامَ مَرحَا :
ـ "عِمْتُم مَسَاءً أجْمَلَ الفُرْسَان !
أيْنَ رَاحَت خُيُولُكُم الشَّاهِقَة ؟
يَا لَهَا مِن ذِئَابٍ عَارِمَة !"
وَقْتٌ هَشِيمٌ يَنْصُبُ الفِخَاخَ لِي .
( كُلَّمَا وَقَعْتُ فِي فَخ ،
سَمِعْتُ قَهْقَهَتَه الشَّامِتَةَ خَلْفِي ،
فَأتَشَهَّى الفَخَّ الجَدِيد )
يَقُولُ : أنْتَ أخِي وَخِلِّيَ الوَفِي .
أنْتَ صَفِيِّي وَقَرِينِيَ البَهِي .
يَصْفَعُنِي بِالسُّـؤَال ،
وَيَخْتَفِي خَلْفَ الشَّجَرَة .
أَمشِي .
( لَيْسَت كُرَةً خَاوِيَةً ، أو جُرْحَا .
إنَّهَا مُحَاوَلَةٌ حَامِضَة )
وَتَحْتَ أقْدَامِي رَمَادُ الكَائِنَاتِ المُجْهَضَة .
يَقْضُمُنِي قَضْمَةً قَضْمَة ،
( أعْرِفُ أنَّ مَذَاقِيَ مُرٌّ ، "كَطَعْمِ العَلْقَم")
وَيَلْفُظُنِي مُسْتَرِيبَا .
فَأمْشِي : مَرحَا ،
أُغَنِّي
لِلْخَسَارَاتِ القَادِمَة .
أمضِي فِي الظَّهِيرَةِ الهُوَيْنَى ،
مَحْفُوفًا بِالفَرَاشَاتِ وَالطُّيُور ،
مُتْرَعًا بِالرِّضَى عَنِ العَالَم .
كُلُّ شَيْءٍ هَادِئٌ فِي مَكَانِه :
المَاءُ فِي الكُوبِ ، وَالقَتْلَى فِي الشَّوَارِع ،
البُومُ فِي الخَرَائِبِ ، وَالجُثَثُ فِي الثِّيَاب ،
وَالضِّبَاعُ فِي المُدُنِ وَالعَوَاصِم ،
وَأنَا أمضِي الهُوَيْنَى ،
أُصَفِّرُ النَّشِيدَ الوَطَنِي
(لَم أعثُر ـ فِي الذَّاكِرَةِ ـ عَلَى غَزَلِيَّةٍ تَلِيقُ بِالمَقَام)
مَحْفُوفًا أمضِي .
طَلَل .
وَفَوْقَ رَأسِي غَيْمَةٌ مِن حَدِيد .
( لَن يَنَالَنِي ـ إذَن ـ قَصْفُ الطَّائِرَاتِ "الشَّبَح" ،
وَلاَ مَدَافِعِ الأُسْطُولِ ، أو صَوَارِيخِ "بَاترِيُوت" )
تَهْطِلُ المَنَّ وَالسَّلْوَى ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يَوْمِيًّا
( تَسْبِقُنِي إلَيْهَا فَرَاشَاتِي وَطُيُورِي ،
فَلاَ يَبْقَى لِي مِنْهَا شَيء .
وَإِذَا مَا زَاحَمْتُهَا أخْرَجَت لِي مَخَالِبَهَا وَأنْيَابَهَا )
وَفِي المَرَّةِ الرَّابِعَة تُمْطِرُنِي بِالقِرْمِيد .
( لاَ تُحِبُّ مَذَاقَه الفَرَاشَاتُ وَالطُّيُور ،
فَألتَهِمَه فِي شَبَقٍ كَظِيم )
وَأنَا سَادِرٌ فِي النَّشِيد .
ظَهِيرَةٌ أبَدِيَّـة .
وَقَتْلَى يَسُدُّونَ الشَّوَارِع .
( رُبَّمَا كُنْتُ أحَدَهُم )
وَالكُوبُ فِي المَاءِ ، وَالخرَائِبُ فِي البُوم ،
وَالعَوَاصِمُ فِي الضِّبَاعِ ،
وَكُلُّ شَيءٍ فِي مَكَانِه هَادِئ .
فَلِمَن تِلْكَ الأَصْوَاتُ المُقْتَرِبَـة ؟
حِينَمَا اسْتَيْقَظْت كَانَ مُنْتَصَفُ اللَّيْل .
( هَكَذَا سَبَقَنِي "رَامبُو" )
أَصْنَامٌ تَتَصَاعَدُ مَعَ آذَانِ الدِّيَكَة ،
حُشُودٌ قَتْلَى يَجُوسُونَ المُدُنَ وَالقُرَى ،
فَتَنْفَجِرَ غَابَةُ المَآذِنِ بِالصُّرَاخِ وَالعَوِيل ،
شَمْسٌ تَقْلِي الشَّوَارِع ،
وَصَحْرَاءُ تَأخُذُ شَكْلَ مَقْبَرَةٍ وَبُحَيْرَةِ دَم ،
أبْنِيَةٌ لاَمِعَةٌ مَنْذُورَةٌ لِبُومٍ قَادِم ،
وَأوْرَاقٌ غَيْمَةٌ سَامَّة ،
تُمْطِرُ أشْلاَءَ بَاهِظَةً وَكَلاَمًا مِن عَطَن ،
وَالأنَاشِيدُ تَقْتَاتُ لَحْمَ الأطْفَال .
عُمْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَضَى حَتَّى مُنْتَصَفِ الوَيْل .
( هَل كَانَ النَّوْمُ أُمًّا ،
أم كَانَ ضَبْعًا غَائِمًا ؟)
وَصَحْوٌ مُسْتَطِيرٌ عَلَى أسْرَابِ نُعُوشٍ شَهِيَّة .
طُبُولٌ زَاعِقَةٌ ، وَخِصْيَانٌ ، وَعَاهِرَاتٌ مُتَوَّجَاتٌ ،
عَسْكَرٌ مُدَجَّجٌ ، وَقَوَّادُون ، وَبَيَارِقُ مُرَتَّقَة ،
وَالنَّشِيدُ الوَطَنِي .
( أشْيَاءٌ بَاهِرَةٌ تَحْسِدُنِي عَلَيْهَا ظَهِيرَةُ "رَامبُو" )
شَايُ الصُّبْحِ بِالحَلِيبِ ، دُعَاءُ أُمِّي وَأنَا أخْطُو إلَى الشَّارِع ، أنَاشِيدُ المَدْرَسَةِ ، ثِيَابُ عِيدِ الفِطْرِ ، التِقَاطُ التُّوتِ مِنَ الغُصُونِ القَرِيبَةِ ، أحْلاَمُ اليَقَظَةِ بِابْنَةِ الجِيرَانِ ، الفَرْحَةُ بِالرَّغِيفِ الأوَّلِ السَّاخِنِ ، خَوْفِي مِن عَصَا أبِي كُلَّ خَمِيسٍ، وَطِفْلٌ يَركُضُ فِي الحَارَاتِ تَحْتَ المَطَرِ .
( تِلْكَ قَائِمَةٌ أوَّلِيَّةٌ لِمَسْرُوقَاتِي ).
أيُّهَا النَّومُ الجَبَان :
لِمَاذَا جَعَلْتَنِي ضَحِيَّةَ اللُّصُوصِ وَالقَتَلَة ؟